المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 21-10-2011, 03:56 PM   #661
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 98

(ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا"98" )
(ذلك) أي: ما حدث لهم من العذاب الذي تستبشعه أنت (جزاؤهم) أي: حاق بهم العذاب عدلاً لا ظلماً، فإياك حين تسمع آيات العذاب هذه أن تأخذك بهم رأفة أو رحمة؛ لأنهم أخذوا جزاء عملهم وعنادهم وكفرهم، والذي يعطف قلوب الناس على أهل الإجرام هو تأخير العقاب.
فهناك فرق بين العقوبة في وقت وقوع الجريمة، وهي ما تزال بشعة في نفوس الناس، وما تزال نارها تشتعل في القلوب، فإن عاقبت في هذا الجو كان للعقوبة معنى، وأحدثت الأثر المرجو منها وتعاطف الناس مع المظلوم بدل أن يتعاطفوا مع الظالم.
فحين نؤخر عقوبة المجرم في ساحات المحاكم لعدة سنين فلا شك أن الجريمة ستنسى وتبرد نارها، وتتلاشى بشاعتها، ويطويها النسيان، فإذا ما عاقبت المجرم فلن يبدو للناس إلا ما يحدث من عقوبته، فترى الناس يرأفون به ويتعاطفون معه.
إذن: قبل أن تنظر إلى:

{كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب .. "56"}
(سورة النساء)


وإلى:

{ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً "97"}
(سورة الإسراء)


انظر إلى ما فعلوه، واعلم أن هذا العذاب بعدل الله، فأحذر أن تأخذك بهم رحمة، ففي سورة النور يقول تعالى:

{ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "2"}
(سورة النور)


ثم يوضح سبحانه وتعالى حيثية هذا العذاب:

{بأنهم كفروا بآياتنا .. "98"}
(سورة الإسراء)


والآيات تطلق على الآيات الكونية، أو على آيات المعجزات المؤيدة لصدق الرسول، أو آيات القرآن الحاملة للأحكام .. وقد وقع منهم الكفر بكل الآيات، فكفروا بالآيات الكونية، ولم يستدلوا بها على الخالق سبحانه، ولم يتدبروا الحكمة من خلق هذا الكون البديع، وكذلك كفروا بآيات القرآن ولم يؤمنوا بما جاءت به.
وهذا كله يدل على نقص في العقيدة، وخلل في الإيمان الفطري الذي خلقه الله فيهم، وكذلك كذبوا بمعجزات الرسول، فدل ذلك على خلل في التصديق.
ومن باطن هذا الكفر ومن نتائجه أن قالوا:

{أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً "98"}
(سورة الإسراء)


وهذا القول منهم تكذيب لآيات القرآن التي جاءت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخبرهم أنهم مبعوثون يوم القيامة ومحاسبون، وهم بهذا القول قد نقلوا الجدل إلى مجال جديد هو: البعث بعد الموت. وقوله:

{عظاماً ورفاتاً .. "98"}
(سورة الإسراء)


الرفات: هو الفتات وزناً ومعنى، وهو: الشيء الجاف الذي تكسر؛ لذلك جاءت لترتيب هكذا: عظاماً ورفاتاً؛ لأن جسم الإنسان يتحلل وتمتص الأرض عناصر تكوينه، ولا يبقى منه إلا العظام، وبمرور الزمن تتكسر هذه العظام، وتتفتت وتصير رفاتاً، وهم يستبعدون البعث بعد ما صاروا عظاماً ورفاتاً.
وقوله تعالى:

{أئنا لمبعوثون .. "98"}
(سورة الإسراء)


والهمزة هنا استفهام يفيد الإنكار، فلماذا ينكر هؤلاء مسألة البعث بعد الموت؟
نقول: لأن الكافر عنده لدد في ذات إيمانه، ومن مصلحة آماله وتكذيب نفسه أن ينكر البعث، وعلى فرض أنه سيحدث فإنهم سيكونون في الآخرة سادة، كما كانوا سادة في الدنيا. وهؤلاء القوم يفهمون الحياة على ظاهرها، فالحياة عندهم هي الحركة الحسية التي يمارسونها، وبها يعيشون حياتهم هذه، ولا يدركون أن لكل شيء حياة تناسبه.
فمثلاً: علماء الجيولوجيا والحفريات يقولون: إن الأشياء المطمورة في باطن الأرض تتغير بمرور الزمن، وتتحول إلى مواد أخرى، إذن: ففيها حركة وتفاعل أو قل فيها حياة خاصة بها تناسبها، فليست الحياة قاصرة على حركتنا في الحياة الدنيا، بل للحياة معنى آخر أوسع بكثير من الحياة التي يفهمها هؤلاء.
فالإنسان الحي مثلاً له في مظهرية أموره حالتان: حالة النوم وحالة اليقظة، فحياته في النوم محكومة بقانون، وحياته في اليقظة محكومة بقانون، هذا وهو ما يزال حياً يرزق، إذن: عندما نخبرك أن لك قانوناً في الموت وقانوناً في البعث فعليك أن تصدق.
ألم تر النائم وهو مغمض العينين يرى الرؤيا، ويحكيها بالتفصيل وفيها حركة وأحداث وألوان، وهو يدرك هذا كله وكأنه في اليقظة؟ حتى مكفوف البصر الذي فقد هذه الحاسة، هو أيضاً يرى الرؤيا كما يراها المبصر تماماً ويحكيها لك، يقول: رأيت كذا وكذا، كيف وهو في اليقظة لا يرى؟
نقول: لأن للنوم قانوناً آخر، وهو أنك تدرك بغير وسائل الإدراك المعروفة، ولك في النوم حياة مستقلة غير حياة اليقظة. ألا ترى الرجلين ينامان في فراش واحد، وهذا يرى رؤيا سعيدة مفرحة يصحو منها ضاحكاً مسروراً، والآخر إلى جواره يرى رؤيا مؤلمة محزنة يصحو فيها مكدراً محزوناً، ولا يدري الواحد منهم بأخيه ولا يشعر به، لماذا؟
لأن لكل منهما قانونه الخاص، وحياته المستقلة التي لا يشاركه فيها أحد.


 

قديم 21-10-2011, 03:56 PM   #662
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 99

(أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفوراً "99" )
قوله تعالى:

{أو لم يروا .. "99"}
(سورة الإسراء)


إذا جاءت همزة الاستفهام بعدها واو العطف وبعدها نفي، فاعلم أن الهمزة دخلت على شيء محذوف، إذن: فتقدير الكلام هنا: أيقولون ذلك ويستبعدون البعث ولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم.
وقوله تعالى: (مثلهم) أي: يخلقهم هم ويعيدهم من جديد؛ لأن الخلق إنشاء جديد، فهم خلق جديد معاد، فالمثلية هنا في أنهم معادون، أو يكون المراد (مثلهم) أي: ليسوا هم، بل خلق مختلف عنهم على اعتبار أنهم كانوا في الدنيا مختارين، ولهم إرادات، أما الخلق الجديد في الآخرة وإن كان مثلهم في التكوين إلا أنه عاد مقهوراً على كل شيء لا إرادة له؛ لأنه الآن في الآخرة التي سينادي فيها الخالق سبحانه:

{لمن الملك اليوم لله الواحد القهار "16"}
(سورة غافر)


وقوله تعالى:

{وجعل لهم أجلاً لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفوراً "99"}
(سورة الإسراء)


أي: أن القيامة التي كذبوا بها وأنكروها واقعة لاشك فيها، لكن هؤلاء معاندون مصرون على الكفر مهما أتيت لهم بالأدلة، ومهما ضربت لهم الأمثلة، فإنهم مصممون على الإنكار؛ لأن الإيمان سيسلبهم ما هم فيه من السيادة وما يدعونه من العظمة، الإيمان سيسوي بينهم وبين العبيد، وسيقيد حريتهم فيما كانوا فيه من ضلال وفساد.
لكن هؤلاء السادة والعظماء الذين تأبوا على الإيمان، وأنكروا البعث خوفاً على مكانتهم وسيادتهم وما عندهم من سلطة زمنية، ألم تتعرضوا لظلم من أحد في الدنيا؟ ألم يعتد عليكم أحد؟ ألم يسرق منكم أحد ولم تتمكنوا من الإمساك به ومعاقبته؟ لقد كان أولى بكم الإيمان بالآخرة حيث تتحقق عدالة العقاب وتنالون حقوقكم ممن ظلمكم، أو اعتدى عليكم.


 

قديم 21-10-2011, 03:56 PM   #663
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 100

(قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً "100" )
قوله تعالى: (قل) أمر من الحق سبحانه وتعالى أن يقول لأمته هذا الكلام، وكان يكفي في البلاغ أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأمته: لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي .. لكن النبي هنا يحافظ على أمانة الأداء القرآني، ولا يحذف منه شيئاً؛ لأن المتكلم هو الله، وهذا دليل على مدى صدق الرسول في البلاغ عن ربه.
ومعنى (خزائن) هي ما يحفظ بها الشيء النفيس لوقته، فالخزائن مثلاً لا نضع بها التراب، بل الأشياء الثمينة ذات القيمة. ومعنى:

{خزائن رحمة ربي .. "100"}
(سورة الإسراء)


أي: خيرات الدنيا من لدن آدم عليه السلام وحتى قيام الساعة، وإن من شيء يحدث إلى قيام الساعة إلا عند الله خزائنه، فهو موجود بالفعل، ظهر في عالم الواقع أو لم يظهر:

{وما ننزله إلا بقدرٍ معلومٍ "21"}
(سورة الحجر)


أي: أنه موجود في علم الله، إلى حين الحاجة إليه.
لذلك لما تحدث الحق سبحانه عن خلق الآيات الكونية في السماء والأرض قال:

{قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين "9" وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين "10"}
(سورة فصلت)


نلاحظ أن قوله تعالى (وبارك فيها) جاءت بعد ذكر الجبال الرواسي، ثم قال:

{وقدر فيها أقواتها .. "10"}
(سورة فصلت)


كأن الجبال هي مخازن القوت، وخزائن رحمة الله لأهل الأرض. والقوت: وهو الذي يتم به استبقاء الحياة، وهذا ناشئ من مزروعات الأرض، وهذه من تصديقات القرآن لطموحات العلم وأسبقية إخبار بما سيحدث، فهاهو القرآن يخبر بما اهتدى إليه العلم الحديث من أن العناصر التي تكون الإنسان هي نفس عناصر التربة الزراعية التي نأكل منها.
لكن، كيف تكون الجبال مخازن القوت الذي جعله الله في الأرض قبل أن يخلق الإنسان؟
نقول: إن الجبال هي أساس التربة التي نزرعها، فالجبل هذه الكتلة الصخرية التي تراها أمامك جامدة هي في الحقيقة ليست كذلك؛ لأن عوامل التعرية وتقلبات الجو من شمس وحرارة وبرودة، كل هذه عوامل تفتت الصخر وتحدث به شروخاً وتشققات، ثم يأتي المطر فيحمل هذا الفتات إلى الوادي، ولو تأملت شكل الجبل وشكل الوادي لوجدتهما عبارة عن مثلثين كل منهما عكس الآخر، فالجبل مثلث رأسه إلى أعلى، وقاعدته إلى أسفل، والوادي مثلث رأسه إلى أسفل وقاعدته إلى أعلى.
وهكذا، فكل ما ينقص من الجبل يزيد في الوادي، ويكون التربة الصالحة للزراعة، وهو ما يسمى بالغرين أو الطمي؛ لذلك حدثونا أن مدينة دمياط قديماً كانت على شاطئ البحر الأبيض، ولكن بمرور الزمن تكونت مساحات واسعة من هذا الغرين أو الطمي الذي حمله النيل من إفريقيا ففصل دمياط عن البحر، والآن وبعد بناء السد وعدم تكون الطمي بدأت المياة تنحت في الشاطئ، وتنقص فيه من جديد.
إذن: فقوله تعالى عن بداية خلق الأرض:

{وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها "10"}
(سورة فصلت)


كأنه يعطينا تسلسلاً لخلق القوت في الأرض، وأن خزائن الله لا حدود لها ولا نفاد لخيراتها. ثم يقول تعالى:

{إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً "100"}
(سورة الإسراء)


أي: لو أن الله تعالى ملك خزائن خيراته ورحمته للناس، فأصبح في أيديهم خزائن لا تنفد، ولا يخشى صاحبها الفقر، لو حدث ذلك لأمسك الإنسان وبخل وقتر خوف الفقر؛ لأنه جبل على الإمساك والتقتير حتى على نفسه، وخوف الإنسان من الفقر ولو أنه يملك خزائن رحمة الله التي لا نفاد لها ناتج عن عدم مقدرته على تعويض ما أنفق؛ ولأنه لا يستطيع أن يحدث شيئاً.
والبخل يكون على الغير، فإن كان على النفس فهو التقتير، وهو سبة واضحة ومخزية، فقد يقبل أن يضيق الإنسان على الغير، أما أن يضيق على نفسه فهذا منتهى ما يمكن تصوره؛ لذلك يقول الشاعر في التندر على هؤلاء:
يقتر عيسى على نفسه وليس بباقٍ ولا خالد
فلـو يســتطـيع لتقـتــيره تنفس من منخرٍ واحد
ويقول أيضاً:
لو أن بيتك يا ابن يوسف كله إبر يضيق بها فضاء المنزل
وآتاك يوسف يستعيرك إبــرة ليخيط قد قميصه لم تفعل
فالإنسان يبخل على الناس ويقتر على نفسه؛ لأنه جبل على البخل مخافة الفقر، وإن أوتي خزائن السماوات والأرض.


 

قديم 21-10-2011, 03:56 PM   #664
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 101

(ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً "101" )
وقد سبق أن اقترح كفار مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة آيات ذكرت في قوله تعالى:

{وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "90" أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا "91" أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا "92" أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه .. "93"}
(سورة الإسراء)


فأراد الحق سبحانه أن يلفت نظره أن سابقيهم من اليهود أتتهم تسع آيات ونزلت عليهم دون أن يطلبوها، ومع ذلك كفروا، فالمسألة كلها تعنت وعناد من أهل الكفر في كل زمان ومكان. ومعنى

{بيناتٍ .. "101" }
(سورة الإسراء)


أي: واضحات مشهورات بلقاء كالصبح، لأنها حدثت جميعها على مرأى ومشهد من الناس. والمراد بالآيات التسع هنا هي الآيات الخاصة بفرعون؛ لأن كثيرين يخلطون بين معجزات موسى إلى فرعون، ومعجزاته إلى بني إسرائيل.
إذن: فقوله تعالى:

{ولقد آتينا موسى تسع آيات بيناتٍ .. "101"}
(سورة الإسراء)


هي الآيات التي أرسل بها إلى فرعون وقومه وهي: العصا التي انقلبت حية، واليد التي أخرجها من جيبه بيضاء منورة، وأخذ آل فرعون بالسنين ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ثم لما كذبوا أنزل الله عليهم الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، هذه تسع آيات خاصة بما دار بين موسى وفرعون.
أما المعجزات الأخرى مثل العصا التي ضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، ونتق الجبل فوقهم كأنه ظلة، وإنزال المن والسلوى عليهم، فهذه آيات خاصة ببني إسرائيل.
وقوله تعالى:

{فاسأل بني إسرائيل .. "101"}
(سورة الإسراء)


والأمر هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كيف يسأل بني إسرائيل الذين جاءهم موسى ـ عليه السلام ـ وقد ماتوا، والموجود الآن ذريتهم؟
نقول: لأن السؤال لذريتهم هو عين سؤالهم، لأنهم تناقلوا الأحداث جيلاً بعد جيل؛ لذلك قال تعالى مخاطباً بني إسرائيل المعاصرين لرسول الله:

{وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم "6"}
(سورة إبراهيم)


والنجاة لم تكن لهؤلاء، بل لأجدادهم المعاصرين لفرعون، لكن خاطبهم الحق بقوله (أنجاكم) لأنه سبحانه لو أهلك أجدادهم لما وجدوا هم، فكأن نجاة السابقين نجاة للاحقين.
ويسأل رسول الله بني إسرائيل لأنهم هم الأمة التي لها ممارسة مع منهج الله ووحيه، ولها اتصال بالرسل وبالكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل، أما مشركو قريش فليس لهم صلة سابقة بوحي السماء؛ لذلك لما كذبوا رسول الله خاطبه بقوله:

{قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب "43"}
(سورة الرعد)


لأن الذي عنده علم من الكتاب: اليهود أو النصارى عندهم علم في كتابهم وبشارة ببعثة محمد، وهم يعرفونه ويعرفون أوصافه وزمن بعثته، بل ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، بل وأكثر من معرفتهم لأبنائهم، كما قال واحد منهم.
وسؤال رسول الله لبني إسرائيل سؤال حجةٍ واستشهاد؛ لأن قومه سألوه وطلبوا أن يظهر لهم عدة آيات ـ سبق ذكرها ـ لكي يؤمنوا به، فأراد أن ينبههم إلى تاريخ إخوانهم وسابقيهم على مر العصور، وقد أنزل الله لهم الآيات الواضحات والمعجزات الباهرات ومع ذلك كفروا ولجوا ولم يؤمنوا، فقوم فرعون رأوا من موسى تسع آيات وكفروا، وقوم صالح:

{وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها .. "59"}
(سورة الإسراء)


وليتهم كذبوا وكفروا بهذه الآية فحسب، بل واعتدوا عليها وعقروها. لذلك قال تعالى:

{وما منعنا أن نرسل بالآيات .. "59"}
(سورة الإسراء)


أي: التي اقترحوها

{إلا أن كذب بها الأولون .. "59"}
(سورة الإسراء)


 

قديم 21-10-2011, 03:57 PM   #665
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 102

(قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا "102" )
أي: قال موسى لفرعون، والتاء في (علمت) مفتوحة أي: تاء الخطاب، فهو يكلمه مباشرة ويخاطبه: لقد علمت يا فرعون علم اليقين أنني لست مسحوراً ولا مخبولاً، وأن ما معي من الآيات مما شاهدته وعاينته من الله رب السماوات والأرض، وأنت تعلم ذلك جيداً إلا أنك تنكره، كما قال تعالى:

{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً .. "14"}
(سورة النمل)


إذن: فعندهم يقين بصدق هذه المعجزات، ولكنهم يجحدونها؛ لأنها ستزلزل سلطانهم، وتقوض عروشهم. وقوله تعالى:

{بصائر .. "102"}
(سورة الإسراء)


أي: أنزل هذه الآيات بصائر تبصر الناس، وتفتح قلوبهم، فيقبلوا على ذلك الرسول الذي جاء بآية معجزة من جنس ما نبغ فيه قومه.
ثم لم يفت موسى ـ عليه السلام ـ وقد ثبتت قدمه، وأرسى قواعد دعوته أمام الجميع أن يكلم فرعون من منطلق القوة، وأن يجابهه واحدة بواحدة، فيقول:

{وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً "102"}
(سورة الإسراء)


فقد سبق أن قال فرعون:

{إني لأظنك يا موسى مسحوراً "101"}
(سورة الإسراء)


فواحدة بواحدة، والبادي أظلم.
والمثبور: الهالك، أو الممنوع من كل خير، وكأن الله تعالى اطلع موسى على مصير فرعون، وأنه هالك عن قريب. وعلى هذا يكون المجنون على أية حال احسن من المثبور، فالمجنون وإن فقد نعمة العقل إلا أنه يعيش كغيره من العقلاء، بل ربما افضل منهم، لأنك لو تأملت حال المجنون لوجدته يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء دون أن يتعرض له أحد أو يحاسبه أحد، وهذا منتهى ما يتمناه السلاطين والحكام وأهل الجبروت في الأرض، فماذا ينتظر القادة والأمر إلا أن تكون كلمتهم نافذة، وأمرهم مطاعاً؟ وهذا كله ينعم به المجنون.
وهنا يقول قائل: ما الحكمة من بقاء المجنون على قيد الحياة، وقد سلبه الله أعظم ما يملك، وهو العقل الذي يتميز به؟
نقول: أنت لا تدري أن الخالق سبحانه حينما سلبه العقل ماذا أعطاه؟ لقد أعطاه ما لو عرفته أنت أيها العاقل لتمنيت أن تجن!! ألا تراه يسير بين الناس ويفعل ما يحلو له دون أن يعترضه أحد، أو يؤذيه أحد، الجميع يعطف عليه ويبتسم في وجهه، ثم بعد ذلك لا يحاسب في الآخرة، فأي عز أعظم من هذا؟
إذن: سلب أي نعمة مساوية لنعم الآخرين فيها عطاء لا يراه ولا يستنبطه إلا اللبيب، فحين ترى الأعمى مثلاً فإياك أن تظن أنك افضل منه عند الله، لا ليس منا من هو ابن الله، وليس منا من بينه وبين الله نسب، نحن أمام الخالق سبحانه سواء، فهذا الذي حرم نعمة البصر عوض عنها في حواس أخرى، يفوقك فيها ـ أنت أيها المبصر ـ بحيث تكون الكفة في النهاية مستوية.
واسمع إلى أحد العميان يقول:
عميت جنيناً والذكاء من العمى فجئت عجيب الظن للعلم موئلاً
وغاب ضياء العين للقلب رافداً لعلم إذا ما ضيع الناس حصلا
فحدث عن ذكاء هؤلاء وفطنتهم وقوة تحصيلهم للعلم ولا حرج، وهذا أمر واضح يشاهده كل من عاشر أعمى. وهكذا تجد كل أصحاب العاهات الذين ابتلاهم الخالق سبحانه بنقص في تكوينهم يعوضهم عنه في شيء آخر عزاءً لهم عما فاتهم، لكن هذا التعويض غالباً ما يكون دقيقاً يحتاج إلى من يدركه ويستنبطه.


 

قديم 21-10-2011, 03:57 PM   #666
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 103

(فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا "103")
(فأراد) أي: فرعون. (أن يستفزهم) كلمة "استفز" سبق الكلام عنها في قوله تعالى:

{واستفزز من استطعت منهم بصوتك .. "64"}
(سورة الإسراء)


فالاستفزاز هو الإزعاج بالصوت العالي، يقوم المنادي ويخف من مكانه، وهذا الصوت أو هذه الصيحة يخرجها الفارس أو اللاعب كما نرى في لعبة الكراتيه مثلاً ليزعج الخصم ويخيفه، وأيضاً فإن هذه الصيحة تشغل الخصم، وتأخذ جزءاً من تفكيره، فيقل تركيزه، فيمكن التغلب عليه. ومن الاستفزاز قول أحدنا لابنه المتكاسل: فز. أي: انهض وخف للقيام.
إذن: المعنى: فأراد فرعون أن يستفزهم ويخدعهم خديعة تخرجهم من الأرض، فتخلو له من بعدهم، وهذا دليل على غباء فرعون وتغفيله وحماقته، فما جاء موسى إلا ليأخذ بني إسرائيل، كما جاء في قوله تعالى:

{فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين "16" أن أرسل معنا بني إسرائيل "17"}
(سورة الشعراء)


فكأن غباء فرعون أعان القدر الذي جاء به موسى ـ عليه السلام ـ ولكن كان لله تعالى إرادة فوق إرادة فرعون، فقد أراد أن يخرج بني إسرائيل وتخلو له الأرض، وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يستفزه هو من الأرض كلها ومن الدنيا، فأغرقه الله تعالى وأخذه أخذ عزيز مقتدر، وعاجله قبل أن ينفذ ما أراد.
كما يقولون في الأمثال عند أهل الريف للذي هدد جاره بأن يحرق غلته وهي في الجرن، فإذا بالقدر يعالجه (والغلة لست فريك) أي: يعاجله الموت قبل نضج الغلة التي هدد بحرقها، فأغرقه الله ومن معه جميعاً.


 

قديم 21-10-2011, 03:58 PM   #667
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 104

(وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا "104" )
قوله تعالى: (من بعده) أي: من بعد موسى (اسكنوا الأرض) أغلب العلماء قالوا: أي الأرض المقدسة التي هي بيت المقدس، التي قال تعالى عنها:

{يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم .. "21"}
(سورة المائدة)


فكان ردهم على أمر موسى بدخول بيت المقدس:

{إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها .. "22"}
(سورة المائدة)


وقالوا:

{إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون "24"}
(سورة المائدة)


لكن كلمة (الأرض) هنا جاءت مجردة عن الوصف (اسكنوا الأرض) دون أن يقيدها بوصف، كما نقول: أرض الحرم، أرض المدينة، وإذا أردت أن تسكن إنساناً وتوطنه تقول: اسكن أي: استقر وتوطن في القاهرة أو الإسكندرية مثلاً، لكن اسكن الأرض، كيف وأنا موجود في الأرض بالفعل؟! لابد أن تخصص لي مكاناً اسكن فيه.
نقول: جاء قوله تعالى (اسكنوا الأرض) هكذا دون تقييد بمكان معين، لينسجم مع آيات القرآن التي حكمت عليهم بالتفرق في جميع أنحاء الأرض، فلا يكون لهم وطن يتجمعون فيه، كما قال تعالى:

{وقطعناهم في الأرض أمماً .. "168"}
(سورة الأعراف)


والواقع يؤيد هذا، حيث نراهم متفرقين في شتى البلاد، إلا أنهم ينحازون إلى أماكن محددة لهم يتجمعون فيها، ولا يذوبون في الشعوب الأخرى، فتجد كل قطعة منهم كأنها أمة مستقلة بذاتها لا تختلط بغيرها. وقوله تعالى:

{فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً "104"}
(سورة الإسراء)


والمراد بوعد الآخرة: هو الإفساد الثاني لبني إسرائيل، حيث قال تعالى عن إفسادهم الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا "4" فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا "5"}
(سورة الإسراء)


فقد جاس رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال ديارهم في المدينة، وفي بني قريظة وبني قينقاع، وبني النضير، وأجلاهم إلى أذرعات بالشام، ثم انقطعت الصلة بين المسلمين واليهود فترة من الزمن.
ثم يقول تعالى عن الإفسادة الثانية لبني إسرائيل:

{فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً "7"}
(سورة الإسراء)


وهذه الإفسادة هي ما نحن بصدده الآن، حيث سيتجمع اليهود في وطن واحد ليتحقق وعد الله بالقضاء عليهم، وهل يستطيع المسلمون أن ينقضوا على اليهود وهم في شتيت الأرض؟ لابد أن الحق سبحانه أوحى إليهم بفكرة التجمع في وطن قومي لهم كما يقولون، حتى إذا أراد أخذهم لم يفلتوا، ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
وهذا هو المراد من قوله تعالى:

{جئنا بكم لفيفاً "104"}
(سورة الإسراء)



 

قديم 21-10-2011, 03:58 PM   #668
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 105

(وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا"105" )
قوله تعالى:

{وبالحق أنزلناه .. "105"}
(سورة الإسراء)


الحق من حق الشيء. أي: ثبت، فالحق هو الشيء الثابت الذي لا يطرأ عليه التغيير أبداً، أما الباطل فهو متغير متلون لأنه زهوق، والباطل له ألوان متعددة، والحق ليس له إلا لون واحد. لذلك لما ضرب الله لنا مثلاً للحق والباطل، قال سبحانه:

{أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال "17"}
(سورة الرعد)


فإن رأيت في عصر من العصور خوراً يصيب أهل الحق، وعلواً يحالف أهل الباطل فلا تغتر به، فهو علو الزبد يعلو صفحة الماء، ولا ينتفع الناس به، وسرعان ما تلقى به الريح هنا وهناك لتجلو صفحة الماء الناصعة المفيدة، أما الزبد فيذهب جفاءً دون فائدة، ويمكث في الأرض الماء الصافي الذي ينتفع الناس به في الزراعة ونحوها.
وهكذا الباطل متغير متقلب لا ينتفع به، والحق ثابت لا يتغير لأنه مظهرية من مظهريات الحق الأعلى سبحانه، وهو سبحانه الحق الأعلى الذي لا تتناوله الأغيار. وقوله:

{أنزلناه .. "105"}
(سورة الإسراء)


ونلاحظ هنا أن ضمير الغائب في (أنزلناه) لم يتقدم عليه شيء يوضح الضمير ويعود إليه، صحيح أن الضمير أعرف المعارف، لكن لابد له من مرجع يرجع إليه. وهنا لم يسبق الضمير بشيء، كما سبق بمرجع في قوله تعالى:

{قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله .. "88"}
(سورة الإسراء)


فهنا يعود الضمير في (بمثله) إلى القرآن الذي سبق ذكره.
نقول: إذا لم يسبق ضمير الغائب بشيء يرجع إليه، فلابد أن يكون مرجعه متعيناً لا يختلف فيه اثنان، كما في قوله تعالى:

{قل هو الله أحد "1"}
(سورة الإخلاص)


فهو ضمير للغائب لم يسبق بمرجع له؛ لأنه لا يرجع إلا إلى الله تعالى، وهذا أمر لا يختلف عليه. كذلك في قوله تعالى:

{وبالحق أنزلناه .. "105"}
(سورة الإسراء)


أي: القرآن؛ لأنه شيء ثابت متعين لا يختلف عليه. وجاء الفعل أنزل للتعدية، فكأن الحق سبحانه كان كلامه ـ وهو القرآن ـ محفوظاً في اللوح المحفوظ، إلى أن يأتي زمان مباشرة القرآن لمهمته، فأنزله الله جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، كما قال تعالى:

{إنا أنزلناه في ليلة القدر "1"}
(سورة القدر)


وهذا هو المراد من قوله (أنزلناه) ثم ننزله منجماً حسب الأحداث في ثلاث وعشرين سنة مدة الدعوة كلها، فكلما حدث شيء نزل القسط أو النجم الذي يعالج هذه الحالة. و

{أنزلناه .. "105"}
(سورة الإسراء)


أي: نحن، فالمراد الحق سبحانه وتعالى هو الذي حفظه في اللوح المحفوظ، وهو الذي أنزله، وأنزله على الأمين من الملائكة الذي اصطفاه لهذه المهمة.

{نزل به الروح الأمين "193"}
(سورة الشعراء)


أي: جبريل ـ عليه السلام ـ الذي كرمه الله وجعله روحاً، كما جعل القرآن روحاً في قوله:

{وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا .. "52"}
(سورة الشورى)


وقال عنه أيضاً:

{إنه لقول رسولٍ كريمٍ "19"}
(سورة التكوير)


والكريم لا يكتم شيئاً مما أوحى إليه:

{ذي قوةٍ عند ذي العرش مكينٍ "20" مطاعٍ ثم أمينٍ "21"}
(سورة التكوير)


 

قديم 21-10-2011, 03:58 PM   #669
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 106

(وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا "106" )
معنى (فرقناه) أي: فصلناه، أو أنزلناه مفرقاً منجماً حسب الأحداث (على مكثٍ) على تمهل وتؤدة وتأن.
وقد جاءت هذه الآية للرد على الكفار الذين اقترحوا أن ينزل القرآن جملة واحدة، كما قال تعالى حكاية عنهم:

{وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة .. "32" }
(سورة الفرقان)


وأول ما نلحظه عليهم أن أسلوبهم فضحهم، وأبان ما هم فيه من تناقض، ألم يسبق لهم أن اتهموا الرسول بافتراء القرآن. وهاهم الآن يقرون بأنه نزل عليه، أي: من جهة أعلى، ولا دخل له فيه، وقد سبق أن أوضحنا أنهم لا يتهمون القرآن، بل يتهمون رسول الله الذي نزل عليه القرآن.
ثم يتولى الحق سبحانه الرد عليهم في هذا الاقتراح، ويبين أنه اقتراح باطل لا يتناسب وطبيعة القرآن، فلا يصح أن ينزل جملة واحدة كما اقترحوا للأسباب الآتية:

1. {كذلك لنثبت به فؤادك .. "32" }
(سورة الفرقان)


(كذلك) أي: أنزلناه كذلك على الأمر الذي تنتقدونه من أنه نزل مفرقاً منجماً حسب الأحداث

{لنثبت به فؤادك .. "32"}
(سورة الفرقان)


لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتعرض لكثير من تعنتات الكفار، وسيقف مواقف محرجة من تعذيب وتنكيل وسخرية واستهزاء، وهو في كل حالة من هذه يحتاج لتثبيت وتسلية.
وفي نزول الوحي عليه يوماً بعد يوم، وحسب الأحداث ما يخفف عنه، وما يزيل عن كاهله ما يعاني من مصاعب ومشاق الدعوة وفي استدامة الوحي ما يصله دائماً بمن بعثه وأرسله، أما لو نزل القرآن جملة واحدة لكان التثبيت أيضاً مرة واحدة، ولفقد رسول الله جانب الصلة المباشرة بالوحي، وهذا هو الجانب الذي يتعلق في الآية برسول الله.
2. {ورتلناه ترتيلاً "32"}
(سورة الفرقان)


أي: نزلناه مرتلاً مفرقاً آية بعد آية، والرتل: هو المجموعة من الشيء. كما نقول: رتل من السيارات، وهكذا نزل القرآن مجموعة من الآيات بعد الأخرى، وهذه الطريقة في التنزيل تيسر للصحابة حفظ القرآن والعمل به، فكانت هذه الميزة خاصة بالصحابة الذي حفظوا القرآن، وما زلنا حتى الآن نجزئ القرآن للحفظة، ونجعله ألواحاً، يحفظ الله تلو الآخر.
3. {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً "33"}
(سورة الفرقان)


وهذه للمخالفين لرسول الله، وللمعاندين لمنهج الله الذين سيعترضون عليه، ويحاولون أن يستدركوا عليه أموراً، وإن يتهموا رسول الله، فلابد من الرد عليهم وإبطال حججهم في وقتها المناسب، ولا يتأتى ذلك إذا نزل القرآن جملة واحدة.
(ولا يأتونك بمثل) أي: بشيء عجيب يستدركون به عليك (إلا جئناك بالحق) أي: رداً عليهم بالحق الثابت الذي لا جدال فيه. وإليك أمثلة لرد القرآن عليهم رداً حياً مباشراً.
فلما اتهموا رسول الله وقالوا:

{إن تتبعون إلا رجلا مسحورا "47"}
(سورة الإسراء)


رد القرآن عليهم بقوله تعالى:

{ن والقلم وما يسطرون "1" ما أنت بنعمة ربك بمجنون "2" وإن لك لأجرا غير ممنون "3" وإنك لعلى خلق عظيم "4"}
(سورة القلم)


ولما قالوا:

{ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق .. "7"}
(سورة الفرقان)


يرد القرآن عليهم بقوله تعالى:

{وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق .. "20"}
(سورة الفرقان)


فليس محمد صلى الله عليه وسلم بدعاً في هذه المسألة، فهو كغيره من الرسل الذين عرفت عنهم هذه الصفات، وفي هذا ما يؤكد سلامة الأسوة في محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه بشر مثل الذين أرسلنا إليهم من قبله، إنما لو كانت في محمد خاصية ليست في غيره ربما اعترضوا عليها واحتجوا بها.
لذلك كان من أدب النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه ومع صحابته أنه قال: "إنما أنا بشر يرد علي ـ أي بالوحي ـ فأقول: أنا لست كأحدكم، ويؤخذ مني فأقول: ما أنا إلا بشر مثلكم".
فانظر إلى أي حد كان تواضعه صلى الله عليه وسلم؟
ولما اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا:

{أفتري على الله كذباً أم به جنة .. "8"}
(سورة سبأ)


 

قديم 21-10-2011, 03:59 PM   #670
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 107

(قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا "107" )
قوله تعالى:

{قل آمنوا به أو لا تؤمنوا .. "107"}
(سورة الإسراء)


آمنوا: أمر، ولا تؤمنوا: نهي. والأمر والنهي نوعان من الطلب، والطلب أن تطلب من الأدنى أن يفعل، والنهي أن تطلب من الأدنى ألا يفعل، فإن كان الطلب من مساو لك فهو التماس، وإن كان من أعلى منك فهو دعاء.
لذلك حينما نقول للطالب أعرب: (رب اغفر وارحم) يقول: اغفر فعل أمر، نقول له: أنت سطحي العبارة؛ لأن الأمر هنا من الأدنى للأعلى، من العبد لربه تبارك وتعالى، فلا يقال: أمر، إنما يقال: دعاء.
والطاعة أن تمتثل الأمر والنهي، فهل نقول في قوله تعالى:

{قل آمنوا به أو لا تؤمنوا .. "107"}
(سورة الإسراء)


أنها للتخير، فإن آمنوا فقد أطاعوا، وكذلك إن لم يؤمنوا فقد أطاعوا أيضاً؟
نقول: الأمر والنهي هنا لا يراد منه الطلب، بل يراد به التهديد أو التسوية كما تقول لابنك حين تلاحظ عليه الإهمال: ذاكر أو لا تذاكر، أنت حر؛ لاشك أنك لا تقصد النهي عن المذاكرة، بل تقصد تهديده وحثه على المذاكرة. فقوله:

{قل آمنوا به أو لا تؤمنوا .. "107"}
(سورة الإسراء)


للتسوية كما قال:

{فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .. "29"}
(سورة الكهف)


فهذا ليس أمراً بحيث أن الذي يفعل الأمر أو النهي يكون طائعاً، بل المراد هنا التهديد أو التسوية، فسواء آمنوا أو كفروا؛ لأن الحق سبحانه جعل في ذلك عزاءً لرسوله صلى الله عليه وسلم في إيمان أهل الكتاب.

{إن الذين أتوا العلم من قبله .. "107"}
(سورة الإسراء)


أي: اليهود والنصارى الذين ارتاضوا بالكتب السماوية، واستمعوا للتوارة والإنجيل، ونقلوها إلى غيرهم من المعاصرين للقرآن فهؤلاء شاهدون بأن الرسول حق بما عندهم من بشارة به في التوراة والإنجيل؛ لذلك يتركون دينهم ويسارعون إلى الإسلام؛ لأنهم يعلمون علم اليقين أنه الدين الحق.
ومن هؤلاء عبد الله بن سلام، وكان من علماء اليهود، وكان يعلم أوصاف رسول الله وزمن بعثته؛ لذلك قال: لقد عرفته حين رأيته كمعرفتي لابني، ومعرفتي لمحمد أشد.
ولما اختمر الإسلام في نفسه ذهب إلى رسول الله وصارحه بما نوى من اعتناق الإسلام، وقال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت فإن أعلنت إسلامي الآن قالوا في ما ليس في، فاسألهم عني وأنا ما زلت على دينهم، وانظر ما يقولون، فسألهم رسول الله: ما تقولون في ابن سلام؟ فقالوا: حبرنا وابن حبرنا، ووصفوه بخير الصفات، وأطيب الخصال، فقال عبد الله: يا رسول الله، أما وقد قالوا في ما قالوا فأشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله، فإذا بهم يذمونه ويتهمونه بأخس الخصال، فقال: يا رسول الله ألم أقل لك إنهم قوم بهت.
إذن: ففي إيمان عبد الله بن سلام وغيره من اليهود والنصارى الذين عرفوا رسول الله بأوصافه في كتبهم وعرفوا موعد بعثته وأنه حق، في إيمان هؤلاء عزاء لرسول الله حين كفر به قومه وكذبوه لذلك قال تعالى:

{قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب "43"}
(سورة الرعد)


 

قديم 21-10-2011, 03:59 PM   #671
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 108

(ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً "108" )
أي: يقولون حال سجودهم: سبحان ربنا الذي وفى بوعده في التوراة والإنجيل، وبعث الرسول الخاتم ومعه القرآن، سبحانه حقق لنا وعده وأدركناه وآمنا به، وكأن هذه نعمة يحمدون الله عليها.


 

قديم 21-10-2011, 03:59 PM   #672
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 109

(ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً "109" )
لقد خروا ساجدين لله تعالى قبل ذلك لأنهم أدركوا القرآن الذي نزل على محمد، وتحقق لهم وعد الله فعاصروه وآمنوا به. أما هذه المرة فيخرون ساجدين لما سمعوا القرآن تفصيلاً وانفعلوا به، فيكون له انفعال آخر، لذلك يزيد هنا الخشوع والخضوع، فيقول:

{ويخرون للأذقان يبكون .. "109"}
(سورة الإسراء)


 

قديم 21-10-2011, 03:59 PM   #673
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 110

(قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً "110" )
(ادعوا) اذكروا، أو نادوا، أو اطلبوا (الله) علم على واجب الوجود سبحانه، ومعنى: علم على واجب الوجود أنها إذا أطلقت انصرفت للذات الواجبة الوجود وهو الحق سبحانه، كما نسمي شخصاً، فإذا أطلق الاسم ينصرف إلى المسمى.
والأسماء عندنا أنواع كثيرة: إما اسم، أو كنية، أو لقب.
الاسم: وهو أغلب الأعلام، ويطلق على المولود بعد ولادته ويعرف المولود به.
والكنية: وتطلق على الإنسان، وتسبق بأب أو أم أو ابن أو بنت، كما نقول: أبو بكر، وأم المؤمنين.
واللقب: وصف يشعر بالمدح أو الذم، كما نقول: الصديق، الشاعر، الفاروق.
فإذا كان الاسم معه شريك غيره لابد لتمييزه من وصفه وصفاً يعرف به، كما يحدث أن يألف شخص أن يسمي أولاده جميعاً: محمد فالتسمية في هذه الحالة لا تشخص ولا تعين المسمي؛ لذلك لابد أن نصف كل واحد منهم بصفة فنقول: محمد الكبير، محمد الصغير. محمد المهندس. فإذا أطلق الاسم بصفته ينصرف إلى شخص معين.
وإذا كنا نحن نسمي أولادنا: فإن الحق سبحانه سمى نفسه بأسمائه التي قال عنها: الأسماء الحسنى، وكلمة (حسنى) أفعل تفضيل للمؤنث، مثل: كبرى. والمذكر منها احسن. لكن لماذا وصف أسماءه تعالى بالحسنى؟
الاسم يبين المسمي، لكن الأسماء عند البشر قد لا تنطبق على المسمي الذي أطلقت عليه، فقد نسمي شخصاً "سعيد" وهو شقي، أو نسمي شخصاً "ذكي" وهو غبي. وهذا ليس بحسن في الأسماء، الحسن في الاسم أن يطابق الاسم المسمى، ويتوفر في الشخص الصفة التي أطلقت عليه، فيكون الشخص الذي سميناه "سعيد" سعيداً فعلاً.
وهكذا يكون الاسم حسناً، لكنه لا يأخذ الحسن الأعلى؛ لأن الحسن الأعلى لأسماء الله التي سمى بها نفسه، فله الكمال المطلق. فهذه ـ إذن ـ لا تتأتى في تسمية البشر، فكثيراً ما تجد "عادل" وهو ظالم، و"شريف" وليس بشريف؛ لذلك قلنا:
وأقبح الظلم بعد الشرك منزلة أن يظلم اسم مسمى ضده جعلا
فشارع كمعاد الدين تسمية لكنه لعناد الدين قد جعلا
فالاسم قد يظلم المسمى كما حدث أن سموا الشارع (عماد الدين)، وهذا الشارع كان في الماضي بؤرة للفسق والفجور، وما أبعد سابقاً عن هذه التسمية.
فلفظ الجلالة (الله) علم على واجب الوجود، وبعد ذلك جاءت صفات غلبت عليه، بحيث إذا أطلقت لا تنصرف إلا إليه. فإذا قلنا: العزيز على إطلاقه فإنها لا تنصرف إلا لله تعالى، لكن يمكن أن نقول فلان العزيز في قومه، فلان الرحيم بمن معه، فلان النافع لمن يتصل به، إنما لو قلت: النافع على إطلاقه فهو الله سبحانه وتعالى.
لذلك؛ حلت الصفات محل اسم الذات (الله)؛ لأنها إذا أطلقت لا تنصرف إلا لله تعالى، فأسماء الله الحسنى هي في الأصل صفات له سبحانه.
ولو تأملنا هذه الأسماء لوجدناها على قسمين: أسماء ذات، وأسماء صفات فعلية، اسم الذات لا يتصف الله بمقابله، فالعزيز مثلاً اسم ذات فلا نقول في مقابله الذليل، والحي اسم ذات فلا نقول: الميت. أما اسم الصفة الفعلية فيكون له مقابل، فالمعز صفة فعل يعني يعز غيره، ومقابلها المذل، والضار مقابلها النافع، والمحيي مقابلها المميت وهكذا .. إن وجدت للاسم مقابلاً فاعلم أنه اسم لصفة الفعل من الله تعالى، وإذا لم يكن له مقابل فهو اسم ذات.
لكن تقف مثلاً عند الستار وهي صفة فعل لأنه يستر غيره، لكن ليس لها مقابل فلا نقول الفضاح، لماذا؟ لأنه تبارك وتعالى يريد أن يتخلق خلقه بهذه الصفة، وأن يربب صفة الستر عند الناس للناس، فلو علم الناس، عن أحد أمراً فاضحاً لزهدوا في كل ما يأتي من عنده ولو كان حسنة، وبذلك يحرم المجتمع من طاقات كثيرة من الخير.
لكن حين تستر على صاحب العيب عيبه، فإنك تعطي للمجتمع فرصة لينتفع بما لديه من صفات الخير؛ لذلك الله تعالى يعصي ويحب أن يتسر على عبده العاصي؛ لكي يستمر دولاب الحياة؛ لأنه لا يوجد أحد له كمال إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق القائل:
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
إذن: فمن الحكمة أن يأمر الله تعالى بستر غيب خلقه عن خلقه حتى تستمر حركة الحياة؛ لأن الإنسان ابن أغيار، وقلبه سريعاً ما يتقلب، ولربما لو عرفت عنك شيئاً مستوراً لتغيرت لك وأنت كذلك، ولربما تقطعت بيننا حبال المودة، إنما بالستر ينتفع كل منا بالآخر.
ومن هنا قالوا: لو تكاشفتم ما تدافنتم، أي: لو تكشفت الأسرار، وعرف كل منكم عيب أخيه ما دفنتم من يموت منكم، وهذا منتهى ما يمكن تصوره من التقاطع بين الناس.
فقوله تعالى:

{قل ادعوا الله .. "110"}
(سورة الإسراء)


فاختار هذا الاسم بالذات (الله) العلم على واجب الوجود، وهو اسم ذات لا يدل على صفة معينة، لكنه يحمل في طياته كل صفات الكمال فيه، فإن كانت للأسماء الأخرى مجالات، فالقادر في القدرة، والحكيم في الحكمة، والقابض في القبض، والعزيز في العزة. فإن لكل اسم مجالاً وسيالاً، فإن (الله) هو الاسم الجامع لكل الصفات.
لذلك في الحديث النبوي الشريف: "كل شيء لا يبدأ باسم الله فهو أبتر".
لماذا؟ لأنك حين تقدم على أي فعل تحتاج أولاً إلى حكمة لتعرف من خلالها لماذا تفعل، وتحتاج إلى قدرة تعينك على إنجازه، وتحتاج إلى علم بمصير هذا الفعل وعاقبته، إذن: تحتاج إلى صفات كثيرة، فحين تقبل على العمل لا تقل: يا حكيم يا قادر يا عليم، إنما الحق سبحانه يريحك، ويكفي أن تقول في الإقدام على الفعل: باسم الله. لأنك ذكرت الاسم الجامع لكل صفات الكمال.

{أو ادعوا الرحمن .. "110"}
(سورة الإسراء)


واختار الرحمن دون الجبار أو القهار؛ لأن الرحمة صفة التحنين للخلق، فالحق سبحانه وتعالى يظهر هذه الصفة لعباده حتى في أسماء الجبار والقهار؛ لأنها من خدم الرحمة ومن أسبابها؛ لأن العبد إذا عرف لله: صفة الجبروت، وصفة القهر، وصفة الانتقام انتهى عن أسباب الوقوع تحت طائلة هذه الصفات، فكأنه يرحم عباده حتى بصفات القهر والانتقام.


 

قديم 21-10-2011, 04:00 PM   #674
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 111

(وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا"111" )
فما المحمود عليه في الآية؟
الحق سبحانه يقول:

{الذي لم يتخذ ولداً .. "111"}
(سورة الإسراء)


فكونه سبحانه لم يتخذ ولداً نعمة كبيرة على العباد يجب أن يحمدوه عليها، فإن كان له ولد فسوف يخصه برعايته دون باقي الخلق، فقد تنزه سبحانه عن الولد، وجعل الخلق جميعهم عياله، وكلهم عنده سواء، فليس من بينهم من هو ابن لله أو من بينه وبين الله قرابة، وأحبهم إليه تعالى أتقاهم له، وهكذا ينفرد الخلق بكل حنان ربهم وبكل رحمته.
ثم، ما الحكمة من اتخاذ الولد؟ الناس يتخذون الولد ويحرصون على الذكر، خاصة لأمرين: أن يكون الولد ذكرى وامتداداً لأبيه بعد موته، كما قال الشاعر:
أبني يا أنا بعدما أقضي
والحق سبحانه وتعالى باقٍ دائم، فلا يحتاج لمن يخلد ذكراه، أو يكون امتداداً له، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فالحمد لله أنه لم يتخذ ولداً.
أو يكون الولد للعزوة والمكاثرة والتقوى به من ضعف، والحق سبحانه وتعالى هو الغالب القهار، فلا يحتاج إلى عزوة أو كثرة، لذلك يأمرنا سبحانه أن نمجده لأنه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، والمتأمل في حال الملوك والسلاطين يجد أكثر فسادهم إما من الولد وإما من الصاحبة.
ثم يقول سبحانه:

{ولم يكن له شريك في الملك .. "111" }
(سورة الإسراء)


وهذا أيضاً من النعم التي تستوجب الحمد، ولك أن تتصور لو أن لله تعالى شريكاً في الملك، كم تكون حيرة العباد، فأيهما تطيع وأيهما ترضي؟
لقد أوضح لنا الحق سبحانه هذه المسألة في هذا المثل الذي ضربه لنا:

{ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا .. "29"}
(سورة الزمر)


لذلك، ففي أعراف الناس وأمثالهم يقولون: (المركب التي بها ريسين تغرق) وكونه سبحانه واحداً لا شريك له يجعلك تطمئن إلى أمره ونهيه فتطيعه وأنت مطمئن، فأوامره سبحانه نافذة لا معقب لها، ولا معترض عليها، فليس هناك إله آخر يأمرك بأمر مخالف، أليست هذه نعمة تستوجب الحمد؟
وأيضاً فإن الحق سبحانه يقول:

{ولم يكن له ولي من الذل .. "111"}
(سورة الإسراء)


الولي: هو الذي يليك، وأنت لا تجعل أمرك إلا لمن تثق به أنه يجلب لك نفعاً، أو يدفع عنك ضراً، أو ينصرك أمام عدو، أو يقوي ضعفك، فإذا لم يكن لك ذاتية تحقق بها ما تريد تلجأ لمن له ذاتية، وتحتمي برحابه، وتجعل ولاءك له.
والحق سبحانه ليس له ولي يلجأ إليه ليعزه؛ لأنه سبحانه العزيز المعز القائم بذاته سبحانه، ولا حاجة له إلى أحد. ثم يقول تعالى:

{وكبره تكبيراً .. "111"}
(سورة الإسراء)


لأن عظمة الحق سبحانه في نفس المؤمن اكبر من كل شيء، وأكبر من كل كبير؛ لذلك جعلت (الله اكبر) شعار أذانك وصلاتك، فلابد أن تكبر الله، وتجعله اكبر مما دونه من الأغيار، فإن ناداك وأنت في أي عمل فقل: الله اكبر من عملي، وإن ناداك وأنت في حضرة عظيم، فقل: الله اكبر من أي عظيم، كبره تكبيراً بأن تقدم أوامره ونواهيه على كل أمر، وعلى كل نهي.
ولا تنس أنك إن كبرت الحق سبحانه وتعالى أعززت نفسك بعزة الله التي لا يعطيها إلا لمن يخلص العبودية له سبحانه، فضلاً عن أن العبودية لله شرف للعبد، وبها يأخذ العبد خير سيده، أما العبودية للبشر فهي مذمومة مكروهة، وهي مذلة وهوان، حيث يأخذ السيد خير عبده.
وصدق الشاعر حين قال:
حسب نفسي عزاً بأني عبد يحتفي بي بلا مواعيد رب
هو في قدسه الأعز ولكن أنا ألقي متى وأين أحب
فكم تتحمل من المشقة والعنت في مقابلة عظيم من عظماء الدنيا، أما في مقابلة رب العزة سبحانه، فبمجرد أن آمنت به أصبح الزمام في يدك تلقاه متى شئت، وفي أي مكان أردت، وتحدثه في أي أمر أحببت، فأي عزة بعد هذا؟
ولذلك كانت حيثية الرفعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج أنه عبد لله، حيث قال تعالى:

{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .. "1"}
(سورة الإسراء)


فالعزة في العبودية لله، والعزة في السجود له تعالى، فعبوديتك لله تعصمك من العبودية لغيره، وسجودك له تعالى يعصمك من السجود لغيره، ألا ترى قول الشاعر:
والســجود الذي تجـتويه من ألوف السجود فيه نجاة
إذن: فكبر الله تكبيراً وعظمة، والتجئ إليه، فمن التجأ إلى الله تعالى كان في معيته، وأفاض عليه الحق من صفاته، وعصمه من كيد الآخرين وقهرهم. وسبق أن ضربنا مثلاً بالولد الصغير الذي يعتدي عليه أقرانه إن سار وحده، فإن كان في يد أبيه فلا يجرؤ أحد على الاعتداء عليه.


 

قديم 23-10-2011, 05:17 PM   #675
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 1

(الر تلك آيات الكتاب المبين "1")
لقد تعرضنا من قبل لفواتح السور؛ من أول سورة البقرة، وسورة آل عمران، وقلنا: إن فواتح بعض من سور القرآن تبدأ بحروف مقطعة؛ ننطقها ونحن نقرؤها بأسماء الحروف، لا بمسميات الحروف. فإن لكل حرف اسماً ومسمى، واسم الحرف يعرفه الخاصة الذين يعرفون القراءة والكتابة، أما العامة الذين لا يعرفون القراءة أو الكتابة؛ فهم يتكلمون بمسميات الحروف، ولا يعرفون أسماءها.
فإن الأمي إذا سئل أن يتهجى أي كلمة ينطقها، وأن يفصل حروفها نطقاً؛ لما عرف، وسبب ذلك أنه لم يتعلم القراءة والكتابة، أما المتعلم فهو يعرف أسماء الحروف ومسمياتها. ونحن نعلم أن القرآن قد نزل مسموعاً، ولذلك أقول: إياك أن تقرأ كتاب الله إلا أن تكون قد سمعته أولاً؛ فإنك إذا قرأته قبل أن تسمعه فسيستوي عندك حين تقرأ في أول سورة البقرة:

{الم "1"}
(سورة البقرة)


، مثلما تقول في أول سورة الشرح:

{ألم "1"}
(سورة الشرح)


، أما حين تسمع القرآن فأنت تقرأ أول سورة البقرة كما سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبريل ـ عليه السلام ـ "ألف لام ميم"، وتقرأ أول سورة الشرح "ألم".
وأقول ذلك لأن القرآن ـ كما نعلم ـ ليس كأي كتاب تقبل عليه لتقرأه من غير سماع، لا. بل هو كتاب تقرؤه بعد أن تسمعه وتصحح قراءتك على قارئ؛ لتعرف كيف تنطق كل قول كريم، ثم من بعد ذلك لك أن تقرأ بعد أن تعرفت على كيفية القراءة؛ لأن كل حرف في الكتاب الكريم موضوع بميزان وبقدر. ونحن نعلم أيضا أن آيات القرآن منها آيات محكمات وأخر متشابها. والآيات المحكمات تضم الأحكام التي عليك أن تفعلها لتثاب عليها، وإن لم تفعلها تعاقب، وكل ما في الآيات المحكمات واضح.
أما الآيات المتشابهات إنما جاءت متشابهة لاختلاف الإدراك من إنسان لآخر، ومن مرحلة عمرية لأخرى، ومن مجتمع لآخر، والإدراكات لها وسائل يتشابه فيها الناس، مثل: العين، والأذن، والأنف، واللسان، واليد. ووسائل الإدراك هذه؛ لها قوانين تحكمها: فعينك يحكمها قانون إبصارك، الذي يمتد إلى أن تلتقي خطوط الأشعة عند بؤرة تمتنع رؤيتك عندها؛ ولذلك تصغر الأشياء تدريجيا كلما ابتعدت عنها إلى أن تتلاشى من حدود رؤيتك.
وصوتك له قانون؛ تحكمه ذبذبات الهواء التي تصل إلى أدوات السمع داخل أذنك. وكذلك الشم له حدود؛ لأنك لا تستطيع شم وردة موجودة في بلد بعيدة. وكذلك العقل البشري له حدود يدرك بها، وقد علم الله كيف يدرك الإنسان الأمور، فلم يمنع تأمل وردة جميلة، لكنه أمر بغض البصر عند رؤية أي امرأة. وهكذا يحدد لك الحق الحلال الذي تراه، ويحدد لك الحرام الذي يجب أن تمتنع عن رؤيته. وكذلك في العقل؛ قد يفهم أمراً وقد لا يفهم أمراً آخر، وعدم فهمك لذلك الأمر هو لون من الفهم أيضاً، وإن تساءلت كيف؟
انظر إلى موقف تلميذ في الإعدادية؛ وجاء له أستاذه بتمرين هندسي مما يدرسه طلبة الجامعة؛ هنا سيقول التلميذ الذكي لأستاذه: نحن لم نأخذ الأسس اللازمة لحل مثل هذا التمرين الهندسي، هذا القول يعني أن التلميذ قد فهم حدوده. وهكذا يعلمنا الله الأدب في استخدام وسائل الإدراك؛ فهناك أمر لك أن تفهمه؛ وهناك أمر تسمعه من ربك وتطيعه، وليس لك أن تفهمه قبل تنفيذه؛ لأنه فوق مستوى إدراكك.
ودائما أقول هذا المثل ـ ولله المثل الأعلى ـ إنك حين تنزل في فندق كبير، تجد أن لكل غرفة مفتاحاً خاصاً بها، لا يفتح أي غرفة أخرى، وفي كل دور من أدوار الفندق يوجد مفتاح يصلح لفتح كل الأدوار، ولا يفهم هذا الأمر إلا المتخصص في تصميم مثل تلك المفاتيح. فما بالنا بكتاب الله تعالى، وهو الكتاب الجامع في تصميم مثل تلك المفاتيح. فما بالنا بكتاب الله ـ تعالى ـ وهو الكتاب الجامع الذي يقول فيه الحق ـ تبارك وتعالى:

{منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب "7"}
(سورة آل عمران)


إذن: فهذا المتشابه يعتبره أهل الزيغ فرصة لتحقيق مأربهم، وهو إبطال الدين بأي وسيلة وبأي طريقة، ويحاولون ممارسة التكبر على كتاب الله. ولهؤلاء نقول: لقد أراد الله أن يكون بعض من سور الكتاب الكريم مبتدئة بحروف تنطق بأسمائها لا بمسمياتها. وقد أرادها الحق ـ سبحانه ـ كذلك ليختبر العقول؛ فكما أطلق ـ سبحانه ـ للعقل البشري التفكير في أمور كثيرة؛ فهناك بعض من الأمور يخيب فيها التفكير، فلا يستطيع العقل إدراك الأشياء التي تفوق حدود عقله.


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:48 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا