الاكتئاب والانتحار

الاكتئاب والانتحار

يعتبر الانتحار في الاكتئاب من أكثر الأعراض خطورة نظراً لما يحويه من إنهاء الفرد لذاته حيث أن 50 – 70 % من الانتحار الناجح يكون سببه الاكتئاب الذي لم يشخص والسبب في ذلك أن هذا المرض أحياناً يزحف ببطء وبأعراض خفية كأعراض جسمية أو أرق أو اضطرابات جنسية أو عدم اهتمام المريض بما حوله بحيث لا يشكو من الاكتئاب .



إن الفكر القاتم والوجدان العقيم الذي يركز الشخص المكتئب حياته النفسية فيه ويسجن نفسه في غياهبه إنما يجعل حياته قاتمة ، ويحيل آماله إلى يأس ، والتوتر لديه إلى ضعف ، كما يحيل كل ما يمكن أن يسعد ذلك الشخص إلى وسيلة لتكديره ، أو هو لا يتأثر يما يبعث السرور والأمل في النفس من قريب أو من بعيد . ومثل هذا الحال يدفع المكتئب في الغالب إلى اليأس من الحياة ، بل إنه في الغالب يفكر في الانتحار أو يقدم بالفعل على القضاء على حياته بيديه



نجد أن التفكير في التخلص من الحياة كحل لوضع حد لمعاناة الاكتئاب من الأعراض الرئيسية المتكررة في معظم حالات الاكتئاب ، وهناك عوامل كثيرة تتدخل في هذا التفكير منها شدة حالة الاكتئاب وطبيعة المشكلات التي يعاني منها المريض في حياته وارتباطه بأسرته ومعتقداته الدينية والفكرية ، وقد تسهم كل هذه العوامل في أن يسيطر المريض على فكرة إيذاء النفس أو الانتحار أو على العكس من ذلك قد تدفعه إلى الإقدام على الانتحار حيث لا يجد أي دعم أو مساندة من المحيطين به أو يفقد الأمل تماماً في الخروج من الحالة التي يعاني منها



ربما تعد الرغبات والمحاولات الانتحارية هي التعبير النهائي عن الرغبة في الهروب ، فالاكتئابي يرى أن مستقبله مثقل بالألم والعناء ، ولا يجد من سبيل لتخفيف عذابه وتحسين وضعه ، ولا يعتقد أنه سوف يصير إلى الأفضل … فالانتحار لا يعدو فقط نهاية لشقائه وبؤسه بل يفترض أيضاً أن يرفع عن أسرته عبئاً ثقيلاً ، وما يكاد الاكتئابي يرى الموت أفضل إليه من الحياة حتى يشعر بانجذاب نحو الانتحار ، وبقدر ما تبدو حياته أشد بؤساً وألماً يشتد قوته إلى وضع نهاية لها



فقد ثبت أن أكثر الذين أقدموا على الانتحار قد عبروا عن نيتهم على ذلك ، مما يدعو إلى أخذ هذه الأفكار بجدية من الأهل أو الأصدقاء ، ومنها أيضاً الذين


يحاولون الانتحار ويفشلون في ذلك لا يكونون جادين في انتحارهم وذلك غير صحيح أيضاً ، فكثير من الذين يحاولون مرة ربما يحاولون ثانية وثالثة إلى أن ينهوا حياتهم منتحرين .



حيث تشير منظمة الصحة العالمية في أواخر التسعينات إلى أن عدد حالات الانتحار في أنحاء العالم يبلغ (800) ألف حالة سنوياً ، ويعتبر الاكتئاب النفسي هو السبب الرئيسي في 80 % من حالات الانتحار



إن المفاهيم السائدة تعتبر أن الاكتئاب مسؤول مباشر عن السلوك الانتحاري أو تعزو إلى الاكتئاب والانتحار (سبقيته) مشتركة كالعدوانية المرتجعة ضد الذات بالنسبة إلى التحليل النفسي أو الإدراك المعرفي الذي يهيمن عليه اليأس والتشاؤم بالنسبة إلى وجهة النظر المعرفية ولكن السلوك الانتحاري في الوقت نفسه يمكن أن يشكل نوعاً من الدفاع ضد الاكتئاب أو على العكس من ذلك يبدو الاكتئاب كمحاولة دفاعية ضد الانتحار ، فالسلوك الانتحاري قد يبدو وكأنه وسيلة لتجنب المواجهة مع الاكتئاب والآفة .

هناك بعض العلامات التي يستدل بها الأطباء النفسيون على إن بعض مرضى الاكتئاب لديهم دافع قوي على الإقدام على الانتحار ، ومن هذه العلامات إحساس المريض بالضيق الشديد وبأن صبره قد نفد ولم يعد لديه القدرة على الاحتمال ، وهو في هذه الحالة يبدو مستسلماً ولا يرحب بمناقشة مشكلاته أو البحث عن حلول لها لأن الحل بالتخلص من الحياة يبدو أمامه وكأنه الخيار الوحيد والأمثل في حين يغلق الباب أمامه أية حلول أخرى ، وقد يتساءل المريض عن أهمية الحياة وقيمتها ويذكر أنه لا سند له في هذه الدنيا وأن الحياة مظلمة ولا أمل في المستقبل ويفسر علماء النفس الانتحار بأنه نوع من العدوان الداخلي الذي يرتد إلى النفس بدلاً من الخروج إلى المحيطين لدى الشخص . ولوحظ زيادة نسبة الانتحار تكون في المدن مقارنة بالمناطق الريفية والسبب انعدام الروابط الإنسانية في المدن المزدحمة مما يزيد من شعور الفرد بالعزلة رغم أنه وسط زحام من الناس .



ويكثر الانتحار بين المسنين وبين هؤلاء ذوي الشخصية المتكاملة السوية وفي الحالات الحادة الشديدة ، وخاصة تزيد أعراض التهيج والإثارة واليأس وتأنيب الضمير والشعور بالذنب ومحاولات الانتحار في الاكتئاب تأخذ طابعاً جدياً وليس كما هي الحال في الهستيريا ، فنجد المريض يحاول شنق نفسه أو إطلاق الرصاص على رأسه أو إلقاء نفسه من أعلى أو فتح أنبوبة الغاز … وهكذا أو أحياناً ما يصاحب عملية الانتحار قتل بعض أو أحد الأعزاء أو الأقرباء ولا يقتل المريض للرغبة في القتل بل اعتقاداً منه أنه ينقذ أحباءه من هذه الحياة المظلمة والتعاسة الأبدية وأنه لا يستطيع تركهم يعانون كما يعاني فنجد الزوج يقتل أولاده وزوجته ثم ينتحر أو تقتل الأم طفلها ثم تنتحر.

يعتبر الباحث أن مريض الاكتئاب الذي يستفحل مرضه وتتفاقم أعراضه يصل إلى قناعة بأنه لا خلاص له إلا الانتحار ، وذلك لكي يريح نفسه ويهرب من آلامه وبؤسه الشديد نتيجة المشكلات التي يعاني منها أو الذنوب والمعاصي التي ارتكبها . ونجده يتعرض لحالة انفعالية ونفسية سيئة من الهياج واليأس وتأنيب الضمير ، حيث لا يكتفي بالتخلص من حياته فحسب ، إنما يلجأ في بعض الأحيان إلى قتل أقرب الناس إليه من أولاده أو أفراد أسرته وأحبائه ، ليس بدواعي الكراهية والبغض لهم أو الانتقام منهم ، فهو على قناعة تامة واعتقاد جازم بحبه لهم ومساعدته في إنقاذهم من العذاب واليأس الذي يتعرضون له.

وفي النهاية ادعوا الجميع الى الصبر ثم الصبر مثل صبر نبينىا أيوب(ع) على مرضه وصبر يعقوب (ع) على فقد يوسف (ع) وصبر نبينا محمد(ص) ان لا نموت منتحرين.

المصدر: نفساني

نسال الله ان يمن علينا بالشفاء العاجل من هذه الامراض

اللهم آمين ... أشكركم