المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > الملتقيات العامة > ملتقى الأدب
 

ملتقى الأدب للقصة القصيرة والقصيدة باللغتين الفصحى والنبطي .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 16-05-2009, 12:58 PM   #211
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثمانين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الذئب قال للثعلب :
لا تتكلم فيما لا يعنيك حتى لا تسمع ما لا يرضيك .
فقال له الثعلب :
سمعاً وطاعة فأنا بمعزل عما يحدث فقد قال الحكيم :
لا تخبر عما لا تسأل عنه أو لا تجب إلى ما لا تدعى إليه وذر الذي لا يعنيك إلى ما لا يعنيك ولا تبذل النصيحة للأشرار فإنهم يجزونك عليها شراً .
فلما سمع الذئب كلام الثعلب تبسم في وجهه ولكنه أضمر له مكراً وقال :
لا بد أن أسعى في هلاك هذا الثعلب .
وأما الثعلب فإنه صبر على أذى الذئب وقال في نفسه :
إن البطر والافتراء يجلبان الهلاك ويوقعان في الارتباك ، فقد قيل :
من بطر خسر ، ومن جهل ندم ، ومن خاف سلم ، والإنصاف من شيم الأشراف والآداب أشرف الاكتساب ومن الرأي مداراة هذا الباغي ولابد له من مصرع .
ثم أن الثعلب قال للذئب :
إن الرب يعفو ويتوب على عبده إن اقترف الذنوب وأنا عبد ضعيف وقد ارتكبت في نصحك التعسيف ولو علمت بما حصل لي من لطمتك لعلمت أن الفيل لا يقوم به ولا يقدر عليه ولكني لا أشتكي من ألم هذه اللطمة بسبب ما حصل لي بها من السرور ، وقد قال الحكيم :
ضرب المؤدب أوله صعب شديد وآخره أحلى من العسل المصفى .
فقال الذئب :
غفرت ذنبك وأقلت عثرتك فكن من قوتي على حذر واعترف لي بالعبودية فقد علمت قهري لمن عاداني .
فسجد له الثعلب وقال له :
أطال الله عمرك ولا زلت قاهراً لمن عاداك .
ولم يزل الثعلب خائفاً من الذئب مصانعاً له ، ثم إن الثعلب ذهب إلى كرم يوماً فرأى في حائطه ثلمة فأنكرها وقال في نفسه :
إن هذه الثلمة لابد لها من سبب ، وقد قيل :
من رأى خرقاً في الأرض فلم يجتنبه ويتوق عن الإقدام عليه كان بنفسه مغروراً وللهلاك متعرضاً .
وقد اشتهر أن بعض الناس يعمل صورة الثعلب في الكرم ويقدم إليه العنب في الأطباق لأجل أن يرى ثعلباً آخر فيقدم إليه فيقع في الهلاك ، وإني أرى هذه الثلمة مكيدة ، وقد قيل :
إن الحذر نصف الشطارة ومن الحذر أن أبحث على هذه الثلمة وانظر لعلي أجد عندها أمر يؤدي إلى التلف ولا يحملني الطمع على أن ألقي نفسي في التهلكة .
ثم دنا منها وطاف بها وهو محاذر فرآها فإذا هي حفرة عظيمة قد حفرها صاحب الكرم ليصيد فيها الوحش الذي يفسد الكرم ورأى عليها غطاء رقيقاً فتأخر عنها وقال :
الحمد لله حيث حذرتها وأرجو أن يقع فيها عدوي الذئب الذي نغص عيشي ، فأستقل بالكرم وحدي وأعيش فيه آمناً .
ثم هز رأسه وضحك ضحكاً عالياً واطرب بالنغمات وأنشد هذه الأبيات :
ليتني أبصرت هـذا الوقت ........ في ذي الـبـئر ذئبـا
وسقاني المر غصباً ليتني ........ من بـعـد ذا أبـقـى
طالما قـد ساء قـلـبـي ........ ويقضي الذئب نحـبـا
ثـم يخـلو الكـرم منـه ........ وأرى لـي فيـه نهـبا
فلما فرغ من شعره انطلق مسرعاً حتى وصل إلى الذئب وقال :
إن الله سهل لك الأمور إلى الكرم بلا تعب وهذا من سعادتك فهنيئاً لك بما فتح الله عليك وسهل لك من تلك الغنيمة والرزق الواسع بلا مشقة .
فقال الذئب للثعلب :
وما الدليل على ما وصفت ?
قال الثعلب :
إني انتهيت إلى الكرم فوجدت صاحبه قد مات ودخلت البستان فرأيت الأثمار زاهية على الأشجار .
فلم يشك الذئب في قول الثعلب وأدركه الشر فقام حتى انتهى إلى الندامة وقد غره الطمع ووقف الثعلب متهافتاً كالميت وتمثل بهذا البيت :
أتطمع من ليلى بوصلي وإنما ........ تضر بأعناق الرجال المطامع
فلما انتهى الذئب إلى الثلمة قال له الثعلب :
ادخل إلى الكرم فقد كفيت مؤونة هدم حائط البستان وعلى الله تمام الإحسان .
فأقبل الذئب ماشياً يريد الدخول إلى الكرم فلما توسط غطاء الثلمة وقع فيها فاضطرب الثعلب اضطراباً شديداً من السرور والفرح وزوال الهم والترح ، ثم إنه تطلع في الحفرة فرأى الذئب يبكي ندماً وحزناً على نفسه فبكى الثعلب معه فرفع الذئب رأسه إلى الثعلب وقال له :
أمن رحمتك لي بكيت يا أبا الحصين ?
قال الثعلب :
لا والذي قذفك في هذه الحفرة إنما بكيت لطول عمرك الماضي وأسفاً على كونك لم تقع في هذه الثلمة قبل اليوم ولو وقعت قبل اجتماعي بك لكنت أرحت واسترحت ، ولكن أبقيت إلى أجلك المحتوم ووقتك المعلوم .
فقال له الذئب :
أيها الثعلب رح أيها المسيء في فعله لوالدتي وأخبرها بما حصل لي لعلها تحتال على خلاصي .
فقال له الثعلب :
لقد أوقعك في الهلاك شدة طمعك وكثرة حرصك حيث سقطت في حفرة لست منها بسالم ألم تعلم أيها الذئب الجاهل أن صاحب المثل يقول :
من لم يفكر في العواقب لم يأمن المعاطب ?
فقال الذئب للثعلب :
يا أبن الحصين إنما كنت تظهر محبتي وترغب في مودتي وتخاف من شدة قوتي فلا تحقد علي بما فعلته معك فمن قدر وعفا كان أجره على الله وقد قال الشاعر :
ازرع جميلاً ولو في غير موضعه ........ ما خاب قط جميل أينـمـا زرع
إن الجميل وإن طـال الزمـان به ........ فليس يحـصـده إلا الـذي زرع
فقال له الثعلب :
يا أجهل السباع وأحمق الوحوش في البقاع هل نسيت تجبرك وعتوك وتكبرك وأنت لم ترع حق المعاشرة ولم تنتصح بقول الشاعر :
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً ........ إن الظلوم على حد من النقم
تنام عيناك والمظلوم منتبـه ........ يدعو عليك وعين الله لم تنم
فقال الذئب :
يا أبا الحصين لا تؤاخذني بسابق الذنوب فالعفو من الكرام مطلوب وصنع المعروف من حسن الذخائر وما أحسن قول الشاعر :
بادر بالخير إذا كنت مقتـدراً ........ فليس في كل حين أنت مقتدر
وما زال الذئب يتذلل للثعلب ويقول له :
لعلك تقدر على شيء تخلصني به من الهلاك .
فقال له الثعلب :
أيها الفظ الغليظ إني أشبهك في حسن علانيتك وقبح نيتك بالباز مع الحجل .
قال الذئب :
وما حديث الباز والحجل ?
قال الثعلب :
دخلت يوماً كرماً لآكل عنبه فبينما أنا فيه إذ رأيت بازاً انقض على حجل فلما اقتنصه انفلت منه الحجل ودخل وكره واختفى فيه فتبعه الباز وناداه :
أيها الجاهل إني رأيتك في البرية جائعاً فرحمتك ، والتقطت لك حباً وأمسكتك لتأكل فهربت مني ولم أعرف لهروبك وجهاً إلا الحرمان ، فاظهر وخذ ما أتيتك من الحب فكله هنيئاً مريئاً .
فلما سمع الحجل قول الباز صدقه وخرج إليه فانشب مخالبه فيه ومكنها منه فقال له الحجل :
أهذا الذي ذكرت انك أتيتني به من البرية وقلت لي هنيئاً مريئاً فكذبت علي جعل الله ما تأكله من لحمي في جوفك سماً قاتلاً .
فلما أكله وقع ريشه وسقطت قوته ومات لوقته ثم قال له الثعلب :
اعلم أيها الذئب أن من حفر حفرة لأخيه قليباً وقع فيها قريباً وأنت غدرت بي أولاً .
فقال الذئب للثعلب :
دعني من هذا المقال وضرب الأمثال ولا تذكر لي ما سلف مني من قبيح الفعال يكفيني ما أنا فيه من سوء الحال حيث وقعت في ورطة يرثي لي منها العدو فضلاً عن الصديق وانظر لي حيلة أتخلص بها وكن فيها غياثي وإن كان عليك ذلك مشقة فقد يتحمل الصديق لصديقه أشد النصب ويقاسي فيما فيه نجاته العطب وقد قيل :
إن الصديق الشفيق خير من الأخ الشقيق وإن تسببت في نجاتي لأجمعن لك من الآلة ما يكون لك عدة ، ثم لأعلمنك من الحيل الغريبة ما تفتح به الكروم الخصيبة وتجني الأشجار المثمرة فطب نفساً وقر عيناً .
فقال له الثعلب وهو يضحك :
ما أحسن ما قالته العلماء في كثير من الجهل مثلك .
قال الذئب :
وما قالت العلماء ?
قال الثعلب :
ذكر العلماء أن غليظ الجثة غليظ الطبع يكون بعيداً من العقل قريباً من الجهل لأن قولك أيها الماكر الأحمق قد يحتمل الصديق المشقة في تخليص صديقه صحيح كما ذكرت ولكن عرفتني بجهلك وقلة عقلك كيف أصادقك مع خيانتك أتحسبني لك صديقاً وأنا لك عدو شامت وهذا الكلام أشد من رشق السهام إن كنت تعقل وأما قولك أنك تعطيني من الآلات ما يكون عدة لي وتعلمني من الحيل وما أصل به إلى الكروم المخصبة وأجتني به الأشجار المثمرة فمالك أيها المخادع الغادر لا تعرف لك حيلة تتخلص بها من الهلاك فما أبعدك من المنفعة لنفسك وما أبعدني من القبول لنصيحتك فإن كان عندك حيل فتحيل لنفسك في الخلاص من هذا الأمر الذي أسأل الله أن يبعد خلاصك منه فانظر أيها الجاهل إن كان عندك حيلة فخلص نفسك بها من القتل قبل أن تبذل التعليم لغيرك ولكنك مثل إنسان حصل له مرض فاتاه رجل


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 12:59 PM   #212
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


مريض بمثل مرضه ليداويه فقال له :
هل لك أن أداويك من مرضك ?
فقال له الرجل :
هلا بدأت بنفسك في المداواة .
فتركه وانصرف .
وأنت أيها الذئب كذلك فألزم مكانك واصبر على ما أصابك .
فلما سمع الذئب كلام الثعلب علم أن لا خير له عنده فبكى على نفسه وقال :
كنت في غفلة من أمري فإن خلصني الله من هذا الكرب لأتوبن عن تجبري على من هو أضعف مني ولألبس الصوف ولأصعدن الجبل ذاكراً الله تعالى خائفاً من عقابه واعتزل سائر الوحوش ولأطعمن المجاهدين والفقراء .
ثم بكى وانتحب فرق له قلب الثعلب وكان لما سمع تضرعه والكلام الذي يدل على توبته من العتو والتكبر أخذته الشفقة عليه فوثب من فرحته ، ووقف على شفير الحفرة ثم جلس على رجليه وأدلى ذنبه في الحفرة فعند ذلك قام الذئب ومد يده إلى ذنب الثعلب وجذبه إليه فصار في الحفرة معه ، ثم قال له الذئب :
أيها الثعلب القليل الرحمة كيف تشمت بي وقد كنت صاحبي وتحت قهري ووقعت معي في الحفرة وتعجلت لك العقوبة ، وقد قال الشاعر :
إذا ما الدهر جار على الناس ........ كلاكله أنـاخ بـآخـرينـا
فقل للشامتين بنـا أفـيقـوا ........ سيلقى الشامتون كما لقينـا
ثم قال الذئب للثعلب :
فلابد أن أعجل قتلك فبل أن ترى قتلي .
فقال الثعلب في نفسه :
إني وقعت مع هذا الجبار وهذا الحال يحتاج إلى المكر والخداع ، وقد قيل :
إن المرأة تصوغ حليها ليوم الزينة وفي المثل ما ادخرتك يا دمعتي إلا لشدتي وإن لم أتحيل في أمر هذا الوحش الظالم هلكت لا محالة ، وما أحسن قول الشاعر :
عش بالخداع فأنت في ........ زمن بنوه كأسد بـيشة
وأدر قناة المكر حتـى ........ تستدير رحى المعيشة
واجن الثمار فإن تفتك ........ فرض نفسك بالحشيشة
ثم إن الثعلب قال للذئب :
لا تعجل علي بالقتل فتندم أيها الوحش الصنديد صاحب القوة والبأس الشديد وإن تمهلت وأمعنت النظر فيما أحكيه لك ، عرفت قصدي الذي قصدته وإن عجلت بقتلي فلا فائدة لك فيه ، ونموت جميعنا هاهنا .
فقال له الذئب :
أيها المخادع الماكر وما الذي ترجوه من سلامتي وسلامتك حتى تسألني التمهل عليك فاخبرني بقصدك الذي قصدته ?
فقال له الثعلب :
أما قصدي الذي قصدته فما ينبغي أن تحسن عليه مجازاتي لأني سمعت ما وعدت من نفسك واعترافك بما سلف منك وتلهفك على ما فاتك من التوبة وفعل الخير وسمعت ما نذرته على نفسك من كف الأذى عن الأصحاب وغيرهم وتركك أكل العنب وسائر الفواكه ، ولزمك الخشوع وتقليم أظافرك وتكسير أنيابك وان تلبس الصوف وتقرب القربان لله تعالى إن نجاك مما أنت فيه فأخذتني الشفقة عليك مع إنني كنت على حق هلاكك حرصاً ، فلما سمعت منك توبتك وما نذرت على نفسك إن نجاك الله لزمني خلاصك مما أنت فيه فأدليت إليك ذنبي لكي تتعلق به وتنجو فلم تترك الحالة التي أنت عليها من العنف والشدة ولم تلتمس النجاة والسلامة لنفسك بالرفق بل جذبتني جذبة ظننت منها أن روحي قد خرجت فصرت أنا وأنت في منزلة الهلاك والموت وما ينجيني أنا وأنت إلا شيء إن قبلته مني خلصت أنا وأنت وبعد ذلك يجب عليك أن تفي بما نذرته وأكون رفيقك .
فقال له الذئب :
وما الذي أقبله منك ؟
قال له الثعلب :
تنهض قائماً وأعلو أنا فوق رأسك حتى أكون قريباً من ظاهر الأرض فإني حين أصير فوقها أخرج وآتيك بما تتعلق به وتخلص أنت بعد ذلك .
فقال له الذئب :
لست بقولك واثقاً لأن الحكماء قالوا :
من استعمل الثقة في موضع الحقد كان مخطئاً ، وقيل من وثق بغير ثقة كان مغوراً ، ومن جرب المجرب حلت به الندامة ، ومن لم يفرق بين الحالات فيعطي كل حالة حظها بل حمل الأشياء كلها على حالة واحدة قل حظه وكثرت مصائبه ، وما أحسن قول الشاعر :
لا يكـن ظـنـك لا سـيئاً إن ........ سوء الظن من أقوى الفطـن
ما رمى الإنسان فـي مهلـكة ........ مثل فعل الخير والظن الحسن
فقال الثعلب :
إن سوء الظن ليس محموداً في كل حال وحسن الظن من شيم الكرام وعاقبته النجاة من الأهوال وينبغي لك أيها الذئب أن تتحيل على النجاة مما أنت فيه ونسلم جميعاً خير من موتنا فارجع عن سوء الظن والحقد لأنك إن أحسنت الظن بي لا أخلو من أحد أمرين :
إما أن آتيك بما تتعلق به وتنجو مما أنت فيه ، وإما أن أغدر بك فأخلص وأودعك وهذا مما لا يمكن فإني لا آمن أن أبتلي بشيء مما ابتليت به فيكون ذلك عقوبة الغدر وقد قيل في الأمثال :
الوفاء مليح والغدر قبيح ، فينبغي أن تثق بي فإني لم أكن جاهلاً بحوادث الدهر فلا تؤخر حيلة خلاصنا فالأمر أضيق من أن نطيل فيه الكلام .
