عرض مشاركة واحدة
قديم 28-04-2008, 05:30 AM   #13
دمعة خيانه
V I P


الصورة الرمزية دمعة خيانه
دمعة خيانه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 21073
 تاريخ التسجيل :  08 2007
 أخر زيارة : 18-03-2013 (05:34 AM)
 المشاركات : 6,409 [ + ]
 التقييم :  56
لوني المفضل : Cadetblue


فصل‏:‏ وأما الأمر الطبي

‏:‏ فهو أن الحرير من الأدوية المتخذة من الحيوان، ولذلك يعد في الأدوية الحيوانية، لأن مخرجه من الحيوان، وهو كثير المنافع، جليل الموقع، ومن خاصيته تقوية القلب، وتفريحه، والنفع من كثير من أمراضه، ومن غلبة المرة السوداء، والأدواء الحادثة عنها، وهو مقو للبصر إذا اكتحل به، والخام منه ـ وهو المستعمل في صناعة الطب ـ حار يابس في الدرجة الأولى‏.‏ وقيل‏:‏ حار رطب فيها‏:‏ وقيل‏:‏ معتدل‏.‏ وإذا اتخذ منه ملبوس كان معتدل الحرارة في مزاجه، مسخنًا للبدن، وربما برد البدن بتسمينه إياه‏.‏

قال الرازي‏:‏ الإبريسم أسخن من الكتان، وأبرد من القطن، يربى اللحم، وكل لباس خشن، فإنه يهزل، ويصلب البشرة وبالعكس‏.‏

قلت‏:‏ والملابس ثلاثة أقسام‏:‏ قسم يسخن البدن ويدفئه، وقسم يدفئه ولا يسخنه، وقسم لا يسخنه ولا يدفئه، وليس هناك ما يسخنه ولا يدفئه، إذ ما يسخنه فهو أولى بتدفئته، فملابس الأوبار والأصواف تسخن وتدفئ، و ملابس الكتان والحرير والقطن تدفئ ولا تسخن، فثياب الكتان باردة يابسة، وثياب الصوف حارة يابسة، وثياب القطن معتدلة الحرارة، وثياب الحرير ألين من القطن وأقل حرارة منه‏.‏

قال صاحب المنهاج‏:‏ ولبسه لا يسخن كالقطن، بل هو معتدل، كل لباس أملس صقيل، فإنه أقل إسخانًا للبدن، وأقل عونًا في تحلل ما يتحلل منه، وأحرى أن يلبس في الصيف، وفي البلاد الحارة‏.‏

ولما كانت ثياب الحرير كذلك، وليس فيها شيء من اليبس والخشونة الكائين في غيرها، صارت نافعة من الحكة، إذ الحكة لا تكون إلا عن حرارة ويبس وخشونة، فلذلك رخص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للزبير وعبد الرحمن في لباس الحرير لمداواة الحكة، وثياب الحرير أبعد عن تولد القمل فيها، إذ كان مزاجها مخالفًا لمزاج ما يتولد منه القمل‏.‏

وأما القسم الذي لا يدفئ ولا يسخن، فالمتخذ من الحديد والرصاص، والخشب والتراب، ونحوها، فإن قيل‏:‏ فإذا كان لباس الحرير أعدل اللباس وأوفقه للبدن، فلماذا حرمته الشريعة الكاملة الفاضلة التي أباحت الطيبات، وحرمت الخبائث‏؟‏

قيل‏:‏ هذا السؤال يجيب عنه كل طائفة من طوائف المسلمين بجواب، فمنكرو الحكم والتعليل لما رفعت قاعدة التعليل من أصلها لم يحتاجوا إلى جواب عن هذا السؤال‏.‏

ومثبتو التعليل والحكم ـ وهم الأكثرون ـ منهم من يجيب عن هذا بأن الشريعة حرمته لتصبر النفوس عنه، وتتركه لله، فتثاب على ذلك لا سيما ولها عوض عنه بغيره‏.‏

ومنهم من يجيب عنه بأنه خلق في الأصل للنساء، كالحلية بالذهب، فحرم على الرجال لما فيه من مفسدة تشبه الرجال بالنساء، ومنهم من قال‏:‏ حرم لما يورثه من الفخر والخيلاء والعجب‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ حرم لما يورثه بملامسته للبدن من الأنوثة والتخنث، وضد الشهامة والرجولة، فإن لبسه يكسب القلب صفة من صفات الإناث، ولهذا لا تكاد تجد من يلبسه في الأكثر إلا وعلى شمائله من التخنث والتأنث، والرخاوة ما لا يخفى، حتى لو كان من أشهم الناس وأكثرهم فحولية ورجولية، فلا بد أن ينقصه لبس الحرير منها، وإن لم يذهبها، ومن غلظت طباعه وكثفت عن فهم هذا، فليسلم للشارع الحكيم، ولهذا كان أصح القولين‏:‏ أنه يحرم على الولي أن يلبسه الصبي لما ينشأ عليه من صفات أهل التأنيث‏.‏

وقد روى النسائي من حديث أبي موسى الأشعري، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الله أحل لإناث أمتي الحرير والذهب، وحرمه على ذكورها‏)‏‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم‏)‏‏.‏

وفي صحيح البخاري عن حذيفة قال‏:‏ نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن لبس الحرير والديباج، وأن يجلس عليه، وقال‏:‏ ‏(‏و لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة‏)‏‏.‏

في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج ذات الجنب

روى الترمذي في جامعه من حديث زيد بن أرقم، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏

‏(‏تداووا من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت‏)‏‏.‏

وذات الجنب عند الأطباء نوعان‏:‏ حقيقي وغير حقيقي‏.‏ فالحقيقي‏:‏ ورم حار يعرض في نواحي الجنب في الغشاء المستبطن للأضلاع‏.‏ وغير الحقيقى‏:‏ ألم يشبهه يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات، فتحدث وجعًا قريبًا من وجع ذات الجنب الحقيقي، إلا أن الوجع في هذا القسم ممدود، وفي الحقيقي ناخس‏.‏

قال صاحب القانون‏:‏ قد يعرض في الجنب، والصفاقات، والعضل التي في الصدر، والأضلاع، ونواحيها أورام مؤذية جدًا موجعة، تسمى شوصة وبرسامًا، وذات الجنب‏.‏ وقد تكون أيضًا أوجاعًا في هذه الأعضاء ليست من ورم، ولكن من رياح غليظة، فيظن أنها من هذه العلة، ولا تكون منها‏.‏ قال‏:‏ واعلم أن كل وجع في الجنب قد يسمى ذات الجنب اشتقاقًا من مكان الألم، لأن معنى ذات الجنب صاحبة الجنب، والغرض به ها هنا وجع الجنب، فإذا عرض في الجنب ألم عن أي سبب كان نسب إليه، وعليه حمل كلام بقراط في قوله‏:‏ إن أصحاب ذات الجنب ينتفعون بالحمام‏.‏ قيل‏:‏ المراد به كل من به وجع جنب، أو وجع رئة من سوء مزاج، أو من أخلاط غليظة، أو لذاعة من غير ورم ولا حمى‏.‏

قال بعض الأطباء‏:‏ وأما معنى ذات الجنب في لغة اليونان، فهو ورم الجنب الحار، وكذلك ورم كل واحد من الأعضاء الباطنة، وإنما سمي ذات الجنب ورم ذلك العضو إذا كان ورمًا حارًا فقط‏.‏

ويلزم ذات الجنب الحقيقي خمسة أعراض‏:‏ وهي الحمى والسعال، والوجع الناخس، وضيق النفس، والنبض المنشاري‏.‏

والعلاج الموجود في الحديث، ليس هو لهذا القسم، لكن للقسم الثاني الكائن عن الريح الغليظة، فإن القسط البحري ـ وهو العود الهندي على ما جاء مفسرًا في أحاديث أخر ـ صنف من القسط إذا دق دقًا ناعمًا، وخلط بالزيت المسخن، ودلك به مكان الريح المذكور، أو لعق، كان دواء موافقًا لذلك، نافعًا له، محللًا لمادته، مذهبًا لها، مقويًا للأعضاء الباطنة، مفتحًا للسدد، والعود المذكور في منافعه كذلك‏.‏

قال المسبحي‏:‏ العود‏:‏ حار يابس، قابض يحبس البطن، ويقوي الأعضاء الباطنة، ويطرد الريح، ويفتح السدد، نافع من ذات الجنب، ويذهب فضل الرطوبة، والعود المذكور جيد للدماغ‏.‏ قال‏:‏ ويجوز أن ينفع القسط من ذات الجنب الحقيقية أيضًا إذا كان حدوثها عن مادة بلغمية لا سيما في وقت انحطاط العلة، والله أعلم‏.‏

وذات الجنب‏:‏ من الأمراض الخطرة، وفي الحديث الصحيح‏:‏ عن أم سلمة، أنها قالت‏:‏ بدأ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمرضه في بيت ميمونة، وكان كلما خف عليه، خرج وصلى بالناس، وكان كلما وجد ثقلًا قال‏:‏ ‏(‏مروا أبا بكر فليصل بالناس‏)‏، واشتد شكواه حتى غمر عليه من شدة الوجع، فاجتمع عنده نساؤه، وعمه العباس، وأم الفضل بنت الحارث وأسماء بنت عميس، فتشاوروا في لده، فلدوه وهو مغمور، فلما أفاق قال‏:‏ ‏(‏من فعل بي هذا، هذا من عمل نساء جئن من ها هنا، وأشار بيده إلى أرض الحبشة، وكانت أم سلمة وأسماء لدتاه، فقالوا‏:‏ يا رسول الله ‏!‏ خشينا أن يكون بك ذات الجنب‏.‏ قال‏:‏ فبم لددتموني‏؟‏ قالوا‏:‏ بالعود الهندي، وشيء من ورس، وقطرات من زيت‏.‏ فقال‏:‏ ما كان الله ليقذفني بذلك الداء، ثم قال‏:‏ عزمت عليكم أن لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي العباس‏)‏‏.‏

وفي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت‏:‏ لددنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأشار أن لا تلدوني، فقلنا‏:‏ كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال‏:‏ ‏(‏ألم أنهكم أن تلدوني، لا يبقى منكم أحد إلا لد غير عمي العباس، فإنه لم يشهدكم‏)‏‏.‏

قال أبو عبيد عن الأصمعي‏:‏ اللدود‏:‏ ما يسقى الإنسان في أحد شقي الفم، أخذ من لديدي الوادي، وهما جانباه‏.‏ وأما الوجور‏:‏ فهو في وسط الفم‏.‏

قلت‏:‏ واللدود ـ بالفتح‏:‏ ـ هو الدواء الذي يلد به‏.‏ والسعوط‏:‏ ما أدخل من أنفه‏.‏

وفي هذا الحديث من الفقه معاقبة الجاني بمثل ما فعل سواء، إذا لم يكن فعله محرمًا لحق الله، وهذا هو الصواب المقطوع به لبضعة عشر دليلًا قد ذكرناها في موضع آخر، وهو منصوص أحمد وهو ثابت عن الخلفاء الراشدين، وترجمة المسألة بالقصاص في اللطمة والضربة، وفيها عدة أحاديث لا معارض لها البتة، فيتعين القول بها‏.‏

فصل‏:‏ في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج الصداع والشقيقة

روى ابن ماجه في سننه حديثًا في صحته نظر‏:‏ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا صدع، غلف رأسه بالحناء، ويقول‏:‏ ‏(‏إنه نافع بإذن الله من الصداع‏)‏‏.‏


 

رد مع اقتباس