النص الشعري والاشاره اللغويه
شاع كثيراً في الأدبيات المعاصرة ما ذهب إليه سوسير من أن اللغة ما هي إلا نظام من الإشارات التي ينبغي أن تدرس تزامنياً لا تاريخياً، أي إنها نظام متكامل في نقطة زمنية محددة. الدال، رمز، صورة صوتية أو التخطيط الذي يساويها. ومدلول، أي المعني والمفهوم، لذلك الدال. إن حروف أية كلمة لا تعني سوى علامات،
أو دوال لكنها باتفاق اعتباطي مع الناطقين بها، تستحضر مدلولاً محدداً في عقل الشخص الذي يستخدمها: مثل كلمة "حـ ر يـ ة" فكل حرف على حدة لا يعني شيئاً، ولكن باجتماع الحروف هذه باللغة العربية، فإنه يعني كلمة "حرية" بتداعياتها الإنسانية والثقافية المكثفة. إن لهذه الإشارات اللغوية معاني خاصة في نظام اللغة بسبب اختلافها عن الإشارات الأخرى. لم يجد سوسير "المعنى" كامناً في الإشارة اللغوية نفسها ولكنه وظيفي تنتجه الإشارات باختلافها عن سواها. هذا الاهتمام بالتركيب الموضوعي للإشارات، أي بما نسميه باللغة بمفهومها العام، وبممكناتها، المتفرقة على الكلام الفعلي لكل واحد من الناطقين بها، ميز البنيوية على سواها أي وفق هذه النظرة تم الابتعاد عن الأشياء الحقيقية وبذلك حاولت (البنيوية) توسيع هذه النظرية اللغوية والخروج بها إلى مديات أخرى خارج اللغة المنطوقة والمكتوبة هذه، مثل قائمة الطعام، والأسطورة، ومباريات رياضية، ونظام قرابة بدائي، أو نتاجات فنية تشكيلية وسينمائية ومسرحية وموسيقية.. وكذلك أنظمة حكم.. ألخ. الناقد البنيوي يحلل هذه القوانين، ويعزلها عن بعضها، فهي بارتباطها تجعل من العلامات (الإشارات) مكونة للمعاني، أي يتم تجاهل ما تقوله هذه العلامات فعلاً، والتركيز على العلاقات الداخلية التي تربطها ببعضها البعض. وكما يحدد (مزدريك جيمسون) فالبنيوية (محاولة تعيد التفكير في كل شيء مرة أخرى بوساطة علم اللغة) إن اهتمام البنيوية الأساس ينصب على الناحية التركيبية للأدب وتدرس الإشارات نفسها، قبل اهتمامها بالمعاني. حاول رومان ياكوبسون إيجاد صلة ما بين البنيوية والشكلانية التي ساهم في تأسيسها، معتبراً - على سبيل المثال - إن الشعر يتأتى قبل كل شيء من وضع اللغة في نوع معين من العلاقات الواعية ذاتياً مع نفسها. أي إن الوظيفة الشعرية تجلب الانتباه إلى صفات اللغة المادية، وليس بوصفها أداة لتبادل المعلومات، ففي الشعر (تفصل الإشارة عن الشيء الذي تشير إليه) وبذلك تختل العلاقات الاعتيادية، وتضطرب ما بين الإشارة والشيء الذي تدل عليه الإشارة أي يترك للإشارة استقلالاً لا يمتلك قيمة ذاتية. وتم ربط الكلمات من خلال الدلالة والوزن والصوت بتعادل أو تكافؤ، فتنقل الوظيفة الشعرية من محور الاختيار إلى محور الربط فينصب الاهتمام بالتشابه والتضاد والتوازي، التي تخلقها أصواتها ومعانيها وإيقاعاتها وإيحاءاتها، وليس عكسها لحقيقة خارجية يوري لوتمان ينظر للنص الشعري بوصفه نظاماً يتكون من طبقات تتوقف معانيه على القرينة وعلى المرادفات والمضادات وبحسب نظريات تبادل المعلومات الحديثة فالزيادة في المعلومات تسبب نقصاً في التواصل! (لأنني استطيع استيعاب كل ما تقوله لي بهذه الكثافة) لذلك يصفى الشعر من حشو اللغة، وحتى حين ينقل معلومة ما، فإنها تكون أغنى، بالشعر، من غيرها من أشكال اللغة. لذلك يصح قول لوتمان: "المعلومات جمال" نتحطم وتنزاح الأنظمة المعجمية والكتابية والعروضية والصوتية.. الخ في النص الأدبي، ومن خلال عملية التصادم والشر فما بينها يتحقق وقعها وتاثيرها على المتلقي، لأنها حطمت ذلك الانسجام المعهود في تلك الأنظمة خارج تجربة النص الأدبي أو القصيدة. وأعطت للتجربة الفنية صورة أخرى. فالنص الشعري - يقول لوتمان - (عبارة عن توليد وإجهاض مستمر للتوقعات، وتفاعل معقد بين المنظم والاعتباطي بين المعيار والانحراف عنه، بين النماذج الوتيرية واللامألوف بشكل درامي. إن اختلاف المتلقين له دلالته - أيضا - في تلقي التجربة الأدبية للنص، فقد تكون الوسيلة الشعرية نفسها عند شخص ما "كلاماً اعتيادياً لشخص آخر لقد حاولت البنيوية الرد على المفهوم البرجوازي القائل بأن المعنى أما أن يكون حصيلة تجربة خاصة أو أنه نتيجة الهام سماوي، بل وجدته نتاجاً لأنظمة تعبير مشتركة، وبذلك وجهت لطمة قوية للاعتقاد البرجوازي القائل بأن الفرد المنعزل هو الينبوع والأصل لكل.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
|