|
|
||||||||||
الملتقى العام لكل القضايا المتفرقة وسائر الموضوعات التي لا تندرج تحت أي من التصنيفات الموجودة |
|
أدوات الموضوع |
30-09-2002, 01:36 PM | #1 | |||
عـضو دائم ( لديه حصانه )
|
أنـــا
. . .
أنا من الخارج لي حدود لي سقف ينتهي عنده جسدي .. و لكنني من الداخل بلا سقف .. و لا قاع .. . . . أنا .. كلمة ظريفة .. لا يوجد أظرف منها في الدنيا .. إنها أغنية .. إنها تدخل في أي جملة فتجعلها جملة مفيدة مهمة .. و تدخل في أي موضوع فتجعله موضوع الساعة .. لأنه يصبح موضوعي أنا .. و فلوسي أنا .. و حبيبي أنا .. و روحي أنا .. و قلبي أنا ؟ و لكن أنا .. ؟ من أنا ؟ هل حاول أحدكم أن يسأل نفسه هذا السؤال .. من أنا ؟ .. أنا فلان .. فلان إيه .. فلان ابن فلان .. يعني إيه .. مجرد ألفاظ . مجرد رموز أو إشارات تدل على حقيقتي .. طيب و إيه هي حقيقتي ؟ .. و هنا يبدأ اللغز . ما هي حقيقتي ؟ .. إني أحاول أن أمسك بوجودي و أكتشفه و أفحصه كما أفحص هذه المحبرة فأجد أنه وجود بلا قاع .. وجود مفتوح من الداخل على إمكانيات لا نهاية لها .. و ألقي بحصاة في هذه البئر الداخلية فلا أسمع لها صوتا .. لأنها تهوي و تهوي إلى أعماق بلا آخر .. أنا من الخارج لي حدود .. ينتهي طولي عند 170 سنتيمتر .. لي سقف ينتهي جسدي عنده .. و لكني من الداخل بلا سقف و بلا قعر .. و إنما أعماق تؤدي الى أعماق .. و أفكار و صور و أحاسيس و رغبات لا تنتهي الا لتبدأ من جديد كأنها متصلة بينبوع لا نهائي .. و هي أعماق في تغير دائم و تبدل دائم .. بعضها يطفو على السطح فيكون شخصيتي و بعضها ينتظر دوره في الظلام .. و أنا في الخارج أتبدل أيضا .. الواقع يكشط هذه القشرة التي تطفو خارجي فتطفو قشرة أخرى من عقلي الباطن محلها .. و كلما أمسكت بحالة من حالاتي و قلت هذا هو أنا .. ما تلبث هذه الحالة أن تفلت من أصابعي و تحل محلها حالة أخرى .. هي أنــــا .. أيضــا .. شيء محير !! .. و أنظر حولي في العالم .. فأجد أني أعوم في هذا العالم كما تعوم البطة في الماء .. تجدف فيه بريشها و لا تبتل و إنما ينزلق من عليها الماء كأنه من عنصر آخر غريب عنها .. أنا متصل بالعالم منفصل عنه في نفس الوقت .. إنه يدخل في تكويني بحكم المسكن و المأكل و المشرب و الاتصال بالآخرين .. و لكنه غير ملتصق بي .. إنه يذكي شعوري و يثير اهتمامي فقط .. و بمقدار اهتمامي أظل على علاقة به فإذا انتهى اهتمامي نفضته تماما كما تنفض البطة الماء من ريشها حينما تصل إلى الشاطىء .. إني أحتضن العالم باختياري و أخلع عليه اهتمامي و شخصيتي و أتبناه و أظل مصاحبا له طالما هو .. أنا .. فإذا انتهت هذه العلاقة الأنانية .. عدت إلى نفسي .. و لكنني لا أنجو مع هذا من الابتذال .. و التردي في هوة اليأس .. العالم يبتذلني أحيانا فأذوب فيه بعض الوقت .. أفعل ما يطلبه مني رئيس تحرير المجلة التي أعمل بها و أؤدي ما يطلبه مني مدير المستشفى الذي أشتغل فيه طبيبا .. و أخضع لروتين العادة و العرف و المجاملات و أضيع نفسي في الثرثرة و أختبىء وراء المشاكل اليومية .. و أتستر خلف الناس .. و أقول و أنا مالي .. هم عاوزين مني كده .. الدنيا كلها بتعمل كده .. و في هذه الحالات تضيع مني نفسي .. تضيع مني .. أنا .. و أصبح موضوعا من الموضوعات مثل الكرسي و الشجرة و الكتاب .. و أفقد الشيء البكر الذي يميزني عن كل شيء .. و يجعل مني نسيج وحده .. يجعل مني .. أنا .. فلان الفلاني .. هذه أوقات لا أحس بها .. و إنما تبدو ممسوحة و مشطوبة من حياتي .. تبدو فترات موت .. حريتي تعذبني .. لأني حينما أختار .. أتقيد باختياري .. و تتحول حريتي إلى عبودية و مسؤلية .. و هي مسؤلية لا ينفع فيها إعفاء لأنها مسؤلية أمام نفسي .. أمام الاختيار الذي اخترته أنا .. و ليس أمامي سبيل غير أن أختار .. لابد أن أختار كل لحظة .. فإذا أضربت عن الاختيار .. كان إضرابي نوعا من الاختيار .. علي أن أدفع ثمنه فورا .. و حبي يعذبني لأني أريد أن أمتلك محبوبتي و أذيبها في داخلي و أشرب شخصيتها و روحها و جسدها .. أريد أن أحولها إلى .. أنـا .. و هذا مستحيل لأنها هي الأخرى لها .. أنا .. و ذات حرة مثلي .. إن كل ما نستطيعه هو أن نتعانق و تتلامس شفاهنا .. و تتلامس حقائقنا و أسرارنا في لحظات مضيئة .. ثم نمضي إلى حالنا .. كل واحد مغلق على سره . إن كل ما نملكه هو أن نفتح نوافذنا على الخارج ، و لكننا لا نستطيع أن ننقل عفشنا .. و نسكن بيتا جديدا . إن روحنا سر .. و ذواتنا قدس الأقداس .. إن الله يضع كل جنده على باب ذاتنا كما يقول طاغور .. و لا يسمح لأحد منه بالدخول فيها .. لأنها حرم .. حرمها على الكل .. و خلقها حرة كالطائر الغرد .. . . . ماذا هناك .. ماذا وراء الباب .. ماذا بداخلي .. إرادة . إرادة لا نهائية لا حد لها إلا نفسها .. إرادة حرة خالقة مبدعة .. تنبثق انبثاقا في بداءة و فطرة .. أحسها و لا أعرفها أكابدها و لا أفهمها .. لأنها تفر مني كلما حاولت فهمها كما يفر النوم من عيني كلما حاولت أن أتعمقه و أحلله .. و ربما كان السبب أنها أصيلة .. أكثر أصالة من العقل و التفكير و لا يمكن أن تكون موضوعا للعقل و التفكير .. بل العكس هو المقبول .. أن يكون العقل موضوعها و خادمها .. و سبيلها إلى بلوغ أهدافها .. أنا أريد .. و العقل يبرر لي ما أريد .. و ليس العكس أبدا .. إن كل شيء خاضع للإرادة .. ثانوي بالنسبة لها .. في لحظات إبداعي و خلقي .. في اللحظات التي أحس فيها أني أخلق نفسي و أخلق الأفكار و القيم و أكتشف العالم و أصنع المعقولات أحس أني أدفع العالم كله أمامي .. أدفعه كالعربة .. و في اللحظات التي أموت فيها و أسقط في هوة العادة و التكرار و التقليد و المجاملات و الروتين .. و تضيع إرادتي من يدي .. أحس بأن العالم كله يدفعني أمامه كالعربة .. أحس أن إرادة الحصان في الطريق يمكنها أن تعدل طريقي و تغير سِكّتي .. أحس بأن عين جاري تجعلني أنكمش في ثيابي * * * * * * * * * * * * .. لا شيء في الدنيا أكبر من الإرادة .. الظروف المالية .. و البيئة و الوراثة .. لا تلغي الإرادة و لا تمحو الحرية أبدا .. و لكنها تؤثر فيها .. تؤثر في الكيفية التي تعلن بها عن نفسها .. أنا و الظروف نتصارع في لحظة الفعل فقط .. و لكن كلا منا له وجوده البكر . أنا حر و إرادتي حقيقية .. تماما كما أن الظروف موجودة و حقيقية . و لكن ماهي الإرادة ؟ .. لا توجد كلمة تصفها أو تشرحها .. لأنها أكبر من كل الكلمات و لأنها تحتوي على كل الكلمات و تتجاوزها .. فكل وصف يبدو حيالها ناقصا .. إنها كالشوق لا يوصَف و إنما يُكابَد .. إنها تنطبق عليها كلمة المتصوف الصالح أبو البركات البغدادي : أظهر من كل ظاهر و أخفى من كل خفي .. إن أحسن طريق لمعرفتها هي أن تباشرها .. فهي المفتاح السحري الذي تفتح به الكون كله .. و لكن هناك أسئلة تتوارد على خاطرنا .. هل الإرادة موجودة في الزمان .. هل هي تنبض مثل القلب .. هل تنمو مثل الجسد .. هل تتعاقب مثل اللحظات .. و تنقضي مثل الحالات النفسية . هل تسري مثل الضوء و الكهرباء و تنتقل كما تنتقل الحرارة .. و هي أسئلة تفتح علينا الباب على مشكلة أخرى هي .. الزمان .. ما هو الزمان ؟ .. هل هو حركة عقرب الثواني و الدقائق و الساعات ؟ .. هل هو دقات ساعة الجامعة ؟ هل هو الأرقام العامة التي تنشرها مصلحة الأرصاد عن توقيت الأيام و الليالي و ساعات الظهر و المغرب و العشاء .. أم هو زمن آخر خاص يعيشه كل واحد منا في نفسه و يضبط عليه وجوده .. إننا بهذه الأسئلة نبلغ المنطقة التي يكثر فيها الضباب و تصعب الرؤية .. إنها تحملنا إلى تحت .. إنها تنزل بنا من الأوراق إلى الساق إلى الجذر .. إلى ما تحت الخشب و اللحاء .. إلى العصارة التي تصعد في نباتنا فتبعث فيه الحياة .. إننا ننفض يدنا من تشريح الأيدي و الأرجل و نبدأ في بحث الحركة نفسها . و نكف عن قياس قوة العضلات لنبحث في الإرادة ذاتها .. لأننا في غرفة الموتور حيث أنبوبة الاحتراق التي تبعث كل الطاقة .. و هنا تتصادم الأفكار و النظريات و المذاهب في الظلام .. - - - من كتاب : لغز الموت . لمؤلفه : د . مصطفى محمود . المصدر: نفساني
|
|||
|
30-09-2002, 01:43 PM | #2 |
شيخ نفساني
|
حياك الله اختي/ ميرر
والله لقد فرحت عندما رأيت لك موضوعا مكتوبا شرح الله صدرك كما شرحتي صدري بوجودك وانتظري تعليقي على موضوعك قريبا البتار |
|
02-10-2002, 05:06 PM | #3 |
عـضو دائم ( لديه حصانه )
|
حياك الله يا أخي الكريم البتار
نوّرت الصفحة بوجودك .. شكرا جزيلا لتشجيعك و اشادتك أثق بآرائك و تعليقاتك القيمة .. و أنا في انتظارها .. بارك الله فيك و في قلمك المعطاء و في جهودك المضيئة جعلها الله في ميزان حسناتك دمت سالما متميزا للمنتدى دوما بإذن الـلــــه . |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
|
|