المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 21-10-2011, 03:47 PM   #631
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 68

(أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا "68" )
فهؤلاء الذين أعرضوا عن الله بعد إذ نجاهم في البحر أأمنوا مكر الله في البر؟ وهل الخطر في البحر فقط؟ وأليس الله تعالى بقادر على أن ينزل بهم في البر مثل ما أنزل بهم في البحر؟ يقول تعالى:

{أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر .. "68"}
(سورة الإسراء)


كما قال تعالى في شأن قارون:

{فخسفنا به وبداره الأرض .. "81" }
(سورة القصص)


ولستم ببعدين عن هذا إن أراده الله لكم، وإن كنا نقول "البر أمان" فهذا فيما بيننا وبين بعضنا، أما إن جاء أمر الله فلن يمنعنا منه مانع.
وقوله تعالى:

{أو يرسل عليكم حاصباً .. "68"}
(سورة الإسراء)


أي: ريحاً تحمل الحصباء، وترجمكم بها رجماً، والحصباء الحصى الصغار، وهي لون من ألوان العذاب الذي لا يدفع ولا يرد؛ لذلك قال بعدها:

{ثم لا تجدوا لكم وكيلاً "68" }
(سورة الإسراء)


 

قديم 21-10-2011, 03:47 PM   #632
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 69

(أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا "69" )
أي: وإن نجاكم من خطر البحر، فلا مجال للأمن في البر؛ لأنه قادر سبحانه أن يذيقكم بأسه في البر، أو يعيدكم في البحر مرة أخرى، ويوقعكم فيما أوقعكم فيه من كرب في المرة الأولى، فالمعنى: أنجوتم فأمنتم.
وقوله تعالى:

{فيرسل عليكم قاصفاً من الريح .. "69"}
(سورة الإسراء)


القاصف: هو الذي يقصف بعنف وشدة، ولا يكون إلا في اليابس

{فيغرقكم بما كفرتم .. "69"}
(سورة الإسراء)


أي: بسبب كفركم بنعمة الله، وجحودكم لفضله، فقد نجاكم في البحر فأعرضتم وتمردتم، في حين كان عليكم أن تعترفوا لله بالجميل، وتقروا له بالفضل.
ثم يقول تعالى:

{ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً "69"}
(سورة الإسراء)


عندنا تابع وتبيع، التابع: هو الذي يتبعك لعمل شيء فيك، أما التبيع: فهو الذي يتوالى تتبعك، ويبحث عنك لأخذ ثأره منك. فالمعنى: إن فعلنا بكم هذه الأفعال فلن تجدوا لكم تبيعاً يأخذ بثأركم أو ينتقم لكم، إذن: لا أمل لكم في ناصر ينصركم، أو مدافع يحميكم.
وكأن الحق سبحانه وتعالى يقول: أنا لا أخاف رد الفعل منكم، والإنسان يحجم عن الفعل مخافة رد الفعل، ويجلس يفكر طويلاً: إذا ضربت فلاناً فسيأتي أهله ويفعلون بي كذا وكذا، أما الحق سبحانه وتعالى فلا أحد يستطيع رداً على انتقامه أو عذابه.


 

قديم 21-10-2011, 03:47 PM   #633
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 70

(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا "70" )
وهل هناك تكريم لبني آدم أعظم من أن يعد لهم مقومات حياتهم قبل أن يخلقهم؟ لقد رتب لهم الكون وخلق من أجلهم الأشياء

{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً .. "29"}
(سورة البقرة)


إذن: فكل ما في الوجود مسخر لكم من قبل أن توجدوا؛ لأن خلق الله تعالى إما خادم وإما مخدوم، وأنت أيها الإنسان مخدوم من كل أجناس الكون حتى من الملائكة، ألم يقل الحق سبحانه:

{له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله .. "11"}
(سورة الرعد)


وقال تعالى:

{فالمدبرات أمراً "5" }
(سورة النازعات)


فالكون كله يدور من أجلك وفي خدمتك، يعطيك عطاءً دائماً لا ينقطع دون سعي منك، لذلك نقول: كان من الواجب على العقل المجرد أن يقف وقفه تأمل وتفكر؛ ليصل إلى حل للغز الكون، وليهتدي إلى أن له خالقاً مبدعاً، يكفي أن انظر إلى آيات الله التي تخدمني، وليس له قدرة عليها، وليست تحت سيطرتي، فالشمس والقمر والنجوم والأرض والهواء والماء والمطر والسحاب كلها تعطيني وتمدني دون قدرة لي عليها، أليس من الواجب عليك عدلاً أن تقول: من الذي أعد لي كل هذه الأشياء التي ما ادعاها أحد لنفسه؟
فإذا ما صاح صائح منك أيها الإنسان وقال: أنا رسول من الرب الذي خلق لكم كل هذه المخلوقات، كان يجب عليكم أن ترهفوا له السمع لتسمعوا ما جاء به؛ لأنه سوف يحل لكم هذا اللغز الذي حيركم.
وسبق أن ضربنا مثلاً لذلك بالرجل الذي انقطعت به السبل في الصحراء حتى أشرف على الهلاك، فإذا هو بمائدة معدة بأطايب الطعام والشراب، أليس حرياً به قبل أن تمتد يده إليها أن يفكر كيف أتته؟
إذن: كان على الإنسان أن يعمل عقله وفكره في معطيات الكون التي تخدمه وتسخر من أجله، وهي لا تأتمر بأمره ولا تخضع لقدرته.
ولقد اختلف العلماء في بيان أوجه التكريم في الإنسان، فمنهم من قال: كرم بالعقل، وآخر قال: كرم بالتمييز، وآخر قال: كرم بالاختيار، ومنهم من قال: كرم الإنسان بأنه يسير مرفوع القامة لا منحنياً إلى الأرض كالبهائم، ومنهم من يرى أنه كرم بشكل الأصابع وتناسقها في شكل بديع يسمح لها بالحركة السلسة في تناول الأشياء، ومنهم من يرى أنه كرم بأن يأكل بيده لا بفمه كالحيوان. وهكذا كان لكل واحد منهم ملحظ في التكريم.
ولنا في مسألة التكريم هذه ملحظ كنت أود أن يلتفت إليه العلماء، ألا وهو: أن الحق سبحانه خلق الكون كله بكلمة (كن) إلا آدم، فقد خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه، قال تعالى:

{يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي "75"}
(سورة ص)


وقال:

{فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "29"}
(سورة الحجر)


 

قديم 21-10-2011, 03:48 PM   #634
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 71

(يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً "71" )
أي: يوم القيامة، والداعي هو المنادي، والناس هم المدعوون، والنداء على الناس في هذا اليوم لا يكون بفلان بن فلان، بل ينادي القوم بإمامهم أي: برسولهم، فيقال: يا أمة محمد، يا أمة عيسى، يا أمة موسى، يا أمة إبراهيم.
ثم يفصل هذا الإجمال، فتنادى كل جماعة بمن بلغها وهداهم ودلهم ليغري الناس بنقل الفضل العلمي من أنفسهم إلى غيرهم.
وقال بعضهم (بإمامهم) أي: بأمهاتهم، وفي دعاء الناس بأمهاتهم في هذا الموقف تكريم لعيسى عليه السلام أولاً، وستر على أولاد الإثم ثانياً، حتى لا يفضحوا على رؤوس الأشهاد في مثل هذا الموقف. ثم يقول تعالى:

{فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً "71"}
(سورة الإسراء)


فكونه أخذ كتابه بيمينه، فهذه بشارة الخير وبداية السلامة، فإذا به يسارع إلى قراءته، بل ويتباهى به بين الناس قائلاً:

{هاؤم اقرءوا كتابيه "19"}
(سورة الحاقة)


إنه مسرور بعمله الصالح الذي يحب أن يطلع عليه الناس، وقوله تعالى:

{ولا يظلمون فتيلاً "71"}
(سورة الإسراء)


الظلم أن تأخذ من خير غيرك مما ليس عندك، إذن: فعندك نقص في شيء تريد أن تحصل عليه ظلماً، إذن: فماذا ينقص الحق سبحانه وتعالى حتى يظلم الخلق؟! إن الخلق يتصفون بالظلم؛ لأن الإنسان عادة لا يرضى بما قسم الله له؛ لذلك يشعر بالنقص فيظلم غيره، أما الله عز وجل فهو الغني عن الخلق، فكيف يظلمهم؟ وهم جميعاً بما يملكون هبة منه سبحانه.
ومعنى (فتيلاً) عادة يضرب الحق سبحانه وتعالى الأمثال في القرآن بالمألوف عند العرب وفي بيئتهم، ومن مألوفات العرب التمر، وهو غذاؤهم المفضل والعلف لماشيتهم، ومن التمر أخذ القرآن النقير والقطمير والفتيل، وهي ثلاثة أشياء تجدها في نواة الثمرة، وقد استخدمها القرآن في تمثيل الشيء الضئيل القليل.
فالنقير: هو تجويف صغير في ظهر النواة مثل النقطة.
والقطمير: هو اللفافة الرقيقة الشفافة بين الثمرة والنواة.
والفتيل: هو غلالة رقيقة تشبه الخيط في بطن النواة.
فمعنى:

{ولا يظلمون فتيلاً "71"}
(سورة الإسراء)


أنه سبحانه وتعالى لا يظلم الناس أبداً، فهو سبحانه منزه عن الظلم مهما تناهى في الصغر. وفي مقابل من أوتي كتابه بيمينه لم تذكر الآية من أوتي كتابه بشماله، كما جاء في قوله تعالى:

{وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه "25"}
(سورة الحاقة)


وفي آية أخرى قال:

{وأما من أوتي كتابه وراء ظهره "10"}
(سورة الانشقاق)



 

قديم 21-10-2011, 03:48 PM   #635
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 72

(ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً "72" )
وهذا هو المقابل لمن أخذ كتابه بيمينه؛ لأنه عميت بصيرته في الدنيا فعمى في الآخرة، وطالما هو كذلك فلاشك أنه من أهل الشمال، فالآيات ذكرت مرة السبب، وذكرت مرة المسبب، ليلتقي السبب والمسبب، وهو ما يعرف باسم الاحتباك البلاغي.
فكأن الحق سبحانه قال: إن من أوتي كتابه بيمينه وقرأه وتباهى به لم يكن أعمى في دنياه، بل كان بصيراً واعياً، فاهتدى إلى منهج الله وسار عليه، فكانت هذه نهايته وهذا جزاءه.
أما من أوتي كتابه بشماله فقد كان أعمى في الدنيا عمى بصيرة لا عمى بصر؛ لأن عمى البصر حجب الأداة الباصرة عن إدراك المرائي، والكافرون في الدنيا كانوا مبصرين للمرائي من حولهم. مدركين لماديات الحياة، أما بصيرتهم فقد طمس عليها فلا ترى خيراً، ولا تهتدي إلى صلاح.
وسبق أن قلنا: إن الإنسان لكي يسير في رحلة الحياة على هدى لابد له من بصر يرى به المرائي المادية، حتى لا يصطدم بأقوى منه فيتحطم أو بأضعف منه فيحطمه، والبصر للمؤمن والكافر من عطاء الربوبية للإنسان. لكن إلى جانب البصر هناك عطاء آخر هو ثمرة من ثمار عطاء الألوهية الذي لا يكون إلا للمؤمن، ألا وهو البصيرة، بصيرة القيم التي يكتسبها الإنسان من منهج الله الذي آمن به وسار على هديه.
وقوله:

{فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً "72"}
(سورة الإسراء)


إن كان عماه في الدنيا عمى بصيرة، فعماه في الآخرة عمى بصر؛ لأن البصيرة مطلوبة منه في الدنيا فقط؛ لأن بها سيعرف الخير من الشر، وعليها يترتب العمل، وليست الآخرة مجال عمل، إذن: العمى في الآخرة عمى البصر، كما قال تعالى في آية أخرى:

{فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى "123" ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى "124"}
(سورة طه)


وقال عنهم في آية أخرى:

{ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصماً .. "97"}
(سورة الإسراء)


لكن قد يقول قائل: هناك آيات أخرى تثبت لهم الرؤية في الآخرة، مثل قوله تعالى:

{حتى إذا رأوا ما يوعدون .. "75"}
(سورة مريم)


وقوله تعالى:

{ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها .. "53"}
(سورة الكهف)


وللجميع بين هذه الآيات وللتوفيق بينها نقول: للكفار يوم القيامة في مجال الرؤية البصرية حالتان: الأولى عند القيام وهول المحشر يكونون عمياً وبكماً وصماً لتزداد حيرتهم ويشتد بهم الفزع حيث هم في هذا الكرب الشديد، ولكن لا يعرف ما يحدث ولا أين المهرب، ولا يستمعون من أحد كلمة، وهكذا هم في كرب وحيرة لا يدرون شيئاً. وهذه حالة العمي البصري عندهم.
أما الحالة الثانية وهي الرؤية، فتكون عندما يتجلى الحق تبارك وتعالى لأهل الموقف ويكشف الغطاء عن نفسه سبحانه، فهنا يصير الكافر حاد البصر، ليرى مكانه من النار. ولابد لنا هنا أن نلحظ أن ألفاظ اللغة قد يكون اللفظ واحداً ولكن يختلف السياق، ففي قوله تعالى:

{ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً "72"}
(سورة الإسراء)


فلفظ (أعمى) واحد، لكن في الآخرة قال (وأضل سبيلاً) إذن: لابد أن عمى الدنيا أقل من عمى الآخرة، كما تقول: هذا خير. فمقابل خير: شر. أما لو قلت: هذا خير من هذا فقد فضلت الأول في الخيرية عن الثاني، إذن: كلمة خير إما أن تأتي وصفاً، وإما أن تأتي تفضيلاً.
ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير". فالمراد أن المؤمن القوي أكثر في الخيرية. إذن: فكلمة:

{فهو في الآخرة أعمى .. "72"}
(سورة الإسراء)
ليست وصفاً، وإنما تفضيل لعمى الآخرة على عمى الدنيا، أي أنه في الآخرة أشد عمى. وقوله تعالى:

{وأضل سبيلاً "72" }
(سورة الإسراء)


ومعلوم أنه كان ضالاً في الدنيا، فكيف يكون أضل في الآخرة؟
قالوا: لأن ضلاله في الدنيا كان يمكن تداركه بالرجوع إلى المنهج والعودة إلى الطريق السوي، أما في الآخرة فضلاله لا يمكن تداركه، فقد انتهى وقت الاختيار، إذن: فضلاله في الآخرة أشد وأعظم من ضلاله في الدنيا.


 

قديم 21-10-2011, 03:48 PM   #636
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 73

(وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلاً "73" )
وهذه خبيثة جديدة من خبائثهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا يحاولون جادين أن يصرفوا رسول الله عما بعثه الله به، فمرة يقولون له: دع آلهتنا نتمتع بها سنة ونأخذ الغنائم من ورائها وتحرم لنا بلدنا ـ أي: ثقيف ـ كما حرمت مكة. ومرة يقولون له: لا تستلم الحجر ويمنعونه من استلامه حتى يستلم آلهتهم أولاً.
ومعنى (كادوا) أي قاربوا، والمقاربة غير الفعل، فالمقاربة مشروع فعل وتخطيط له، لكنه لم يحدث، إنهم قاربوا أن يفتنوك عن الذي أنزل إليك لكن لم يحدث؛ لأن محاولاتهم كانت من بعيد، فهي تحوي حول فتنتك عن الدين، كما قالوا مثلاً: نعبد إلهك سنة، و تعبد آلهتنا سنة. ومعنى: (ليفتنونك) ليحولونك ويصرفونك عما أنزل الله إليك، لماذا؟

{لتفتري علينا غيره .. "73"}
(سورة الإسراء)


كما حكى القرآن عنهم في آية أخرى:

{ائت بقرآن غير هذا أو بدله .. "15"}
(سورة يونس)


فيكون الجواب من الحق سبحانه:

{قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيمٍ "15"}
(سورة يونس)


وقال تعالى:

{لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون "16"}
(سورة يونس)


ونلاحظ في مثل هذا الموقف أن الحق سبحانه يتحمل العنت عن رسوله، وينقل المسألة من ساحة الرسول إلى ساحته تعالى، لكي لا تكون عداوة بين محمد وقومه، فالأمر ليس من عند محمد بل من عند الله، يقول تعالى:

{قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون "33"}
(سورة الأنعام)


فلا تحزن يا محمد، فأنت مصدق عندهم، لكن المسألة عندي أنا، وهكذا يتحمل الحق سبحانه الموقف عن رسوله حتى لا يحمل القوم ضغينة لرسول الله:
ثم يقول تعالى:

{وإذاً لأتخذوك خليلاً "73"}
(سورة الإسراء)


الخليل: هو المخال الذي بينك وبينه حب ومودة، بحيث يتخلل كل منكما الآخر ويتغلغل فيه، ومنه قوله تعالى في إبراهيم:

{واتخذ الله إبراهيم خليلاً "125"}
(سورة النساء)


ومنه قول الشاعر:
ولما التقينا قرب الشوق جهده خليلين ذابا لوعة وعتابا
كأن خليلاً في خـلال خليله تسرب أثناء العناق وغابا
فإذا ما تقابل الخليلان ذاب كل منهما في صاحبه أو تخلله ودخل فيه.
فالمعنى: لو أنك تنازلت عن المنهج الذي جاءك من الله لصرت خليلاً لهم، كما كنت خليلاً لهم من قبل، وكانوا يحبونك ويقولون عنك "الصادق الأمين". إذن: الذي جعلهم في حالة عداء لك هو منهج الله جئت به، فلو تنازلت عنه أو تهاونت فيه فسوف يتخذونك خليلاً، فلا تكن خليلاً لهم بل خليلاً لربك الذي أرسلك.


 

قديم 21-10-2011, 03:49 PM   #637
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 74

(ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلاً"74" )
(ولولا) أداة شرط إن دخلت على الجملة الاسمية، وتفيد امتناع وجود الجواب لوجود الشرط، ويسمونها حرف امتناع لوجود، كما لو قلت: لولا زيد عندك لزرتك، فقد امتنعت الزيارة لوجود زيد.
فإن دخلت (لولا) على الجملة الفعلية أفادت الحث والحض، كما في قوله تعالى:

{لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء .. "13"}
(سورة النور)


و(لولا) في الآية دخلت على جملة اسمية؛ لأن (أن) بعدها مصدرية، فالمعنى: لولا تثبتنا لك لقاربت أن تركن إليهم شيئاً قليلاً.
والمتأمل في هذه الآية يجدها تحتاط لرسول الله عدة احتياطات، فلم تقل: لولا تثبتنا لك لركنت إليهم، لا، بل لقاربت أن تركن فمنعت مجرد المقاربة، أما الركون فهو أمر بعيد وممنوع نهائياً وغير متصور من رسول الله، ومع ذلك أكد سبحانه وتعالى هذا المعنى بقوله:

{شيئاً قليلاً "74"}
(سورة الإسراء)


أي: ركوناً قليلاً.
مما يدل على أن طبيعته صلى الله عليه وسلم ـ حتى دون الوحي من الله ـ طبيعة سليمة بفطرتها، فلو تصورنا عدم التثبيت له من الله ماذا كان يحدث منه؟ يحدث مجرد (كاد) أو (قرب) أن يركن إليهم شيئاً قليلاً، وقلنا: إن المقارنة تعني مشروع فعل، لكنه لم يحدث، مما يدل على أن لرسول الله ذاتية مستقلة. ومعنى

{ثبتناك .. "75"}
(سورة الإسراء)


التثبيت هو منع المثبت أن يتأرجح، لذلك نقول للمتحرك: اثبت.
ومعنى: (تركن) من ركون الإنسان إلى شيء يعتصم به ويحتمي، والناس يبنون الحوائط ليحموا بها ممتلكاتهم، وإذا احتمى الإنسان بجدار فأسند ظهره إليه مثلاً فقد حمى ظهره فقط، وأمن أن يأتيه أحد من ورائه، فإن أراد أن يحمي جميع جهاته الأربع، فعليه أن يلجأ إلى ركن وأن يسند ظهره إلى الركن فيأمن من أمامه، ويحتمي بجدار عن يمينه وجدار عن شماله. إذن: الركون أن تذهب إلى حرز يمنعك من جميع جهاتك.
ومن الركون قوله تعالى عن لوط عليه السلام مع قومه:

{لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركنٍ شديدٍ "80"}
(سورة هود)


أي: احتمي به وألجأ إليه.
والحق سبحانه في هذه الآيات يريد أن يستل السخيمة على محمد صلى الله عليه وسلم من قلوب أعدائه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على هدايتهم وتأليف قلوبهم، وقد كان يشق على نفسه ويحملها ما لا يطيق في سبيل هذه الغاية، ومن ذلك ما حدث من تركه عبد الله بن أم مكتوم الذي جاءه سائلاً، وانصرافه عنه إلى صناديد قريش؛ لذلك عتب عليه ربه تبارك وتعالى لأنه شق على نفسه.
وكأن الحق تبارك وتعالى في هذه الآية يقول: يا قوم إن لم يوافقكم محمد على ما كنتم تريدون منه الانصراف عما أنزل إليه من ربه، فاعذروه؛ لأن الأمر عندي والتثبيت مني، ولا ذنب لمحمد فيما خالفكم فيه، كما لو كان عندك خادم مثلاً ارتكب خطأ ما، فأردت أن تتحمل عنه المسئولية، فقلت: أنا الذي كلفته بهذا وأمرته به، فالأمر عندي وليس للخادم ذنب فيما فعل.


 

قديم 21-10-2011, 03:49 PM   #638
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 75

(إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً "75" )
(إذاً) أي: لو كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات، وبهذا التهديد يرفع الحق سبحانه سخيمة الكره من صدور القوم لمحمد، وينقلها له سبحانه وتعالى. ومعنى

{ضعف الحياة وضعف الممات .. "75"}
(سورة الإسراء)


الضعف: مضاعفة الشيء مرة أخرى. أي: قدر الشيء مرتين، ولا يذاق في الحياة إلا العذاب، فالمراد: لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات، لكن لماذا يضاعف العذاب في حق محمد صلى الله عليه وسلم؟
قالوا: لأنه أسوة كبيرة وقدوة يقتدي الناس بها، ويستحيل في حقه هذا الفعل، ولا يتصور منه صلى الله عليه وسلم، لكن على اعتبار أن ذلك حدث منه فسوف يضاعف له العذاب، كما قال تعالى في نساء النبي:

{يا نساء النبي من يأت منكم بفاحشةٍ مبينةٍ يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً "30"}
(سورة الأحزاب)


ذلك لأنهن بيت النبوة وأمهات المؤمنين، وهن أسوة لغيرهن من نساء المسلمين، وكلما ارتفع مقام الإنسان في مركز الدعوة إلى الله وجب عليه أن يتبرأ عن الشبهة؛ لأنه سيكون أسوة فعل، فإن ضل فلن يضل في ذاته فقط، بل سيضل معه غيره، ومن هنا شدد الله العقوبة وضاعفها للنبي ولزوجاته.
وقد اختار الحق سبحانه لفظ (لأذقناك)؛ لأن الإذاقة من الذوق، وهو أعم الملكات شيوعاً في النفس، فأنت ترى بعينك وتسمع بأذنك وشتم بأنفك، لكن المذاق تشترك فيه كل الملكات. ثم يقول تعالى:

{ثم لا تجد لك علينا نصيراً "75"}
(سورة الإسراء)


أي: لا تجد مدافعاً يدافع عنك؛ أو ناصراً ينصرك؛ لأن مددك مني وحدي، فكيف يكون لك ناصر من دوني؟


 

قديم 21-10-2011, 03:49 PM   #639
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 76

(وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً"76" )
وهنا أيضاً قوله تعالى (كادوا) أي: قاربوا، فهم لا يجرؤون على الفعل، ولا يستطيعون، فالأمر مجرد القرب من الفعل، فإنهم سيحاولون إخراجك، لكنك لن تخرج إلا بأمري وتقديري. وقوله تعالى:

{ليستفزونك من الأرض .. "76"}
(سورة الإسراء)


من استفزه أي: طلب منه النهوض والخفة إلى الفعل، كما تقول لولدك المتثاقل: (فز) أي: قم وانهض، والمراد: يستحثونك على الخروج (من الأرض) من مكة بإيذائهم لك، وعنتهم معك ليحملوك على الخروج، ويكرهوك في الإقامة بها.
وكفار مكة يعلمون أن في خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة راحة لهم، وحتى لا يكون أسوة لعبيدهم ولضعاف القوم الذين أحبوه، ومالوا لاعتناق دينه والإيمان به. ثم يقول تعالى:

{وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً "76"}
(سورة الإسراء)



 

قديم 21-10-2011, 03:49 PM   #640
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 77

(سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلاً"77" )
يوضح الحق تبارك وتعالى أن ما حدث هو سنة من سنن الله في الرسل، كما قال تعالى:

{ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين "171" إنهم لهم المنصورون "172" وإن جندنا لهم الغالبون "173"}
(سورة الصافات)


فكأن ليهم أن يأخذوا عبرة من الرسل السابقين، وبما حل بأعدائهم من عذاب الله، لقد أرسل الله الرسل فكذبوا وعودوا واضطهدوا، ومع ذلك نصرهم الله، وجعل لهم الغلبة.
والسنة: هي العادة والطريقة التي لا تتخلف ولا تتبدل؛ لذلك يقول بعدها:

{ولا تجد لسنتنا تحويلاً "77"}
(سورة الإسراء)


لأن السنة لا تتحول ولا تتبدل إلا بالأقوى الذي يأتي ليغير السنة بأخرى من عنده، فإذا كانت السنة من الله القوي بل الأقوى، فهو سبحانه وحده الذي يملك هذا التحويل، ولا يستطيع أحد أبداً تحويل سنة الله، فإذا قال سبحانه، فقوله الحق الذي لا يبدله أحد، ولا يعارضه أحد.
وبعد أن تكلم الحق سبحانه عن الإلهيات إيماناً بها، وعن النبوات تصديقاً لها، وعن القيامة ووجوب الإيمان بها وبما يحدث فيها من تناول الكتب، أراد سبحانه أن يأتي لنا بثمرة هذا المنهج وحصيلته النهائية، وهي أن يستقيم لنا منهج الحياة وتنضبط حركتنا فيها.
هذا المنهج الإلهي جاء في صورة أحكام، ولهذه الأحكام أركان أساسية جمعها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً".
إذن: هذه الأركان التي بني عليها الإسلام، لكن ما حظ المسلم من هذه الأركان؟ لو تأملت لوجدتنا نشترك كلنا في شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وفي الصلاة لأنها لا تسقط عن أحد لأي سبب، وهي المكررة في اليوم خمس مرات.
أما باقي الأركان وهي: الزكاة، والصوم، والحج فقد لا تنطبق شروطها على الجميع، فالفقير لا تفرض عليه زكاة أو حج، والمريض لا يفرض عليه الصوم. إذن: عندنا أركان للإسلام وأركان للمسلم التي هي: الشهادتان والصلاة، وقد يدخل فيها الزكاة أو الصوم أو الحج، فإذا أتى المسلم بجميع الأركان فقد اتفقت أركان الإسلام مع أركان المسلم.
وتلاحظ في هذه الأركان أن الشهادتين يكفي أن تقولهما وتشهد بهما ولو مرة واحدة، والزكاة والصوم والحج قد لا تنطبق عليك شروطها، فلم يبق إلا الصلاة؛ لذلك جعلها عماد الدين


 

قديم 21-10-2011, 03:50 PM   #641
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 78

(أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً"78" )
فالصلاة هي الفريضة الثابتة المتكررة التي لا تسقط عن المسلم بأي حال، وفيها إعلان ولاء للإيمان بالله كل يوم خمس مرات، وهي أيضاً تنتظم كل أركان الإسلام؛ لأنك في الصلاة تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فبدل أن كنت تقولها مرة واحدة هاأنت تقولها عدة مرات في كل صلاة، وهذا هو الركن الأول.
كما أنها تشتمل على الصوم؛ لأنك تصوم في أثناء الصلاة فتمتنع عن شهوتي البطن والفرج، وكذلك عن أي فعل غير أفعال الصلاة، وعن الكلام في غير ألفاظ الصلاة. إذن: في الصلاة صيام بالمعنى الأوسع للصوم.
وفي الصلاة زكاة؛ لأن المال الذي تكتسبه وتزكيه ناتج عن الحركة، والحركة فرع الوقت، وفي الصلاة تضحي بالوقت نفسه، فكأن الزكاة في الصلاة أبلغ. وكذلك في الصلاة حج؛ لأنك تتوجه فيها إلى كعبة الله، وتستحضرها في ذهنك وأمام ناظريك.
لذلك استحقت الصلاة أن تكون عماد الدين، ومن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين، ومن هنا جاءت الصلاة في أول هذه الأحكام، فقال تعالى:

{أقم الصلاة .. "78"}
(سورة الإسراء)


أي: أدها أداءً كاملاً في أوقاتها.
والصلاة لها ميزة عن كل أركان الإسلام؛ لأن كل تكليفات الإسلام جاءت بواسطة الوحي لرسول الله إلا الصلاة، فقد فرضت بالمباشرة مما يدل على أهميتها، وقد مثلنا لذلك ـ ولله المثل الأعلى ـ بالرئيس الذي يتصل بمرؤوسه تليفونياً ليأمره بشيء، فإذا كان هذا الشيء من الأهمية بمكان استدعاه إليه وأفهمه ما يريد.
وهكذا كانت الصلاة، فقد فرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أمته بالمباشرة لما لها من أهمية بين فراض الدين، ثم تولى جبريل عليه السلام تعليم رسول الله الصلاة، وعلمها رسول الله للناس، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
وقوله تعالى:

{لدلوك الشمس .. "78"}
(سورة الإسراء)


الحق سبحانه يريد أن يبين لنا مواقيت الصلاة. و(الدلوك) معناه: الزوال من حركة إلى حركة، ومنها قولنا: فلان (المدلكاتي) أي: الذي يتولى عملية التدليك، وتتحرك يده من مكان لمكان.
والمراد بدلوك الشمس: ميلها عن وسط السماء إلى ناحية الغرب، والإنسان يرى الأفق الواسع إذا نظر إلى السماء، فيراها على شكل قوس ممتد وعلى حسب نظره وقوته يرى الأفق، فإن كان نظره قوياً رأى الأفق واسعاً، وإن كان نظره ضعيفاً رأى الأفق ضيقاً؛ لذلك يقولون لقيل التفكير: ضيق الأفق.
وأنت حين تقف في مكانك وتنظر إلى السماء تراها على شكل نصف دائرة، وأنت مركزها، وساعة أن ترى الشمس عمودية عليكن فهذا وقت الزوال، فإذا ما انحرفت الشمس ناحية المغرب يقال: دلكت الشمس. أي: مالت ناحية المغرب، وهذا هو وقت الظهر.
والمتأمل في فرض الصلاة على رسول الله يجد أن الظهر هو أول وقت صلاه رسول الله؛ لأن الصلاة فرضت عليه في السماء في رحلة المعراج، وكانت بليل، فلما عاد صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الظهر، فكانت هي الصلاة الأولى.
ثم يقول تعالى:

{إلى غسق الليل .. "78"}
(سورة الإسراء)


أي: أقم الصلاة عند دلوك الشمس إلى متى؟ إلى غسق الليل أي: ظلمته، وفي الفترة من دلوك الشمس إلى ظلمة الليل تقع صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ولا يبقى إلى صلاة الصبح، فقال عنها سبحانه وتعالى:

{وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً "78"}
(سورة الإسراء)


 

قديم 21-10-2011, 03:50 PM   #642
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 79

(ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا "79" )
الهجود: هو النوم، وتهجد: أي أزاح النوم والهجود عن نفسه، وهذه خصوصية لرسول الله وزيادة على ما فرض على أمته، أن يتهجد لله في الليل، كما قال له ربه تعالى:

{يا أيها المزمل "1" قم الليل إلا قليلاً "2" نصفه أو انقص منه قليلاً "3" أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً "4"}
(سورة المزمل)


فهذه الخصوصية لرسول الله وإن كانت فرضاً عليه، إلا أنها ليست في قالب من حديد، بل له صلى الله عليه وسلم مساحة من الحرية في هذه العبادة، المهم أن يقول لله تعالى جزءاً من الليل، لكن ما علة هذه الزيادة في حق رسول الله؟ العلة في قوله تعالى:

{إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً "5"}
(سورة المزمل)


وكأن التهجد ليلاً، والوقوف بين يدي الله في هذا الوقت سيعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم القوة والطاقة اللازمة للقيام بهذه المسئولية الملقاة على عاتقه، ألا وهي مسئولية حمل المنهج وتبليغه للناس.
وفي الحديث الشريف "أن رسول الله كان كلما حزبه أمر قام إلى الصلاة"، ومعنى حزبه أمر: أي: ضاقت أسبابه عنه، ولم يعد له فيه منفذ، فإن ضاقت عليه الأسباب فليس أمامه إلا المسبب سبحانه يلجأ إليه ويهرع إلى نجدته

{إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً "6"}
(سورة المزمل)


لأنك في الوقت الذي ينام فيه الناس ويخلدون إلى الراحة وتتثاقل رؤوسهم عن العبادة، تقوم بين يدي ربك مناجياً متضرعاً، فتتنزل عليك من الرحمات والفيوضات، فمن قام من الناس في هذا الوقت واقتدى بك فله نصيب من هذه الرحمات، وحظ من هذه الفيوضات. ومن تثاقلت رأسه عن القيام فلا حظ له.
إذن: في قيام الليل قوة إيمانية وطاقة روحية، ولما كانت مهمة الرسول فوق مهمة الخلق كان حظه من قيام الليل أزيد من حظهم، فأعباء الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة، والعبء الثقيل يحتاج الاتصال بالحق الأحد القيوم، حتى يستعين بلقاء ربه على قضاء مصالحه.
ومن العجيب أن ينصرف المسلمون عن هذه السنة، ويتغافلون عنها، فإذا حزبهم أمر لا يهرعون إلى الصلاة، بل يتعللون، يقول أحدهم: أنا مشغول. وهل شغل الدنيا مبرر للتهاون في هذه الفريضة؟ ومن يدريك لعلك بالصلاة تفتح لك الأبواب، وتقضى في ساعة ما لا تقضيه في عدة أيام.
ونقول لهؤلاء الذين يتهاونون في الصلاة وتشغلهم الدنيا عنها، فإن صلوا صلوا قضاءً، فإن سألتهم قالوا: المشاغل كثيرة والوقت لا يكفي، فهل إذا أراد أحدهم الذهاب لقضاء حاجته، هل سيجد وقتاً لهذا؟ إنه لاشك واجد الوقت لمثل هذا الأمر، حتى وإن تكالبت عليه مشاغل الدنيا، فلماذا الصلاة هي التي لا تجد لها وقتاً؟!
وقوله تعالى:

{نافلة لك .. "79"}
(سورة الإسراء)


النافلة هي الزيادة عما فرض على الجميع (لك) أي: خاصة بك دون غيرك، وهذا هو مقام الإحسان الذي قال الله عنه:

{إن المتقين في جنات وعيون "15" آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين "16"}
(سورة الذاريات)


والمحسن هو الذي دخل مقام الإحسان، بأن يزيد على ما فرضه الله عليه، ومن جنس ما فرض؛ لذلك جاءت حيثية الإحسان:

{كانوا قليلا من الليل ما يهجعون "17" وبالأسحار هم يستغفرون "18"}
(سورة الذاريات)


وهذا المقام ليس فرضاً عليك، فلك أن تصلي العشاء وتنام حتى صلاة الفجر، لكن إن أردت أن تتأسى برسول الله وتتشبه به فادخل في مقام الإحسان على قدر استطاعتك.
ثم يقول تعالى:

{عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً "79"}
(سورة الإسراء)


تحدثت الآية في أولها عن التكليف، وهذا هو الجزاء، و(عسى) تدل على رجاء حدوث الفعل، وفرق بين التمني والرجاء، التمني: أن تعلن أنك تحب شيئاً لكنه غير ممكن الحدوث أو مستحيل، ومن ذلك قول الشاعر:
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها
فالشاعر يتمنى لو أصبحت الكواكب بين يديه فينظمها قصائد مدح فيمن يمدحه، وهذا أمر مستحيل الحدوث.
وقوله:
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب
أما الرجاء فهو طلب فعل ممكن الحدوث.
ويقع تحت الطلب أشياء متعددة؛ فإن طلب المتكلم من المخاطب شيئاً غير ممكن الحدوث فهو تمن، وإن طلب شيئاً ممكن الحدوث فهو ترج، وإن طلب صورة الشيء لا حقيقته فهو استفهام كما تقول: أين زيد؟ وفرق بين طلب الحقيقة وطلب الصورة.
فإن طلبت حقيقة الشيء، فأمامك حالتان: إما أن تطلب الحقيقة على أنها تفعل فهذا أمر، مثل: قم: فإن طلبتها على أنها لا تفعل فهذا نهي: لا تقم.إذن: (عسى) تدل على الرجاء، وهو يختلف باختلاف المرجو منه، فإن رجوت من فلان فقد يعطيك أو يخذلك، فإن قلت: عسى أن أعطيك فقد قربت الرجاء؛ لأنني أرجو من نفسي، لكن الإنسان بطبعه صاحب أغيار، ويمكن أن تطرأ عليه ظروف فلا يفي بما وعد.
فإن قلت: عسى الله أن يعطيك، فهو أقوى الرجاء؛ لأنك رجوت من لا يعجزه شيء، ولا يتعاظمه شيء، ولا تتناوله الأغيار إذن: فالرجاء فيه محقق لاشك فيه.
والمقام المحمود، كلمة محمود: أي الذي يقع عليه الحمد، والحمد هنا مشاع فلم يقل: محمود ممن؟ فهو محمود ممن يمكن أن يتأتى منه الحمد، محمود من الكل من لدن آدم، وحتى قيام الساعة.
والمراد بالمقام المحمود: هو مقام الشفاعة، حينما يقف الخلق في ساحة الحساب وهول الموقف وشدته، حتى ليتمنى الناس الانصراف ولو أن النار، ساعتها تستشفع كل أمة بنبيها، فيردها إلى أن يذهبوا إلى خاتم المرسلين وسيد الأنبياء، فيقول: أنا لها، أنا لها.
لذلك أمرنا صلى الله عليه وسلم أن ندعو بهذا الدعاء: "وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته" ولاشك أنه دعاء لصالحنا نحن.


 

قديم 21-10-2011, 03:50 PM   #643
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 80

(وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيراً"80" )
قوله تعالى:

{مدخل صدقٍ .. "80"}
(سورة الإسراء)


أي: من حيث النظرة العامة؛ لأنك قبل أن تدخل اطلب الخروج أولاً؛ لأنك لن تدخل إلا بعد أن تخرج. وإن كان الترتيب الطبيعي أن تقول: أخرجني مخرج صدق، وأدخلني مدخل صدق.
نقول: لا، لأن الدخول هو غاية الخروج، ولأن الخروج متروك والدخول مستقبل لك، إذن: الدخول هو الأهم فبدأ به. لذلك يقولون: إياك أن تخرج من أمر إلا إذا عرفت كيف تدخل.
ومعنى مخرج الصدق، ومدخل الصدق، أنك لا تدخل أو تخرج بدون هدف، فإن خرجت من مكان فليكن مخرجك مخرج صدق، يعني: مطابقاً لواقع مهمتك، وإن دخلت مكاناً فليكن دخولك مدخل صدق. أي: لهدف محدد تريد تحقيقه. فإن دخلت محلاً مثلاً فادخل لهدف، كشراء سلعة مثلاً، فهذا دخول صدق، أما لو دخلت دون هدف أو لتؤدي خلق الله، فليس في هذا دخول صدق.
إذن: يكون دخولك لله وخروجك لله، وهكذا خرج رسول الله من مكة ودخل المدينة، فكان خروجه لله ودخوله لله، فخرج مخرج صدق، ودخل مدخل صدق، لأنه صلى الله عليه وسلم ما خرج من مكة إلا لما آذاه قومه واضطهدوه وحاربوا دعوته حتى لم تعد التربة في مكة صالحة لنمو الدعوة، وما دخل المدينة إلا لما رأى النصرة والمؤازرة من أهلها.
فالصدق أن يطابق الواقع والسلوك ما في نفسك، فلا يكن لك قصور في نفسك، ولك حركة مخالفة لهذا القصد.
ثم يقول تعالى:

{واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً "80"}
(سورة الإسراء)


طلب النصرة من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أرسله بمنهج الحق، وسوف يصطدم هذا الحق بأهل الباطل والفساد الذين يحرصون على الباطل، وينتفعون بالفساد، وهؤلاء سوف يعادون الدعوة، ويجابهونها؛ لذلك توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه تعالى الذي أرسله واستعان به على مواجهة أعدائه.
وقوله تعالى:

{سلطاناً نصيراً "80"}
(سورة الإسراء)


السلطان: سبق أن أوضحنا أنه يراد به إما حجة تقنع، وإما سيف يردع، وهذا واضح في قوله الحق تبارك وتعالى:

{لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط .. "25"}
(سورة الحديد)


أي: بالآيات الواضحات، وهذه أدوات الحجة والإقناع. ثم يقول تعالى:

{وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس .. "25"}
(سورة الحديد)


وهذه أدوات القوة والردع.
فالخير من الناس يرتدع بقول الله وبقول الرسول ويستجيب، أما الشرير فلا تجدي معه الحجة، بل لابد من ردعه بالقوة، فالأول إن تعرض للحلف بالله حلف صادقاً، أما الآخر فإن تعرض للحلف حلف كاذباً، ووجدها فرصة للنجاة، ولسان حاله يقول: أتاك الفرج.


 

قديم 21-10-2011, 03:51 PM   #644
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 81

(وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً "81" )
هكذا أطلقها الحق سبحانه شعاراً مدوياً (جاء الحق) ومادام قال للرسول: (قل) فلابد أن الحق قادم لاشك فيه؛ لذلك أمره بهذه الأمر الصريح ولم يوسوسه له، وبعد ذلك يقولها رسول الله في عام الفتح، وعندما دخل مكة فاتحاً وحول البيت ثلاثمائة وستون صنماً فيكبكبهم جميعاً، وينادي: "جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق وزهق الباطل، وما يبدئ الباطل وما يعيد".
أي: جاء الحق واندحر الباطل، ولم يعد لديه القوة التي يبدئ بها و يعيد، فقد خمدت قواه ولم يبق له صولة ولا كلمة.
وقوله تعالى:

{جاء الحق وزهق الباطل .. "81"}
(سورة الإسراء)


يشعرنا بأن الحق أتي بنفسه؛ لأنه نسب المجيء إلى الحق كأنه أمر ذاتي فيه، فلم يأت به أحد، وكذلك في:

{وزهق الباطل .. "81"}
(سورة الإسراء)


فالباطل بطبيعته زاهق مندحر ضعيف لا بقاء له. ومن العجيب أن الحق الذي جاء على يد رسول الله في فتح مكة انتفع به حتى من لم يؤمن، ففي يوم الفتح تتجلى صورة من صور العظمة في دين الإسلام، حين يجمع رسول الله أهل مكة الذين عاندوا وتكبروا وأخرجوا رسول الله من أحب البلاد إليه، وهاهو اليوم يدخلها منتصراً ويوقفهم أمامه ويقول: "ما تظنون أني فاعل بكم؟" قالوا: خيراً، أخر كريم وابن أخ كريم، قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
إذن: جاء الحق ليس لاستعباد الناس، ولكن لراحتهم ورفع رؤوسهم. ومن الحق الذي أظل مكة بالفتح ما يروي أن واحداً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة وأراد إيذاءه، وحينما وضع يده على رسول الله صلى الله عليه وسلم تبدل حاله وقال: فوالله لقد أقبلت عليه، وما في الأرض أبغض إلي منه، فحين وضعت يدي عنده فوالله ما في الأرض أحب إلي منه، وهكذا جاء الحق وزهق الباطل.
وقوله تعالى:

{إن الباطل كان زهوقاً "81"}
(سورة الإسراء)


زهوق صيغة مبالغة، فالباطل نفسه سريعاً ما يذهب ويندثر، ومن العجب أن ترى الباطل نفسه من جنود الله؛ لأن الباطل لو لم يؤلم الناس ويزعجهم ما تشوقوا للحق وما مالوا إليه، فإذا ما لدغهم الباطل واكتووا بناره عرفوا الحق.
وقد ضرب لنا الحق سبحانه وتعالى مثلاً للحق وللباطل، فقال:

{أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال "17"}
(سورة الرعد)


الحق سبحانه يمثل للحق وللباطل بشيء حسي نراه حينما ينهمر المطر على قمم الجبال، فيسيل الماء على الأودية بين الجبال حاملاً معه صغار الحصى والرمال والقش، وهذا هو الزبد الذي يطفو على صفحة الماء ولا ينتفع الناس به، وحين تهب الرياح تنحى هذا الزبد جانباً، ويبقى الماء الرائق الصالح الذي ينتفع الناس به، وهذا الماء مثال للحق الذي ينفع الناس، والزبد مثال للباطل الذي لا خير فيه.
أو: يعطينا المثال في صورة أخرى: صورة الحداد أو الصائغ الذي يوقد النار على الذهب ليخرج منه ما علق به من شوائب.


 

قديم 21-10-2011, 03:51 PM   #645
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 82

(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً "82" )
الآية تعطينا نموذجين لتلقي القرآن: إن تلقاه المؤمن كان له شفاء ورحمة، وإن تلقاه الظالم كان عليه خسار، والقرآن حدد الظالمين ليبين أن ظلمهم هو سبب عدم انتفاعهم بالقرآن؛ لأن القرآن خير في ذاته وليس خساراً.
وقد سبق أن أوضحنا أن الفعل قد يكون واحداً، لكن يختلف القابل للفعل، ويختلف الأثر من شخص لآخر، كما أن الماء الزلال يشربه الصحيح، فيجد له لذة وحلاوة ويشربه العليل فيجده مراً مائعاً، فالماء واحد لكن المنفعل للماء مختلف. كذلك أكل الدسم، فإن أكله الصحيح نفعه، وزاد في قوته ونشاطه، وإن أكله السقيم زاده سقماً وجر عليه علة فوق علته.
وقد سبق أن أوضحنا في قصة إسلام الفاروق عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه لما تلقى القرآن بروح الكفر والعناد كرهه ونفر منه، ولما تلقاه بروح العطف والرقة واللين على أخته التي شج وجهها أعجبه فآمن.
إذن: سلامة الطبع أو فساده لها أثر في تلقي القرآن والانفعال به. وما أشبه هذه المسألة بمسألة التفاؤل والتشاؤم، فلو عندك كوب ماء قد ملئ نصفه، فالمتفائل يلفت نظره النصف المملوء، في حين أن المتشائم يلفت نظره النصف الفارع، فالأول يقول: نصف الكوب ممتلئ. والآخر يقول: نصف الكوب فارع، وكلاهما صادق لكن طبعهما مختلف.
وقد عالج القرآن مسألة التلقي هذه في قوله تعالى:

{وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون "124" وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون "125"}
(سورة التوبة)


فالآية واحدة، لكن الطبع المستقل مختلف، فالمؤمن يستقبلها بملكات سليمة، فيزداد بها إيماناً، والكافر يستقبلها بملكات فاسدة فيزداد بها كفراً، إذن: المشكلة في تلقي الحقائق واستقبالها أن تكون ملكات التلقي فاسدة.
ومن هنا نقول: إذا نظرت إلى الحق، فإياك أن تنظره وفي جوفك باطل تحرص عليه، لابد أن تخرج ما عندك من الباطل أولاً، ثم قارن وفاضل بين الأمور. وكذلك جاءت هذه المسألة في قول الله تعالى:

{ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم "16" والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم "17"}
(سورة محمد)


وقولهم:

{ماذا قال آنفا .. "16"}
(سورة محمد)


دليل على عدم اهتمامهم بالقرآن، وأنه شيء لا يؤبه له. وكذلك في قوله تعالى:

{ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أاعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى .. "44"}
(سورة فصلت)


ومثال لسلامة التلقي من حياتنا المعاصرة إرسال التلفاز مثلاً، فقد تستقبله أنت في بيتك فتجده واضحاً في حلقة من الحلقات أو برنامج من البرامج، فتتمتع بما شاهدت، ثم تقابل صديقاً فيشكو لك سوء الإرسال وعدم وضوح الصورة فيؤكد لك سلامة الإرسال، إلا أن العيب في جهاز الاستقبال عندك، فعليك أولاً أن تضبط جهاز الاستقبال عندك لتستقبل آيات الله الاستقبال الصحيح.
إذن: قول الحق تبارك وتعالى:

{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين .. "82"}
(سورة الإسراء)


متوقف على سلامة الطبع، وسلامة الاستقبال، والفهم عن الله تعالى.
والشفاء: أن تعالج داءً موجوداً لتبرأ منه. والرحمة: أن تتخذ من أسباب الوقاية ما يضمن لك عدم معاودة المرض مرة أخرى، فالرحمة وقاية، والشفاء علاج.
لكن، هل شفاء القرآن شفاء معنوي لأمراض القلوب وعلل النفوس، فيخلص المسلم من القلق والحيرة والغيرة، ويجتث ما في نفسه من الغل والحقد، والحسد، إلى غير هذا من أمراض معنوية، أم هو شفاء للماديات، ولأمراض البدن أيضاً؟
والرأي الراجح ـ بل المؤكد ـ الذي لاشك فيه أن القرآن شفاء بالمعنى العام الشامل لهذه الكلمة، فهو شفاء للماديات كما هو شفاء للمعنويات، بدليل ما روي عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ وأنه خرج على رأس سرية وقد مروا بقوم، وطلبوا منهم الطعام، فأبوا إطعامهم، وحدث أن لدغ كبير القوم، واحتاجوا إلى من يداويه فطلبوا من يرقيه، فقالوا: لا نرقيه إلا بجعلٍ، وذلك لما رأوه من بخلهم وعدم إكرامهم لهم، على حد قوله تعالى:

{لو شئت لاتخذت عليه أجراً "77"}
(سورة الكهف)


ولما اتفقوا معهم على جعل من الطعام والشياه قام أحدهم برقية اللديغ بسورة الفاتحة فبرئ، فأكلوا من الطعام وتركوا الشياه إلى أن عادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألوه عن حل هذا الجعل فقال صلى الله عليه وسلم: "ومن أدراك أنها رقية" أي: أنها رقية يرقى بها المريض فيبرأ بإذن الله، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "كلوا منها، واجعلوا لي سهماً معكم".
فشفاء أمراض البدن شيء موجود في السنة، وليس عجيبة من العجائب؛ لأنك حين تقرأ كلام الله فاعلم أن المتكلم بهذا الكلام هو الحق سبحانه، وهو رب كل شيء ومليكه، يتصرف في كونه بما يشاء، وبكلمة (كن) يفعل ما يريد، وليس ببعيد أن يؤثر كلام الله في المريض فيشفى.ولما تناقش بعض المعترضين على هذه المسألة مع أحد العلماء، قالوا له: كيف يشفى المريض بكلمة؟ هذا غير معقول، فقال العالم لصاحبه: اسكت أنت حمار!! فغضب الرجل، وهم بترك المكان وقد ثارت ثورته، فنظر إليه العالم وقال: انظر ماذا فعلت بك كلمة، فما بالك بكلمة، المتكلم بها الحق سبحانه وتعالى؟
ثم يقول تعالى:

{ولا يزيد الظالمين إلا خساراً "82"}
(سورة الإسراء)


لأنهم بظلمهم واستقبالهم فيوضات السماء بملكات سقيمة، وأجهزة متضاربة متعارضة، فلم ينتفعوا بالقرآن، ولم يستفيدوا برحمات الله.


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:18 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا