عرض مشاركة واحدة
قديم 26-12-2008, 08:51 PM   #1
qaswara
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية qaswara
qaswara غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 10666
 تاريخ التسجيل :  11 2005
 أخر زيارة : 11-04-2024 (01:35 AM)
 المشاركات : 484 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
و أصبحت الهويّة في سوق بلا مزاد.



بسم الله الرحمن الرحيم.
أحبتي ، و خلاني.
...إن الكلامَ عن الهويّةِ متشابك ، ذو تشعبات و غير متماسك ... و لتحديدِ مفهوم ِالهويّةِ لهو بالأمـر ِالصعبِ ، و مستعصٍ غير مأمون الدرب .. وقد استعصى حتى اليوم هذا التحديد، و قيدت أفكارٍ أيم تقييد ..فقد قال الفلاسفة الغربيون بلا تمعنٍ و لا رويّة ، كلامًا كثيرًا عن الهوية : " إنها ما يبقى في الروح عندما يُنسى كل شيء" أي ، و لتبسيط المفهوم ، و الانتقال من المجهول إلى المعلوم . فهي : حصيلة تراكم تاريخي يرتبط بثقافة المجتمع حتى يسلكه ، و روابط التي تجمع مكونات هذا المجتمع لتحركه ، و هي أفكار اشتملت على معان شتى الصور ،وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر.. أنها " المحرك الذي لا يتحرك" ـ كما قال أرسطو ـ ليوجهنا نحو المستقبل المدرك ..
ونحن العرب كأمة عريقة ، و في أغوار التاريخ عميقة .. لم يكن أبدًا مشروع الهويّة عندنا بإشكال ،و بالنسبة للأقليات التي تعيش في وسطنا العربي لم تكن الهوية ذات بال .لأن المقوّمات التي تجمع هاته الشعوب للقربان أكثر مما ينفّرها للبعد و الفرقان ، فلا هي بمشروع راهن ، أو مستقبلي جليٍّ بائن ، لأنها موجودة من زمان ، ولا تحتاج لسؤال أو تعديل مكان .
لكنها ككل الأمور ظلت شيئا مؤجلا على مرور الأيام ، فصلناه عن الحياة وعن التاريخ و أحوال الأنام ..رغم محاولات النهضوية لبعض المثقفين ، إبّان القرنين الماضيين .فمن الحكم العثماني إلى الاستعمار، الذي حاول طمس هذه الهوية بكل الوسائل و إلحاق أضرار ، إلى حكم الأنظمة المستبدة ، والتي هي لنعمة الله جاحدة ، و تُدار من طرف الملا حدة .. من كسر هاته الطابوهات التي ظلت تحكم الهوية وتقيدها ، إلى درجة صارت عبئا على الشعوب لتستعبدها .
نعم لقد مرت هويتنا العربية بهزات عنيفة لنكسها ، و محاولات من المستعمر لطمسها ، إلى الأنظمة الأحادية التي فرضت دمجًا قسريًّا ، و حاربت الثقافة جهريّا ، في كل المجالات وتفكيك مؤسسات المجتمع المدنيّة ، التي هي ثقافة الأساس في صنع الهوية.
وبحجة الخوف من الغرب وعداوته الدائمة ، و "مصلحة " الوطن المقدمة .. كان الشعار اختيار الاستبداد و الطغيان على التهديد الخارجي للبلدان . و تبارى بعض " الفقهاء " ذوي الأيد الطولة ، إلى ترديد مقولة :"سلطان غشوم ، خير من فتنة تدوم". وعن عمدٍ ، أو دون قصدٍ. ناسين أن استبداد السلطان ، هو مدخل للاستعمار و الخذلان .. وما حدث و يحدث بالعراق ، لدليل على ذلك الشقاق.
فلم تعد أية دولة عربية اليوم ، بقادرة على الاحتجاج أو حتى اللوم ، على جريمة ارتكبت بحقها حتمًا ،أو حق إخوانها ظلمًا ، لأنها تخاف أن تثير غضب الأمريكان ، فيعزلون النظام العميل المهان ، و ينصّبون نظاما عميلا جاهزا ، و بِرضا أمريكا فائزًا و حائزًا .
لقد أجّلنا مفهوم العدالة والمواطنة و القانون ، عندما ساسنا أصحاب أهواء و جنون . إلى درجة صرنا نُصنَّف فيها بأعداء الحداثة و التطور ، و نُوصف بالجهل و التهور . عندما فتحنا الباب للتدخل الأجنبي من جديد، و بقينا ندور ونعيش مستهلكين لتراثنا الثقافي التليد . في حين ٍ أن دولاً قد سبقتنا و أممًا ، كنا نضحك عليها يومًا .متناسين أن ضرورة الحياة و الاطلاع ، تدفع دائما إلى الثقافة و الإبداع. هي في نمو دائم ، وتقدم مزدهر و غانم . لكي تكون حية تتماشى مع الحياة و العيش السليم بدل من اجترار ماضٍ أليم .
لنتأمل هذا الكلام ، لمثقف عربي همام ، حيث يقول :" إن المشهد الثقافي العربي مخلوق بثقافة الجاهز والسائد ومحاصر بتفاهات الإداري والمالي .يكفي أن ننظر إلى جيوش الطلبة و الأساتذة في الجامعات أولئك البعيدين عن رهانات الوطن والمنغلقين بين جدران الجامعة.....يجب ان نقرأ ذاكرتنا الثقافية عربيًا من غير أحادية أو خلفية إيديولوجية منغلقة لندرك أن العهد العباسي كان أكثر انفتاحًا من هذا العهد".
كيف يمكن في ظل كهذه الظروف ،أن نتحدث عن مستقبل خال من الخوف .. ولننظر إلى حال دولنا ، فيبكى الضعيف لحالنا ..الكل نحو الغرب يهرول ، و على أمريكا يتوكل .فالجامعة العربية فشلت من طرف العرب ، و هذا سعيا لإرضاء الغرب ..و من المؤسف حقًّا أن منطق السيادة ، للزعامة و الريادة . ينطبق في معايير الخلافات العربية العربية ، أكثر منه في الخلافات العربية الأجنبية .. والأمثلة عن ذلك كثيرة ، و إذا سُردتْ فنـُصابُ بحيرة
يقول الفيلسوف (هيغل): " كل ما هو واقعي عقلاني وكل ما هو عقلاني واقعي". فأين العقلانية؟ كيف يكذب الآخرون في حق ليس لهم ، ويصدّقون أنفسهم ، ويسعون إلى إقرار كذبهم بكل الوسائل و بلا دليل ، ونشكك نحن العرب في حق لنا حتى التغفيل ..؟؟
آهٍ ! قد أصبحنا في عصر صار فيه التفريط والاستكانة ، في الحقوق اعتدالاً لا خيانة ، و العزة والرفض تطرفـًا لا فضيلة ..وكأنه لا مفر لنا سوى الاستسلام لهذا الواقع المخزي .فهل انطفأت جذوة الاحتجاج في هاته الأمة ، و صارت الشريعة تقتلع من الوجدان ، و الهوية في سوق بلا مزاد ؟.
آهٍ ! كم استعذبنا المسكنة ، ولم تعد هناك ذرة من خجل تستر عوراتنا، وصرنا نعهر أسمى التضحيات .

المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس