المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

الغناء و الموسيقى

الغناء والموسيقى -------------------------------------------------------------------------------- الغناء والموسيقى بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بشأن تحريم الغناء والموسيقى الرقم / 277/2 التاريخ / 11/1/1421هـ الحمد لله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 18-10-2006, 12:39 AM   #1
noooor
V I P


الصورة الرمزية noooor
noooor غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 5696
 تاريخ التسجيل :  02 2004
 أخر زيارة : 15-11-2010 (09:06 PM)
 المشاركات : 8,386 [ + ]
 التقييم :  87
لوني المفضل : Cadetblue
الغناء و الموسيقى



الغناء والموسيقى

--------------------------------------------------------------------------------

الغناء والموسيقى
بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بشأن تحريم الغناء والموسيقى
الرقم / 277/2 التاريخ / 11/1/1421هـ

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : -
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على مقال نشر في الملحق لجريدة المدينة الصادر يوم الأربعاء الموافق 30/9/1420هـ بعنوان : ( ونحن نرد على جرمان ) بقلم : أحمد المهندس رئيس تحرير العقارية يتضمن إباحة الغناء والموسيقى والرد على من يرى تحريم ذلك ويحث المهندس على إعادة بث أصوات المغنين والمطربين الميتين تخليداً لذكراهم وإبقاء للفن الذي قاموا بعمله في حياتهم ولئلا يحرم الأحياء من الاستماع بسماع ذلك الفن ورؤيته ، وقال : ليس في القرآن الكريم نص على تحريم الغناء والموسيقى . ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد كان يستمع إلى الغناء والموسيقى ويأمر بهما في الأعياد والمناسبات كالزواج والأفراح ثم قال : وهناك أحاديث ضعيفة يستند إليها البعض في منع الغناء والموسيقى لا يصح أن تنسب للصادق الأمين لتغليب رأي أو منع أمر لا يوافق عليه البعض ، ثم ذكر آراء لبعض العلماء كابن حزم في إباحة الغناء وللرد على هذه الشبهات تقرر اللجنة مايلي :-

أولاً : الأمور الشرعية لا يجوز الخوض فيها إلا من علماء الشريعة المختصين المؤهلين علمياً للبحث والتحقيق ، والكاتب المدعو / أحمد المهندس ليس من طلاب العلم الشرعي فلا يجوز له الخوض فيما ليس من اختصاصه ، ولهذا وقع في كثير من الجهالات ، القول على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم ، وهذا كسب للإثم ، وتضليل للقراء كما لا يجوز لوسائل الأعلام من الصحف والمجلات وغيرها أن تفسح المجال لمن ليس من أهل العلم الشرعي أن يخوض في الأحكام الشرعية ويكتب في غير اختصاصه حماية للمسلمين في عقائدهم وأخلاقهم .

ثانياً : الميت لا ينفعه بعد موته إلا مادل عليه دليل شرعي ومن ذلك مانص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) وأما المعاصي ، التي عملها في حياته ومات وهو غير تائب منها – ومنها الأغاني – فانه يعذب بها إلا أن يعفو الله عنه بمنه وكرمه . فلا يجوز بعثها وإحياؤها بعد موته لئلا يلحقه إثمها زيادة على إثم فعلها في حياته لأن ضررها يتعدى إلى غيره كما قال عليه الصلاة والسلام : (( ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة )) . وقد أحسن أقاربه في منع إحياء هذه الشرور بعد موت قريبهم .

ثالثاً : وأما قوله : ( ليس في القرآن الكريم نص على تحريم الغناء والموسيقى فهذا من جهله بالقرآن . فإن الله تعالى قال { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين } قال أكثر المفسرين : معنى ( لهو الحديث ) في الآية الغناء . وقال جماعة آخرون : كل صوت من أصوات الملاهي فهو داخل في ذلك كالمزمار والربابة والعود والكمان وما أشبه ذلك وهذا كله يصد عن سبيل الله ويسبب الضلال والإضلال . وثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل أحد علماء الصحابة رضي الله عنهم أنه قال في تفسير الآية : إنه والله الغناء . وقال : إنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل . وجاء في المعنى أحاديث كثيرة كلها تدل على تحريم الغناء وآلات اللهو والطرب وأنها وسيلة إلى شرور كثيرة وعواقب وخيمة ، وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه : ( إغاثة اللهفان ) الكلام في حكم الأغاني وآلات اللهو .

رابعاً : قد كذب الكاتب على النبي صلى الله عليه وسلم حيث نسب إليه أنه كان يستمع إلى الغناء والموسيقى ويأمر بهما في الأعياد والمناسبات كالزواج والأفراح ، فإن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رخص للنساء خاصة فيما بينهن بضرب الدف والإنشاد المجرد من التطريب وذكر العشق والغرام والموسيقى وآلات اللهو مما تشمل عليه الأغاني الماجنة المعروفة الآن ، وإنما رخص بالإنشاد المجرد عن هذه الأوصاف القبيحة مع ضرب الدف خاصة دون الطبول وآلات المعازف لإعلان النكاح بل صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري أنه حرم المعازف بجميع أنواعها وتوعد عليها بأشد الوعيد ، كما في صحيح البخاري وغيره من كتب الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة ـ يأتيهم ـ يعني الفقير لحاجة فيقولن : ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة ) والمعازف الغناء وجميع آلاته . فذم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم من يستحلون الحر وهو الزنا ويستحلون لبس الحرير للرجال وشرب الخمور ويستمعون الغناء وآت اللهو . وقرن ذلك مع الزنا والخمر ولبس الرجال للحرير مما يدل على شدة تحريم الغناء وتحريم آلات اللهو .

خامساً : وأما قوله : وهناك أحاديث ضعيفة يستند إليها من منع الغناء والموسيقى ولا يصح أن تنسب للصادق الأمين لتغليب رأي أو منع أمر لا يوافق عليه البعض ـ فهذا من جهله بالسنة فالأدلة التي تحرم الغناء بعضها في القرآن وبعضها في صحيح البخاري كما سبق ذكره وبعضها في غيره من كتب السنة وقد اعتمدها العلماء السابقون واستدلوا بها على تحريم الغناء والموسيقى .
سادساً :ماذكره عن بعض العلماء من رأي في إباحة الغناء فإنه رأي مردود بالأدلة التي تحرم ذلك والعبرة بما قام عليه الدليل لا بما خالفه فكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فالواجب على هذا الكاتب أحمد المهندس أن يتوب إلى الله تعالى مما كتب ، ولايقول على الله وعلى رسوله بغير علم فإن القول على الله بغير علم قرين الشرك في كتاب الله . وفق الله الجميع لمعرفة الحق والعمل به ،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وأله وصحبه .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الرئيس / عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ
عضو / عبدالله بن عبدالرحمن الغديان
عضو / بكر بن عبدالله أبو زيد
عضو / صالح بن فوزان الفوزان
__________________
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 12:47 AM   #2
يتيم الحظ
V I P


الصورة الرمزية يتيم الحظ
يتيم الحظ غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 12743
 تاريخ التسجيل :  02 2006
 أخر زيارة : 19-06-2009 (03:19 PM)
 المشاركات : 6,234 [ + ]
 التقييم :  45
لوني المفضل : Cadetblue


لهو الحديث
جزاك الله خير وجعله في موازين حسناتك وبارك فيك وجعلك عونا للاسلام والمسلمين


 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 01:56 AM   #3
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


نوووور القص و اللزق يا حبيبتي مافيش اسهل منه

و حوريكي دة عملي حالا


 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 02:00 AM   #4
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
الموسيقى و الغناء.. و إسلامنا.. دعوة للفكر سلسلة مقالات تناقش حكم الموسيقى و الغناء ف



أولاً : حُكْمُ استِعْمالِ آلاتِ المعازِف وَاستِماعِها
أذَكرُ ابتداءً بمقدمات مُهمَةِ سَبَقَ بيانها من قبل:
ا- الأصوات الموزونَةُ الخارِجَةُ من آلاتِ المعازِفِ طيبَة في الأسماعِ، حَسَنَةْ في العُقولِ، من أجل ذلكَ استُعمِلَت مَقاييسَ للأصواتِ الحسَنَةِ المحبوبَةِ.
كَما شُبهَ بها الصوت الحَسَنُ بقِراءَةُ القرآنِ، كَما قالَ النبي "ص" لأبي موسَى الأشْعَريً: "لَقَد أوتيتَ مِزْماراً من مَزاميرِ آلِ داوُدَ" (حديث صحيح متفق عليه.. أخرجه البخاري)
فشَبه حُسنَ صَوتِهِ بالمزمارِ، ولا. يُشَبهُ بمَذموم، فَقد قالَ النبي "ص" : "لَيسَ لَنا مَثَلُ السوء ".
وَقالَ التابعي الكَبيرُ أبو عُثمانَ النهدي: ما سَمِعت مِزماراً ولا طُنبوراً وَلا صَنجاً أحسَنَ من صوتِ أبي موسَى، إن كانَ ليُصلِّي بنا فنَوَد أنه قرأ البقرَةَ، من حُسنِ صَوتِهِ (أثر صحيح.. أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" بسند صحيح).
فكأنه يَقولُ: سَمِعْتُ أصواتَ المزاميرِ والطنابيرِ والصنوجِ، أي أحلى الأنغامِ الموسيقيةِ لهذهِ الآلات، فكانَ صَوْتُ أبي موسَى بالقرآنِ أحلى وأعذَبَ منها، فاستَساغَ التشبيهَ للصَّوتِ الحسَنِ بأصواتها، بجامِعِ الحُسنِ المؤثِّر في القُلوبِ.
2- وأن المعازِفَ لاحِقَة ببابِ العاداتِ لا بِبابِ العِباداتِ، وتقررَ في الأصُولِ أن (الأصلَ في كُل العاداتِ الإباحَةُ، ما لم يَرِد ناقلَ ينقُلُها إلى حُكم آخَرَ).
3- وأن ما استُدل به من النصوص على تَحريمها كآلات ضَعيفٌ نَقلاً أو خطَأ نَظَراً..
4- وأنَّ الكلامَ في مفرَداتِ الآلاتِ وإن تَفاوَتَت في أصواتها، كالكَلامِ في جُملتِها، لعدَمِ وُرودِ دليلِ يُصارُ إليهِ في التفريقِ، فإذا قُلنا بإباحةِ الدف والطبل والمزمارِ لورودِ نُصوصٍ أفادَت ذلكَ، لم يَكُن ذلكَ حاصِراً للمُباحِ منها، وإنما لكونِها أكثَرَ آلاتِ التاسِ في ذلكَ الزمانِ شُيوعاً، وحيثُ لم يَرِد بُرهانْ يُحتَج بهِ لمنعِ ما سِواها فهي مثلُها في الحُكمِ.
فإذا استَحضرتَ تلكَ المقدماتِ وَجَدتَها تدل بمجردها دونَ النظَرِ إلى أدلةِ سِواها على إباحَةِ استِعمالِ المعازِفِ واستِماعِها، وذلكَ لذاتِها دونَ اعتِبارِ الأغراضِ المطلوبَةِ أو المرفوضَةِ.
فالموسيقَى تأصيلًا: مُباحَةٌ ، وَهُوَ الأصلُ فيها، ولو على وَجهِ اللهو الفارغِ من القصد، ما دامَ الاشتِغالُ بها لا يفوت طاعةً، ولا يوقِعُ في مَعصِيَةِ، وَمِن صُوَرِ ذلكَ: الاشتِغالُ بها لإدْخالِ السرورِ، أو لدَفْعِ السآمَةِ والملَلِ وتَحقيقِ مُشتَهى النفسِ.
والقول بإباحَةِ شَيءٍ بِناءَ على مجرد انتِفاءِ الدليلِ التاقلِ عنها كافٍ ، لكن الشًأنَ هُنا أن النصوصَ جاءَت بحَوادِثَ تؤكًدُ القول بإباحَةِ الموسيقى تأصيلا، فمن ذلكَ:

ا- عَن عائشَةَ "ر":
أن رَسُولَ اللّه "ص" دَخَلَ عليها أيامَ مِنى، وعندَها جارَيتانِ تُغَنيانِ وَتَضْرِبانِ بدُفَينِ، وَرَسُولُ اللّه "ص" مُسَجى على وَجهِهِ الثوبُ، (وَفي رِوايَةِ: مُستَتر بثَوبِهِ) لا يأمُرُهُنَّ وَلا يَتهاهُن، فنَهَرَهُن (وفي رِواية: فانَتَهَرَهُما) أبو بكرِ، فكَشَفَ رَسولُ الله "ص" ثَوبَهًُ عن وَجهِهِ،، فَقالَ: "دَعهن (وفي رِوايَةٍ : دَعهُما) يا أبا بكر، فإنها أيامُ عِيد(حديث صحيح).
وَفي رِوايةِ أخرَى للحَديث، قالَت عائشَةُ: دَخَلَ عَلَي رَسولُ الله "ص" وعِندي جارَيتانِ تُغنيانِ بغِناءِ بُعاثِ ، فاضطَجَعَ على الفِراشِ وحَولَ وجههُ، ودَخَلَ أبو بكر فانتَهَرَني، وَقالَ: مِزمار الشيطانِ عندَ النبي "ص" ؟! فأقبَلَ عليهِ رَسولُ اللّه "ص"ِ، فقالَ: "دعهما".. فلما غَفَلَ غمَزتُهما، فخرَجَتا. وَكانَ يومَ عيدٍ ، يَلعَبُ السُّودانُ بالدَّرَقِ (التروس) وَالحِراب، فإمَا سألتُ النبي "ص" وأما قالَ: "تَشتَهينَ تَتظُرينَ؟!" فقلتُ: نَعم، فَأقامَني وَراءَهُ، خَدي على خَدهِ، وهُوَ يَقولُ: "دونَكُم يا بَني أرفِدَةَ"، حتى إذا مَلِلتُ قالَ: "حَسبُكِ؟ "، قلتُ: نَعَم، قالَ: " فاذهَبي " (حديث صحيح).
قلتُ: فهذهِ إباحَة صَريحَة للغِناءِ والعَزْفِ إظْهاراً للسرورِ يومَ العيدِ، وتقدَم بيانُ السببِ في إتكارِ أبي بَكرِ، وليسَ هوَ لتحريمِ ذلكَ.

2- وَعَن بُرَيدَةَ الأسلَمي، أنه، قالَ:
خَرَجَ رَسولُ الله "ص" في بعض مَغازيهِ، فلما انصَرَفَ جاءتْ جارية سَوداءُ، فقالَت: يا رَسولَ اللّه، إنًي كتتُ نَذَرتُ إن رَدكَ اللهُ سالماً أن أضرِبَ بينَ يدَيكَ بالدف وأتَغَنى، فقالَ لَها رَسُولُ الله "ص": " إن كُتتِ نَذَرتِ فاضرِبي، وإلا فَلا!"، فجعَلَت تَضرِبُ. وذكَرَ بقية الحديثِ. (حديث صحيح)
قلت: فهذا الحَديثُ حُجة قوية في إباحَةِ العَزفِ والغِناءِ بغيرِ مَحذورِ! وذلكَ لأن النَّبي "ص" قالَ في الحديثِ الصحيحِ: "مَن نَذَرَ أن يطيعَ اللة فليُطِعهُ، وَمَن نَذَرَ أن يَعصِيَهُ فَلا يَعصِهِ " ، وَقالَ: "لا نَذْرَ في مَعصيةِ الله"، وفي رِوايةِ:"لا وَفاءَ لنَذرِ في معصية".
فلو كانَت هذهِ المرأةُ نَذَرَتْ مُحرماً لَما أذِنَ لَها النَّبي"ص" بالوَفاءِ به، وإنما أذِنَ لَها به لكونِها نَذَرَت مُباحاً.
وَلاحِظ أنَّ التبيَّ"ص" جعَلَ النذرَ هوَ علةَ الإذنِ، وليسَ لمقامِهِ وَشَخصِهِ "ص"، كما قد يتعلقُ به بعضُهُم، ألم تَرَه قالَ: "إن كُنتِ نَذَرتِ فاضرِبي، وإلا فَلا"؟
وهذا من أبلغِ ما يكونُ في رَدٌ زَعمِ مَن زَعَمَ أن العَزفَ بالدفوفِ والغِناءَ لا يحل إلا في عُرس وَعيدٍ ، فلم تكُن هذهِ المناسَبَةُ عيداً ولا عُرساً.
قد جَمعَ الكُل معنى السرورِ، فالعُرس والعيدُ وقُدومُ الغائبِ العَزيزِ مُناسَباتُ سُرور، فأبيحَ فيها العَزفُ والغِناءُ من أجل هذا المعنى، وهُوَ مَعنى يَقَعُ للإنسان في أحوالٍ مُختلفةٍ ، لا تَنحَصِرُ في هذهِ المناسَباتِ الثلاثِ، وذلكَ لأن الله تعالى لم يَمْنَعِ الإنسان في الأصل أن يفرح وأن يكونَ مَسروراً في أحوالِهِ المختلفَةِ، والنفس تَمَل الجد فتحتاجُ إلى بعض الأنس، فيكونُ ذلكَ مِما للمسلِمِ فيهِ سَعَة أن يدخل السرورَ على نَفْسِه ومَن يُحب، فحيثُ يحقق لَهُ الغِناءُ والعَزفُ هذا المعنى دونَ مُواقَعَةِ محذورِ فهذا مِما وَقَعَ الإذْنُ فيهِ من رسولِ الله"ص".

3- وَعَنِ السائبِ بنِ يزيدَ، "ر":
ان امرأة جاءَت إلى رَسولِ الله "ص"، فقالَ: نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةيا عائشَةُ، أتَعرِفينَ من هَذِهِ؟"، قالَت:" لا، يا نبي اللّه"، فَقالَ: "هَذِهِ قَيْنَةُ بَني فُلانٍ ، تُحِبينَ أن تُغَنيَكِ؟"، قالَت: نَعَم، قالَ: فأعطاها طَبَقاً، فغَنتها، فَقالَ النبي "ص" : "قَذ نَفَخَ الشيطانُ في مِتخَرَيها" (حديث صحيح).
قلتُ: أعطاها النبي "ص" الطبَقَ لتَضرِبَ به، وَوُصِفَت بكونِها (قَينَة تغني)، وهَذهِ سِمَةُ المغنياتِ، ولا توصَفُ به إلا مَن كانَت تُحسِنُ الغِناءَ، وَمَن كانَ كذلكَ تهَيأ لهُ أن يَضرِبَ بأي شيء يُصدِرُ صوتاً بالضربِ عليهِ، فيأتي بهِ ضَرْباً مُتناسِباً معَ غِنائِهِ، نعَم الطبَقُ ليسَ بدُفّ ولا آلةٍ صُنِعَت للعَزفِ، ولكن الضربَ بهِ هُنا عَزف بِلا مِريَةٍ ، بقرينَةِ الغِناءِ.
وهَذا يؤكدُ ما تقدمَ ذكرُهُ من كونِ الآلَةِ لا يتَّصلُ بها حُكْم في ذاتِها، إنما الحُكمُ للأصوات حيثُ تُستَخدَمُ.
وقد رأيتُ ذاتَ يوم مَن أخَذَ عودَينِ، فصارَ يضرِبُ بهِما على صَفائحَ مَعدنيةِ مُستخرِجاً بذلكَ منَ الأصوات ما لا يختَلفُ عن أصْواتِ آلاتِ الموسيقى المعروفةِ.
والشاهدُ من هذا الحديثِ: أن الغِناءَ والعَزفَ فيهِ لم يقَعا في مُناسَبَة معينة، كعيدٍ أو عُرس، ولا يدل ظاهرهُ على أكثَرَ من أن ذلكَ وَقعَ تحقيقاً لبعض مُشتَهى النقسِ بالسماعِ، كَما يدل عليهِ قولهُ "ص": "أتُحبًينَ أن تُغَنيَكِ؟!" قالَت: نَعم.

4- وَعَن عائشَةَ "ر" قالَت:
بَينا أنا ورَسولُ اللّه "ص" جالسانِ في البَيتِ، استأذَنَت عَلينا امرأةٌ كانت تُغَني، فلم تَزَل بِها عائشةُ "ر" حتى غنت، فلمَّا غَنت استأذنَ عُمَرُ بنُ الخطَابِ، "ر"، فلمَا استأذنَ عُمَرُ ألْقَت المغنيَةُ ما كانَ في يَدِها، وخَرَجَت، واستَأخَرَت عائشَةُ "ر" عن مَجلِسِها، فأذِنَ لهُ رَسولُ اللّه "ص"، فضَحِكَ، فَقالَ: بِأبي وأمي، مِمَا تَضحَكُ؟ فأخبَرَهُ ما صَنَعَت القَينَةُ وعائِشَةُ "ر"، فَقالَ عُمَرُ: وأما وَالله لا، اللّه ورَسُولُهُ "ص" أحَق أن يُخشَى يا عائِشَةُ .

قلتُ: فهذا الحديثُ صَريح في إباحَةِ الغِناءِ، والضربِ مَعَه بشَيءٍ ، وظاهِرُهُ دونَ مُناسَبَةِ، وأن ذلكَ وَقَع من قَينَةِ تُعرَفُ بالغِناءِ، كما قالَت عائِشَةُ: "امرأة كانَت تُغني "، ثُم وصفها بكونِها مُغنيَة وَقَيْنَة، وهذا لا يُقالُ إلا فيمَن يُحسِنُ الغِناءَ ويُجيدُهُ.
فتأمَل ما لهذهِ الأحاديثِ من الدلالَةِ البينَةِ على فُسْحَةِ الشَريعَةِ السمحاءِ، أن يَقَعَ الغِناءُ والعَزْفُ بإذْنِ رَسولِ اللّه "ص"، وفي بَيتِهِ، المغنِّيَةُ فيهِ المرأةُ، والمستَمِعُ فيهِ الشابةُ عائِشَةُ "ر"، والشاهِدُ رَسول اللّه "ص"، يَقَعُ ذلكَ في أحوالٍ مُختلفةِ: تارةَ للفَرَحِ بالعيدِ، وتارةَ للسعادَةِ بمقْدَمِ الغائبِ، وتارةَ مُراعاةَ للشَابةٍ الحديثَةِ السن الحَريصَةِ على اللهو، كَما يَقَعُ ذلكَ مِمَن تُحسِنُ الغِناءَ والعَزْفً وتُعرَفُ بهِ، وأخرَى كانَت مُغنيةً لقَومِ تُنْسَبُ لهُم في مَهنَتِها تلكَ، كل ذلكَ والوَحيُ يَتزِلُ، في المجتَمَعِ الذي رباهُ رَسولُ الله "ص" وأدبَه.
وكُل هذهِ أحوال تُناسِبُ أصلَ اليُسرِ في دينِ الإسلامِ وتُجاريهِ.


 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 02:00 AM   #5
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


انتقال حُكمِ الموسيقَي عَنِ الإباحَة:
والغَرَضُ المطلوبُ يَجعَلُ الموسيقى والغِناءَ مَطلوباً مَتدوباً، والغَرَضُ الممنوعُ يَجعَلُهُ مَمنوعاً، كَما هُوَ الشَّأنُ في كُل مُباح، وعليهِ فإن استِعمالَ واستِماعَ الموسيقى يَصيرُ باعِتبارِ ذلكَ الغَرَضِ إلى ثَلاثَةِ أحكام غيرِ أصلِ الإباحَةِ:

الأول: الاستِحبابُ.
وذلكَ حينَ يتحققُ بهِ مطلوب شَرعي، وهذا وَجدناهُ منصوصاً عليهِ في النًكاحِ، وذلكَ لعلَة إظهارِ النكاحِ وإشهارِهِ، وهوَ فاصِلْ بينَ النكاحِ الحَلالِ والسًفاحِ الحرامِ، فالأول يُعلَنُ، والثَّاني يُسَر، فلهذهِ الغايَةِ أمَرَت الشريعَةُ بالعَزفِ والغِناءِ، وفي ذلكَ ثبَتَ من الأدلَةِ الصريحةِ ما يأتي:
ا- عَن مُحمد بنِ حاطِبِ الجُمَحي، قالَ: قالَ التبيُّ "ص":
"فَصلُ ما بَينَ الحَلالِ والحرامِ: الدف، وَالصوت في النكاحِ " (حديث حسن).

2- وَعَنِ الربَيعِ بِتتِ مُعَوِّذِ، قالَت:
دَخَلَ علي النبي "ص" غَداةَ بُنِيَ عَلَي، فَجَلسَ على فِراشِي كَمَجلِسِكَ مِني ، وَجُوَيرِياث يَضرِبن بالدف، يَتدُبنَ مَن قُتِلَ مِن آبائهِنَّ يومَ بَدرِ، حتى قالَت جارِيَة: وَفينا نبي يَعلم ما في غَدِ، فقالَ النبي "ص": (لا تَقولي هَكَذا، وَقولي ما كُتتِ تَقولِينَ " (حديث صحيح).

3- وَعَن أنَسِ بنِ مالكٍ :
أن النبي "ص" مَر ببعض المدينَةِ، فاذا هُوَ بجَوارٍ يَضرِبنَ بدُفهِن وَيتغنيْنَ، ويَقُلنَ:
نَحْن جَوارِ مِن بَني التجارِ * يا حَبذا مُحمَّد مِن جارِ
فقالَ النبي "ص": "اللهُ يَعلم إني لأحِبكُن ".
وفي رِوايه: أن النبي "ص" رأى صِبياناً ونساءَ مُقبلينَ مِن عُرس، فقام نَبي الله "ص"، فقالَ:"اللهُم أنتم مِن أحَب الناسِ إلي، اللهم أنتم مِن أحَب الناسِ إليَّ " يعني الأنصار.

قلتُ: فهذه الأحاديثُ ظاهرةُ الدلالةِ على استحبابِ العَزْفِ وَالغِناءِ في العُرس، وإن كان مقتصراً في جميعِها على الدف، فإنما ذلكَ لأنَّه الآلَة الميسورَةُ المشهورَةُ، وتقدمَ أن الدف مِعزَف، والضربَ به عَزف، ولم نَجد ما يُفرقُ بهِ بينَه وبينَ غيرِهِ كآلَةِ.

الثاني: الكَراهَةُ.
وذلكَ إذا كان السماعُ مفوتاً لطاعَةِ غيرِ واجِبةٍ معَ عدَمِ وُجودِ مُناسَبَةِ أو سَبَبِ يَقتَضيهِ.
وهَذا وَجَدْنا الدلالَةَ عليهِ في حَديثِ نافع مولى ابنِ عُمَرَ:
أن ابنَ عُمَرَ سَمِعَ صوت زَمارَةِ راعٍ ، فَوَضَعَ أضبُعَيهِ في أذُنَيْهِ، وعَدَلَ راحِلَتَه عن الطريقِ، وهُوَ يقولُ: يا نافعُ، أتَسْمَعُ؟ فأقولُ: نعَم، فيمضي، حتَى قلتُ: لا، فوَضَعَ يديهِ، وأعادَ راحِلَتَه إلى الطَّريقِ، وَقالَ: رأيتُ رَسُولَ الله "ص" وَسَمِعَ صوت زَمارَةِ راع، فصنَعَ مثلَ هذا.

قلتُ: فلما كانَ النبي"ص" مُستعملَا ساعاتِه في الطَّاعاتِ، كما في حَديثِ عائشةَ، "ر" قالَت: "كانَ رَسولُ اللّه "ر" يذْكُرُ الله على كُل أحيانِهِ "، كانَ في الاستِماعِ إلى الموسيقى انشِغالٌ عن تلكَ الطاعَةِ، ولم تَكُن هُناكَ مُناسَبة ولا سَبب يَقتضي السَّماعَ.
و مثل هذا السماع ليس حراماً، ولا إثم على مواقعه، فإن المكروه لا عقاب في فعله، لكن العاقل من يجتهد في تحصيل أضداد من أسباب كسب الثواب، و تعاطي المكروه مفوت للحسنات، باطل المكروه في حبائله، نسأل الله العافية في الدنيا و الآخرة، و أدناه: أن يفوت عليه به من المصالح ماهو أولى و أنفع له.

الثالث: التحريم.
و هو كل صوت من آلة، ولو كانت طبقاً، يًستعمل في تزيين الفجور و الفاحشة و يعين عليها، كسماع دور الفساد، و كل مايكون سبباً في تضييع الفرائض أو تفويتها.
و هذا وجدناه في أحاديث:
1- عن أبي عامر، أو أبي مالك الأشعري، سمع النبي "ص" يقول : "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف، و لينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم-يعني الفقير- لحاجة، فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، و يضع العلم، و يمسخ آخرين قردة و خنازير إلى يوم القيامة"
2- و عن غير واحد عن النبي "ص" قال:
"إن في أمتي خسفا و مسخا و قذفا"، قالوا: يا رسول الله، و هم يشهدون أن لا إله إلا الله؟ فقال: "نعم، إذا ظهرت المعازف، و الخمور، ولبس الحرير"
3- و عن جابر بن عبد الله، قال:
كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرون بالكَبَر و المزامير، و يتركون النبي"ص" قائما على المنبر و ينفضون اليها، فأنزل الله " و إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها"
قلت: ففي الحديثين الأولين كانت الموسيقى سبباً للعون على معصية الله، فكانت ممنوعة بهذا الاعتبار، و تحريمها في هذا الحال من تحريم الوسائل الموصلة إلى الممنوع.

قلت: ففي الحديثين الأولين كانت الموسيقى سببا للعون على معصية الله، فكانت ممنوعة بهذا الاعتبار، و تحريمها في هذا الحال من تحريم الوسائل الموصلة إلى الممنوع.
و في الحديث الثالث، كانت الموسيقى فيه في مناسبة عُرس، و هي في الأصل مشروعة مندوبة، لكنهم حين لهوا بها معرضين عن رسول الله "ص" وهو قائم يخطب على المنبر يوم الجمعة ذمَّ ذلك منهم و منعوا منه، لما سبب من ترك الواجب ، فصار محظورا، كالبيع في تلك الساعة.

الموسيقى لغير اللهو:
هذه الأحكام التي ذكرت للموسيقى سماعا و إسماعاً، هي في باب الملاهي، حيث تتخذ للتلهي بها حين تتخذ لتحقيق لذة مشروعة لكنا وَجدناها أيضاً تُتَخَذُ لأغراضِ أخرَى سِوَى ذلكَ، كاستِعمالِ علماءِ الطب لَها لعِلاجِ بعض الأمراضِ العَصبيةِ، وتَخفيفِ المعاناةُ عندَ مُواجهَةِ بَعْضِ العَوارضِ الصحيًة، كالشَأنِ في استِعمالِ ما يسمى بـ (الموسيقى العلاجية: Music Therapy)، فيُعالِجُ بها الطب الحديثُ أنواعاً من العِلَلِ، كالاضطراباتِ والتخلُفاتِ العقليةِ التي تُصيبُ الأطفالَ والمراهقينَ والكبارَ والشيوخ، كذلكَ تُستَعمَلُ لتَخفيفِ المعاناةِ من أمراضِ تقدمِ العُمرِ، كمرض الزايمر Alzheimer's disease وغيرِه، وتُعالَج بها بعضُ حالاتِ الإصابة بآثارِ تعاطي المخدرات، وعُمومُ إصاباتِ الدماغ، وبعضُ الآلامِ المزمِنَةِ أو الحادةِ، كَما تُستَعملُ لتَيسير عملية وَضعِ الحَملِ، والتخفيفِ عن المرأةِ في حال الولادَةِ، ولتحسينِ حالاتِ التَخلفِ في النمو والتَعلُم، وغيرِ ذلكَ.
فهذهِ مَصلَحَة معتَبَرَةٌ لاستِعمالِ الموسيقَى، وإذا كانَ الأصلُ جَوازَ التلهي بها، فتَحقيقُ مَتفَعَةِ كهذهِ أولى بحُكْمِ الإباحَةِ.


 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 02:06 AM   #6
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ثانياً: حكم الغناء
تَقدَمَ في جزئية التعريفات و الأصول ان (الغِناءَ): صوت يُوالى بهِ مرة بعدَ مرة بتَلحينِ وتَطريبِ، ويدخل فيهِ الصفير والتصفيقُ، ولا يختص بالحَي من جِهَةٍ كونِهِ (صَوتاً)، لِذا تُسمى أصواتُ الموسيقى (غناءً)، وآلاتُها (آلاتُ غِناءٍ ).
فمِن حيثُ التأصيلُ: فإن الغِناءَ كصوت مُجرد بغيرِ كَلام كالترنمِ مباح في الأصل، بِناءَ على أصل العاداتِ، ما لم ينقل عنها بدَليلِ خاص.
وإنْ كان أصواتَ الموسيقى فقد تقدم بيانُ حُكمِها، وأنها باقيَة على أصل الحل، تخرُجُ عنه بحَسَبِ ما تتخذ له.
وإن كانَ باعتِبارِهِ القول الملحنَ بشعر وكَلامِ مَتظومٍ ، فهوَ الذي نَعنيهِ في هذا المقامِ، فالنظَرُ فيهِ من جِهَتين:

الجِهَةُ الأولى: أداؤُهُ بالألحانِ.
اللحنُ: تَحسينُ الصوت بالأداءِ على صِفَة مَخصوصَة.
فهذا ليسَ في الشريعَةِ ما يَعيبُهُ البتةَ، والنفوسُ تستلذُّهُ بطَبعِها، بل من أجل أثَرِهِ في النفْسِ: نَفسِ المؤدٌي ونَفْسِ السامِعِ، حثتِ الشريعَةُ على التغني بالقرآنِ.
كَما في حَديثِ البَراءِ بنِ عازب، قالَ: قالَ رَسول الله "ص": "زَينُوا القرآنَ بأصواتكُم"، وفي لَفظِ: "حَسنُوا القرآنَ بأصواتكُم، فإن الصوت الحسَنَ يَزيدُ القرآنَ حُسناً".
وشُرعَ تَحسينُ الصوت بالأذانِ، كَما في حَديثِ عَبد الله بن زَيدِ بن عَبد رَبهِ الذي أرِيَ الأذانَ في المنامِ، قالَ: فلما أصبحتُ أتَيتُ رَسولَ اللّه "ص" فأخبرتُهُ بما رأيتُ، فقالَ: "أنها لرُؤيا حقِّ إن شاءَ الله، فقُم معَ بلال، فألقِ عليهِ ما رأيتَ، فليؤذٌن بهِ، فإنه أتدَى صَوْتاً منكَ ".
وَعَنْ أبي مَحذُورَةَ، قالَ: لَما خَرَجَ رَسولُ اللّه "ص" مِنْ حُنَيْن خَرَجتُ عاشرَ عَشرَةِ من أهلِ مَكةَ نَطلُبُهم، فسَمِعناهم يُؤَذنونَ بالصلاةِ، فقُمنا نُؤَذٌنُ نَستَهْزِئُ بهم، فَقالَ رَسولُ اللّه "ص": "قَد سَمِعْتُ في هؤلاءِ تأذينَ إنسانٍ حَسَنِ الصوت ، فأرسَلَ إلَينا، فأذنا رَجُل رَجُل، وكنتُ آخِرَهم، فَقالَ حينَ أذنْتُ: "تَعالَ"، فأجلسَنِي بينَ يَدَيهِ، فمَسَحَ على ناصِيَتِي وبَرََّكَ عَلي ثَلاثَ مرات، ثُم قالَ: "اذهَب فأذن عندَ البَيتِ الحَرامِ ".
فدل هذا على مُجاراةِ الطبائعِ فيما تستحسِنُهُ وتستلذهُ من الأصواتِ.
فلو كانَ اللَحنُ مما يُمنَعُ لَما صلحَ أن يَكونَ مُستحباً لذِكرِ اللّه وقراءَةِ القرآن وشَعيرَةِ الأذانِ التي تتكررُ على الأسماعِ خَمسَ مرات في اليَومِ والليلَةِ.
فإذا كانَ الأصل في اللحنِ الجَوازَ، فإن أهلَ صِناعَةِ الغِناءِ يُخرجونَه بالألحانِ المتَناسِبَةِ على نَغَماتٍ مُتناسِقَةٍ ، مَقسومَةٍ على أنماطِ مختلفة بحسَبِ المرادِ، واختلاقها كذلكَ بالنَّظَرِ إلى البيئةِ والبَلَدِ والزمَنِ والحالِ، فمنها القَديمُ، ومنها الحديثُ، ومنها القروي، ومنها الحَضري، ومنها البَدوي، واْسماؤُها لا تَنحَصرُ بحسَبِ أعرافِ التاسِ فيها، ففي بلادِ العَرَبِ اليوم أنماط: كالمقاماتِ، والموشحات، والمنلوجاتِ، والأهازيجِ، والأغانىِ الوطنيةِ، والحربيةِ، والأغاني الشعبئةِ السهلَةِ، والمواويل، وعندَ الغربيينَ من هذا أتماط لهم، وهكَذا.

والجِهَةُ الثانِية: الغِناءُ بالشعرِ ونَحوِهِ.
فَهذا يُراعَى فيِهِ ما يزيدُ على حُكمِ الموسيقَى أو الصَوتِ المجرَّدِ المطرَبِ بهِ، من مادًةِ الشعر أو القول المغنَّى بهِ، فإن كانَ كلاماً جائزاً في ذاتِهِ كانَ الغِناءُ بهِ كذلكَ، وإذا كانَ مَمنوعاً تَبِعَهُ حُكمُ الغِناءِ في المتعِ.
وَهذا عائد إلى قاعِدَةِ الشعر المبينَةِ في حديثِ عائشَةَ "ر"، قالَت: سُئِلَ رَسولُ الله "ص" عن الشعر، فقالَ: "هُوَ كَلامٌ ، حسَنُهُ حَسَنْ، وقَبيحُهُ قَبيح".
وَكانَت عائِشَةُ تَقولُ: "الشعر متهُ حَسَن، ومنهُ قبيح، خُذْ بالحسَنِ، ودَعِ القَبيحَ".
وعَن مُطرفِ بن عَبد الله بن الشخير، قالَ: صَحِبتُ عِمرانَ بنَ الحُصَينِ من البَصرَةِ إلى مكَّةَ، فكانَ يُتشِدُ في كُل يومِ، ثُم قال لي:"إن الشعر كَلامٌ ، وإن من الكلامِ حقا وباطلاً".
والذي يَجبُ اعتِقادُهُ في اعتِبارِ الحُسنِ والقُبحِ هُوَ حُكمُ الشرعِ، لا ما تَميلُ العُقولُ بمجردها إلى حُسنِهِ أو قُبحِهِ، ولا ما تَجري العادَةُ بقَبولِهِ أو رَفضِهِ.
وإذا عادَ الحُكمُ في الشعرِ إلى مادتِهِ، لم يكُن للوَزنِ والنَّظمِ تأثيرْ في الحُكمِ، وإن كانَ له في النفسِ وَقْعٌ لا يُنكَرُ.
كَما قالَ الحَليمي: "وَجُملَةُ ما يتميزُ به الغِناءُ المباحُ عن الغِناءِ المحظورِ: اْن كُلَّ غناءِ من الشعر المنظومِ فمعتَبَرْ به لو كانَ نَثراً غيرَ مَتظومِ، فإن كانَ مما يحل أن يُتكلَمَ بهِ مَنثوراً أحِل أن يُتكلمَ به مَنظوماً، وإن كانَ مما لا يحل أن يُستعمِلَ مَنثوراً لم يَحل أن يُستعملَ منظوماً".
قلتُ: وَهذا بناءً على أن الأصل في الكلامِ الإباحَةُ، وإنما يُمنَعُ منهُ القَبيحُ، والقَبيحُ ما اندَرَجَ تحتَ تَحريم أو كَراهَةٍ حتى لو اسْتُعذِبَ واستُلِذ، ففي المحرم والمكروهِ ما يُستَلذ، كالزنا فهُوَ قبيح شَرعاً لحُرمَتِهِ، مع ما فيهِ من اللذةِ، وقُبحُهُ من جِهَةِ اعتِبارِ العاقِبَةِ.
وَمن القَبيحِ: الكلامُ المشتَمِلُ على الكُفرِ، والفُحشِ، والقَذف، والطعنِ في الأنسابِ، ولَعنِ الناسِ وسَبهم، والدَعوَةِ إلى الزنا والخَمرِ بإغراءٍ وتَحسينِ وتَرغيبِ، وذِكرِ للنساءِ تغزلاً بهن والتِذاذاً بأوصافهن ،أو تَشويق النساءِ إلى الرجالِ- حاشا ما بينَ الزَّوجَينِ-، أو التَّشبيبِ بالمُردانِ، ما يثيرُ كَوامنَ الشهَواتِ ويَستَدعي خفي الرَغَباتِ، ليوقِعَ في مَعصِيَةِ الله وتَعدٌي حُدودِهِ.
فالشعر الذي يكونُ الغِناءُ بهِ جائزاً على هذهِ المقدمةِ هُوَ: كُل شعر لا يَشِتَمِلُ على ما هُوَ ممنوع شَرعاً من الكلامِ، مِثلُ الشعر المشتَملِ على عباراتِ الإلحادِ والكُفرِ ورد القَدَرِ ومدح الفَواحِشِ وشِبْهِ ذلكَ، مما يعرف حُكمُهُ من حُكمِ الكلامِ بهِ.
فإن قُلتَ: فأيْنَ يَكونُ من هذا الغِناءُ بالشعر العاطفيٌ كشعر الحُب والغَزَلِ، والشوقِ وا لألَمِ؟
قلتُ: ليسَ مُجردُ كونِ الشعر مُثيراً للعاطِفَةِ من حُب وشَوقٍ وفَرَح وحُرنٍ مما يَجعَلُهُ مَمنوعاً، بل الإنسان مَجبول بطَبعِهِ على التأثرِ بمِثلِ ذلكَ، وإنما أن يُستثارَ الشيءُ من ذلكَ بما لا يحل من الكلامِ، فالعِبرَةُ عندَئذ في حُكمِ ذلكَ الكلامِ في نفسِهِ، واستِثارَةُ العاطِفَةِ الكامِنَةِ بحَسَنِ القول في الأصل ليسَت مَمنوعة، بل مُباحَةْ جائزَة، ومنهُ استِثارَةُ العاطِفَةِ بالمواعِظِ، كَما تَكونً استِثارَةُ عاطِفَةِ الحُب أو الوَلاءِ لمن أو لِما يشرَعُ حُبهُ ووَلاؤُه.
نَعم، الكلامُ المباحُ في الأصل قَد يُستَعمَلُ في مَعصيَةِ اللّه، وعندئذٍ فإن حُكمَ الإباحَةِ يَزولُ عتهُ باستِعمالِهِ في الغَرَضِ الممنوعِ، فالتغني بِشِعْرِ العاطِفَةِ والغَزَلِ مباح في أصلهِ، لكنه إذا استعمِلَ للتوصلِ إلى شَهوَةِ محرمة، كانَ لهُ حُكمُ تلكَ الشَّهوَةِ.
لكن هذا التوعُ لا يُطلَقُ حُكمهُ في الأصل إلا الإباحَة، ولا يحل أن يُقالَ: صارَ حراماً باستِعمالِ شَخصٍ من الناسِ له وسيلةَ إلى الحرامٍ ، وإنما الحُرمَة مَقصورة على حالِ ذلكَ الشخصِ، لا مُطْلقاً، وهذا شأنُ كُل مُباحِ في الأصل يُتوصلُ به إلى الحرام، فإن الخرمَةَ فيه عارِضَةْ، لا تُزيلُ حُكمَة الأصلي الذي هُوَ الإباحَةُ.
وهذا الذي بينتُ من حُكمِ الغِناءِ مُطلَقاً، مؤيدْ بأدلةِ عَديدَةِ جاءَت جَميعاً على وِفاقِ الأصل الذي هُوَ الإباحَةُ، فمنها:
ا- عن خالدِ بنِ ذَكوانَ، قالَ: كُنا بالمدينَةِ يومَ عاشُوراءَ، والجَواري يَضرِبنَ بالدف ويتغنينَ، فدخَلنا على الربيع بنتِ مُعَوٌذِ، فذكرنا ذلكَ لَها، فقالَت: دَخَلَ علي رَسُولُ الله "ص" صَبيحَةَ عُرسي، وعندِي جارِيتالنِ تتغنيانِ وتَتدُبانِ آبائيَ الذينَ قُتِلُوا يوْمَ بدر ، وَتقولانِ فيما تَقولانِ: وَفينا نبي "ص" يَعلم ما في غد، فقالَ"ص" : " أما هذا فلا تَقولوهُ، ما يَعلم ما في غَدِ إلا اللّه ".
قلتُ: فدل هذا الحديث على أنَّ الغِناءَ بكُلٌ شعر مباح، للناسِ أن يَستَعمِلوا منه ما شاءُوا، إلَاً بشَيء دل على معنى باطلِ في الشرع، كالشأنِ هُنا في غِناءِ الجارَيتينِ بقولِهن: (وفينا نبي "ص" يَعلم ما في غَدِ). فنهى رسول الله "ص" عن قول ما يخالف الشرع و أباح سائر غنائها.
2- و عن أنس بن مالك : أن النبي "ص" مر ببعض المدينة، فإذا هو بجوارٍ يضربن بدفهن و يتغنين، ويقلن :
نحن جوار من بني النجار * يا حبذا محمد من جار
فقال النبي "ص" : "الله يعلم أني لأحبكن"

3- و عن عبد الله بن عباس، قال : "أنكحت عائشة ذات قرابة لها "رجلاً" من الأنصار ، فجاء رسول الله "ص" فقال:"أهديتم الفتاة؟"، قالوا : نعم، قال :"أرسلتم معها من يغني؟" قالت : لا، فقال رسول الله "ص" :"إن الأنصار قوم فيهم غَزَل، فلو بعثتم معها من يقول:" أتيناكم أتيناكم، فحيانا و حياكم"


 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 02:11 AM   #7
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


قلت: فهذا رَسولُ الله "ص" يُبيحُ لهُم الغِناءَ بالغَزَلِ، فتأمَل هَديَ خَيرِ التاسِ "ص"!!

4- وعَن عامِرِ بنِ سَعد البَجَلي، قالَ:
دخلت على أبي مسعود وقَرَظَةَ بنِ كعب وثابِتِ بنِ يزيدَ، وجَوارِ يضربن بدف لهُن، وَيُغنينَ، فقلتُ: تقرون بهذا وأنتُم أصحابُ رَسولِ اللّه "ص"؟! قالُوا: إنَهُ رُخصَ لنا في الغِناءِ في العُرس، وَالبُكاء على الميًتِ في غيرِ نَوح ، وَعَن طارقِ بن شِهابِ، قالَ: دخلت على عِدَّةِ من أصحاب رَسولِ اللّه "ص" وَهُم معتكفونَ على شَراب لهم، وعندَهم قَينَة، فقلتُ: أنتم النجَباءُ من أصحاب رَسولِ اللّه-"ص"!! فَقالَ أبو مَسْعودِ الأنصاريْ: إن رَسولَ الله"ص" رَخصَ لَنا في الغِناءِ في العُرس. الحديثَ.

5- وَعَن بُرَيدَةَ الأسلمي ، قالَ:
خَرَجَ رَسولُ اللّه "ص" في بعض مَغازيهِ، فلما انصرَفَ جاءت جارية سَوداءُ، فقالَت: يا رَسولَ اللّه، إني كتتُ نَذرتُ إن ردكَ اللّه سالماً أن أضرِبَ بينَ يَديكَ بالدف وأتَغَنى، فقالَ لها رَسولُ اللّه "ص": ((إن كُتتِ نَذرتِ فاضرِبِي، وإلا فلا"، فجَعَلَت تَضرب، فدخَلَ أبو بكْرٍ وهيَ تَضرب، ثمْ دَخَلَ علي وهيَ تَضرِبُ، ثُم دخَلَ عُثمانُ وهيَ تَضرِبُ، ثُم دخَلَ عُمرُ، فألقَت الدف تحتَ استِها ثُم قَعَدَت عليهِ، فقالَ رَسول الله "ص": (إن الشيطانَ لَيَخافُ منكَ يا عُمَرُ، إنًي كتتُ جالساً وهيَ تَضرِبُ، فدَخَلَ أبو بكرِ وهيَ تَضرِبُ، ثُم دخَلَ علي وهيَ تَضرِبُ، ثُم دخلَ عثمانُ وهيَ تَضرِبُ، فلما دخلت أنتَ يا عُمَرُ ألقَت الدف ".

6- وَعَن أنَسِ بن مالكٍ ، قال:
كانَ للنبي "ص" حادِ يُقالُ له: انجَشَةُ، وَكانَ حَسَنَ الصوت، فقالَ له النبي "ص" :"رُوَيدَكَ يا أتجَشَةُ، لا تَكْسِرِ القَواريرَ"، قالَ قَتادَةُ: يَعني ضَعَفَةَ النًساءِ.
وَفي رِوايَةٍ : ان النبي "ص" أتى على ازواجِهِ ومَعهُنَّ أم سُلَيمِ، وَسواق يَسوقُ بهِن يُقالُ له: انجَشَةُ، فقالَ: "وَيحَكَ يا اْتجَشَةُ، رُوَيداً سَوقَكَ بالقَواريرِ".
قالَ أبو قِلابَةَ: تَكلمَ رَسولُ الله "ص" بكَلِمَةِ لو تكلمَ بها بعضكُم لعِبتموها عليهِ، قولُهُ: "سَوقَكَ بالقَوارير".

وَفي رِوايَةٍ عَنْ أنَسِ: ان البَراءَ بنَ مالكٍ كانَ يَحدو بالرجالِ، (وَفي لَفظِ: كان البراءُ جَيدَ الحِداءِ، وكانَ حادِيَ الرجالِ)، وأنجَشَةُ يَحدو بالنساءِ، وكانَ حَسَنَ الصَوتِ، فَحَدا، فأعنَقَتِ الإبِلُ، فَقالَ رَسولُ اللّه "ص": "يا أنجَشَةُ، رُوَيداً سَوقَكَ بالقَواريرِ" (حديث صحيح).

7- وَعَن سَلَمَةَ بنِ الأكوَعِ،"ر" قالَ:
خَرَجنا مَعَ النبي "ص" إلى خَيبَرَ، فسِرنا ليلَا، فَقالَ رَجُل منَ القوم لعامرٍ : يا عامِرُ، ألَا تُسمِعُنا مِن هُنَيهاتِكَ (كلماتك) ؟ وكانَ عامِ رَجُلاً شاعِرَاً حَداءَ، فنَزَلَ يَحدُو بالقومِ، يَقولُ:
اللَّهُم لولا أنتَ ما اهتَدَينا * وَلا تَصَدًفتا وَلا صَلينا
فَاغْفِرْ فِداء لكَ ما اتقَيْنا * وَثَبتِ الأقدامَ إن لاقَينا
وَألْفِيَن سكينَةً عَلَيْنا * أما إذا صِيحَ بِنا أبَيْنا
وَ بالصياحِ عَولوا عَلَيْنا
فَقالَ رَسولُ اللّه "ص": "مَن هذا السائِقُ؟" ، قالوا: عامِرُ بنُ الأكوَع، قالَ: "يَرحَمُهُ اللّه"، قالَ رَجُل منَ القوم: وَجَبَت يا نبي الله، لولا أمتَعتَنا بهِ.

8- وعن السائبِ بنِ يزيدَ، "ر":
أن امرأةً جاءت إلى رَسول اللّه "ص" فقالَ: "يا عائشهُ، أتَعرِفينَ هذِهِ؟ " قالت: لا، يا نبي "ص" الله، فَقالَ: "هذهِ قَينَةُ بَني فُلانِ، تُحبينَ أن تُغَنيَكِ؟ "، قالت: نعم، قالَ: فأعطاها طَبَقاً، فغنتْها، فقالَ النبي "ص" : "قَد نَفخَ الشيطانُ في مِنْخرَيها".
وذكرتُ في الكلامِ على (حُكم المعازِف) أيضاً قصة أخرَى من حَديثِ عائِشةَ في المعنى.

9- وعن عائشةَ،"ر" قالَت:
دخَلَ علي، أبو بكرِ، وعنْدي جاريتانِ من جَواري الانصارِ أتَلعَبانِ بدُفينِ،، تُغَنًيانِ بما تَقاوَلَت به الأنصارُ يومَ بُعاثِ، قالَت: ولَيسَتا بمُغنيَتينِ، فقالَ أبو بكرِ: أمَزاميرُ (وفي لفظ: أِمَزمورِ، وفي لفظ: أمِزمارُ) الشيطانِ في بَيتِ رَسولِ اللّه "ص"؟ (وفي رِوايةِ: فنَهاهُن أبو بكرِ، وقالَ: أتَفعلونَ هذا، ورَسولُ اللّه "ص" جالس؟نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة، وذلكَ في يومِ عِيدِ الفِطرِ،، فقالَ رَسولُ الله "ص": "يا أبا بَكرٍ ، إن لكُل قوم عِيداً، وَهذا عيدُنا.

10- وَعن علي بن أبي طالبٍ ، قالَ:
كانَت لي شارِفْ (ناقة مسنة) من نَصيبي منَ المغنَمِ يومَ بدر ، وَكانَ رَسولُ اللّه "ص" أعطانِي شارِفاً من الخُمُسِ يَؤمَئذِ، فلما أرَدت أن أبْتَنِيَ بفاطِمَةَ بنتِ رَسولِ اللّه "ص" واعَدتُ رَجُلاً صَوَّاغاً من بَني قَينُقاعَ (فذكَرَ القصة بما وَقَع له من صَنيعِ حَمزَةَ بن عبدالمطلب بناقَتَيهِ حيثُ جَب أسنِمَتَهما وبَقَرَ خَواصِرَهما) قالَ علي: قلتُ: مَن فَعَلَ هذا؟ قالوا: فعَلَهُ حَفزَةُ بنُ عبد ِالمطلبِ، وَهو في هذا البَيتِ في شَربِ (الجماعة المجتمعون للشراب) من الأنصارِ، غَنتهُ قَينَة وأصحابهُ، فَقالت في غِنانها: ألَا يا حَفزَ للشرُفِ النواءِ . الحديث .. وفيهِ اطلاع النبي "ص" على ذلكَ.
قلتُ: ومحل الشاهِدِ منه: ان اتخاذَ القِيانِ كانَ مَشهوراً مَذكوراً في حَياتِهم، فها قد حَرمَ اللّه الخَمرَ فانتَهى الناسُ، فأينَ ثَم تَحريمُهُ لغِناءِ القِيانِ؟
دلالة هذهِ الأحاديث:
هذهِ النُصوصُ الثابِتَةُ وغيرُها في مَعناها، أفادَت وُقوعَ الغِناءِ في مناسَباتٍ مُختلفةِ، وَدلالَتُها بينَة لا تقبَلُ شَكا على إثباتِ أصل الإباحَةِ، وبعضها دال على الإباحَةِ مُطلَقاً دونَ مُراعاةِ مُناسَبَةِ، كَما في حَديثِ الناذِرَةِ والسائبِ بن يزيدَ وقصة أنجَشَةَ.


 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 02:12 AM   #8
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وَيُلاحَظُ منها أمرانِ ضَروريان:
الأوَّل: كانَ غِناؤُهم فيما دلَّت عليهِ النصوصُ المفسرَةُ مما تقدم إنما يَقَعُ بالمباحِ من القول، كَغِناءِ بُعاثٍ المذكورِ في حَديثِ عائِشَةَ.
قالَ الخطَابي: "والعَرَبُ تُثْبِتُ مآثِرَها بالشعرِ، فتُرويها أولادَها وعَبيدَها، فيكثُرُ إنشادُهم لها وروايَتُهم أياها، فيَتَناشَدُهُ السامرُ في القَمراء، والنادي بالفِناءِ، والساقِيَةُ على الرُّكِي والآبارِ، ويترنمُ به الرفاقُ إذا سارَت بها الرٌكابُ، وكُلُّ ذلكَ عندَهم غِناء، ولم يُرد بالغِناءِ هاهُنا ذِكْرُ الخَنا والابتِهارُ بالنساءِ والتَعريضُ بالفَواحِشِ، وما يُسميهِ المُجَّانُ وأهلُ المواخيرِ غِناءً".
قلتُ: ولما غنت الجارِيَةُ فقالَت: (وفينا نَبي يَعْلَمُ ما في غَدِ)،
قال النبي "ص" : (لا تَقولي هَكذا، وقولي ما كنتِ تَقولينَ "، فهذا إنكار منه "ص" للغِناءِ بما هُوَ مُنكَرٌ من القول، فما يَلْحَقُهُ وَصْفُ التكارَةِ من القول والشعْرِ فلا يَجوزُ الغِناءُ بهِ.
الثاني: أنَّه قَليل ليسَ بكَثيرِ غالبِ، ولذلكَ جاءَت النصوصُ فيهِ إمٌا في المناسَباتِ كالعيدِ والعُرس، اْو في أحوالِ عاديةٍ قَليلَةِ، كقصة النَّاذِرَةِ وحديثِ السائبِ والغِناءِ في السفَرِ، وما كانَ بهذهِ المثابَةِ في القلَةِ في حَياةِ الأمَةِ في عَهدِ التشريعِ، فإنه يدل على أنَّ الإكثارَ منه غيرُ مَرغوبٍ ولا مَطلوب.
والأصل في الحياةِ الجد، وأما اللهوُ فالأصل فيهِ أن يكونَ قليلَا لا غالباً يَطغى على الجِد أو يُضاهيهِ، بل ما يُؤخَذُ به منه فإنما هو لدَفْعِ السآمَةِ والملَلِ، ولا يَحصُلُ ذلكَ إلَّا من مُواصَلَةِ الجد، فدل على أنه الأصل، فيأتي حَط التقسِ من اللهوِ بالقدر الذي تَعودُ معًهُ إلى الجدِّ أقوَى وأمكَنُ مما كانَت عليهِ، والتاسُ في هذا مَنازِلُ.
ولمَا كانَ هذا الأصل هوَ الغالبَ على حياةِ الجيلِ الأول، لم يعرف عنهُم الإقبالُ على الغِناءِ أو غيرِه من الملاهي إلا بالقدر اليَسيرِ الذي يُذكَرُ وُيحصَرُ، وعُرِفَ الإكثارُ منهُ والإغراقُ فيهِ في أهْلِ الرفاهيَةِ والدعَةِ، وَمن وَجَدُوا في الحياةِ فُسْحَةَ احتاجُوا إلى مَلئها باللهوِ، الذي قد يَتضَم إلى بَعْضِه مِنَ المخالَفةِ ما يفوت مَصالحَ الآخرَةِ: بتركِ الواجِباتِ، وفعلِ المحرمات.
وليسَ ذلكَ مَقصوراً على اللَّهو بالغِناءِ، بل هُوَ في كُلِّ لَهوِ مُباح في أصلهِ، فإن الإكثارَ منه إسرافٌ مَذمومْ، آكَدُ في ذمه من الإسرافِ في الطعامِ والشَّرابِ، إذ الإسرافُ في الطعامِ والشراب قد يَسْهلُ فيهِ على الإنسانِ أن يُدرِكَ الضَرَرَ بالزيادَةِ، بخلافِ اللهوِ، وَما كانَ على هذا الوصف فلا يَخلو من تَحريك النفس إلى مَعصيَةٍ ، أو صَدها عن طاعَةِ، على أدنى الدرَجاتِ.
واعلَم أن بعضَ العلماءِ لمبالغتِهِ في التحريمِ في هذهِ القضيةِ اجتهَدَ لتأويلِ الاْحاديثِ المتقدمةِ على وُجوهِ، قَصَدَ بها دَفْعَ الناسِ عن الغِناءِ المعهودِ من أهْلِ الفَسادِ، وهذا القصد صَحيح مَطلوب، لكن من غيرِ حاجَةِ إلى تكلفِ الرَد والجواب، وَيكفي أن يُضبَطَ الغِناءُ المباحُ بِما يَعودُ إلى الكلامِ المغنى بهِ، فإن الكلامَ الحسَنَ والقَبيحَ قد يًقَعُ في أي غناء، في غِناءِ الحادي وصَوتِ المُطرِبِ الفنانِ.
وَمِما أرى الخطأ فيه: قولُ مَن يَحمِلُ لفظَ (جارَية) أو (جَوارِ) الواردِ في بعضِ الأحاديثِ المبيحَةِ للغِناءِ، على أنهن صَغيراتٌ في السنِّ غيرُ بالغات، فإن هذا مع احتِمالهِ في بعْضِ تلكَ الأحاديثِ، إلا أن بعضَها الآخَرَ لا يَحتَمِلُ مثلَ هذا التأويلِ، فالجارَيةُ غيرُ البالغ لا تؤاخَذ، فكيف صَح لأبي بكرٍ أن يُتكِرَ عليهنَّ وهُن غيرُ مُكلفات؟ والقَينَة المغنيَةُ لبَني فُلانِ لم توصَف بكَونها جارَية، بل المعروفُ في استِعمالِ هذا الوصف: أنها الأمَةُ ائَتي تُعَد للغِناءِ، وكذلكَ في قصة حمزة، وأنجَشَةُ لم يَقُل أحد: كانَ صبيا لم يَبلُغ، ولا في شىِء من الرواياتِ، والناذِرَةُ في حَديثِ بُرَيْدَةَ جاءَ في بعْضِ الرواياتِ المفسرَةِ انها امرأة، والأشبَهُ في وصفها بالجاريَةِ أنها مَملوكَةْ، ولو كانَت طِفلَة لَساغً أن لا يأذَنَ لها النبي "ص" بالوَفاءِ بالنَّذرِ، لأنها لا يلحَقُها حينئذِ التكليفُ، إلى غيرِ ذلكَ من الوُجوهِ الدالةِ على ضَعْفِ هذا التأويلِ، فإنه إن احتُمِلَ لقائلهِ في موضِع فلا يَستقيمُ لهُ في سائرِ المواضِعِ، وإنما الصوابُ أن يُلاحَظَ ما تقدم استِفادَتُهُ من دلالاتِ هذِهِ الأحاديثِ في الغِناءِ.
وَيَتضافُ إلى ما تقدم مما يُستفادُ من دَلالَةِ هذهِ الأحاديثِ ما في قصة أنجَشَة أنه كانَ يَحدو للنساءِ مَعَ حُسْنِ صَوتِهِ، فهذا يدلُّ على إباحَةِ سَماعِ المرأةِ لغِناءِ الرجُلِ، وفي غيرِ قصة أنجَشَةَ سَماعُ الرَّجُلِ لغِناءِ المرأةِ.
والمقصودُ: دلالَةُ النصوصِ على ان اختِلافَ الجِنسَينِ: المغني والمغنى له، ليسَ مما يؤثرُ في الحُكمِ في دَلالاتِ النصوصِ.

وأما مَعنى قولِهِ "ص" لأتجَشَةَ: "وَيحَكَ يا أتجَشَةُ، رُوَيداً، سَوْقَكَ بالقَواريرِ"، فهَل هُوَ من أجل دَرءِ الافتِتانِ بصَوتِ المغني، أم أرادَ منه التخفيفَ من حِدائِهِ لئلاً تُسرعَ الإبِلُ خَوْفاً على النساءِ من السقوطِ أو التضررِ باسراعِها؟
إلى كُل من القَولَينِ ذَهَبَ بعض العُلماءِ.
قالَ بعضهم: كان أتجَشَةُ يَحدُو بهن وُيتشِدُ شَيئاً من القَريضِ والرجَز وما فيهِ تَشبيب، فلم يأمَن اْن يَفتِنَهُن ويَقَعَ في قُلوبهن حِداؤُهُ، مَعَ حُسنِ صَوتِهِ، كما جاءَ في بعض الرواياتِ.
قالَ القاضِي عِياضٌ في هذا المعنى: هُوَاً أشبَة بمَقصَدِهِ ، وبمُقتَضى اللفظ ".
وَقالَ بعضهم: المرادُ بهِ الرفقُ في السيرِ، لأن الإبِلَ إذا سَمِعَت الحِداءَ أسرَعَت في المشيِ، واستَلذتهُ فأزعَجَت الراكِبَ وأتعَبَتهُ، فنَهاهُ عن ذلكَ؟ لأن النساءَ يَضعُقنَ عن شِدةِ الحرَكَةِ، وُيخافُ ضَرَرُهن وسُقوطُهن.
قلتُ: وهذا الثاني هُوَ الراجِحُ في التحقيقِ، وذلكَ لِما جاءَ في رِوَايَةِ ثابت البُناني الصحيحَةِ عن أنسِ، قالَ: فَحَدا، فأعْنَقَتِ الإبِلُ، فَقالَ رَسولُ اللّه "ص": ((يا أنْجَشَةُ، رُوَيداً سَوقَكَ بالقَواريرِ".
والإعناقُ: الإسراعُ في السيرِ.
فجاءَ قولُهُ "ص" المذكورُ مِن أجل إعناقِ الإبِلِ، وليسَ في شيءِ من الرواياتِ ما يُساعِدُ أن ذلكَ كانَ من أجل الخؤفِ عليهن من الافتِتانِ بصَوتِ المغني أو المنشِد، إذ لو كانَ الأمرُ كذلكَ لكانَ الأجدَرُ أن يُنهَى عن الحِداءِ أصلا، وهُوَ إنما امِرَ بالتخفيفِ لا بتَركِ الحِداءِ. وأما قول أبي قِلابَةَ عَبد الله بن يزيدَ الجَرميِ في روايَتِهِ للحديثِ عن أنَسٍ : تَكلمَ رَسولُ اللّه "ص" بكَلِمَةِ لو تكلَّمَ بها بعضكُم لعِبتُموها عليهِ، قولُهُ: "سَوقَكَ بالقَوارير"، فإنه عَنى تَسمِيَةَ النبي "ص" للنساءِ (قَواريرَ).


 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 02:14 AM   #9
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ثالثاً: خلاصة حكم الموسيقى و الغناء

بَعْدَ استِعراضِ الأدلة والخلافِ، وتَحريرِ المسألَةِ من خلالِ النصوصِ المرويةِ والمقاصِدِ المرعيةِ، أوجِزُ ما تقدم فيما يلي:
ا- لا يوجَدُ دَليل واحِدٌ صَحيحٌ يُحَرمُ المعازِفَ لمجرَدِ كونِها آلاتِ، كَما لا يوجَدُ دَليلٌ واحد صَحيح يُحَزمُ الغِناءَ لذاتِهِ، وَما وَرَدَ في ذلكَ فهُوَ:
- إما صَحيحْ لا دلالَةَ فيهِ على التحريمِ، بل قد يدلُّ على الإباحَةَ، كمَا يعتضد بثبوت استِعمالِ الغِناءِ والموسيقَى في زَمَنِ التَشريعِ، مِما دَلَ على إقرارِ أصل الإباحَةِ.
- أو غيرُ صَحيحٍ ولا حَسَنِ ولا يَحتَمِلُ ذلكَ ولا يَقرُبُ منهُ، وهذا ساقِط لا يُتدينُ بهِ.

2- يَتناوَلُ حُكمُ الإباحَةِ استِعمالَ ذلكَ سَماعاً وإسماعاً في الأحوالِ المختلفَةِ، كدَفعِ السآمَةِ والملَل من مُلازَمَةِ الجدْ، وأولاها المناسَباتُ التي تَنالُ النفوسُ فيها من حَالها من اللهو وإظْهار الفرحِ، كالعِيدِ، وولادَةِ المولودِ، وقُدومِ عَزيزِ، وإتمامِ حِفظِ القرآن، وإنهاءِ الدًراسَةِ لمرحلَة متميزَةِ، وغيرِ ذلكَ من مُناسَباتِ الفَرَحِ لأمرٍ مُباحِ.

3- ينتَقِلُ حُكمُ الموسيقَى والغِناءِ عَنِ الإباحَةِ إلى حُكمِ آخَرَ، بحَسَبِ الأغراضِ التي يُتخَذُ لأجِلِها، فيَصيرُ إلى كَونهِ مطلوبَ الفعل، أو مَطلوبَ التركِ، على ثلاثَةِ أحكامِ:
أولها: الاستِحبابُ، في العُرس، وذلكَ لمعنى إشهارِ النًكاحِ والإعلامِ بهِ، والنصوصُ الآمِرَةُ بذلكَ عَديدَة، تقدم منها ما يُحققُ المقصودَ.
ثانيها: الكَراهَةُ، وذلكَ إذا سَببَ الاشتِغالُ بهِ تَفويتَ مُستَحبً لا يُمكِنُ تَدارُكُهُ مع عَدَمِ وُجودِ مُناسَبةِ تَقْتَضيهِ، أو عندَ الإكثارِ منهُ والإسرافِ فيهِ حتى تفوت بهِ المصالحُ الراجِحاتُ.
وثالِثُها: التحريم، وَذلكَ إذا اشتَمَلَ على مَمنوعٍ من القول لذاتِهِ، كعِباراتِ الحلفِ بغير اللّه، أو رَدٌ القَدَرِ وإظهارِ الجَزَعِ، ومن بابهِ كذلكَ شعر النياحَةِ.
أو استُعمِلَ في مَعصِيَةِ اللّه، والدعوَةِ إليها، كالسماعِ المشوقِ إلى الزٌنا والخَمرِ وَمجالسِ المعاصي والفِسق بعِباراتِهِ، أو بِما يُبرَزُ من حالِ المغني أو المغنيَةِ، في الشكلِ والهيئةِ والحرَكَةِ، فيُثيرُ في نَفسِ السامِعِ من الرغبَةِ في الشهوَةِ الحرامِ، كالشأنِ في بعضِ الغِناءِ المصوَّرِ في زَمانِنا، والذي يُنرَزُ فيهِ من مُقارِناتِ الغِناءِ والموسيقى من إظهارِ مَفاتِنِ الخَلقِ من المرأةِ للرجُلِ أو الرَّجُلِ للمرأةِ ما لا يتَمالَكُ مَعَه الناظِرُ أن يُرمَى بسَهم من سِهامِ إبليس في سوَيداءِ قَلبهِ، فيَتكُتُ فيهِ نُكتَة لا يَمحوها إلَاً تَوبَة وعَمَل صالح وتدارُك برَحمَةِ الله.


 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 02:15 AM   #10
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


مُفرَدات الغِناء:
وَزيادةَ في البَيانِ، فإن القول في الغِناءِ من جهَةِ مُفرَداتِهِ، أنه عَلى ثَلاثَةِ أقسامٍ :
الأول: أن يَتَضَمنَ مَعانِيَ مَشروعَةَ، تُرغبُ في الفَضيلَةِ، وتَحثُّ على الخيرِ، فهذا جَميعُهُ مَشروع.
وذلكَ بمِثْلِ ما غنى بهِ المغني من قولِ الشاعر:
دَعِ الأيامَ تَفْعَلُ ما تَشاءُ * وَطِبْ نَفْساً إذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجْزَعْ لحادِثَةِ الليالي * فَما لحَوادثِ الدُّنيا بَقاء
وكُن رَجُلاً على الأهوالِ * جَلْداً وَشيمَتُكَ السماحَةُ وَالوَفاءُ
ومنهُ الغِناءُ بشعر الزهدِ أو الحِكمَةِ أو ما يُرغبُ في الآخِرَةِ، وشعر الابِتهالِ والتَّضرعِ، أو بِما يتضمنُ ذِكرَ اللّه تعالى والثناءَ عليهِ، كغِناءِ شعر رابِعَةَ العَدويةِ، رَحِمَها الله، في قولِها:
أحِبُّكَ حُبًيْنِ حُبَّ الهَوَى * وَحُبًّا لأنكَ أهْل لذاكا
فإما الًذي هو حُبُّ الهَوَى * فشَيء شُغِلْتُ بهِ عن سِواكا
وإما الَّذي أنتَ أهْل لَهُ * فكَشْفكَ للحجْبِ حتًى أرَاكا
وَما الحَمْدُ في ذَا ولا ذَاك لي * وَلكن لكَ الحَمْدُ في ذَا وذَاكا
والتغنِّي بمثلِ:
طَرَقْتُ بابَ الرجا وَالتاسُ قَد رَقَدُوا * وَبِتُّ أشْكو الى مَولايَ ما أجِدُ
وقُلْت: يا أمَلي في كُلِّ نائِبَةٍ * يا مَن عليهِ لكَشْفِ الضُّرِّ أعْتَمِدُ
أشْكُواليكَ أموراً أنتَ تَعلَمُها * ما لي على حَمْلِها صَبْر وَلا جَلَدُ
وَقَد بَسَطْت يَدي في الذُلِّ مُفتَقراً * إليكَ يا خيرَ مَن مدت إليهِ يَدُ
فلا تَردنها يارَبِّ خائبةَ * فَبَحْرُ جُودِكَ يَرْوي كُلَّ مَن يَرِدُ
أو كَشعر المديحِ لرَسولِ اللّه "ص"، كغِناءِ قَصيدَةِ أحمدَ شَوقي المعروفَةِ بـ(نَهجِ البُردَة)، والتي مَطلَعُها:
رِيمٌ على القاعِ بَيْنَ البانِ والعَلَمِ * أحَل سَفْكَ دَمي في الأشْهُرِالحُرُمِ
وَفيها يَقولُ، وَما أحسَنَ ما قالَ رحمه الله:
مُحمَّد صَفْوَةُ الباري ورَحْمَتُة * وَبُغْيَةُ الله من خَلْقٍ وَمِن نَسَمِ
وَصاحِبُ الحَوْضِ يَوْمَ الرُّسْل سائِلَة * مَتى الوُرودُ وجِبريلُ الأمينُ ظَمِي
البَدْرُ دونَكَ في حُسْنِ وفي شَرَف * والبَحْر دونَكُ في خيرٍ وفي كَرَمِ
شُمُّ الجِبالِ إذا طاوَلْتَها انْخَفَضَت * والأنْجُم الزُّهْرُ ما واسَمتَها تَسِمِ
أو قَصيدَتِهِ في مولِدِهِ "ص"، والتي مَطْلَعُها:
ولِدَ الهُدى فالكائناتُ ضِياءُ * وَفَمُ الزمانِ تبسُّمٌ وثَناءُ
الروح والملأ الملائك حوْلَهُ * للدِّينِ والدُّنيا بهِ بشَراءُ
ومنهُ غِناءُ المواسمِ الفاصلةٍ كأغاني الفَرَحِ بمَقْدَمِ شَهرِ رَمَضانَ، أو الحُزْنِ لفراقِهِ، والحَج.
ومنهُ الغِناءُ بِما يَزيد في الجد، ويُنشطُ على العَمَلِ، ويُحيي في النقسِ مَعانيَ الوَلاءِ للدينِ والوَطَنِ، كأغاني الجِهادِ والحَرْبِ، والأغاني الوطنية الخاليَةِ من العصبيةِ المنافيَةِ للشرعِ.
وَمِتهُ ما يُقصَدُ سَماعُهُ أو التغني به لدَفعِ الوَحشَةِ عن النفسِ، وطَردِ الملَلِ، دونَ مَفْسَدَةِ.
ومتهُ غِناءُ الأطفالِ بالأهازيج وشِبهِ ذلكَ، مما يتلهونَ بهِ، أو يُعَد لهُم، ومتهُ غِناءُ الأمهاتِ لتَنويمِ الَأطفالِ.

القِسمُ الثاني: ما يُحَزكُ العَواطِفَ وًيستثيرُ بَواطِنَ التفسِ.
فهذا متهُ ما يَستثيرُ في النفسِ الألَمَ والحُزنَ، وهوَ أنواع:
فمنهُ الأسَى على فعل المعاصي، وهوَ قليل في الغِناءِ، فهذا مَشروعْ حسَن.
كغِناءِ قول الشاعر ابتِهالاً:
يا رَب عَفْوَكَ أرتَجيهِ ورَحمةً * فالذنْبُ ذَنبي يا غَفورُ كَبير
إنِّي عصًيتُكَ في الحياةِ وإنني * بكَ مؤمِن وعلى فداكَ أسيرُ
يا رَبُّ اني قد أتَيتُكَ نادماً * وطَرَقتُ بابَكَ والفؤاد كَسيرُ
ارْحَمْ ذَليلاً واقفاً متضرِّعاً * يَرجو رِضا الرحمن وهُوَ قَدير
ومتهُ ما يَكونُ على فَواتِ نَيلِ المطلوبِ من وَصلِ المحبوبِ، فهذا وإن كانَ في أصلهِ جائزاً، لكنه لا يخلو من ذم، وذلكَ من جِهَةِ ما يَستثيرُ من الحَسرَةِ على شيءٍ فائت من مَتاعِ الدنيا ولذتها، وهذا كحالِ العُشاقِ فيما يَفوتُهم من الوُصولِ إلى من عَشِقوا حينَ يُحالُ بينَ أحدِهم ومَحبوبَتِهِ.
وَجَوازُهُ في الأصل ثابِتْ في قصة إتشادِ كعب بنِ زُهير قَصيدَتَه المشهورةَ بينَ يدي رَسول اللّه "ص"، وفيها هذا المعنى، ولم يُنكِرهُ عليهِ النبي "ص" ، والعِشقُ علة يُبتلى بها الإنسانُ، وَما دام المبتلى بهِ مُعافَى من مُواقَعَةِ المعاصي بسَبَبِهِ فهو مَعذور ، وإن كانَ مأموراً بعلاجِهِ كأي مَرَضِ يَنْزِلُ بهِ، وأن يَسعَى لعِلاجِهِ ودَفْعهِ بالوَصلِ المشروعِ.
والعِشقُ إذا نَزَلَ بإتسان فهُوَ قَدَر، لا يأثَمُ بهِ، وَمن أمثِلَةِ العاشقينَ في عَهدِ رَسولِ الله "ص" مِمن كانَ أمرُهُ ظاهراً، ولا يُتكِرُهُ رَسولُ الله "ص": مُغيث صاحِبُ بَريرَةَ، فقد كانا زَوجَينِ مَملوكَينِ، فأُعتِقَت بَريرَةُ فخُيرَت فيه، فتَرَكَتهُ، فكانَ يُرَى يَطوفُ خَلفَها يَبكي ودُموعُهُ تَسيلُ على لحيَتِهِ، فرَق له النبي "ص" وشَفَعَ فيهِ عندَ بَريرَةَ، فابت أن تَرجِعَ إليهِ، فكانَ النبي "ص" يَقولُ للعباسِ عَمهِ: "يا عباسُ، ألا تَعجَبُ من حُب مُغيثِ بَريرَةَ، ومن بُغضِ بَريرَةَ مُغيثاً؟)، والقصة في هذا المعنى عندَ البُخاري في "صَحيحه " (رقم: 4979) وغيرِهِ من حديثِ ابنِ عباس.
وأمثِلَةُ هذا فيما يتغنى بهِ المغنونَ من الشعرِ لا تُحصَرُ، وهذا أكثَرُ الغِناءِ، وقد قلبتُ وفَحَصتُ مَجموعات للكلماتِ الغِنائيةِ لمجموعَة من أشهَرِ المغنينَ والمغنياتِ في زَمانِنا، مِمن يَشيعُ غِناؤُهم وينتَشرُ انتِشارَ الهَشيمِ في النارِ في المُجتَمعاتِ، فوَجَدْتُ أكثَرَ تلكَ الكلماتِ- كما يُسمونَها- من هذا القَبيلِ، تَحكي في جُملَتِها آلامَ المحبينَ ولَوعاتِهم، وتَذكُرُ البعدَ والفِراقَ، والاعتِذارَ واللومَ والتَّذللَ والاشتِياقَ، ومتها ما يَذْكُرُ الألَمَ بِسَبَبِ غَدرِ المحبوبِ أو خِيانَتِهِ، إلى أحوالِ مَعروفَة من شأنِ الشعراءِ في كُل زَمان، على الوصف الَّذي قالَ الله تَبارَكَ وتعالى: (ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون..) ً الشعراء: 225،.
وذلكَ كغِناءِ مَن غنى بقَصيدَة الشاعرِ إبراهيم ناجي المعروفَة بـ (الأطلال)، والتي مَطلَعُها:
يا فُؤادي رَحِمَ الله الهَوَى * كانَ صَرْحاً من خَيالٍ فَهَوَى
وَمِن قولِهِ فيها:
ياحَبيبي، كُل شيءٍ بقَضاء * ما بأيدينا خلِقْنا تُعَساء
رُبَّما تَجْمَعُنا أقْدارنا * ذاتَ يَوْمٍ بَعْدَما عَز اللِّقاء
فإذا أنْكَرَ خِل خِلّه * وَتَلاقَيْنا لِقاءَ الغُرَباء
وَمَضى كُل إلى غايَتِهِ * لاتَقل شِئْنا، وقل لي الحظُّ شاء
وكَغِناءِ قول الشاعِرِ أحمدَ رامي:
غَلَبَ الشوْقُ غَلَبْ * والهَوَى طَبْعٌ عَجَبْ
كُلما قلتُ رَضِي * نالَني منْهُ غَضَبْ
فأدِرْ كأسَ الهَوَى * إن ذِكْرَ الحُب عَذْب
لائمي في حُبهِ * أي قلبِ ما أحَبْ؟
أيُّ غُصْنِ لَم يَمِلْ * إن نَسيمُ الفَجرِ هَبْ؟
أيُّ طَيْرِ لَم يَنُحْ * من حَنينِ أوطَرَبْ؟
ذابَ قلبي لوعَة * بينَ جد ولَعبْ
كيفَ يَحيا خالياً * من له عين وقلبْ
ومنهُ ما يكونُ بسَبِبِ الفِراقِ والبُعدِ، كمُفارَقَةِ الأوطانِ، والبُعدِ عن الأهلِ والأرحامِ والأصحاب، فهذا شَوق مَشروع في أصلهِ، مُطابقْ للجبلةِ، لا يُمنَعُ منه لذاتِهِ.
ومتهُ ما يكونُ بسَبَبِ الأسَى على تغيرِ الحالِ، وهذا أيضاً في أصلهِ مَشروعْ غيرُ مَذمومِ.
ومنهُ الغِناء بما يَستَثيرُ الشَهَواتِ، وُيرغبُ في تَحصيلِها، كالغِناءِ بِما يَصِفُ المرأةَ حتى كأن السامِعَ يَتظُرُ إليها، فهذا إن كانَ يَستثيرُ شَهوةً مَشروعَةً كالزوجِ إلى زَوجَتِهِ، أو الزوجَةِ إلى زَوجِها، فهو جائزْ. فإن قلتَ: قَد قالَ النبي "ص" : "لا تُباشِرُ المرأةُ المرأةَ فتَنعَتَها لزوجها، كأنه ينظر إليها" ، فهذا نهي عن ذكر أوصافي النساء.
قلت: هذا وصف من معينة لمعينة لشيء مستور لا يطلع عليه من المرأة أجنبي عنها، إذ المباشرة الاطلاع على الأوصاف الباطنة نظراً أو ملمساً، فإذا وقع للمرأة في حق امرأة أخزى لم يحل لها أن تُحدث زوجها أو سواه من الأجانب بما اطلعت عليه من أوصافها، فيغريه ذلك بها.
وما نحن بصدد فهو وصف لغير معينة، ثم هو أيضاً ذكر لما يلتذ بذكره من أوصاف النساء دون الإغراء بمعينة منهن، و هذا إذا لم يكن سائقا إلى معصية الله، فهو مباح، و قد وصف كعب بن زهير في "بانت سعاد" حبيبته بأشياء منأوصاف النساء، فلم ينهه النبي"ص" .
و الأصل جواز إنشاد شعر الغزل العفيف دون تعرض لمعينة لا تحل له، و دون الغزل الماجن.
إما إن كان يستثير شهوة ممنوعة ، فهذا ممنوع ، لترغيبه بتحصيل مالا يحل، و قد قال تعالى : "وتعاونوا على البر و التقوى ولا تعاونوا على الإثم و العدوان و اتقوا الله إن الله شديد العقاب" سورة المائدة 2.
و هذا النمط من مفردات الغناء.. نجل عن التفصيل فيه في هذا السياق.. و مثله لا يخفى في العادة.
و إشاعته من باب إشاعة الفاحشة، و قد قال الله تعالى :"إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا و الآخرة" النور: 19،، وقول الرفَثِ والمفرَداتِ في نَعتِ ما يُستحيا ديناً من كَشفِهِ، كالسوءاتِ، من الفُحشِ الذي يُجانِبُ وصف الإيمانِ، كَما قالَ النبي "ص": "لَيسَ المؤمِنُ بالطَّعانِ، وَلا اللعانِ، وَلا الفاحِشِ، وَلا البَذيءِ ".
وَقالَ أميرُ المؤمنينَ علي بنُ أبي طالبِ: "القائلُ الفاحِشَةَ وَالذى يُشيعُ بِها في الإثمِ سَواء".


 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 02:17 AM   #11
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


القِسم الثالث: ما يكونُ بعِبارات محرمةِ في ذاتِها
كالحَلِفِ بغيرِ الله، أو رد القَدَرِ، أو ذِكرِ مُقرَداتِ الفُخشِ والبَذاءِ، وكتغزلِ الرجالِ بالذكورِ، وشعر الإغراءِ بالحَرامِ، كالشًعرِ المُغري بالنَّظَرِ المحرًمِ، والمتْعَةِ المحرمة، كتقَبيلِ مَن لا تحل، وَوَضعِ الشفاهِ على الشفاهِ، وذِكرِ تَوريدِ الخُدودِ وتَقبيلِها من أجنبيةِ، فهذا الغِناءُ لا يَحل.
وهذا مَوجود في غِناءِ المغنينَ في القَديمِ والحديثِ، وإن كانَ قليلا.
والعاقِلُ فيما يَختارُ سَماعَهُ من حَسَنِ الشعر والنظمِ يَعودُ فيهِ إلى ما أوتِيَ من العَقلِ والحِكمَةِ، ومُفرَداتُ الشعرَاءِ خَليطٌ ، وما يَلهو به الناسُ ويغنيهِ المغنونَ فيهِ كَثير من الشعر الذي يَغلبُ عليهِ العَبَثُ، ويترفعُ عن سَماعِهِ العُقلاءُ، كَما فيهِ ما أشَرتُ إلمِهِ من الحِكمَةِ وشعر العاطِفَةِ المباحِ وحَسَنِ الكَلامِ، والعاقِلُ مَن اختارَ لأذُنِهِ كَما يَختارُ لبَطْنِهِ وفَرجِهِ وسائِرِ مُتعَتِهِ.
وبعدَ ذلكَ، فيَجِبُ أن يُعتَبَرَ دائما في بابِ المباحاتِ: أن لا تَصُدَ عنِ الواجِب، ولا توقِعَ في الحَرامِ، فإن صيرَت صاحِبَها إلى ذلكَ حَرُمَ عليهِ القَدر الذي خَرَجَ بهِ عن حَدهِ.
وَدونَ اعتِبارِ هذا التفصيلِ، وَتَعميمُ الحُكْمِ بمَنْع أو إباحَة بإطلاق، ليسَ مما يأتي على استِعمالِ جَميعِ النصوصِ الوارِدَةِ في هذا البابِ، على ما تقدم بَيانُهُ.

فهذا هُوَ حاصِلُ القول في حُكمِ الموسيقَى والغِناءِ.
فإذا ظَهَرَ هذا، فاعلَنم أن الأمرَ الذي تَبينَ أصل حُكْمِهِ من جِهَةِ الشْرعِ بدَليلِهِ، فالواجِبُ الثباتُ على حُكمِ الشرع فيهِ، والتسليمُ لهُ، ولا يحل أن يُجعَلَ من تغيرِ الزمانِ ذَريعَة إلى تَغييرِ أصل ذلكَ الحُكمِ، فإن اللّه تبارَكَ وتعالى عَليم خَبيرٌ ، فشَرَعَ لعبادِهِ الشرائعَ بما يُناسِبُ مِكنَتهم واستِطاعَتَهم:
فبينَ الحَلالَ بطَريقَيْنِ: الإجمالِ، لتعذرِ حَصرِ أفرادِهِ، حيثُ سَخَّرَ تعالى لعبادِهِ ما في السماوات وما في الأرضِ جَميعاً منهُ رَحمةً ونعمَةً.
والتفصيلِ، وذلكَ لبعض أمثلةِ الحلالِ إظهاراً لمنتِهِ على عبادِهِ لا حَصراً. وبينَ الحرامَ تَفصيلًا فلم يَدع لأحَدِ شُبهَة في حُكمِ شيءِ من أفرادِهِ، كَما قال تعالى: (وقد فَصَّلَ لكُم مَا حَرَمَ عَلييكم إلَا مَا آضطُرِرتُم إليه) الأنعام:117،.
وثَبَتَ أبي الدرداء "ر"، قالَ: قالَ رَسولُ اللّه "ص": ((ما أحَل اللهُ في كتابهِ فَهُوَ حَلال، وَما حَرمَ فَهُوَ حَرام، وَما سَكَتَ عنهُ فَهُوَ عَفو، فَاقبَلوا مِنَ الله عافِيَتَهُ، فإن الله لم يَكُن لِيَتسَى شَيئاً"، ثُمَّ تَلا: (وما كان ربك نسِيا).
وتحصَّلَ من الدراسَةِ المتقدًمَةِ أن الموسيقَى والغِناءَ كانَت مَوجودَةً قبلَ الإسلامِ، وجاءَ الإسلامُ ونَزَلَ التشريعُ، ولم نَجدها فيما فَصَّلَ اللهُ تعالى ورَسولُهُ تَحريمَهُ، وَلو ثَبَتَ قائل على ذلكَ لكانَ مُغنياً له للقول: هِيَ على أصل الحِم، لكنا بينا أيضاً من البراهينِ المثبِتَةِ لصحةِ هذا الأصل بخُصوصِ هذهِ القضيةِ ما لا يَدع رِيبَة في ذلكَ، والحمدُ للّه.


 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 02:19 AM   #12
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


رابعاً: الغناء و الإنشاد الديني

يَعودُ ما يُسميهِ بعض الناسِ بـ (الإنشادِ الديني) إلى وَقتِ مبكرِ، حينَ ظَهَرَ في العِراقِ في أواخرِ المئَةِ الثانِيَةِ ما عُرِفَ ب(التغبير).
والتغبيرُ: ما يُقْرأً بالتطريبِ من الشًعرِ في ذِكرِ اللّه تعالى.
وأصل ذلكَ كما قالَ الأزْهَري: كأنَّهم إذا تَناشَدوها بالألحانِ طَربوا، فرَقَصوا وأزهَجُوا، فسُفوا مُغبرَةً.
وَقال الزجاجُ: سُمُوا (مُغبًرينَ) لتَزهيدِهم الناسَ في الفانِيَةِ الماضِيَةِ، وتَرغيبِهم في الغابِرَةِ، وهِيَ الآخرَةُ الباقِيَة.
وهذا الفعل حينَ ظَهَرَ إنكرَهُ من العُلماءِ: الشافعي، ويزيدُ بن هارونَ، وأحمَدُ بنُ حنبلٍ .
قالَ الشافعيُّ: "خَلفتُ بالعراقِ شَيئاً يُسفى التغبيرَ، وَضَعَتْهُ الزنادقَةُ، يَشغَلونَ بهِ الناسَ عن القرآن".
وَرُوِيَ عن يَزيدَ بن هارونَ، قال :"ما يُغَبًرُ إلا فاسِقٌ ، وَمتى كانَ التغبير؟"
والعِباراتُ فيهِ عن أحمَدَ بن حتبَل جاءَت من وُجوهِ، فسُئِلَ مرة فسَكَتَ، ومرة كَرِهَهُ، ومرة قالَ: لا يُعجِبُني. ومرة قيلَ له: هُوَ بِدعَةٌ ؟ فقالَ للسائل: حَسبُكَ. وهذا توقْف. ومرة قيلَ له: ما تَرى في التغبيرِ؟ إنه يُرفقُ القلبَ؟ فقالَ: بِدعَة. وَجَزَمَ في روايَةِ بقولِهِ: هُوَ بَدعَة ومُحدَثَةٌ.
قلتُ: ولعك ذلكَ الترددَ من جِهَةِ كونِهِ تَغن وإتشاداً بذِكرِ اللّه والدار الآخِرَةِ والصلاةِ على النبي "ص" وشِبهِ ذلكَ، لكن لما يكُن له مِثال على تلكَ الهيئةِ في العمَلِ النبويً ولا عَمَلِ الصحابَة أنكَرَه، وحَكَمَ بأنه بدعة، وإن كانَت له مَصلَحَة.
وتَحريرُ ذلكَ:
ان هذا عائد إلى القول في البِدع الإضافيةِ: وهِيَ كُل عمَلٍ هُوَ عِبادَة وقُربَة مَشروعَة من جِهَةِ أصلهِ، مُحدَثْ في صورَتِهِ وهيئتِهِ.
فذِكرُ الله مَشروعْ مأمور بهِ، وَالاجتِماعُ لهُ مَشروع، ولكن تَحصيلهُ على صورَةِ الأداءِ الجَماعي والإتشادِ الملحَنِ مِمَّا لا يوقَفُ فيهِ على دَليلِ خاص.
واستدل بعض العلماءِ لإنكارِ مثلِ هذا، بِما جاءَ بهِ الأثَرُ عن عبدالله بن مَسْعودٍ حينَ خَرَجَ على قوم في مَسجِدِ بالكوفَةِ وهُم يَذكُرونَ الله تعالى، على صِفَةِ أنكَرَها عليهم، حيثُ رآهُم قد تَحلقوا حِلَقاً، وفي أيديهِم حَصا، وعلى كُل حَفقَةِ منها رَجُل يَقول: كَبًروا مِئَة، هَللوا مئِةَ، سَبحوا مئَة، وهُم يَفعلونَ.


 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 02:21 AM   #13
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وأقولُ مُحرراً لدَلالَةِ هذا الخَبَرِ: وَجَدْتُ أدلة الاجِتِماعِ للذكرِ مُتواتِرَة في الكتابِ والسنةِ الصحيحَةِ، فما كانَ لابنِ مسعودِ أن يَخْفَى عليهِ ما يَصِلُ علمُهُ إلى أمثالِنا، فيُنكِرَ مُجرد الاجتِماعِ لذِكرِ الله، كما لا يَجوزُ أن يُظَن بهِ إنكارُ ذِكرِ الله بالتَّكبيرِ والتهليلِ والتَسبيحِ، وهَل أتكَرَ عَد الذكر؟ أو استِعمالَ الحَصَا؟ أم أتكَرَ شياً آخَرَ؟ فإما عَد الذكرِ فأصلهُ مَوجود صَحيح في السنة شائع مما علمَه النبي "ص" لأمتِهِ، والعَد بالحَصا، أو بغيرِهِ كالسبحَةِ، إنما هُوَ وَسيلَةْ لأداءِ المشروعِ، ليسَ عِبادَة في نَفسِهِ ليُلحَقَ بالبِدع.
نَعم، أتكَرَ ابنُ مَسعودٍ على أولئكَ التفَرِ شَيئاً رآهُم يَفعلونَه مما اجتَهدوا فيهِ ليسَ مما لهُ على ذلكَ الوجه أصل في الكتابِ والسنة، مما صارَ بهم من بعد إلى مُفارَقَةِ الجَماعَةِ، كما تدل عليهِ رواياتُ القصة.
يؤيدُهُ في غَلَطِ الاستِدلالِ بهذا الأثَرِ على مَنْعِ الاجتِماعِ لذِكرِ اللّه على هيئةِ من الأداءِ، أنه مَوقوف من رأي الصحابي، ورأيُ الصحابي اجتِهادٌ ، وليسَ بحُجةٍ .
وَقَد وَقَفنا في النصوصِ،على عِدَةِ حَوادِثَ أقَر النبي "ص" اْصحابهُ فيها على أعمالِ وأقوال كانُوا يَفعَلونَها بمُقتَضى العُمومِ، دونَ توقيفِ خاص بشأنِها في حياتِهِ "ص"، وذلكَ في حوادِثَ عَديدَة.
والحُكمُ الشرعيُّ يُستَفادُ من عُموماتِ الشرع، وتدل عليهِ أصولُهُ، وبابُ ذِكرِ اللّه من أوسَع الأبوابِ التي وَرَدَ فيها العُمومُ، اجتِماعاً وانفراداً، ما كانَ بلَفظِ مَشروعِ.
فالتغبيرُ غايَتُهُ أنه إتشادٌ للقَصائدِ المرققَةِ للقُلوبِ، فيُؤثرُ ذلكَ فيها، وَيحدو بها إلى الدارِ الآخِرَةِ، ويُحلقُ بالنفوسِ في رِياضِ الأنسِ بالله عَز وجلَ، فإذا كانَ ذلكَ بعِبارات صَحيحَة وشعر حَسَنِ، فهُوَ قول مَشروع، فإذا اقترنَ بالإنشادِ اللحنُ المؤثرُ زادَهُ حُسناً، وذلكَ من جِهَةِ التظَرِ إلى أثَرِهِ المشروعِ.
إما إتكارُ الشافعي له فهُوَ يَحكي ما تَرَكَ عليهِ حالَ أهلِ بَغدادَ، وَكانَ ذلكَ منهم على الوجه الذي ذَكَرَ الشافعي أنَّهم كانوا يُقبِلونَ عليهِ وَيدَعونَ القرآنَ، إذ علةُ إنكارِهِ انهم استَعاضُوا بذلكَ عن القرآن، وليسَ هذا مما يَجوزُ الامتراءُ في إنكارِهِ من فعل من يَفْعَلُهُ، ولكن من أخَذَ من ذلكَ قدراً يُنَشطُ النفسَ وُيعينُها على طاعَةِ اللّه، وُينقيها في ذِكرِهِ، ويعلقُها بكتابِهِ وديِنِه، وَمَعَ ذلكَ يُبعِدُ عتها وَحشَةَ الدنيا، وَيربِطها بالآخِرَةِ، فما هذا والله طَريقُ الزنادِقَةِ ولا الفُساقِ الَّذينَ لا يُريدونَ إلا الحياةَ الدنيا.
وأما إنكارُ أحمَدَ بن حنبل، فلا تُغفِل أئه كانَ يتردَّدُ في التغبيرِ، ولم يَثبُت فيهِ على قول واحدٍ ، وأشَد ما جاءَ عنهُ وصف ما كانَ يَفعلهُ المغبرونَ من عُبَّادِ الصُّوفيةِ بالإحداثِ والبِدْعَةِ، وهذا على معنى البِدعَةِ الإضافيةِ التي ذكرتُ، وهُوَ بابْ يَسوغُ فيهِ الاجتِهادُ، وله نَظائرُ في اجتِهاداتِ الصحابَة.
وجائر أن يَكونَ رأيُ أحمَدَ في ذلكَ من أجل ما يَخشاهُ من الإلهاءِ بهِ عن القرآن، كالشأنِ فيما حَكى الشافعي عن أهلِ بَغدادَ.
وأحمَدُ لم يَكُن يُتكِرُ ما يَفعلهُ الصوفيةُ بإطلاقِ، فقد وَجدتُ عنهُ نَصا يُحسنُ فيهِ من أمرِهم، مما يَكونُ منهم في مجالسِ ذِكرِهم، يُراعي فيهِ أحوالَهم من الأتسِ بذِكرِ الله، وذلكَ ما حَكاهُ ابنُهُ عَبدُ الله، قالَ: سَمِعتُ أبي، رَحِمَه الله، وقد قيلَ له: إن هؤلاءِ الضوفئةَ جُلوساً في المساجِدِ على التوكلِ بغيرِ علم؟ فقالَ: العلمُ أقْعَدَهُم، قيلَ له: فإن همَّهم كِسرَة وخِرقَة؟ فقالَ: لا أعلُمُ أن قوماً أعطُوا قدراً من قومٍ يكونُ همهُم من الدنيا كِسرَةً وخِرقَةً، قيلَ: فإنهم إذا سَمِعُوا السماعَ يَقومونَ يَرقصونَ؟ فقالَ أبي،ُ: دَعوهُم يَفْرَحونَ مَعَ الله ساعةً (أخرجه أبو طاهر السلفي في "الطيوريات" بإسناد حسن).
قلتُ: والذكرُ بقراءَةِ القرآنُ أعظَمُ الذكرِ وأقضَلُهُ، وبالمأثورِ عن رَسولِ الله "ص" هُوَ من بابهِ، لِمخرَجِهِ من أعلَمِ الخلقِ باللّه تعالى رسولِ الله "ص"، ولِما أوتِي من جَوامِعِ الكلِمِ، ثُم الذكْرُ بكُلً ما هُوَ حسَن من القول من شعر أو نَثر، اشتَمَلَ على ذِكرِ التوحيدِ والتمجيدِ لله تعالى، وذِكرِ الآخِرَةِ والوَعدِ والوَعيدِ، والصلاةِ على النبيٌ "ص" و ذِكرِ شَمائلِهِ وخِصالِهِ مما يَزيدُ حُبهُ في القُلوبِ.
والنفْسُ تأخُذُ من كُلً ذلكَ بغِذائها، وتُشَوقُ إليهِ بكُلً طَريقِ خَلا من مُخالَفَةِ في ذاتِهِ لِما جاءَ بهِ الرسولُ "ص".
فَقَد كانَ النبي "ص" يُقِر في مَسجِدِهِ الملأ من أصحابهِ يَجتَمِعونَ يَذكرونَ اللّهَ والآخِرَةَ، بل وتأتي عنهُ النصوصُ بالترغيبِ في ذلكَ في الاجتِماعِ وفي الخَلَوات، والنصوصُ فيهِ كَثيرَة:
كَما في حَديثِ أبي هُرَيرَةَ، عَنِ النبي "ص" قالَ:
" إن للّهَ تَبارَكَ وتَعالى مَلائكة سَيارَةَ فُضُلاً (أي متفرغين لذلك)، يتبعونَ مَجالسَ الذكرِ، فَإذا وَجَدُوا مَجلِساً فيهِ ذكر قَعَدُوا مَعَهم، وحَف بعضهُم بعضاً بأجنِحَتِهم، حتى يَملأوا ما بَينَهم وبَينَ السماءِ الدنيا، فَإذا تَفَرقُوا عَرَجُوا وَصَعَدُوا إلى السماءِ، قالَ: فيَسألُهُم الله وَهُوَ أعلم بهم: مِن أينَ جِئْتُم؟ فَيَقولونَ: جِئنا من عندِ عِباد لكَ في الأرضِ: يُسَبحونَكَ، وُيكَبرونَكَ، وَيُهَللونَكَ، ويحمَدونَكَ، ويسألونَكَ، قالَ: وَماذا يَسألوني؟ قالوا: يَسألونَكَ جَئتَكَ، قالَ: وَهَل رَأوا جَنتي؟ قالوا: لا، أي رَب، قالَ: فكَيفَ لَو رَأوا جَنتي؟ قالوا: وَيَستَجِيرونَكَ؟ قالَ: وَمِم يَستَجِيرُونَنِي؟ قالوا: من نارِكَ يا رَب، قالَ: وَهل رَأوا نارِي؟ قالوا: لا، قالَ: فكَيفَ لو رَأوا نارِي؟ قالوا: وًيستغفِرونَكَ، قالَ: فيَقولُ: قَد غَفَزتُ لهم، فأعطَيتُهُم ما سَألوا، وَأَجَرتُهم مما استَجارُوا، قالَ: فيَقولونَ: رَب، فيهم فُلانْ، عَبد خَطاء، إنما مَر فجَلَسَ مَعَهُم، قالَ: فيَقولُ: وَلَهُ غَفَرتُ، هُمُ القوم لا يَشقَى بهم جَليسُهُم ".

وَعَن أبي هُرَيرَةَ، قالَ: قالَ النبي "ص" : (يَقولُ اللّه تَعالى: أنا عندَ ظَن عَبدِي بِي، وَأنا مَعَهُ إذا ذَكَرَني: فإن ذَكَرَني في نَفْسِهِ ذكرتُهُ في نَفْسِي، وإن ذَكَرَني في مَلِأً ذكرتُهُ في مَلأ خَيرِ منهم، وإن تَقَربَ إلي شِبراً تَقَربتُ إليهِ ذِراعاً، وإن تَقَربَ إلي ذِراعاً تَقَرَّبْتُ إليهِ باعاً، وَإن أتاني يَمشِي أتَيتُهُ هَروَلَة.

وَعَن أبي هُرَيرَةَ وأبي سَعيد الخُدري، انهما شَهِدا على النبي "ص" ،انه قالَ:"لا يَقعُدُ قوم يَذكُرونَ اللهَ إلا حفتهُمُ الملائكةُ، وغَشِيَتهُمُ الرحمَةُ، ونَزَلَت عليهم السكينَةُ، وذَكَرَهم اللهُ فيمَن عندَهُ".

وَعن أنسِ بن مالكِ، عَن رَسولِ اللّه "ص" قالَ:
"ما مِن قوم اجتَمَعُوا يَذكُرونَ اللهَ، لا يُريدُونَ بذلكَ إلا وجههُ، إلا ناداهُم مُنادٍ من السماءِ: أن قومُوا مَغفوراً لكُم، قَد بُدلَت سَيئاتُكُم حَسَناتًِ.

قلتُ: فهذهِ نُصوصْ صَحيحَة، عامة، ظاهِرَة في استِحبابِ الاجتِماعِ لذِكرِ اللّه، لم تَخُص من هَيئاتِ الذكرِ هَيئة دونَ أخرَى، بل ظاهِرُها استِحبابُ ذلكَ على وجه الاجتِماعِ والتوافُقِ، ومن ذلكَ وُقوعُ الذٌكرِ من قِبَلِ الجَماعَةِ بصَوتِ واحِدِ، مُندَرج في عُمومِ الحديثِ لا يَجوزُ إنكارُهُ، ولا مَعنى لقولهِ تعالى في الحديثِ القُدسي: "و إن ذَكَرَني في مَلأ ذكرتُهُ في مَلأ خَيرِ منه" إلا الدلالَةُ على رَفْعِ الصَوتِ به في الجَماعَةِ، إذ دونَ ذلكَ لا وجه للتفريقِ بينَ الذِكرِ في النفسِ والذكرِ في الملأ.
وَأصل هذا كُلهِ في كِتابِ اللهَ تعالى، حيثُ جاءَ آمِراً الجَماعَةَ بالذكرِ بصيغَةِ الجَمع، كَما قالَ تَعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا(41) و سبحوه بكرة و أصيلا(42)) البقرة 152
و قال تعالى (والذاكرين الله كثيرا و الذاكرات) الأحزاب 35
وَهذا مَعنى مَعَ ظُهورِهِ في النصوصِ الصحيحَةِ جَحَدَتهُ طائِفَةْ، فنَفرتِ التاسَ عن مَجالسِ الذكرِ وحِلَقِهِ، حتى ماتَ ذلكَ المعنى عنْدَ كثيَرِ المسلمينَ المنتَسبينَ للتدينِ في زَمانِنا.
فإذا صَح بما تقدم مَشروعيةُ الذٌكرِ الجَماعيً، كانَ ذلكَ مَشروعاً بكُلً صيغَةٍ للذٌكرِ مَشروعَةٍ في نَفسِها، ومنهُ الشعرُ المرققُ للقُلوبِ بذِكرِ الله، المتضمنُ للتقديسِ والتَعظيمِ والتكبيرِ، والتحميدِ، والتهليلِ، والصلاةِ على النبيٌ "ص"، وذِكْرِ شَمائلِهِ وَصِفاتِهِ لتَشويقِ القُلوبِ إليهِ، وذِكرِ مَحاسِنِ الأخلاقِ وجَميلِ الصفاتِ إغراءً بِها.
وأداءُ ذلكَ بالصوت الحَسَنِ يَزيدُ ذلكَ حُسناً، من أجل أثَرِهِ في النفسِ، وهُوَ المعنى الَّذي استُحِب لأجلِهِ التطريبُ في تلاوَةِ القرآنِ.
فإن وَقَعَ مَعهُ اهتزاز غيرُ مَقصودِ، كالذي يَقَعُ للتالي أحياناً، فيَرى نَفسَهُ يَتَمايَلُ دونَ شُعور، ولو أرادَ أن يتفطنَ لهُ ويدرأهُ عن نَفسِهِ لتمكنَ من ذلكَ في كثيرِ من أحيانِهِ، لكن يَغلِبُ عليهِ الوَجدُ والحالُ والأنْسُ بطيبِ الألفاظِ مقرونَة بطيبِ التغَماتِ، فيأخُذُ بالألبابِ، حتى يَخشَعَ القَلْبُ وتَدمَعَ العَينُ، فذلكَ إن وَقَعَ فليسَ مما يُعابٌ لذاتِهِ، لكن لا على حالِ من يصيرَ ذلكَ بهِ إلى الرقصِ على طَريقِ أهلِ الخبرَةِ به، كشأنِ أصحاب الملاهي والشهواتِ، إذ حالُ أصحاب الأحوال في هذا واقِع بسَبَبِ ما يَغلِبُ من التأثْرِ في الوَقتِ، وليسَ كذلكَ شأنُ مَن يُعِد وَيستَعد له.
هذا في شأنِ الذٌكرِ بألفاظِ التسبيحِ والتكبيرِ والتهليلِ وشِبهها، كالذي جاءَ في حديثِ أبي هُرَيرَةَ الأولِ، وهُوَ قَدر لم أرَ التَّقربَ بهِ على هذا الوجه مما يُتكَرُ؟ لاندِراجِهِ تحتَ ما تقدم بيانُهُ من العُمومِ.
وإنما تُئكَرُ صورَتُهُ إذا ضُمت إليهِ الملاهِي، فإن ضَرْبَ الدُّفوفِ والطبولِ والأوتارِ، ونَفخَ المزاميرِ وشِبهها، ليسَ مما شَرَعَ اللّه تعالى التعبدَ بهِ.
وهذهِ الصورَةُ هِيَ التي أنكَرَ لأجلها بعض سَماع الصوفية كَثير من أعيانِ الأئمة المتأخرينَ، كعِزٌ الدينِ ابنِ عبدالسلامِ وأبي عَمرِو بن الصلاحِ ، وأبي مُحمد بن قُدامَةَ المقدسي ، وابنِ تيميةَ الحرَّانيٌ، وابنِ قيمِ الجوزيةِ، وغيرِهم.
وإما التلهًي بجَميلِ الشعر المتضمنِ للمعاني الصحيحَةِ، والتي لا تَخلو من ذِكرِ لله تعالى أو شُكر لهُ، أو ابتِهالِ واستِغفارِ، أو صلاةِ على نبيه "ص" ومَديح لهُ، أو أسفِ على الماضي المضيَّعِ في غيرِ طاعَةِ اللّه، وشِبهِ ذلكَ مِما يَكونُ من بابهِ، فليسَ هذا منَ قَبيلِ ما تقدم، ولا يُفعل على سَبيلِ التعبد، إنَّما هو من بابِ اللهو بالمباحِ، يتحققُ بهِ مَقصَد صَحيح.
فهذا النوعُ إذا ضُم إليهِ من أصوات المعازِفِ ما تَستَعذِبُهُ النفوسُ كانَ من ضَمّ المباحِ إلى المباحِ، والتلهي بِهِ خيرُ من التلهي بقَصائدِ العِشقِ والغَرامِ، وألَمِ الفِراقِ للمحبوبِ وفَواتِ وَصلِهِ، وفيهِ تَرويحْ للنفسِ بِما لا يُتذَرعُ بهِ إلى مَعصِيَةِ، بل يُبقيها في دائرَةِ المشْروعِ.
وهذهِ هِيَ صورَةُ ما يَعْرِفُهُ الناسُ اليومَ ب(الأناشيِد الإسلامية)، فهِيَ غِناء بشعر وكلام حَسَن، بأصوات طيبَةٍ ، وضَم الموسيقَى إليها مِمَّا يَزيدُها حُسناً، وإن كنتُ لا أرَى تَسِميَتَها بـ(الإسلامية) مِما يَتبَغي، دَرءاً لِما يوهِمهُ هذا الإطلاقُ من أن ما سِواها ليسَ مَشروعاً، كالغِناءِ العاطفيٌ أو الوَطنيً مثلًا إذا كانَ على الوَصْفِ الجائزِ الذي قذمتُ بَيانَهُ في المبحَثِ السابقِ


 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 02:23 AM   #14
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


خامساً : مَسائل تتَّصل بالغِناءِ والموسيقَى

المسألة الأولى: سَماعُ المرأةِ الغِناءَ من أجنبي عنها، وسَماعُ الرجُلِ الغِناءَ من أجنبيه عنهُ.
أما سَماع المرأةِ الغِناءَ من رَجُلِ أجنبي "ص" عنها، فقد تقدم التنبيهُ عليهِ فيما دل عليهِ حِداءُ انجشة بالنساءِ، بإقرارِ رَسُولِ اللّه "ص".
والأصل في صَوتِ الرجُلِ تسمَعُهُ المرأةُ بعِلمِ أو قرآنِ أو ذِكرٍ أو أذانِ، أو شِعر وغِناء، سواء في الإباحَةِ في حقًها، طُرِّبَ بهِ أو لم يُطرب. وكذلكَ المرأةُ يَسمَعُ صوتها بالغِناءِ الرجُلُ الأجنبي عنها، فصوتها لِذاتِهِ ليسَ بعَوْرَة، وليسَ في الكِتابِ ولا السَّنةِ ما يَمْنَعُ المرأةَ من أن يسمَعَ صوتها أجنبي، وَلا ما يَمنَعُ الرجُلَ من أن يَسمَعَ صوت أجنبيةِ عتهُ، بل دل الكِتابُ على أن للمرأةِ أن تتكلمَ أمامَ الأجانبِ كَما يأتي، وأما السنةُ، فكانَت المرأةُ تُكلمُ النبيَّ "ص" وَحدَه وأمامَ الملأ وهُم يَسمَعونَ، في وَقائعَ كَثيرَةِ.
فإن قيلَ: نَهى الله تعالى أمهاتِ المؤمنينَ عَنِ الإخضاعِ بالقول، في قولِهِ: ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا)) الأحزاب: 32،.
قلتُ: نَعم، هذا نَهي عَنِ الإخضاع بالقول، لا نَهي عن سَماع الصوت، ألم تَرَه قالَ: (وقلن قولا معروفا) ؟ فشَرَعَ الله تعالى للمرأةَ الكلامَ المعروفَ، وإنما نَهاها عن أن تَقولَ من الكلامِ ما تُلين بهِ قُلوبَ أصحاب الشهَواتًِ (الذى فِى قلبه مَرَض)، فيَطمَعَ أحدُهُم بالوِصالِ الممنوعِ.
وحيثُ كانَ النهيُ متصلاً بالقول، فإنما القول الكَلماتُ والمفرَداتُ، لا الصوت والتبَراتُ، فالمرأةُ إذا قالَت قولاً مُباحاً مَشروعاً، فعلى أي رِقةِ ولينٍ خَرَجَ صوتها: بطَبعِها أو بقصدها، لم يكُن عليها بَعد من حَرَح.
وبالنظَرِ إلى الصوت الحَسَنِ بطَبعِهِ، أو المحسَّنِ بقَصد، فالمعنى في حَقً المرأةِ واحِدْ في صَوتِها بالقرآنِ، وصَوتِها بالشعر تُغنيهِ، من جِهَةِ أنَّه صَوت، والشريعَةُ حينَ حثت على تَحسينِ الصوت بالقرآنِ، لم تقصُرِ الحُكمَ على الرجالِ دونَ الإناثِ، كَما لم تَشتَرِط فيمَن يَسمَعُ قراءَتها أن يَكونَ زَوجاً أو مَحرَماً، فيَجوزُ أن يَسمَعَ تَطريبَها بالقرآنِ الأجنبي عنها كمُعلمِ وغيرِهِ، وَلا نُفرقُ أو نَستَثني إلا بدَليلٍ بيًنِ من الكِتابِ أو السنة، فإذا لم يكُن ذلكَ التطريبُ بالقرآنِ من الإخضاعِ بالقول معَ أدائهِ بالألحانِ، فكذلكَ ما تُنشِدُهُ من الشعر وتُغنيهِ.
فإن خلَصَ كونُ ذلكَ من القول المعروفِ فليسَ عليها بعدَهُ من حَرَج وإن تلذذَ به متلذًذ، كَما لا حَرَجَ عليها في تلذذِ من يتلذذُ بصَوتِها إذا تًكلمت، إنما الحَرَجُ على ذلكَ المتلذِّذِ، فإن النبي "ص" قالَ: "كُتِبَ على ابنِ آدَمَ نَصيبُهُ من الزٌنا، مُدرِك ذلكَ لا مَحالَةَ، فالعَينانِ زِناهُما النظَرُ، والأذُنانِ زِناهُما الاستماع ..) الحديثَ.
على أن الطمَعَ المذكورَ في كِتابِ اللّه ليسَ مجردَ التلذذِ بسَماعِ صَوتِ أجنبيةِ أو أجنبي، وإنما هُوَ شَهوَةُ الوِصالِ، بقَرينَةِ قولهِ تعالى: (فِى قلبه مَرَض).
ولما كانَ الأصل في صَوتِ المرأةِ كالأصل في صَوتِ الرجُلِ، وهُوَ جَوازُ إرسالِهِ، أذِنَ النبي "ص" للناذِرَةِ أن تَضرِبَ بالدف وتُغني بمَحضَرِ مَن لا تَحل له، وَكذا نُصوصُ استِحبابِ الغِناءِ في العُرس والعيدِ، والتي تقدَّمَ ذكرُها.
وعَجيب من طائفبما منَ المحرٌمينَ المتشددينَ يَمنَعونَ من رَفعِ المرأةِ صَوْتَها بالغِناءِ، فإذا جاءُوا على مسألَةِ الغِناءِ للرجالِ، قالُوا: (لا يَفْعَلُه إلا المخنثونَ؟ وإنما الغِناءُ للنساءِ)، فأيْ تَناقُض هذا وبَعْثَرَة في الرأيِ: لا يُغني إلا النساءُ، ولا يُغنينَ إلا سِراً؟!
ومِمَا يجبُ التنبهُ إليهِ في هذهِ المسألَةِ: أن القول في سَماعِ الغِناءِ من أجنبية، يُقابِلُهُ سَماعُ الغِناءِ للمرأةِ من أجنبي، والمعنى فيهِ واحد، وعَجيبْ أن أكثَرَ من يتكلمُ في هذا البابِ، بل وبابِ العَوراتِ عُموماً يُبالِغُ في تَصويرِ الأحكامِ في حَق المرأةِ دونَ الرجُلِ، وجَميعُ رأيهِ مَعللٌ باعتِبارِ الفِتنَةِ الوصف المؤثرَ، فالمرأة هِيَ الفاتِنَةُ دائما، ولا يُراعِي كَم تُفتَنُ النساءُ بالرجالِ، ولعل علةَ إبرازِ ذلكَ أن عامةَ من يكتُبُ ويتكلمُ في هذهِ الأحكامِ هُمُ الرٌجالُ، وَلا يَكادُ يكونُ للمرأةِ حَظ من المشارَكَةِ فيهِ، وإن كانَ لها فيهِ الشيءُ حيلَ بينَها وبينَ الصراحَةِ فيهِ إما حَياءَ وإما كَبتاً.
ونحنُ لا نَجعَلُ أمرَ الفِتنَةِ مِقياساً للاحكامِ في هذا البابِ، فهذا بابُ حُدودٍ لا يَحل إخضاعُهُ للقول بالظن، وتَقديرُ الفتنَةِ لا يُمكِنُ إلا بالظنً، ولا خلافَ في الأصولِ أن عِلَلَ الأحكامِ لا يُصارُ فيها إلا إلى الأوصافِ المنضَبِطَةِ يَقيناً أو غالباً.
والمباحاتُ يَضبِطُ المكلَّفُ التصرف فيها والأخْذَ منها بالقَدْرِ الذي يُبقيهِ في إطارِ حِفظِ الضَّروريٌ ، فإن تَعاطَى من المباحِ ما يضرهُ أثِمَ بالتسببِ في إضرارِ نَفسِهِ، لا في أخذِهِ من المباحِ، بل المباحُ باق على أصلهِ، كَما قالَ تعالى في الأكلِ والشربِ: (وَكلواً وَاشْربُوا وَلَا تسُرِفوا إِنه لَا يُحِب المسرِفِينَ) الأعراف: 131، فالإسرافُ في الأكلِ والشربِ مَمنوع للإضرارِ بالنفسِ، لكن ذلكَ لا يغيًرُ حُكمَ الأصل في الأكلِ والشربِ، الذي هُوَ الإباحَةُ.
فَحاصِلُ حُكمِ هدْهِ المسألةِ: جَوازُ أن يَسمَعَ الرَّجُلُ صوت أجنبيةِ عنهُ، وأن تَسمَعَ المرأةُ صوت أجنبي عنها، بكَلامٍ : تَدريسٍ ، أو مُحاضَرَة، أو مُحاوَرَةِ، أو غيرِ ذلكَ، وكذلكَ بقِراءَةِ قرآنِ، وأذان وإقامَةِ، بتَطريبِ وبغيرِهِ، وكذلكَ بغِناءِ بمفرَداتِ مُباحَةِ.


 

رد مع اقتباس
قديم 18-10-2006, 02:25 AM   #15
اصالة مصرية
عضو نشط


الصورة الرمزية اصالة مصرية
اصالة مصرية غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18661
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
 المشاركات : 157 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


المسألة الثانية: سَماعُ الغناءِ والموسيقى بالوَسائطِ الحديثَةِ ائتي لا تَستدعي حُضوراً بدنيا لمحلٌ الغِناءِ.
وذلكَ كالأصوات المسموعَةِ من آلاتِ التسجيلِ، والمِذْياعِ، ومُكبراتِ الصوت، وأجهِزَةِ الحَواسِيبِ، والهَواتِفِ، وغيرِها.
فهذا جَميعُهُ من حيثُ الأصل تابع للأحكامِ المتقدمةِ الملخصَةِ في المبحَثِ السابقِ.
كذلكَ المسموعُ المشاهَدُ عن طَريقِ جِهازِ التًلفازِ الذي غَدا في واقِعنا جُزءاً من مَتاعِ البيتِ الذي لا يَكادُ ينفذ عن اقتِنائهِ أكثَرُ النَّاسِ. لكن الشأنَ في الغِناءِ والموسيقَى من هذا الجِهازِ أنه يَزيدُ على ما تقدم انضِمامَ الصورَةِ إلى الصوت، فإما الصوت فبحَسَبِ ما تقدم، هُوَ على الإباحَةِ تأصيلاً، ويخرُجُ عنها إلى المنعِ إذا استُعينَ بهِ على مَعصِيَةٍ ، أو كانَت مُفرَداتُ الغِناءِ مما لا تُبيحُة الشريعَةُ من الألفاظِ.
غيرَ أن الصورَةَ لَها أحكامٌ إضافية تخصها، لا بالنظَرِ إلى حُكمِها من جِهَةِ أنَّها صُورَة، فهذا مما أرجحُ حِلهُ، ولبَيانِهِ محل آخَرُ، ولكن بالتظَرِ إلى هيئةِ المُصَوَّرِ، من جِهَةِ الاتكِشافِ والحَرَكَةِ المقارِنَةِ للغِناء وأهلُ زَمانِنا يُظهِرونَ من الأغاني المصورَةِ ما يَفتِكُ أثَرُة في الجِتسَينِ الذكورِ والإناثِ فَتكاً، لِما تَظْهَر عليهِ الصورَةُ من الإغراءِ بالجِتسِ الآخَرِ، والعلةُ في ذلكَ من جِهَةِ آفَةِ التظَرِ، وقد قالَ النبي "ص": ( كُتِبَ على ابنِ آدَمَ نَصيبُهُ من الزنا، مُدرِكْ ذلكَ لا مَحالَةَ، فالعَينانِ زِناهُما النظَرُ) الحديثَ.
وَههُنا مَن يَفنَعُ مُعلًلاً بخَشيَةِ الفِتنَةِ.. والخَشيَةُ أمر مَظْنونْ، فيتقى مَورِدُها دَفعاً للظنونِ، ولكن لا يَجِبُ، وإنما الواجِبُ حِفظُ التفسِ عنِ الوُقوعِ في الحَرامِ.

المسألة الثالثة: اتخاذُ الغِناءِ أو العَزفِ حِرفَةً.
كَما يَقَعُ مِنَ المشتغلينَ به في كُل زَمان، غيرُ ما يَقَع فعلُهُ من عامةِ التاسِ في المناسَباتِ وغيرِها من غيرِ المحتَرفينَ، ما حُكمُ ذلكَ؟
القَينَةُ كوصف كانَ مَوجوداً قبلَ الإسلامِ، وبعدَ الإسلامِ، بل واستُعمِلُ في الكلامِ النبوي على الإقرارِ لتلكَ التسميَةِ، في شأنِ التي غنت عائِشَةَ أم المؤمنينَ، وتقدمت فيه الرٌوايَةُ، وهُوَ وصف يَقَعُ لِمَن تُجيدُ الغِناءَ وتُتقِنُهُ.
والغِناءُ والعَزفُ في أصلهما تصرفانِ مُباحانِ، وَقَعا على سَبيلِ الهِوايَةِ، أو على سَبيلِ الاحترافِ، فكَما لا يَمتَنِعُ الاحترافُ بمُباحِ سِواهُما، فلا يَمتَنِعُ بهما.
يؤيًدُهُ أنَّ ما كانَ من بابهما من الملاهي، فلا يُمنَعُ احترافُ ما كانَ مُباحاً منها.
وهُنا أصل جارٍ على الأصول: ان ما كانَ مُباحاً تَعاطيهِ جازَ أخد الأجرِ عليهِ.
والأدلة فيهِ هِيَ الأصولُ في التصرف بالمباحِ في كُل وجَل ما بَقِيَ على أصل الإباحَة، كما قالَ تعالىقل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيمة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون(32)) سورة الأعراف
وَمِنَ العُلماءِ من قالَ: (َيسَ كُل ما جازَ فعلهُ جازَ أخْذُ العِوَضِ عَلَيهِ)، ومَثَّلَ له ابنُ تيميةَ بجَوازِ المسابَقَةِ معَ منع أخْذِ العِوَض عليها، استدلالاً بحديثِ: "لا سَبَقَ إلا في نَضلِ أو خُف أو حافرِ" ، كما استدل له بكَون الغِناءِ باطلًا، فأخذُ الأجرَةِ أكل للمالِ بالباطلِ. والجَواب: أما مَتعُ أخذِ الأجرَةِ مقابِلَ المسابَقَةِ معَ جَوازِها إلا لمعنى استَثناهُ الشرع، فإنما ذلكَ لِما يَقَعُ فيها من المقامَرَةِ، وليسَ في الغِناءِ وَلا العَزفِ شَيء من هذا.
وأما دَعوَى أنه أكلْ للمالِ بالباطِل، فالتحقيقُ أن العِوَضَ مُقابِلُ المنفَعَةِ، والمنفَعَةُ بالمباحِ حاصِلَة، والغِناءُ إذا قُصِدَ به مَعنى صَحيحِ مُباحِ غيرِ مَكروهٍ ، كدَفعِ السآمَةِ وتَنشيطِ النًفسِ، ودَفعِ الوَحشَةِ، فَضلَا أن يَكونَ لإعلانِ نِكاح، أو لإظهارِ سُرور في يومِ عيدٍ أو مُناسَبةِ متميزَةِ، فهذهِ المقاصِدُ مَنافِعُ مُعتَبَرَة، وليسَ الغِناءُ فيها لمجردِ العَبَثِ، فيَسقُطُ عنهُ بذلكَ وصف الباطِلِ.
ثُم إن أكلَ المالِ بالباطِلِ، إنما هُوَ أكلُهُ في الحرامِ، وليسَ الغِناءُ كذلكَ، وكَثير من الملاهي المأذونِ بها، كالتنرهِ في الأماكنِ المباحَةِ كالحدائقِ والشواطى لجَلِبِ الأنْسِ، والتفرجِ على لَعِبٍ مُباحٍ ، وفي زَمانِنا كَثير، كاللعب بالكُرَةِ في صُوَرِه المختلفةِ، أو سِباقِ الخيل، أو التمثيلِ، أو غيرِ ذلكَ، مِما أصلهُ جارِ على الإباحَةِ، قد لا يتهيَّأ إلًّا ببذلِ المالِ، وَيفعلهُ التاسُ بقصد صَحيح مُباح،. ويتحققُ لهم بهِ أتس وابتِهاجْ مَشروعَينِ، وهذه مَنْفَعَة يَزولُ مَعها عن تلكَ الأفعالِ وصف الباطِلِ.
وَمِن غَريبِ ما قيلَ هُنا: (هذا الأصل صَحيح إلا في الغِناءِ)،
فهذا قول على خِلافِ الأصولِ، ولا تُسعِفُهُ النقولُ.
وَقالَ أبو بكرِ ابنُ المنذِرِ: "وً أجْمَعَ كُلُّ مَن نَحفَظُ عنه من أهل العِلمِ على إبطالِ إجارَةِ النائحةِ والمغنًيَةِ، كَرِهَ ذلكَ الشًعبي والنخَعي ومالك، وبهِ نَقولُ، وَقالَ أبو ثَورِ والنعمانُ وَيعقوبُ ومُحمد : لا تَجوزُ الإجارَةُ على شَيء من الغِناءِ والنَّوحِ".
قلتُ: هذا القول لا يَعني الإجماع، إنما هُوَ إجماعُ مَن سَمَّى من العُلماءِ.
والرأيُ لا يَعدو اسمَهُ حتى يعتضد بالدليلِ ليُصبحَ حُكماً، وأصل الحُكمِ في هذهِ المسألةِ ما ذكرتُ، ولا ناقِلَ عنهُ ليُصارَ إليهِ، إلا الرأي في النائحَةِ، فإن أجرَتَها مُحرمَة، لا من أجل الصوت، وإنَّما لِما جاءَت بهِ النُّصوصُ من تَحريمِ النياحَةِ على الموتِ لمعنى الجَزَعِ، في نُصوصِ كَثيرَةٍ مُتواتِرَة، كقولهِ "ص": ((أربَع في أمتي مِن أمرِ الجاهليةِ لا يَترُكونَهُن: الفَخرُ في الأحسابِ، وَالطعنُ في الأنسابِ، والاستِسقاءُ بالنجومِ، وَالنياحَةُ، وَقالَ: "النائحَةُ إذا لم تَتُب قبلَ مَوتِها تُقامُ يومَ القِيامَةِ، وَعليها سِرْبال مِن قَطِرَانِ، وَدِرعٌ مِن جَرَب،".
واعلَم أن جَميعَ ما يُستدل بهِ لمَتعِ أخذِ الأجرةِ على الغِناءِ من الحديثِ لا يثبُتُ منه شيء، إذ كلها أحاديث ضعيفة.


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:10 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا