|
|
||||||||||
الملتقى العام لكل القضايا المتفرقة وسائر الموضوعات التي لا تندرج تحت أي من التصنيفات الموجودة |
|
أدوات الموضوع |
04-04-2023, 12:20 AM | #1 | |||
عضو جديد
|
لذة العقل
رسالة إنسان إلى كل إنسان لذة العقل بقلم الباحث: منير عبدالسلام قنيش << المعرفة الصحيحة سر الحياة السعيدة >> تحت هذا الشعار قامت دراستي وبحثي في المعرفة الإنسانية التي من خلالها وجدت ثغرات كبيرة ومتعددة يتفرق مجموعها على أرضية الفكر تحول بين الحقيقة الكلية وكل من حاول السعي وراءها، ومن أجل هذا الغرض فكرت في أن أجمع في كتاب "لذة العقل" النتائج والمعلومات التي توصلت إليها بعد سنين من البحث والدراسة الحرة بعيدا عن جدران الجامعة، موفقا في ذلك بكل الوسائل المتاحة بين حياتي الفكرية هذه وحياتي العملية والأسرية. ما توصلت إليه جاء في الحقيقة نتيجة لعمل مستمر كنت أعلم يوم انشغلت به أنه قد يستغرق وقتا كبيرا من حياتي، إلا أن إصراري وتشبثي بالبحث عن الحقيقة بعدما راودني الشك فيما تعلمته ودرسته وانتابني الشعور بالبحث بجدية عما يليق بعقلي وبمتطلباته، خصوصا أنني أعيش في زمن تسقط فيه المعلومات العلمية كالمطر الغزير على الإنسان كما تكاد تخنقه الحقائق المبعثرة والتي تبدو كالمتناقضات، كل ذلك جعلني أفكر آنذاك بأن أضع لهذا العمل مكانا خاصا في برنامج حياتي خصوصا أنني كنت في أمس الحاجة إلى أن يكون لي لون خلقت من أجله. إن الهدف من الدراسة كان عندي ولا يزال هو التعلم ومعرفة حقائق الأشياء وقوانينها، وليس الحصول على الشهادة أو الوظيفة. لهذا السبب كان علي أن أستوثق بدقة وأن أتأكد مما سيلائم مواهبي من الأعمال التي سأندفع وراء تحقيقها حتى لو كلفني الأمر إتباع نهج خاص غير مألوف عند الناس في البحث عن مسألة تخص سعادتي. أخي الإنسان: سلام تام بوجود نظام عام وبعد، يسعدني أن أكتب إليك رسالتي هذه كما يشرفني أن أحيطك علما بشأن مسألة جديدة تخص المعرفة ومستقبل البحث العلمي، لكن يصعب علي في الوقت ذاته أن أطلعك على حال واقعنا المؤسف الذي أصبحنا نعيشه الآن نحن هنا وكذلك أنتم هناك والآخرون في كل مكان، واقعنا الذي يجتمع فيه الأخلاقي مع اللاأخلاقي و تتناقض فيه القوانين مع الظواهر كما تحدث فيه أشياء أخرى غريبة نستشعرها فقط دون أن نراها مثلما نستشعر ألم المرض دون أن نراه. وبالرغم من أننا نجد أنفسنا لا نطيقه فنحن نتقبله ونتأقلم معه بكل الوسائل الممكنة. لقد أصبحنا نعيش حالة اجتماعية زائفة للأسف، ومهما وصل الحال فالواحد منا لا يستطيع أن يعيش بدون الآخر وبدون الاحتكاك معه وإلا فلا حاجة له للمبادئ والمنهجيات. سيدي الإنسان، سأحاول في خطابي هذا أن أطلعك كما قلت على مسألة في غاية الأهمية وعلى مفهوم جديد سيمكنك من استيعاب معنى النظام الذي لا غنى عنه بالنسبة إليك من أجل فهم عميق للتواصل الذي يربطك بالآخر، بالطبيعة وبالله في آن واحد، وإنني لأرجو أن تجد فيه ما يجعلك تستطعم ذوق هذا النظام. يعرف النظام على أنّه مجموعة من الأجزاء المرتبطة ببعضها البعض وفق علاقة متبادلة تسير على معايير محدّدة بغية تحقيق هدف معيّن. وبالتالي يمكن القول، الكون نظـام، الـذرة نظـام، الدولة نظام، الأسرة نظام، الكائن نظام، الخلية نظام،.. وغيرها من الأنظمة. والنظام عموما هو نسق شمولي يضم أنظمة جزئية عديدة ومختلفة لكن ورغم اختلاف وظائفها تبقى دائما محتفظة بنفس الخصائص وتعمل ضمن نطاقه. وتعد النظمة الثلاثية أصغر جزء في هذا النظام العام ، إنها الجزء الذي لا يتجزأ فيه، وإذا تجزأت عمّت الفوضى. وهنا سأتناول قضية هذه النظمة الثلاثية بالبحث في مجالات عديدة سأحددها في ثلاثة فصول لها علاقة وطيدة بك سيدي الإنسان. في الفصل الأول سأناقش النظام في الفكر: لقد قمت من خلال عملي الفكري هذا بتوحيد التيارات الفكرية الثلاثة داخل نظمة واحدة أسميها النظمة الثلاثية الفكرية أو الأسرة المعرفية وهي بمثابة الخلية داخل جسم الفكر، هذه النظمة هي وحدة نظام الفكر... يتآلف فيها بشكل ملتحم كل من الدين والفلسفة والعلم وتتجسد على شكل أسرة فكرية تعمل بالتوافق على إنتاج الأفكار وتحصيل المعرفة، وتهدف في نشاطها إلى تنظيم الفكر وتخليصه من الفوضى. وهي لا تعد مركبة بهذا الاعتبار من أنماط متضاربة بل من أجزاء تكمل بعضها بعض. وفي الفصل الثاني سأشرح النظام في الاجتماع: وستكون النظمة الثلاثية الاجتماعية تمثل فيه وحدة نظام البشرية، التي تهدف إلى تطور الجنس البشري واستمراريته. هذه الوحدة هي الأسرة، المتألفة من الأب والأم والأبناء، وتعد أصغر جزء في نظام البشرية. وعلى ضوئها سيحمل هذا الفصل بين سطوره نموذجا لنظام اجتماعي عالمي سيساعد على تأسيس وتشييد حضارة عالمية تعكس الصورة الحقيقية التي ينبغي على الإنسانية أن تظهر عليها. أما الفصل الثالث سأتناول فيه النظام في الأشياء المادية: إن النظمة الثلاثية المادية تمثل هنا وحدة نظام المادة، وهي تهدف إلى حفظ الطاقة التي تمتلكها الذرة التي تعتبر القاسم المشترك بين جميع الأشياء الموجودة. وتتألف الذرة من البروتونات والنيوترونات ثم الإليكترونات، كما تعد أصغر جزء في نظام المادة، إنها الجزء الذي لا يتجزأ فيه. وإن تجزأت فسيسود الدمار ولن يبقى هناك نظام. ثلاثة أشياء مرتبطة فيما بينها، الأول ينتج عنه الثاني وبفضلهما معا ينتج الثالث والغاية واحدة هي الاستقرار والتوازن تماما كما هو الأمر في الفكر وفي الاجتماع.. في هذا الفصل سوف أتناول كذلك مسألة البدايات والمسلمات الخاطئة التي اعتمدها علماء القرن العشرين في نظرياتهم لشرح ظواهر الكون ومظاهره. إن الصورة الجهنمية التي رسموها لبداية الكون ولباطن الأرض ما هي إلا نسخة مطابقة لصورة جهنم التي كانت أمهاتهم تخيفهم بها في صغرهم. إنهم يحسبون أنفسهم تخلصوا من الخرافة كما يعتبرونها إلا أنها لا تزال في صميم عقولهم وتسمع من خلال صوت صمتهم. أضف إلى ذلك زعمهم الوصول إلى القمر ورحلاتهم إلى الفضاء الخارجي وهم لم يتجاوزوا مسافة 750 كلم صعودا محاولين خداع الأبصار بصور وأفلام صنعها مخرجون سينمائيون. من السهل أن نخدع أنفسنا دون أن نلحظ ذلك لكن من الصعب أن نخدع غيرنا دون أن يلحظوا. وهذا يعتبر من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ظهور أصحاب فكرة الأرض المسطحة، لأنه عندما يفقد الانسان اعتقاده وايمانه بمُسَلَّمة ما يبحث لا مناص عن مُسَلَّمة أخرى يبني عليها نسقا لأفكاره. ولنفترض أنهم وصلوا إلى القمر والمريخ، مع أنه أمر مستحيل حسب معطيات العلم الحالي، كيف كان يتم تواصل طاقم السفن الفضائية التي تجوب الفضاء حسب زعمهم مع المنصة على الأرض أو مع محطة الفضاء الدولية، علما أنه في دراستهم لطبقات الغلاف الجوي يؤكدون على وجود طبقة يطلقون عليها الأينوسفير تتموضع بين التيرموسفير والإكزوسفير وتتميز هذه الطبقة بدرجة حرارة عالية تتراوح ما بين 500 و 1500 درجة مئوية لن تنجح أي مركبة في اجتياز سمكها دون أن تحترق، كما يقولون عنها بأنها متأينة لاحتوائها على كميات من الاوكسجين والنتروجين المتأين. والتأين هو فقدان الذرة لبعض من إليكتروناتها بسبب امتصاص هذه الطبقة للأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس حيث تعمل على نزع إليكترونات هذه الذرات وتركها في حالة تأين ما يجعلها تلعب دور المرآة العاكسة حيث تعكس موجات الراديو وإشارات اللاسلكي الطويلة وهو الأمر الذي يساعد على إرسال إشارات الراديو من مكان إلى أخر على سطح الأرض وهذا ما يتيح كذلك الاتصال من الأرض بمحطة الفضاء الدولية المتواجدة تحت هذه الطبقة. فحسب العلماء لو لم تكن هناك طبقة الايونوسفير في الغلاف الجوي الأرضي لتعذر الاتصال اللاسلكي وانطلقت هذه الأمواج ونفذت في الفضاء. إنه بفضلها تُمنَع الإشارات اللاسلكية من المرور فتعكسها حتى لا تتشتت في الفضاء الخارجي وتضيع. ويبقى السؤال مطروحا كيف سيحصل الاتصال وهم خارج الأينوسفير ؟ لقد أفسد ثلة من علماء القرن العشرين العلم وأساؤوا له كما أن الرياضيات تصرفت مع بعضهم كما تتصرف بائعة الهوى مع زبائنها حيث لا متعة مشتركة تذكر ... وآسف على التشبيه الذي لم أجد غيره لتوضيح الأمر. بالله عليك أخي الإنسان، ماذا تكون الجاذبية التي تكاثفت المادة بصفة غير منتظمة تحت تأثيرها والتي بفضلها ارتفعت الحرارة ملايين الدرجات وتحررت القوى النووية وتجمعت الجلطات مكونة مختلف بنيات الكون؟ وكيف اتخذت الشمس والكواكب والقمر الشكل الكروي؟ إن الجاذبية بالمفهوم الذي اتخذه العلماء في شرح مسألة البدايات وتفسير الظواهر الطبيعية والطريقة التي يتحدث ويهلل بها تلاميذهم تعتبر إما شماعة يعلقون عليها جهلهم لحقيقة الأمر وإما إلاها قادرا على كل شيء. حتى أن أطروحة الانفجار العظيم هذه يغلب عليها الطابع الأسطوري أكثر مما يغلب عليها الطابع المنطقي. إن الحديث عن أصل الأشياء لا يجوز أن يبدأ من شيء مركب كالغاز أو الغبار الكوني أو...، ففي الرياضيات مثلا لا يجوز للعدد 09 أن يكون أصلا للحساب مع العلم أن أعدادا أصغر منه لها وجود، ما يستلزم أن يبدأ الترتيب التسلسلي للتطور الذي عرفته المادة من شيء لا يقبل التقسيم. وكما قلت لك عزيزي الإنسان، في هذا الفصل سأتطرق إلى قوانين فيزيائية جديدة تتعلق بالفيزياء الكونية والنووية وعلم الأرض وغلافها الجوي وبها سأعالج العديد من المسائل منها فرضية الانفجار العظيم والقوة الخفية التي تحرك الأشياء من الغلاف الجوي نحو مركز الأرض والتي كان إسحاق نيوتن قد أطلق عليها مصطلح جاذبية في محاولة منه لتفسيرها كما قال عنها آينشتاين انتفاضة القصور الذاتي. إن نيوتن لحظة اكتشافه هذه القوة لم يكن ينظر سوى من الزاوية التي كان يرى منها التفاحة وهي تسقط على الأرض، فلو كان حينها ينظر من فوق الشجرة إلى الأسفل لتساءل عن القوة التي دفعت بالتفاحة إلى السقوط من الغصن إلى سطح الأرض وليس عن القوة التي جذبتها. فليس هناك قوة تستحق تسميتها جاذبية غير التي تحدث بين أقطاب المغناطيس لهذا ليس في الأرض ما يجذب وإنما هناك دفع من أعلى الغلاف الجوي نحو أسفل إلى مركز الأرض من كل النواحي. إن إسحاق لم يخطئ لما استلهم القوة التي حركت التفاحة نحو الأرض وكان قد قال عنها القوة الخفية في بداية الأمر وهذا صحيح، لكنه أخطأ في تفسير المسبب لهذه القوة بعدما شعر بأن التفاحة انجذبت للأرض نظرا لكونه كان تحت الشجرة. سوف أطلعك أخي الإنسان على سرها وسأفك لغز السقوط الحر الذي طرحه غاليليو كما سأوضح حدوث المد والجزر وتأخره يوميا بما يقارب 36 دقيقة بطريقة يفهم بها رجل الشارع ذلك وليس المتخصص فقط بعيدا عن فكرة جاذبية القمر التي لا وجود لها. وسأثبت أن القطب المغناطيسي هو نفسه القطب الجغرافي، والطرح الذي يقول أن الشمال المغناطيسي للأرض تحرك بزاوية معينة نحو الشمال الشرقي لروسيا هي فرضية خاطئة لا يعرف صاحبها ما يحدث بالضبط بين المكان والبوصلة.. إضافة إلى ذلك سأطيح بقوانين كيبلر المتعلقة بدوران الأرض وسأستبدلها بقوانين جديدة بعدما توصلت إلى شرح كيفية نشأة كوكبنا الأرض ومراحل تطور مكوناته إضافة إلى تفسير الظواهر الطبيعية بما يرضي عقل إنسان الألفية الثالثة وليس بالأسلوب الخرافي الذي استعمله العلماء. هناك أخطاء فادحة يتعلمها التلاميذ في المدارس والطلبة في الجامعات. ولهذا الغرض، فكرت في كتابة هذه الرسالة نظرا لأهمية الموضوع وفيما قد يصل إليه العالم إن استخدم هذه الأفكار الجديدة لصالحه. إن عالمنا يحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى ثورة في الأفكار وفي أساليب البحث لمعرفة خطته وبإمكاني إشعال فتيلها كباحث عصامي مستقل. إن فلسفتي هذه غنية بالمواد الأولية -المادة الخام- التي تستخدمها العلوم لرقيها وتطورها لهذا فأنا أدعو كل الباحثين إلى محاولة استخدامها لأن النتائج التي سيحصلون عليها ستجعلهم يلمعون كل في تخصصه. وقبل التطرق إلى كل ذلك بالتفصيل وأشياء أخرى ولكي يسهل التواصل بيننا لا بد من المرور عبر هذا الجسر المتمثل في الفصل الأول للوصول إلى الهدف المنشود الذي هو المعرفة الصحيحة حيث سنستمتع بنشوتها المتمثلة في لذة العقل. يتبع أرجو التفاعhttps://www.nafsany.cc/vb/images/pc/22-100.gifل المصدر: نفساني
|
|||
|
04-04-2023, 12:32 AM | #2 |
عضو جديد
|
الفصل الأول ماهية البيت الفكري وأهميته عزيزي الإنسان، مما لا شك فيه أن الوضع الحالي لعالمنا بكل مآسيه هو مرآة تعكس صورة الوضع الحالي لفكرنا بكل نواقصه.. هذا الفكر المشوش والذي تشوبه الفوضى يعود سببه إلى أفكار فاسدة سائدة اعتمد في بنائها على مناهج أحادية مختلفة كالعلمي المتعصب أو الديني المتطرف أو الفلسفي الجاف بالرغم من وجود ميدان عمل واحد مشترك بين الأصناف الثلاثة هو الذهن، أداة عمل واحدة هي العقل ووجود غاية واحدة يسعى كل صنف إلى تحقيقها بطريقته الخاصة وهي خدمة الإنسان. إن هذه الأفكار الفاسدة السائدة التي قسمت العالم وأساءت له مآلها الاندحار والتلاشي وبناؤها سيسقط لا محالة عاجلا أم آجلا ، هذا بالإضافة إلى أن البناء المغشوش تسبق انهياره لحظات يتعرض خلالها هذا الأخير إلى هزات وانكسارات تكون شديدة كلما اشتد الظرف المسبب لها، ولعل أن الهزات التي تعرضت إليها الإنسانية سابقا والتي تتعرض إليها الآن أهون بكثير مما ستتعرض إليه لاحقا إذا استمرت في إتباع نفس الأساليب في عملية استكمال تشييد البيت الفكري الممكن اعتباره ملجأ لكل العقول. يمكن تعريف الفكر بأنه نتاج عمل العقل حيث يعتبر الذهن حقله. ونطلق مصطلح الفكر على المجموعة التي تشمل كل القضايا والمسائل التي تربط الإنسان بنفسه وبالعالم الخارجي وما ينتج عن التأثير الحاصل بينهما بفعل العقل. إنه أمر يستلزم وجود مجموعة تعريف كما في الرياضيات يؤول حسبها في حل كل المسائل إلى معادلات فكرية متوازنة، فمثلما يوجد بين المسائل ما هو موضوعي يعتمد على الحقيقة في حله، يوجد كذلك ما هو اعتقادي يعتمد على المسلمات من أجل إقرار توازنه، مما يترتب على ذلك أن تختلف درجات سلم توازن المعادلات الفكرية بحسب اختلاف مناهج التفكير. فهناك من ينظر إلى فكرة معينة على أنها صحيحة وغير قابلة لتأويلات أخرى مكتفيا لاقتناعه بأسباب ربما قد تكون تافهة بينما ينظر آخر لنفس الفكرة نظرة مغايرة مستخدما أساليب تفوق حدتها المنطقية حدة الأولى، ولهذا السبب تأخذ المعرفة، التي هي مجموع المعادلات الفكرية المتوازنة، ألوانا عديدة فنجد مثلا المعرفة العامية، المعرفة الدينية، المعرفة العلمية، المعرفة الفلسفية...، ومع ذلك يبقى أرقى أنواع المعرفة هو ما يأتي عن طريق الاستدلال السريع والإدراك المباشر كما ندرك أن الكل أكبر من الجزء. وهذه الطريقة البديهية يعرفها الكثير عن إقليدس الذي يعترف بحسرة أن الأشياء التي تمكن من معرفتها عن طريق هذا النوع من المعرفة قليلة جدا. وإذا كانت الفكرة مهما بلغ صوابها لا بد وأن يتم التحقق منها ومن الأسباب التي أدت إلى تصديقها فإن بعض الأفكار توجد ضمن مجموعة الفكر تتطلب منا أن نثور عليها، فكم من نظرية آمن الناس بها ووضعوها فوق كل جدل ثم تلاشت بعد ذلك. ولو وجد ثمة اتفاق بين فكرة وموضوع فلا يعني ذلك أنه حقيقة إلا في حالة ما إذا تخلص الموضوع من أهواء المفكر وميوله لأن في صميم كل فرد تصور ذاتي عميق له سلطة بالغة في تحديد موقفه من مجرى الأحداث، علما أن قيمة الموقف أو الرأي تتعلق بكفاءة صاحبه وحريته في التفكير.. وللتربية والتعليم في ذلك أثر كبير. وكيفما كان الحال، فالتعامل مع الموجودات والأحداث هو تفاعل معها تخضع فيه الأفكار إلى التحلل مثلما تتحلل الجزيئات في التفاعل الكيميائي من صيغة إلى أخرى، هذا وأن حدوث التفاعل لا يتم إلا بوجود أجساما متفاعلة وحافزا يساعد على التفاعل، ففي غياب الأوكسجين مثلا يتوقف الاحتراق كما تتوقف عدة تفاعلات كيميائية. لهذا يصبح من الضروري توفير الحقيقة التي من شأنها أن تلعب دور الحافز في التفاعل الفكري لأنها ستساعد على تفكيك الأفكار من أجل إعادة صياغتها. وتفيد التجارب أنه كلما كانت كمية هذا الحافز كبيرة كلما كان ناتج التفاعل الفكري جيد ومفيد. وإن كان لكل تفاعل أجساما جديدة تنتج عنه فإن ناتج التفاعل الفكري هو فكرنا العملي الذي هو سلوكنا، أعمالنا وإنجازاتنا، ولهذا السبب ينبغي علينا أن نفكر في كيفية تخليص الفكر من الفوضى وفي تقوية أسس بناء البيت الفكري الذي تسكنه عقولنا جميعا. إنه أمر يتطلب البحث عن الهفوات والأخطاء التي ارتكبت أثناء عملية بناء الفكر العملي القائم أساسا على تصميم الفكر النظري الذي يحتاج هو الآخر إلى الإحاطة بكل جوانبه لعل الهفوات تكون قائمة فيه. ولعل ما يتطلبه تطوير المعرفة الإنسانية هو تطهير الفكر وتنقيته من بعض المفاهيم والأوهام المتجلية في الصور التي ترتسم في الأذهان عن حقيقة الأشياء. هذه هي المهمة التي على العقل أن ينشغل بها متحديا كل الخلافات القائمة بين التيارات الفكرية لأنه هو المسؤول الوحيد عن حل مشاكل الإنسان، فهو مؤسس الفكر وصانع الرموز وبفضله اتخذت الأشياء صورا لها عند الإنسان، ومن أجل تجنب أي سوء قد ينتج عن ذلك عليه أن يجد حلا للأزمة التي يعيشها. وأول خطوة في هذه العملية هي استحضار خصائص كل تفكير على حدا قبل أي محاولة توفيقية يكون من شأنها حماية فكر الإنسانية من شر الاصطدام الذي قد يحدث بين أصناف التفكير بسبب التعصب والتطرف واللامبالاة. أ- الدين هو مؤسس الأسرة الفكرية وأب العلوم التي تعد الفلسفة أمها، ويعتبر كذلك قوة يرجع إليها الفضل في ظهور المعرفة البشرية وتقدمها باعتباره أول ما حرك مخيلة الإنسان ووجهها لصالح خدمة صاحبها، وهو لا يدعو إلى شيء يتنافى مع مصلحة الإنسان لأنه يهدف إلى تحقيق الخير للإنسانية، لذلك تطلع منذ البداية إلى أن يكون الإنسان خليفة الله على الأرض لتميزه بالعقل. ولقد لعب دورا هاما في تحرير الإنسان من جزء هام من الخرافات والأساطير وفي حمله على العمل من أجل التحرر من السيطرة والاستعباد ومن أجل تحقيق إنسانيته كذلك. وما جاء به ودعا إلى ممارسته كالصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها كلها ممارسات بقدر ما تقرب الإنسان من الله بقدر ما تدربه وتمرنه على كثير من الآداب والأساليب التي هو بحاجة إليها في حياته اليومية كي يكون سليما وناجحا. ولم يكن الدين في يوم من الأيام عائقا أمام تقدم الإنسانية وإنما تناقض مصالح الإنسان هو السبب في اضطرابها لأنه عندما ينصرف الدين عن مهمته عند رجال الدين يصبح وسيلة للاستغلال لا تخدم سوى مصلحة الأقلية، وكان قد ترتب على مثل هذا التوظيف السيئ للدين أن أطلق عليه البعض أفيون الشعوب. إن الدين بالنسبة للشعوب سلاح ذو حدين يؤدي حسن استعماله إلى التحرر والتقدم كما يؤدي سوء استعماله إلى التدمير والتقيد، وهو لا يقتصر على مصير النفس البشرية في العالم الآخر فقط كما أنه لا يعتمد على اعتقادات في غاية البساطة أو بلا معنى، فبالنظر إلى البداية نجد شيئا لا يمكن معرفته على الإطلاق وهو منطلق يستحيل استبعاده كما يستحيل بلوغه وهذا ما يتفق عليه كل من رجال الدين والفلاسفة. وأهمية الدين بالنسبة إلى العقل لبلوغ غايته كأهمية علامات المرور على الطريق بالنسبة إلى السائق لوصول محطته. ب- الفلسفة تعتبر الفلسفة ثاني تيار فكري عرفه الإنسان. ويعد دورها رئيسيا في تطور المعرفة الإنسانية. وقصة ظهورها إلى جانب الدين الذي نشأت منه تشبه إلى حد كبير مجازيا قصة ظهور أمنا حواء إلى جانب أبونا آدم الذي خلقت منه. غير أن علاقتها بالدين التي استمرت طويلا والتي نتج عنها ميلاد كل العلوم توقفت بسبب خلاف نشأ بينهما أدى إلى الافتراق، فاستقلت الفلسفة عن الدين وتحملت أعباء صغارها ثم صارت على ضوء المنطق تبحث عن الحقيقة التي تدفع بالإنسان دوما إلى الحركة والنشاط وتنهي أمره بالحيرة والتساؤل. إن عمل العقل في الفلسفة يقوم على اكتشاف الوحدة الكامنة في التعارض حتى لو استلزمه الأمر استخدام طرق غير مألوفة، فهو يرى أن الطبيعة تتألف من ظواهر مرتبطة فيما بينها وليس من أشياء منعزلة ومنفردة. وكما يحس العقل في الفلسفة ويؤمن بوجود الطبيعة فهو يشعر كذلك بوجود ما وراء الطبيعة ويسلم به. ورغم التعارض الذي يبدو جليا بين التصور الأول والثاني فإن العقل بإمكانه في الفلسفة تصور صورة واضحة لكل ما باستطاعة الإنسان معرفته في الطبيعة أو فيما وراءها. وهو لا يتقيد بالمحسوسات المباشرة أثناء انشغاله بالبحث عن نظام الظواهر لأنه بإمكانه اعتمادا على المعطيات الحسية الواردة إليه أن يتوصل إلى معارف تمتد إلى ما وراء المحسوس، ويتمثل نشاطه الخاص هذا في عملية تكوين المفاهيم الكلية بناء على المفاهيم الجزئية بعد تجريدها والتأمل فيها. إن تعقب علة ظاهرة واحدة يجر إلى البحث في الكون كله.. لهذا عندما تصادفه ظاهرة معينة ويتعذر عليه الجواب عن سببها يعيد العقل طرح السؤال عن مدى ارتباطها بالظواهر الأخرى، لأنه يدرك مدى ارتباط ظواهر الكون بعضها ببعض وكذلك مدى تماسك الفروع المختلفة للمعرفة البشرية. ت- العلم ينحصر موضوع العلم في الكشف عن القوانين والمفاهيم الجزئية معتمدا على الملاحظة والوصف كما يعتمد أيضا على الافتراضات التي هي من وحي الواقع الذي يشاهده العالِم والتي لا تكون ذات قيمة إلا إذا أكدتها التجربة وحققتها الملاحظة والاختبار. ولكن عن طريق العلم وحده لا ندري شيئا عن نظام الوقائع لأن العالِم لا يهتم بالظواهر الكونية والإنسانية في منظورها الشمولي وإنما يتخذ ظاهرة معينة ميدانا لبحثه فيقوم بدراستها وتتبع أحداثها وتطورها، وكل همه هو الكشف عن العلاقات القائمة داخلها دون الاهتمام بالكشف عن ماهيتها أو غايتها، وبعد استكمال تجاربه يصوغ النتائج المحصل عليها في قانون لا يتعدى نطاق المجموعة المحددة التي تشكل ميدان بحثه في حين أن التعميم عند الفيلسوف غير ذلك تماما لأنه يشمل مختلف الظواهر العامة ويعبر عنها في نسق منطقي، عقلاني وشمولي منه ما هو قابل للتجربة ومنه ما هو مستحيل. إنه من الطبيعي أن تشد العلم روابط متينة بالفلسفة بالرغم من عدم اعترافه بفضلها عليه، إنها كانت ولا تزال تستخرج المادة الخام وتقوم بتقديمها له ليشاهدها ويصفها ويحللها ويستنبط منها وقائع متعددة ثم يكشف عن قوانينها، وبما أنه لا يهتم بالكشف عن الغاية فإن الفلسفة تستخدم نتائجه وتقوم بتنسيقها بالنظر إلى تحسين الحياة الإنسانية. وبالتالي تكون نظرة العلم وحدها ليست كفيلة بتحقيق تقدم المعرفة الإنسانية. ويشهد التاريخ بأن العلوم المختلفة سواء كانت طبيعية أو إنسانية إنما نشأت وترعرعت في أحضان أمها الفلسفة وبقيت مرتبطة بها إلى أن وصلت إلى المرحلة التي تشبه إلى حد كبير مرحلة إثبات الذات عند الإنسان (المراهقة) وتتطلب مرحلة كهذه العناية المركزة والمراقبة المستمرة والتوجيه الصحيح من طرف الوالدين معا حتى يتمكن الأولاد من اجتيازها بنجاح، وبعد هذه المرحلة مباشرة يصبح الإنسان ناضجا قادرا على بناء نفسه اعتمادا على نفسه حتى بعيدا عن والديه أي بعد استقلاله عنهما، وبالنظر إلى استقلال العلوم عن بيت أسرتها فهو لم يكن سليما لأنه تم قبل اكتمال مقوماته. صديقي الإنسان، من خلال ما استعرضناه لخصائص التيارات الفكرية الثلاثة يتبين لنا أن التفكير العلمي يؤمن بفكرة رئيسية يقوم عليها كيانه وهي مبدأ الحتمية كما أنه يتقيد بالتجربة ويلتزم بما هو كائن دون النظر إلى ما ينبغي أن يكون، وهو يختلف بذلك عن التفكير الفلسفي الذي يتقيد بالمنطق وينظر إلى ما ينبغي أن يكون بناء على ما هو كائن. وهما معا يختلفان عن التفكير الديني الصادر أساسا عن الاعتقاد. لكن، ليس بمقدور لا الدين ولا الفلسفة ولا العلم أن يسحب أحدهم الستار لوحده عن الحقيقة المراد معرفتها من قبل إنسان الألفية الثالثة الذي يفضل أن يرى الأشياء في صورتها الكاملة بدقة متناهية. وحتى لا ننسى الإجابة على السؤال الذي طرحته من قبل والذي يتعلق بكيفية تخليص الفكر من الفوضى سنعود إلى العقل بصفته المسؤول الوحيد عن حل مشاكل الإنسان والذي بإمكانه أن يجد وسيلة يجعل بها الفلسفة تدرك خطورة ما آل إليه الوضع من جراء الهجر والعداوة التي نشأت عندها اتجاه أب أبنائها. وبعد أن تدرك الفلسفة خطورة الوضع.. سيلزمها العقل على العودة إلى البيت الذي شيده الدين وتم فيه إنجاب العلوم. لكن وقبل عودتها عليها أولا تصحيح الصورة التي رسمتها في مخيلة أبنائها العلوم عن أبيهم الدين ثم إقناعهم بأي شكل حتى بإغرائهم بمادة خام جديدة تكون مستخرجة من تربته من أجل انضمامهم إليها ثانية ومرافقتهم لها خلال عودتها إلى بيت الأسرة الفكرية التي لا تعد مركبة بهذا الاعتبار من أجزاء تختلف طبيعة بعضها عن بعض، بل هي وحدة تهدف في نشاطها إلى تحقيق التواصل الكلي. لذلك هي ملزمة بمقاومتها للتجزئة للحفاظ على نفسها. فوحدها هذه النظمة تملك القدرة على إرشادك أخي الإنسان إلى المعرفة الصحيحة وإلى شعورك بأنك جزء مهم من الكل. إن الخير الكبير الذي تود الأسرة الفكرية تحقيقه للإنسان هو معرفة الاتحاد الذي يربط العقل بالطبيعة كلها وبما وراءها وهذا ما سيجعله يشعر بمتعة لا نظير لها.. إنها لذة العقل التي تخلق السعادة الحقيقية. صحيح أن مفهوم السعادة مرتبط بشعور الإنسان باللذة لكن للملذات الغريزية ألوانا عديدة ومختلفة يصعب تحقيقها جملة واحدة، وحتى إن تحققت فهي لحظية ولا تحقق السعادة الدائمة. وعليه، فاللذة الغريزية التي يتمتع بها الحيوان أيضا وحدها ليست كافية لجعل الإنسان مطمئنا وسعيدا. وما يبطل مفعول السعادة هو القلق الذي ينتج عن عدم معرفة الأسباب التي تحرك الأشياء التي تخيفنا، إننا لا نخاف من عدو يكون بوسعنا التغلب عليه، لكن وجودنا في خضم الأسباب الخارجية التي تتقاذف علينا من كل ناحية يجعلنا نضطرب ونتساءل دون أن نعرف شيئا عن مصيرنا. هذا القلق إذا هو اعتراف منا بخوفنا وذلك بسبب نقصنا. لهذا كلما ازداد العقل معرفة ازداد فهما لنظام الطبيعة وكلما ازداد فهما لنظام الطبيعة ازداد مقدرة على تحرير نفسه من الأوهام التي تخيفه، لأن فهم الشيء وإدراك معناه ومعرفة كنهه وغايته كل ذلك يبعث الاطمئنان في النفس ويبعد الشعور بالخوف منه. وحينما يترعرع العقل في أحضان الفكر ويتغذى بحليب المعرفة.. تزول قيود الجهل قيدا بعد قيد وتنقص شدة الخوف درجة بعد درجة حتى إن صار ناضجا مطلعا على الحقائق وجد صاحبه نفسه سيدا حرا لا يخاف الأشياء والظواهر كيفما كانت بل يدركها ويقدر أسباب حدوثها. هذه هي الحرية الحقيقية التي على الإنسان أن يسعى وراءها لكي يكون سعيدا ما دام يتسلح بأداة تدعى عقلا تمكنه من التخلص من كل المآزق وتجعله يشعر بالسعادة الدائمة التي تحققها لذة العقل. ومن شأن العقل أن يسخر من صاحبه إن أساء استخدامه وتعصب للأفكار الفاسدة، كما يستحيل عليه أن يغفر له الحالة المستعصية التي يوصله إليها «عقلية دنيئة» بسبب أهوائه العمياء، ففي الوقت الذي تخمد فيه جذوته يسلم العقل أمر صاحبه لقاضي التحقيق المسمى الضمير لينظر في قضيته والويل من عذاب الضمير. وإذا كان العقل يعاقب صاحبه إن أساء التصرف به، فإنه يمنحه السيادة ويرفع من قدره ويحقق له السعادة والمجد إن أحسن توظيفه. ويكفي الإنسان أن يكون موضوعيا في كل ما يفكر به ويعمل عليه ليرضى عنه عقله ويهديه أحسن السبل وهذا ما يرفع من درجاته على سلم الوجود. في نهاية هذا الفصل أخي الإنسان، سأدعوك لتكتشف درجتك على سلم الوجود لأنه حينما تنظر إلى نفسك وإلى ما حولك ثم إلى السماء ويكون بإمكانك تحديد إحداثياتك بالنسبة للمعلم الكوني وقتما وأينما كنت، وعندما تعرف قدرك ومكانتك كأن تشعر بسيادتك يا خليفة الله على الأرض، ولما تدرك الحقائق وتستوعب المغزى، حينها فقط ستعرف معنى وجودك الذي ستبصمه إنجازاتك. إن ما يثبت وجودك ويرفع من درجة سلمه ليس وضعك الاجتماعي ولا الثوب والإكسسوار الذي ترتديه ولا القصر الذي تسكنه ولا العضلات المفتولة التي تغطي جسدك ولا عدد الشواهد ولا نسبة المعلومات التي يسعها عقلك.. وإنما هو مستوى رد فعلك في كل شكل من أشكال الحياة الخمس (الحياة الشخصية، الحياة العائلية، الحياة الاجتماعية، الحياة العملية ثم الحياة الفكرية).. تصرفك أو سلوكك هو المؤشر الوحيد الذي يشير إلى رتبتك بين المستويات الخمس. يتبع وأرجو التفاعل |
|
05-04-2023, 03:09 AM | #3 |
عضو جديد
|
بنظرة تأملية متأنية لزهرة العصعص وقراءة جدولها الذي تعتبر قيمته بالنسبة لعلم الأحياء وعلم النفس كجدول ماندليف في ترتيب العناصر ستعرف درجة سلم وجودك وتستوعب الطريقة التي يعمل بها عقلك على تحويل الفعل إلى رد فعل وستفهم لماذا تختلف ردود الفعل عند الناس ويتصرف كل واحد بسلوك مختلف. وهذا الطرح سيتيح لنا دون أدنى شك إمكانية تصنيفهم إلى مستويات مختلفة ودرجات متفاوتة. سيستفيد علم الأحياء من زهرة العصعص وسيعتمد علم النفس الخريطة والقوانين هذه المرة ولن يعتمد على الملاحظة والوصف فقط في أداء عمله. إن الكائنات الحية أشكال وأنواع من أشجار ونباتات وحيوانات وحشرات، برية كانت أو بحرية. والكل يتفق على أن هذه الكائنات تعمل وتبدل جهدا كبيرا لتعيش وتستمر عن طريق التناسل. وما يحدث لحظة الانتقال من السلف إلى الخلف عن طريق الجينات الوراثية هو مربط فرسي،.. لكل كائن حي بذرة أو بويضة جاء منها ويطلق على كل ما هو عليه وما ورثه أنه فطري أو غريزي. فماذا تكون هذه الغريزة وكيف تعمل عند مختلف الكائنات الحية وعلى رأسهم الإنسان؟ تستخدم كلمة الغريزة من قبل دعاة نظرية التطور لتفسير قابلية الحيوان القيام بسلوك معين منذ الولادة. وكانت هناك تساؤلات عديدة تدور حول كيفية اكتساب الكائنات لهذه الغريزة وعن كيفية ظهور أول سلوك غريزي لديهم وكذلك عن كيفية انتقال هذه الغريزة كابرا عن كابر. وتمثل الغريزة السلوك الوراثي أو النزعة السلوكية والآليات الفسيولوجية للكائن وتوجد في أشكال مختلفة ويقع مجال دراستها في عدة علوم كالبيولوجيا الحيوانية وعلم النفس والأنثروبولوجيا وعلم الإنسان وعلم الاجتماع وفي الفلسفة عموما. وهذا يوافق ما ذكر في الموسوعة العربية العالمية حيث قالوا: الغريزة: سلوك موروث أكثر من كونه مكتسبًا. وفي معجم لغة الفقهاء: الغريزة: جمعها غرائز، الدافع للإنسان إلى عمل من غير فكر وهي جزء من الفطرة. ويطلق العلماء مصطلحي غريزة وسلوك غريزي: على النشاط الذي لا ينطوي على خبرة أو تعلم، ولكي تكون الخاصية السلوكية غريزية حقًا، فإنه ينبغي أن تكون نمطية عند معظم أفراد النوع ومن الجنسين معا أو أحدهما. تبدو الغريزة عند الحيوانات آلية فطرية معقدة كاملة، أما عند البشر فتبدو على صورة دوافع كامنة تتحكم فيها التربية وتوجهها. وهذا ما جعل معظم علماء النفس يستخدمون كلمة دافع بدلاً من كلمة غريزة عندما يدور الحديث عن الإنسان. كل هذه الإجابات ويبقى السؤال مطروحا، ما الــغـــريـزة!؟ تجدونني حصرتها في سبع غرائز أساسية وهي: غريزة التنفس، غريزة الشرب، غريزة الأكل، غريزة الأمن، غريزة التكيف، غريزة التناسل ثم غريزة التواصل ونقول عنها جميعها فطرية. ومن واجبنا في تعريف الغريزة أن نأخذ بعين الاعتبار شمولية المعنى حيث لا ينبغي أن يقتصر على كونها مجموعة من الرغبات أو ردود أفعال فقط وإنما يتحتم على المعنى أن يشمل مورفولوجيا الكائن، فيزيولوجيته، بيولوجيته وسلوكه. إن الغريزة هي الأداة أو الآلية التي تستعملها الحياة منذ بدايتها مع انطلاق الكون إلى غاية نهايتها بفنائه، بحيث تعمل على مد الكائن بكل ما يحتاج إليه ليؤدي عمله ويحقق الاستمرارية. والمبدأ الذي تسير عليه هو تفاعل بين الشحن السالبة والشحن الموجبة وهو ليس صراع أو تطاحن بل هو توافق وتكامل بدأت وستكمل الحياة مشوارها به. من الممكن القول أن العقل هو الآخر أداة في يد الحياة لأن الحالة التي تتخلى فيها عنه *حالة الجنون* تكون الحياة قد شعرت بخطر قاتل يواجهها بسببه فتأمر بتعطيله بغية الاستمرار، وهكذا يعيش المجنون حيوانا يعمل وفقا لما تمليه عليه غريزته. إن جسم الكائن الحي يتألف من مجموعة من الأعضاء مرتبطة فيما بينها ويديرها جهاز عصبي تتحكم فيه الحياة فهي الدافع لوجوده وغايتها منه الشغل. وفي هذا الخضم تُسَخِّر الحياةُ الغريزةَ من أجل الحفاظ على سلامته بغية ضمان استمراريته عن طريق التناسل، إنها المقرر. أما بالنسبة إلى الكيفية التي يعمل بها هذا المقرر فسأشرحها بعد تعريف الغريزة. الغريزة هي منظومة بيولوجية، يوجد، يعيش، يعمل ويستمر بها كل كائن حي وهي تخضع لنظام دقيق ومعقد تعتمد فيه على الحواس. يبدأ تشغيل هذه المنظومة مباشرة بعد الولادة فقبلها وخلال فترة الحمل *تحميل الملفات* يكون تكوين المنظومة الذاتية لم يكتمل بعد وسأدلي هنا بمثال يسري على كل الكائنات الحية من حيث المبدئ: بولادة الرضيع أو العجل أو الجرو تشرع منظومته الغريزية الذاتية في العمل وذلك باشتغال الجهاز التنفسي أولا ثم تنطلق عملية تنفيد أو فتح الملفات التي تم تحميلها خلال طور التكوين. وثاني ملف يفتح بعد ملف التنفس هو للجهاز الهضمي الموضوعة تحت إشارته آليات مختلفة أهمها حاسة الشم المرتبطة بكل تأكيد بالتنفس وهي بالطبع التي تقوده إلى ضرع أمه بفضل تركيبة كيميائية تنبعث من هذه الأخيرة على شكل رائحة. يتحرك الجرو الصغير بصعوبة نحو أمه بفضل الطاقة القليلة المتبقية عنده في الاحتياط غير أنه بمجرد ما يعبأ بالطاقة مص الحليب تتابع عملية فتح الملفات الأخرى سيرورتها حتى تكتمل كل عمليات التشغيل. ها هو الرضيع أو العجل أو الجرو الصغير يكبر لكنه لم يبلغ أشده بعد فهو لا يعمل بل يكتفي بالتقليد فقط نظرا لكون آليات الحركة عنده تنقصها عملية تثبيت الحركات المسجلة في دفتر النموذج. ولكي تعمل بالشكل الصحيح يلزمه أن يتدرب عليها بشكل تدريجي إما مع أحد الوالدين خلال وقت التسلية وإما مع أحد إخوته أو لوحده. (يولد الانسان حاملا معه مهارة السباحة فإن هو استغلها في الأربعة أشهر إلى الستة الأولى من ولادته صار سباحا طول عمره أما لو فاتته الفرصة فيلزمه وقت ليتعلمها إضافة إلى مدرب) وتكتمل المنظومة الذاتية لغريزة الجرو بتشغيل آخر الملفات وهو للجهاز التناسلي وباشتغاله يصبح الجرو كلبا قادرا على تحمل مسؤوليته، وهذا ما يحدث مع العجل ومع أي رضيع كيفما كان نوعه. ومن خلال ما استعرضته يمكن القول بأن الغريزة هي منظومة ذاتية تتكون من 9 غرف تنتظم على شكل غرفة مركزية تلتف حولها 8 غرف بشكل دائري وهي ما مثلتها بزهرة العصعص. وتتكون كل غرفة من 8 مستويات يقابل كل مستوى فيها حالة فيزيولوجية معينة على خلاف المنظومة الذاتية عند الانسان التي تزيد بمستوى وهو للعقل ليصبح عدد المستويات 9. لفهم خريطة هذه المنظومة وما تعنيه الغرف والمستويات بالنسبة لها ينبغي دراسة زهرة العصعص وجدولها. بعد ذلك ستكتشف أخي الإنسان رتبتك ودرجتك على سلم الوجود وبما أنك مطالب بتطوير إمكانياتك لتساير عصرك فلا مفر لك من المحاولة. وإليك التسلسل الهرمي لرتب ودرجات هذا السلم الفيلسوف هو الشخص الذي يصل أعلى رتبة في السلم الفكري وأعلى درجة في سلم الوجود الذي يتألف من تسع درجات ويأتي بعده العالم في الدرجة الثامنة ثم الفنان المبدع في الدرجة السابعة. هذه الفئة المؤلفة من ثلاث درجات يمثلها أشخاص أدركوا حقائق معينة واستطاعوا التعبير عنها(إدراك الذات للموضوع).. إن أفكار الفيلسوف (النابغة) هي تعبير ذاتي عن إدراكه لحقيقة الموضوع وغالبا ما تظهر في إطار نسقي منطقي شمولي إنه يرى صورة الحقيقة ويسمع صوتها بعدما لمسها وتذوقها. أما أفكار العالم (العبقري) فهي نفس الشيء تعبير ذاتي عن إدراك حقيقة موضوع ما لكن سرعان ما يكتفي العالم بإيجاد القوانين فقط ولا ينشغل بالعلاقة التي تربط بين الظواهر كما يفعل الفيلسوف وهو بذلك لا يرى صورة الحقيقة ولا يسمع صوتها وإنما يكتفي بالاستمتاع بلمسها وبمذاقها. وفيما يخص الفنان المبدع (فائق الذكاء) فإن أفكاره تعد هي الأخرى تعبير ذاتي عن إدراك حقيقة ما ويعبر عنها بلوحة لو كان رساما أو بلحن لو كان موسيقيا أو بأبيات لو كان شاعرا أو برواية لو كان أديبا أو باختراع آلة أو جهاز لو كان مبتكرا. إن الفنان هو كل من لامس حقيقة ما.. وبخصوص الدرجة السادسة في السلم الفكري فهي تشمل كل باحث (الذكي) أدرك موضوع ما وشَمَّ حقيقته لكنه يسعى جاهدا محاولا التعبير عنها(جنون نصفي).. عندما يدرك الإنسان حقيقة ما إن هو عبر عنها بشيء من هذا القبيل نقول عنه فنانا مبدعا وإن لم يستطع صار مجنونا، أما إذا اكتشف قوانينها صار عالما وإن صاغ القوانين وعممها على الظواهر كان فيلسوفا وهو أمر نادر الحدوث. وكل هؤلاء نقول عنهم الفئة المثقفة. أما الدرجة الخامسة (العامي) فهي لباقي البشر البالغين التي تمثل فئتهم 90 في المائة من المجتمع، حيث يدرك الإنسان وجوده (إدراك الذات لذاتها) ويتجسد مفهوم الأنا في سلوكه وتصرفاته حيث ينحصر ما بين السلوك الحيواني عند الشخص الجاهل وبين السلوك الذي يتماشى مع العرف عند الشخص المتخلق (تربية وتعليم) أما تعبير الذات عن إدراك حقيقة الموضوع عند هذه الفئة فغالبا ما يكون بالتقليد وتبني أفكار القدوة والاقتباس منه. كما تكتفي مجموعة كبيرة منها بما برمجتها به وزارة التربية والتعليم حسب إيديولوجية البلد أو بما يكتسبه من المعرفة العامية التي تحكمها أعراف وتقاليد الأسرة والمجتمع.. لكن هذه الفئة ليس لها موقف خاص بها أو رأي شخصي أو وجهة نظر ذاتية تعبر بها عن إدراكها للحقائق.. وأخيرا تبقى الدرجات الأدنى من الخامسة وهي مخصصة للقاصرين. لا يولد الإنسان صفحة بيضاء وإنما يولد مبرمجا سلفا حاملا معه في داخله مذكرات نموذجية تمده بما يحتاج إليه في تركيبه الفيزيولوجي من جهة ونماذج من استخدامات سلوكية مختلفة بشكل عفوي وتلقائي خلال حياته اليومية من جهة ثانية. إننا نحمل في جيناتنا الوراثية مزايا وكذلك أخطاء أسلافنا من شجرتنا. فإذا كان سلوكنا يأتي أحيانا هكذا تلقائيا استجابة بالضرورة لما يصدر من الخارج نحونا فإنه من واجبنا أن نحترس ونراقب تصرفاتنا لعلنا ندرك ما قد نقترفه من أخطاء في حق غيرنا تًحسَب علينا وتصدر منا رغما عنا. على الإنسان أن يبني نفسه لبنة لبنة.. ومن الطبيعي أن يحتفظ باللبنات الأساسية وإلا لن يكون أصليا لكن في المقابل عليه أن يزيل ما هو أعوج ليستوي الشكل ويكمل البناء بلبنات ذاتية الصنع. |
التعديل الأخير تم بواسطة محب المعرفة ; 05-04-2023 الساعة 03:20 AM
|
06-04-2023, 03:22 AM | #4 |
عضو جديد
|
السلام عليكم
إن موضوع رسالتي يرتكز على إعادة النظر في المسلمات التي بنيت عليها بعض العلوم كالفيزياء وعلم الأرض وغلافها الجوي مدعما بالرياضيات طبعا. كما أنه يهدف إلى جعلها الأساس السليم والمتين. أما ما يتعلق بالفيزياء الكونية فأغلب نواحيها نظرية يصعب التحقق منها تجريبيا.. لكن إن ثبتت صحة باقي النظريات التي نلمسها والمتعلقة بباقي العلوم التطبيقية خصوصا علم الأرض وغلافها الجوي فسيكون من السهل تقبلها لأنها تخضع لنفس القوانين. أقصد هنا أنه لما نتقدم في النقاش ونتفق على قصة الأرض كاملة بدون حرق للمراحل ويتقبل العقل شرحي للظواهر المتعلقة بها حتى الغامضة منها سيكون من السهل الإقتناع بنموذجي في تركيب المجموعة الشمسية ثم بعدها الكون الذي يضمها. لقد أفسد علماء القرن العشرين العلم وعملوا على جعله يخدم السياسة والاديولوجيا، تمتلك بعض الجهات من الإمكانيات الكثير لكن تصريحاتهم حول تفسير ما يحدث حولنا كلها مجرد تخمينات والصور التي يقدمونها لنا كلها من تصميم الحاسوب والعقل الذي صنعه.. يقدمون لنا أحلامهم وتهيآتهم وكأنها حقيقة.. العلم الوحيد الذي تقدم وتطور عموديا وأفقيا هو التكنولوجيا، لكنها لم تصل بعد إلى المرحلة التي نستطيع اكتشاف الكون بها إضافة إلى ذلك يلزمنا معها خريطة توجهنا ليس الأمر كما يعتقد الأغلبية لقد خدعونا منذ خمسينيات القرن الماضي.. أرجو من الأعضاء المحترمين التفاعل مع الموضوع هيا لنعمل جميعا .. لطالما كان أسلافنا من المؤسسين الأولين لعدة علوم .. إنه ليس بالشيء الكثير لكن يد واحدة لا تصفق .. معا بإمكاننا أن نظهر للإنسانية الوجه الحقيقي للإنسان. |
التعديل الأخير تم بواسطة محب المعرفة ; 06-04-2023 الساعة 03:26 AM
|
21-10-2023, 03:49 AM | #5 |
عضو جديد
|
أعرف سبب عدم وجود رد، هذا يعود طبعا لدرجة سلم الوجود(السلم الفكري) الذي تحدثت عنه من قبل.
الكل يغرق في الخامسة... أخرجوا من الفقاعة التي تعيشون بداخلها والتي كان طرف آخر من وضعكم إيديولوجيا فيها قصدا.. سأكمل ما بدأت وله العوض |
|
21-10-2023, 03:54 AM | #6 |
عضو جديد
|
الفصل الثاني من لذة العقل
رسالة إنسان إلى كل إنسان الفصل الثاني 1 دواعي تنظيم العالم أخي الانسان لقد قطعت البشرية بفضل عيش الإنسان وسط الآخرين أشواطا مهمة من التقدم، كما حقق الأفراد فيها تعايشا لا يستهان به نظرا لإحساسهم بحاجتهم لبعضهم البعض إذ كان لا بد لهم من الاتحاد من أجل التغلب على الأخطار. ولم تكن البشرية قبل قرون مضت بهذا الشكل وبهذا الحجم الديموغرافي الهائل ولا شك أبدا في أن جسمها نما وكبر خلال مئات القرون الماضية مثلما ينمو جسم الإنسان ويكبر مع مرور السنين. فقبل عشرة قرون مضت كان العدد الديموغرافي للبشرية أقل نسمة مما هو عليه الآن، ونفس الملاحظة يمكن استنتاجها لو رجعنا بعشرة قرون أخرى إلى الخلف حيث نجد العدد بالنسمة يصغر تناسبا مع عودة التاريخ إلى الوراء. وكان قد نتج عن عيش الأبناء تحت رعاية الأب والأم ظهور الأسرة التي تعتبر أول نظام ظهر يحمي حق الفرد. كما أن تجمع الأسر فيما بينها سبب ظهور الدواوير ثم القبائل التي أدت حاجتها هي الأخرى للاتحاد إلى ظهور الدول بمختلف أنظمتها.. إلا أنه مع مرور الوقت وجدت هذه الدول هي الأخرى في نفسها الحاجة للشراكة فظهرت عصبة الأمم.. ثم الأمم المتحدة.. وما تزال حاجة الدول في الاتحاد ملحة بسبب المشاكل التي تواجهها وتهدد أمنها وسلامتها، نظرا لعجز المنظمة على اتخاذ قرارات تخدم مصالح العالم كله بدل مجموعة معينة من الدول. ونظرا إلى كل الأسباب التي قد تدفع بالبشرية إلى الهلاك تتحتم علينا ضرورة تنظيم العالم على أساس دولي ينتفي منه التعصب القومي والمصلحة الخاصة. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بإقامة نظام عالمي الطبع يوجه شؤون العالم لمنفعة جميع الأفراد دون تمييز بين الأجناس، كما تحصل فيه كل دولة على ضمانات تحميها وعلى نصيبها من الفرص السانحة للتقدم. إن تقدم دولة ما يقاس بقوتها وغناها بحيث أننا نقصد بالدولة المتقدمة تلك التي تملك المال الوافر لتحقيق الاكتفاء الذاتي لكل مواطنيها وكذلك القوة اللازمة لحمايتهم والدفاع عنهم إذا ما تعرضوا للخطر مهما كان نوعه. وبما أن المال والقوة ينتجان عن المعرفة فإنه ينبغي على الدولة السائرة في طريق النمو أن يتوقف تقدمها هذا على مدى تطور معارفها وحسن توظيفها لها مع أن التحول الفكري غالبا ما يصطحب معه التحول الاجتماعي. ومثلما تتغذى كل الأجساد وتنمو، يتغذى جسد الدولة ويكبر ولعل ما يشرح ظهور الإمبراطوريات في الماضي وتوسعها الإقليمي هو مصدر قوتها الغني والمتنوع الذي للمعرفة فيه نصيبا كبيرا. ولو نظرنا إلى جسم الإمبراطورية فإننا سنرى في مراحل توسعه نفس مراحل تخمر العجين. فمثلما ينتفخ العجين ويفيض على جوانب القصعة بسبب التفاعل الكيميائي للخميرة وبسبب إغفال العجان، يكبر جسم الإمبراطورية ويفيض على دول مجاورة بسبب التفاعل الفكري "المعرفة" وبسبب إغفال الحاكم للأعراف الدولية. غير أن مثل هذا السلوك أصبح مرفوضا، لأن العالم تغير شيئا ما ولم يعد سهلا على أية دولة كيفما كانت أن تتجاوز إقليمها سوى بالاتفاق. وحتى لو تجرأت دولة معينة على اقتراف مثل هذا الخطأ فإنها تسعى جاهدة لمنح تصرفها الصبغة الشرعية. ومن هذا المنطلق يصبح من واجب ممثلي الإنسانية التفكير في خلق سلطة مشتركة، تساهم في قيامها كل الأمم، تحمي حقوق الدول الضعيفة من سلوك الدول الطاغية وتحمي الشعوب من تسلط الحكام الاستبداديين كما تنهج التبادل التجاري في كل أنحاء العالم. لأن اشتراك المصالح بين كل الدول وتوسيع مجال الحريات لدى الأفراد هو ما يجسد العولمة بمفهومها الصحيح. إن العولمة ظاهرة اجتماعية نشأت في نفوس الأفراد من أجل تحقيق غاية واحدة وهي إحساس الفرد بأنه جزء من العالم وأنه على اتصال مباشر معه، لهذا أصبح تقنينها أمرا حتميا ما دام للقانون مهمة التنسيق بين القوى المتنازعة كما للسياسة مهمة التوفيق بين متطلبات الشعب وانجازات الحكومة. وليست العولمة تخص الاقتصاد وحده، بل تتجاوزه حدودها إلى أبعد من ذلك ليصبح من الممكن قول عولمة الحقوق، عولمة الأفكار والمفاهيم، عولمة الأخلاق...وعند الحديث عن العولمة فالقصد بذلك يكون العالم المتحد أو المتحالف. وإذا كانت الدولة تمثل تحالف مجموعة من القبائل والقبيلة تمثل تحالف مجموعة من الأسر والأسرة تمثل تحالف عدد من الأفراد فإن العولمة تمثل تحالف مجموع الدول. وليست الأسرة أو القبيلة أو الدولة أو العولمة مجرد أسماء نطلقها على جماعة من الأفراد بل هي مراحل تحتم على جسم البشرية المرور بها مثلما يمر جسم الإنسان بالمراحل الأربعة: الطفولة والشباب ثم الكهولة فالشيخوخة. 2 الحياة الاجتماعية دوافعها وشروطها: إن التطور الذي عرفته الجماعة منذ القدم والتكاثر إضافة إلى الاتحاد الذي حصل بين البعض منها ضد البعض الآخر، كل ذلك جعل طبيعة العلاقات التي تربط بين الأفراد تتطور من البسيط إلى المعقد. وتعود هذه العلاقات بالدرجة الأولى إلى وحدة الدم أو اشتراك المصالح أو تقارب الأفكار. وكلما تطورت هذه العلاقات تطورت معها علاقات المجتمع ككل وأثرت بشكل عام على الحياة الاجتماعية فيه. ويعود سبب الاتحاد الذي حصل بين الأفراد رغم المنافسة والصراع إلى أن الحياة مع الآخرين مسألة طبيعية لا خيار فيها للإنسان ويتطلب تحقيقها بشكل جيد ومفيد التزام الفرد بالواجبات واحترامه للأعراف (عادات وتقاليد وقوانين غير مكتوبة..) التي تعد الركيزة الأساسية لقيام الجماعة وتماسكها كما تعتبر مصدر قوتها الوحيد. وتلعب المنافسة الدور الرئيسي في تطور علاقات الأفراد فيما بينهم وهي غالبا ما تتحول إلى حرب معلنة بين الأطراف المتنافسة، لكنها تحمل معها إمكانية توقفها في أية لحظة لأن بعض المواقف تتطلب من المتنافسين الاتفاق من أجل مصلحة الأطراف كلها خصوصا عندما تتعادل موازين القوى حيث يتنازل كل واحد عن بعض الأمور للطرف الآخر. ومثلما تخلق المنافسة الصراع والحرب تخلق معه التقدم والرقي كما لها دور جد مهم في التطور الذي عرفته العلاقات انطلاقا من بين الإخوة في الأسرة إلى ما بين المجتمعات في العالم. وبفضلها قطعت الحياة الاجتماعية أشواطا عديدة من التطور وحققت بعض المكتسبات تخص شروط الحياة الكريمة التي تستحيل دون توفير قسط من الحرية الشخصية التي هي ضرورة لا بد منها لوجود الإنسان، كما تستحيل دون توفير شرط آخر الذي هو العدالة الاجتماعية القائمة أساسا على وضع قوانين تساوي بين الناس في الحقوق وتعاقب كل من تجاوز الإطار المتفق عليه. وتقوم العدالة الاجتماعية على أساس كبت بعض الحريات من أجل تحقيق البعض منها علما بأن الحرية الهادفة هي التي تدفع بالإنسان إلى التخلص من قيود الأهواء التي قد تضعه موضع الجبن والضعف والتبعية عوض موضع القوة والسيادة. ولولا هذا الكبت المعقلن لبعض الحريات لما وجدت الطاقة الإبداعية في الأفراد. ولهذا بقدر ما يتحكم الإنسان في سلوكه ويسيطر على غرائزه بقدر ما تتضاعف طاقته الإبداعية. إن علاقة المجتمع بأفراده كعلاقة الكائن الحي بخلاياه. وإن كانت حياته مرتبطة كل الارتباط بحياة الأسر فإن أسباب ارتقائه تنبعث عن أقليات صغيرة من أفراد مبدعين مع العلم أن دور هذه الأقلية المبدعة في تطور المجتمع كدور الغدد في تطور الكائن الحي ونموه. ولما تخفق الطاقة الإبداعية في مثل هؤلاء الأفراد ينهار المجتمع ويتوقف نموه مثلما يتوقف نمو الإنسان بعدما تتعطل غدته الدرقية عن العمل ويعد جسم المجتمع كباقي الأجسام الحية، يجوع ويتغذى، يمرض ويشفى كما يكبر وينمو. 3 مراحل نمو جسم البشرية 1-3 الأسرة إن المرحلة الأولى التي مرت بها البشرية تعد لبنة رئيسية في عملية تأسيس نظام الثلاثية الاجتماعية ولقد تطلبت إقرار النظام الأسري في أول محطة لها خلال سيرها على طريق الحياة الاجتماعية. فأثناء هذه المرحلة كان الإنسان الأولي(آدم) قد أمعن النظر جيدا فيما مضى من حياته ووجد أنه من الضروري أن يضع القوانين ويقوي الأسس التي تثبت وجوده وتحقق له سيادته على الأرض. وبناء على ذلك قام نظام الأسرة على أساس تعايش الإخوة تحت ظل الأبوين إلا أن هذا التعايش لم يتحقق إلا بعدما تعلم الأبناء التزام حدودهم بمعرفة ما لهم وما عليهم وبعد تدريبهم كذلك على عدم استجابتهم للدوافع الغريزية بشكل فوري غير معقلن. إن فهمهم هذا وإدراكهم لعدم تجاوز الخطوط الحمراء التي يحددها الأب بالشكل الذي يدركون فيه أن مصلحتهم تكمن في ذلك هو ما جعلهم يتشبثون بالنظام أكثر ما دامت مصلحة كل واحد منهم تبقى محفوظة وسط إخوته. وهذا ما ارتآه الأب حينما فكر في أن يصيرون سنده ثم يستمرون بعده. وعلى ما يبدو أن دراسة خصائص الأسرة ستساعد أكثر على فهم التطورات التي ترتبت عنها في تكوين المجتمعات. تتألف الأسرة من اتحاد الرجل والمرأة وناتج هذا الاتحاد هم الأولاد، ومما لاشك فيه أن للرجل خصائص ومميزات مغايرة لما عند المرأة، كما أنه من المعروف منذ القدم أن الأنثى تكرس معظم وقتها لرعاية صغارها أما الذكر فعليه يقع حمل توفير الغذاء والدفاع ضد العدو. وعليه ، فنشاط الرجل يتطلب منه استخدام العقل الذي يستدعي منه أن يكون حذرا وقادرا على مواجهة الظروف المفاجئة طالما أنه الأقوى والأكثر استعدادا للصراع، كل هذا جعل الرجل منذ القدم يقرر بحسم ما يجب عمله أمام أي مشكلة، حتى أن تفكيره مال إلى محاولة فهم الظواهر الطبيعية خوفا على نفسه وعلى رعاياه من الأخطار التي تنتج عنها. وهذا الاستخدام العقلي المتواصل طور عند الرجل ملكة التفكير وزاد من حدة ذكائه. أما نشاط المرأة فكان يتميز منذ القدم باللون العاطفي، وتتحرك إرادتها بدافع الغريزة كما أن طريقة تفكيرها تعتمد على الحدس ونهاية انفعالها البكاء الذي يخفف من توترها وهو ما يعطل تطور ملكة التفكير عندها، لأن التوتر أو الانفعال يعد رئيسيا في عملية إنتاج العقل للأفكار. ولهذا السبب نادرا ما نسمع عن امرأة مفكرة كما أننا لم نسمع قط عن امرأة فيلسوفة. فمهما تطورت المرأة وتفوقت على الرجال العاديين فهي دائما دون مستوى الرجال العظماء. وحتى لو تمكنت المرأة من ربط الأفكار القصوى بعضها ببعض وفقا لقواعد المنطق فإنها ستتخذ لعملها الفكري ميدانا ضيقا شتان بينه وبين الشمولية. إنني أقول هذا وليس في نيتي مهاجمة المرأة أو احتقارها حاشى ولا يرضي الله وأستغفر الله العظيم وإنما هذا ما يشهد به التاريخ لها. وبالنظر إليها كامرأة، فالطبيعة أوهبتها طابعا أنثويا خاصا عليها معرفة تقنينه لتحصل على السعادة. ومما لا شك فيه أن مطلب مساواتها مع الرجل الذي تقدمت به .. يعود بالدرجة الأولى إلى استخفافها بضعف رجل العصر الحديث في تدبير شؤونه وفي تلبية حوائجها وحمايتها كذلك، لكن في حالة ما إذا وجدت المرأة نفسها جنب الرجل بمعنى الرجل فهي تبرز خضوعها له كما تكون في غاية سعادتها التي تكمن في الأمومة. قد يكون دور الأب في الأسرة يعتبر محركا لها، إلا أن دور الأم يعتبر الطاقة التي تشغل هذا المحرك. إنها كل شيء في البيت إن غابت عنه غاب معها استقراره. فعلى المرأة ألا تنسى أنوثتها والأمومة التي أعدت من أجلها محتفظة بحقها في الخروج لقضاء مصالحها ولوازم البيت، للدراسة، لحضور الندوات وللعمل إن تطلب منها الأمر ذلك. وليست كل الأعمال صالحة لها، لأن طبيعة العمل كيفما كان نوعه يكون لها تأثير بالغ على فيزيولوجية الشخص وعلى نفسيته كذلك. وعليه، فالمرأة مهددة بفقدانها الطابع الأنثوي مع مرور الوقت لو استمرت في تطاولها على ميدان الرجل. وتعد ثقافة المرأة شرط رئيسي لكي تعلم أبناءها تعليما سليما وترفع من مستوى أخلاقهم وتنمي شعورهم بالمسؤولية وتأدية الواجب. فالأم كما نعلم هي المدرسة التي يتلقى فيها الطفل دروسه الأولى فهي التي تعد الأجيال الناشئة وترسل بها إلى المجتمع إما قوية الجسد، نيرة العقل وكريمة الخلق وإما هزيلة، جاهلة وفاسدة. 2-3 القبيلة إن قيام نظام الأسرة كان له تأثير بالغ على كل الأفراد أحفاد آدم وعلى طبيعة العلاقات التي ربطت فيما بينهم نظرا لاشتراك المصالح والأهداف. وجدير بالذكر هنا أن أشير إلى الدور الذي لعبته المصاهرة في تكاثر الأسر وفي توطيد العلاقات بين الأفراد وترسيخ وتثبيت المبادئ الأولى التي وضعها الجد الأول. واستجابة لهذا التعايش الذي حصل بين الأسر تشكلت الدواوير ثم ظهرت القبيلة التي لم تكن نشأتها غريبة المفهوم عن أفرادها من حيث طبيعة النظام الذي تمشي عليه، فمثلما كان الفرد طرفا من الثلاثية داخل الأسرة فهو طرف كذلك من الثلاثية داخل القبيلة حيث يوجد شخص حكيم ومحنك يرعى شؤونها وهيأة تتوسط بينه وبين الأفراد تعمل على تنفيذ القرارات والأحكام. إلا أنه في الوقت الذي نشأت فيه هذه القبيلة وحددت مسارها نشأت بجوارها قبائل أخرى وكذلك بعيدا عنها مع العلم أن كل قبيلة ظهرت إلا وكانت لها مصالح ومخططات وأهداف تود تحقيقها. ومع مرور الوقت كثر عدد الأسر في القبائل كما كثر عدد القبائل على الأرض واشتدت المنافسة والصراع حول كل الأشياء ذات القيمة فترتب على ذلك تحالف القبائل المتقاربة من أجل التغلب على الخطر الذي قد يواجهها من القبائل البعيدة. فصارت القبائل تتحالف وتتخذ شكل مجموعات متفرقة هنا وهناك وفي كل الأرجاء. 3-3 الدولة إن تحالف القبائل على شكل مجموعات مستقلة كان وراء ظهور كل الدول المعترف بها حاليا بمختلف أنظمتها. وبهذا تكون الدولة جسما أعضاءه قبائل قررت وفق اتفاق أن تتنازل بمقتضاه عن مهمة حفظ السلام والأمن لأحد ما تجتمع فيه الصفات المطلوبة لتكون بيده السلطة ويكون له الحق في قيادتها وتوجيهها نحو الغاية التي أنشأ من أجلها وبذلك يتقرر أن تتنازل كل قبيلة عن قسط من قوتها وسيادتها بشرط أن تتنازل القبائل الأخرى بالمثل، ومنذ ذلك الحين يصبح الحاكم ذا سيادة كاملة على تلك القبائل وأفرادها شريطة أن يلتزم هو بما تم الاتفاق عليه. ولتوطيد العلاقة بين الحاكم والرعايا في هذا النموذج المجتمعي وكي لا يشعر الفرد أنه يخضع إلى نظام غريب، وعن غير قصد تم تطوير نظام الثلاثية الذي ألف به الفرد داخل الأسرة وداخل القبيلة كذلك وجعله يستمر تماشيا مع نمو جسم البشرية. ومن أجل تحقيق ذلك قام الحاكم المحنك بتعيين هيأة من الوزراء تتولى تنفيذ القوانين وصيانة الحريات التي تسنها الدولة كما أنشأ هيأة أخرى منتخبة من لدن رعاياه تستعرض المشاكل وتقترح الحلول. ومهما كبر جسد الدولة وتوسع فإنه يبقى دائما صورة مكبرة لجسد الأسرة محتفظا بخصائصها وبالعلاقة الأساسية التي تحكمها، فمثلما نجد الأب والأم والأبناء داخل الأسرة نجد الحاكم والحكومة والشعب داخل الدولة. وإن كانت الأولى تهدف إلى حماية أفرادها والسهر على نجاحهم فإن الثانية تسعى من وراء قيامها إلى تعايش الأسر وخلق الانسجام بين القبائل والحفاظ على سلامتهم. على هذا النهج صارت الدول تتشكل هنا وهناك وفي كل بقاع الأرض وأصبح لكل واحدة منها خصائص وأعمال وأهداف تدافع عنها عند تعرضها للخطر وتغزو بها دول أخرى إن كانت أقل منها قوة. وقد استمر هذا الوضع على حاله زمنا طويلا حتى وصلت البشرية القرن العشرين بعد الميلاد حيث وجدت الدول في نفسها الحاجة إلى التحالف نظرا للعديد من الاعتبارات سبق ذكرها. 3-4 العولمة لقد وصلت البشرية على ضوء النظام إلى مرحلة التحالف الأخيرة، وهي مرحلة كسابقاتها لا تخلو من الانعكاسات السلبية والمعاناة التي نعيش حاليا بدايتها. إنها تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى نظام جديد تسير عليه ولإقرار مثل هذا النظام على العالم أن يتقيد بالنظمة الثلاثية الاجتماعية التي سبق للدولة أن تقيدت بها كما حدث للقبيلة وللأسرة كذلك من قبل، والتي ألِف بها الأفراد في كل الأحوال. ولكي تكتمل شروط النظمة الثلاثية الاجتماعية، يجب خلق مجلس عالمي جديد مستقل بذاته يكون فيه الحق في تدبير أموره لأشخاص همهم الرئيسي هو مصير الإنسانية بحيث يكون عددهم ثمانية عشر شخص منتخبين من طرف شعوب دول القارات يمثلون بذلك العالم أجمع (4 من أوروبا، 4 من إفريقيا، 4 من آسيا و4 من الأمريكيتين و2 من أوقيانوسيا). صاحب أعلى الأصوات في كل قارة سينضم للمجلس العالمي الحاكم المكون من 5 أشخاص أما باقي ال 13 الفائزين فسيشكلون الحكومة العالمية ذات 13 حقيبة وزارية. أما البرلمان فسيشكله النواب حيث كل دولة سترشح نائبا يمثلها. ومهمة هذا المجلس العالمي الحاكم في نظام العولمة لا تختلف عن مهمة الرئيس في نظام الدولة والمتجلية في حماية الشعب وتحقيق الاكتفاء الذاتي له من حريات وحياة كريمة بالإضافة إلى حماية كوكب الأرض الذي نعيش فوقه من الأخطار بحظر التجارب النووية التي لها تأثير خطير على استقرار الطبقات الأرضية وكذا الحفاظ على الغلاف الجوي بتقليص نسبة الانبعاثات. إن تطبيق النظمة الثلاثية الاجتماعية على مجموع دول العالم يعتبر حلا سيجعل الإنسانية في مأمن. ولهذا يجب على كافة الدول أن تتفق على القانون الأساسي لقيامه وأن تساهم في نفقات إنشائه واستمراريته حتى لا يبقى هناك مجال لدولة تسعى وراء منفعة تتضارب مع مصالح غيرها. وهذا ما لم تستطع الأمم المتحدة تحقيقه. إن الأمم المتحدة وحدها عاجزة عن إقرار التوازن بين الدول كما أنها غير قادرة على إيقاف حماقات بعض الزعماء (الابن العاق) التي قد تدفع بالإنسانية إلى الدمار. فهي إذا كالزوجة المطلقة أو الأرملة التي تتحمل كل أعباء البيت والأولاد لوحدها، لذلك تحتاج إلى من يشد بيدها ويساعدها في تدبير شؤون الشعوب وحمايتهم. وعليه سيتولى المجلس العالمي الحاكم زمام شؤون الشعوب بنفس الشكل الذي يتولى فيه رئيس دولة ما أمور شعبه رغم اختلاف العرق والدين واللغة ما دامت قواسم عديدة مشتركة موجودة تشجع على الاندماج. إن تأسيس هذا المجلس الجديد سيجعل من العالم أسرة واحدة وسيحد من الفوضى التي تجر العالم صوب حرب قد لا يسلم من تأثيرها بلد، وسيكون الهدف هو توحيد العالم وتوجيهه لما فيه الخير بما في ذلك تحقيق التقدم والرخاء لكل الدول بعيدا عن مفهوم المساعدات التي يعد تلقيها دليل على التبعية. فالمجلس العالمي الحاكم يقرر والحكومة العالمية تنفد، مجلس النواب يراقب والشعوب تستفيد وتعيش مرحلة العولمة بمعناها الصحيح.. وعليه سيتأسس تشييد حضارة عالمية تعكس الصورة الحقيقية التي ينبغي على الإنسانية أن تظهر عليها. |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|