المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 21-10-2011, 12:50 AM   #616
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 52

(يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا "52" )
هذا في يوم القيامة، حيث لا يستطيع أحد الخروج عن مرادات الحق سبحانه بعد أن كان يستطيع الخروج عنها في الدنيا؛ لأن الخالق سبحانه حين خلق الخلق جعل للإرادة الإنسانية سلطاناً على الجوارح في الأمور الاختيارية، فهو مختار يفعل ما يشاء، ويقول ما يشاء، ويترك ما يشاء، فإرادته أمير على جوارحه، أما الأمور القهرية فلا دخل للإرادة بها.
فإذا جاء اليوم الآخر انحلت الإرادة عن الجوارح، ولم يعد لها سلطان عليها، بدليل أن الجوارح سوف تشهد على صاحبها يوم القيامة:

{وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيءٍ .. "21"}
(سورة فصلت)


لقد كانت لكم ولاية علينا في دنيا الأسباب، أما الآن فنحن جميعاً مرتبطون بالمسبب سبحانه، فلا ولاية لكم علينا الآن؛ لذلك يقول الحق تبارك وتعالى عن يوم القيامة:

{لمن الملك اليوم لله الواحد القهار "16"}
(سورة غافر)


ففي الدنيا ملك الناس، وجعل مصالح أناس في أيدي آخرين، أما في الآخرة، فالأمر كله والملك كله لله وحده لا شريك له.
فقوله تعالى:

{يوم يدعوكم .. "52" }
(سورة الإسراء)


أي: يقول لكم اخرجوا من القبور للبعث بالنفخة الثانية في الصور

{فتستجيبون بحمده .. "52"}
(سورة الإسراء)


أي: تقومون في طاعة واستكانة، لا قومة مستنكف أو متقاعس أو متغطرس، فكل هذا انتهى وقته في الدنيا، ونحن الآن في الآخرة.
ونلاحظ أن الحق سبحانه قال:

{فتستجيبون .. "52"}
(سورة الإسراء)


ولم يقل: فتجيبون؛ لأن استجاب أبلغ في الطاعة والانصياع، كما نقول: فهم واستفهم أي: طلب الفهم، وكذلك (فتستجيبون) أي: تطلبون أنتم الجواب، وتلحون عليه لا تتقاعسون فيه، ولا تتأبون عليه، فتسرعون في القيام.
ليس هذا وفقط، بل:

{فتستجيبون بحمده .. "52"}
(سورة الإسراء)


أي: تسرعون في القيام حامدين الله شاكرين له، ولكن كيف والحمد لا يكون إلا على شيء محبوب؟
نعم، إنهم يحمدون الله تعالى؛ لأنهم عاينوا هذا اليوم الذي طالما ذكرهم به، ودعاهم إلى الإيمان به، والعمل من أجله، وطالما ألح عليهم ودعاهم، ومع ذلك كله جحدوا وكذبوا، وهاهم اليوم يرون ما كذبوه وتتكشف لهم الحقيقة التي أنكروها، فيقومون حامدين لله الذي نبههم ولم يقصر في نصيحتهم. كما أنك تنصح ولدك بالمذاكرة والاجتهاد، ثم يخفق في الامتحان فيأتيك معتذراً: لقد نصحتني ولكني لم أستجب.


 

قديم 21-10-2011, 12:52 AM   #617
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 53

(وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا "53" )
وسبق أن أوضحنا الفرق بين عبيد وعباد، وأنهما جمع عبد، لكن عبيد تدل على من خضع لسيده في الأمور القهرية، وتمرد عليه في الأمور الاختيارية، أما عباد فتدل على من خضع لسيده في كل أموره القهرية والاختيارية، وفضل مراد الله على مراده، وعنهم قال تعالى:

{وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً "63" والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً "64"}
(سورة الفرقان)


وهذا الفرق قائم بينهما في الدنيا دون الآخرة، حيث في الآخرة تنحل صفة الاختيار التي بنينا عليها التفرقة، وبذلك يتساوى الجميع في الآخرة، فكلهم عبيد وعباد؛ لذلك قال تعالى في الآخرة للشيطان:

{أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل "17"}
(سورة الفرقان)


فسماهم عباداً رغم ضلالهم وكفرهم. وقوله تعالى:

{يقولوا التي هي أحسن .. "53"}
(سورة الإسراء)


أي: العبارة التي هي أحسن، وكذلك الفعل الذي هو أحسن. والمعنى: قل لعبادي: قولوا التي هي أحسن يقولوا التي هي أحسن؛ لأنهم مؤتمرون بأمك مصدقون لك.
و(التي هي أحسن) تعني: الأحسن الأعلى الذي تتشقق منه كل أحسنيات الحياة، والأحسن هو الإيمان بالله بشهادة أن لا إله إلا الله، هذه أحسن الأشياء وأولها، لذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول: "خير ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله".
لأن من باطنها ينبت كل حسن، فهي الأحسن والكبيرة؛ لأنك ما دمت تؤمن بالله فلن تتلقى إلا عنه، ولن تخاف إلا منه، ولن ترجو إلا هو، وهكذا يحسن أمرك كل في الدنيا والآخرة.
وأنت حين تقول: لا إله إلا الله، لا تقولها إلا وأنت مؤمن بها؛ لأنك تريد أن تشيعها فيمن سمعك، ولا تكتفي بنفسك فقط، بل تحب أن يشاركك الآخرون هذا الخير؛ لذلك إذا أردنا أن ننطق بهذه الكلمة نقول: أشهد أن لا إله إلا الله. فمعنى أشهد يعني عند من لم يشهد، فكأن إيمانك بها دعاك إلى نقلها إلى الناس، وبثها فيما بينهم.
ويمكن أن نقول (التي هي أحسن) الأحسن هو: كل كلمة خير، أو الأحسن هو: الجدل بالتي هي أحسن، كما قال تعالى:

{وجادلهم بالتي هي أحسن .. "125"}
(سورة النحل)


أو نقول: الأحسن يعني التمييز بين الأقوال المتناقضة وفرزها أمام العقل، ثم نختار الأحسن منها، فنقول به.
فالأحسن ـ إذن ـ تشيع لتشمل كل حسن في أي مجال من مجالات الأقوال أو الأفعال، ولنأخذ مثلاً مجال الجدل، وخاصة إذا كان في سبيل إعلاء كلمة الله، فلاشك أن المعارض كاره لمبدئك العام، فإن قسوت عليه وأغلظت له القول أو اخترت العبارة السيئة فسوف ينتقل الخلاف بينكما من خلاف في مبدأ عام على عداء شخصي.
وإذا تحولت هذه المسألة إلى قضية شخصية فقد أججت أوار غضبه؛ لأنه في حاجة لأن ترفق به، فلا تجمع عليه مرارة أن تخرجه مما ألف إلى ما يكره، بل حاول أن تخرجه مما ألف إلى ما يحب لتطفئ شراسته لعداوتك العامة، وتقرب من الهوة بينك وبينه فيقبل منك ما تقول. يقول تعالى:

{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم "34"}
(سورة فصلت)


وقد يطلع علينا من يقول: لقد دفعت بالتي هي أحسن، ومع ذلك لا يزال عدوي قائماً على عداوتي، ولم أكسب محبته. نقول له: أنت ظننت أنك دفعت بالتي هي أحسن، ولكن الواقع غير ذلك، إنك تحاول أن تجرب مع الله، والتجربة مع الله شك، فادفع بالتي هي أحسن من غير تجربة، وسوف يتحول العدو أمامك إلى صديق.
وما أروع قول الشاعر:
يا من تضايقه الفعال من التي ومن الذي ادفع ـ فديتك ـ بالتي حتى ترى فإذا الذي
لكن، لماذا نقول التي هي أحسن؟
لأن الشيطان ينزغ بينكم:

{إن الشيطان ينزغ بينهم .. "53"}
(سورة الإسراء)


 

قديم 21-10-2011, 12:55 AM   #618
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 54

(ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا "54" )
في هذه الآية إشارة إلى طلاقة المشيئة الإلهية، فالحق سبحانه إن شاء يرحمنا بفضله، وإن شاء يعذبنا بعدله؛ لأن الحق سبحانه لو عاملنا بميزان عدله ما نجا منا أحد، ولو جلس أحدنا وأحصى ماله وما عليه لوجد نفسه لا محالة واقعاً تحت طائلة العقاب؛ لذلك يحسن بنا أن ندعو الله بهذا الدعاء: "اللهم عاملنا بالفضل لا بالعدل، وبالإحسان لا بالميزان، وبالجبر لا بالحساب".
والحق تبارك وتعالى لا ييئس العصاة من فضله، ولا يملي لهم بعدله، بل يجعلهم بين هذه وهذه ليكونوا دائماً بين الخوف والرجاء.
وحينما كان المسلمون الأولون يتعرضون لشتى ألوان الإهانة والتعذيب ولا يجدون من يمنعهم من هذا التعذيب، فكانوا يذهبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون إليه ما ينزل بهم، فرسول الله ينظر في أنحاء العالم من حوله بحثاً عن المكان المناسب الذي يلجأ إليه هؤلاء المضطهدون، ويأمرهم بالهجرة إلى الحبشة ويقول: "إن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد".
لقد كانوا في مرحلة لا يستطيعون فيها الدفاع عن أنفسهم، فالضعيف منهم عاجز عن المواجهة، والقوي منهم لا يستطيع حماية الضعيف؛ لأنه كان يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقترح عليه الرد على الكفار ومواجهتهم بكذا وكذا، فكان صلى الله عليه وسلم يقول لهم: "لم أومر، لم أومر ..".
لأن الله تعالى أراد ألا يبقي للإيمان جندي إلا وقد مسه العذاب، وذاق ألوان الاضطهاد ليربي فيهم الصبر على الأذى وتحمل الشدائد؛ لأنهم سيحملون رسالة الانسياح بمنهج الله في الأرض، ولاشك أن المؤمنين، لذلك حدث للإسلام في عصر النبوة أحداث وشدائد، ومرت به عقبات مثل تعذيب المؤمنين وإيذائهم وحادث الإسراء والمعراج.
وكانت الحكمة من هذه الأحداث تمحيص المؤمنين وغربلة المنتسبين لدين الله، حتى لا يبقى إلا القوي المأمون على حمل منهج الله، والانسياح به في شتى بقاع الأرض، وحتى لا يبقى في صفوف المؤمنين من يحمل راية الإيمان لمغنم دنيوي، فالغنيمة في الإسلام ليست في الدنيا بل في جنة عرضها السماوات والأرض.
لذلك، ففي بيعة العقبة الثانية قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: سل يا محمد لربك ما شئت، ثم سل لنفسك بعد ذلك ما شئت، ثم أخبرنا ما لنا من الثواب على الله وعليكم إذا فعلنا ذلك. قال: أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأسألكم لنفسي ولأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم، قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ فماذا قال لهم رسول الله؟ أقال لهم تملكون الدنيا؟ لا، بل قال: "لكم الجنة" قالوا: فلك ذلك.
فهذه هي الجائزة الحقيقية التي ينبغي أن يفوز بها المؤمن؛ لأنه من الجائز أن يموت أحدهم بعد أن أعطى رسول الله هذا العهد ولم يدرك شيئاً من خير الدنيا في ظل الإسلام، إذن: فالنبي صادق في هذا الوعد. ومادام الجزاء هو الجنة فلابد لها من جنود أقوياء يصبرون على الأحداث، ويواجهون الفتن والمكائد. فالمعنى:

{ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم .. "54"}
(سورة الإسراء)


بالخروج من مكة مهاجرين إلى ديار الأمن في الحبشة

{أو إن يشأ يعذبكم .. "54"}
(سورة الإسراء)


أي: عذاباً مقصوداً لكي يمحص إيمانكم ويميز المؤمنين منكم الجديرين بحمل رسالة الله ومنهجه. ثم يقول تعالى:

{وما أرسلناك عليهم وكيلاً "54"}
(سورة الإسراء)


الوكيل: هو المفوض من صاحب الشأن بفعل شيء ما، والمراد: ما أرسلناك إلا للبلاغ، ولست مسئولاً بعد ذلك عن إيمانهم، ولست وكيلاً عليهم؛ لأن الهداية والتوفيق للإيمان بيد الحق سبحانه وتعالى.
إذن: قول الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم:

{وما أرسلناك عليهم وكيلاً "54"}
(سورة الإسراء)


ليست قهراً لرسول الله، وليست إنقاصاً من قدره، بل هي رحمة به ورأفة، كأنه يقول له: لا تحمل نفسك يا محمد فوق طاقتها، كما خاطبه في آية أخرى بقوله:

{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين "3"}
(سورة الشعراء)


فالحق ـ تبارك وتعالى ـ في هذه المسألة لا يعتب على رسوله، بل يعتب لصالحه، والمتتبع لمواقف العتاب للرسول صلى الله عليه وسلم يجده عتاباً لصالحه صلى الله عليه وسلم رحمة به، وشفقة عليه، لا كما يقول البعض: إن الله تعالى يصحح للرسول خطئاً وقع فيه. ومثال لهذا قوله تعالى:

{عبس وتولى "1" أن جاءه الأعمى "2" وما يدريك لعله يزكى "3"}
(سورة عبس)
الله تعالى يعتب على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ترك الرجل الذي جاءه سائلاً عن الدين، وشق على نفسه بالذهاب إلى جدال هؤلاء الصناديد، وكأن الحق سبحانه يشفق على رسوله أن يشق على نفسه، فالعتاب هنا حرصاً على رسول الله وعلى راحته.
وكذلك في قوله تعالى:

{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم "1"}
(سورة التحريم)


والتحريم تضييق على النفس، فالحق سبحانه يعتب على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ضيق على نفسه، وحرم عليها ما أحله الله لها


 

قديم 21-10-2011, 12:57 AM   #619
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 55

(وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا "55" )
قوله تعالى: (أعلم) افعل تفضيل تدل على المبالغة في العلم، وإن كان الحق سبحانه أعلم فما دونه يمكن أن يتصف بالعلم، فنقول: عالم. ولكن الله أعلم؛ لأن الله تعالى لا يمنع عباده أن تشرئب عقولهم وتطمح إلى معرفة شيء من أسرار الكون.
والمعنى أن الحق سبحانه وتعالى لا يقتصر علمه عليك يا محمد وعلى أمتك، وقد سبقت الآية بقوله تعالى:

{ربكم أعلم بكم .. "54"}
(سورة الإسراء)


ولكن علمه سبحانه يسع السماوات والأرض علماً مطلقاً لا يغيب عنه مثقال ذرة، وبمقتضى هذا العلم يقسم الله الأرزاق ويوزع المواهب بين العباد، كل على حسب حاله، وعلى قدر ما يصلحه.
فإن رأيت شخصاً ضيق الله عليه فاعلم أنه لا يستحق غير هذا، ولا يصلحه إلا ما قسمه الله له؛ لأن الجميع عبيد لله مربوبون له، ليس بين أحد منهم وبين الله عداوة، وليس بين أحد منهم وبين الله نسب.
فالجميع عنده سواء، يعطي كلاً على قدر استعداده عطاء ربوبية، لا يحرم منه حتى الكافر الذي ضاق صدره بالإيمان، وتمكن النفاق من قلبه حتى عشق الكفر وأحب النفاق، فالله تعالى لا يحرمه مما أحب ويزيده منه.
إذن: لعلمه سبحانه بمن في السماوات والأرض يعطي عباده على قدر ما يستحقون في الأمور القهرية التي لا اختيار لهم فيها، فهم فيها سواء. أما الأمور الاختيارية فقد تركها الخالق سبحانه لاجتهاد العبد وأخذ بالأسباب، فالأسباب موجودة، والمادة موجودة، والجوارح موجودة، والعقل موجود، والطاقة موجودة. إذن: على كل إنسان أن يستخدم هذه المعطيات ليرتقي بحياته على قدر استطاعته.
ثم يقول تعالى:

{ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض .. "55"}
(سورة الإسراء)


من الذي فضل؟ الله سبحانه وتعالى هو الذي يفضل بعض النبيين على بعض، وليس لنا نحن أن نفضل إلا من فضله الله؛ لأنه سبحانه هو الذي يملك أن يجازي على حسب الفضل، أما نحن فلا نملك أن نجازي على قدر الفضل.
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى". لأن الذي يفضل هو الله تعالى، وقد نص على هذا التفضيل في قوله تعالى:

{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس .. "253"}
(سورة البقرة)


فالتفضيل على حسب ما يعلمه الله تعالى من أن أولى العزم من الرسل قد فضلهم عن غيرهم لما تحملوه من مشقة في دعوة أقوامهم، ولما قاموا به من حمل منهج الله والانسياح به، أو من طول مدتهم من قومهم .. الخ فهو وحده يعلم أسباب التفضيل.
ثم يقول تعالى:

{وأتينا داود زبوراً "55"}
(سورة الإسراء)


فلماذا ذكر داود بالذات مقترناً بالكتاب الذي أنزل عليه؟ قالوا: لأن داود عليه السلام أوتي مع الكتاب الملك، فكان نبياً ملكاً، فكأن الحق سبحانه يشير إلى أن تفضيل داود لا من حيث أنه ملك، بل من حيث هو نبي صاحب كتاب


 

قديم 21-10-2011, 12:58 AM   #620
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 56

(قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا "56" )
الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: قل للذين يعارضونك في الوحدانية إذا مسكم ضر فلا تلجأوا إلى من تكفرون به، بل الجأوا إلى من زعمتم أنهم شركاء وآمنتم بهم. فإنهم لن يستمعوا إليك؛ لأن الإنسان بطبعه لا يخدع نفسه، ولو علموا أن الذين يتخذونهم آلهة من دون الله ينفعونهم في شيء لما دعوا ربهم الذين يكفرون به وتركوا الذين يؤمنون بهم، لماذا؟
لأن الإنسان لا يتمرد ولا يطغى إلا إذا كان مستغنياً بكل ملكاته، بمعنى أن تكون ملكاته كلها على هيئة الاستقامة والانسجام، فإذا اختلت له ملكة من الملكات ضعف طغيانه، وحاول أن يستكمل هذا النقص، وحينئذ لن يخدع نفسه بأن يطلب الاستكمال ممن لا يملكه، بل يطلبه ممن يعتقد أنه يملكه.
لذلك يقول تعالى:

{وإذا مسكم الضر في البحر من تدعون إلا إياه .. "67"}
(سورة الإسراء)


وقال:
{وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه .. "8"}
(سورة الزمر)


لماذا؟ لأن ما أصابه من ضر أضعفه، وكسر عنده غريزة الاستعلاء والاستكبار، لقد كفر بالله من قبل حينما حمله التكاليف، ولكن الآن وبعد أن نزل به الضر وأحاط به البلاء فلابد أن يكون صريحاً مع نفسه لا يخدعها.
وضربنا لهذه المسألة مثلاً بحلاق الصحة عند أهل الريف في الماضي وكان مسئولاً عن صحة الناس، ويقوم مقام الطبيب في هذا الوقت، فإذا ما عين بالقرية طبيب هاجمه الحلاق وأفسد ما بينه وبين الناس، وأشاع عنه عدم العلم وقلة الخبرة ليخلو له وجه الناس، ولا يشاركه أحد في رزقه، ومرت الأيام وأصيب الحلاق بضر، حيث مرض ولد له، فإذا به يحمله خفية بليل، ويتسلل به إلى الطبيب، ولكن سرعان ما ينكشف أمره ويفتضح بين الناس.
إذن: الإنسان في ساعة الضر لا يخدع نفسه ولا يكذب عليها، فقل لهم: إذا مسكم الضر فاذهبوا إلى من ادعيتم أنهم آلهة وأدعوهم، فإنهم لن يستجيبوا ولن يدعوهم، ولو دعوهم فلن يكشفوا عنهم ضرهم:

{فلا يملكون كشف الضر عنكم .. "56"}
(سورة الإسراء)


وقوله تعالى:

{ولا تحويلاً "56"}
(سورة الإسراء)


أي: ولا يملكون تحويل حالكم من الضر إلى النفع أو النعمة أو الرحمة، أو: لا يملكون تحويل هذا الضر إلى أعدائكم، فهم ـ إذن ـ لا يملكون هذه ولا هذه.
فالحق سبحانه يلقن رسوله صلى الله عليه وسلم الحجة، ليوضح لهم أنهم يغالطون أنفسهم، ويعارضون مواجيدهم وفطرتهم، فإن أصابهم الضر في ذواتهم لا يلجأون إلى آلهتهم؛ لأنهم يعلمون أنها لا تملك لهم نفعاً ولا ضراً، ولن تسمعهم، وإن سمعتهم ـ فرضاً ـ ما استجابوا لهم، ويوم القيامة يكفرون بشركهم، بل يلجأون إلى الله الذي يملك وحده كشف الضر عنهم


 

قديم 21-10-2011, 12:59 AM   #621
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 57

(أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا "57" )
فهؤلاء الذين تعتبرونهم آلهة وتتخذونهم شركاء لله، هؤلاء أيضاً عبيد لله، يتقربون إليه ويتوسلون إليه، فالمسيح الذي أشركتموه مع الله، وكذلك الملائكة هم عباد لله:

{لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون .. "172"}
(سورة النساء)


هؤلاء لا يرفضون ولا يتأبون أن يكونوا عباداً لله، ويريدون التقرب إليه سبحانه، فكيف ـ إذن ـ تتوجهون إليهم بالعبادة وهم عباد؟ وقوله تعالى:

{يبتغون إلى ربهم الوسيلة .. "57"}
(سورة الإسراء)


أي: يطلبون الغاية والقربى إليه تعالى (أيهم أقرب) أي: كلما تقرب واحد منهم إلى الله ابتغى الله أكثر من غيره وأقبل عليه، فإذا كان الأقرب إلى الله منهم يبتغي القربى، فما بال الأبعد؟ وقوله تعالى:

{إن عذاب ربك كان محذوراً "57"}
(سورة الإسراء)


أي: يجب الحذر منه وتجنب أسبابه؛ لأن العذاب إذا كان من الله فلا فكاك منه ولا مهرب، وأيضاً فالعذاب يتناسب مع قدرة المعذب ضعفاً وشدة، فإذا نسب العذاب إلى الله فلا شك أنه أليم شديد، لا طاقة لأحد به، كما قال تعالى:

{إن أخذه أليم شديد "102"}
(سورة هود)


والحق سبحانه قد أوضح لنا مسألة الوحدانية في آيات كثيرة، ولم يطلب منا الاعتراف بها إلا بعد أن شهد بها لنفسه سبحانه، وبعد أن شهد بها الملائكة وأولو العلم، قال تعالى:

{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم .. "18"}
(سورة آل عمران)


فشهد الله سبحانه شهادة الذات للذات، وشهدت الملائكة شهادة المشهد والمعاينة، وشهد أولو العلم شهادة الاستدلال، فهذه شهادات ثلاث قبل أن يطلب منا الشهادة.
وبهذه الشهادة أقبل الحق سبحانه على مزاولة سلطانه وقدرته في الكون، ومادام "لا إله إلا هو" يقول للشيء: كن فيكون، قالها لأنه يعلم أنه لا إله إلا هو، وبها يحكم على الأشياء ويغير من وضع إلى وضع، فإن صحت هذه الشهادة الثلاثة فقد انتهت المسألة وإن لم تصح وهناك إله آخر فأين هو؟! إن كان لا يدري فهو إله نائم لا يصلح لهذه المكانة، وإن كان يدري فلماذا لم يطالب بحقه.
إذن: فهذه الدعوى قد سلمت للحق سبحانه لأنه لم يدعها أحد لنفسه، فهي للحق تبارك وتعالى حتى يقوم من يدعيها لنفسه. قال تعالى:

{قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً "42" }
(سورة الإسراء)




 

قديم 21-10-2011, 10:22 AM   #622
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 58

(وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطوراً"58" )
ساعة أن تسمع (وإن قرية إلا) فاعلم أن الأسلوب قائم على نفي وإثبات، فالمعنى: لا توجد قرية إلا والله مهلكها قبل يوم القيامة، أو معذبها عذاباً شديداً، لكن هل كل القرى ينسحب عليها هذا الحكم؟
نقول: لا، لأن هذا حكم مطلق والإطلاقات في القرآن تقيدها قرآنيات أخرى، وسوف نجد مع هذه الآية قول الحق سبحانه:

{ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون "131"}
(سورة الأنعام)


وقال تعالى:

{وما كان ربك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون "117"}
(سورة هود)


فهذه آيات مخصصة توضح الاستثناء من القاعدة السابقة، وتقيد المبدأ السابق والسور العام الذي جاءت به الآية، فيكون المعنى ـ إذن ـ وإن من قرية غير غافلة وغير مصلحة إلا والله مهلكها أو معذبها. وقوله:

{وإن من قريةٍ إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها .. "58"}
(سورة الإسراء)


(مهلكوها) أي: بعذاب الاستئصال الذي لا يبقى منهم أحداً.
(معذبوها) أي: عذاباً دون استئصال.
لأن التعذيب مرحلة أولى، فإن أتى بالنتيجة المطلوبة وأعاد الناس إلى الصواب فبها ونعمت وتنتهي المسألة، فإن لم يقتنعوا وأصروا ولم يرتدعوا وعاندوا يأتي الإهلاك، وهذا واضح في قول الحق سبحانه:

{وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "112" }
(سورة النحل)


والواقع أن في حاضرنا شواهد عدة على هذه المسألة، فلابد لأي قرية طغت وبغت أن ينالها شيء من العذاب، والأمثلة أمامنا واضحة، ولا داعي لذكرها حتى لا ننكأ جراحنا.
وطبيعي أن يأتي العذاب قبل الإهلاك؛ لأن العذاب إيلام حي يشعر بالعذاب ويحس به، والإهلاك إذهاب للحياة، وهذا يمنع الإحساس بالعذاب.
وباستقراء تاريخ الأمم السابقة نلاحظ ما حاق بهم من سنة إهلاك الظالمين، فقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط نزل بهم عذاب الله الذي لا يرد عن القوم الكافرين، ولكنه كان عذاب استئصال؛ لأن الأنبياء في هذا الوقت لم يكونوا مطالبين بحمل السلاح لنشر دعوتهم، فكان عليهم البلاغ، والحق سبحانه وتعالى هو الذي يتولى تأديب المخالفين. إلا إذا طلب أتباع النبي الجهاد معه لنشر دعوته، كما حدث من أتباع موسى عليه السلام:

{إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم .. "246"}
(سورة البقرة)


وهكذا طلب بنو إسرائيل القتال وحمل السلاح، ولكن حذرهم نبيهم، وخشي أن يفرض عليهم ثم يتقاعسوا عنه، وهذا ما حدث فعلاً ولم يبق معه إلا قليل منهم، وهذا القليل سرعان ما تراجع هو أيضاً واحداً بعد الآخر.
إذن: الهمة الإنسانية في هذا الوقت لم يكن عندها استعداد ونضج لأن تحمل سلاحاً في سبيل الله، فكان على الرسول أن يبلغ، وعلى السماء أن تؤدب بهذا اللون من العذاب الذي يستأصلهم فلا يبقى منهم أحداً.
أما في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد رحمنا ربنا تبارك وتعالى من هذا العذاب، فقال:

{وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم .. "33"}
(سورة الأنفال)


 

قديم 21-10-2011, 10:25 AM   #623
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 59

(وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً"59" )
الآيات: جمع آية، وهي الأمر العجيب الذي يلفت النظر ويسترعى الانتباه، وهذه الآيات إما أن تكون آيات كونية نستدل بها على قدرة المدبر الأعلى سبحانه مثل المذكورة في قوله تعالى:

{ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر .. "37"}
(سورة فصلت)


وقد تكون الآيات بمعنى المعجزة التي تثبت صدق الرسول في البلاغ عن ربه تعالى، وقد تكون الآيات بمعنى آيات القرآن الكريم، والتي يسمونها حاملة الأحكام.
فالآيات إذن ثلاثة: كونية، ومعجزات، وآيات القرآن. فأيها المقصود في الآية:

{وما منعنا أن نرسل بالآيات .. "59"}
(سورة الإسراء)


الآيات الكونية وهي موجودة لا تحتاج إلى إرسال، الآيات القرآنية وهي موجودة أيضاً، بقى المعجزات وهي موجودة، وقد جاءت معجزة كل نبي على حسب نبوغ قومه، فجاءت معجزة موسى من نوع السحر الذي نبغ فيه بنو إسرائيل، وكذلك جاءت معجزة عيسى مما نبغ فيه قومه من الطب.
وجاءت معجزة محمد صلى الله عليه وسلم في الفصاحة والبلاغة والبيان؛ لأن العرب لم يظهروا نبوغاً في غير هذا المجال، فتحداهم بما يعرفونه ويجيدونه ليكون ذلك أبلغ في الحجة عليهم.
إذن: فما المقصود بالآيات التي منعها الله عنهم؟
المقصود بها ما طلبوه من معجزة أخرى، جاءت في قوله تعالى:

{وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "90" أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا "91" أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا "92" أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه .. "93"}
(سورة الإسراء)


والمتأمل في كل هذه الاقتراحات من كفار مكة يجدها بعيدة كل البعد عن مجال المعجزة التي يراد بها في المقام الأول تثبيت الرسول، وبيان صدق رسالته وتبليغه عن الله، وهذه لا تكون إلا في أمر نبغ فيه قومه ولهم به إلمام، وهم أمة كلام وفصاحة وبلاغة، وهل لهم إلمام بتفجير الينابيع من الأرض؟ وهل إسقاط السماء عليهم كسفاً يقوم دليلاً على صدق الرسول؟ أم أنه الجدل العقيم والاستكبار عن قبول الحق؟
إذن: جلس كفار مكة يقترحون الآيات ويطلبون المعجزات، والحق سبحانه وتعالى ينزل من المعجزات ما يشاء، وليس لأحد أن يقترح على الله أن يجبره على شيء، قال تعالى:

{قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون "16"}
(سورة يونس)


فالحق تبارك وتعالى قادر أن ينزل عليهم ما اقترحوه من الآيات، فهو سبحانه لا يعجزه شيء، ولا يتعاظمه شيء، ولكن للبشر قبل ذلك سابقة مع المعجزات.
والحق سبحانه يقول:

{وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها .. "59"}
(سورة الإسراء)


مبصرة: أي آية بينة واضحة.
لقد طلب قوم ثمود معجزة بعينها فأجابهم الله وأنزلها لهم، فما كان منهم إلا أن استكبروا عن الإيمان، وكفروا بالآية التي طلبوها، بل وأكثر من ذلك ظلموا بها أي: جاروا على الناقة نفسها، وتجرأوا عليها فعقروها.
وهذه السابقة مع ثمود هي التي منعتنا عن إجابة أهل مكة فيما اقترحوه من الآيات، وليس عجزاً منا عن الإتيان بها.
وقوله تعالى عن الناقة أنها آية (مبصرة) لبيان وضوحها كما في قوله تعالى:

{وجعلنا آية النهار مبصرة .. "12"}
(سورة الإسراء)


فهل آية النهار مبصرة، أم مبصر فيها؟
كانوا قديماً يعتقدون أن الإنسان يرى الشيء من شعاع ينطلق من عينة إلى الشيء المرئي فتحدث الرؤية، إلى أن جاء ابن الهيثم وأثبت خطأ هذه المقولة، وبين أن الإنسان يرى الشيء إذا خرج من الشيء شعاع إلى العين فتراه، بدليل أنك ترى الشيء إذا كان في الضوء، ولا تراه إذا كان في ظلمة، وبهذا الفهم نستطيع القول بأن آية النهار هي المبصرة؛ لأن أشعتها هي التي تسبب الإبصار.
ثم يقول تعالى:

{وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً "59"}
(سورة الإسراء)
أي: نبعث بآيات غير المعجزات لتكون تخويفاً للكفار والمعاندين، فمثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم اضطهده أهل مكة ودبروا لقتله جهاراً وعلانية، فخيب الله سعيهم ورأوا أنهم لو قتلوه لطالب أهله بدمه، فحاكوا مؤامرة أخرى للفتك به بليل، واقترحوا أن يؤتي من كل قبيلة بفتى جلدٍ، ويضربوه ضربة رجل واحد.
ولكن الحق سبحانه أطلع رسوله على مكيدتهم، ونجاه من غدرهم، فإذا بهم يعملون له السحر ليوقعوا به، وكان الله لهم بالمرصاد، فأخبر رسوله بما يدبر له، وهكذا لم يفلح الجهر ولم يفلح التبييت، ولم يفلح السحر، وباءت محاولاتهم كلها بالفشل، وعلموا أنه لا سبيل إلى الوقوف في وجه الدعوة بحال من الأحوال، وأن السلام في الإيمان والسير في ركابه من أقصر الطرق.
إذن: للحق سبحانه آيات أخرى تأتي لردع المكذبين عن كذبهم، وتخوفهم بما حدث لسابقيهم من المكذبين بالرسل، حيث أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، ومن آيات التخويف هذه ما جاء في قوله تعالى:

{فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون "40"}
(سورة العنكبوت)


 

قديم 21-10-2011, 10:25 AM   #624
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 60

(وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا "60" )
أي: اذكر يا محمد، وليذكر معك أصحابك إذ قلنا لك: إن ربك أحاط بالناس، فلا يمكن أن يتصرفوا تصرفاً، أو يقولوا قولاً يغيب عن علمه تعالى، لأن الإحاطة تعني الإلمام بالشيء من كل ناحية.
ومادام الأمر كذلك فاطمئن يا محمد، كما نقول في المثل (حط في بطنك بطيخة صيفي)، واعلم أنهم لن ينالوا منك لا جهرة ولا تبيتاً، ولا استعانة بالجنس الخفي (الجن)؛ لأن الله محيط بهم، وسيبطل سعيهم، ويجعل كيدهم في نحورهم.
لذلك لما تحدى الحق سبحانه وتعالى الكفار بالقرآن تحدى الجن أيضاً، فقال:

{قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا "88"}
(سورة الإسراء)


ففي هذا الوقت كان يشيع بين العرب أن كل نابغة في أمر من الأمور له شيطان يلهمه، وكانوا يدعون أن هذه الشياطين تسكن وادياً يسمى "وادي عبقر" في الجزيرة العربية، فتحداهم القرآن أن يأتوا بالشياطين التي تلهمهم.
وهكذا يطمئن الحق سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه يحيط بالناس جميعاً، ويعلم كل حركاتهم ظاهرة أو خفية من جنس ظاهر أو من جنس خفي، وباطمئنان رسول اله تشيع الطمأنينة في نفوس المؤمنين.
وهذا من قيوميته تعالى في الكون، وبهذه القيومية نرد على الفلاسفة الذين قالوا بأن الخالق سبحانه زاول سلطانه في الكون مرة واحدة، فخلق النواميس، وهي التي تعمل في الكون، وهي التي تسيره.
والرد على هذه المقولة بسيط، فلو كانت النواميس هي التي تسير في الكون ما رأينا في الكون شذوذاً عن الناموس العام؛ لأن الأمر الميكانيكي لا يحدث خروجاً عن القاعدة، إذن: فحدوث الشذوذ دليل القدرة التي تتحكم وتستطيع أن تخرق الناموس.
ومثال ذلك: النار التي أشعلوها لحرق نبي الله وخليله إبراهيم ـ عليه السلام ـ فهل كان حظ الإيمان أو الإسلام في أن ينجو إبراهيم من النار؟
لا .. لم يكن الهدف نجاة إبراهيم عليه السلام، وإلا لما مكنهم الله من الإمساك به، أو سخر سحابة تطفئ النار، ولكن أراد سبحانه أن يظهر لهم آية من آياته في خرق الناموس، فمكنهم من إشعال النار ومكنهم من إبراهيم حتى ألقوه في النار، ورأوه في وسطها، ولم يعد لهم حجة، وهنا تدخلت القدرة الإلهية لتسلب النار خاصية الإحراق:

{قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم "69"}
(سورة الأنبياء)


إذن: فالناموس ليس مخلوقاً ليعمل مطلقاً، وما حدث ليس طلاقة ناموس، بل طلاقة قدرة للخالق سبحانه وتعالى.
فكأن الحق سبحانه يريد أن يسلي رسوله ويؤنسه بمدد الله له دائماً، ولا يفزعه أن يقوم قومه بمصادمته واضطهاده، ويريد كذلك أن يطمئن المؤمنين ويبشرهم بأنهم على الحق.
وقوله تعالى:

{أحاط بالناس .. "6"}
(سورة الإسراء)


الإحاطة تقتضي العلم بهم والقدرة عليهم، فلن يفلتوا من علم الله ولا من قدرته، ولابد من العلم مع القدرة؛ لأنك قد تعلم شيئاً ضاراً ولكنك لا تقدر على دفعه، فالعلم وحده لا يكفي، بل لابد له من قدرة على التنفيذ، إذن: فإحاطته سبحانه بالناس تعني أنه سبحانه يعلمهم ويقدر على تنفيذ أمره فيهم.
كلمة (الناس) تطلق إطلاقات متعددة، فقد يراد بها الخلق جميعاً من آدم إلى قيام الساعة، كما في قوله الحق تبارك وتعالى:

{قل أعوذ برب الفلق "1" من شر ما خلق "2" ومن شر غاسق إذا وقب "3" ومن شر النفاثات في العقد "4" ومن شر حاسد إذا حسد "5" من الجنة والناس "6" }
(سورة الناس)


وقد يراد بها بعض الخلق دون بعض، كما في قوله تعالى:

{أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله .. "54"}
(سورة النساء)


 

قديم 21-10-2011, 10:29 AM   #625
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 61

(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا "61" )
أي: تذكروا أن الحسد قديم قدم وجود الإنسان على هذه الأرض، تذكروا ما كان من أمر آدم عليه السلام وإبليس لعنه الله، فهي مسألة قديمة ومستمرة في البشر إلى يوم القيامة.
والمعنى: واذكر يا محمد، وليذكر معك قومك إذ قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم. وسبق أن تكلمنا عن السجود، ونشير هنا إلى أن السجود لا يكون إلا الله تعالى، لكن إذا كان الأمر بالسجود لغير الله من الله تعالى، فليس لأحد أن يعترض على هذا السجود؛ لأنه بأمر الله الذي يعلم أن سجودهم لآدم ليس عيباً وليس قدحاً في دينهم وعبوديتهم للحق سبحانه وتعالى؛ لأن العبودية طاعة أوامر.
والمراد بالملائكة المدبرات أمراً، الذين قال الله فيهم:

{له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله .. "11"}
(سورة الرعد)


وقد أمرهم الله بالسجود لآدم؛ لأنه سيكون أبا البشر، وسوف يسخر له الكون كله، حتى هؤلاء الملائكة سيكونون في خدمته؛ لذلك أمرهم الله بالسجود له سجود طاعة وخضوع لما أريده منكم، إذن: السجود لآدم ليس خضوعاً لآدم، بل خضوعاً لأمر الله لهم.
وقوله تعالى:

{إلا إبليس .. "61"}
(سورة الإسراء)


فهم البعض منها أن إبليس كان من الملائكة، ونحن نعذر أصحاب هذا الفهم لو عزلنا هذه الآية عن بقية الآيات التي تحدثت عن هذه القضية، لكن طالما نتكلم في موضوع عام مثل هذا، فيجب استحضار جميع الآيات الواردة فيه لتتضح لنا الصورة كاملة. فإذا كان دليل أصحاب هذا القول: الالتزام بأن الله قال:

{فسجدوا إلا إبليس .. "61"}
(سورة الإسراء)


وقد كان الأمر للملائكة فهو منهم، سوف نسلم لهم جدلاً بصحة قولهم، لكن ماذا يقولون في قول الحق سبحانه في القرآن الذي أخذوا منه حجتهم:

{فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه .. "50"}
(سورة الكهف)


فإن كان دليلكم الالتزام، فدليلنا نص صريح في أنه من الجن، فإن قال قائل: كيف يكون من الجن ويؤاخذ على أنه لم يسجد؟
نقول: إبليس من الجن بالنص الصريح للقرآن الكريم، لكن الحق سبحانه وتعالى آخذه على عدم السجود لآدم واعتبره من الملائكة؛ لأنه كان مطيعاً عن اختيار، والملائكة مطيعون عن جبلة وعن طبيعة.
فبذلك كانت منزلة إبليس أعلى من منزلة الملائكة، لأنه مختار أن يطيع أو أن يعصي، لكنه أطاع مع قدرته على العصيان فأصبح جليس الملائكة، بل طاووس الملائكة الذي يزهو عليهم ويتباهى بأنه صالح للاختيار في العصيان، ومع ذلك ألزم نفسه منهج الله.
فإذا أصبح في منزلة أعلى من الملائكة وأصبح في حضرتهم، فإن الأمر إذا توجه إلى الأدنى في الطاعة فإن الأعلى أولى بهذا الأمر، وكذلك إن اعتبرناه أقل منهم منزلة، وجاء الأمر للملائكة بالسجود فإن الأمر للأعلى أمر كذلك للأدنى، وهكذا إن كان أعلى فعليه أن يسجد، وإن كان أدنى فعليه أن يسجد.
وقد ضربنا لذلك مثلاً ـ ولله المثل الأعلى ـ إذا دخل رئيس الجمهورية على الوزراء فإنهم يقومون له إجلالاً واحتراماً، وهب أن معهم وكلاء وزارات فإنهم سوف يقومون أيضاً؛ لأنهم ارتفعوا إلى مكان وجودهم.
ومن الإشكالات التي أثارها المستشرقون حول هذا الموضوع اعتراضهم على قول القرآن عن إبليس مرة (أبى) ومرة أخرى (استكبر) ومرة (أبى واستكبر)، وكذلك قوله مرة:

{ما منعك أن تسجد .. "75" }
(سورة ص)


ومرة أخرى يقول:

{ما منعك ألا تسجد .. "12"}
(سورة الأعراف)


وقد سبق أن تحدثنا عن قصور هؤلاء في فهم أساليب العربية؛ لأنها ليست لديهم ملكة، والمتأمل في هذه الأساليب يجدها منسجمة يكمل بعضها بعضاً.
فالإباء قد يكون مجرد امتناع لا عن استكبار، فالحق سبحانه يريد أن يقول: إنه أبى استكباراً، فتنوع الأسلوب القرآني ليعطينا هذا المعنى.
أما قوله تعالى:

{ما منعك أن تسجد .. "75"}
(سورة ص)


و {ما منعك ألا تسجد .. "12" }
(سورة الأعراف)


صحيح أن في الأولى إثباتاً وفي الأخرى نفياً، والنظرة العجلى تقول: إن ثمة تعارضاً بين الآيتين، مما حمل العلماء على القول بأن (لا) في الآية الثانية زائدة، فالأصل

{ما منعك أن تسجد .. "75"}
(سورة ص)


كأنه هم أن يسجد، فجاءه من يمنعه عن السجود، لأنه لا يقال: ما منع من كذا إلا إذا كان لديك استعداد للفعل، وإلا من أي شيء سيمنعك؟ أما

{ما منعك ألا تسجد .. "12"}
(سورة الأعراف)


 

قديم 21-10-2011, 10:32 AM   #626
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 62

(قال أرأيتك هذا الذي كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا"62" )
(قال) أي: إبليس (أرأيتك) الهمزة للاستفهام، والتاء للخطاب، وكذلك الكاف، وجمع بينهما في الخطاب للتأكيد، كما تقول: أنت أنت تفعل ذلك. والمعنى: أخبرني، لأن رأي البصرية تطلق في القرآن على معنى العلم؛ لأن علم العين علم مؤكد لاشك فيه.
لذلك قالوا: (ليس مع العين أين) فما تراه أمامك عياناً، وإن كان للعلم وسائل كثيرة فأقواها الرؤية؛ لأنها تعطي علماً مؤكداً على خلاف الأذن مثلاً، فقد تسمع بها كلاماً تعرف بعد ذلك أنه كذب.
وقد ورد هذا المعنى في قوله الحق سبحانه:

{ألم تر كيف فعل ربك بأصبحاب الفيل "1"}
(سورة الفيل)


واستخدم الفعل ترى، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في عام الفيل وليداً لم ير شيئاً، فالمعنى: ألم تعلم، ولكن الحق سبحانه عدل عن "تعلم" إلى "تر" كأنه يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: إذا أخبرك الله بمعلوم، فاجعل إخبار الله لك فوق رؤيتك بعينك.
فقوله تعالى:

{أرأيتك هذا الذي كرمت علي .. "62"}
(سورة الإسراء)


أي: أعلمني، لماذا فضلته علي، وكأن تفضيل آدم على إبليس مسألة تحتاج إلى برهان وتبرير، وكان على إبليس أن ينتظر إجابة هذا السؤال الذي توجه به لربه عز وجل، ولكنه تعجل وحمله الغيظ والحسد على أن يقول:

{لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً "62" }
(سورة الإسراء)


وهذا لأن حقده وعداوته لآدم مسبقة فلم ينتظر الجواب.
ومعنى: (أخرتن) أخرت أجلي عن موعده، كأنه يعلم أن الله يجعل لكل نفس منفوسة من إنس أو جن أجلاً معلوماً، فطلب أن يؤخره الله عن أجله، وهذه مبالغة منه في اللدد والعناد، فلم يتوعدهم ويهددهم مدة حياته هو، بل إلى يوم القيامة، فإن كانت البداية مع آدم فلن ينجو ولن تنجو ذريته أيضاً.
فالعداوة بين إبليس وآدم، فما ذنب ذريته من بعده؟ لقد كان عليه أن يقصر هذا الحقد، وهذه العداوة على آدم، ثم يوصي ذريته بحمل هذا العداء من بعده، إنه الغيظ الدفين الذي يملأ قلبه. وقد أمهله الحق سبحانه بقوله:

{إنك من المنظرين "15"}
(سورة الأعراف)


ومعنى:

{لأحتنكن ذريته .. "62" }
(سورة الإسراء)


اللام للقسم، كما اقسم في آية أخرى:

{فبعزتك لأغوينهم أجميعن "82"}
(سورة ص)


وعجيب أمر إبليس، يقسم بالله وهو يعلم أن العمر والأجل بيده سبحانه، فيسأله أن يؤخره، ومع ذلك لا يطيع أمره.
والاحتناك: يرد بمعنيين: الأول: الاستئصال. ومنه قولهم: احتنك الجراد الزرع. أي: أتى عليه كله واستأصله، والآخر: بمعنى القهر على التصرف، مأخوذ من اللجام الذي يوضع في حنك الفرس، ويسمونه (الحنكة) وبها تستطيع أن توجه الفرس يميناً أو يساراً أو توقفه، فهي أداة التحكم فيه، والسيطرة عليه قهراً.
فالاحتناك قد يكون استئصالاً للذات، وقد يكون قهراً لحركتها. وقوله سبحانه:

{إلا قليلاً "62"}
(سورة الإسراء)


فيها دليل على علم إبليس ومعرفته بقدرة الله تعالى، فعرف كيف يقسم به حين قال:

{فبعزتك لأغوينهم أجميعن "82"}
(سورة ص)
والمعنى: بعزتك عن خلقك:

{فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "29"}
(سورة الكهف)


سأدخل من هذا الباب، أما عبادك الذين هديتهم واصطفيتهم فلا دخل لي بهم، وليس لي عليهم سلطان، لقد تذكر قدرة الله، وأن الله إذا أراد إخلاص عبده لنفسه لا يستطيع الشيطان أن يأخذه، فقال:

{إلا عبادك منهم المخلصين "83"}
(سورة ص)


فقوله:

{إلا قليلاً "62"}
(سورة الإسراء)



 

قديم 21-10-2011, 10:32 AM   #627
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 63

(قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا "63" )
قوله تعالى(اذهب) أمر يحمل معنى الطرد والإبعاد.

{فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم .. "63"}
(سورة الإسراء)


أي: الذين اتبعوك وساروا في ركابك فجزاؤهم جهنم.
ونلاحظ أن الحق سبحانه قال: (جزاؤكم). ولم يقل (جزاؤهم) لأنه معهم وداخل في حكمهم، وهو سبب غوايتهم وضلالهم، وكذلك هو المخاطب في الآية الكريمة، وحتى لا يظن إبليس أن الجزاء مقصور على العاصين من ذرية آدم، أو يحتج بأنه ينفذ أوامر الله الواردة في قوله تعالى:

{واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا "64"}
(سورة الإسراء)


فليست هذه أوامر يراد تنفيذها؛ لأن هناك فرقاً بين الأمر الذي يراد منه تنفيذ الفعل، والأمر الذي لا يراد منه التنفيذ. فالأول طلب أعلى من أدنى لكي يفعل: اكتب، اجلس. لكن إذا اتجه الأمر إلى غير مطلوبٍ عادة من العقلاء ينصرف عن الأمر إلى معنى آخر.
وهذا كما تقول لولدك مراراً: ذاكر دروسك واجتهد، وإذا به لا يهتم ولا يستجيب فتقول له: العب كما تشاء، فهل تقصد ظاهر هذا الأمر؟! وهل لو أخفق الولد في الامتحان سيأتي ليقول لك: يا والدي لقد قلت لي العب؟!
إن الأمر هنا لا يؤخذ على ظاهره، بل يراد منه التهديد، كما يقولون في المثل (أعلى ما في خيلك اركبه).


 

قديم 21-10-2011, 10:33 AM   #628
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 64

(واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا "64" )
فقوله تعالى:

{واستفزز من استطعت منهم بصوتك .. "64"}
(سورة الإسراء)


هذا كما تستنهض ولدك الذي تكاسل، وتقول له: فز يعني انهض، وقم من الأرض التي تلازمها كأنها ممسكة بك، وكما في قوله تعالى:

{يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض .. "38" }
(سورة التوبة)


فتقول للمتثاقل عن القيام: فز أي: قم وخف للحركة والقيام بإذعان. فالمعنى: استفزز من استطعت واستخفهم واخدعهم (بصوتك) بوسوستك أو بصوتك الشرير، سواء أكان هذا الصوت من جنودك من الأبالسة أمثالك، أو من جنودك من شياطين الإنس الذين يعاونوك ويساندونك.
ثم يقول تعالى:

{وأجلب عليهم بخيلك ورجلك .. "64"}
(سورة الإسراء)


أجلب عليهم: صاح به، وأجلب على الجواد: صاح به راكبه ليسرع والجلبة هي: الصوت المزعج الشديد، وما أشبه الجلبة بما نسمعه من صوت جنود الصاعقة مثلاً أثناء الهجوم، أو من أبطال الكاراتيه.
وهذه الأصوات مقصودة لإرهاب الخصم وإزعاجه، وأيضاً لأن هذه الصيحات تأخذ شيئاً من انتباه الخصم، فيضعف تدبيره لحركة مضادة، فيسل عليك التغلب عليه.
وقوله تعالى:

{بخيلك ورجلك .. "64"}
(سورة الإسراء)


أي: صوت وصح بهم راكباً الخيل لتفزعهم، والعرب تطلق الخيل وتريد بها الفرسان، كما في الحديث النبوي الشريف: "يا خيل الله اركبي".
وما أشبه هذا بما كنا نسميهم: سلاح الفرسان (ورجلك) من قولهم: جاء راجلاً. يعني: ماشياً على رجليه و(رجل) يعني على سبيل الاستمرار، وكأن هذا عمله وديدنه، فهي تدل على الصفة الملازمة، تقول: فلان رجل أي: دائماً يسير مترجلاً. مثل: حاذر وحذر، وهؤلاء يمثلون الآن "سلاح المشاة".
ثم يقول تعالى:

{وشاركهم في الأموال .. "64"}
(سورة الإسراء)


فكيف يشاركهم أموالهم؟ بأن يزين لهم المال الحرام، فيكتسبوا من الحرام وينفقوا في الحرام (والأولاد) المفروض في الأولاد طهارة الأنساب، فدور الشيطان أن يفسد على الناس أنسابهم، ويزين لهم الزنا، فيأتون بأولاد من الحرام. أو: يزين لهم تهويد الأولاد، أو تنصيرهم، أو يغريهم بقتل الأولاد مخافة الفقر أو غيره، هذا من مشاركة الشيطان في الأولاد.
وقوله تعالى (وعدهم) أي: منيهم بأمانيك الكاذبة، كما قال سبحانه في آية أخرى:

{الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم "268"}
(سورة البقرة)


وقوله:

{وما يعدهم الشيطان إلا غرورا "64"}
(سورة الإسراء)


 

قديم 21-10-2011, 10:35 AM   #629
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 65

(إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا "65")
سبق أن تحدثنا عن الفرق بين العباد والعبيد، وقلنا كلاماً نوجزه في أن العبيد هم المقهورون للسيد في الأمور القسرية القهرية، ومتمردون عليه في الأمور الاختيارية، أما العباد فهم مقهورون في الأمور القسرية القهرية، وتنازلوا أيضاً عن مرادهم في الأمور الاختيارية لمراد ربهم، فرضوا أن يكونوا مقهورين لله في جميع أحوالهم.
وقد تحدث الحق سبحانه عن عباده وأصفيائه، كما في قوله تعالى:

{وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما "63" والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما "64" والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما "65"}
(سورة الفرقان)


فعباد الله الذين هم أصفياؤه وأحباؤه الذين خرجوا من مرادهم لمراده، وفضلوا أن يكونوا مقهورين لربهم حتى في الاختيار، فاستحقوا هذه الحصانة الإلهية في مواجهة كيد الشيطان ووسوسته وغروره:

{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان .. "65" }
(سورة الإسراء)


وسبق أن تحدثنا عن كيد الشيطان الذي قال الله عنه:

{إن كيد الشيطان كان ضعيفاً "65"}
(سورة الإسراء)


ففي محاجته يوم القيام أمام ضحاياه الذين أغواهم وأضلهم، سيقول:

{وما كان لي عليكم من سلطان إلا دعوتكم فاستجبتم لي .. "22" }
(سورة إبراهيم)


فليس لي سلطان قهر أحملكم به على المعصية، ولا سلطان حجة وبرهان فأقنعكم بها. ثم يقول تعالى:

{وكفى بربك وكيلاً "65"}
(سورة الإسراء)


 

قديم 21-10-2011, 03:46 PM   #630
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 67

(وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا "67" )
البحر هو المزنق والضائقة التي لا يستطيع الخلاص منها إن أصابه فيه سوء، فالبر منافذ النجاة فيه متعددة، أما البحر فلا نجاة فيه إلا بعناية الله، يقول تعالى:

{حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين .. "22" }
(سورة يونس)


وهكذا الإنسان حتى الكافر، إذا ضاقت به الحيل ولم يجد منفذاً يلجأ إلى الله المنفذ الحقيقي والمفرج للكرب، والإنسان عادة لا يسلم نفسه ويظل متعلقاً بالأمل في النجاة.
فقوله تعالى:

{وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه .. "67"}
(سورة الإسراء)


أي: أحاط بهم الخطر بالريح العاصف أو الموج العالي، وأحسوا بخطورة الموقف ولا منقذ لهم إلا الله، حتى الكفار في هذا الموقف يصدقون مع أنفسهم، ولا يخدعونها ولا يكذبون عليها، فإن آمنوا بآلهة أخرى وإن عبدوا الأصنام والأوثان، فإنهم في هذا الضيق لا يلجأون إلا إلى الله، ولا يدعون إلا الله؛ لأنهم يعلمون تماماً أن آلهتهم لا تسمع ولا تجيب، ولا تملك لهم نفعاً ولا نجاة.
قوله تعالى:

{ضل من تدعون .. "67"}
(سورة الإسراء)


أي: ذهب عن بالكم من اتخذتموهم آلهة، وغابوا عن خاطركم، فلن يقولوا هنا يا هبل؛ لأنهم لن يغشوا أنفسهم، ولن ينساقوا وراء كذبهم في هذا الوقت العصيب.
إنهم في هذا الضيق لن يتذكروا آلهتهم، ولن تخطر لهم ببال أبداً؛ لأن مجرد تذكرهم يضعف ثقتهم في الله الذي يملك وحده النجاة، والذي يطلبون منه العون.
وسبق أن أوضحنا هذه المسألة بقصة حلاق الصحة في الريف الذي يتولى علاج البسطاء، ويدعي العلم والخبرة، فإذا ما مرض ولده فإنه يسرع به إلى الطبيب، لأنه إن خدع الناس فلن يخدع نفسه، وإن كذبهم عليهم فلن يكذب على نفسه.
وكذلك الإنسان لا يبيع نفسه رخيصاً، فإن أحاطت به الأخطار لا يلجأ إلا إلى الله؛ لأنه وحده القادر على تفريج الكروب وإغاثة الملهوف، حتى وإن كان كافراً؛ لأنه سبحانه هو الذي أمره أن يلجأ إليه، وأن يدعوه، فقال:

{فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا .. "43"}
(سورة الأنعام)


فإن دعوه سمع لهم وأجابهم على كفرهم وعنادهم؛ لأنهم عباده وخلقه وصنعته، فما أرحمه سبحانه حتى بيمن كفر به!
لذلك قال رب العزة في الحديث القدسي: "قالت الأرض: يا رب إئذن لي أن أخسف بابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، وقالت السماء: يا رب إئذن لي أن أسقط كسفاً على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، وقالت الجبال: يا رب إئذن لي أن أخر على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، وقالت البحار: يا رب إئذن لي أن أغرق ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك. فقال تعالى: دعوني وما خلقت، لو خلقتموهم لرحمتموهم، فإنهم عبادي، فإن تابوا إلي فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم".
لقد غفر لهم الحق سبحانه أن يعبدوه غيره، وأن يؤذوا النبوة، وأن يقفوا في وجه الدعوة، غفر لهم لأنه رب، ومادام رباً فهو رحيم، فتضرعوا إليه ودعوه، فلما نجاهم إلى البر أعرضوا، وعادوا لما كانوا عليه وتنكروا للجميل والمعروف؛ لذلك يقول تعالى بعدها:

{وكان الإنسان كفوراً "67" }
(سورة الإسراء)


وكفور: صيغة مبالغة من الكفر، أي: كثير الكفر للنعمة، وليته كفر بنعمة الخلق فقال: إنه أتى هكذا من فعل الطبيعة، إنما كفر بنعمة ملموسة مشاهدة عاش مأزقها، وقاسى خطرها، ثم إذا نجاه الله أعرض وتمرد، وهذا من طبيعة الإنسان.


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:59 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا