21-10-2011, 03:59 PM
|
#673
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة الإسراء - الآية: 110
| (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً "110" ) | (ادعوا) اذكروا، أو نادوا، أو اطلبوا (الله) علم على واجب الوجود سبحانه، ومعنى: علم على واجب الوجود أنها إذا أطلقت انصرفت للذات الواجبة الوجود وهو الحق سبحانه، كما نسمي شخصاً، فإذا أطلق الاسم ينصرف إلى المسمى.
والأسماء عندنا أنواع كثيرة: إما اسم، أو كنية، أو لقب.
الاسم: وهو أغلب الأعلام، ويطلق على المولود بعد ولادته ويعرف المولود به.
والكنية: وتطلق على الإنسان، وتسبق بأب أو أم أو ابن أو بنت، كما نقول: أبو بكر، وأم المؤمنين.
واللقب: وصف يشعر بالمدح أو الذم، كما نقول: الصديق، الشاعر، الفاروق.
فإذا كان الاسم معه شريك غيره لابد لتمييزه من وصفه وصفاً يعرف به، كما يحدث أن يألف شخص أن يسمي أولاده جميعاً: محمد فالتسمية في هذه الحالة لا تشخص ولا تعين المسمي؛ لذلك لابد أن نصف كل واحد منهم بصفة فنقول: محمد الكبير، محمد الصغير. محمد المهندس. فإذا أطلق الاسم بصفته ينصرف إلى شخص معين.
وإذا كنا نحن نسمي أولادنا: فإن الحق سبحانه سمى نفسه بأسمائه التي قال عنها: الأسماء الحسنى، وكلمة (حسنى) أفعل تفضيل للمؤنث، مثل: كبرى. والمذكر منها احسن. لكن لماذا وصف أسماءه تعالى بالحسنى؟
الاسم يبين المسمي، لكن الأسماء عند البشر قد لا تنطبق على المسمي الذي أطلقت عليه، فقد نسمي شخصاً "سعيد" وهو شقي، أو نسمي شخصاً "ذكي" وهو غبي. وهذا ليس بحسن في الأسماء، الحسن في الاسم أن يطابق الاسم المسمى، ويتوفر في الشخص الصفة التي أطلقت عليه، فيكون الشخص الذي سميناه "سعيد" سعيداً فعلاً.
وهكذا يكون الاسم حسناً، لكنه لا يأخذ الحسن الأعلى؛ لأن الحسن الأعلى لأسماء الله التي سمى بها نفسه، فله الكمال المطلق. فهذه ـ إذن ـ لا تتأتى في تسمية البشر، فكثيراً ما تجد "عادل" وهو ظالم، و"شريف" وليس بشريف؛ لذلك قلنا:
وأقبح الظلم بعد الشرك منزلة أن يظلم اسم مسمى ضده جعلا
فشارع كمعاد الدين تسمية لكنه لعناد الدين قد جعلا
فالاسم قد يظلم المسمى كما حدث أن سموا الشارع (عماد الدين)، وهذا الشارع كان في الماضي بؤرة للفسق والفجور، وما أبعد سابقاً عن هذه التسمية.
فلفظ الجلالة (الله) علم على واجب الوجود، وبعد ذلك جاءت صفات غلبت عليه، بحيث إذا أطلقت لا تنصرف إلا إليه. فإذا قلنا: العزيز على إطلاقه فإنها لا تنصرف إلا لله تعالى، لكن يمكن أن نقول فلان العزيز في قومه، فلان الرحيم بمن معه، فلان النافع لمن يتصل به، إنما لو قلت: النافع على إطلاقه فهو الله سبحانه وتعالى.
لذلك؛ حلت الصفات محل اسم الذات (الله)؛ لأنها إذا أطلقت لا تنصرف إلا لله تعالى، فأسماء الله الحسنى هي في الأصل صفات له سبحانه.
ولو تأملنا هذه الأسماء لوجدناها على قسمين: أسماء ذات، وأسماء صفات فعلية، اسم الذات لا يتصف الله بمقابله، فالعزيز مثلاً اسم ذات فلا نقول في مقابله الذليل، والحي اسم ذات فلا نقول: الميت. أما اسم الصفة الفعلية فيكون له مقابل، فالمعز صفة فعل يعني يعز غيره، ومقابلها المذل، والضار مقابلها النافع، والمحيي مقابلها المميت وهكذا .. إن وجدت للاسم مقابلاً فاعلم أنه اسم لصفة الفعل من الله تعالى، وإذا لم يكن له مقابل فهو اسم ذات.
لكن تقف مثلاً عند الستار وهي صفة فعل لأنه يستر غيره، لكن ليس لها مقابل فلا نقول الفضاح، لماذا؟ لأنه تبارك وتعالى يريد أن يتخلق خلقه بهذه الصفة، وأن يربب صفة الستر عند الناس للناس، فلو علم الناس، عن أحد أمراً فاضحاً لزهدوا في كل ما يأتي من عنده ولو كان حسنة، وبذلك يحرم المجتمع من طاقات كثيرة من الخير.
لكن حين تستر على صاحب العيب عيبه، فإنك تعطي للمجتمع فرصة لينتفع بما لديه من صفات الخير؛ لذلك الله تعالى يعصي ويحب أن يتسر على عبده العاصي؛ لكي يستمر دولاب الحياة؛ لأنه لا يوجد أحد له كمال إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق القائل:
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
إذن: فمن الحكمة أن يأمر الله تعالى بستر غيب خلقه عن خلقه حتى تستمر حركة الحياة؛ لأن الإنسان ابن أغيار، وقلبه سريعاً ما يتقلب، ولربما لو عرفت عنك شيئاً مستوراً لتغيرت لك وأنت كذلك، ولربما تقطعت بيننا حبال المودة، إنما بالستر ينتفع كل منا بالآخر.
ومن هنا قالوا: لو تكاشفتم ما تدافنتم، أي: لو تكشفت الأسرار، وعرف كل منكم عيب أخيه ما دفنتم من يموت منكم، وهذا منتهى ما يمكن تصوره من التقاطع بين الناس.
فقوله تعالى:
{قل ادعوا الله .. "110"}
(سورة الإسراء)
فاختار هذا الاسم بالذات (الله) العلم على واجب الوجود، وهو اسم ذات لا يدل على صفة معينة، لكنه يحمل في طياته كل صفات الكمال فيه، فإن كانت للأسماء الأخرى مجالات، فالقادر في القدرة، والحكيم في الحكمة، والقابض في القبض، والعزيز في العزة. فإن لكل اسم مجالاً وسيالاً، فإن (الله) هو الاسم الجامع لكل الصفات.
لذلك في الحديث النبوي الشريف: "كل شيء لا يبدأ باسم الله فهو أبتر".
لماذا؟ لأنك حين تقدم على أي فعل تحتاج أولاً إلى حكمة لتعرف من خلالها لماذا تفعل، وتحتاج إلى قدرة تعينك على إنجازه، وتحتاج إلى علم بمصير هذا الفعل وعاقبته، إذن: تحتاج إلى صفات كثيرة، فحين تقبل على العمل لا تقل: يا حكيم يا قادر يا عليم، إنما الحق سبحانه يريحك، ويكفي أن تقول في الإقدام على الفعل: باسم الله. لأنك ذكرت الاسم الجامع لكل صفات الكمال.
{أو ادعوا الرحمن .. "110"}
(سورة الإسراء)
واختار الرحمن دون الجبار أو القهار؛ لأن الرحمة صفة التحنين للخلق، فالحق سبحانه وتعالى يظهر هذه الصفة لعباده حتى في أسماء الجبار والقهار؛ لأنها من خدم الرحمة ومن أسبابها؛ لأن العبد إذا عرف لله: صفة الجبروت، وصفة القهر، وصفة الانتقام انتهى عن أسباب الوقوع تحت طائلة هذه الصفات، فكأنه يرحم عباده حتى بصفات القهر والانتقام. |
|
|
|