المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 03-10-2011, 07:43 PM   #91
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 91

(وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا يؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين "91")
يبين لنا الحق سبحانه وتعالى موقف اليهود .. من عدم الإيمان برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. مع أنهم أومروا بذلك في التوراة .. فيقول جل جلاله: "وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله" أي إذا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا بالإسلام وأن يؤمنوا بالقرآن رفضوا ذلك "وقالوا نؤمن بما أنزل علينا" أي نؤمن بالتوراة ونكفر بما وراءه، أي بما نزل بعده. ونحن نعرف أن الكفر هو الستر .. ولو أن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء يناقض ما عندهم ربما قالوا: جاء ليهدم ديننا ولذلك نكفر به .. ولكنه جاء بالحق مصدقا لما معهم.
إذن حين يكفرون بالقرآن يكفرون أيضا بالتوراة .. لأن القرآن يصدق ما جاء في التوراة. وهنا يقيم الله تبارك وتعالى عليهم الحجة البالغة .. إن كفركم هذا وسلوكك ضد كل نبي جاءكم .. ولو أنكم تستقبلون الإيمان حقيقة بصدر رحب .. فقولوا لنا لم قتلتم أنبياء الله؟ .. ولذلك يقول الحق: "فلم تقتلون أنبياء الله من قبل" .. هل هناك في كتابكم التوراة أن تقتلوا أولياء الله .. كأن الحق سبحانه وتعالى قد أخذ الحجة من قولهم: "نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وارءه" .. إذا كان هذا صحيحا وأنكم تؤمنون بما أنزل عليكم فهاتوا لنا مما أنزل إليكم وهي التوراة ما يبيح لكم قتل الأنبياء إن كنتم مؤمنين بالتوراة .. وطبعا لم يستطيعوا ردا لأنهم كفروا بما أنزل عليهم .. فهم كاذبون في قولهم نؤمن بما أنزل علينا .. لأن ما ينزل عليهم لم يأمرهم بقتل الأنبياء .. فكأنهم كفروا بما أنزل عليهم .. وكفروا بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام.
والقرآن يأتينا بالحجة البالغة التي تخرس أفواه الكافرين وتؤكد أنهم عاجزون غير قادرين على الحجة في المناقشة .. وهنا لابد أن نتنبه إلي قوله تعالى: "فلم تقتلوا أنبياء الله من قبل" .. قوله تعالى: "من قبل" طمأنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلي أن قتلهم الأنبياء انتهى، وفي الوقت نفسه قضاء على آمال اليهود في أن يقتلوا محمدا عليه الصلاة والسلام .. والله يريد نزع الخوف من قلوب المؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ما جرى للرسل السابقين من بني إسرائيل لن يجري على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وبذلك قطع القرآن خط الرجعة على كل من يريد أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. لأن ذلك كان عهدا وانتهى .. وأنهم لو تآمروا على قتله عليه الصلاة والسلام فلن يفلحوا ولن يصلوا إلي هدفهم.
واليهود بعد نزول هذه الآية الكريمة لم يتراجعوا عن تآمرهم ولن يكفوا عن بغيهم في قتل الرسل والأنبياء .. فحاولوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة .. مرة وهو في حيهم ألقوا فوقه حجرا ولكن جبريل عليه السلام أنذره فتحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانه قبل إلقاء الحجر .. ومرة دسوا له السم، ومحاولات أخرى فشلت كلها. إذن فقوله تعالى: "من قبل" معناها .. إن كنتم تفكرون في التخلص من محمد صلى الله عليه وسلم بقتله كما فعلتم في أنبيائكم نقل لكم: إنكم لن تستطيعوا أن تقتلوه. ولقد كانت هذه الآية كافية لإلقاء اليأس في نفوسهم حتى يكفوا عن أسلوبهم في قتل الأنبياء ولكنهم ظلوا في محاولاتهم، وفي الوقت نفسه كانت الآية تثبيتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين. بأن اليهود مهما تآمروا فلن يمكنهم الله من شيء .. وقوله تعالى: "إن كنتم مؤمنين" .. أي بما أنزل إليكم.


 

قديم 03-10-2011, 07:43 PM   #92
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 92

(ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون "92")
بعد أن بين لنا الله سبحانه وتعالى رفضهم للإيمان بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بحجة أنهم يؤمنون بما أنزل إليهم فقط .. أوضح لنا أن هذه الحجة كاذبة وأنهم في طبيعتهم الكفر والإلحاد .. فقال سبحانه: "ولقد جاءكم موسى عليه السلام أيده الله ببينات ومعجزات كثيرة كانت تكفي لتملأ قلوبكم بالإيمان وتجعلكم لا تعبدون إلا الله .. فلقد شق لكم البحر ومررتم فيه وأنتم تنظرون وترون .. أي أن المعجزة لم تكن غيبا عنكم بل حدثت أمامكم ورأيتموها .. ولكنكم بمجرد أن تجاوزتم البحر وذهب موسى للقاء الله .. بمجرد أن حدث ذلك اتخذتم العجل إلها من دون الله وعبدتموه .. فكيف تدعون أنكم آمنتم بما أنزل إليكم .. لو كنتم قد آمنتم به ما كنتم اتخذتم العجل إلها.
والحق تبارك وتعالى يريد أن ينقض حجتهم في أنهم يؤمنون بما أنزل إليهم .. ويرينا أنهم ما آمنوا حتى بما أنزل إليهم .. فجاء بحكاية قتل الأنبياء .. ولو أنهم كانوا مؤمنين حقا بما أنزل إليهم فليأتوا بما يبيح لهم قتل أنبيائهم ولكنهم كاذبون .. أما الحجة الثانية فهي إن كنتم تؤمنون بما أنزل إليكم .. فقولوا لنا كيف وقد جاءكم موسى بالآيات الواضحة من العصا التي تحولت إلي حية واليد البيضاء من غير سوء والبحر الذي شققناه لكم لتنجو من قوم فرعون .. والقتيل الذي أحياه لله أمامكم بعد أن ضربتموه ببعض البقرة التي ذبحتموها .. آيات كثيرة ولكن بمجرد أن ترككم موسى وذهب للقاء ربه عبدتم العجل. إذن فقولكم نؤمن بما أنزل إلينا غير صحيح .. فلا أنتم مؤمنون بما أنزل إليكم ولا أنتم مؤمنون بما أنزل من بعدكم .. وكل هذه حجج الهدف منها عدم الإيمان أصلا.
وقوله تعالى: "ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون" .. واتخاذ العجل في ذاته ليس معصية إذا اتخذته للحرث أو للذبح لتأكل لحمه .. ولكن المعصية هي اتخاذ العجل معبودا .. وقوله تعالى: "اتخذتم العجل" .. أي أن ذلك أمر مشهود ولا إلي شهادة لأنه حدث علنا وأمام الناس كلهم .. وذكر حكاية العجل هذه ليشعروا بذنبهم في حق الله .. كأن يرتكب الإنسان خطأ ثم يمر عليه وقت .. وكلما أردنا أن نؤنبه ذكرناه بما فعل .. وقوله تعالى: "وأنتم ظالمون" .. أي ظالمون في إيمانكم .. ظالمون في حق الله بكفركم به.


 

قديم 03-10-2011, 07:43 PM   #93
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 93

(وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين " 93")
بعد أن ذكرهم الله سبحانه وتعالى بكفرهم بعبادتهم للعجل .. وكان هذا نوعا من التأنيب الشديد والتذكير بالكفر .. أراد أن يؤنبهم مرة أخرى وأن يذكرهم أنهم آمنوا خوفا من وقوع جبل الطور عليهم .. ولم يكن الجبل سيقع عليهم .. لأن الله لا يقهر أحدا على الإيمان .. ولكنهم بمجرد أن رأوا جبل الطور فوقهم آمنوا .. مثلهم كالطفل الذي وصف له الطبيب دواء مرا ليشفى ولذلك فإن رفع الله سبحانه وتعالى لجبل الطور فوقهم ليأخذوا الميثاق والمنهج .. لا يقال إنه فعل ذلك إرغاما لكي يؤمنوا .. إنه إرغام المحب .. يريد الله من خلقه ألا يعيشوا بلا منهج سماوي فرفع فوقهم جبل الطور إظهارا لقوته وقدرته تبارك وتعالى حتى إذا استشعروا هذه القوة الهائلة وما يمكن أن تفعله لهم وبهم آمنوا .. فكأنهم حين أحسوا بقدرة الله آمنوا .. تماما كالطفل الصغير يفتح فمه لتناول الدواء المر وهو كاره .. ولكن هل أعطيته الدواء كرها فيه أو أعطيته له قمة في الحب والإشفاق عليه؟
الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتهم إلي أنه لم يترك حيلة من الحيل حتى يتلقى بنو إسرائيل منهج الله الصحيح .. نقول إنه لم يترك حيلة إلا فعلها .. لكن غريزة الاستكبار والعناد منعتهم أن يستمروا على الإيمان .. تماما كما يقال للأب إن الدواء مر لم يحقق الشفاء وطفلك مريض .. فيقول وماذا افعل أكثر من ذلك أرغمته على شرب الدواء المر ولكنه لم يشف.
وقول الله تعالى: "ميثاقكم". هل الميثاق منهم أو هو ميثاق الله؟. طبعا هو ميثاق الله .. ولكن الله جل جلاله خاطبهم بقوله: "ميثاقكم" لأنهم أصبحوا طرفا في العقد .. وماداموا قد أصبحوا طرفا أصبح ميثاقهم .. ولابد أن نؤمن أن رفع جبل الطور فوق اليهود لم يكن لإجبارهم لأخذ الميثاق منهم حتى لا يقال أنهم أجبروا على ذلك .. هم اتبعوا موسى قبل أن يرفع فوقهم جبل الطور .. فلابد أنهم أخذوا منهجه باختيارهم وطبقوه باختيارهم لأن الله سبحانه وتعالى لم يبق الطور مرفوعا فوق رءوسهم أينما كانوا طوال حياتهم حتى يقال أنهم أجبروا .. فلو أنهم أجبروا لحظة وجوه جبل الطور فوقهم .. فإنهم بعد أن انتهت هذه المعجزة لم يكن هناك ما يجبرهم على تطبيق المنهج .. ولكن المسألة أن الله تبارك وتعالى .. حينما يرى من عباده مخالفة فإنه قد يخيفهم .. وقد يأخذهم بالعذاب الأصغر علهم يعودون إلي إيمانهم .. وهذا يأتي من حب الله لعباده لأنه يريدهم مؤمنين ..
ولكن اليهود قوم ماديون لا يؤمنون إلا بالمادة والله تبارك وتعالى أراد أن يريهم آية مادية على قلوبهم تخشع وتعود إلي ذكر الله .. وليس في هذا إجبار لأنه كما قلنا إنه عندما انتهت المعجزة كان يمكنهم أن يعودوا إلي المعصية .. ولكنها آية تدفع إلي الإيمان .. وقوله تعالى: "خذوا ما آتيناكم بقوة" لأن ما يؤخذ بقوة يعطى بقوة .. والأخذ بقوة يدل على عشق الآخذ للمأخوذ .. ومادام المؤمن يعشق المنهج فإنه سيؤدي مطلوباته بقوة .. فالإنسان دائما عندما يأخذ شيئا لا يحبه فإنه يأخذه بفتور وتهاون.
قوله تعالى: "واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا" .. القول هو عمل اللسان والفعل للجوارح كلها ما عدا اللسان .. هناك قول وفعل وعمل .. القول أن تنطق بلسانك والفعل أن تقوم جوارحك بالتنفيذ .. والعمل أن يطابق القول الفعل .. هم: "قالوا سمعنا وعصينا" هم سمعوا ما قاله لهم الله سبحانه وتعالى وعصوه .. ولكنها معطوفة على (قالوا) .. قالوا سمعنا في القول وفي الفعل عصينا .. وليس معنى ذلك أنهم قالوا بلسانهم عصينا في الفعل .. فالمشكلة جاءت من عطف عصينا على سمعنا .. فتحسب أنهم قالوا الكلمتين .. لا .. هم قالوا سمعنا ولكنهم لم ينفذوا فلم يفعلوا والله سبحانه وتعالى يريدهم أن يسمعوا سماع طاعة لا سماع تجرد أي مجرد سماع .. ولكنهم سمعوا ولم يفعلوا شيئا فكأن عدم فعلهم معصية.
قوله تعالى: "وأشربوا في قلوبهم العجل". الحق تبارك وتعالى يريد أن يصور لنا ماديتهم .. فالحب أمر معنوي وليس أمراً مادياً لأنه غير محسوس .. وكان التعبير يقتضي أن يقال وأشربوا حب العجل .. ولكن الذي يتكلم هو الله .. يريد أن يعطينا الصورة الواضحة الكاملة في أنهم أشربوا العجل ذاته أي دخل العجل إلي قلوبهم. لكن كيف يمكن أن يدخل العجل في هذا الضيق وهو القلب .. الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي الشيوع في كل شيء بكلمة أشربوا .. لأنها وصف لشرب الماء والماء يتغلغل في كل الجسم .. والصورة تعرب عن تغلغل المادية في قلوب بني إسرائيل حتى كأن العجل دخل في قلوبهم وتغلغل كما يدخل الماء في الجسم مع أن القلب لا تدخله الماديات.
ويقول الحق جل جلاله: "وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم" .. كأن الكفر هو الذي أسقاهم العجل .. هم كفروا أولا .. وبكفرهم دخل العجل إلي قلوبهم وختم عليها .. وقوله تعالى: "قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين" .. هم قالوا نؤمن بما أنزل علينا ولا نؤمن بما جاء بعده .. قل هل إيمانكم يأمركم بهذا؟ .. وهذا أسلوب تهكم من القرآن الكريم عليهم .. مثل قوله تعالى:

{أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنهم أناس يتطهرون }
(من الآية 56 سورة النمل)


هل الطهر والطهارة مبرر لإخراج آل لوط من القرية؟ .. طبعا لا .. ولكنه أسلوب تهكم واستنكار .. والحق أن إيمانهم بهذا بل يأمرهم بالإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم .. واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون "156" الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون "157"}
(سورة الأعراف)

هذا هو ما يأمرهم به إيمانهم .. أن يؤمنوا بالنبي الأمي محمد عليه الصلاة والسلام .. والله تبارك وتعالى يعلم ما يأمرهم به الإيمان لأنه منه جل جلاله .. ولذلك عندما يحاولون خداع الله .. يتهكم الله سبحانه وتعالى عليهم ويقول "بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين". وقوله تعالى: "إن كنتم مؤمنين" دليل على أنهم ليسوا مؤمنين .. ولكن لازال في قلوبهم الشرك والكفر أو العجل الذي عبدوه.


 

قديم 03-10-2011, 07:44 PM   #94
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 94

(قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين " 94")
والله سبحانه وتعالى يريد أن يفضح اليهود .. ويبين إن إيمانهم غير صحيح وأنهم عدلوا وبدلوا واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا .. وهو سبحانه يريدنا أن نعرف أن هؤلاء اليهود .. لم يفعلوا ذلك عن جهل ولا هم خدعوا بل هم يعملون أنهم غيروا وبدلوا .. ويعرفون أنهم جاءوا بكلام ونسبوه إلي الله سبحانه وتعالى زورا وبهتانا .. ولذلك يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفضحهم أمام الناس ويبين كذبهم بالدليل القاطع .. فيقول: "قل إن كانت لكم الدار الآخرة": "قل" موجهة إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قل لهم يا محمد .. ولا يقال هذا الكلام إلا إذا كان اليهود قالوا إن لهم: "الدار الآخرة عند الله خالصة".
الشيء الخالص هو الصافي بلا معكر أو شريك. أي الشيء الذي لك بمفردك لا يشاركك فيه أحد ولا ينازعك فيه أحد .. فالله سبحانه وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: إن كانت الآخرة لهم وحدهم عند الله لا يشاركهم فيها أحد .. فكان الواجب عليهم أن يتمنوا الموت ليذهبوا إلي نعيم خالد .. فمادامت لهم الدار الآخرة وماداموا موقنين من دخول الجنة وحدهم .. فما الذي يجعلهم يبقون في الدنيا .. ألا يتمنون الموت كما تمنى المسلمون الشهادة ليدخلوا الجنة .. وليست هذه هي الافتراءات الوحيدة من اليهود على الله سبحانه وتعالى .. واقرأ قوله جل جلاله:

{وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى }
(من الآية 111 سورة البقرة)


من الذي قال؟ اليهود قالوا عن أنفسهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا والنصارى قالوا عن أنفسهم لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا .. كل منهم قال عن نفسه إن الجنة خاصة به. ولقد شكل قولهم هذا لنا لغزا في العقائد .. من الذي سيدخل الجنة وحده .. اليهود أم النصارى؟ نقول: إن الله سبحانه وتعالى أجاب عن هذا السؤال بقوله جل جلاله:

{وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شيءٍ }
(من الآية 113 سورة البقرة)


وهذا أصدق قول قالته اليهود وقالته النصارى بعضهم لبعض. فاليهود ليسوا على شيء والنصارى ليسوا على شيء .. وكلاهما صادق في مقولته عن الآخر .. في الآية الكريمة التي نحن بصددها .. اليهود قالوا إن الدار الآخرة خالصة لهم .. سنصدقهم ونقول لهم لماذا لا يتعجلون ويتمنون الموت .. فالمفروض أنهم يشتاقون للآخرة مادامت خالصة لهم .. ولذلك قال الله تبارك وتعالى: "فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" .. ولكنها أمانٍ كاذبة عند اليهود وعند النصارى .. واقرأ قوله سبحانه:

{وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير "18"}
(سورة المائدة)


إذن هم يتوهمون أنهم مهما فعلوا من ذنوب فإن الله لن يعذبهم يوم القيامة ولكن عدل الله يأبى ذلك .. كيف يعذب بشرا بذنوبهم ثم لا يعذب اليهود بما اقترفوا من ذنوب .. بل يدخلهم الجنة في الآخرة .. وكيف يجعل الله سبحانه وتعالى الجنة في الآخرة لليهود وحدهم .. وهو قد كتب رحمته لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين برسالة الإسلام .. وأبلغ اليهود والنصارى بذلك في كتبهم .. واقرأ قوله سبحانه وتعالى:

{واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون "156" الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل}
(الآية 156 ومن الآية 157 سورة الأعراف)


إذا كانت هذه هي الحقيقة الموجودة في كتبهم .. والحق تبارك وتعالى يقول:

{ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين "85"}
(سورة آل عمران)


فكيف يدعي اليهود أن الدار الآخرة خالصة لهم يوم القيامة؟ ولكن الحق جل جلاله يفضح كذبهم ويؤكد لنا أن ما يقولونه هم أول من يعرف إنه كذب.


 

قديم 03-10-2011, 07:44 PM   #95
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 95

(ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين " 95")
إنهم لن يتمنوا الموت أبدا بل يخافوه .. والله تبارك وتعالى حين أنزل هذه الآية .. وضع قضية الإيمان كله في يد اليهود .. بحيث يستطيعون إن أرادوا أن يشككوا في هذا الدين .. كيف؟ ألم يكن من الممكن عندما نزلت هذه الآية أن يأتي عدد من اليهود ويقولوا ليتنا نموت .. نحن نتمنى الموت يا محمد. فادع لنا ربك يميتنا .. ألم يكن من الممكن أن يقولوا هذا؟ ولو نفاقا .. ولو رياءً ليهدموا هذا الدين .. ولكن حتى هذه لم يقولوها ولم تخطر على بالهم .. انظر إلي الإعجاز القرآني في قوله سبحانه: "ولن يتمنوه".
لقد حكم الله سبحانه حكما نهائيا في أمر اختياري لعدو يعادي الإسلام .. وقال إن هذا العدو وهم اليهود لن يتمنوا الموت .. وكان من الممكن أن يفطنوا لهذا التحدي .. ويقولوا بل نحن نتمنى الموت ونطلبه من الله .. ولكن حتى هذه لم تخطر على بالهم؛ لأن الله تبارك وتعالى إذا حكم في أمر اختياري فهو يسلب من أعداء الدين تلك الخواطر التي يمكن أن يستخدموها في هدم الدين .. فلا تخطر على بالهم أبدا مثلما تحداهم الله سبحانه من قبل في قوله تعالى:

{سيقول السفهاء من الناس ماولاهم عن قبيلتهم التي كانوا عليها }
(من الآية 142 سورة البقرة)


ولقد نزلت هذه الآية الكريمة قبل أن يقولوا .. بدليل استخدام حرف السين في قوله: "سيقول" .. ووصفهم الله جل جلاله بالسفهاء .. ومع ذلك فقد قالوا .. ولو أن عقولهم تنبهت لسكتوا ولم يقولوا شيئا .. وكان في ذلك تحدٍ للقرآن الكريم .. كانوا سيقولون لقد قال الله سبحانه وتعالى: "سيقول السفهاء من الناس" .. ولكن أحدا لم يقل شيئا فأين هم هؤلاء السفهاء ولماذا لم يقولوا؟ وكان هذا يعتبر تحديا للقرآن الكريم في أمر يملكون فيه حرية الاختيار .. ولكن لأن الله هو القائل والله هو الفاعل .. لم يخطر ذلك على بالهم أبدا، وقالوا بالفعل.
في الآية الكريمة التي نحن بصددها .. تحداهم القرآن أن يتمنوا الموت ولم يتمنوه .. وكان الكلام المنطقي مادامت الدار الآخرة خالصة لهم .. والله تحداهم أن يتمنوا الموت إن كانوا صادقين لتمنوه .. ليذهبوا إلي نعيم أبدي .. ولكن الحق حكم مسبقا أن ذلك لن يحدث منهم .. لماذا؟ لأنهم كاذبون ويعلمون أنهم كاذبون .. لذلك فهم يهربون من الموت ولا يتمنونه. انظروا مثلا إلي العشرة المبشرين بالجنة .. عمار بن ياسر في الحرب في حنين .. كان ينشد وهو يستشهد الآن ألقى الأحبة محمدا وصحبه .. كان سعيدا لأنه أصيب وكان يعرف وهو يستشهد أنه ذاهب إلي الجنة عند محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته .. هكذا تكون الثقة في الجزاء والبشرى بالجنة .. وعبد الله بن رواحة كان يحارب وهو ينشد ويقول:
يا حبـذا الجـنة واقتـرابـها طيـبة وبـارد وشـرابـها
والإمام علي رضي الله عنه يدخل معركة حنين ويرتدي غلالة ليس لها دروع .. لا ترد سهما ولا طعنة رمح .. حتى إن ابنه الحسن يقول له: يا أبي ليست هذه لباس حرب .. فيرد علي كرم الله وجهه: يا بني إن أباك لا يبالي أسقط على الموت أم سقط الموت عليه .. وسيدنا حذيفة بن اليمان ينشد وهو يحتضر .. حبيب جاء على ناقة لا ربح من ندم .. إذن الذين يثقون بآخرتهم يحبون الموت. وفي غزوة بدر سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يا رسول الله أليس بيني وبين الجنة إلا أن أقاتل هؤلاء فيقتلوني .. فيجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم .. وكان في يد الصحابي تمرات يمضغها .. فيستبطئ أن يبقى بعيدا عن الجنة حتى يأكل التمرات فيلقيها من يده ويدخل المعركة ويستشهد.
هؤلاء هم الذين يثقون بما عند الله في الآخرة .. ولكن اليهود عندما تحداهم القرآن الكريم بقوله لهم: "فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" .. سكنوا ولم يجيبوا .. ولو تمنوا الموت لانقطع نفس الواحد منهم وهو يبلع ريقه فماتوا جميعا .. قد يقول قائل وهل التمني باللسان؟ ربما تمنوا بالقلب .. نقول ما هو التمني؟ نقول إن التمني هو أن تقول لشيء محبوب عندك ليته يحدث. فهو قول .. وهب أنه عمل قلبي فلو أنهم تمنوا بقلوبهم لأطلع الله عليها وأماتهم في الحال .. ولكن مادام الحق تبارك وتعالى قال: "ولن يتمنوه أبدا" .. فهم لن يتمنوه سواء كان باللسان أو بالقلب .. لأن الإدعاء منهم بأن لهم الجنة عند الله خالصة أشبهة بقولهم الذي يرويه لنا القرآن في قوله سبحانه:

{وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون "80" }
(سورة البقرة)


وقوله تعالى: "بما قدمت أيديهم" .. أي أن أعمالهم السيئة تجعلهم يخافون الموت .. أما صاحب الأعمال الصالحة فهو يسعد بالموت .. ولذلك نسمع أن فلانا حين مات كان وجهه أشبه بالبدر لأن عمله صالح .. فساعة الموت يعرف فيها الإنسان يقينا أنه ميت .. فالإنسان إذا مرض يأمل في الشفاء ويستبعد الموت .. ولكن ساعة الغرغرة يتأكد الإنسان أنه ميت ويستعرض حياته في شريط عاجل .. لأنه في هذه الساعة والروح تغادر الجسد يعرف الإنسان مصيره إما إلي الجنة وإما إلي النار .. وتتسلمه إما ملائكة الرحمة وإما ملائكة العذاب .. فالذي أطاع الله يستبشر بملائكة الرحمة .. والذي عصى وفعل ما يغضب الله يستعرض شريط أعماله .. فيجده شريط سوء وهو مقبل على الله .. وليست هناك فرصة للتوبة أو لتغيير أعماله .. عندما يرى مصيره إلي النار تنقبض أساريره وتقبض روحه على هذه الهيئة .. فيقال فلان مات وهو أسود الوجه منقبض الأسارير.
إذن فالذي أساء في دنياه لا يتمنى الموت أبدا .. أما صاحب العمل الصالح فإنه يستبشر بلقاء الله.

<ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تمني الموت فقال: "لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدعو به من قبل أن يأتيه إلا أن يكون قد وثق بعمله">

نقول إن تمني الموت المنهي عنه هو تمني اليأس وتمني الاحتجاج على المصائب .. يعني يتمنى الموت لأنه لا يستطيع أن يتحمل قدر الله في مصيبة حدثت له .. أو يتمناه احتجاجا على أقدار الله في حياته .. هذا هو تمني الموت المنهي عنه .. أما صاحب العمل الصالح فمستحب له أن يتمنى لقاء الله .. واقرأ قوله تعالى في آخر سورة يوسف:

{رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين "101" }
(سورة يوسف)



<وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي لا تتمنوا الموت جزعا مما يصيبكم من قدر الله .. ولكن اصبروا على قدر الله">

.. وقوله تعالى: "والله عليم بالظالمين" .. لأن الله عليم بظلمهم ومعصيتهم .. هذا الظلم والمعصية هو الذي يجعلهم يخافون الموت ولا يتمنونه.


 

قديم 03-10-2011, 07:45 PM   #96
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 96

(ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون " 96")
الحق سبحانه وتعالى بعد أن فضح كذبهم .. في أنهم لا يمكن أن يتمنوا الموت لأنهم ظالمون .. وماداموا ظالمين فالموت أمر مخيف بالنسبة لهم .. وهم أحرص الناس على الحياة .. حتى إن حرصهم يفوق حرص الذين أشركوا .. فالمشرك حريص على الحياة لأنه يعتقد أن الدنيا هي الغاية .. واليهود أشد حرصا على الحياة من المشركين لأنهم يخافون الموت لسوء أعمالهم السابقة .. لذلك كلما طالت حياتهم ظنوا أنهم بعيدون عن عذاب الآخرة .. الحياة لا تجعلهم يواجهون العذاب ولذلك فهم يفرحون بها.
إن اليهود لا يبالون أن يعيشوا في ذلة أو في مسكنة .. أو أي نوع من أنواع الحياة .. المهم أنهم يعيشون في أي حياة .. ولكن لماذا هم حريصون على الحياة أكثر من المشركين؟ لأن المشرك لا آخرة له فالدنيا هي كل همه وكل حياته .. لذلك يتمنى أن تطول حياته بأي ثمن وبأي شكل .. لأنه يعتقد أن بعد ذلك لا شيء .. ولا يعرف أن بعد ذلك العذاب .. واليهود أحرص من المشركين على حياتهم. وقوله تعالى: "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة" .. الود هو الحب .. أي أنهم يحبون أن يعيشوا ألف سنة أو أكثر .. ولكن هب أنه عاش ألف سنة أو حتى أكثر من ذلك .. أيزحزحه هذا عن العذاب؟ لا .. طول العمر لا يغير النهاية.
فمادامت النهاية هي الموت يتساوى من عاش سنوات قليلة ومن عاش ألوف السنين .. قوله تعالى: "يعمر" بفتح العين وتشديد الميم يقال عنها إنها مبنية للمجهول دائما .. ولا ينفع أن يقال يعمر بكسر الميم .. فالعمر ليس بيد أحد ولكنه بيد الله .. فالله هو الذي يعطي العمر وهو الذي ينهيه .. وبما أن العمر ليس ملكا لإنسان فهو مبني للمجهول .. والعمر هو السن الذي يقطعه الإنسان بين ميلاده ووفاته .. ومادة الكلمة مأخوذة من العمار لأن الجسد تعمر الحياة. وعندما تنتهي يصبح الجسد أشلاء وخرابا .. قوله تعالى: "ألف سنة" .. لماذا ذكرت الألف؟ لأنها هي نهاية ما كان العرب يعرفونه من الحساب.
ولذلك فإن الرجل الذي أسر في الحرب أخت كسى فقالت كم تأخذ وتتركني؟ قال ألف درهم .. قالوا له بكم فديتها؟ قال بألف .. قالوا لو طلبت أكثر من ألف لكانوا أعطوك .. قال والله لو عرفت شيئا فوق الألف لقلته .. فالألف كانت نهاية العد عند العرب .. ولذلك كانوا يقولون ألف ألف ولم يقولوا مليونا .. وقوله تعالى: "وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر" .. معناها أنه لو عاش ألف سنة أو أكثر فلن يهرب من العذاب. وقوله تعالى: "والله بصير بما يعملون" .. أي يعرف ما يعملونه وسيعذبهم به سواء عاشوا ألف سنة أو أكثر أو أقل.


 

قديم 03-10-2011, 07:45 PM   #97
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 97

(قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" 97")
الله تبارك وتعالى أراد أن يلفتنا إلي أن اليهود لم يقتلوا الأنبياء ويحرفوا التوراة ويشتروا بآيات الله جاه الدنيا فقط .. ولكنهم عادوا الملائكة أيضا .. بل إنهم أضمروا العداوة لأقرب الملائكة إلي الله الذي نزل بوحي القرآن وهو جبريل عليه السلام .. وأنهم قالوا جبريل عدو لنا.
الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولقد جلس ابن جوريا أحد أحبار اليهود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له من الذي ينزل عليك بالوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل .. فقال اليهودي لو كان غيره لآمنا بك .. جبريل عدونا لأنه ينزل دائما بالخسف والعذاب .. ولكن ميكائيل ينزل بالرحمة والغيث والخصب .. وأيضا هو عدوهم لأنهم اعتقدوا أن بيت المقدس سيخربه رجل اسمه بختنصر، فأرسل اليهود إليه من يقتله .. فلقى اليهودي غلاما صغيرا وسأله الغلام ماذا تريد؟ قال إني أريد أن أقتل بختنصر لأنه عندنا في التوراة هو الذي سيخرب بيت المقدس .. فقال الغلام إن يكن مقدرا أن يخرب هذا الرجل بيت المقدس فلن تقدر عليه .. لأن المقدر نافذ سواء رضينا أم لم نرضى .. وإن لم يكن مقدرا فلماذا تقتله؟ أي أن الطفل قال له إذا كان الله قد قضى في الكتاب أن بختنصر سيخرب بيت المقدس .. فلا أحد يستطيع أن يمنع قضاء الله .. ولن تقدر عليه لتقتله وتمنع تخريب بيت المقدس على يديه .. وإن كان هذا غير صحيح فلماذا تقتل نفسا بغير ذنب .. فعاد اليهودي دون أن يقتل بختنصر .. وعندما رجع إلي قومه قالوا له إن جبريل هو الذي تمثل لك في صورة طفل وأقنعك ألا تقتل هذا الرجل.
ويروي أن سيدنا عمر بن الخطاب كان له أرض في أعلى المدينة .. وكان حين يذهب إليها يمر على مدارس اليهود ويجلس إليهم .. وظن اليهود أن مجلس عمر معهم إنما يعبر عن حبه لهم .. فقالوا له إننا نحبك ونحترمك ونطمع فيك .. ففهم عمر مرادهم فقال والله ما جالستكم حبا فيكم .. ولكني أحببت أن أزداد تصورا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلم عنه ما في كتابكم .. فقالوا له ومن يخبر محمدا بأخبارنا وأسرارنا؟ فقال عمر إنه جبريل ينزل عليه من السماء بأخباركم .. قالوا هو عدونا .. فقال عمر كيف منزلته من الله؟ قالوا إنه يجلس على يمين الله وميكائيل يجلس على يسار الله .. فقال عمر مادام الأمر كما قلتم فليس أحدهما عدواً للآخر لأنهما عند الله في منزلة واحدة .. فمن كان عدوا لأحدهما فهو عدو لله .. فلن تشفع لكم عداوتكم لجبريل ومحبتكم لميكائيل لأن منزلتهما عند الله عالية.
إن عداوتهم لجبريل عليه السلام تؤكد ماديتهم .. فهم يقيسون الأمر على البشر .. إن الذي يجلس على يمين السيد ومن يجلس على يساره يتنافسان على المنزلة عنده .. ولكن هذا في دنيا البشر .. ولكن عند الملائكة لا شيء من هذا .. الله عنده ما يجعله يعطي لمن يريد المنزلة العالية دون أن ينقص من الآخر .. ثم إن الله سبحانه وتعالى اسمه الحق .. وما ينزل به جبريل حق وما ينزل به ميكائيل حق .. والحق لا يخاصم الحق .. وقال لهم عمر أنتم أشد كفرا من الحمير .. ثم ذهب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكد الرسول يراه حتى قال له وافقك ربك يا عمر .. وتنزل قول الله تبارك وتعالى: "قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" فقال عمر يا رسول الله .. إني بعد ذلك في إيماني لأصلب من الجبل.
إذن فقولهم ميكائيل حبيبنا وجبريل عدونا من الماديات، والله تبارك وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم .. إنهم يعادون جبريل لأنه نزل على قلبك بإذن الله .. ومادام نزل من عند الله على قلبك .. فلا شأن لهم بهذا .. وهو مصدق لما بين يديهم من التوراة .. وهو هدى وبشرى للمؤمنين .. فأي عنصر من هذه العناصر تنكرونه على جبريل .. إن عداوتكم لجبريل عداوة لله سبحانه وتعالى.


 

قديم 03-10-2011, 07:45 PM   #98
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 98

(من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " 98")
وهكذا أعطى الله سبحانه وتعالى الحكم .. فقال إن العداوة للرسل .. مثل العداوة للملائكة .. مثل العداوة لجبريل وميكائيل .. مثل العداوة لله. ولقد جاء الحق سبحانه وتعالى بالملائكة ككل .. ثم ذكر جبريل وميكائيل بالاسم. إن المسألة ليست مجزأة ولكنها قضية واحدة .. فمن كان عدوا للملائكة وجبريل وميكائيل ورسل الله .. فهو أولا وأخيرا عدو لله .. لأنه لا انقسام بينهم فكلهم دائرون حول الحق .. والحق الواحد لا عدوان فيه .. وإنما العدوان ينشأ من تصادم الأهواء والشهوات. وهذا يحدث في أمور الدنيا.
والآية الكريمة أثبتت وحدة الحق بين الله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل .. ومن يعادي واحد من هؤلاء يعاديهم جميعا وهو عدو الله سبحانه واليهود أعداء الله لأنهم كفروا به .. وأعداء الرسل لأنهم كذبوهم وقتلوا بعضهم. وهكذا فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي وحدة الحق في الدين .. مصدره هو الله جل جلاله .. ورسوله من الملائكة هو جبريل .. ورسله من البشر هم الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله .. وميكائيل ينزل بالخير والخصب لأن الإيمان أصل وجود الحياة .. فمن كان عدوا للملائكة والرسل وجبريل وميكائيل فهو كافر .. لأن الآية لم تقل إن العداوة لهؤلاء هي مجرد عداوة .. وإنما حكم الله عليهم بأنهم كافرون .. الله سبحانه وتعالى لم يخبر محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا الحكم فقط، وإنما أمره بأن يعلنه حتى يعرفه الناس جميعا ويعرفوا أن اليهود كافرون.


 

قديم 03-10-2011, 07:46 PM   #99
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 99

(ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون" 99")
انتقل الله سبحانه وتعالى بعد ذلك إلي تأكيد صدق رسالة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأن الآيات فيها واضحة بحيث إن كل إنسان يعقل ويريد الإيمان يؤمن بها .. ولكن الذين يريدون الفسق والفجور .. هم هؤلاء الذين لا يؤمنون .. ما معنى الآيات البينات؟ إن الآية هي الأمر العجيب .. وهو عجيب لأنه معجز .. والآيات معجزات للرسول تدل على صدق بلاغه عن الله .. وهي كذلك الآيات في القرآن الكريم .. وبينات معناها أنها أمور واضحة لا يختلف عليها ولا تحتاج إلي بيان: "وما يكفر بها إلا الفاسقون" .. رطبا لا تستطيع أن تنزل قشرته ولكن عندما يصبح رطبة تجد أن القشرة تبتعد عن الثمرة فيقال فسقت الرطبة .. ولذلك من يخرج عن منهج الله يقال له فاسق.
والمعنى أن الآيات التي أيد بها الله سبحانه وتعالى محمداً عليه الصلاة والسلام ظاهرة أمام الكفار ليست محتاجة إلي دليل .. فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يقرأ كلمة في حياته .. يأتي بهذا القرآن المعجز لفظا ومعنى .. هذه معجزة ظاهرة لا تحتاج إلي دليل .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا تغريه الدنيا كلها .. ليترك هذا الدين مهما أعطوه .. دليل على أنه صاحب مبدأ ورسالة من السماء .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يخبر بقرآن موحى من السماء عن نتيجة حرب ستقع بعد تسع سنوات .. ويخبر الكفار والمنافقين بما في قلوبهم ويفضحهم .. ويتنبأ بأحداث قادمة وبقوانين الكون .. وغير ذلك مما احتواه القرآن المعجز من كل أنواع الإعجاز علميا وفلكيا وكونيا .. كل هذه آيات بينات يتحدى القرآن بها الكفار .. كلها آيات واضحة لا يمكن أن يكفر بها إلا الذي يريد أن يخرج عن منهج الله، ويفعل ما تهواه نفسه .. إن الإعجاز في الكون وفي القرآن وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كل هذا لا يحتاج إلا لمجرد فكر محايد .. لنعرف أن هذا القرآن هو من عند الله ملئ بالمعجزات لغة وعلما .. وإنه سيظل معجزة لكل جيل له عطاء جديد.


 

قديم 04-10-2011, 01:05 PM   #100
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 100

(أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون " 100")
بعد أن بين الحق سبحانه وتعالى أن الدين الإسلامي، وكتابه القرآن فيه من الآيات الواضحة ما يجعل الإيمان به لا يحتاج إلا إلي وقفة مع العقل مما يجعل موقف العداء الذي يقفه اليهود من الإسلام منافيا لكل العهود التي أخذت عليهم، منافيا للإيمان الفطري، ومنافيا لأنهم عاهدوا الله ألا يكتموا ما جاء في التوراة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنافيا لعهدهم أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنافيا لما طلب منهم موسى أن يؤمنوا بالإسلام عندما يأتي الرسول، مصداقا لقوله تعالى:

{وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين "81" }
(سورة آل عمران)


وهكذا نعرف أن موسى عليه السلام الذي أخذ عليه الميثاق قد أبلغه إلي بني إسرائيل، وأن بني إسرائيل كانوا يعرفون هذا الميثاق جيداً عند بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت عندهم أوصاف دقيقة للرسول عليه الصلاة والسلام .. ولكنهم نقضوه كما نقضوا كثيرا من المواثيق .. منها عهدهم بعدم العمل في السبت، وكيف تحايلوا على أمر الله بأن صنعوا مصايد للأسماك تدخل فيها ولا تستطيع الخروج وهذا تحايل على أمر الله، ثم كان ميثاقهم في الإيمان بالله إلها واحداً أحدا، ثم عبدوا العجل .. وكان قولهم لموسى عليه السلام بعد أن أمرهم الله بدخول واد فيه زرع .. لأنهم أرادوا أن يأكلوا من نبات الأرض بدلا من المن والسلوى التي كانت تأتيهم من السماء .. قالوا لموسى: "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون" .. وغير ذلك الكثير من المواثيق بالنسبة للحرب والأسرى والعبادة، حتى عندما رفع الله تبارك وتعالى جبل الطور فوقهم ودخل في قلوبهم الرعب وظنوا أنه واقع عليهم، ولم يكن هذا إلا ظنا وليس حقيقة .. لأن الله تبارك وتعالى يقول: "وظنوا أنه واقع بهم" .. وبمجرد ابتعادهم عن جبل الطور نقضوا الميثاق.
ثم نقضوا عهدهم وميثاقهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلي المدينة وذلك في غزوة الخندق .. وعندما أرادوا أن يفتحوا طريقا للكفار ليضربوا جيوش المؤمنين من الخلف. قوله تعالى "نبذه فريق منهم" قلنا إن هذا يسمى قانون صيانة الاحتمال .. لأن منهم من صان المواثيق .. ومنهم من صدق ما عهد الله عليه .. ومنهم مثلا من كان يريد أن يعتنق الدين الجديد ويؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام. إذن فليسوا كلهم حتى لا يقال هذا على مطلق اليهود .. لأن فيهم أناسا لم ينقضوا العهد .. ويريد الله تبارك وتعالى أن يفتح الباب أمام أولئك الذين يريدون الإيمان، حتى لا يقولوا لقد حكم الله علينا حكما مطلقا ونحن نريد أن نؤمن ونحافظ على العهد، ولكن هؤلاء الذين حافظوا على العهد كانوا قلة .. ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى: "بل أكثرهم لا يؤمنون" .. أي أن الفريق الناقض للعهد الناقض للإيمان هم الأكثرية من بني إسرائيل.


 

قديم 04-10-2011, 01:05 PM   #101
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 101

(ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون" 101")
بعد أن تحدث الله سبحانه وتعالى عن اليهود الذين نقضوا المواثيق الخاصة بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ونقضوها وهم يعلمون .. قال الله سبحانه: "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم" .. أي أن ما جاء في القرآن مصدق لما جاء في التوراة .. لأن القرآن من عند الله والتوراة من عند الله .. ولكن التوراة حرفوها وكتموا بعضها وغيروا وبدلوا فيها فأخفوا ما يريدون إخفاءه .. لذلك جاء القرآن الكريم ليظهر ما أخفوه ويؤكد ما لم يخفوه ولم يتلاعبوا فيه.
وقوله تعالى: "نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم" .. قلنا إن هناك كتابا نبذوه أولا وهو التوراة .. ولما جاءهم الكتاب الخاتم وهو القرآن الكريم نبذوه هو الآخر وراء ظهورهم .. ما معنى نبده؟ .. المعنى طرحه بعيدا عنه .. إذن ما في كتابهم من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم نبذوه بعيدا . ومن التبشير بمجيء رسول الله عليه الصلاة والسلام نبذوه هو الآخر .. لأنهم كانوا يستفتحون على الذين كفروا ويقولون أتى زمن نبي سنؤمن به ونقتلكم قتل عاد وإرم. وقوله تعالى: "نبذ فريق" .. يعني نبذ جماعة وبقيت جماعة أخرى لم تنبذ الكتاب .. بدليل أن ابن سلام وهو أحد أحبار اليهود صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به .. وكعب الأحبار مخيريق أسلم .. فلو أن القرآن عمم ولم يقل فريق لقيل إنه غير منصف لهؤلاء الذين آمنوا.
وقوله تعالى: "وراء ظهورهم" .. النبذ قد يكون أمامك .. وكونه أمامك فأنت تراه دائما، وربما يغريك بالإقبال عليه، ولكنهم نبذوه وراء ظهورهم أي جعلوه وراءهم حتى ينسوه تماما ولا يلتفتوا إليه. وقوله تعالى: "وكأنهم لا يعلمون" .. أي يتظاهرون بأنهم لا يعلمون ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصافه .. وقوله تعالى: "كأنهم" .. دليل على أنهم يعلمون ذلك علم يقين .. لأنهم لو كانوا لا يعلمون .. لقال الحق سبحانه: "نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم" وهم لا يعلمون .. إذن هم يعلمون يقينا ولكنهم تظاهروا بعدم العلم .. ولابد أن نتنبه إلي أن نبذ يمكن أن يأتي مقابلها فنقول نبذ كذا واتبع كذا .. وهم نبذوا كتاب الله ولكن ماذا اتبعوا؟


 

قديم 04-10-2011, 01:05 PM   #102
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 102

(واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون" 102")
يخبرنا الحق تبارك وتعالى أن فريقا من اليهود نبذوا كتاب الله واتبعوا ما تتلوا الشياطين .. لأن النبذ يقابله الاتباع .. واتبعوا يعني اقتدوا وجعلوا طريقهم في الاهتداء هو ما تتوله الشياطين على ملك سليمان .. وكان السياق يقتضي أن يقال ما تلته الشياطين على ملك سليمان .. ولكن الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نفهم أن هذا الاتباع مستمر حتى الآن كأنهم لم يحددوا المسألة بزمن معين.
إنه حتى هذه اللحظة هناك من اليهود من يتبع ما تلته الشياطين على ملك سليمان، ونظرا لأن المعاصرين من اليهود قد رضوا وأخذوا من فعل أسلافهم الذين اتبعوا الشياطين فكأنهم فعلوا. الحق سبحانه يقول: "واتبعوا ما تتلو الشياطين" ولكن الشياطين تلت وانتهت .. واستحضار اليهود لما كانت تتلوه الشياطين حتى الآن دليل على أنهم يؤمنون به ويصدقونه .. الشياطين هم العصاة من الجن .. والجن فيهم العاصون والطائعون والمؤمنون .. واقرأ قوله تعالى:

{وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قدداً "11" }
(سورة الجن)


وقوله سبحانه عن الجن:

{وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون }
(من الآية 14 سورة الجن)


إذن الجن فيهم المؤمن والكافر .. المؤمنون من الجن فيهم الطائع والعاصي .. والشياطين هم مردة الجن المتمردون على منهج الله .. وكل متمرد على منهج الله نسميه شيطانا .. سواء كان من الجن أو من الإنس .. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:

{وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا }
(من الآية 112 سورة الأنعام)


إذن فالشياطين هم المتمردون على منهج الله .. قوله تعالى: "واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان" .. يعني ما كانت تتلو الشياطين أيام ملك سليمان .. ولكن ما هي قصة ملك سليمان والشياطين؟ .. الشياطين كانوا قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الله قد مكنهم من قدرة الاستماع إلي أوامر السماء وهي نازلة إلي الأرض .. وكانوا يستمعون للأوامر تلقى من الملائكة وينقلونها إلي أئمة الكفر ويزيدون عليها بعض الأكاذيب والخرافات .. فبعضها يكون على حق والأكثر على باطل .. ولذلك قال الله تبارك وتعالى:

{وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم }
(من الآية 121 سورة الأنعام)


وكان الشياطين قبل نزول القرآن يستقرون السمع، ولكن عند بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع ذلك كله، حتى لا يضع الشياطين خرافاتهم في منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في القرآن .. ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى:

{وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا "9" }
(سورة الجن)


أي أن الشياطين كانت لها مقاعد في السماء تقعد فيها لتستمع إلي ما ينزل من السماء إلي الأرض ليتم تنفيذه .. ولكن عند نزول القرآن أرسل الله سبحانه وتعالى الشهب ـ وهي النجوم المحترقة ـ فعندما تحاول الشياطين الاستماع إلي ما ينزل من السماء ينزل عليهم شهاب يحرقهم .. ولذلك فإن عامة الناس حين يرون شهابا يحترق في السماء بسرعة يقولون: سهم الله في عدو الدين .. الذي هو الشيطان.
واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا "8" }
( سورة الجن)


{وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا "10"}
(سورة الجن)


أي أن الأمر اختلط على الشياطين لأنهم لم يعودوا يستطيعون استراق السمع .. ولذلك لم يعرفوا هل الذي ينزل من السماء خير أم شر؟ .. انظر إلي دقة الأداء القرآني في قوله تعالى: "وأنا لمسنا السماء" .. كأنهم صعدوا حتى بلغوا السماء لدرجة أنها أصبحت قريبة لهم حتى كادوا يلمسونها .. فالله تبارك وتعالى في هذه الحالة ـ وهي اتباع اليهود لما تتلو الشياطين على ملك سليمان من السحر والتعاويذ والأشياء التي تضر ولا تفيد ـ أراد أن يبرئ سليمان من هذا كله .. فقال جل جلاله: "وما كفر سليمان" .. وكان المنطق يقتضي أن يخص الله سبحانه وتعالى حكاية الشياطين قبل أن يبرئ سليمان من الكفر الذي أرادوا أن ينشروه .. ولكن الله أراد أن ينفي تهمة الكفر عن سليمان ويثبتها لكل من اتبع الشياطين فقال جل جلاله: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا".
إذن الشياطين هم الذين نشروا الكفر .. وكيف كفر الشياطين وبماذا أغروا أتباعهم بالكفر؟ .. يقول الله سبحانه وتعالى: "ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق".


 

قديم 04-10-2011, 01:06 PM   #103
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 103

(ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون " 103")
يفتح الله جل جلاله أمام عباده أبواب التوبة والرحمة .. لقد بين لهم أن السحر كفر، وان من يقوم به يبعث كافرا يوم القيامة ويخلد في النار .. وقال لهم سبحانه وتعالى لو أنهم امتنعوا عن تعلم السحر ليمتازوا به على من سواهم امتيازا في الضرر والإيذاء .. لكان ذلك خيرا لهم عند الله تبارك وتعالى .. لأن الملكين اللذين نزلا لتعليم السحر قال الله سبحانه عنهما: "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر".
إذن فممارسة السحر كفر. فلو أنهم آمنوا بهذه القضية وبأنهم يدخلون في الكفر واتقوا الله لكان ذلك ثوابا لهم عند الله وخيراً في الدنيا والآخرة .. ولكن ما هي المثوبة؟ هي الثواب على العمل الصالح .. يقابلها العقوبة وهي العقاب على العمل السيئ .. وهي مشتقة من ثاب أي رجع .. ولذلك يسمى المبلغ عن الإمام في الصلاة المثوب .. لأن الإمام يقول الله اكبر فيرددها المبلغ عن الإمام بصوت عال حتى يسمعها المصلون الذين لا يصلهم صوت الإمام .. وهذا اسمه التثويب .. أي إعادة ما يقوله الإمام لتزداد فرصة الذين لم يسمعوا ما قاله الإمام .. وكما قلنا فهي مأخوذة من ثاب أي رجع .. لأن الإنسان عندما يعمل صالحا يرجع عليه عمله الصالح بالخير .. فلا تعتقد أن العمل الصالح يخرج منك ولا يعود .. ولكنه لابد أن يعود عليك بالخير.
ثم يعطيه لآخر ليغزله وينسجه ثوبا ويعيده إلي صاحبه .. فكأن ما أرسله من الصوف رد إليه كثوب .. ولذلك سميت مثوبة لأن الخير يعود إليك لتنتفع به نفعا عاليا .. وكذلك الثواب عن العمل الصالح يرتد إليك بالنفع العالي. إذن فكلمة ثوب جاء منها الثواب، والله سبحانه وتعالى علمنا أن الثواب لستر العورة .. والعمل الصالح يستر الأمراض المعنوية والنفسية في الإنسان .. وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى:

{قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير}
(من الآية 26 سورة الأعراف)


فكأن هناك لباسين أحدهما لستر العورة .. والثاني لستر الإنسان من العذاب .. ولباس التقوى خير من لباس ستر العورة .. قوله تعالى: "لمثوبة من عند الله خير" .. انظر إلي المثوبة التي تأتي من عند الله .. إذا كان الثواب يأتيك من عند من صنعه جميلا مزركشا وله ألوان مبهجة .. إذا كان هذا ما صنعه لك بشر فما بالك بالثواب الذي يأتيك من عند الله. إنه قمة الجمال. فالله هو القادر على أن يرد الثواب بقدراته سبحانه فيكون الرد عاليا وعاليا جدا، بحيث يضاعف الثواب مرات ومرات. على أننا لابد أن نتنبه إلي قول الله تعالى: "ولو أنهم آمنوا واتقوا قلنا معنى اتقوا أنهم جعلوا بينهم وبين صفات الجلال في الله وقاية .. ولذلك قلنا إن بعض الناس يتساءل .. كيف يقول الله تبارك وتعالى: "اتقوا الله" .. ويقول جل جلاله: "اتقوا النار" .. نقول إن معنى اتقوا الله أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال في الله وقاية: "واتقوا النار" .. أي اجعلوا بينكم وبين عذاب النار وقاية .. لأن النار من متعلقات صفات الجلال .. لذلك فإن قوله: "اتقوا الله" .. تساوي: "اتقوا النار" .. والحق تبارك وتعالى حينما قال: "اتقوا" أطلقها عامة .. والحذف هنا المراد به التعميم .. والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي أن السحرة لو آمنوا بأن تعلم السحر فتنة تؤدي إلي الكفر .. واتقوا الله وخافوا عذابه في الآخرة لكان ذلك خيراً لهم .. لذلك قال جل جلاله: "لمثوبة من عند الله خير".
وساعة تسمع كلمة خير تأتي إلي الذهن كلمة شر .. لأن الخير يقابله الشر .. ولكن في بعض الأحيان كلمة خير لا يقابلها شر. ولكن يقابلها خير أقل. وكلمة خير هي الوحيدة في اللغة العربية التي يساوي الاسم فيها افعل التفضيل .. فأنت تقول هذا فاضل وهذا مفضول عليه .. كلمة خير اسم تفضيل فيقال ذلك خير من كذا .. أي واحد منهما يعطي أكثر من الآخر .. وكلمة خير إذا لم يأتي مقابلها أي خير من كذا يكون مقابلها شر .. فإذا قلت فلان خير من فلان .. فكلاهما اشترك في الخير ولكن بدرجة مختلفة .. والخير هو ما يأتي لك بالنفع .. ولكن مقياس النفع يختلف باختلاف الناس .. واحد ينظر إلي النفع العاجل وآخر ينظر إلي النفع الآجل .. وفي ظاهر الأمر كل منهما أراد خيرا.
وإذا أردنا أن نقرب ذلك إلي الأذهان فلنقل إن هناك أخوين أحدهما يستيقظ مبكراً ليذهب إلي مدرسته والثاني ينام حتى الضحى، ويخرج من البيت ليجلس على المقهى .. الأول يحب الخير لنفسه والثاني يحب الخير لنفسه والخلاف في تقييم الخير .. الكسول يحب الخير العاجل فيعطي نفسه حظها من النوم والترفيه وعدم العمل .. والمجتهد يحب الخير الآجل لنفسه لذلك يتعب ويشقى سنوات الدراسة حتى يرتاح بعد ذلك ويحقق مستقبلا مرموقا. الفلاح الذي يزرع ويذهب إلي حقله في الصباح الباكر ويروي ويبذر الحب ويشقى، يأتيه في آخر العام محصول وافر وخير كثير .. والفلاح الذي يجلس على المقهى طول النهار أعطى نفسه خير الراحة، ولكن ساعة الحصاد يحصد الندم.
إذن كل الناس يحبون الخير ولكن نظرتهم ومقاييسهم تختلف .. فمنهم من يريد متعة اليوم، ومنهم من يعمل لأجل متعة الغد .. والله تبارك وتعالى حين يأمرنا بالخير .. قد يكون الخير متعبا للجسد والنفس .. ولكن النهاية متاع أبدي في جنة الخلد. إذن فالخير الحقيقي هو ما جاء به الشرع .. لماذا؟ لأن الخير هو ما ليس بعده بعد .. فأنت تولد ثم تكبر ثم تتخرج في الجامعة .. ثم تصبح في أعلى المناصب ثم تموت ثم تبعث ثم تدخل الجنة .. وبعدها لا شيء إلا الخلود في النعيم. قوله تعالى: "لو كانوا يعلمون" .. الله ينفي عنهم العلم بينما في الآية السابقة أثبت لهم العلم في قوله تعالى: "ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق" .. نقول إن العلم الذي لا يخضع حركة الإنسان له فكأنه لم يعلم شيئا .. لأن هذا العلم سيكون حجة على صاحبه يوم القيامة وليته لم يعلمه .. واقرأ قول الشاعر:

رزقوا وما رزقوا سماح يد فكأنهم رزقوا وما رزقوا خلقوا وما خلقوا لمكرمة فكأنهم خلقوا وما خلقوا
فكأن العلم لم يثبت لك لأنك لم تنفع به .. والله سبحانه وتعالى يقول:

{ولكن أكثر الناس لا يعلمون }
(من الآية 6 سورة الروم)


(يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ..) وهكذا نفى الله عن الناس العلم الحقيقي .. وأثبت لهم العلم الدنيوي الظاهر .. وقوله جل جلاله:

{مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين "5" }
(سورة الجمعة)


أي أنهم حملوا التوراة علما ولكنهم لم يحملوها منهجا وعملا .. وهؤلاء السحرة علموا أن من يمارس السحر يكفر .. ومع ذلك لم يعملوا بما عملوا.


 

قديم 04-10-2011, 01:07 PM   #104
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 104

(يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم " 104")
هذا نداء للمؤمنين .. لأن الآية الكريمة تبدأ: "يا أيها الذين آمنوا" .. نعرف أن الإيمان هنا هو سبب التكليف .. فالله لا يكلف كافرا أو غير مؤمن .. ولا يأمر بتكليف إلا لمن آمنوا .. فمادام العبد قد آمن فقد أصبحت مسئولية حركته في الحياة عند ربه .. ولذلك يوحي إليه بمنهج الحياة .. أما الكافر فلا يكلفه الله بشيء. إذن قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا" .. أمر لمن آمن بالله ورضى به إلها ومشرعا .. قوله: "يا أيها الذين آمنوا" .. نداء للمؤمنين وقوله: "لا تقولوا راعنا" .. نهي .. وكأن راعنا كانت مقولة عندهم يريد الله أن ينهاهم عنها .. والإيمان يلزمهم أن يستمعوا إلي نهي الله.
ما معنى راعنا؟ نحن نقول في لغتنا الدارجة (راعينا) .. يعني احفظنا وراقبنا وخذ بيدنا وكلها مأخوذة من مادة الرعاية والراعي.

<ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته">

وأصل المادة مأخوذة من راعي الغنم .. لأن راعي الغنم لابد أن يتجه بها إلي الأماكن التي فيها العشب والماء .. أي إلي أماكن الرعي .. وأن يكون حارسا عليها حتى لا تشرد واحد أو تضل فتفتك بها ذئاب الصحاري .. وأن يوفر لها الراحة حتى لا تتعب وتنفق في الطريق ..

<ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كنت أرعى الغنم على قراريط لأهل مكة">

ولكن لماذا استبدل الحق سبحانه وتعالى كلمة راعنا بكلمة انظرنا؟ إن عند اليهود في العبرانية والسريانية كلمة راعنا ومعناها الرعونة .. ولذلك كانوا إذا سمعوا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة راعنا .. اتخذوها وسيلة للسباب بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. والمسلمون لا يدرون شيئا .. لذلك أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يتركوا هذه الكلمة .. حتى لا يجد اليهود وسيلة لستر سبابهم، وأمرهم بأن يقولوا: انظرنا. ثم قال قال الحق سبحانه وتعالى: "واسمعوا" .. والله هنا يشير إلي الفرق بين اليهود والمؤمنين .. فاليهود قالوا سمعنا وعصينا، ولكن الله يقول للمؤمنين اسمعوا سماع طاعة وسماع تنفيذ.
سعد بن معاذ سمع واحدا من اليهود يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ راعنا ـ وسعد كان من أحبار اليهود ويعرف لغتهم ـ فلما سمع ما قاله فهم مراده. فذهب إلي اليهودي وقال له لو سمعتها منك مرة أخرى لضربت عنقك .. وقال اليهودي أو لستم تقولونها لنبيكم؟ أهي حرام علينا وحلال لكم؟ فنزلت الآية الكريمة تقول: "لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا" .. ولو تأملنا كلمة (راعنا) وكلمة (انظرنا) لوجدنا المعنى واحدا .. ولكن (انظرنا) تؤدي المعنى وليس لها نظير في لغة اليهود التي تعني الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقوله تعالى: "وللكافرين عذاب أليم" .. أي من يقولون راعنا إساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لهم عذاب أليم.


 

قديم 04-10-2011, 01:07 PM   #105
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 105

(ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم " 105")
ثم كشف الحق سبحانه وتعالى للمؤمنين العداوة التي يكنها لهم أهل الكتاب من اليهود والمشركين .. الذين كفروا لأنهم رفضوا الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام .. فيلفتهم إلي أن اليهود والمشتركين يكرهون الخير للمؤمنين .. فتشككوا في كل أمر يأتي منهم، واعلموا أنهم لا يريدون لكم خيرا .. قوله تعالى: "ما يود" .. أي ما يحب، والود معناه ميل القلب إلي من يحبه .. والود يختلف عن المعروف .. أنت تصنع معروفا فيمن تحب ومن لا تحب .. ولكنك لا تود إلا من تحب .. لذلك قال الله تبارك وتعالى:

{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}
(من الآية 22 سورة المجادلة)


ثم بعد ذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى ليقول عن الوالدين:

{وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً}
(من الآية 15 سورة لقمان)


يقول بعض المستشرقين إن هناك تناقضا بين الآيتين .. كيف أن الله سبحانه وتعالى يقول: لا توادوا من يحارب الله ورسوله .. ثم يأتي ويقول إذا حاول أبواك أن يجعلاك تشرك بالله فصاحبهما في الدنيا معروفا .. وطبعا الوالدان اللذان يحاولان دفع ابنهما إلي الكفر إنما يحاربان الله ورسوله .. كيف يتم هذا التناقض؟. نقول إنكم لم تفهموا المعنى .. إن الإنسان يصنع المعروف فيمن يحب ومن لا يحب كما قلنا .. فقد تجد إنسانا في ضيق وتعطيه مبلغا من المال كمعروف .. دون أن يكون بينك وبينه أي صلة .. أما الود فلا يكون إلا مع من تحب.
إذن: "ما يود" معناها حب القلب .. أي أن قلوب اليهود والنصارى والمشركين لا تحب لكم الخير .. إنهم يكرهون أن ينزل عليكم خير من ربكم .. بل هم في الحقيقة لا يريدون أن ينزل عليكم من ربكم أي شيء مما يسمى خيرا .. والخير هو وحي الله ومنهجه ونبوة رسول صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: "من خير" .. أي من أي شيء مما يسمى خير .. فأنت حين تذهب إلي إنسان وتطلب منه مالا يقول لك ما عندي من مال .. أي ليس عندي ولا قرش واحد، ما عندي أي مبلغ مما يقال له مال حتى ولو كان عدة قروش. والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نفهم أن أهل الكتاب والكفار والمشركين .. مشتركون في كراهيتهم للمؤمنين .. حتى إنهم لا يريدون أن ينزل عليكم أي شيء من ربكم مما يطلق عليه خير.
وقوله تعالى: "من ربكم" .. تدل على المصدر الذي يأتي منه الخير من الله .. فكأنهم لا يحبون أن ينزل على المؤمنين خير من الله .. وهو المنهج والرسالة. ثم يقول الحق تبارك وتعالى: "والله يختص برحمته من يشاء" .. أي أن الخير لا يخضع لرغبة الكافرين وأمانيهم .. والله ينزل الخير لمن يشاء .. والله قد قسم بين الناس أمور حياتهم الدنيوية .. فكيف يطلب الكافرون أن يخضع الله منهجه لإرادتهم؟ واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم "31" أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون "32"}
(سورة الزخرف)

اعترض الكفار على نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا لو نزل على رجل من القريتين عظيم .. فيرد عليهم سبحانه وتعالى .. أنتم لا تقسمون رحمة الله ولكن الله يقسم بينكم حياتكم في الدنيا. الحق تبارك وتعالى في الآية التي نحن بصددها يقول: "والله يختص برحمته من يشاء" .. ساعة تقرأ كلمة تختص تفهم أن شيئا خصص لشيء دون غيره .. يعني أنني خصصت فلانا بهذا الشيء: "والله يختص برحمته من يشاء، فليس لهؤلاء الكفار أن يتحكموا في مشيئة الله، وحسدهم وكراهيتهم للمؤمنين لا يعطيهم حق التحكم في رحمة الله .. ولذلك أراد الله أن يرد عليهم بأن هذا الدين سينتشر ويزداد المؤمنون به .. وسيفتح الله به أقطار ودولا .. وسيدخل الناس فيه أفواجا وسيظهره على الدين كله.
ولو تأملنا أسباب انتصار أي عدو على من يعاديه لوجدنا إنها إما أسباب ظاهرة واضحة وإما مكر وخداع .. بحيث يظهر العدو لعدوه أنه يحبه ويكيد له في الخفاء حتى يتمكن منه فيقتله .. ولقد هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي المدينة سرا .. لماذا؟ لأن الله أراد أن يقول لقريش لن تقدروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو بالمكر والخداع والتبييت .. هم بيتوا الفتية ليقتلوه .. وجاءوا من كل قبيلة بفتى ليضيع دمه بين القبائل .. وخرج صلى الله عليه وسلم ووضع التراب على رءوس الفتية .. الله أرادهم أن يعرفوا أنهم لن يقدروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمكر والتبييت والخداع ولا بالعداء الظاهر.
قوله تعالى: "والله ذو الفضل العظيم" .. الفضل هو الأمر الزائد عن حاجتك الضرورية ..

<ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له">

وفضل مال أي مال زائد على حاجته. هذا عن الفضل بالنسبة للبشر. أما بالنسبة لله سبحانه وتعالى فإن كل ما في كون الله الآن وفي الآخرة هو فضل الله لأنه زائد على حاجته؛ لأنه ربما يكون عندي فضل، ولكني أبقيه لأنني سأحتاج إليه مستقبلا. والفضل الحقيقي هو الذي من عند الله. لذلك فإن الله سبحانه وتعالى هو ذو الفضل العظيم؛ لأنه غير محتاج إلي كل خلقه أو كونه؛ لأن الله سبحانه كان قبل أن يوجد شيء، وسيكون بعد ألا يوجد شيء. وهذا ما يسمى بالفضل العظيم.


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:25 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا