|
|
||||||||||
الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )) |
|
أدوات الموضوع |
09-06-2012, 11:56 AM | #1 | |||
مشرف ملتقى الرقية الشرعية
|
من حديث : "أي الذنب أعظم ....."
من حديث : "أي الذنب أعظم ....." من حديث ابن مسعود ، رضي الله عنه ، مرفوعا : "أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ مَاذَا قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ مَاذَا قَالَ أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ" : فــ : أي الذنب أعظم ؟ : فذلك من الاستفهام لبيان ماهية الذنب الذي يندرج في حد الكبيرة ، وهو ما جعل بعض أهل العلم يجعل هذا الحديث عمدة في حد الكبيرة بذكر أفرادها فيكون ذلك من قبيل التعريف بذكر الأفراد ، فالتعريف قد يكون بالمثال ، وقد يكون بذكر جميع الأفراد استيعابا ، كما في حديث وفد عبد القيس وفيه : "هل تدرون ما الإيمان بالله وحده ؟" قالوا : الله ورسوله أعلم قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا الخمس من المغنم" ، فحد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الإيمان بخصال الإسلام العملية ، وذلك مما استدل به المحققون من أهل العلم على دخول الأعمال في حد الإيمان ، فقد عرفه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذكر أفراده العملية ، كما عرفه في حديث جبريل بخصاله العلمية : "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ" ، ومما استدل به على ترادف الإيمان والإسلام حال المفارقة ، فيترادفان حال المفارقة ، فكل منهما يدل على معناه أصالة وعلى معنى الآخر نيابة ، فيعم الإسلام خصال العمل أصالة ، ويدل مع ذلك على خصال العلم نيابة ، فيعم معاني الدين : علما وعملا ، فيكون الإسلام إذا أفرد بالذكر هو الدين الجامع للإلهيات والشرعيات والسياسات والزهديات ...... إلخ ، فــ : (مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) : فمن يبتغ غير الإسلام العام قبل الرسالة الخاتمة دينا ، فهو دين المرسلين جميعا ، فكان دين المسيح عليه السلام وإن كانت شريعته النصرانية ، وكان دين موسى الكليم عليه السلام وإن كانت شريعته اليهودية ، فلن يقبل منه ، فالتوحيد شرط صحة رئيس لما بعده من أصول وفروع علمية وعملية فهو الأصل الأول ولا صلاح لفرع فسد أصله فصلاح المنشأ مئنة من صلاح ما ينشأ عنه سواء أكان ذلك في المعقولات أم في المحسوسات ، والتلازم بينهما تلازم وثيق أشار إليه ابن تيمية ، رحمه الله ، بقوله : "وَالدِّينُ الْقَائِمُ بِالْقَلْبِ مِنْ الْإِيمَانِ عِلْمًا وَحَالًا هُوَ " الْأَصْلُ " وَالْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ هِيَ " الْفُرُوعُ " وَهِيَ كَمَالُ الْإِيمَانِ . فَالدِّينُ أَوَّلُ مَا يُبْنَى مِنْ أُصُولِهِ وَيَكْمُلُ بِفُرُوعِهِ كَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِمَكَّةَ أُصُولَهُ مِنْ التَّوْحِيدِ وَالْأَمْثَالِ الَّتِي هِيَ الْمَقَايِيسُ الْعَقْلِيَّةُ وَالْقِصَصُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ثُمَّ أَنْزَلَ بِالْمَدِينَةِ - لَمَّا صَارَ لَهُ قُوَّةٌ - فُرُوعَهُ الظَّاهِرَةَ مِنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْجِهَادِ وَالصِّيَامِ وَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالْمَيْسِرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وَاجِبَاتِهِ وَمُحَرَّمَاتِهِ" . ومن يبتغ غير الإسلام الخاص بعد الرسالة الخاتمة فلن يقبل منه ، فهو معدن التوحيد علما وعملا ففيه من بيان الأصول العلمية والفروع العملية ما ليس في غيره من الشرائع والرسالات ، فــ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) ، فرضيت لكم التوحيد الذي جاء به الأنبياء عليهم السلام : دينا ، ورضيت لكم ما جاء به النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الإسلام الخاص فهو زبدة الرسالات وخلاصة علوم النبوات ، رضيته لكم دينا برسم النسخ لشرائع المتقدمين والإحكام لعلوم النبيين ، عليهم السلام ، فعلومهم الإلهية واحدة ، وإن تفاوتت إجمالا وتفصيلا ، فقد جاءت كلها بإثبات وصف الكمال ونفي وصف النقصان عن رب البرية ، جل وعلا ، فتراوحت بين الإجمال والبيان الجزئي الذي يلائم حال المخاطب فضلا عن محلية الرسالات السابقة ، فجاءت الرسالة الخاتمة ببيان كلي لأصول وفروع الديانة ، رفع كل إجمال وأزال كل إشكال ، فــ : "لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي" ، فاستعير البياض الحسي وهو مئنة من وضوح الرؤية ، للبياض المعنوي فوضوح أخبار وأحكام الرسالة الخاتمة أمر ظاهر بل قد سلم به المخالف فليس ثم في دين الإسلام نقل شرعي يحتج به إلا ما كان رجال إسناده على الوجه المرضي ، فلهم من كمال العدالة والضبط ما يوجب قبول خبرهم وتصحيح نقلهم ، فضلا عن نقل الكتاب العزيز : حجة الإسلام الأولى ، ففيه من الأخبار اليقينية الصادقة والأقيسة العقلية الباهرة فحجتها صحيحة سالمة من المعارضة ، فيه من ذلك ما يقطع بداهة بصحة نقله وصحته في نفسه فقد قامت به الحجة الرسالية على عموم البرية برسم العموم المحفوظ ، فــ : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) إلا ما كان من تخصيص بنحو قوله تعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) ، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "أربعة يحتجون يوم القيامة رجل أصم ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في الفترة" ، وليس ثم في دين الإسلام : استدلال باطل بقياس عقلي فاسد يعارض الحجة الرسالية الصحيحة فضلا عن معارضته للأصول العقلية الصريحة ، فتعاضد أدلة الشرع المنزل والعقل المسدد أصل عظيم يستمسك به في مضايق الاستدلال ، فلا يسلم الاستدلال حتى يكون نقل الخبر صحيحا وقياس العقل الذي ينظر به المستدل صريحا ، وطرائق الاستنباط معتبرة ولا تكون كذلك إلا بإتقان طرائق اللسان العربي في أداء المعاني بألفاظ تتراوح حقائقها بين : الشرع فهو العمدة في الاستدلال في الشرعيات ، فالشرع قد أخذ من اللسان حقيقة مطلقة فقيدها بصورة معهودة في الوحي هي فحوى التعريف الاصطلاحي للحقائق الشرعية فلكل حقيقة شرعية في كتب المصنفين : تعريف لغوي يدل على الحقيقة المطلقة ، وتعريف اصطلاحي يدل على الحقيقة المقيدة بما زاده الشرع من قيود في هيئات العبادات وماهية المعاملات والسياسات وحدود الأخلاق والزهديات ، فتراوح الحقائق بين : الشرع فهو العمدة في هذا الباب ، والعرف ، فالعرف كالشرع يقيد حقيقة اللفظ المطلق وإن أتى بعده في الحجية والاستدلال فلا يسبق العرف الشرع في حد الحقائق إلا ما لم ينص الشرع على حده كحقائق السفر ونحوه ، فحقيقة السفر تتفاوت بتفاوت الأعراف فما عد في عرف قوم سفرا لم يعد في عرف غيرهم لاختلاف الأعصار والأمصار فلا يحد المعنى بقيد مخصوص لعدم النص عليه ، بل يرد الأمر إلى العرف فهو الذي يفصل النزاع في بيان هيئات ومقادير ما لم ينص الشرع عليه من حقائق الأسماء التي يكثر تداولها بين الناس ، واللغة فهي آخر ما يلجأ المستدل إليه فدلالة اللفظ المعجمية : دلالة مطلقة ، تدل على ماهية مجردة ، فالصلاة في اللغة : مطلق الدعاء ، فتلك ماهية مجردة حدها الشرع بماهية الصلاة المعهودة ، فلا يعدل عن الماهية الشرعية المقيدة التي دل النص الصحيح عليها إلى الماهية اللسانية المطلقة إلا بقرينة مرجحة كما قد عدل عن الصلاة الشرعية إلى الصلاة اللغوية في نحو قوله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) ، فلم تشرع صلاة شرعية على المتصدق ، وإنما شرعت صلاة لغوية بدعاء بالرحمات الآجلة والبركات العاجلة . فحصل بهذا البيان الوافي بــ : شرع محفوظ ، واستدلال معقول ولسان عربي مبين عن مراد المتكلم بما اختص به من سعة المباني اللفظية والمعاني الدلالية فمجمل ومبين ، وعام وخاص ، وظني وقطعي ، وظاهر ونص ومفسر ومحكم ، ومشترك لفظي وآخر معنوي ، وترادف يقابل الاشتراك ، ومطابقة وتضمن والتزام ........ إلخ ، فذلك البيان المحفوظ برسم العناية الربانية ، فــ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ، ذلك مما يلائم عالمية وديمومة الرسالة الخاتمة ، فعمومها الزماني والمكاني قد استدعى بداهة توافر وسائل الحفظ للفظ المنطوق ، والفهم للمعنى المعقول ، وذلك ، كما تقدم ، مما أتيح للرسالة الخاتمة فنصوصها المعجزة بلفظها المتلو بالألسنة : محفوظة برسم التواتر ، فذلك نقل الكتاب العزيز الذي لا يماري فيه إلا جاحد مسفسط منكر لبدائه العقول من العلوم الضرورية ، ونصوصها المعجزة بمعانيها فهي من جوامع كلام البشر وإن لم تتل برسم التعبد ، نصوصها من كلام صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم محفوظة برسم التواتر العام لجملة الأخبار ، والتواتر الخاص لنصوص بعينها ، والظن الراجح الذي يرتفع بالقرائن المحتفة إلى درجة العلم النظري ، فيفيد العلم والعمل معا كما قرر المحققون من أهل الأصول . والشاهد أن السؤال هنا قد جاء عن ماهية الذنب الأكبر ، في معرض الاستفسار ، إرادةَ الاجتناب ، فالسؤال عن الشر لا يراد لذاته ، بل يراد لاجتنابه ، فــ : عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه وتلك فحوى طريقة حذيفة رضي الله عنه فــ : "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني" . ولم يرد صلى الله عليه وعلى آله وسلم : استغراق أفراد الكبائر في هذا السياق ، فقد نص على كبائر غيرها في نصوص أخرى من قبيل : "اجتنبوا السبع الموبقات . قيل : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" ، فصدر سياق كل منهما بالشرك ، فهو أعظم الذنوب بالإجماع ، فلا تدل الأحاديث على حصر أعيان الكبائر فسياقها غير حاصر بلفظه أو معناه ، وإن حصل التنويه بجملة منها بإفرادها بالذكر فذلك لا يعني تخصيص العموم بها ، فذكر بعض أفراد العام في معرض التعريف بالتمثيل لا يخصصه ، فيعرف منها : أجناس الكبائر وأكبر الكبائر ، كما أشار إلى ذلك في "مختصر منهاج القاصدين" بقوله : "وقد اختلفت العلماء فيها على أقوال كثيرة ، والأحاديث فى الكبائر لا تدل على حصرها فيها ، ولعل الشارع قصد الإبهام ليكون الناس على وجل من الذنوب ، لكن يعرف من الأحاديث أجناس الكبائر ، ويعرف أيضاً الكبائر" . اهــ "مختصر منهاج القاصدين" ، ص213 . كما لم يرد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تعريف الإيمان بخصال العمل قصره عليها فالسياق ، أيضا ، غير حاصر ، بل قد جاء تعريفه في نص آخر بخصال العلم ، فخص كل سياق بتعريف لقرينة الحال ، واكتملت صورة الاستدلال بجمعهما فلا تعارض بينهما بل هما متوافقان متعاضدان فالعمل الظاهر تأويل العلم الباطن ، وكذلك الشأن في النصوص التي أبانت عن جملة من الكبائر فليست حاصرة بلفظها أو معناها ، كما تقدم ، فتكتمل صورة الاستدلال بجمعها ، وتلك طريقة المحققين من أهل العلم فلا ينظر في الشريعة برسم الانتقاء لجزء بل لا بد من نظر عام في كل نصوص الباب لتكتمل صورة الاستدلال ، وإليه أشار البطليوسي ، رحمه الله ، في باب عقده في "الإنصاف" بعنوان : "في الخلاف العارض من جهة الإفراد والتركيب" . اهــ فيزول بحمل المجمل على مبينه فالصورة المركبة منهما تزيل إجمال الصورة المفردة . فجاء الجواب على جهة الابتداء بمصدر مؤول : "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ" ، فدلالة "أن" وما دخلت عليه آكد في تقرير المعنى من دلالة المصدر الصريح ، وفيه مزيد تقبيح لصورة الشرك بإيرادها مورد المضارعة فهي ذريعة إلى استحضار الصورة فذلك مما يزيد نفور العقل الصريح والفطرة السوية منها فهي مما ينقض أصول الإدراك العقلي والوجداني . والجعل مئنة من الاتخاذ وفيه دلالة على التكلف فذلك مما يقطع العذر بتقصد الفاعل الفعل على وجه تعظم به الجناية ويقبح به الوصف . ونكر "الند" : مئنة من الإطلاق فمطلق الحقيقة مذموم ، بغض النظر عن عين الند المتخذ برسم المساواة في المحبة مع الرب جل وعلا فــ : (ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) ، ولو كان شريف القدر ، بل ولو كان ملكا مقربا أو نبيا مرسلا ، فـــ : (لَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، وذيل بالحال : "وهو خلقك" ، فهي قيد في المعنى ، وموقعها في اللفظ : فضلة ، وفي المعنى : عمدة فهي دليل على بطلان ربوبية ما سوى الرب ، جل وعلا ، من الأرباب الباطلة ، فالقيد بوصف الخلق يخرج ما سوى الرب ، جل وعلا ، من حكم الربوبية وما يلزم منها من الألوهية ، فهو من أوصاف الرب جل وعلا الفعلية التي لا ينازعه المخلوق فيها بداهة ، فذلك مما اختص به ، جل وعلا ، فهو الذي خلقك لا غيره فذلك وصف لا يقبل الشراكة ، بل قد دل النقل والعقل على بطلان نسبته إلى غير الرب ، جل وعلا ، برسم السبر والتقسيم الذي أتى بالبطلان على المذكور ودل بداهة على المحذوف : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ) ، فلم يبق إلا الاحتمال المحذوف لدلالة المذكور عليه فبه تستوفى القسمة العقلية الضرورية وهو : أنهم مخلوقون مربوبون لرب واحد له كمال الانفراد بمنصب الربوبية فلزمهم ضرورة إفراده بمنصب الألوهية . بل قد أقر به المشركون فــ : (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) ، فلزمهم عقلا الإقرار بلازمه من توحيد الألوهية وإلا وقعوا في التناقض العقلي بإثبات الملزوم ونفي لازمه الذي يتفرع عليه ضرورة . فنفي الندية يقطع مادة الغلو ، فما وقع الغلو إلا فرعا على تصور فاسد قيس فيه المخلوق على الخالق ، جل وعلا ، غلوا فنسبت إليه جملة من الصفات الإلهية ، أو الخالق على المخلوق جفاء فنسبت إليه ، جل وعلا ، جملة من الصفات البشرية وهي صفات نقص مطلق بمقتضى الجبلة التكوينية التي يظهر بها القدر الفارق بين وصف رب البرية ، جل وعلا ، فليس كمثله شيء ، ووصف المخلوق برسم الحدوث والفناء وما بينهما من نقص ذاتي لازم هو مئنة من الفقر الذاتي اللازم لأعيان المخلوقات فبه يثبت بطلان ربوبيتها فلا يكون الرب الخالق بداهة فقيرا إلى سبب مخلوق حادث ، بل هو الذي يخلق الأسباب بكلماته الكونية النافذة ، ويجريها بسنن كوني محكم يدل على كمال انفراده بربوبية التكوين والتدبير ، فخلق الأسباب المغيبة فــ : (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) ، وخلق الأسباب المشهودة من مطعوم يقع به الشبع ....... إلخ . ثم جاء النص على الذنب الثاني على جهة المصدرية المؤولة والمضارعة ، أيضا ، استحضارا لما تقدم من قبح الجناية والتئاما للسياق فكل المعرَّفات فيه قد عرفت على هذا الوجه من اللسان العربي : "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ" : فالقتل مذموم ولكن أبشع صوره قتل الولد خشية أن يطعم مع أبيه فذلك أعظم صور القتل ظلما ، وإن كان القتل كله ظلما ، وقتله خشية أمر لم يقع بعد مئنة من لؤم الطبع وشح النفس التي خالفت ما جبل عليه البشر من حب الولد وإيثاره بكل محبوب مرغوب فيه من طيب المأكل والمشرب ...... إلخ ، فضلا عن سوء الظن بالرب الرزاق جل وعلا ، وقد جاء النص على تحريمه القطعي صراحة في التنزيل : (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) ، فذلك المتوقع فقدم رزق المولود على رزق الوالد ليطمئن قلبه فلا يخشى استيلاده ، و : (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) : فذلك الحاصل ، فقدم رزق الوالد على المولود . ثم جاء النص على الذنب الثالث : "أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ" والزنى مذموم ، ولكن أبشع صوره الزنى بحليلة الجار ، وإضافة الجار إلى الضمير آكد في تقرير قبح الجناية فهو جار الفاعل فكان الأليق في الشرع والعقل حفظ حرماته لا انتهاكها ، فذلك مما يأنف منه أصحاب المروءات وإن لم يكونوا من أصحاب الديانات . وقد جاء الفعل في بعض الروايات على جهة المفاعلة : "تزاني" فذلك آكد في تقرير الجناية ففي المفاعلة نوع تقصد وتواطؤ على الفعل ، وجاء في بعض آخر متعديا بألف المفاعلة والباء معا : "تزاني بحليلة" فيكون ذلك ، أيضا ، من قبيل التوكيد إمعانا في تقرير قبح الجناية فتعدى الفعل من أكثر من وجه ، وذلك مئنة ، كما تقدم ، من كمال الترصد والتقصد . والله أعلى وأعلم . منقول المصدر: نفساني |
|||
التعديل الأخير تم بواسطة ازهرى وراقى ; 11-06-2012 الساعة 04:46 AM
|
10-06-2012, 10:11 AM | #2 |
عضومجلس إدارة في نفساني
|
الفوائد العقدية:
1- تفاوت الذنوب والمعاصي في شناعتها وقبحها. 2- أن الشرك بالله أعظم الذنوب على الإطلاق. 3- بيان حقيقة الشرك وأنه مساواة غير الله بالله في ذاته وأفعاله وأسمائه وصفاته. 4- استحقاق الله للعبادة كونه الخالق الذي أوجد النفوس وأحياها. 5- حرمة صرف أي نوع من العبادات لغير الله. 6- حرمة مساواة الله بغيره . 7- فضل التوحيد وأنه أعظم العبادات . اسلام ويب. بارك الله فيك أخي الكريم وجزاكم خيرا .. |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|