15-10-2011, 09:31 AM
|
#451
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة النحل - الآية: 14
| (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون "14") | والتسخير كما علمنا من قبل هو إيجاد الكائن لمهمة لا يستطيع الكائن أن يتخلف عنها، ولا اختيار له في أن يؤديها أو لا يؤديها ونعلم أن الكون كله مسخر للإنسان قبل أن يوجد؛ ثم خلق الله الإنسان مختاراً. وقد يظن البعض أن الكائنات المسخرة ليس لها اختيار، وهذا خطأ؛ لأن تلك الكائنات لها اختيار حسمته في بداية وجودها، ولنقرأ قوله الحق:
{إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها .. "72"}
(سورة الأحزاب)
وهكذا نفهم أن الحق سبحانه خير خلقه بين التسخير وبين الاختيار، إلا أن الكائنات التي هي ما دون الإنسان أخذت اختيارها مرة واحدة؛ لذلك لا يجب أن يقال: إن الحق سبحانه هو الذي قهرها، بل هي التي اختارت من أول الأمر؛ لأنها قدرت وقت الأداء، ولم تقدر فقط وقت التحمل كما فعل الإنسان، وكأنها قالت لنفسها: فلأخرج من باب الجمال؛ قبل أن ينفتح أمامي باب ظلم النفس. ونجد الحق سبحانه يصف الإنسان:
{إنه كان ظلوماً جهولاً "72"}
(سورة الأحزاب)
فقد ظلم الإنسان نفسه حين اختار أن يحمل الأمانة؛ لأنه قدر وقت التحمل ولم يقدر وقت الأداء. وهو جهول لأنه لم يعرف كيف يفرق بين الأداء والتحمل، بينما منعت الكائنات الأخرى نفسها من أن تتحمل مسئولية الأمانة، فلم تظلم نفسها بذلك. وهكذا نصل إلي تأكيد معنى التسخير وتوضيحه بشكل دقيق، ونعرف أنه إيجاد الكائن لمهمة لا يملك أن يتخلف عنها؛ أما الاختيار فهو إيجاد الكائن لمهمة له أن يؤديها أو يتخلف عنها. وأوضحنا أن المسخرات كان لها أن تختار من البداية، فاختارت أن تسخر وألا تتحمل الأمانة، بينما أخذ الإنسان مهمة، واعتمد على عقله وفكره، وقبل أن يرتب أمور حياته على ضوء ذلك.
ومع ذلك أعطاه الله بعضاً من التسخير كي يجعل الكون كله فيه بعض من التسخير وبعض من الاختيار؛ ولذلك نجد بعضاً من الأحداث تجري على الإنسان ولا اختيار له فيها؛ كان يمرض أو تقع له حادثة أو يفلس. ولذلك أقول: إن الكافر مغفل لاختياره؛ لأنه ينكر وجود الله ويتمرد على الإيمان، رغم أنه لا يقدر أن يصد عن نفسه المرض أو الموت. وفي الآية التي نحن بصددها الآن يقول الحق سبحانه:
{وهو الذي سخر البحر .. "14" }
(سورة النحل)
فهذا يعني أنه هو الذي خلق البحر، لأنه هو الذي خلق السماوات والأرض؛ وجعل اليابسة ربع مساحة الأرض؛ بينما البحار والمحيطات تحتل ثلاثة أرباع مساحة الأرض. أي: أنه يحدثنا هنا عن ثلاثة أرباع الأرض، وأوجد البحار والمحيطات على هيئة نستطيع أن نأخذ منها بعضاً من الطعام فيقول:
{لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها .. "14"}
(سورة النحل)
ومن بعض عطاءات الحق سبحانه أن يأتي المد أحياناً ثم يعقبه الجزر؛ فيبقى بعض من السمك على الشاطئ، أو قد تحمل موجة عفية بعضاً من السمك وتلقيه على الشاطئ. وهكذا يكون العطاء بلا جهد من الإنسان، بل إن وجود بعض من الأسماك على الشاطئ هو الذي نبه الإنسان إلي أهمية أن يحتال ويصنع السنارة؛ ويغزل الشبكة؛ ثم ينتقل من تلك الوسائل البدائية إلي التقنيات الحديثة في صيد الأسماك. لكن الحلية التي يتم استخراجها من البحر فهي اللؤلؤ، وهي تقتضي أن تغوص الإنسان في القاع ليلتقطها. ويلفتنا الحق سبحانه إلي أسرار كنوزه فيقول:
{له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى "6"}
(سورة طه)
وكل كنوز الأمم توجد تحت الثرى. ونحن إن قسمنا الكرة الأرضية كما نقسم البطيخة إلي قطع كالتي نسميها "شقة البطيخ" سنجد أن كنوز كل قطعة تتساوى مع كنوز القطعة الأخرى في القيمة النفعية؛ ولكن كل عطاء يوجد بجزء من الأرض له ميعاد ميلاد يحدده الحق سبحانه. فهناك مكان في الأرض جعل الله العطاء فيه من الزراعة؛ وهناك مكان آخر صحراوي يخاله الناس بلا أي نفع؛ ثم تتفجر فيه آبار البترول، وهكذا. وتسخير الحق سبحانه للبحر ليس بإيجاده فقط على الهيئة التي هو عليها؛ بل قد تجد له أشياء ومهام أخرى مثل انشقاق البحر بعصا موسى عليه السلام؛ وصار كل فرق كالطود العظيم. ومن قبل ذلك حين حمل اليم موسى عليه السلام بعد أن ألقته أمه فيه بإلهام من الله:
{فليلقه اليم بالساحل .. "39"}
(سورة طه) |
|
|
|