|
|
||||||||||
ملتقى الأدب للقصة القصيرة والقصيدة باللغتين الفصحى والنبطي . |
|
أدوات الموضوع |
06-12-2009, 11:52 PM | #1 | |||
عضو دائم ( لديه حصانه )
|
المشنقة..
المشنقة..
(بقلم : د. عبد العزيز غوردو) التقديم/أيها الفصـــامي: ** 1 ** الذي أعرف أن الأموات عادة لا يتحدثون عما جرى لهم بعد الموت، أما أنا فسأعري كل شيء، قبل أن أعود إليه/الموت، مرة ثانية... الذي أعرف أيضا أن بوابة الهروب من الجحيم كانت مصفدة بسلاسل حديدية ثقيلة، وجنازير ضخمة... والقلق كان يحاصرني باستمرار، أتقلب في فراشي طوال الليل، فلا أنام... لكن، ألا يعاني الجميع مشاكل في النوم في هذا العالم المجنون؟ الذي أعرف، ثالثا، أن الفوضى كانت في كل مكان: فوضى... فوضى... فوضى... ولا شيء على ما يرام... فمن توضع بين يديه هذه الفوضى ليعيد الأمور إلى نصابها... ليعيد ترميم العالم؟ في رحلة الدرجة الاقتصادية بين الحياة والموت... طُلِب مني أن أقرأ كتاب حياتي... لكني فتحت سيرتي الذاتية فلم أجد بها ما يقال حقا... ساد الصمت، ويدي كانت ترتجف كعصفور جريح وهي تقلب الصفحات الفارغة... وكان لا بد أن أكتب شيئا لأقرأه... وكان لا بد أن أفعل شيئا لأكتبه... حسنا، قلت، لنلملم أشلاء الذاكرة من البداية، من الصفر، مما بعد الشعور بالعدم... ربما أبعد قليلا وربما أقرب... مثلما نراه كل يوم، في كل اتجاه، فنتساءل من أين نبتدئ، ولماذا؟ ونحن نعلم أن تاريخ المستقبل يكتب في الماضي دائما، كما في الجينات الوراثية، فمن يمنحني توكيلا بالكتابة والفعل؟ قلت: قبل أن أبدأ كانت لدي مشاكل في النوم، والكثير من القلق النفسي... وعقلي الخرب لم يكن يساعدني على تجاوز حدود قلقه، ولم يرد أن يتعلم النوم... أما حياتي فكانت سخيفة إلى حد العبث القاتل، وكريهة كنجيع الطمث... كان الأمر مرعبا ومثيرا... كنت أعود إلى رحلتي خطوة.. خطوة، على رأسي مصباح دايفي، الذي ما عاد يحميني من ظلمة المكان ووحشته، بعد أن تحطم زجاجه... وقد غلبني الشوق والحنين إلى شعور افتقدته من زمن بعيد... شعور بالدفء والأمان باتت تفتقده مدائننا... وكنت مشوش الفكر حقا... مدائننا شبيهة بحشرات عملاقة، تسكنها الشياطين حينا ثم ترحل... أنا أيضا كنت أريد أن أرحل، أو أن أغير شكلي: اختر لنفسك أي الأمرين شئت، فقد وقعت الكثير من الجرائم من حولك، وستبقى حبيس عقلك إن بقيت هكذا... أو بقيت هنا... فلتبحث عن عالمك الآخر.. وارحل... " " " " (يتبع...) المصدر: نفساني
|
|||
|
07-12-2009, 12:03 AM | #2 |
عضو دائم ( لديه حصانه )
|
** 2 **
ماذا فقدت؟ وماذا أخذ منك الآخرون؟ حياتك؟... تلك مجرد أوهام... فليأخذوا الأوهام... وليرحلوا، كما رحلت أنت... دماغي، كم هو مزعج؟ وكم هو مؤسف أن أعرف بأنه مزعج وأعجز عن السيطرة عليه؟ ...والسيطرة، هذا ما نبحث عنه دائما، لكننا لا نسيطر على شيء في الواقع: لا على مشاعرنا، ولا على نمونا أو دقات قلوبنا، ولا على مكيفات الهواء، أو حتى ألوان ملابسنا... ليس لنا إلا الفوضى، وهذه طبيعتنا... الصخب والفوضى يملآن الأزقة والدروب في دماغي... في ليلة واحدة، ربما في أكثر من ليلة، تقرر مصير أمة مزقها الطغيان والجور... لتنساب باتجاه الموت... لكن موتها، والحق يقال، لا يعني شيئا غير بعثرة حياة تافهة تستحق البعثرة أصلا... البطولة: قتل أكثر، واغتصاب أكثر، وحرائق أكثر... أهو المثل الأعلى للرجولة؟ العظمة.. المجد.. النصر.. البسالة... أليست هذه صفات الطاغية؟ فكيف لمحاكاة الأسطورة أن تولد النفي والقتل والخيانة، وتستعرض قائمة فشلها الطويلة؟؟؟ هناك، إن كنت لا تعلم، أشرار كثيرون يعيشون بيننا، يختبئون خلف ملامح مألوفة، أو حتى جميلة أوطيبة... هم ليسوا بحاجة إلى جدران أو ظلام للاختباء، لأنهم يتقنون التمويه كالحرابي... وعلينا أن نفتح أعيننا جيدا حتى نتمكن من رؤيتهم، لكن ينبغي أن نكون حذرين حتى لا نفتحها أكثر من اللازم... فهل علي، كحكواتي سمج، أن أخفي كل هذا... وأكتفي بالحديث عن "كريمة الفانيلا" وشموع أعياد الميلاد؟؟؟ أن أخفي قلقي تجاه الموت وفاتورة الدواء.. وأبدي إعجابي بالسيقان البضة والصدور الناهدة، زيفا، بفعل عمليات التجميل...؟ ** 3 ** رأيت حلما قبل أيام، ولم أستطع فك رموزه إلى الآن... لست للأحلام عبارا، وهو بدا أشبه بقطع أحجية ممزقة، تماما كالوطن، والنفق كان طويلا... بدأت القصة، عند مدخل النفق، وكانت قطع الأحجية قطعة واحدة... من كنتُ في الحلم؟ من كنت، ومن أنا؟ من أنا فعلا؟ أدعى... ماذا أدعى؟ ما المهم في اسم؟ لديك هواء تتنفسه، والمستقبل كله أمامك... صدقوني الاسم لا يهم، إنه مجرد مكبس جبار يضغط علينا ويقيدنا طوال العمر، ويبتلعنا في النهاية... كما يبتلع الليل النهار، ويبتلع النهار الليل... وأنا كنت مجرد ضرس في ناعورة مثلومة... مجرد راكب إضافي، أتخبط وسط المحيط وحدي... أرى الجميع، لكن لا أحد يراني أو حتى يلتفت إلي، كأن ضباب البحر قد غيبني عن عيونهم وأبصارهم، وكنت أشعر بالعجز، لأنه لم يكن لدي خيار آخر... فيما كانت المخاطر القابعة تحت الماء تترصدني... كيف حدث لي هذا؟ تصوروا، أنا الذي نسبة ذكائي ضعيفة جدا، بل ربما أنا مقبل على أن أكون متخلفا عقليا... ورقيقا جدا كفتيات المدارس... أستيقظ فجأة، بعد أهدأ ليلة في حياتي، لأجدني وسط احتفال صيني صاخب بمناسبة حلول سنة التنين... هذه بداية مثيرة للحكاية... أن أبدأ من حيث أجد نهاية لأحزاني، وأنا مدرك تماما بأني لن أجد هذه البداية أبدا... وأعود من حيث أتيت... لكني أريد أن أحصل على قصتي... سأقص حكايتي إذن... لكن لست أدري إلى أي حد سأغوص في التفاصيل... فبعضها قد غاب عني، وبعضها الآخر لا أريد أن أذكره، ليس خوفا ولا خجلا، لكن فقط لأني أريد أن أحتفظ به لنفسي... فهل هناك من مانع؟ - إما أن تقول كل شيء، أو لا تقول شيئا... وتذكّر أن المعلومات أهم منك أنت نفسك، تماما كما يقولون في مراكز الجوسسة... وحاذر أن تناور، فأنا أعرف كم أنت ماكر... (ارتفع صوت القارئ بالاحتجاج) قاومت في البداية، لكني كنت أعرف بأني لن أتحمل عناده، فمكري نفسه له حدود، ولا أحد يستطيع أن يسابق الريح... القارئ محتجا، مرة أخرى: - هل تحاول التلاعب بي؟ - ربما؟ - الأمر يفلح معك دائما... - هذا اختبار حياة عميق، ولهذا السبب أنا مستاء منك، بقدر ما أنت مستاء مني، لأننا نشبه بعضنا... فقط نقلب الأدوار... لنحدد بأي اتجاه نريد: المقدس أم المدنس؟ إلى ما سيؤول العالم؟ - حسنا، لقد قلت كل ما علي قوله... وأنا مجرد كاتب... - وأنا لم أقل بأنك الإسكندر... " " " " [/ (يتبع...) |
|
10-12-2009, 11:01 PM | #4 |
عضو دائم ( لديه حصانه )
|
ويسعدني، بل يشرفني أن تكونا من المتابعين...
حضوركما، الفجر البعيد + الكابتن أسامة السيد، أنار المكان... |
|
10-12-2009, 11:02 PM | #5 |
عضو دائم ( لديه حصانه )
|
** 4 **
ثمة أفكار تائهة في رأسي، وإن لم تجد مخرجا فلسوف تنفجر... كلمات تتلوى وتتخبط، صغيرة ملطخة بالبول تتعلم المشي كالعرجاء... تريد العبور من وراء السخام لتبني رواية يسري إليها الخدر... - لا أفهم كل هذا الجنون؟ تستيقظ لتجد أنك عدت إلى نقطة البداية كل مرة... كما لو أصابك تبلد دماغي التهابي المنشأ، يحرص على إتلاف كل خلايا دماغك، ويجعلك تنزلق باتجاه الخرف... كل مرة يعبث الكاتب "السادي" بعداد ذكرياتك، فيعيده إلى الصفر من جديد... كل مرة يوقظك في أحلامك لتدرك أنك شخص محبط... كل مرة يذكرك بأن هناك الكثير مما لم تشاهده بعد... تفاصيل وجزئيات غابت عن ناظريك في زيارتك الأخيرة لمكان الأحداث... فيعيدك إليها، غصبا عنك، لتتعذب أنت.. وينتشي هو... السادي: - هل شاهدت فيلم "القيامة الآن"؟ - كلا... وهل يستحق المشاهدة؟ - لن أدعك تشاهده فحسب... سأجعلك تعيشه... - وهل برمجتك اللغوية العصبية قادرة على تحقيق الإنجاز؟ - كافية لأن تضع قلبك في "خلاط كهربائي" وتحيله إلى مخفوق توت بري... بدم بارد... - إذن استثمر كل مواهبك ومشاعرك... تحدث عن أطعمة الكلاب... والمثلجات... وجلسات المخدرات والجنس الجماعي... - وأنت نسمة هواء منعشة تضاف إلى كل هذا... - لم أتيت بي إلى هنا؟ - لم لا تثور؟؟؟ ليس عليّ، بل على أوضاعك... هذا أفضل من أن تبقى حبيس الحبر والورق الجليدي حتى تنفق من البرد، ولا من يسمع مواءك... - أحتاج من يمنحني بعض الدفء، حتى أعود لعالمي.. - هذا إذا عدت... - لم يصل أحد إلى ما وصلت إليه، وهذه معجزة... لكني أستقيل... - أنت ساقط جاحد... - سأحزم أمتعتي وأرحل.. - لا أمتعة لديك عندي... ودعني أكمل أسطورتي... - لا أومن بالأساطير... - يجدر بك أن تؤمن بها، لأنك تعيش داخلها... - لا أعرف أنني أعيش أسطورة... لا أعرف حتى أنني أعيش... - كان عليّ أن أستحيل عالم "إحاثة" وأنبش في خرائب ذاكرتك، من تحت الأنقاض، لأجد أقدس أسرارك... أنت عقاري الذي استثمرت فيه كل مشاعري ومواهبي، بدل استثمارها في الدعارة والمخدرات... والسياسة... - أنت بلا ضمير... - أنت ضميري... فتصرف على سجيتك... صرخت: - ما كنت محتاجا لمعالج نفسي، يُشرّح طفولتي ويغوص في تفاصيل ذكرياتي، ليخبرني في النهاية أنني كنت أكبت عقدة أوديب بداخلي، وأنني بحاجة لمن يعطل دماغي، بعض الوقت، لينعش أعضائي التناسلية... وأن ما بداخلي فظيع جدا، وأن علي أن أكره نفسي الفظة القاسية... أو أن أقطع رأسي حتى يرتاح هذا السادي الذي يورطني كل مرة أكثر... وهذا القارئ الذي لا يقل عنه "سادية"... السادي، كرّة أخرى: - هل تريد أن تعرف آخر رواية أبدعتها؟ - عن أي شيء تدور أحداثها؟ - إنها قصة(ك)... رجل شكلته العقد، وعركه اضطرابه النفسي... - ابدأ من النهاية إذن... - لم أكتبها بعد... - وهل للديمقراطية والعولمة والحداثة.. فيها نصيب؟ - هن يصلحن للسرير فقط... بقرات شؤول، مفعمات بالشبق، وينبغي وصلهن بعداد لحساب إنجازهن... ويحسن إبقاءهن بعيدا عن أعواد الكبريت، أو اقتناء عازل طبي... - هذا تعريف "الخير"... ضحك باستهتار، فقلت: - هلا توقفت عن الضحك، لأني لا أقدر على ضبط نفسي؟ - هل تريد أن تضع قيودا على الضحك؟ - القيود موجودة فعلا... لكن على دماغك... وعليك أن تتحرر منها وتعمل على ملء الفراغ كي تجد طريقك... - أنت بارع... لكني لا أعرف طريق الجحيم... - لا أحد بهذه البراعة (قلت)... وأنت اخترت طريقك... - فيم تفكر؟ - في لا شيء... - فيم تحدق إذن؟ - في كل شيء... " " " " (يتبع...) |
|
15-12-2009, 01:19 AM | #7 |
عضو دائم ( لديه حصانه )
|
أهلا بك أخي الكريم
شكرا لك على الصورة المعبرة مودتي |
|
15-12-2009, 01:20 AM | #8 |
عضو دائم ( لديه حصانه )
|
** 5 **
أعتقد أن علي أن أبدأ من جديد.. مرة أخرى: أبي لم يكن قدوة صالحة... ولا حكومتي أيضا... هم قالوا بأنهم جاؤوا ليصححوا الوضع، وينشروا بعض الأمن... لكن عندما يقول النظام، أي نظام: "علي أن أحافظ على الأمن"، فهو يعني أمنه هو وحده... عليه إذن أن يدور حول محوره، مثل كوكب مجنون، حتى ينفجر... ومن ينعش عندها كوكبا ميتا؟ أفترض أن هذه المعادلة تحتاج إلى شرح الآن، لكني لست على استعداد لذلك، ولا وقت لدي... فقط يمكن أن أضيف بأن "محرك النظام" عليه أن يتزود بمكابح لحالات الطوارئ، خاصة عندما يتموقع فوق منصة "بلازما"... عليه أن يتأقلم مع الكابوس... مع البركان الرابض أسفل منه، حتى يوقف المسار باتجاه الجنون... ليلة البارحة انتشر الجراد في دول الساحل... ليلة البارحة غرقت إحدى غواني هوليود في حمام سباحة... ليلة البارحة كانت العاصفة الرعدية التي اجتاحت الحدود، وجلدتني أمطارها هذا الصباح... وكنت كمن صعقه تيار كهربائي... كان كل شيء عاديا، بما تحمله كلمة عادي، بالنسبة لرجل عادي، من معنى... يؤدي عمله الممل الثقيل بشكل عادي... ويتلقى اللوم والتعنيف بشكل عادي أيضا... وفي الليل يتخيل "أنثى" من اختياره على سريره، ممتدة بأنوثتها العارية... يدخن سجائره... ويطفئ نزواته في منفضتها، ويلعن حظه العاثر... كانت هذه حياته، قبل الخميس، أقصد خميسنا الأسود، أما بعده فقد تغير كل شيء... هذه قصته، وهو يبحث عمن يساعده على قتله.. على قتل كل عادي فيه.. عبر موته... لكن هو لا يعرف بأني أعرف كل شيء عن دوامة القدر المجنونة التي سأزج به داخلها... لأنه مجرد شخصية مجنونة في عملي الروائي هذا.. وليس علي أن أخبره بجنونه لأني لا أرى فائدة من إخباره... ثم لا شأن له بما أعرفه إلا بالقدر الذي أريد له أن يتحرك فيه... لكني أعده بأن أكون صادقا معه.. فلن أزج به في قصص ليست له... ولن أتخيل له ميتة على طريقتي، في محلول حمضي مثلا، أو حياة على طريقتي، مع أنثى يكرهها مثلا أيضا... - لا أريد ضمانا منك... فقد كنتُ، مذ وعيت، نكرة في وطن على هامش العالم، حيث تعلمت ألا أحلم... والجزء المفقود من روحي، نصفي الآخر، قد أضعته... أو لم يكن لي حظ فيه أصلا... والقرف، في هذا الوطن، لم أكن أراه من فرط كثرته، وأنا أتقيأه منذ طفولتي... - وطنك، إنه قدرك... ولا يمكنك أن تلتحق بواحد كما تلتحق بمخيم كشفية صيفي... - وماذا عني؟ أنا الذي كنت أبدا بلا وطن... منذ البداية كنت الذليل، وكنت الحقير، وكنت النكرة الذي لم يكن هناك أبدا... "الصفر"... هل علي أن أواصل تعقيد حياتي ثملا كما العادة؟ منذ البداية، إن كانت هناك بداية أصلا، لم أعامل ككائن بشري، ولدت وأنا ثمل... الجميع يخرج من رحم، أما أنا فخرجت من "خمارة" ولم يكن لدي أي حلم... فكان لا بد أن أصنع لي واحدا كي أصنع لي حياة... والحظ السعيد لم أكن يوما بحاجة إليه، وهو لم يسعفني أيضا، فابتدأت الحكاية الطويلة، للروح الهائمة بلا معنى... هكذا كأني خرجت من العدم، من بؤرة الشر، طيفا لِطيفٍ هارب من الذاكرة... وكل ما يلمسه يستحيل إلى قذارة، لكنه يكره أن يكون مزيفا... كنت أريد أن أصنع لي حلما.. فصنعت لي كابوسا... " " " " (يتبع.. مع فصل ثان...) |
|
18-12-2009, 11:50 PM | #9 |
عضو دائم ( لديه حصانه )
|
ابنة سيـــدي
** 6 ** أنا غير عادي، مختل عقليا، شاذ سلوكيا، مركب عقد منذ الطفولة... ثم إني إلى كل هذا لا أعرف أين ولدت ولا متى... وكل ما أذكره، من طفولتي التعسة، جدران الملجأ القذرة، وجبين المربية المسطح وركبتاها القويتان... وليلة هروبي الباردة الطويلة... أتيت من كل مكان... تنقلت بين العديد من المدن... وفي كل مدينة نزلتها كنت أجد من يفسد حياتي... كانت جميعها محبطة بالطريقة نفسها، وكنت أعرف بأن الأمر لن يختلف هنا، حيث نزلت أخيرا، قبل أشهر قليلة... قبل نزولي زينوا لي مدن الخليج... وصفوها بالجنة حيث الخير يعم الجميع... حيث لا بكاء... لكني كنت أعرف بأن البكاء مثل الضحك، كلاهما له مجاله في الفرجة... وأن تكون مروض أسود، قد يعرضك ذلك للموقفين معا... هنا، في جوهرة الخليج/الكويت، كما قالوا، كان علي أن أشق تاريخي في مسار مظلم، كالعادة... إلى بيت أصيل كنت أنتمي، من يافا، هذا ما أخبروني به، أرغمني سادتي على امتهان البغاء، على أن أقدم الجعة للأنذال في حانات عمّان، وأتحمل تصرفاتهم المقرفة... قالوا أنت بارد بلا مشاعر، ويحسن نفيك إلى كوكب "دلتا"، وهو كوكب مزقت النيازك صفحته... علك تتعافى من الاكتئاب الحاد الذي أرهقك طوال نصف قرن... بعد أن فشل عقار "الكيتامين" في ترويضك، وتركك وشأنك، تنطح قدرك... وأنا راحل تحسست موضع وطني الذي فقدته مثلما يتحسس من فقد رجله موضعها، وهو ما يزال يشعر بوجودها.. أوصيتهم بالاعتناء بحديقة بيتي الخلفية، وأن يلغوا حجز جناحي في فندق "الوجه الباسم" الشبيه بأحذية الراقصات... قلت: من يمتلك العصا يستطيع أن يرفع صوته أكثر من الآخرين، حتى عندما يكون كاذبا، أو غاصبا... قلت، أيضا: الغضب ليس إلا الوجه الآخر للخوف... وجهه الذي يخفيه، والذي يشعره بالدفء الداخلي... أعني الحماية (أضفت)... لكن ما فائدة النواح على شيء مضى، مهما كان جميلا؟ حتى لو كان مزيجا من الإسمنت المسلح البارد... ماذا؟ ليس هناك من ينوح على إسمنت مسلح بارد؟ أعرف الكثير من الشعراء الذين بكوا على طلل خاو، كان من الممكن أن يكون إسمنتا لو تبدلت أزمنة الحضارة، وتبلدت مشاعرها، وهم لم يكونوا، على الأقل، جواسيس أو مخابرات.. كما يحصل مع الكثير من الشعراء اليوم... " " " " (يتبع...) |
|
05-01-2010, 06:29 PM | #14 |
عضو دائم ( لديه حصانه )
|
** 7 **
الكويت.. مرفئي الأخير... حيث حطت سفائني المحطمة الصاري... الممزقة الأشرعة... الكويت.. أيتها الحبيبة الغارقة في الفساد، كباقي عواصم المنطقة... تتبعت بحزن مسارك الرديء: أهو انعكاس الفشل لدى سياسييك، كما الأخريات؟ أهو مجرد مصادفة أن أراك رابضة كأنثى وهي تقضي حاجتها بلا حراك؟ وأنا هنا أكاد أشم رائحتك الكريهة... تماما كالأخريات؟؟؟ كم قارورة عطر تحتاجين حتى تختفي رائحتك التي تزكم الأنوف؟ لم يقولوا.. لم يخبروني، لماذا تظل عواصمي رابضة في أماكنها بلا حراك؟ لم يخبروني لماذا على كل شيء في حياتي أن يكون كارثة معقدة؟ لم يخبروني لماذا كانت طفولتي قاسية بلا حنان، في مدن تضج أرصفتها بالنساء؟ ضرع الأرض أعجف، كأثدائهن.. كان، وحين ألقيت رأسي على صدرها لم تستقبلني غير صخور عارية جرداء... لملمت رأسي المشدوخة، ثم رحلت... ولم يكن هناك أي داع للأسف، تماما كما أخبرني سيدي في العمل، عندما أخطأ في حقي... فلا داعي للأسف... لا داعي للأسف... - تفقدْ مدخل الحديقة.. (أصدر أوامره) ثم ضغط دواسة سيارته الفارهة، وانطلق بسرعة.. يسبقه غروره... صاحب القصر، سيدي، كما يحلو له أن أناديه... طويل عريض... ويبدو في عباءته البيضاء، من الخلف، كثلاجة ضخمة... يبتسم مثل راقصة رخيصة، ويدللـه الجميع... ويحب، مثل النساء، أن يتناول فطوره في السرير... - قدماك كبيرتان... (قال) - ماذا؟ - مثلي، قدماك كبيرتان... - وماذا في ذلك؟ - صحيح، وماذا في ذلك؟ ابتسمت، وأنا في العادة أبتسم حتى لا أبكي، فخنق ابتسامتي: - هل ستكتفي بابتسامة بلهاء؟ : أنت محظوظ... (واصل حديثه) قلت: أنت لا تعلم كم أنا محظوظ فعلا؟ قلت أيضا: أهذه غرفتي؟ قال: وماذا تعتقد؟ خندق من الحرب العالمية الأولى؟ حسنا (قلت في نفسي) يفترض أن أتحول الآن إلى فأر تجارب... لكن حتى فئران التجارب قد تنعم بظروف عيش أفضل... لننتظر ونرى: ما الذي سيجربونه علينا هذه المرة؟ قال: ستذهب معي الآن إلى "السوق المركزية"... قلت: أنا مرهق مما مر علي هذا اليوم، ثم إني لم أنم ليلة أمس فقد قضيتها متنقلا بين "الأسواق المركزية"، فعلا، رفقة سيدتي الصغيرة... قاطعني: ستنام ليلة غد... ولا أحب أن تبدأ رحلتك معي هكذا... لم أشأ أن أفعل هذا... ولم أشأ أن أفعل ذاك... وفي النهاية فعلتهما معا، فيما كانت كل خلية من جسدي تصرخ غاضبة من الأسواق المركزية... الجو بارد داخلها/"الأسواق المركزية"، مع كل هذه المكيفات في كل جانب، وهذا الشيء الوحيد الذي يُصبِّرني عليها (لا أفهم لماذا غرفتي وحدها من بين كل جنبات القصر الفسيح لم يكن بها مكيف؟) الأسواق المركزية ليست من ثقافتنا (قلت لنفسي كمن يخبرها) ولا نحن وصلنا إليها عبر تنمية ذاتية وتطور حقيقي... بل استوردناها من وراء البحر، معلبة جاهزة للاستهلاك، تماما كالمنتجات التي تحتويها... يتهافت الناس على الشراء، يكدسون العلب وأكياس البلاستيك داخل العربات... دون حتى أن يقرأوا مكوناتها، فقط لأجل التقليد أو المباهاة... لتتورم البطون من أثر المواد المسرطنة، وتنتشر البثور... وهم يحبون ذلك... هم يحبون كل شيء إلا بعضهم بعضا... وينافقون الجميع: ينافقون بعضهم وينافقون زعماءهم... وزعماؤهم ينافقونهم... يا لها من مفارقة؟ بل ربما كلمة النفاق ذاتها ليست مناسبة لشرح الوضع تماما... وهذه مفارقة أخرى... وأنا أصبحت جزء من نفاق هذا العالم النتن... علي أن ألعب معهم هذا الدور الذي لا أجيده، ولم أجده يوما... " " " " (يتبع...) |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|