المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 11-10-2011, 07:54 PM   #301
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 4

(وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون "4")
هذه الآية جاءت بشيء من التفصيل لقول الحق سبحانه في أواخر سورة يوسف:

{وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون "105"}
(سورة الرعد)


وتلك آية تنضم إلى قوله تعالى:

{رفع السماوات بغير عمدٍ ترونها .. "2"}
(سورة الرعد)


وتنضم إلى:

{يدبر الأمر يفصل الآيات .. "2"}
(سورة الرعد)


وتنضم إلى قوله سبحانه:

{وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهار ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار .. "3"}
(سورة الرعد)


وحين نتأمل قول الحق سبحانه:

{وفي الأرض قطع متجاورات .. "4"}
(سورة الرعد)


نجد أننا لا نستطيع أن نعرفها بأنها التي يعيش عليها أمثالنا؛ تلك هي الأرض، ولو أردنا تعريفها لأبهمناها، فهي أوضح من أن تعرف. وكلمة "قطع" تدل أول ما تدل على "كل" ينقسم إلى أجزاء، وهذا الكل هو جنس جامع للكلية؛ وفيه خصوصية تمييز قطع عن قطع. وأنت تسمع كلام العلماء عن وجود مناطق من الأرض تسمى حزام القمح، ومناطق أخرى تسمى حزام الموز؛ ومناطق حارة؛ وأخرى باردة. وقول الحق سبحانه:

{قطع متجاورات .. "4"}
(سورة الرعد)


هو قول يدل على الإعجاز؛ فعلى الرغم من أنها متجاورات إلا أن كلاً منها تناسب الطقس الذي توجد فيه؛ فزراعة الذرة تحتاج مناخاً معيناً؛ وكذلك زراعة الموز. وهكذا تجد كل منطقة مناسبة لما تنتجه، فالأرض ليست عجينة واحدة استطراقية، لا بل هي تربة مناسبة للجو الذي توجد به.
ومن العجيب أن فيها الأسرار التي يحتاجها الإنسان؛ هذا السيد الذي تخدمه كل الكائنات، فليست الأرض سائلة في التماثل؛ بل تختلف بما يناسب الظروف، فهناك قطعة سبخة لا تنبت؛ وأخرى خصبة تنبت.
بل وتختلف الخصوبة من موقع إلى آخر؛ ومن قطعة إلى أخرى؛ فثمرة الجوافة من شجرة معينة في منطقة معينة تختلف عن ثمرة الجوافة من شجرة في منطقة أخرى؛ والقمح في منطقة معينة يختلف عن القمح في منطقة أخرى؛ ويقال لك "إنه قمح فلان". ويحدث ذلك رغم أن الأرض تسقى بماء واحد.
ويقول العلماء البعيدون عن منطق السماء: "إن السبب في الاختلاف هو عملية الاختيار والانتخاب". وكأنهم لا يعرفون أن الاختيار يتطلب مختراً، وأن يكون له عقل يفكر به ليختار، وكذلك الانتخاب فهل البذيرات تملك عقلاً تفكر به وتختار؟ طبعاً لا.
ويقولون: إن النبات يتغذى بالخاصية الشعرية، ونعلم أن الأنابيب الشعرية التي نراها في المعامل تكون من الزجاج الرفيع؛ وإذا وضعناها في حوض ماء، فالماء يرتفع فيها على مستوى الإناء.
وإن صدقنا العلماء في ذلك، فكيف نصدقهم في أن شجرة ما تأخذ ماءً من الشجرة الأخرى؛ وتنتج كل منهما نفس الثمار؛ لكن ثمار شجرة تختلف عن الأخرى في الطعم؟
ونقول: إن كل شجرة تأخذ من الأرض ما ينفعها؛ ولذلك تختلف النباتات، ويحدث كل ذلك بقدرة الذي قدر فهدى. وهكذا نرى الأرض قطعاً متجاورات؛ منها ما يصلح لزراعة تختلف عن زراعة الأرض الأخرى.
وقد يقول بعض من الملاحدة: إن هذا الاختلاف بسبب الطبيعة والبيئة. وهؤلاء يتجاهلون أن الطبيعة في مجموعها هي الشمس التي تعطي الضوء والحرارة والإشعاع، والقمر أيضاً يعكس بعضاً من الضوء، والنجوم تهدي من يسير في الفلاة، وتيارات الهواء تتناوب ولها مسارات ومواعيد.


 

قديم 11-10-2011, 07:54 PM   #302
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 5

(وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "5")
والعجب هو أن تبدي دهشة من شيء لا تعرف سببه، وهذا التعجب لا يتأتى من الله؛ لأنه سبحانه يعلم كل شيء، فإذا صدر عجب من الله مثل قوله الحق:

{كيف تكفرون بالله .. "28"}
(سورة البقرة)


فمعنى هذا أنه سبحانه ينكر أن يكفر الإنسان مع قيام الأدلة على الإيمان؛ لكن بعضاً من الناس ـ رغم ذلك ـ يكفر بالله. وقول الحق سبحانه:

{وإن تعجب .. "5"}
(سورة الرعد)


هو خطاب موجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعجب من أنهم كانوا يسمونه قبل أن يبعثه الله رسولاً بالصادق الأمين؛ وبعد ما جاءت الرسالة قالوا: إنه ساحر كذاب.
فكيف يكون صادقاً أميناً ببشريته وذاتيته؛ ثم إذا أمده الحق سبحانه بالمدد الرسالي تتهمونه بالكذب؟ ألم يكن من الأجدر أن تقولوا إنه صار أكثر صدقاً؟ وهل من الممكن أن يكون صادقاً عندكم، ثم يكذب على الله؟
والتعجب أيضاً من أنهم أنكروا البعث من بعد الموت، رغم أنه سبحانه أوضح الأدلة على ذلك؛ ولكن المؤمنين وحدهم هم الذين استقبلوا أمر البحث بالتصديق؛ بمجرد أن أبلغهم به رسول الله مبلغاً عن ربه. ونجد الحق سبحانه وتعالى قد احترم فضول العقل البشري، فأوضح سبحانه ذلك ونصب الأدلة عليه؛ وأبلغنا أنه لم يعجز عن الخلق الأول؛ لذلك لن يعجز عن البعث.
فقد جاء بنا سبحانه من عدم، وفي البعث سيأتي بنا من موجود، ومن الغباء إذن أن يتشكك أحد في البعث، والمسرف على نفسه إنما ينكر البعث؛ لأنه لا يقدر على ضبط النفس؛ ويظن أنه بإنكار البعث لن يلقى المصير الأسود الذي سيلقاه في الآخرة.
ولذلك تجد المسرفين على أنفسهم يحاولون التشكيك في البعث ويأتي الحق سبحانه بتشكيكهم هذا في قول الحق سبحانه:

{وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر .. "24"}
(سورة الجاثية)


ولو أن الواحد منهم وضع مسألة البعث في يقينه لانصرف عن شهواته، بينما هو يريد أن ينطلق بالشهوات؛ ولذلك نجدهم يقولون:

{أئذا ضللنا في الأرض .. "10"}
(سورة السجدة)


وهم يقصدون بذلك أنهم بعد الموت سيصيرون تراباً، ويعودون إلى الأرض كعناصر وتراب تذروه الرياح، فكيف سيأتي بهم الله للبعث، وينشئهم من جديد؟ ويقول سبحانه:

{قال من يحيي العظام وهي رميم "78" قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم "79"}
(سورة يس)


ومن الكافرين من قال: سنصير تراباً، ثم نختلط بالتربة، ويتم زراعة هذه التربة، فتمتزج عناصرنا بما تنبته الأرض من فواكه وخضر وأشجار؛ ثم يأكل طفل من الثمرة التي تغذت بعناصرنا؛ فيصير بعض منا في مكونات هذا الطفل؛ والقياس يوضح أننا سوف نتناثر؛ فكيف يأتي بنا الله؟
كل ذلك بطبيعة الحال من وسوسة الشيطان ووحيه:

{وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم .. "121"}
(سورة الأنعام)


وأقول: لنفترض أن إنساناً قد مرض؛ وأصابه هزال، وفقد ثلاثين كيلوجراماً من وزنه، وما نزل من هذا الوزن لابد أنه قد ذهب إلى الأرض كعناصر اختلطت بها، ثم جاء طبيب قام بتشخيص الداء وكتب الدواء، وشاء الله لهذا المريض الشفاء واسترد وزنه، وعاد مرة أخرى لحالته الطبيعية؛ فهل الثلاثين كيلو جراماً التي استردها هي هي نفس الكمية بنوعيتها وخصوصيتها التي سبق أن فقدها؟ طبعاً لا.
وهكذا نفهم أن التكوين هو تكوين نسبي للعناصر، كذا من الحديث؛ كذا من الصوديوم؛ كذا من المغنسيوم؛ وهكذا. إذن: فالجزاء في اليوم الآخر عملية عقلية لازمة، يقول الحق:

{كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28"}
(سورة البقرة)


مادام هناك أمر؛ وهناك نهي؛ وهناك نهي؛ وهناك منهج واضح يبين كل شيء. وإن كنت تعجب يا محمد من الكفار وما يثيرونه من أقضية، فلك أن تعجب لأنها أمور تستحق العجب. والحق سبحانه حين يخاطب الخلق فهو يخاطبهم إما في أمر يشكون فيه، أو في أمر لا يشك فيه أحد.


 

قديم 11-10-2011, 07:55 PM   #303
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 6

(ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب "6")
والاستعجال أن تطلب الشيء قبل زمنه، وتقصير الزمن عن الغاية، فأنت حين تريد غاية ما؛ فأنت تحتاج لزمن يختلف من غاية لأخرى، وحين تتعجل غاية، فأنت تريد أن تصل إليها قبل زمنها.
وكل اختيار للتعجل أو الاستبطاء له مميزاته وعيوبه، فهل الاستعجال هنا لمصلحة أمر مطلوب؟ إنهم هنا يستعجلون بالسيئة قبل الحسنة، وهذا دليل على اختلال وخلف موازين تفكيرهم، وقد سبق لهم أن قالوا:

{لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "90" أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا "91" أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا .. "92"}
(سورة الإسراء)


وهكذا نجد هؤلاء الكافرين وهم يستعجلون بالسيئة قبل الحسنة، كما استعجلوا أن تنزل عليهم الحجارة، وهم لا يعرفون أن كل عذاب له مدة، وله ميعاد موقوت. ولم يفكروا في أن يقولوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه". بل إنهم قالوا:

{اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم "32"}
(سورة الأنفال)


وهكذا أوضح لنا الحق سبحانه ما وصلوا إليه من خلل في نفوسهم وفسادهم؛ ذلك أن مقاييسهم انتهت إلى الكفر، وليس أدل على فساد المقاييس إلا استعجالهم للسيئة قبل الحسنة؛ لأن العاقل حين يخير بين أمرين؛ فهو يستعجل الحسنة؛ لأنها تنفع، ويستبعد السيئة.
ومادامت نفوس هؤلاء الكافرين فاسدة؛ ومادامت مقاييسهم مختلة، فلابد أن السبب في ذلك هو الكفر.
إذن: فاستعجال السيئة قبل الحسنة بالنسبة للشخص أو للجماعة؛ دليل حمق الاختيار في البدائل؛ فلو أنهم أرادوا الاستعجال الحقيقي للنافع لهم؛ لاستعجلوا الحسنة ولم يستعجلوا السيئة. وهنا يقول الحق سبحانه:

{ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات .. "6" }
(سورة الرعد)


فلماذا يستعجلون العذاب؟ ألم ينظروا ما الذي حاق بالذين كذبوا الرسل من قبلهم؟ وحين يقول الرسول: احذروا أن يصيبكم عذاب، أو احذروا أن كذا وكذا؛ فهل في ذلك كذب؟ ولماذا لم ينظروا للعبر التي حدثت عبر التاريخ للأقوام التي كذبت الرسل من قبلهم؟
و"المثلات" جمع "مثلة"؛ وفي قول آخر "مثلة". والحق سبحانه يقول لنا:

{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به .. "126"}
(سورة النحل)


ويقول أيضاً:

{وجزاء سيئةٍ سيئة مثلها .. "40"}
(سورة الشورى)


وهكذا تكون "مثلات" من المثل؛ أي: أن تكون العقوبة مماثلة للفعل. وقول الحق سبحانه:

{وقد خلت من قبلهم المثلات .. "6"}
(سورة الرعد)


 

قديم 13-10-2011, 05:48 AM   #304
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 7

ونحن نعلم أن "لولا" إن دخلت على جملة اسمية تكون حرف امتناع لوجود؛ مثل قولك "لولا زيد عندك لزرتك"، أي: أن الذي يمنعك من زيارة فلان هو وجود زيد. ولو دخلت "لولا" على جملة فعلية؛ فالناطق بها يحب أن يحدث ما بعدها؛ مثل قولك "لولا عطفت على فلان" أو "لولا صفحت عن ولدك"، أي: أن في ذلك حضاً على أن يحدث ما بعدها. وظاهر كلام الكفار في هذه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها أنهم يطلبون آية لتأييد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في البيان الذي يحمله من الحق لهم، وكأنهم بهذا القول ينكرون المعجزة التي جاء بها صلى الله عليه وسلم وهي القرآن الكريم، رغم أنهم أمة بلاغة وأدب وبيان، وأداء لغوي رائع؛ وأقاموا أسواقاً للأدب، وخصصوا الجوائز للنبوغ الأدبي؛ وعلقوا القصائد على جدران الكعبة، وتفاخرت القبائل بمن أنجبتهم من الشعراء ورجال الخطابة. فلما نزل القرآن من جنس نبوغكم؛ وتفوق على بلاغتكم؛ ولم تستطيعوا أن تأتوا بآية مثل آياته؛ كيف لم تعتبروه معجزة؛ وتطالبون بمعجزة أخرى كمعجزة موسى عليه السلام؛ أو كمعجزة عيسى عليه السلام؟ لقد كان عليكم أن تفخروا بالمعجزة الكاملة التي تحمل المنهج إلى قيام الساعة. ولكن الحمق جعلهم يطلبون معجزة غير القرآن، ولم يلتفتوا إلى المعجزات الأخرى التي صاحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يلتفتوا إلى أن الماء قد نبع من أصابع صلى الله عليه وسلم؛ والطعام القليل أشبع القوم وفاض منه، والغمامة قد ظللته، وجذع النخلة قد أنُ بصوت مسموع عندما نقل رسول الله منبره؛ بعد أن كان صلى الله عليه وسلم يخطب من فوق الجذع. وقد يكونون أصحاب عذر في ذلك؛ لأنهم لم يروا تلك المعجزات الحسية؛ بحكم أنهم كافرون؛ واقتصرت رؤياهم على من آمنوا برسالته صلى الله عليه وسلم. وهكذا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحرم من المعجزات الكونية؛ تلك التي تحدث مرة واحدة وتنتهي؛ وهي حجة على من يراها؛ وقد جاءت لتثبت إيمان القلة المضطهدة؛ فحين يرون الماء متفجراً بين أصابعه، وهم مزلزلون بالاضطهاد؛ هنا يزداد تمسكهم بالرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن الكافرين لم يروا تلك المعجزات. <وكان عليهم الاكتفاء بالمعجزة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القرآن كافيني"> والقرآن معجزة من جنس ما نبغتم فيه أيها العرب، ومحمد رسول من أنفسكم، لم يأت من قبيلة غير قبيلتكم، ولسانه من لسانكم، وتعلمون أنه لم يجلس إلى معلم؛ ولا علم عنه أنه خطب فيكم من قبل، ولم يقرض الشعر، ولم يعرف عنه أنه خطيب من خطباء العرب. ولذلك جاء الحق سبحانه بالقول على لسانه: [{قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون "16"} (سورة يونس)] أي: أنني عشت بينكم ولم أتكلم بالبلاغة؛ ولم أنافس في أسواق الشعر؛ وكان يجب أن تؤمنوا أنه قول من لدن حكيم عليم. ولكن منهم من قال: "لقد كان يكتم موهبته وقام بتأجيلها". وهؤلاء نقول لهم: هل يمكن أن يعيش طفل يتيم الأب وهو في بطن أمه؛ ثم يتيم الأم وهو صغير، ويموت جده وهو أيضاً صغير، ورأى تساقط الكبار من حوله بلا نظام في التساقط؛ فقد ماتوا دون مرض أو سبب ظاهر؛ أكان مثل هذا الإنسان يأمن على نفسه أن يعيش إلى عمر الأربعين ليعلن عن موهبته؟ ثم من قال: إن العبقرية تنتظر إلى الأربعين لتظهر؟ وكلنا يعلم أن العبقريات تظهر في أواخر العقد الثاني وأوائل العقد الثالث. ورغم عدم اعترافكم بمعجزة القرآن؛ هاهو الحق سبحانه يجري على ألسنتكم ما أخفيتموه في قلوبكم؛ ويظهره الناس في محكم كتابه: [{وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيمٍ "31"} (سورة الزخرف)] وهكذا اعترفتم بعظمة القرآن؛ وحاولتم أن تغالطوا في قيمة المنزل عليه القرآن. ويقول سبحانه هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: [{ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه .. "7"} (سورة الرعد)]
ونحن نعلم أن "لولا" إن دخلت على جملة اسمية تكون حرف امتناع لوجود؛ مثل قولك "لولا زيد عندك لزرتك"، أي: أن الذي يمنعك من زيارة فلان هو وجود زيد. ولو دخلت "لولا" على جملة فعلية؛ فالناطق بها يحب أن يحدث ما بعدها؛ مثل قولك "لولا عطفت على فلان" أو "لولا صفحت عن ولدك"، أي: أن في ذلك حضاً على أن يحدث ما بعدها.
وظاهر كلام الكفار في هذه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها أنهم يطلبون آية لتأييد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في البيان الذي يحمله من الحق لهم، وكأنهم بهذا القول ينكرون المعجزة التي جاء بها صلى الله عليه وسلم وهي القرآن الكريم، رغم أنهم أمة بلاغة وأدب وبيان، وأداء لغوي رائع؛ وأقاموا أسواقاً للأدب، وخصصوا الجوائز للنبوغ الأدبي؛ وعلقوا القصائد على جدران الكعبة، وتفاخرت القبائل بمن أنجبتهم من الشعراء ورجال الخطابة.
فلما نزل القرآن من جنس نبوغكم؛ وتفوق على بلاغتكم؛ ولم تستطيعوا أن تأتوا بآية مثل آياته؛ كيف لم تعتبروه معجزة؛ وتطالبون بمعجزة أخرى كمعجزة موسى عليه السلام؛ أو كمعجزة عيسى عليه السلام؟ لقد كان عليكم أن تفخروا بالمعجزة الكاملة التي تحمل المنهج إلى قيام الساعة.
ولكن الحمق جعلهم يطلبون معجزة غير القرآن، ولم يلتفتوا إلى المعجزات الأخرى التي صاحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يلتفتوا إلى أن الماء قد نبع من أصابع صلى الله عليه وسلم؛ والطعام القليل أشبع القوم وفاض منه، والغمامة قد ظللته، وجذع النخلة قد أنُ بصوت مسموع عندما نقل رسول الله منبره؛ بعد أن كان صلى الله عليه وسلم يخطب من فوق الجذع. وقد يكونون أصحاب عذر في ذلك؛ لأنهم لم يروا تلك المعجزات الحسية؛ بحكم أنهم كافرون؛ واقتصرت رؤياهم على من آمنوا برسالته صلى الله عليه وسلم.
وهكذا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحرم من المعجزات الكونية؛ تلك التي تحدث مرة واحدة وتنتهي؛ وهي حجة على من يراها؛ وقد جاءت لتثبت إيمان القلة المضطهدة؛ فحين يرون الماء متفجراً بين أصابعه، وهم مزلزلون بالاضطهاد؛ هنا يزداد تمسكهم بالرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن الكافرين لم يروا تلك المعجزات.

<وكان عليهم الاكتفاء بالمعجزة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القرآن كافيني">

والقرآن معجزة من جنس ما نبغتم فيه أيها العرب، ومحمد رسول من أنفسكم، لم يأت من قبيلة غير قبيلتكم، ولسانه من لسانكم، وتعلمون أنه لم يجلس إلى معلم؛ ولا علم عنه أنه خطب فيكم من قبل، ولم يقرض الشعر، ولم يعرف عنه أنه خطيب من خطباء العرب. ولذلك جاء الحق سبحانه بالقول على لسانه:

{قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون "16"}
(سورة يونس)


أي: أنني عشت بينكم ولم أتكلم بالبلاغة؛ ولم أنافس في أسواق الشعر؛ وكان يجب أن تؤمنوا أنه قول من لدن حكيم عليم. ولكن منهم من قال: "لقد كان يكتم موهبته وقام بتأجيلها". وهؤلاء نقول لهم: هل يمكن أن يعيش طفل يتيم الأب وهو في بطن أمه؛ ثم يتيم الأم وهو صغير، ويموت جده وهو أيضاً صغير، ورأى تساقط الكبار من حوله بلا نظام في التساقط؛ فقد ماتوا دون مرض أو سبب ظاهر؛ أكان مثل هذا الإنسان يأمن على نفسه أن يعيش إلى عمر الأربعين ليعلن عن موهبته؟
ثم من قال: إن العبقرية تنتظر إلى الأربعين لتظهر؟ وكلنا يعلم أن العبقريات تظهر في أواخر العقد الثاني وأوائل العقد الثالث. ورغم عدم اعترافكم بمعجزة القرآن؛ هاهو الحق سبحانه يجري على ألسنتكم ما أخفيتموه في قلوبكم؛ ويظهره الناس في محكم كتابه:

{وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيمٍ "31"}
(سورة الزخرف)


وهكذا اعترفتم بعظمة القرآن؛ وحاولتم أن تغالطوا في قيمة المنزل عليه القرآن. ويقول سبحانه هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:

{ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه .. "7"}
(سورة الرعد)


 

قديم 13-10-2011, 05:49 AM   #305
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 8

(الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار "8")
وما المناسبة التي يقول فيها الحق ذلك؟
لقد شاء الحق سبحانه أن يؤكد مسألة أن لكل قوم هادياً، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم هو منذر، وأن طلبهم للآيات المعجزة هو ابن لرغبتهم في تعجيز الرسول صلى الله عليه وسلم. ولو جاء لهم الرسول بآية مما طلبوا لأصروا على الكفر، فهو سبحانه العالم بما سوف يفعلون، لأنه يعلم ما هو أخفى من ذلك؛ يعلم ـ على سبيل المثال ـ ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد.
ونحن نعلم أن كل أنثى حين يشاء الله لها أن تحبل؛ فهي تحمل الجنين في رحمها؛ لأن الرحم هو مستقر الجنين في بطن الأم. وقوله تعالى:

{وما تغيض الأرحام وما تزداد .. "8"}
(سورة الرعد)


أي: ما تنقص وما تذهب من السقط في أي إجهاض، أو ما ينقص من المواليد بالموت؛ فغاضت الأرحام، أي: نزلت المواليد قبل أن تكتمل خلقتها؛ كأن ينقص المولود عيناً أو إصبعاً؛ أو تحمل الخلقة زيادة تختلف عما نألفه من الخلق الطبيعي؛ كأن يزيد إصبع أو أن يكون برأسين.
أو أن تكون الزيادة في العدد؛ أي: أن تلد المرأة توأمان أن أكثر، أو أن تكون الزيادة متعلقة بزمن الحمل.
وهكذا نعلم أنه سبحانه يعلم ما تغيض الأرحام. أي: ما تنقصه في التكوين العادي أو تزيده، أو يكون النظر إلى الزمن؛ كأن يحدث إجهاض للجنين وعمره يوم أو شهر أو شهران، ثم إلى ستة أشهر؛ وعند ذلك لا يقال إجهاض؛ بل يقال ولادة.
وهناك من يولد بعد ستة شهور من الحمل أو بعد سبعة شهور أو ثمانية شهور؛ وقد يمتد الميلاد لسنتين عند أبي حنيفة؛ وإلى أربع سنوات عند الشافعي؛ أو لخمس سنين عند الإمام مالك، ذلك أن مدة الحمل قد تنقص أو تزيد.
ويقال: إن الضحاك ولد لسنتين في بطن أمه، وهرم بن حيان ولد لأربع سنين؛ وظل أهل أمه يلاحظون كبر بطنها؛ واختفاء الطمس الشهري طوال تلك المدة؛ ثم ولدت صاحبنا؛ ولذلك سموه "هرم" أي: شاب وهو في بطنها.
وهكذا نفهم معنى "تغيض" نقصاً أو زيادة؛ سواء في الخلقة أو للمدة الزمنية. ويقول الحق سبحانه:

{وكل شيءٍ عنده بمقدار "8"}
(سورة الرعد)


والمقدار هو الكمية أو الكيف؛ زماناً أو مكاناً، أو مواهب ومؤهلات. وقد عدد الحق سبحانه
مفاتيح الغيب الخمس حين قال:

{إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام .. "34"}
(سورة لقمان)


وقد حاول البعض أن يقيموا إشكالاً هنا، ونسبوه إلى الحضارة والتقدم العلمي، وهذا التقدم يتطرق إليه الاحتمال، وكل شيء يتطرق إليه الاحتمال يبطل به الاستدلال، وذلك بمعرفة نوعية الجنين قبل الميلاد، أهو ذكر أم أنثى؟ وتناسوا أن العلم لم يعرف أهو طويل أم قصير؟ ذكي أم غبي؟ شقي أم سعيد؟ وهذا ما أعجز الأطباء والباحثين إلى اليوم وما بعد اليوم. ثم إن سألت كيف عرف الطبيب ذلك؟
إنه يعرف هذا الأمر من بعد أن يحدث الحمل؛ ويأخذ عينة من السائل المحيط بالجنين، ثم يقوم بتحليلها، لكن الله يعلم دون أخذ عينة، وهو سبحانه الذي قال لواحد من عباده:

{يا زكريا إنا نبشرك بغلامٍ اسمه يحيى .. "7"}
(سورة مريم)


وهكذا نعلم أن علم الله لا ينتظر عينة أو تجربة، فعلمه سبحانه أزلي؛ منزه عن القصور، وهو يعلم ما في الأرحام على أي شكل هو أو لون أو جنس أو ذكاء أو سعادة أو شقاء أو عدد.
وشاء سبحانه أن يجلي طلاقة قدرته في أن تحمل امرأة زكريا عليه السلام في يحيى عليه السلام، وهو الذي خلق آدم بلا أب أو أم؛ ثم خلق حواء من أب دون أم؛ وخلق عيسى من أم دون أب، وخلقنا كلنا من أب وأم، وحين تشاء طلاقة القدرة؛ يقول سبحانه:

{كن فيكون "82"}
(سورة يس)


والمثل ـ كما قلت ـ هو في دخول زكريا المحراب على مريم عليها السلام؛ فوجد عندها رزقاً؛ فسألها:

{إني لك هذا .. "37"}
(سورة آل عمران)


قالت:

{هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حسابٍ "37"}
(سورة آل عمران)


وكان زكريا يعلم أن الله يرزق من يشاء بغير حساب؛ ولكن هذا العلم كان في حاشية شعوره؛ واستدعاه قول مريم إلى بؤرة الشعور، فزكريا يعلم علم اليقين أن الله هو وحده من يرزق بغير حساب.
وما أن يأتي هذا القول محركاً لتلك الحقيقة الإيمانية من حافة الشعور إلى بؤرة الشعور؛ حتى يدعو زكريا ربه في نفس المكان ليرزقه بالولد؛ فيبشره الحق بالولد. وحين يتذكر زكريا أنه قد بلغ من الكبر عتياً، وأن امرأته عاقر؛ فيذكره الحق سبحانه بأن عطاء الولد أمر هين عليه سبحانه:

{قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً "9"}
(سورة مريم)



 

قديم 13-10-2011, 05:49 AM   #306
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 9

(عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال "9")
ومن كل شيء عنده بمقدار؛ لا يغيب عنه شيء أبداً، وما يحدث لأي إنسان في المستقبل بعد أن يولد هو غيب؛ لكن المطلع عليه وحده هو الله. وكأن هناك "نموذجاً" مصغراً يعلمه الله أولاً؛ وإن اطلع عليه الإنسان في أواخر العمر؛ لوجده مطابقاً لما أراده وعلمه الله أولاً؛ فلا شيء يتأبى عليه سبحانه؛ فكل شيء عنده بمقدار.
وهو عالم الغيب والشهادة؛ يعلم ما خفي من حجاب الماضي أو المستقبل، وكل ما غاب عن الإنسان، ويعلم ـ من باب أولى ـ المشهود من الإنسان، فلم يقتصر علمه على الغيب، وترك المشهود بغير علم منه؛ لا بل هو يعلم الغيب ويعلم المشهود:

{عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال "9"}
(سورة الرعد)


والكبير اسم من أسماء الله الحسنى؛ وهناك من تساءل: ولماذا لا يوجد "الأكبر" ضمن أسماء الله الحسنى؛ ويوجد فقط قولنا "الله اكبر" في شعائر الصلاة؟
وأقول: لأن مقابل الكبير الصغير، وكل شيء بالنسبة لموجده هو صغير. ونحن نقول في أذان الصلاة "الله اكبر"؛ لأنه يخرجك من عملك الذي أوكله إليك، وهو عمارة الكون؛ لتستعين به خلال عبادتك له وتطبيق منهجه، فيمدك بالقوة التي تمارس بها إنتاج ما تحتاجه في حياتك من مأكل، وملبس، وستر عورة.
إذن: فكل الأعمال مطلوبة حتى لإقامة العبادة، فإياك أن تقول: إن الله كبير والباقي صغير، لأن الباقي فيه من الأمور ما هو كبير من منظور أنها نعم من المنعم الأكبر؛ ولكن الله اكبر منا؛ ونقولها حين يطلب منا أن نخرج من أعمالنا لنستعين بعبادته سبحانه.
ونعلم أن العمل مطلوب لعمارة الكون، ومطلوب حتى لإقامة العبادة، ولن توجد لك قوة لتعبد ربك لو لم يقوك ربك على عبادته؛ فهو الذي يستبقي لك قوتك بالطعام والشراب، ولن تطعم أو تشرب؛ لو لم تحرث وتبذر وتصنع، وكل ذلك يتيح لك قوة لتصلي وتزكي وتحج؛ وكل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وسبق أن قلت: إن الحق سبحانه حينما نادانا لصلاة الجمعة قال:

{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "9"}
(سورة الجمعة)


وهكذا يخرجنا الحق سبحانه من أعمالنا إلى الصلاة الموقوتة؛ ثم يأتي قول الحق سبحانه:

{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون "10"}
(سورة الجمعة)


وهكذا أخرجنا سبحانه من العمل، وهو أمر كبير إلى ما هو اكبر؛ وهو أداء الصلاة. وقول الحق سبحانه في وصف نفسه (المتعال) يعني أنه المنزه ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً؛ فلا ذات كذاته؛ ولا صفة كصفاته، ولا فعل كفعله، وكل ما له سبحانه يليق به وحده، ولا يتشابه أبداً مع غيره. ويقول سبحانه من بعد ذلك:


 

قديم 13-10-2011, 05:49 AM   #307
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 10

(سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار "10")
وساعة تسمع كلمة "سواء" فالمقصود بها عدد لا يقل عن اثنين، فنقول "سواء زيد وعمرو" أو "سواء زيد وعمر وبكر وخالد". والمقصود هنا أنه مادام الحق سبحانه عالم الغيب والشهادة؛ فأي سر يوجد لابد أن يعلمه سبحانه، وهو سبحانه القائل:

{الرحمن على العرش استوى "5" له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى "6" وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى "7"}
(سورة طه)


وهل السر هو ما ائتمنت عليه غيرك؟ إذا كان السر هو ذلك؛ فالأخفى هو ما بقى عندك، وإن كان السر بمعنى ما يوجد عندك ولم تقله لأحد؛ فسبحانه يعلمه قبل أن يكون سراً. ويتابع سبحانه:

{ومن هو مستخفٍ بالليل وسارب بالنهار "10"}
(سورة الرعد)


وهكذا جمع الحق سبحانه هنا كل أنواع العمل؛ فالعمل كما نعلم هو شغل الجوارح بمتعلقاتها؛ فعمل اللسان أن يقول وأن يذوق، وعمل الأيدي أن تفعل، وعمل الأذن أن تسمع، وعمل القلب هو النية، والعمل كما نعلم يكون مرة قولاً، ومرة يكون فعلاً.
وهكذا نجد "القول" وقد أخذ مساحة نصف "العمل"، لأن البلاغ عن الله قول، وعمل الجوارح خاضع لمقول القول من الحق سبحانه وتعالى.
ولذلك أوضح لنا الحق سبحانه أن العمل هو كل فعل متعلق بالجوارح؛ وأخذ القول شقاً بمفرده؛ وأخذت أفعال الجوارح الشق الآخر؛ لأن عمل بقية الجوارح يدخل في إطار ما سمع من منهج الله. ولذلك تجمع الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها كل العمل من قول وفعل:

{سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ بالليل وسارب بالنهار "10"}
(سورة الرعد)


ومن يستخفي بالليل لابد أنه يدبر أمراً؛ كأن يريد أن يتسمع ما وراء كل حركة؛ أو ينظر ما يمكن أن يشاهده، وكذلك من يبرز ويظهر في النهار فالله عالم به. وكان على الكفار أن ينتبهوا لأمر عجيب كانوا يسرونه في أنفسهم؛ لحظة أن حكى الله؛ فقال:

{ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول "8"}
(سورة المجادلة)


 

قديم 13-10-2011, 05:50 AM   #308
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 11

(له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال "11")
وكلمة (له) تفيد النفعية، فإذا قلت "لك كذا" فهي عكس أن نقول "عليك كذا". وحين يقول سبحانه:

{له معقبات .. "11" }
(سورة الرعد)


فكأن المعقبات لصالح الإنسان. و"معقبات" جمع مؤنث، والمفرد "معقبة"، أي: أن للحق سبحانه وتعالى ملائكة يتناوبون على حراسة الإنسان وحفظه ليلاً ونهاراً من الأشياء التي لا يمكن الاحتراز منها.
والمثل هو تلك الإحصاءات التي خرجت عن البشر الذين تلدغهم الثعابين، فقد ثبت أنها لا تلدغهم وهم نائمون؛ بل في أثناء صحوتهم؛ أي: ساعة يكونون في ستر النوم فهناك ما يحفظهم؛ أما في اليقظة فقد يتصرف الإنسان بطيش وغفلة فتلدغه الأفعى.
ونحن نقول في أمثالنا الشعبية: "العين عليها حارس"؛ ونلحظ كثيراً من الأحداث التي تبدو لنا غريبة كأن يسقط طفل من نافذة دور علوي؛ فلا يصاب بسوء؛ لأن الحق سبحانه شاء أن تحفظه الملائكة المعقبات من السوء؛ لأن مهمة الحفظة أن يحفظوا الإنسان من كل سوء.
وهكذا نرى أن الحق سبحانه قد أعد للإنسان الكون قبل أن يخلقه ليستخلفه فيه؛ أعد السماوات وأعد الأرض؛ وسخر الشمس والقمر؛ وأخرج الثمرات؛ وجعل الليل يغشى النهار.
كل ذلك أعده سبحانه للخليفة قبل أن يوجد الخليفة؛ وهو سبحانه قيوم على هذا الخليفة؛ فيصونه أيضاً بعد الخلق، ولا يدعه لمقومات نفسه ليدافع عنها فيما لا يستطيع الدفاع عنها، ويكلف الله الملائكة المعقبات بذلك.
وقد ينصرف معنى المعقبات إلى الملائكة الذين يتعقبون أفعال الإنسان وكتابة حسناته وكتابة سيئاته، ويمكن أن يقوما بالعملين معاً؛ حفظه وكتابة أعماله، فإن كتبوا له الحسنات فهذا لصالحه.
ولقائل أن يقول: ولكنهم سيكتبون السيئات؛ وهذه على الإنسان وليست له. وأقول: لا؛ ويحسن أن نفهم جيداً عن المشروع الأعلى؛ ونعلم أن الإنسان إذا ما عرف أن السيئة ستحسب عليه وتحصى؛ وتكتب؛ يمسك كتابه ليقرأه؛ فلسوف يبتعد عن فعل السيئات.
وهكذا يكون الأمر في مصلحته، مثله مثل الطالب الذي يرى المراقب في لجنة الامتحان، فلا يكرهه؛ لأنه يحمي حقه في الحصول على التقدير الصحيح؛ بدلاً من أن يغش غيره، فيأخذ فرصة اكبر منه في التقدير والنجاح؛ فضلاً عن أن كل الطلبة يعلمون أن وجود المراقب اليقظ هو دافع لهم للمذاكرة.
ولذلك أقول دائماً: إياك أن تكره أن يكون لك أعداء؛ لأن الذي يغر الإنسان في سلوكه هو نفاق أصحابه له، أما عدوك فهو يفتح عينيه عليك طوال الوقت؛ ولذلك فأنت تحذر أن تقع في الخطأ. وفي هذا المعنى يقول الشاعر:

عداي لهم فضل علي وميزة فهم كالدواء والشفاء لمزمن هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها فتعدي لهم شكر على نفعهم ليا فلا أبعد الرحمان عني الأعاديا فأصبحت مما ذله العرب خاليا

إذن: فكتابة الحسنات والسيئات هي مسألة لصالح الإنسان؛ وحين يتعاقبون على الإنسان؛ فكأنهم يصنعون دوريات لحماية الفرد؛

ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر؛ فيصعد إليه الذين باتوا فيكم، فيسألهم ـ وهو أعلم بكم ـ: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون">

وكأن الملائكة دوريات. ويقول الحق سبحانه:

{إن قرآن الفجر كان مشهوداً "78"}
(سورة الإسراء)


أي: أن ملائكة الليل يشهدون؛ ومعهم ملائكة النهار. وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ملحوظ فيه الوقت الزمني للحركة الإنسانية؛ فكل حركات الإنسان وعمله يكون من الصبح إلى العصر، ثم يرتاح الإنسان غالباً من بعد ذلك؛ ثم ينام.
والمعقبات يكن من بين يدي الإنسان ومن خلفه؛ و (من بين يديه) من أجل الرصد، ولذلك وجدنا أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أثناء الهجرة النبوية كان يسير بعض الوقت أمام النبي صلى الله عليه وسلم؛ وكان يسير البعض الآخر خلف النبي صلى الله عليه وسلم. كان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ يتقدم ليرقب: هل هناك من يرصد الرسول أم لا؟ ثم يتراجع إلى الخلف ليمسح كل المكان بنظره ليرقب: أهناك من يتتبعهما؟ وهكذا حرص أبو بكر على أن يحمي الرسول صلى الله عليه وسلم من الرصد أو التربص.
ويقول الحق سبحانه:

{له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله .. "11"}
(سورة الرعد)


والسطحي يقول: إن تلك الملائكة يحفظون الإنسان من الأمر المراد به من الله.
ونقول: إن الله لم ينزل الملائكة ليعارضوا قدره؛ وهذا الحفظ لا يكون من ذات الإنسان لنفسه، أو من الملائكة ضد قدر الله؛ والمعنى هنا ينصرف إلى أن الملائكة إنما يحفظون الإنسان بأمر الله. ولذلك نجد في القرآن قول الحق سبحانه:

{مما خطيئاتهم أغرقوا .. "25"}
(سورة نوح)


أي: بسبب خطيئتهم أغرقوا، فإياك أن تظن أن الملائكة يحفظون الإنسان من قدر الله؛ لأننا نعلم أن الحق سبحانه إذا أراد أمراً فلا راد له. ويتابع سبحانه:

{إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم .. "11"}
(سورة الرعد)


وهو سبحانه الذي خلق الكون الواسع بكل أجناسه؛ جماداً ونباتاً وحيواناً وأفلاكاً وأملاكاً؛ وجعل كل ذلك مسخراً للإنسان؛ ثم يحفظ الحق سبحانه الإنسان ويصونه بقيوميته. وقد يقول قائل: ولماذا إذن تحدث الابتلاءات لبعض من الناس؛ رغم أنه سبحانه قد قال إنه يحفظهم؟
ونقول: إن تلك الابتلاءات إنما تجري إذا ما غير البشر من منهج الله؛ لأن الصيانة تقوم ما قام بالمنهج. واقرءوا قول الحق سبحانه:

{وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "112"}
(سورة النحل)


 

قديم 13-10-2011, 05:50 AM   #309
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 12

(هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال"12")
وكلنا يعرف البرق، ونحن نستقبله بالخوف مما يزعج وبالطمع فيما يحب ويرغبن فساعة يأتي البرق فنحن نخاف من الصواعق؛ لأن الصواعق عادة تأتي بعد البرق؛ أو تأتي السحابات الممطرة.
وهكذا يأتي الخوف والطمع من الظاهرة الواحدة. أو: أن يكون الخوف لقوم؛ والرجاء والطمع لقوم آخرين.
والمثل الذي أضربه لذلك دائماً هو قول أحد المقاتلين العرب وصف سيفه بأنه "فتح لأحبابه، وحتف لأعدائه".
والمثل الآخر الذي أضربه ما رواه لنا أمير بلدة اسمها "الشريعة" وهي تقع بين الطائف ومكة؛ وقد حدثنا أمير الشريعة عام 1953 عن امرأة صالحة تحفظ القرآن؛ اسمها "آمنة".
هذه المرأة كان لها بنتان؛ تزوجتا؛ وأخذ كل زوج زوجته إلى محل إقامته؛ وكان أحد زوجي البنتين يعمل في الزراعة؛ والآخر يعمل بصناعة "الشرك". وقالت آمنة لزوجها: ألا تذهب لمعرفة أحوال البنتين؟ فذهب الرجل لمعرفة أحوال البنتين، فكان أول من لقي في رحلته هي ابنته المتزوجة ممن يحرث ويبذر، فقال لها: كيف حالك وحال زوجك وحال الدنيا معك أنت وزوجك؟
قالت: يا أبت، أنا معه على خير، وهو معي على خير، وأما حال الدنيا؛ فادع لنا الله أن ينزل المطر؛ لأننا حرثنا الأرض وبذرنا البذور؛ وفي انتظار ري السماء.
فرفع الأب يديه إلى السماء وقال: اللهم إني أسألك الغيث لها.
وذهب إلى الأخرى؛ وقال لها: ما حالك؟ وما حال زوجك؟
فقالت: خير، وأرجوك يا أبي أن تدعو لنا الله أن يمنع المطر؛ لأننا قد صنعنا الشراك من الطين؛ ولو أمطرت لفسدت الشرك، فدعا لها.
وعاد إلى امرأته التي سألته عن حال البنتين؛ فبدا عليه الضيق وقال: هي سنة سيئة على واحدة منهما، وروي لها حال البنتين؛ وأضاف: ستكون سنة مرهقة لواحدة منهما.
فقالت له آمنة: لو صبرت؛ لقلت لك: إن ما تقوله قد لا يتحقق؛ وسبحانه قادر على ذلك.
قال لها: ونعم بالله، قولي لي كيف؟ فقال آمنة: ألم تقرأ قول الله:

{ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء .."43"}
(سورة النور)


فسجد الرجل لله شكراً أن رزقه بزوج تعينه على أمر دينه، ودعا: اللهم اصرف عن صاحب الشراك المطر؛ وأفض بالمطر على صاحب الحرث. وقد كان. وهذا المثل يوضح جيداً معنى الخوف والطمع عند رؤية الرعد:

{هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً .. "12"}
(سورة الرعد)


إما من النفس الواحدة بأن يخاف الإنسان من الصواعق، ويطمع في نزول المطر، أو من متقابلين؛ واحد ينفعه هذا؛ وواحد يضره هذا. ويضيف الحق سبحانه:

{وينشئ السحاب الثقال "12"}
(سورة الرعد)


ونحن نعلم أن السحاب هو الغيم المتراكم؛ ويكون ثقيلاً حين يكون معبئاً؛ وهو عكس السحاب الخفيف الذي يبدو كنتف القطن.
ويقال عند العرب: "لا تستبطئ الخيل؛ لأن أبطأ الدلاء فيضاً أملؤها، وأثقل السحاب مشياً أحفلها".
فحين تنزل الدلو في البئر؛ وترفعه؛ فالدلو الملآن هو الذي يرهقك حين تشده من البئر؛ أما الدلو الفارغ فهو خفيف لحظة جذبه خارج البئر؛ وكذلك السحاب الثقال تكون بطيئة لما تحمله من ماء.


 

قديم 13-10-2011, 05:50 AM   #310
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 13

(ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال"13")
وسبق أن جاء الحق سبحانه بذكر البرق وهو ضوئي؛ وهنا يأتي بالرعد وهو صوتي، ونحن نعرف أن سرعة الضوء أسرع من سرعة الصوت؛ ولذلك جاء بالبرق أولاً، ثم جاء بالرعد من بعد ذلك.
وحين يسمع أحد العامة واحداً لا يعجبه كلامه؛ يقول له "سمعت الرعد"؛ أي: يطلب له أن يسمع الصوت المزعج الذي يتعب من يسمعه. ولنا أن ننتبه أن المزعجات في الكون إذا ما ذكرت مسبحة لربها فلا تنزعج منها أبداً، ولا تظن أنها نغمة نشاز في الكون، بل هي نغمة تمتزج ببقية أنغام الكون.
ونحن نفهم أن التسبيح للعاقل القادر على الكلام، ولكن هذا عند الإنسان؛ لأن الذي خلق الكائنات كلها علمها كيف تتفاهم، مثلما علم الإنسان كيف يتفاهم مع بني جنسه؛ وكذلك علم كل جنس لغته. وكلنا نقرأ في القرآن ماذا قالت النملة حين رأت جنود سليمان:

{ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون "18"}
(سورة النمل)


وقد سمعها سليمان عليه السلام؛ لأن الله علمه منطق تلك اللغات، ونحن نعلم أن الحق سبحانه علم سليمان منطق الطير، قال تعالى:

{علمنا منطق الطير .. "16"}
(سورة النمل)


ألم يتخاطب سليمان عليه السلام مع الهدهد وتكلم معه؟ بعد أن فك سليمان بتعليم الله له شفرة حديث الهدهد؛ وقال الهدهد لسليمان:

{أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين "22" إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم "23"}
(سورة النمل)


إذن: فكل شيء له لغة يتفاهم بها لقضاء مصالحه، ومن يفيض الله عليه من أسرار خلقه يسمعه هذه اللغات، وقد فاض الحق سبحانه على سليمان بذلك، ففهم لغة الطير وتكلم بها مع الهدهد؛ وقال له:

{اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون "28"}
(سورة النمل)


وهكذا عرفنا بقصة سليمان وبلقيس؛ وكيف فهم سليمان منطق الطير وتكلم بها مع الهدهد؟ وهكذا علمنا كيف يتعلم الإنسان لغات متعددة؛ فحين يذهب إنسان إلى مجتمع آخر ويبقى به مدة؛ فهو يتعلم لغة ذلك المجتمع، ويمكن للإنسان أن يتعلم أكثر من لغة.
وقد عرض الحق سبحانه مسألة وجود لغات للكائنات في قصة النملة وقصة الهدهد مع سليمان؛ وهما من المرتبة التالية للبشر، ويعرض الحق سبحانه أيضاً قضية وجود لغة لكل كائن من مخلوقاته في قوله:

{وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين "79"}
(سورة الأنبياء)


وكأن الجبال تفهم تسبيح داود وتردده من خلفه. أيضاً يقول الحق سبحانه:

{إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق "18" والطير محشورة كل له أواب"19"}
(سورة ص)


وكذلك يخاطب الله الأرض والسماء، فيقول:

{فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها .. "11"}
(سورة فصلت)


فيمتثلان لأمره:

{قالتا أتينا طائعين "11"}
(سورة فصلت)


وهكذا نعلم أن لكل جنس لغة يتفاهم بها، ونحن نلحظ أن لكل نوع من الحيوانات صوتاً يختلف من نوع إلى آخر، ويدرس العلماء الآن لغة الأسماك، ويحاولون أن يضعوا لها معجماً. إذن: فساعة تسمع:


{تسبح له السماوات والأرض ومن فيهن وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده .. "44"}
(سورة الإسراء)


 

قديم 13-10-2011, 05:50 AM   #311
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 14

(له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال"14")
وسبحانه قد دعانا إلى أن تؤمن بإله واحد وهي دعوة حق، والذين من دونه يدعون لإله غير حق. والضمير هنا قد يعود إلى الله فكأن الله قد دعا خلقه إلى كلمة الحق وهي "لا إله إلا الله"، وهو سبحانه قد شهد بأنه لا إله إلا هو؛ وشهدت الملائكة شهادة المشهد، وشهد بها أولو العلم شهادة الاستدلال؛ تلك هي دعوة الحق.
أو "له" أي: للإنسان الذي يدعو إلى الحق، وحين يدعو الإنسان فهذا يدل على أن أمراً قد خرج عن نطاق أسبابه؛ لذلك يدعو من يعينه على هذا الأمر.
والدعاء لون من الطلب، إلا أن الطلب يختلف باختلاف الطالب والمطلوب منه؛ فإن كان الطالب أدنى من المطلوب منه لا يقال له فعل أمر؛ كقولك "اغفر لي يا رب" وهذا لا يقال له فعل أمر؛ بل يقال له دعاء.
وهكذا نرى أنه إن كان فعل الأمر من الأدنى للأعلى؛ لا نسميه فعل أمر بل نسميه دعاءً، والطالب الذكي هو من يلحظ أثناء الإعراب إن كان المطلوب هو من الأدنى إلى الأعلى؛ فهو لا يقول "فعل أمر" بل يقول "فعل دعاء" مثل قول العبد لله: يا رب اغفر لي، وإن كان المطلوب من مساو؛ فهو يقول "التماس". وإن كان المطلوب قد صدر من الأعلى للأدنى فهو "فعل أمر".
وحين يدعو الإنسان ربه؛ فهذا يعني أن أسباب العبد قد نفدت؛ وهو يلجأ إلى من يعلو الكون ويملك كل الأسباب، ولذلك فكل منا يدعو الله؛ لأنه سبحانه القادر على إنفاذ مطلوب العباد؛ ولا يعجزه شيء.
ولكن إن دعوت من لا يستطيع؛ فهو دعوة لا تنفع العبد، وهم كانوا يدعون الأصنام؛ والأصنام لا تضر ولا تنفع؛ فالصنم من هؤلاء لا يقدر على نفسه أو لنفسه؛ فقد كان من الحجر. وبطبيعة الحال فالدعاء لمثل تلك الأصنام لا تحقق شيئاً؛ لأنها لا تقدر على أي شيء.
وهكذا يتأكد لنا أن دعوة الحق هي أن تدعو القادر؛ أما الذين يدعون المعبودات الباطلة فإنها تخيب من يدعوها في مقصده، ولذلك يقول الحق سبحانه هنا:

{له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيءٍ .. "14"}
(سورة الرعد)


لأنهم لا يملكون شيئاً فالصنم من هؤلاء لا يسمع فكيف يستجيب؟ ثم يضرب الحق سبحانه المثل بشيء محس؛ نفعله كلنا؛ فيقول:

{لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه .. "14"}
(سورة الرعد)


فالعطشان ما أن يرى ماءً حتى يمد يده إليه ليغترف منه؛ لكن يده لا تصل إلى الماء؛ هذا هو الحال من يدعو غير الله؛ فقد سأل غير القادر على إنفاذ مطلبه، وهكذا يكون دعاء غير الله؛ وهو دعاء في ضلال وفي غير متاهة.


 

قديم 13-10-2011, 05:51 AM   #312
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 15

(ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال"15")
والسجود كما نعرفه حركة من حركات الصلاة، والصلاة هي وقفة العبد بين يدي ربه بعد ندائه له، والصلاة أقوال وأفعال مبتدأة بالتكبير ومختتمة بالسلام؛ بفرائض وسنن ومستحبات مخصوصة.
والسجود هو الحركة التي تبرز كامل الخضوع لله؛ فالسجود وضع لأعلى ما في الإنسان في مستوى الأدنى وهو قدم الإنسان؛ ونجد العامة وهم يقولون: "لا ترفع رأسك علي" أي: لا تتعالى علي، لأن رفع الرأس معناه التعالي، وتخفيضها بالركوع أو السجود هو إظهار للخضوع، فإذا قال الله:

{ولله يسجد من في السماوات والأرض .. "15"}
(سورة الرعد)


عليك أن تفهم أن هذا ما يحدث فعلاً؛ وإن لم يتسع ذهنك إلى فهم السجود كما يحدث منك؛ فليتسع ظنك على أنه منتهى الخضوع والذلة لله الآمر.
وأنت تعلم أن الكون كله مسخر بأمر الله ولأمر الله، والكون خاضع له سبحانه؛ فإن استجاب الإنسان لأمر الله بالإيمان به فهذا خير. وإن لم يستجب الإنسان ـ مثلما يفعل الكافر ـ فعليه سوء عمله.
ولو استقصيت المسألة بدقة الفهم؛ لوجدت أن الكافر إنما يتمرد بإرادته المسيطرة على جوارحه؛ لكن بقية أبعاضه مسخرة؛ وكلها تؤدي عملها بتسخير الله لها، وكلها تنفذ الأوامر الصادرة من الله لها؛ وهكذا يكون الكافر متمرداً ببعضه ومسخراً ببعضه الآخر، فحين يمرضه الله؛ أيستطيع أن يعصي؟
طبعاً لا. وحين يشاء الله أن يوقف قلبه أيقدر أن يجعل قلبه يخالف مشيئة الله؟ طبعاً لا.
إذن: فالذي يتعود على التمرد على الله في العبادة؛ وله دربة على هذا التمرد؛ عليه أن يجرب التمرد على مرادات الله فيما لا اختيار له فيه؛ وسيقابل العجز عن ذلك.
وعليه أن يعرف أنه لم يتمرد بالكفر إلا بما أوسع الله له من اختيار؛ بدليل أن تسعة وتسعين بالمائة من قدراته محكوم بالقهر؛ وواحد بالمائة من قدراته متروك للاختيار، وهكذا يتأكد التسخير.
وخضوع الكافر في أغلب الأحيان؛ وتمرده في البعض الآخر؛ هو منتهى العظمة لله؛ فهو لا يجرؤ على التمرد بما أراده الله مسخراً منه. ولقائل أن يقول: ولماذا قال الله هنا:

{ولله يسجد من في السماوات والأرض .. "15"}
(سورة الرعد)


ولم يقل: "ما في السماوات وما في الأرض"؟
وأقول: مادام في الأمر هنا سجود؛ فهو دليل على قمة العقل؛ وسبحانه قد جعل السجود هنا دليلاً على أن كافة الكائنات تعقل حقيقة الألوهية؛ وتعبد الحق سبحانه. وهو هنا يقول:

{ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً .. "15"}
(سورة الرعد)


وهنا يعلمنا الحق سبحانه أن كل الكائنات ترضخ لله سجوداً؛ سواء المسخر؛ أو حتى أبعاض الكافر التي يستخدمها بإرادته في الكفر بالله؛ هذه الأبعاض تسجد لله. ويتابع الحق سبحانه:

{وظلالهم بالغدو والآصال "15"}
(سورة الرعد)


ونحن في حياتنا اليومية نسمع من يقول: "فلان يتبع فلاناً كظله"؛ أي: لا يتأبى عليه أبداً مطلقاً، ويلازمه كأنه الظل؛ ونعلم أن ظل الإنسان تابع لحركته.
وهكذا نعلم أن الظلال نفسها خاضعة لله؛ لأن أصحابها خاضعون لله؛ فالظل يتبع حركته؛ وإياك أن تظن أنه خاضع لك؛ بل هو خاضع لله سبحانه.
وسبحانه هنا يحدد تلك المسألة بالغدو والآصال؛ و"الغدو" جمع "غداة" وهو أول النهار، والآصال هو المسافة الزمنية بين العصر والمغرب.
وأنت حين تقيس ظلك في الصباح ستجد الظل طويلاً، وكلما اقتربت من الشمس طال الظل، وكلما اقترب الزوال يقصر الظل إلى أن يتلاشى؛ وأبزر ما يتمايل الظل بتمايل صاحبه هو في الصبح وبعد العصر.


 

قديم 13-10-2011, 05:51 AM   #313
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 16

(قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار "16")
و"قل" هي أمر للرسول أن يقول للكافرين، وهناك في آيات أخرى يقول سبحانه:

{ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون "87"}
(سورة الزخرف)


ولقائل أن يسأل: لماذا جاء الحق سبحانه هنا بالإجابة؛ ولم يتركها لتأتي منهم؟
ونقول: إن مجيء الإجابة من الحق هنا عن الذي خلق السماوات والأرض أقوى مما لو جاءت الإجابة منهم.
والمثل من حياتنا؛ ولله المثل الأعلى؛ قد تقول لابنك الصغير المتشاحن مع أخيه الكبير؛ من الذي جاء لك بالحلة الجديدة؟ فيرتبك خجلاً؛ لأنه يعلم أن من جاء بالحلة الجديدة هو أخوة الأكبر الذي تشاحن معه؛ فتقول أنت: جاء لك بها أخوك الأكبر الذي تشاحنت معه.
وهنا لحظة أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ما أمره الله أن يقول:

{قل من رب السماوات والأرض .. "16"}
(سورة الرعد)


فسوف يرتكبون؛ فيؤكد لهم بعد ذلك ما أمره الله أن يقول:

{قل الله .. "16"}
(سورة الرعد)


ويتتابع أمر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول له الحق سبحانه:

{قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً .. "16"}
(سورة الرعد)


وهكذا يكشف لهم الرسول ببلاغ الحق سبحانه مدى جهلهم؛ وهم من سبق لهم الاعتراف بأن الله هو خالق السماوات والأرض؛ ولم يجرؤ واحد منهم على أن ينسب خلق السماوات والأرض للأصنام.
وهنا يوضح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمر الحق سبحانه بإيضاحه: لقد خلق الله السماوات والأرض أفبعد ذلك تتخذون من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً؛ ولا ضراً؟ بدليل أن الصنم من هؤلاء لا يقدر لهم على شيء. ويتابع الحق سبحانه:

{قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء "16"}
(سورة الرعد)


وبطبيعة الحال لا يمكن أن يستوي الأعمى بالمبصر. وساعة ترى "أم" اعلم أنها ضرب انتقالي، وهكذا يستنكر الحق ما فعلوه بالاستفهام عنه؛ لأنه شيء منكر فعلاً:

{أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم .. "16"}
(سورة الرعد)


أي: لو كان هؤلاء الشركاء قد خلقوا شيئاً مثل خلق الله؛ لكان لهم أن يعقدوا مقارنة بين خلق الله وخلق هؤلاء الشركاء؛ ولكن هؤلاء الشركاء الذين جعلوا مشاركين لله في الألوهية لا يقدرون على خلق شيء؛ فكيف يختارونهم شركاء لله؟ ويأتي الأمر من الحق سبحانه:

{قل الله خالق كل شيءٍ وهو الواحد القهار "16"}
(سورة الرعد)


وفي آية أخرى يقدم الحق سبحانه تفسيراً لتلك الآية:

{إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له .. "73"}
(سورة الحج)


فهؤلاء الشركاء لم يخلقوا شيئاً، ولن يستطيع أحد الإدعاء بأن هؤلاء الشركاء عندهم نية الخلق، ولكن مجيء "لن" هنا يؤكد أنهم حتى بتنبيههم لتلك المسألة؛ فلسوف يعجزون عنها؛ لأن نفي المستقبل يستدعي التحدي؛ رغم أنهم آلهة متعددة؛ ولو اجتمعوا فلن يخلقوا شيئاً. يستمر التحدي في قوله سبحانه:

{وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب "73"}
(سورة الحج)


أي: لو أخذ الذباب بساقه الرفيعة شيئاً مما يملكون لما استطاعوا أن يستخلصوه منه. وهكذا يتضح أن الحق سبحانه وحده هو الخالق لكل شيء؛ وتلزم عبادته وحده لا شريك له؛ وهو جل وعلا المتفرد بالربوبية والألوهية؛ وهو القهار المتكبر؛ والغالب على أمره أبداً، فكيف يكون من دونه مساوياً له؟ لذلك لا شريك له أبداً.


 

قديم 13-10-2011, 05:51 AM   #314
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 17

(أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال "17")
وهو سبحانه ينزل الماء من جهة العلو وهو السماء، ونعلم أن الماء يتبخر من البحار والأنهار والأرض التي تتفجر فيها العيون ليتجمع كسحاب؛ ثم يتراكم السحاب بعضه على بعض؛ ويمر بمنطقة باردة فيتساقط المطر. ويقول الحق سبحانه:

{أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها .. "17"}
(سورة الرعد)


والوادي هو المنخفض بين الجبلين؛ وساعة ينزل المطر على الجبال فهو يسيل على الأودية؛ وكل وادٍ يستوعب من المياه على اتساعه. ولنا أن نلحظ أن حكمة الله شاءت ذلك كيلا يتحول الماء إلى طوفان، فلو زاد الماء في تلك الأودية لغرقت نتيجة ذلك القرى، ولخربت الزراعات، وتهدمت البيوت.
والمثل على ذلك هو فيضان النيل حين كان يأتي مناسباً في الكمية لحجم المجري؛ وكان مثل هذا القدر من الفيضان هو الذي يسعد أهل مصر؛ أما إذا زاد فهو يمثل خطراً يدهم القرى ويخربها. وهكذا نجد أن من رحمة الحق سبحانه أن الماء يسيل من السماء مطراً على قدر اتساع الأودية؛ اللهم إلا إذا شاء غير ذلك.
والحق سبحانه هنا يريد أن يضرب مثلاً على ما ينفع الناس؛ لذلك جاء بجزئية نزول الماء على قدر اتساع الأودية. ومن رأى مشهد نزول المطر على هذا القدر يمكنه أن يلحظ أن نزول السيل إنما يكنس كل القش والقاذورات؛ فتصنع تلك الزوائد رغوة على سطح الماء الذي يجري في النهر، ثم يندفع الماء إلى المجرى؛ ليزيح تلك الرغاوى جانباً؛ ليسير الماء من بعد ذلك صافياً رقراقاً.

{أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً .. "17"}
(سورة الرعد)


وهذا المثل يدركه أهل البادية؛ لأنها صحراء وجبال ووديان؛ فماذا عن مثل يناسب أهل الحضر؟ ويأتي الحق سبحانه بهذا المثل المناسب لهم؛ فيقول:

{ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبد مثله .. "17"}
(سورة الرعد)


وأنت حين تذهب إلى موقع عمل الحداد أو صائغ الذهب والفضة؛ تجده يوقد النار ليتحول المعدن إلى سائل مصهور؛ ويطفو فوق هذا السائل الزبد وهو الأشياء التي دخلت إلى المعدن، وليست منه في الأصل؛ ويبقى المعدن صافياً من بعد ذلك.
والصانع يضع الذهب في النار ليخلصه من الشوائب؛ ثم يضيف إليه من المواد ما يقوي صلابته؛ أو ينقله من حالة النقاء إلى درجة أقل نقاءً، وحالة النقاء في الذهب هي ما نطلق عليه "عيار 24"، والأقل درجة هو الذهب من "عيار 21"، والأقل من ذلك هو الذهب من "عيار 18". والذهب الخالص النقاء يكون ليناً؛ لذلك يضيفون إليه ما يزيد من صلابته، ويصنع الصائغ من هذا الذهب الحلي.
وهذا هو المثل المناسب لأهل الحضر؛ حين يصنعون الحلي، وهم أيضاً يصنعون أدوات أخرى يستعملونها ويستعملها مثلهم أهل البادية كالسيوف مثلاً، وهي لابد أن تكون من الحديد الصلب؛ ذلك أن كل أداة تصنع منه لها ما يناسبها من الصلابة؛ فإن أراد الحداد أن يصنع سيفاً فلابد أن يختار له من الحديد نوعية تتناسب مع وظائف السيف.
والزبد في الماء النازل من السماء إنما يأتي إليه نتيجة مرور المطر أثناء نزوله على سطح الجبال؛ فضلاً عن غسيل مجرى النهر الذي ينزل فيه؛ وعادة ما يتراكم هذا الزبد على الحواف؛ ليبقى الماء صافياً من بعد ذلك.
وحين تنظر إلى النيل ـ مثلاً ـ فأنت تجد الشوائب، وقد ترسبت على جانبي النهر وحوافه، وكذلك حين تنظر إلى مياه البحر؛ فأنت تجد ما تلقيه المركب، وهو طافٍ فوق الأمواج؛ لتلقيه الأمواج على الشاطئ.
وهكذا ضرب الله المثل لأهل البدو ولأهل الحضر بما يفيدهم في حياتهم؛ سواء حلية يلبسونها، أو أداة يقاتلون بها، أو أداة أخرى يستخدمونها في أوجه أعمالهم الحياتية؛ وهم في كل ذلك يلجئون إلى تصفية المعادن التي يصنعون منها تلك الحلي أو الأدوات الحياتية ليستخلصوا المعادن من الخبث أو الزبد. وكذلك يفعل الحق سبحانه:

{كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .. "17"}
(سورة الرعد)


وحين يضرب الله الحق بالباطل؛ فهو يستخلص ما يفيد الناس؛ ويذهب ما يضرهم، وقوله:

{فيذهب جفاءً .. "17"}
(سورة الرعد)


أي: يبعده؛ فـ"جفاء" يعني "مطروداً"؛ من الجفوة؛ ويقال: "فلان جفا فلاناً" أي: أبعده عنه. ويذيل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله:

{كذلك يضرب الله الأمثال "17"}
(سورة الرعد)


وشاء سبحانه أن يبين لنا بالأمور الحسية؛ ما يساوي الأمور المعنوية؛ كي يعلم الإنسان أن الظلم حين يستشري ويعلو ويطمس الحق، فهو إلى زوال؛ مثله مثل الزبد.


 

قديم 13-10-2011, 05:52 AM   #315
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 18

(للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد "18")
والذين يستجيبون للرب الذي خلق من عدم، وأوجد لهم مقومات الحياة واستبقاء النوع بالزواج والتكاثر؛ فإذا دعاهم لشيء فليعلموا أن ما يطلبه منهم متمم لصالحهم؛ الذي بدأه بإيجاد كل شيء لهم من البداية.
وهؤلاء الذين يستجيبون لهم الحسنى؛ فسبحانه جعل الدنيا مزرعة للآخرة، وأنت في الدنيا موكول لقدرتك على الأخذ بالأسباب؛ ولكنك في الآخرة موكول إلى المسبب. ففي الدنيا أنت تبذر وتحرث وتروي وتحصد، وقد تختلف حياتك شظفاً وترفاً بقدرتك على الأسباب.
فإذا استجبت لله واتبعت منهجه؛ فأنت تنتقل إلى حياة أخرى؛ تحيا فيها مع المسبب؛ لا الأسباب؛ فإذا خطر ببالك الشيء تجده أمامك؛ لأنك في الحياة الأخرى لا يكلك الله إلى الأسباب، بل أنت موكول لذات الله، والموكول إلى الذات باقٍ ببقاء الذات. ولذلك نجد الحق سبحانه يقول:

{فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمةٍ منه .. "175"}
(سورة النساء)


وبعض المفسرين يقولون "إنها الجنة" وأقول: هذا تفسير مقبول؛ لأن الجنة من رحمة الله؛ ولكن الجنة باقية بإبقاء الله لها؛ ولكن رحمة الله باقية ببقاء الله. وهنا يقول الحق سبحانه:

{للذين استجابوا لربهم الحسنى .. "18"}
(سورة الرعد)


ويقول تعالى في آية أخرى:

{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة .. "26"}
(سورة يونس)


والحسنى هي الأمر الأحسن؛ وسبحانه خلق لك في الدنيا الأسباب التي تكدح فيها؛ ولكنك في الآخرة تحيا بكل ما تتمنى دون كدح، وهذا هو الحسن.
وهب أن الدنيا ارتقت؛ والذين يسافرون إلى الدول المتقدمة؛ وينزلون في الفنادق الفاخرة؛ يقال لهم اضغط على هذا الزر تنزل لك القهوة؛ والزر الآخر ينزل لك الشاي.
وكل شيء يمكن أن تحصل عليه فور أن تطلبه من المطعم حيث يعده لك آخرون؛ ولكن مهما ارتقت الدنيا فلن تصل إلى أن يأتي لك ما يمر على خاطرك فور أن تتمناه؛ وهذا لن يحدث إلا في الآخرة.
وكلمة "الحسنى" مؤنثة وافعل تفضيل؛ ويقال "حسنة وحسنى"؛ وفي المذكر يقال "حسن واحسن". والمقابل لمن لم يستجيبوا معروف. والحق سبحانه يقول هنا:

{والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به .. "18"}
(سورة الرعد)


أي: يقول خذوا ما أملك كله واعتقوني، لكن لا يستجاب له. ويقول الحق سبحانه:

{أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد "18"}
(سورة الرعد)


لأن الحساب يترتب عليه مرة خير؛ ويترتب عليه مرة أخرى شر؛ وجاء الحق سبحانه بكلمة:

{وبئس المهاد "18"}
(سورة الرعد)


هنا؛ لأن الواحد من هؤلاء والعياذ بالله لن يستطيع أن يتصرف لحظة وضعه في النار، كما لا يستطيع الطفل الوليد أن يتصرف في مهاده؛ ومن المؤكد أن النار بئس المهاد.


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:21 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا