المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 21-10-2011, 03:51 PM   #646
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 83

(وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا "83" )
الله تعالى يريد أن يعطي الإنسان صورة عن نفسه؛ لتكون عنده المناعة الكافية إذا ما أصابه المرض، كما يعطي الطبيب جرعة الطعم أو التحصين الذي يمنع حدوث مرض ما. فهاهي طبيعة الإنسان وسمته الغالية، وعليه أن يخفف من هذه الطبيعة، والمراد أن الإنسان إذا أنعم الله عليه استغنى وأعرض.
ولكي نوضح هذه المسألة نمثل لها ـ ولله المثل الأعلى ـ الوالد الذي يعطي للابن مصروفه كل شهر مثلاً، فترى الولد لا يلتفت إلى أبيه إلا أول كل شهر، حيث يأتي موعد ما تعود عليه من مصروف، وتراه طوال الشهر منصرفاً عن أبيه لا يكاد يتذكره، أما إذا عوده على أن يعطيه مصروفه كل يوم، فترى الولد في الصباح يتعرض لأبيه ويظهر نفسه أمامه ليذكره بالمعلوم. فالولد حين أعرض عن أبيه وانصرف عنه، ما الذي دعاه إلى هذا التصرف؟
لأن الوالد أعطاه طاقة الاستغناء عنه طوال الشهر، فإن كان الابن باراً مؤمناً فإنه لا ينسى فضل والده الذي وفر له طاقة الاستغناء هذه، فيذكر والده بالخير، ويحمل له هذا الجميل. فإن كان هذا هو الحال مع الرب الأدنى فهو كذلك مع الرب الأعلى سبحانه، فيقول تعالى:

{وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض .. "83"}
(سورة الإسراء)


أي: أعرض عنا وعن ذكرنا وانصرف عن منهجنا، ومن الناس من يعرض عن ذكر الله، ولكنه يؤدي منهجه، ولو أدى المنهج ذكر صاحب المنهج ما نسى المنعم أبداً. وإذا شغل الإنسان بالنعمة عن المنعم، فكأنه يخطئ المنعم، كما قال تعالى:

{كلاً إن الإنسان ليطغى "6" أن رآه استغنى "7"}
(سورة العلق)


فالاستغناء هنا ليس ذاتياً في الإنسان، بل هو استغناء موهوب، قد ينتهي في يوم من الأيام ويعود الإنسان من جديد يطلب النعمة من المنعم سبحانه، يقول تعالى:

{إن إلى ربك الرجعى "8"}
(سورة العلق)


ثم يتحدث الحق عن صفة أخرى في الإنسان:

{وإذا مسه الشر كان يئوساً "83"}
(سورة الإسراء)


وهذه صفة مذمومة في الإنسان الذي إذا ما تعرض لشر أو مسر ضر يقنط من رحمة الله، وكأن الحق سبحانه يخاطب عبده الذي يقنط: لا يليق بك أن تقنط إذا ضاقت بك الدنيا، وأنت مؤمن لا تعيش مع الأسباب وحدها إنما مع المسبب سبحانه، ومادمت في رحاب مسبب الأسباب فلا تيأس ولا تقنط.
لذلك يقولون: "لا كرب وأنت رب"، فيجوز لك القنوط إن لم يكن لك رب يتولاك، أما والرب موجود فلا يليق بك، كيف ومن له أب لا يلقي لهموم الدنيا بالاً، ويستطيع أن يعتمد عليه في قضاء حاجاته، فما بالك بمن له رب يرعاه ويتولاه، ويستطيع أن يتوجه إليه، ويدعوه في كل وقت؟
والحق سبحانه حينما ينبهنا إلى هذه المسألة يريد أن يعطينا الأسوة به سبحانه وتعالى، يريد أن يقول للإنسان: لا تحزن إن أديت للناس جميلاً فأنكروه، أو معروفاً فجحدوه، وكيف تحزن وهم يفعلون هذا معي، وأنا رب العالمين، فكثيراً ما أنعم عليهم، ويسيئون إلي، ويكفرون بي وبنعمتي.
وسيدنا موسى ـ عليه السلام ـ حينما طلب من ربه تعالى ألا يقال فيه ما ليس فيه، قال له ربه: كيف، وأنا لم أفعل ذلك لنفسي؟! إنهم يفترون على الله ما ليس فيه، ويكفرون به سبحانه وينكرون إيجاده ونعمه، فمن يغضب لقول الكافرين أو إيذائهم له بعد هذا؟
لكن، لماذا ييأس الإنسان ويقنط؟ لأنه في حال النعمة أعرض عن الله ونأى بجانبه: أي ابتعد عن ربه، لم يعد له من يدعوه ويلجأ إليه أن يفرج عنه ضيق الدنيا.
إذن: لما أعرض في الأولى يئس في الثانية. والله تعالى يجيب من دعاه ولجأ إليه حال الضيق حتى إن كان كافراً، كما قال تعالى:

{وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه .. "67"}
(سورة الإسراء)


 

قديم 21-10-2011, 03:51 PM   #647
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 84

(قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا "84" )
أي: أن كل إنسان يعمل على طريقته، وعلى طبيعته، وعلى مقدار ما تكونت به من خلايا الإيمان، أو من خلايا إيمان اختلطت بخلايا عصيان، أو بما عنده من خلايا كفر، فالناس مختلفون وليسوا على طبع واحد، فلا تحاول ـ إذن ـ أن تجعل الناس على طبع واحد.
ومادام الأمر كذلك، فليعمل كل واحد على شاكلته، وحسب طبيعته، فإن أساء إليك إنسان سيئ الطبع فلا تقابله بسوء مثله، ولتعمل أنت على شاكلتك، ولتقابله بطبع طيب؛ لذلك يقولون: لا تكافئ من عصى الله فيك بأكثر من أن تطيع الله فيه. وبذلك يستقيم الميزان في المجتمع، ولا تتفاقم فيه أسباب الخلاف. ثم يقول تعالى:

{فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً "84"}
(سورة الإسراء)


والرب: المتولي للتربية، والمتولي للتربية لاشك يعلم خبايا المربي، ويعلم أسراره ونواياه، كما قال تعالى:

{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "14"}
(سورة الملك)


 

قديم 21-10-2011, 03:52 PM   #648
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 85

(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا "85" )
والسؤال يرد في القرآن بمعان متعددة، ووردت هذه الصيغة (يسألونك) في مواضع عدة، فإن كان السؤال عن شيء نافع يضر الجهل به أجابهم القرآن، كما في قوله تعالى:

{ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض .. "222"}
(سورة البقرة)


وقوله تعالى:

{يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم "215"}
(سورة البقرة)


فإن كان السؤال عن شيء لا يضر الجهل به، لفت القرآن أنظارهم إلى ناحية أخرى نافعة، كما في سؤالهم عن الأهلة: كيف يبدو الهلال صغيراً ثم يكبر ويكبر إلى أن يصير بدراً، ثم يأخذ في التناقص ليعود كما بدأ؟
فالحديث مع العرب الذين عاصروا نزول القرآن في هذه الأمور الكونية التي لم نعرفها إلا حديثاً أمر غير ضروري، وفوق مستوى فهمهم، ولا تتسع له عقولهم، ولا يترتب عليه حكم، ولا ينتج عن الجهل به ضرر، ولو أخبرهم القرآن في إجابة هذا السؤال بحقيقة دوران القمر بين الأرض والشمس وما يترتب على هذه الدورة الكونية من ليل ونهار، وهم أمة أمية غير مثقفة لاتهموا القرآن بالتخريف، ولربما انصرفوا عن أصل الكتاب كله.
لكن يحولهم القرآن، ويلفت أنظارهم إلى ما يمكن الانتفاع به من الأهلة:

{قل هي مواقيت للناس والحج .. "189"}
(سورة البقرة)


وقد يأتي السؤال، ويراد به اختبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما حدث من اتفاق كفار مكة واليهود حيث قالوا لهم: اسألوه عن الروح، وهم يعلمون تماماً أن هذه مسألة لا يعلمها أحد، لكنهم أرادوا الكيد لرسول الله، فلعله يقول في الروح كلاماً يأخذونه عليه ويستخدمونه في صرف الناس عن دعوته.
ولاشك أنه سؤال خبيث؛ لأن الإنسان عامة يحب أن يظهر في مظهر العالم، ولا يحب أن يعجز أمام محاوره فاستغلوا هذه العاطفة، فالرسول لن يصغر نفسه أمام سائليه من أهل مكة، وسوف يحاول الإجابة عن سؤالهم.
ولكن خيب الله سعيهم، فكانت الإجابة:

{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا "85"}
(سورة الإسراء)


فعندما سمع أهل الكتاب هذه الإجابة آمن كثيرون منهم؛ لأنها طابقت ما قالته كتبهم عن الروح، وأنها من عند الله. و(الروح) لها إطلاقات متعددة، منها: الروح التي تمد الجسم بالحياة إن اتصلت به، كما في قوله تعالى:

{فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "29"}
(سورة الحجر)


فإذا ما فارقت هذه الروح الجسد فقد فارق الحياة، وتحول إلى جثة هامدة، وفيها يقول تعالى:

{فلولا إذا بلغت الحلقوم "83"}
(سورة الواقعة)


وقد تأتي الروح لتدل على أمين الوحي جبريل عليه السلام، كما في قوله تعالى:

{نزل به الروح الأمين "193"}
(سورة الشعراء)


 

قديم 21-10-2011, 03:52 PM   #649
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 86

(ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً "86" )
الحق سبحانه في هذه الآية يريد أن يربي الكفار ويؤنبهم، ويريد أن يبرئ ساحة رسوله صلى الله عليه وسلم ويتحمل عنه المسئولية، فهو مجرد مبلغ عن الله، وإياكم أن تقولوا عنه مفتر، أو أتى بشيء من عنده، بدليل أنني لو شئت لسلبت ما أوحيته إليه وقرأه عليكم وسمعتموه أنتم وكتبه الصحابة.
فإن سأل متسائل: وكيف يذهب الله بوحي منزل على رسوله، وحفظه وكتبه الصحابة، وسمعه الكفار؟
نقول: أولاً: سياق الآية يدلنا على أن هذه العملية لم تحدث؛ لأن الحق سبحانه يقول:

{ولئن شئنا .. "86"}
(سورة الإسراء)


بمعنى: لو شئنا فعلنا ذلك، فالفعل لم يحدث، والمراد بيان إمكانية ذلك ليبرئ موقف رسول الله، وأنه ليس له من الأمور شيء. والغريب أن يفهم البعض من قوله تعالى:

{ليس لك من الأمر شيء .. "128"}
(سورة آل عمران)


أنها ضد رسول الله، وقدح في شخصه، وليس الأمر كذلك؛ لأنه ربه تبارك وتعالى يريد أن يتحمل عنه ما يمكن أن يفسد العلاقة بينه وبين قومه، وكأنه يقول لهم: لا تغضبوا من محمد فالأمر عندي أنا، وشبهنا هذا الموقف بالخادم الذي فعل شيئاً، فيأتي سيده ليدافع عنه، فيقول: أنا الذي أمرته.
ثانياً: لماذا نستبعد في قدرة الخالق سبحانه أن يسلب منا ما أوحاه لرسوله وحفظناه وكتبناه، ونحن نرى فاقد الذاكرة مثلاً لا يكاد يذكر شيئاً من حياته، فإذا ما أرادوا إعادة ذاكرته يقومون بإجراء عملية جراحية مثلاً، فما أشبه هذه بتلك.
ونلاحظ في الآية جملة شرطية، أداة الشرط فيها "إن"، وهي تستخدم للأمر المشكوك في حدوثه، على خلاف "إذا" فتأتي للأمر المحقق. ثم يوضح لنا الحق سبحانه أنه إن ذهب بما أوحاه لرسوله، فلن يستطيع أحد إعادته

{ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً "86"}
(سورة الإسراء)


 

قديم 21-10-2011, 03:52 PM   #650
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 87

(إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيراً"87" )
قوله تعالى:

{إلا رحمة من ربك .. "87" }
(سورة الإسراء)


أي: أنك لا تجد لك وكيلاً في أي شيء إلا من جانب رحمتنا نحن، لأن فضلنا عليك كبير. ثم يخاطب الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ليعلن تحديه للعالمين:


 

قديم 21-10-2011, 03:53 PM   #651
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 88

(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً "88" )
(قل) لا يقولها الحق سبحانه بينه وبين رسوله، بل المراد: أعلنها يا محمد على الملأ، واسمع بها الناس جميعاً؛ لأن القضية قضية تحد للجميع.

{لئن اجتمعت الإنس والجن .. "88"}
(سورة الإسراء)


وهما الثقلان اللذان يكونان أمة التكليف لما منحهما الله من نعمة الاختيار الذي هو مناط التكليف. وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهما جميعاً، وقد استمعت الجن إلى القرآن كما استمعت إليه البشر:

{قل أوحى إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجباً "1" يهدي إلى الرشد فآمنا به .. "2"}
(سورة الجن)


والتحدي معناه الإتيان بآية معجزة يعجز عنها المعارض، لكن من جنس ما نبغ فيه المعارض، فلا يتحداهم بشيء لا علم لهم به، ولا خبرة لهم فيه؛ لأنه لا معنى للتحدي في هذه الحالة ولا جدوى منه، كما لو تحديت إنساناً عادياً برفع الأثقال ولم يسبق له أن ارتاض هذه الرياضة، إنما تتحدى بها بطلاً معروفاً عنه ممارسة هذه العملية.
لذلك جاءت كل معجزات الرسل من جنس ما نبغ فيه القوم ليكون التحدي في محله، ولا يعترضون عليه بأنه خارج عن نطاق علمهم ومقدرتهم، فكانت معجزة موسى ـ عليه السلام ـ العصا واليد، وهي من جنس ما نبغ فيه قومه من السحر، وجاءت معجزة عيسى ـ عليه السلام ـ إحياء الموتى بإذن الله، وإبراء الأكمة والأبرص؛ لأن قومه نبغوا في الطب، وكانت معجزته صلى الله عليه وسلم في البلاغة والفصاحة التي نبغ فيها العرب.
وقد اقترح كفار مكة على رسول الله آيات معينة لإثبات صدق رسالته، لكن الآيات لا تقترح على الله تعالى؛ لأنه سبحانه هو الذي يختار الآيات التي تناسب الطباع وتكون معجزة تثبت صدق رسوله، وقد اقترحوا على رسول الله آيات ومعجزات في مجالات لا علم لهم بها، فكيف يتحداهم الله في مجال لا نبوغ لهم فيه، وليس لهم دراية به؟
والحق سبحانه أنزل القرآن، وجعله المعجزة الوحيدة لصدق محمد صلى الله عليه وسلم، وهو المعجزة الوحيدة لكل أمة الإسلام من لدن رسول الله إلى قيام الساعة. وهذا لا يمنع أن توجد معجزات كونية حدثت لرسول الله ليراها القوم الذي عاصروه، ومثل هذه المعجزات لا نطالب بها نحن، ولا نطالب بالإيمان بها، إلا إذا وردت من صادق معصوم؛ لأن الهدف من هذه المعجزات تثبيت الإيمان برسول الله في نفوس من شاهدوها، فنبوع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، وكون الشجرة تسعى إليه والحيوان يكلمه، فالمقصود بهذه المعجزات من شاهدها وعاصرها، لا من أتى بعد عصره صلى الله عليه وسلم.
وفي القرآن خاصية تفرد بها عن الكتب السابقة، حيث نزل جامعاً بين أمرين: أنه منهج سماوي ينظم حركة الحياة، وهو في الوقت نفسه معجزة مصاحبة للمنهج لا تنفك عنه إلى قيام الساعة.
أما الكتب السابقة فكانت تأتي بمنهج فقط، أما المعجزة فشيء آخر منفصل عن الكتاب، فمعجزة موسى العصا واليد وكتابه التوراة، ومعجزة عيسى إبراء الأكمة والأبرص، وكتابه الإنجيل، أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد انفرد بأن تكون معجزته هي منهجه.
لذلك لما طلب كفار مكة من رسول الله أن يفسح لهم جبال مكة، ويوسع عليهم الأرض، وأن يحيي لهم موتاهم ليشهدوا بصدقه، خاطبهم الحق سبحانه بقوله:

{ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعاً .. "31"}
(سورة الرعد)


أي: كان في القرآن غناء لكم عن كل هذه المسائل.
وقد اعترض المستشرقون على هذه القضية، فقالوا: إن كانت الرسالة المحمدية للناس كافة، وجاءت معجزته في البلاغة والفصاحة ليتحدى بها قومه من العرب، فما لون الإعجاز لغير العرب؟
نقول: أولاً: إذا كان العرب ارتاضوا على الملكة العربية وأساليبها قد عجزوا أمام هذا التحدي، فغيرهم ممن اتخذ العربية صناعة لاشك أعجز.
ثانياً: من قال إن المعجزة في القرآن في فصاحته وبلاغته فقط؟
لقد جاءت بلاغة القرآن وفصاحته للأمة المتلقية للدعوة الأولى، هؤلاء الذين سيحملون عبء الدعوة، ويسيحون بها في شتى بقاع الأرض، فإذا ما انتشرت الدعوة كانت المعجزة للناس الآخرين من غير العرب شيئاً آخر.
فالغيبيات التي يخبرنا بها، والكونيات التي يحدثنا عنها، والتي لم تكن معلومة لأحد نجدها موافقة تماماً لما جاء به القرآن، وهو منزل على نبي أمي، وفي أمة أمية غير مثقفة، فهذه كلها نواحي إعجاز للعرب ولغيرهم، ومازلنا حتى الآن نقف أمام آيات، وننتظر من العلم أن يكشف لنا عن معناها.
وفي الماضي القريب توصل العلم إلى أن الذرة أصغر شيء في الوجود، وقد ذكر القرآن الذرة في مثل قوله:

{فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره "7" ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره "8"}
(سورة الزلزلة)


وبتقدم وسائل البحث توصلوا إلى تفتيت الذرة أو شطرها، ووجدنا في الكون ما هو أقل من الذرة، فظن البعض أن هذه لا ذكر لها في القرآن، وظنوا أنهم تصيدوا على القرآن مأخذاً، ولو أمعنوا النظر في كتاب الله لوجدوا لهذا التطور العلمي رصيداً في كتاب الله حيث قال تعالى:

{وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين "61"}
(سورة يونس)


 

قديم 21-10-2011, 03:53 PM   #652
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 89

(ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا "89" )
التصريف: هو التحويل والتنويع بأساليب مختلفة لزيادة البيان، والمراد أن القرآن الكريم لا يعالج القضايا بأسلوب رتيب جامد، بل يحول الكلام بين أساليب متعددة؛ لأنه يخاطب طباعاً متعددة، ويتعرض أيضاً لموضوعات متعددة ومعاني مختلفة، فلابد أن يصرف الأسلوب ويقلبه على أكثر من وجه، فالذي لا يفهم هذه يفهم هذه، فيعرض المعنى الواحد بأساليب متعددة وأمثال مختلفة.
ونأخذ مثالاً على ذلك قضية القمة، وهي الألوهية ووحدانية الله تعالى، فنرى القرآن يعرضها في معارض مختلفة هكذا:

{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا .. "22"}
(سورة الأنبياء)


أي: في السماء والأرض.
وهذا الأسلوب قد لا يفهمه غير العربي؛ لأنه يفتقد الملكة اللغوية التي يتلقى بها كلام الله، وقد يعترض فيقول: (إلا) أداة استثناء. فالمعنى: لو كان فيهما آلهة خارج منهم الله لفسدتا، فلو كانت هناك آلهة ومعهم الله فهذه لا تجوز؛ لأنها مشاركة، لكنها تفيد أن الله تعالى موجود، وإن كان معه آخرون، والمنطق في هذه الحالة يقول: لو كان في السماء والأرض آلهة ومعهم الله لا تفسد.
لكن الحقيقة أن (إلا) هنا ليس للاستثناء، بل هي اسم بمعنى (غير). فالمعنى إذن: لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا.

{ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعضٍ .. "91"}
(سورة المؤمنون)


فالحق تبارك وتعالى منزه عن الولد والشريك، إذ لو كان معه إله آخر لذهب كل إله بما خلق، واختص نفسه بمنطقة معينة، ولعلا بعضهم على بعض، فإن أرادوا إبراز شيء للوجود، فأيهما يبرزه؟ إن قدر على إبراز واحد فالآخر عاجز، وإن لم يقدر عليه واحد بمفرده، فهما عاجزان لا يصلحان للألوهية.
ثم يعرض نفس القضية بأسلوب آخر، فيقول:

{قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا "42"}
(سورة الإسراء)


أي: إن كان مع الله آلهة كما يدعي المشركون لذهب هؤلاء الآلهة إلى ذي العرش يعاتبونه أو يؤدبونه، أو يعاقبونه؛ لأنه انفرد بالملك من دونهم. وبأسلوب آخر يقول تعالى:

{شهد الله أنه لا إله إلا هو .. "18"}
(سورة آل عمران)


ولم يأت من ينازعه هذه المكانة، أو يدعيها لنفسه، إذن: فقد ثبتت له هذه القضية إلى أن يوجد معارض، فالمختلف فيه يتفق عليه إن لم يظهر له معارض.
وسبق أن ضربنا لذلك مثلاً، ولله المثل الأعلى: هب أن جماعة انصرفوا من مجلس، ثم وجد صاحب البيت حافظة نقود في مكان مجلسهم فعرضها عليهم، فلم يدعها أحد لنفسه إلا رجل واحد قال: هي لي، أيشك صاحب البيت أنها له؟
نرى هذا التصرف أيضاً في أسلوب القرآن في مسألة ادعاء أن لله تعالى ولداً، تعالى الله عما يقول المبطلون علواً كبيراً، فيعرضها القرآن هكذا:

{وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله .. "30"}
(سورة التوبة)


فيرد القرآن هذا الزعم بقوله تعالى:

{بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة .. "101"}
(سورة الأنعام)


وفي موضع آخر يعرض المسألة هكذا:

{ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون "57"}
(سورة النحل)


أي: فإن كنتم تريدون مقاسمة الخالق سبحانه، فهل يليق أن تأخذوا أنتم البنين؛ لأنهم المفضلون حسب زعمكم، وتتركوا له تعالى البنات:

{ألكم الذكر وله الأنثى "21" تلك إذاً قسمة ضيزي "22"}
(سورة الإسراء)


أي: قسمة جائرة.
وهكذا يصرف القرآن أسلوبه، ويحوله ليقنع به جميع العقول؛ ليناسب كل الطبائع. وتمتاز لغة العرب بالمثل والحكمة؛ لذلك كان من التصريف في أسلوب القرآن استخدام المثل، وهو تعبير موجز، يحمل المعاني الكثيرة وتتعشق لفظه، وتقوله كما هو دون تغيير إذا جاءت مناسبته.
فإذا أرسلت أحداً في مهمة أو جماعة، فيمكنك حين عودتهم تقول لهم مستفهماً: (ماذا وراءك يا عصام؟) هكذا بصيغة المؤنثة المفردة، لأن المثل قيل هكذا، حيث أرسل أحدهم امرأة تسمى عصام لتخطب له إحدى النساء وحينما أقبلت عليه خاطبها بهذه العبارة، فصارت مثلاً.
وكما تقول لصاحبك الذي يتعالى عليك: (إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصاراً) إذن: المثل يمتاز بأنه يثبت على لفظه الأول ولا يتغير عنه. أما الحكمة فهي: قول شارد يقوله كل واحد، وهو كلام يقل لفظه، ويجل معناه.
كما تقول: "رب أخ لك لم تلده أمك".
"لا تعلم العوان الخمرة".
"إن المنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى" أي: أن الذي يجهد دابته في السير لن يصل إلى ما يريد؛ لأنها ستنقطع به ولا توصله.


 

قديم 21-10-2011, 03:53 PM   #653
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 90

(وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً "90")
(لن) تفيد تأبيد نفي الفعل في المستقبل، تقول: أنا لم أصنع هذا، ولن أصنعه. أي: في المستقبل.
ومعلوم أن الإنسان ابن أغيار، ولا يحكمه حال واحد بل هو متقلب بين أحوال شتى طوال حياته، والله تعالى وحده هو الذي لا يتغير، ومادام الإنسان ابن أغيار ويطرأ عليه حال بعد حال، فليس له أن يحكم على شيء حكماً قاطعاً في مستقبل هو لا يملكه، فالذي يملك الحكم القاطع هو الحق سبحانه الذي لا تتناوله الأغيار.
لذلك فالإنسان مثلاً إذا صعد حتى القمة نخاف عليه الهبوط؛ لأنه من أهل الأغيار، ولا يدوم له حال، إذن: فماذا بعد القمة؟
وقد عبر الشاعر عن هذا المعنى بقوله:
إذا تم شيء بدا نقصه ترقب زوالاً إذا قيل تم
والعجيب أن الناس يتطلعون في نعمة الله إلى التمام، فيقول أحدهم: يا حبذا، لو حدث كذا لتمت هذه النعمة، وهم لا يدرون أن هذا النقص في النعمة سبب بقائها، فلو تمت لك النعمة وأنت من أهل الأغيار، فماذا تنتظر إلا زوالها؟
فليرض كل صاحب نعمة بما فيها من نقص، فلعل هذا النقص يرد عنه عين حاسد، أو حقد حاقد.
فبعض الناس يرزقه الله بالأولاد ويعينه على تربيتهم، ولحكمة يفشل أحدهم فيحزن لذلكن ويألم أشد الألم، ويقول: لو أن هذا الولد .. وهو لا يدرك حكمة الله من وراء هذا النقص، وأنه حارس للنعمة في الآخرين، وأنه التميمة التي تحميه وترد عنه ما يكره.
لذلك لما أراد المتنبي أن يمدح سيف الدولة قال له:
شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ من شر أعينهم بعيبٍ واحد
أي:نظروا إليك معجبين بما فيك من كمال، فاعمل عملاً سيئاً واحداً يصد عنك شر أعينهم. إذن: (لن) تفيد تأبيد النفي في المستقبل، وهذا أمر لا يملكه إلا مالك الأحداث سبحانه وتعالى، أما صاحب الأغيار فليس له ذلك، والذين آمنوا فيما بعد برسول الله ممن قالوا هذه المقولة:

{لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "90"}
(سورة الإسراء)


نستطيع أن نقول لهم: لقد أوقعتكم (لن) في الكذب؛ لأنكم أبدتم نفي الإيمان، وهاأنتم مؤمنون، ولم يفجر لكم النبي ينبوعاً من الأرض.
وعند فتح مكة وقف عكرمة بن أبي جهل وقال في الخندمة ما قال، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً معتذراً وخرج محارباً مع خالد بن الوليد في اليرموك، وحين طعن الطعنة المميتة، وحمله خالد، فإذا به يقول له: أهذه ميتة ترضي عني رسول الله؟
إذن: من يقول كلمة عليه أن يكون قادراً على تنفيذها، مالكاً لزمامها، ضامناً لنفسه ألا يتغير، وألا تتناوله الأغيار، ولا يملك ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.
والمتدبر لأسلوب القرآن في سورة (الكافرون) يجد هذه المسألة واضحة، حيث يقول تعالى:

{قل يا أيها الكافرون "1" لا أعبد ما تعبدون "2" ولا أنتم عابدون ما أعبد "3" ولا أنا عابد ما عبدتم "4"}
(سورة الكافرون)


هكذا نفت الآية عبادة كل منهما لإله الآخر في الزمن الحاضر، ثم يقول تعالى:

{ولا أنا عابد ما عبدتم "4"ولا أنتم عابدون ما أعبد "5"}
(سورة الكافرون)


لينفي أيضاً احتمال العبادة في المستقبل، إذن: فليس في الآية تكرار، كما يرى بعض قصار النظر.
ولك الآن أن تسأل: كيف نفى القرآن الحديث في المستقبل؟ نقول: لأن المتكلم هنا هو الحق سبحانه وتعالى الذي يملك الأحداث ولا تغيره الأغيار، ولا تتسلط عليه، فحكم على المستقبل هذا الحكم القاطع وأبد النفي فيه.
ثم يقول تعالى:

{حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "90"}
(سورة الإسراء)


وفي آية أخرى قال:

{وفجرنا الأرض عيوناً .. "12"}
(سورة القمر)


فالتفجير: أن تعمل في الأرض عملية تخرج المستتر في باطنها على ظهرها، وعين الماء تخرج لك الماء من الأرض، وتأخذ من حاجتك فلا ينقص؛ لأنها تعوض ما أخذ منها بقانون الاستطراق، وقد يحدث أن يغيض الماء فيها قليلاً.
أما الينبوع فتراه يفيض باستمرار دون أن ينقص فيه منسوب الماء، كما في زمزم مثلاً، ولاشك أن هذا المطلب منهم جاء نتيجة حرمانهم من الماء، وحاجتهم الشديدة إليه. ويذكر الحق سبحانه أنهم واصلوا حديثهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا


 

قديم 21-10-2011, 03:54 PM   #654
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 91

(أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً "91" )
سبق أن طلبوا الماء لأنفسهم، وهنا يطلبون للرسول (جنة) أي: بستان أو حديثة من النخيل والعنب؛ لأنهما الصنفان المشهوران عن العرب.

{فتجر الأنهار خلالها تفجيراً "91"}
(سورة الإسراء)



 

قديم 21-10-2011, 03:54 PM   #655
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 92

(أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً "92" )
الزعم: هو القبول المخالف للواقع، ويقولون: الزعم مطية الكذب، قال تعالى:

{زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا .. "7"}
(سورة التغابن)


وإن كانوا اتهموا رسول الله بالزعم، فما هو إلا مبلغ عن الله، وناقل إليهم منهج ربه، فإن أرادوا أن يتهموا فليتهموا الحق سبحانه وتعالى؛ لأن رسوله لا ذنب له، وقد جاءوا بمسألة إسقاط السماء عليهم؛ لأن الحق سبحانه سبق أن قال عنهم:

{أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء .. "9"}
(سورة سبأ)


ولذلك طلبوا من رسول الله أن يوقع بهم هذا التهديد. و

{كسفا .. "9"}
(سورة سبأ)


أي: قطعاً، ومفردها كسفة كقطعة. ويقول تعالى:

{أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً "92"}
(سورة الإسراء)


نراهم أمامنا هكذا مقابلة عياناً، وقد جاء هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى:

{وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا .. "21"}
(سورة الفرقان)


والمتأمل فيما طلبه الكفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم يجده تعجيزاً بعيداً كل البعد عن الواقع، مما يدلنا على أنهم ما أرادوا الإيمان والهداية، بل قصدوا الجدل والعناد؛ لذلك يقول الحق سبحانه رداً على لجج هؤلاء وتعنتهم:

{ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا .. "111"}
(سورة الأنعام)


 

قديم 21-10-2011, 03:54 PM   #656
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 93

(أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا "93" )
البيت: هو المكان المعد للبيتوتة، والزخرف: أي المزين، وكان الذهب وما يزال أجمل أنواع الزينة؛ لأن كل زخرف من زخارف الزينة يطرأ عليه ما يغيره فيبهت لونه، وينطفئ بريقه، وتضيع ملامحه إلا الذهب، ونقصد هنا الذهب الخالص غير المخلوط بمعدن آخر، فالذهب الخالص هو الذي لا يتأكسد ولا يتفاعل مع غيره؛ لذلك يظل على بريقه ورونقه، فإن كان البيت نفسه من زخرف، فماذا سيكون شكله؟
ونرى الذين يحبون أن ينافقوا نفاق الحضارات، ويتبارون في زخرفة الصناعات يلصقون على المصنوعات الخشبية مثلاً طبقة أو قشرة من الذهب؛ لتظل محتفظة بجمالها، كما في الأطقم الفرنساوي أو الإنجليزي مثلاً.
ثم يقول تعالى:

{أو ترقي في السماء .. "93"}
(سورة الإسراء)


أي: يكون لك سلم تصعد به في السماء، ويظهر أنهم تسرعوا في هذا القول، ورأوا إمكانية ذلك، فسارعوا إلى إعلان ما تنطوي عليه نفوسهم من عناد:

{ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه .. "93"}
(سورة الإسراء)


وكأنهم يبيتون العناد لرسول الله، فهم كاذبون في الأولى وكاذبون في الثانية، ولو نزل الله عليهم الكتاب الذي أرادوا ما آمنوا، وقد رد عليهم الحق سبحانه بقوله:

{ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين "7" }
(سورة الأنعام)


وانظر إلى رد القرآن على كل هذا التعنت السابق:

{قل سبحان ربي .. "93"}
(سورة الإسراء)


وكلمة (سبحان) كلمة التنزيه العليا للحق سبحانه وتعالى، وقد تحدى بها الكون كله؛ لأنها كلمة لا تقال إلا لله تعالى، ولم يحدث أبداً بين الناس أن قالها أحد لأحد، مع ما في الكون من جبابرة وعتاة، يحرص الناس على منافقتهم وتملقهم، وهذه كلمة اختيارية يمكن أن يقولها كل إنسان، لكن لم يجرؤ أحد على قولها لأحد.
والحق سبحانه وتعالى يتحدى الكون كله بأمور اختيارية يقدرون عليها، وتحدى المختار في المثل معناها أنه سبحانه عالم بأن قدرته لن تستطيع أن تفعل ذلك، ومثال ذلك قول الحق تبارك وتعالى:

{تبت يدا أبي لهب وتب "1" ما أغنى عنه ماله وما كسب "2" سيصلى نارا ذات لهب "3"}
(سورة المسد)


نزلت هذه الآيات في أبي لهب، وهو كافر، ويحتمل منه الإيمان كما آمن غيره من الكفرة، فقد آمن عمر والعباس وغيرهم، فما كان يدري رسول الله أن أبا لهب لن يؤمن، لكنه يبلغ قول ربه قرآناً يتلى ويحفظ ويسجل، وفيه تقرير وشهادة بأن أبا لهب سيموت كافراً، وأن مصيره النار.
وهنا نقول: أما كان في إمكان أبي لهب أن يكذب هذا القول، فيقوم في قومه منادياً بلا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ـ ولو نفاقاً ـ وله بعد ذلك أن يتهم محمداً وقرآن محمد بالكذب؟ لكن هذا لم يحدث؛ لأن المتكلم هو الله رب العالمين.
ومن هذا التحدي أن الحق سبحانه له صفات وله أسماء، الأسماء مأخوذة من الصفات، إلا اسم واحد مأخوذ للذات، هو لفظ الجلالة (الله)، فهو علم على الذات الإلهية لم يؤخذ من صفة من صفاته تعالى، فالقادر والغفور والحي القيوم وغيرها من الأسماء مأخوذة من صفات، إنما (الله) علم على الذات الجامعة لكل هذه الصفات.
لذلك تحدى الخالق سبحانه جميع الخلق، وقد أعطاهم الحرية في اختيار الأسماء أن يسموا أنفسهم أو أبناءهم بهذا الاسم (الله)، ويعلن هذا التحدي في كتابه الكريم وعلى رؤوس الأشهاد يقول:

{هل تعلم له سمياً "65"}
(سورة مريم)


 

قديم 21-10-2011, 03:54 PM   #657
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 94

(وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا "94" )
أي: ما منعهم من الإيمان إلا هذه المسألة: أن يكون الرسول بشراً، هذه هي القضية التي وقفت في حلوقهم:

{ابعث الله بشراً رسولاً "94"}
(سورة الإسراء)


والمتأمل في مسألة التبليغ عن الله يجد أنها لا يمكن أن تتم إلا ببشر، فكيف يبلغ البشر جنس آخر، ولابد للتلقي عن الله من وسائط بين الحق سبحانه وتعالى وبين الناس؛ لأن البشر لا يستطيع أن يتلقى عن القوة العليا مباشرة، فإذن: هناك مراحل:

{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم "51"}
(سورة الشورى)


لكن الرسول البشري كيف يكلم الله؟ لابد أن نأتي برسول من الجنس الأعلى:

{الله يصطفي من الملائكة رسلاً .. "75"}
(سورة الحج)


وهذا مرحلة، ثم يصطفي رسولاً من البشر يتلقى عن الملك كي يستطيع أن يبلغكم؛ لأنكم لا تقدرون على اللقاء المباشر يتلقى عن الملك كي يستطيع أن يبلغكم؛ لأنكم لا تقدرون على اللقاء المباشر مع الحق سبحانه.
ونضرب لذلك مثلاً ـ ولله المثل الأعلى: أنت إذا أردت إضاءة لمبة صغيرة وعندك تيار كهربائي عالٍ، هل يمكن أن توصله بهذه اللمبة؟ لا لأنها ستحرق فوراً، إذن: ما الحل؟ الحل أن تأتي بجهاز وسيط يقلل لك هذا التيار القوي، ويعطي اللمبة على قدر حاجتها فتضيء.
كذلك الحق سبحانه يصطفي من الملائكة رسلاً يمكنهم التلقي عن الله ويصطفي من البشر رسلاً يمكنهم التلقي عن الملائكة، ثم يبلغ الرسول المصطفى من البشر بني جنسه. إذن: فماذا يزعجكم في أن يكون الرسول بشراً؟ ولماذا تعترضون على هذه المسألة وهي أمر طبيعي؟ يقول تعالى:

{أكان الناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس .. "2"}
(سورة يونس)


وفي موضع آخر يقول سبحانه:

{واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون "13" إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالثٍ فقالوا إنا إليكم مرسلون "14" قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا .. "15"}
(سورة يس)


إذن: فاعتراضهم على بشرية الرسول أمر قديم توارثه أهل الكفر والعناد من أيام نوح ـ عليه السلام ـ ألم يقل له قومه:

{فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا .. "27"}
(سورة هود)


وقالوا:

{ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون "34"}
(سورة المؤمنون)


وقالوا:

{أبشراً منا واحداً نتبعه إنا لفي ضلالٍ وسعرٍ "24"}
(سورة القمر)


لذلك يدعونا الحق سبحانه وتعالى إلى النظر في السنة المتبعة في الرسل:

{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم .. "43"}
(سورة النحل)


أي: ليسوا ملائكة، لابد أن يكونوا رجالاً ليتم اللقاء بينكم، وإلا فلو جاء الرسول ملكاً كما تقولون، هل سترون هذا الملك؟ قالوا: لا هو مستتر عنا، لكنه يرانا، لكن تبليغ الرسالة لا يقوم على مجرد الرؤية، فتبليغ الرسالة يحتاج إلى مخالطة ومخاطبة، وهنا لابد أن يتصور لكم الملك في صورة رجل ليؤدي مهمة البلاغ عن الله، وهكذا نعود من حيث بدأنا؛ لأنها الطبيعة التي لا يمكن لأحد الخروج عنها.
لذلك يقول سبحانه:

{ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون "9"}
(سورة الأنعام)



 

قديم 21-10-2011, 03:55 PM   #658
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 95

(قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا"95" )
(قل) أي: رداً عليهم: لو أن الملائكة يمشون في الأرض مطمئنين لنزلنا عليهم ملكاً رسولاً لكي يكون من طبيعتهم، فلابد أن يكون المبلغ من جنس المبلغ، وهذا واضح في حديث جبريل الطويل حينما جاء إلى رسول الله يسأله عن بعض أمور الدين ليعلم الصحابة: ما الإحسان؟ ما الإيمان؟ ما الإسلام. فيأتي جبريل مجلس رسول الله في صورة رجل من أهل البادية، وبعد أن أدى مهمته انصرف دون أن يشعر به أحد، فلما سألوا عنه قال لهم رسول الله: "إنه جبريل، أتاكم ليعلمكم أمور دينكم".
شيء آخر يقتضي بشرية الرسول، وهو أن الرسول أسوة سلوك لقومه، كما قال تعالى:

{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة .. "21" }
(سورة الأحزاب)


وبالله، كيف تتم هذه الأسوة؟ وكيف يقتدي الناس بها إن كان الرسول ملكاً؟
فالرسول عندما يبلغ منهج الله عليه أن يطبق هذا المنهج في نفسه أولاً، فلا يأمرهم أمراً، وهو عنه بنجوة، بل هو إمامهم في القول والعمل.
لذلك فالحاكم الحق الناصح يطبق القانون عليه أولاً، فكان سيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ إذا أراد أن يقنن قانوناً ويرى أنه سيتعب بعض الظالمين والمنحرفين فيجمع أهله ويخبرهم بما أراد، ثم يحذرهم من المخالفة: "فو الذي نفسي بيده، من خالفني منكم إلى شيء لأجعلنه نكالاً للمسلمين، وأنا أول من أطبقه على نفسي".
لذلك حكم عمر الفاروق الدنيا كلها في عصره، ولما رآه الرجل نائماً مطمئناً تحت شجرة قال قولته المشهورة: "حكمت، فعدلت، فأمنت، فنمت يا عمر" وعمر ما حكم الدنيا والبشر، بل حكم نفسه أولاً فحكمت له الدنيا؛ لأن الحاكم هو مركز الدائرة، وحواليه دوائر أخرى صغيرة تراه وتقتدي به، فإن رأوه مستقيماً استقاموا، ولم يجرؤ أحد منهم على المخالفة، وإن رأوه منحرفاً فاقوه في المخالفة، وأفسدوا أضعاف ما يفسد.
لذلك، لا يمكن أبداً لحاكم أن يحكم إلا إذا حكم نفسه أولاً، بعدها تنقاد له رعيته ويكونون طوعاً لأمره دون جهد منه أو تعب.
ولقد رأينا في واقعنا بعض الحكام الذين فهموا الأسوة على حقيقتها، فترى الواحد من رعيته يركب أفخم السيارات، ويسكن أعظم القصور، حتى إن معظم أدواتها تكون من الذهب، في حين ترى هذا الحاكم يعيش عيشة متواضعة وربما يعيش في قصر ورثه عن أبيه أو جده، وكأنه يغلظ على نفسه ويبغي الرفاهية لرعايته.
وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أتى بمنهج، وهو في الوقت نفسه أسوة سلوك وقدوة، فنراه صلى الله عليه وسلم يحث الغني على الصدقة للفقير، ثم يحرم أهل بيته من هذه الصدقة فلا يقبلها لهم، وإن توارث الناس فيما يتركونه من أموال فإن ما تركه الرسول لا يورث لأهله من بعده، بل هو صدقة لفقراء المسلمين، وهكذا يحرم رسول الله أهل بيته مما أعطاه للآخرين لتكون القدوة صحيحة، ولا يجد ضعاف النفوس مأخذاً عليه صلى الله عليه وسلم.
إذن: فليس المراد من الحكم أن يتميز الحاكم عن المحكوم، أو يفضل بعض الرعية على بعض، فإذا ما أحس الناس بالمساواة خضعوا للحاكم، وأذعنوا له، وأطاعوا أمره؛ لأنه لا يعمل لمصلحته الشخصية بل لمصلحة رعيته، بدليل أنه أقل منهم في كل مستويات الحياة.
فالرسول إن جاء ملكاً فإن الأسوة لا تتم به، فإن أمرنا بشيء ودعانا إلى أن نفعل مثله فسوف نحتج عليه: كيف وأنت ملك لا شهوة لك، لا تأكل ولا تشرب ولا تتناكح ولا تتناسل، إن هذه الأوامر تناسبك أنت، أما نحن فلا نقدر عليها.
ومن هنا لابد أن يكون الرسول بشراً فإن حمل نفسه على منهج فلا عذر لأحد في التخلف عنه؛ لأنه يطبق ما جاء به ويدعوكم إلى الاقتداء بسلوكه.
وسبق أن ضربنا لذلك مثلاً وقلنا: هب أنك رأيت في الغابة أسداً يصول ويجول ويفتك بفريسته، بالله هل يراودك أن تكون أسداً؟ إنما لو رأيت فارساً على صهوة جواده يصول ويجول ويحصد رقاب الأعداء، ألا تتطلع إلى أن تكون مثله؟
إذن: لا تتم القدوة ولا تصح إلا إن كان الرسول بشراً، ولا داعي للتمرد على الطبيعة التي خلقها الله.


 

قديم 21-10-2011, 03:55 PM   #659
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 96

(قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا "96" )
(قل) أي: رداً على ما اقترحوه من الآيات وعلى اعتراضهم على بشرية الرسول:

{كفى بالله شهيداً بيني وبينكم .. "96"}
(سورة الإسراء)


والشهيد إنما يطلب للشهادة في قضية ما، فما القضية هنا؟ القضية هي قضية تعنت الكفار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم طلبوا منه ما ليس في وسعه. والرسول لا يعنيه المتعنتون في شيء؛ لأن أمره مع ربه عز وجل؛ لذلك قال:

{كفى بالله شهيداً .. "96"}
(سورة الإسراء)


فإن كانت شهادة الشاهد في حوادث الدنيا تقوم على الإخبار بما حدث، وعليها يترتب الحكم فإن شهادة الحق سبحانه تعني أنه تعالى الشهيد الذي رأى، والحاكم الذي يحكم، والسلطة التنفيذية التي تنفذ.
لذلك قال:

{كفى بالله شهيداً .. "96"}
(سورة الإسراء)


 

قديم 21-10-2011, 03:55 PM   #660
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 97

(ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا "97" )
سبق أن قلنا: إن الهداية نوعان: هداية الدلالة المطلقة والتي تكون لجميع الخلق المؤمن والكافر، فقد دل الله المؤمن والكافر على الطريق المستقيم وبينه لهم وأرشدهم إليه.
والأخرى: هداية التوفيق والمعونة للقيام بمطلوبات المنهج الذي آمنوا به، وهذه خاصة بالمؤمن، فبعد أن دل الله آمن وصدق واعترف لله تعالى بالفضل والجميل، بأن أنزل له منهجاً ينظم حياته. فأتحفه الله تعالى بهداية التوفيق والمعونة.
وعن الهداية يقول الحق سبحانه:

{وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى .. "17"}
(سورة فصلت)


أي: دللناهم على الطريق المستقيم، لكنهم استحبوا العمى والضلال على الهدى، فمنع الله عنهم معونته وتوفيقه.
والحق سبحانه يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم بأسلوبين قرآنيين يوضحان هذين النوعين من الهداية، يقول تعالى:

{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء .. "56"}
(سورة القصص)


فنفى عن رسول الله هداية التوفيق والمعونة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يملكها، وفي آية أخرى قال تعالى:

{وإنك لتهدي على صراطٍ مستقيمٍ "52"}
(سورة الشورى)


فأثبت له هداية البيان والدلالة؛ لأن هذه هي مهمته كمبلغ عن الله، وهكذا أثبت له الحدث ونفاه عنه؛ لأن الجهة منفكة أي: أن جهة الإثبات غير جهة النفي، كما في قوله تعالى:

{ولكن أكثر الناس لا يعلمون "6" يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا .. "7"}
(سورة الروم)


فمرة: نفى عنهم العلم، ومرة أخرى: أثبت لهم العلم. والمراد أنهم لا يعلمون حقائق الأمور، ولكنهم يعلمون العلوم السطحية الظاهرة منها. ونحن نكرر مثل هذه القضايا لكي تستقر في النفس الإنسانية، وفي مواجيد المتدينين فينتفعوا بها.
ومن ذلك أيضاً قول الحق سبحانه:

{وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .. "17"}
(سورة الأنفال)


فأثبت للرسول رمياً، ونفى عنه رمياً، لكن إذا جاء هذا الكلام من بليغ حكيم فاعلم أن الجهة منفكة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر أخذ حفنة من التراب ورمى بها نحو أعدائه، وهذا هو الرمي الذي أثبتته الآية، وقد تولت القدرة الإلهية إيصال ذرات هذه الحفنة إلى عيون الأعداء، فأصابتهم جميعاً وشغلتهم عن القتال، وهذا هو الرمي الذي نفاه الحق عن رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولتقريب هذه المسألة: ابنك الذي تحمله على المذاكرة وترغمه عليها يأتي بالكتب ويضعها أمامه ويقلب فيها ليوهمك أنه يذاكر، فإذا ما راجعت معه ما ذاكر لا تجده حصل شيئاً فتقول له: ذاكرت وما ذاكرت، فتثبت له الحدث مرة، وتنفيه عنه أخرى؛ لأنه ذاكر شكلاً، ولم يذاكر موضوعاً.
إذن: فالحق سبحانه وتعالى يهدي الجميع هداية إرشاد وبيان ودلالة، ويختص من آمن بهداية المعونة والتوفيق للقيام بمقتضيات المنهج، كما قال تعالى:

{والذين اهتدوا زادهم هدىً وآتاهم تقواهم "17"}
(سورة محمد)


وقال عن الآخرين:

{والله لا يهدي القوم الظالمين "7"}
(سورة الصف)


وقال:

{والله لا يهدي القوم الفاسقين "5"}
(سورة الصف)


لكن يهدي الطائعين. وقال:

{والله لا يهدي القوم الكافرين "264"}
(سورة البقرة)


لكن يهدي المؤمنين.
إذن: بين الحق سبحانه في أساليب القرآن من شاء هدايته، أما من آثر الكفر وصمم ألا يؤمن فهو وشأنه، بل ويزيده الله من الكفر ويختم على قلبه، كما قال تعالى:

{ونذرهم في طغيانهم يعمهون "110"}
(سورة الأنعام)


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:08 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا