|
|
||||||||||
ملتقى الحوارات الهادفة والنقاش حوارات تهم جميع افراد الاسره والمجتمع للقضايا والموضوعات الإجتماعية والنفسية |
|
أدوات الموضوع |
22-12-2002, 09:32 AM | #1 | |||
عضو
|
ظاهرة الحسد وشخصية الحاسد .... دراسة وتحليل
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الكرام : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اطلعت على موضوع الأخت " النور الساطع " بعنوان " العين والحسد والحديث عنهما ذو آهات وشجون " وشدني هذا الموضوع لأهميته ، إلا أنه كان لي اعتراض على مزج الموضوعين " العين والحسد معاً " فهما موضوعان مستقلان تماماً عن بعضهما من الوجهة العلمية ... وسأتناول في موضوعي بالتحليل ظاهرة الحسد وشخصية الحاسد لما لانتشار هذه الظاهرة في عصرنا من كبير أثر على حياتنا الاجتماعية ، و سأجعل هذه الدراسة على حلقات – بإذن الله – لطول الموضوع وتشعبه ..... وقد قرأت المشاركات حول هذا الموضوع ، ومع احترامي لجميع المشاركات إلا أنني سأتبنى هنا التحليل العلمي للموضوع من وجهة نظر علم النفس ؛ ولا يعني ذلك أنني أتجاوز ما قاله فقهاؤنا ، وعلماؤنا حول الموضوع - ما ذكر في مقالة الأخت نور والمداخلات - ، إلا أننا كمسلمين معاصرين علينا أن نحلق في سماء الخلافة في الأرض بجناحين ، أولهما : الأصالة المستمدة من الكتاب والسنة وتراثنا الضخم . وثانيهما : مزاوجة ما لدينا مع ما يتناسب معنا من العلوم الحديثة بمختلف فروعها ....... فلننطلق على بركة الله ... مقدمة نظرية لا بد منها : عندما نريد فهم ظاهرةٍ ما وفهم السلوك المرتبط بهذه الظاهرة علينا أن ندرس آلية ، وكيفية ، والظروف التي شكلت هذه الظاهرة وأطلقت هذا السلوك . لأن فهمنا لهذه المعطيات يعيننا على التعمق ، ويعطينا القدرة على التحليل الموضوعي للظاهرة ؛ وذلك يوصلنا إلى فهم أدق للظاهرة موضع الدراسة .. وبالتالي نستطيع معرفة وتحديد المتغيرات المختلفة التي تؤثر وتوجه وتطلق وتوقف الظاهرة مما يعيننا لا حقاً على امتلاك آلية التحكم بهذه الظاهرة . كما أن التحليل الدقيق لظاهرةٍ ما يعطينا القدرة على تحديد ما هو طبيعي في هذه الظاهرة وما هو شاذ . أي نمتلك بالتحليل محكاً معيارياً - نرجع إليه - للسلوك السوي والشاذ المنطلق من هذه الظاهرة . والسؤال الآن : ما هي الآليات التي تمكننا من تحليل ظاهرة أو سلوك ما تحليلاً دقيقا ًو موضوعياً ؟؟ هناك مدارس كثيرة في هذا الأمر ، كلٌ يتبع ويتبنى نظريةً معينة ، و سأعتمد هنا في تحليلي لظاهرة الحسد على دراسة الحاجات والدوافع المرتبطة بظاهرة الحسد وسلوك الحسد وشخصية الحاسد .. إن أي ظاهرةٍ أو سلوكٍ يرتبط من حيث المنشأ بعنصرين أساسيين لا غنى له عنهما :- 1.) حاجةٌ تولد ضرورته . 2.) دافعٌ يدفعه إلى الظهور . - يكون الظهور بطرقٍ مباشرة أو غير مباشرة - . " إن فهم الحاجة والدافع الكامن وراء سلوكٍ ما يفسر هذا السلوك ويبرر ظهوره على الشكل الذي ظهر عليه " * فالمعالج النفسي يسعى جاهداً لفهم الحاجات النفسية والدوافع الكامنة وراء السلوك المضطرب ، ليستطيع تحليل هذا السلوك وفهمه ، وبالتالي ليمتلك القدرة والآلية لاحقاً على تعديله . * ومعلم الصف يسعى جاهداً لفهم الحاجات غير المشبعة ، والدوافع الكامنة وراء التقصير المدرسي لطالبٍ ما ليستطيع معالجة هذا التقصير . – ذلك في حال انتفاء الأسباب الأخرى للتقصير كوجود مشاكل في التحصيل والذكاء - . * والقاضي في المحكمة عليه أن يفهم الحاجات والدوافع الحقيقية وراء ارتكاب المجرم لجرمٍ ما ليستطيع أن يصدر حكماً موضوعياً وعادلاً . - وأذكر هنا تعطيل الخليفة عمر رضي الله عنه حد قطع اليد للسارق في عام الرمادة لأن الدافع وراء السرقة كان لحفظ النفس من الموت - . بعد هذه الأمثلة سننطلق لتحليل ظاهرة الحسد وسلوك الحسد ، وسأرجع إلى الوراء قليلاً لأبدأ القصة من البداية و من الجذور ، وإن استلزم ذلك منا وقتاً أطول وجهداً أكبر في القراءة والتركيز ، ولكنني وجدت ذلك ضرورياً لتظهرالصورة أمامنا بشكلٍ جلي وواضح ... فتحملوا إطالتي عليكم وسامحوني ..... إن المتفكر في خلق الله يجد أن الكون كله قد ركب الله عناصره ، وأحداثه ، وأزمنته ، وأمكنته ، وجميع مخلوقاته على درجاتٍ متفاوتةٍ من الأفضلية * هذه الأفضلية منها ما ينبني على مقاييس ربانية ، كمثل اختيار أشخاصٍ وأمكنةٍ وأزمنةٍ وأعمالٍ ، أفضل من سواها ( كأفضلية الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على سائر البشر ، وأفضلية الحرم المكي على سائر الحرم ، وأفضلية شهر رمضان على سائر الأشهر ، وأفضلية نقاء القلب والسريرة على نقاء الشكل والمظهر ...) * ومنها ما ينبني على مقاييس بشرية ( كتفضيل الجمال على القبح ، والغنى على الفقر ...إلخ ) ، وهذا التفضيل منه ما يتفق عليه البشر ومنه ما يختلفون فيه ( البعض يفضل المال على العلم ، بينما البعض يفضل العلم على المال ) المقاييس الربانية ، والمقاييس البشرية في التفضيل قد تتفق وقد تختلف ، - ولذلك تفصيل سأذكره في حينه - . ما يهمنا مما سبق ذكره القاعدة التالية : " إن وجود الأفضليات بين الأشياء في حياة البشر حتم عليهم إجراء المقارنات بين هذه الأشياء ، وذلك لتحديد الأفضل " لاحظوا معي أن البشر يفرقون بين الأفضليات عن طريق إجراء المقارنات :- أمثلة : - تقول الأم : " إبني أذكـــى من ابن الجيران " يقول الطفل : " أنا أطـــول من ابن عمي " يقول الشخص لنفسه : " أنا أغنـــى من فلان " تقول الفتاة لنفسها : " صديقتي فلانة أجمــــل مني " ....... إذاً : " الكون مبنيٌ على التفاضل ... والبشر يقومون بإجراء المقارنات لتحديد الأفضل ..." إذا كنا متفقين لننتقل إلى الخطوة التالية :- *** لنتفكر بأنفسنا *** إن أحد أهم مفاتيح فهم الآخرين هو أن نفهم أنفسنا .... فلنحاول ... حاول معي أيها القارئ الكريم أن تبدأ بقراءة حواراتك الذاتية ... تلك الحوارات التي تجري داخل أعماقك أثناء تفاعلاتك الحياتية المختلفة ..... هل ستجد أثراً لوجود هذه المقارنات المستمرة ؟؟؟؟ وهل تجد نفسك أنك مضطرٌ دائماً لتحديد الأفضل ؟؟؟؟ جرِّب ذلك وتأكد بنفسك ... إن وجدت ذلك ، دعتا ننتقل إلى الخطوة التالية ... بعد أن يحدد كلٌ منا – نحن البشر – الأفضل بالنسبة إليه ، كلٌ حسب منطقه واعتقاده ووجهة نظره ، تبدأ تتولد في داخله حاجةٌ للحصول وللتميز بهذا الأفضل ( الحاجة إلى التميز بالأفضل ) ، وتبدأ هذه الحاجة بتشكيل الدافع الذي سيدفع السلوك إلى التوجه لإشباع هذه الحاجة ، هذا السلوك الذي يمكن أن يأخذ أشكالا وآليات متعددة ، منها ما هو مباشر ومنها ما هو غير مباشر - غير المباشر أحياناً قد لا يفهمها ويعيها الفرد ذاته - . ( سأتكلم عن ذلك في حينه إن شاء الله ) وتصبح السلسلة عندنا على النحو التالي وجود أفضليات >>>>> إجراء مقارنات >>>>> اتخاذ قرار حول الأفضل >>>>> ولادة الحاجة للحصول على الأفضل >>>>> تشكل الدافع للسلوك نحو إشباع الحاجة >>>>> السلوك المعتمد للتميُّز بهذا الأفضل . هذه السلسلة تنطبق على كل البشر ، ولا أظن أن أحداً يشكك فيها ( وسأورد الأدلة عليها لاحقا إن شاء الله ) ووصولاً إلى هذه النقطة ليس هناك مشكلة ، فهذه فطرة إنسانية لا نُلام عليه كبشر ... فأين المشكلة ؟؟؟؟ إن المشكلة تكمن في حدوث تشوهات في أحد المستويات التالية : - تشكل آليات التفضيل . - تشكل آليات المقارنة . - حدة الحاجة والدافع للتميز بالأفضل . - تشوه آليات سلوك الإشباع . وأترك الحديث عن ذلك للمرة القادمة إن شاء الله ، وسامحوني للإطالة عليكم ، كما أستميحكم عذراً لعدم استطاعتي متابعة تعليقاتكم والرد عليها حتى بداية الأسبوع القادم ، لأني مسافر للخضوع لدورة تدريبية .... والسلام عليكم .. المصدر: نفساني
|
|||
التعديل الأخير تم بواسطة عبادة ; 22-12-2002 الساعة 09:36 AM
|
29-12-2002, 02:14 PM | #2 |
عضو نشط
|
سلام الله عليك ورحمته وبركاته....
بارك الله فيك يا أخي عبادة ووفقك لإتمام هذا الموضوع لنرتوي من علمك ونجني ثمار جهدك وتعبك...
بداية رائعة وموفقة تشكر والله عليها وطرح علمي سينير بإذن الله عقولنا ويوضح لنا هذا الأمر على حقيقته لنتدارك الأمر ونسعى جاهدين لإصلاح قلوبنا وتطهيرها من كل شائبة....فإستمر في الطرح... ونحن جميعاً لأخينا عبادة شاكرين...وبالدعاء له لن نكون إن شاء الله من المقصرين...... *أخي الكريم.....لنا حول هذا الموضوع أسئلة تحيرنا ونتمنى أن تجد الوقت الكافي لأن تجيب عليها.... فما رأيك هل نكتب أسئلتنا عن كل مقطع مثلاً أم نصبر حتى تنتهي من الطرح ثم نسردها عليك سرداً.... كان الله في عونك......... وأثابك على جهدك.... |
|
30-12-2002, 08:55 AM | #3 |
عضو
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة نور الأخوة الأكارم كثير من الأسئلة كانت تدور بخاطري في الماضي حول الأمر ، وقد وجدت أن هذه الأسئلة تدور في أذهان الكثيرين غيري ، فمنهم من يبوح بها ومنهم من يتجاهلها ، ومنهم من يستشعرها و لا يستطيع التعبير عنها ... وأنا في تناولي لهذا الطرح أعلم أنني سأواجه كل ذلك ... لأنني جربته مع نفسي أولاً .... لذلك أيتها الفاضلة يمكنك طرح الأسئلة التي تريدين في الوقت الذي تريدين ، ولكن أرجو منك - ومنكم - أن تتركوا لي الحرية في وقت ومكان الإجابة ، لأنني عندما أجد سؤالاً سيمر معنا الإجابة عليه أثناء الدراسة ، فسأتركه لوقته لكي لا نقع في التكرار والتطويل ... أرجو منكم الدعاء.... والسلام عليكم |
التعديل الأخير تم بواسطة عبادة ; 30-12-2002 الساعة 08:57 AM
|
31-12-2002, 11:30 PM | #4 |
( عضو دائم ولديه حصانه )
|
عباده ننتظر ما تجود به علينا من علمك بفارغ الصبر ...............أعانك الله وكتب لك الاجر في جهدك وتعبك ونفع به المؤمنين
|
|
06-01-2003, 12:02 AM | #5 |
عضو
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الأكارم : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛ أعتذر إليكم لتأخري عليكم وذلك لكثرة ارتباطاتي ، فسامحوني ... ، و أعود إليكم لأتابع دراستي حول ظاهرة الحسد ، تلك الآفة التي ربما تشغل الكثيرين منا ، بل ربما تتسرب إلى نفوسنا ، وتتسلل إلى قلوبنا كما يتسلل الوحش إلى فريسته ... ونحن حيال هذا التسلل أمام احتمالين : * إما أن ننتبه إلى هذا التسلل وهذا الإختراق ، ونكون هنا أمام خيارين أيضاً ؛ إما أن نُدافعه ونستغفر ، ثم نتعجب كيف استطاع التسلل والدخول !!! ..... وإما أن نفتح له باباً وسعاً ، ونفرش له طريقاً ملكياً لينمو ويترعرع ويظهر فنونه وجنونه ...! * أو أن لا ننتبه لهذا التسلل وهذا الإختراق ، فنكون بذلك الجلاد والضحية معاً في آنٍ واحد ، وتكون المصيبة هنا أدهى وأمر ... . على كل حال .... فولوج هذه الآفة إلى القلب أمرٌ لا بد منه .... لأنها لا تدخل سافرةً عن وجهها ، بل تدخل مقنعةً متنكرةً ، ولا ينتبه الإنسان إلى ولوجها حتى تصبح في الداخل ، لأنها تدخل وتتسلل متخفية تحت غطاء " الحاجة إلى التميز بالأفضل " – التي تحدثنا عنها في الجزأ الأول من الدراسة – ، تلك الحاجة التي جعلها رب العزة أحد المحركات الأساسية للحياة ، فبدون وجودها لا يتطور الكون و لا يعمر ، ولذلك جعلها ربنا فطرة أصيلةً في الإنسان ، بل إننا إن عمقنا النظرة ، ووسعنا دائرة البحث ، لوجدنا أن هذه الحاجة ؛ وما تولده من دافعيةٍ للسلوك ، حاجةٌ يشترك فيها كثيرٌ من المخلوقات وهي حاجةٌ أصيلة عند الإنسان وعند كثير من الكائنات ... وكأننا بها قانوناً عاماً يدفع عجلة الحياة لتدور ، وأقدار الله لتقع ... !!!! ويهمني قبل أن أدخل في عمق التحليل أن أتوسع في هذه النقطة ، وغرضي من ذلك أن تستقر هذه الفكرة في أذهاننا ، وأن نمتلك الدلائل والشواهد على وجود هذه الحاجة ، ومحوريتها ، وقوة تأثيرها على سلوكنا كبشر ؛ وعلى سلوك كثير من المخلوقات كلٌ بحسب درجة تطوره ، ومرتبة تكليفه . وسأتخذ سبيلي إلى ذلك القراءة والتدبر في اتجاهين : * كتاب الله المنظور ، " الكون بما يحوي من مخلوقات ". * كتاب الله المسطور ، " القرآن الكريم " . هيأوا معي أنفسكم .... و شدوا أحزمتكم .... و فتِّحوا أذهانكم ..... لأننا سننطلق إلى الرحلة الأولى ، إلى رحلةِ بحثٍ و تأملٍ وتدبر في مخلوقات الله .... فللننطلق ، على بركة الله .... أول مكانٍ نضع فيه أحمالنا هذه البراري الواسعة .... بعد أن تلتقطوا أنفاسكم ، ألقوا نظرةً سريعة على جمال وعذرية وعفوية هذا المكان ... ثم تعالوا معي نبحث عما جئنا نبحث عنه : * فوق تلك الشجرة ؛ راقبوا معي ذلك الطير الذي يقف على حافة عشه ، يحمل في منقاره غذاءً لأفراخه ، ولاحظوا صغاره في العش كيف كلٌ منهم يتطاول بأشد ما يستطيع ، فاتحاً منقاره بأشد ما يستطيع يحاول أن يمتاز بهذا الطعام لنفسه ... !!! تعالوا نتركهم يأكلون – بالهناء – لنتابع نحن مهمتنا مع مشهدٍ آخر ... * راقبوا معي من بعيد ذلك الأسد الذي يدور على حدود مملكته ، يضع على هذه الحدود رائحته الخاصة لكي لا يقترب أحد من الأسود الأخرى من مجاله الجغرافي وبذلك يتميز وحده بهذه المنطقة ، وبهذا المجال الجغرافي .....!!! فلنتركه ومملكته وننطلق لنتابع عملنا ... * كلٌ منكم ليمسك منظاره ويوجهه إلى تلك التلة المرتفعة ليراقب تلك العائلة من القرود . و ليراقب ذلكما الذكرين الذين يتصارعان ... هل تدرون لم هذا الصراع الحامي ؟؟؟ إنه من أجل قيادة القبيلة !!! إنه صراع بين سيد القبيلة الكهل وبين أحد الذكور الفتية التي ترى في نفسها القدرة والأحقية في زعامة القبيلة ..... كلٌ من هذين القردين يحاول كسب المعركة ليحتفظ أو لينتزع لنفسه سيادة القبيلة ، و بالتالي ليتميَّز بالحقوق التي يتمتع بها سيد القبيلة ...!!!! أقف معكم عند هذا الحد من الرحلة وأطلب منكم في المشاهد التالية أن تعودوا لمعارفكم ذاكرتكم : * هل سبق وشاهدتم في أحد البرامج التلفزيونية عن حياة البراري لقطاتٍ من اصطياد وحشٍ ما لفريسةٍ يأكلها ، ثم جاء أحد الحيوا نات المفترسة من نوع آخر يحاول أن ينتزع منه تلك الفريسة ليأكلها هو . أو بمعنىً آخر " ليمتاز عنه بالحصول على هذا الطعام " !!!!!. * هل سبق وشاهدتم مجموعات كثيرة من أنواع مختلفة من الحيوانات تعيش حول أحد المستنقعات أو أحد الواحات ، كيف يكون سلوكها في مواسم الجفاف ؟؟ راقبوا كيف تتنازع هذه الأنواع فيما بينها عندما تشح المياه ، كلُ نوع يحاول أن يفرض سيطرته على ما بقي من المياه ، ليمتاز هو ونوعه بما بقي من مياه !!!!!!! ثم بعد أن يشتد الجفاف وتشح المياه بدرجة أكبر ، تتقاتل الحيوانات من النوع الواحد على ما بقي من مياه !!!! * هل جرّبتم أن تُدخلوا ديكاً إلى مزرعةٍ يعيش فيها ديكٌ مع دجاجاته ؟؟ ما الذي يحصل ؟؟؟ لا بد أن معركة حاميةً ستحدث بين الديكين ، ويستبسل الديك المقيم في الدفاع عن امتيازاته الزوجية في وجه هذا الدخيل !!! لا أريد أن أطيل عليكم ، ولا أشك أن في جعبتكم الكثير ... فالأمر أكبر من أن يحصى بعدد محدود من الأمثلة . ما يهمني من سرد هذه الأمثلة أن أخلص إلى القاعدة التالية : " أن الحاجة إلى التميز والبحث عنه عند الحيوان تبقى في حدود الحاجات الأولية الأساسية و الفزيولوجية عنده ؛ كالطعام والشراب والدفاع عن المجال الجغرافي أو سيادة القطيع أو الدفاع عن الأنثى ، ولا يتعداه إلى أبعد من ذلك كما عند البشر . " .... الآن إن كنتم قد مللتم وتعبتم من الرحلة الأولى ، فرحلتنا التالية أنقى وأطهر ... رحلةٌ يتفتح فيه العقل والقلب ليتدبر كلام خالقه ؛ رحلةٌ تسمو بها الروح فتتجاوز حدود المادة والوقت لتندمج في سبحات الكون كله فتعرف ما لها وما عليها ، وتعرف منشأها و مستقرها ومستودعها ومآلها ... كل ذلك عندما يجتمع القلب والعقل والروح معاً ليتدبروا كلام الله ... كلام الله الذي قصَّ علينا قصة بداية الخلق – و لذلك حكمةٌ بالغة لها علاقة بموضوعنا – وكلٌ منا قد قرأ الآيات في أكثر من موضع من القرآن حول هذه القصة ؛ ولكنني أريد أن نتوقف قليلاً عند هذه الآية التي تناولت الحوار الذي دار بين رب العزة وإبليس حول خلق آدم : " قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ( 75 ) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ( 67 ) " ص تدبروا معي إجابة إبليس " أنا خير منه " ألا تشمُّن معي رائحة طلب التميز في إجابة إبليس هذه ؟؟؟ هل استطعتم الدخول إلى ما وراء الكلام الظاهري لتتلمسوا وجود هذه الحاجة ؟؟؟ * تعالوا معي لنتتبع الخيوط بما منَّ الله علينا من آيات حول هذه القضية المهمة ، وكلنا يعرف ترتيب القصة ، ونقف هنا عندما وسوس الشيطان – بعد طرده من الجنة – لآدم عليه السلام بالأكل من الشجرة : " فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى ( 120 ) " طه تدبروا معي المدخل الذي دخل به إبليس على آدم ليقنعه بتجاوز التكليف الإلاهي " شجرة الخلد " و " ملك لا يبلى " ... هيا معاً ندخل إلى ما وراء السطور الجنة دار المُتَعْ ، ولا يستطيع إبليس الوسوسة لآدم بأنه إن عصى معصيةً معينة سيحصل على المتعة لأنه هو واقعاً يعيش فيها ولا يفتقر إليها في الجنة ، فليس لوسوسة إبليس حول هذا الموضوع من كبير أثر - كما يفعل ابليس مع بني البشر في هذه الحياة الدنيا فيسوس للإنسان أنك إن سلكت هذه الطريق ستجد المتعة لإفتقاره إليها – . فما الطريق الذي سلكه إبليس لإقناع سيدنا آدم بمعصية الأمر ؟؟؟ إن إبليس – وهنا الشاهد – دخل على آدم من باب الحاجة إلى التميز بالأفضل ، والدافع للحصول على هذا الأفضل ... تعالوا معي نقرأ ما وراء كلمات إبليس لآدم " أنت يا آدم في نعيم مقيم ومتع لا تنتهي ، ولكن كل حيً إلى فناء ، وكل نعيمً إلى زوال ، ... هل تريد أن أدلك على طريقةٍ تتميّز بها بالخلود الدائم ؟؟؟ وهل أدلك على طريقةٍ تتميز بها بالتمتع بملك لا يبلى ولا يفنى ؟؟؟؟ " لا حظوا يا إخوتي أن التميُّز بالخلود وبالملك الذي لا يبلى هو من صفات من ؟؟؟؟ إنه من صفات رب العزة ، ومن هنا نصل إلى قاعدةٍ هامة وهي " أن التميز المطلق والكمال المطلق ، هي من صفات الألوهية ، وأن حاجتنا للتميز تستمد جذورها من حاجتنا – كبشر – للتشبه ببعض صفات خالقنا الذي له التميز المطلق وله الكمال المطلق .... " ، لا يا إخوتي ... لم أخرج عن الموضوع ....و لست أعطي درساً في العقيدة ، و ما زلت في نطاق علم النفس وفي تحليلي لظاهرة الحسد فاطمإنوا... ولكن تحليل ظاهرة ما قد يتشعب ليطال كثيرا من العلوم أحياناً ليكون أشمل وأعمق .... فتحملوا إطالتي ... نعود إلى حديثنا ... تدبروا معي يا إخوتي هذه الآية من سورة الحديد " اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ ( 20 ) " الحديد في هذه الآية يوضح لنا رب العزة ما هي الحياة الدنيا ، وهل ينبؤنا مثل خبيرٍ بخلقه ؟؟؟ توقفوا معي عند " وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " بالمختصر وبكل وضوح ؛ تفاخر وتكاثر في الأموال و الأولاد يعني " أنا أتميز عنك بشيءٍ لا تمتلكه أنت ، أو تمتلكه بدرجةٍ أقل مني " "إذاً رب العزة يخبرنا في هذه الآية وبكل وضوح بفطرية الحاجة إلى التميز بالأفضل ، وفطرية دافع البحث عن التميز في كلِّ ما يمكن أن يقارن به البشر بعضهم . وهنا يكمن جذر الحسد وأساسه ، وهذه الحاجة هي بمثابة البذرة من الشجرة ، .. ولاحظوا معي إلى أنني قلت هنا بذرة الحسد ولم أقل الحسد ، لأن البذرة إن صادفت ظروفاً مواتية ، أنتشت وربت وأثمرت ، وإن لم تصادف تلك الظروف بقيت بذرة ضامرة لا حول لها ولا قوة . " ... إخوتي .... جميع ما سقته من دلائل وشواهد قد يفهم القاريء منه أن جميع البشر – بل وحميع الكائنات – سيتحولون لا محالة إلى حاسدين ، وأن البشر يعيشون حالةً صراعية في محاولة تميزهم بالأفضل ..... لا لست هذا ما أرمي إليه ، ولكنني أوضح لكم أنني ما زلت حتى الآن أتحدث عن المداخل التأسيسية لجذر وبذور ظاهرة الحسد ، ولم أدخل حتى الآن بالتحليل الفعلي لهذه الظاهرة ، والتي أعتقد – بل وأرجو من الله – أن تكونوا قد تهيأتم للدخول إليه بقاعدةٍ متينة وبفهمٍ صحيح .... والسلام عليكم .. |
|
10-01-2003, 03:32 AM | #6 |
( عضو دائم ولديه حصانه )
|
إذاّ الاحتياج إلى التميز والشعور بعدم المساواه مع الآخر هي أو قد تكون طريق للحسد ,صحيح؟:)
أكمل عباده...مازلنا متابعين............ |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|