نفس لوامة ..

نفس لوامة ..

السلام عليكم /
بلا مقدمات سأعرض مشكلتي (أهي حقاً مشكلة ؟) ‍‍.. سأحاول الإيجاز ما استطعت ، وكلي أمل في أن ألقى نصيحة أو رأياً أو حتى نقداً يشعرني بأن هناك "أذناً" صاغية ..
اعذروني على عدم ترابط الأفكار، فهذه هي المرة الأولى التي أطلب من خلالها المساعدة ..
أنا - والحمدلله - إنسانة ناجحة (وفقا لمقاييس النجاح المتعارف عليها في مجتمعنا ;) ‍) .. انهيت جميع مراحل دراستي بتفوق وأتمتع بقدرات ومهارات ممتازة ، لكنني لم أوفق في الحصول على وظيفة منذ سنة ( وهذه ليست مشكلتي) ..

الكل ينظر إلي كإنسانة (عظيمة) تستحق كل الاحترام والتقدير .. مثقفة ، هادئة الطباع ، مرحة .. الكل يسعد بصحبتي ويستمتع برفقتي .. أحب الجميع ولا أحمل حقدا على أحد .. أساعد الناس ما استطعت وأبذل قصارى جهدي كي لا أؤذي أحدا ولو بهمسه ‍.. أراقب تصرفاتي جيدا ، وأحمل بين جنبيّ ضمير أقل ما يقال عنه أنه حي ! ..
مشاعر الآخرين أصبحت هاجس بالنسبة لي ، لدرجة أنني أسترجع كل ما يصدر مني من كلمات أو حتى تصرفات لمعرفة ما إذا كان هناك شيء يستوجب الاعتذار .. ( قد تكون الحالة مرضية وليست عادية ، لكن أيضا هذه ليست مشكلتي) ..
مشكلتي هي أنني لا أحب نفسي ‍‍.. رغم كل ما حققته من انجازات على المستوى الدراسي أو الشخصي ، إلا أنني أنظر لنفسي كإنسانة (تافهه) وربما لا تستحق العيش أيضاً ! ..
ما يزعجني هو أنني مقتنعة تماما بأنني لم أفعل أي شئ في حياتي (يؤهلني) لاحراز لقب (تافهه) أو (عديمة الفائدة ) .. لكن ... لا أدري لماذا أحمل هذا الشعور( ومشاعر اخرى سلبية ) تجاه نفسي ..

ينظر الجميع بانبهار لكل عمل أقوم به ، لكنني لا أرى شيئاً مميزا في أعمالي .. بل على العكس من ذلك أشعر برغبة في تحطيم أو تمزيق أي شئ بعد الانتهاء منه لأنه (في رأيي) لم يبلغ حد التمام الذي أرتضيه ‍ .. على سبيل المثال وليس الحصر :) ، قمت قبل فترة بتصميم وتنفيذ موقع إليكتروني متكامل خلال عشرة أيام تقريباً دون أن تكون لدي أدنى خلفية عن ذلك .. نفذته بطريقة "المحاولة والخطأ" ودون مساعده من أحد ..
كان جديراً بتصرف كهذا أن يثير إعجابي بنفسي ، أو على الأقل يجعلني أحوز على رضا نفسي ( تصوروا مدى التعقيد الذي أعيشه لكن اثار ذلك الموقع إعجاب الآخرين وحاز على رضاهم ، لكنه -وعلى عكس المتوقع - زاد من شعوري ( بالتفاهه) ..
- "ماذا استفدتِ من تنفيذ ذلك الموقع ؟ ألم يكن من الأجدى والأجدر أن تقومي بشيء افضل ؟" .. هذا ما قلته لنفسي .. عفواً ، أقصد هذا ما قالته نفسي لي ..
- "حسنا يا نفسي وما هو ذلك الشئ الأفضل ؟ .. فقط أخبريني وسأقوم به حالاً " .. هذا ما قلته لنفسي .. ولكنها -كالعادة- لا تجيد الرد عن مثل هذه الأسئلة .. إنها تجيد لومي وتوبيخي (ع الفاضي والمليان) سعياً وراء الكمال (المستحيل) ..

لا أنكر بأن هذا الصراع (العنيف وغير المتكافئ) مع نفسي يدفعني للقيام بواجباتي على خير وجه ، وإليه يرجع الفضل - بعد الله - في تحقيق التفوق على مدى 16 عاما دراسياً .. لكنه على حساب أعصابي وراحتي النفسية ، وصحتي أيضاً .. وقد وصل الأمر إلى درجة حرماني من الاستمتاع بحياتي .. وكيف أستمتع بها وانا أصحو كل يوم بأحلام جديدة و أهداف جديدة وطموحات جديدة ومشاريع جديدة ، لا تلبث أن تموت صباح اليوم التالي لأن " نفسي" تراها أشياء "تافهه" .. وكيف استمتع بها و( قطيع) من الأسئلة (الهوجاء) ينتابني بعد كل تصرف : ماذا ؟ ولماذا ؟ وكيف ؟ وهل ؟ .... إلخ ..

أدركت منذ زمن بأنني عاجزة تماماً عن مساعدة نفسي ، وبأنني بحاجة (فعلاً) لاستشارة نفسية ، لكن ظروف التنشئة الاجتماعية حالت دون ذلك .. ولا أعتقد بأنني قادرة على البوح بمكنونات نفسي أمام احد .. لكني أجد الجرأة للكتابه أمام هذا (الجلمود) الذي أخشى أن يصبح يوما ما أعز أصدقائي ! ..

باختصار ، نحن اثنتان في جسدٍ واحد ، ولاسبيل إلا بالعيش معاً ؛ لأن رحيل إحدانا يقتضي رحيل الأخرى .. ولا أريد التمرد عليها وتحويلها إلى جثة تتدلى بداخلي .. فلن ينوء بحملها أو يتحمل رائحتها سواي ! ..

أعزائي /
قد تكون قضيتي صعبه أو حتى مستحيلة الحل ، لأن المُدّعى عليه هو نفسي ‍.. ولن يقدر أحد على انصافي من نفسي ، سوى نفسي .. لكني أرجو منكم المساعدة ما استطعتم ..

وفقكم الله لما يحبه ويرضاه وسدد على طريق الخير خطاكم ..

شمعة

المصدر: نفساني

ما شاء الله لا قوة إلا بالله. كم اتمنى أن أملك أسلوباً أدبياً رائعاً كالذي تكتبين به. ما شاء الله تبارك الله.

ملخص القول يا سيدتي أنك عقلانية في تعاملك مع الناس و لكنك لست كذلك مع نفسك. تلومين نفسك و ترين عيوبها و لكن لا ترين محاسنها. تنسبين الخير لغيرك أو للظروف أو ... و تنسبين الشر لنفسك.

أنت تعانين من خلل عميق في تفكيرك تحيز واضح ضد ذاتك. لا نملك إلا أن ندعو لك من هنا و لكن قد يفيدك و بشكل كبير أن تتعلمي كيف تصححين هذه التشوهات الفكرية على يد أخصائية علاج معرفي. يبدو أنك تتبعين منهجاً فكرياً لا تحسنين غيره و لك العذر في ذلك فنحن جميعاً نستعمل ما نعرف و لكن عندما تتعلمين أسلوباً آخر أكثير عدلاً تجاه نفسك سترين الدنيا بمنظار آخر.

و السلام.