فقال الذئب :
إني مع قلة ثقتي بوفائك قد عرفت ما في خاطرك من انك أردت خلاصي لما عرفت توبتي فقلت في نفسي :
إن كان حقاً فيما زعم فإنه يستدرك ما أفسد وإن كان مبطلاً فجزاؤه على ربه ، وهاأنا أقبل منك ما أشرت به علي فإن غدرت بي كان الغدر سبباً لهلاكك .
ثم إن الذئب انتصب واقفاً وأخذ الثعلب على أكتافه حتى ساوى به ظاهر الأرض فوثب الثعلب عن أكتاف الذئب حتى صار على وجه الأرض ووقع مغشياً عليه .
فقال له الذئب :
يا خليلي لا تغفل عن أمري ولا تؤخر خلاصي .
فضحك الثعلب وقهقه وقال للذئب :
أيها المغرور لم يوقعني في يدك إلا المزح معك والسخرية بك وذلك أني لما سمعت توبتك استخفني الفرح فطربت ورقصت فتدلى ذنبي في الحفرة فجذبتني فوقعت عندك ثم أنقذني الله تعالى من يدك فما لي لا أكون عوناً على هلاكك وأنت من حزب الشيطان ، واعلم أنني رأيت البارحة في منامي أني أرقص في عرس فقصصت الرؤيا على معبر ، فقال لي :
إنك تقع في ورطة وتنجو منها فعلمت وقوعي في يدك ونجاتي هو تأويل رؤياي وأنت تعلم أيها المغرور الجاهل أني عدوك فكيف تطمع بقلة عقلك وجهلك في إنقاذي إياك مع ما سمعت من غلظ كلامك ? وكيف أسعى في نجاتك وقد قالت العلماء:
إن في موت الفاجر راحة الناس وتطهير للأرض ولولا مخافة أن أحتمل من الألم في الوفاء لك ما هو أعظم من ألم الغدر لتدبرت في خلاصك .
فلما سمع الذئب كلام الثعلب عض على كتفه ندماً .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 01:00 PM   #213
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الحادية والثمانين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الذئب لما سمع كلام الثعلب عض على كتفه ندماً ثم لين له في الكلام ولم يجد بداً من ذلك وقال له بلسان خافت :
إنكم معشر الثعالب من أحلى القوم لساناً وألطفها مزاحاً وهذا منك مزاح ولكن ما كل وقت يحسن اللعب والمزاح .
فقال الثعلب :
أيها الجاهل إن للمزاح حد لا يجاوزه صاحبه فلا تحسب أن الله يمكنك مني بعد أن أنقذني من يديك .
فقال له الذئب :
إنك لجدير أن ترغب في خلاصي لما بيننا من سابق المؤاخاة والصحبة وإن خلصتني لا بد أن أحسن مكافاتك .
فقال الثعلب :
قد قال الحكماء :
لا تؤاخ الجاهل الفاجر فإنه يشينك ولا يزينك ، ولا تؤاخ الكذاب فإنه إن بدا منك خير خفاه وإن بدا منك شر فشاه .
وقال الحكماء :
لكل شيء حيلة إلا الموت وقد يصلح كل شيء إلا فساد الجوهر وقد يدفع كل شيء إلا القدر وأما من جهة المكافأة التي زعمت أني أستحقها منك فإني أشبهك بالحية الهاربة من الحاوي إذ رآها رجل وهي مرعوبة فقال لها :
ما شأنك أيتها الحية ?
قالت :
هربت من الحاوي فإنه يطلبني فإن نجيتني منه وأخفيتني عندك لأحبسن مكافأتك وأصنع معك كل جميل .
فأخذها اغتناماً للأجر وطمعاً في المكافأة وأدخلها في جيبه فلما فات الحاوي ومضى إلى حال سبيله وزال عنها ما كانت تخافه قال لها الرجل :
أين المكافأة فقد أنقذتك مما تخافين وتحذرين ?
فقالت له الحية :
أخبرني في أي عضو أنهشك ?
وقد علمت أننا لا نتجاوز هذه المكافأة ثم نهشته نهشة مات منها وأنت أيها الأحمق شبهتك بتلك الحية مع ذلك الرجل أما سمعت قول الشاعر :
لا تأمنن فتى أسكنت مهجـتـه ........ غيظاً وتحسب أن الغيظ قد زالا
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها ........ تبدي انعطافاً وتخفي السم قتالا
فقال له الذئب الفصيح صاحب الوجه المليح :
لا تجهل حالي وخوف الناس مني وقد علمت أني أهجم على الحصون وأقلع الكروم فافعل ما أمرتك به وقم بي قيام العبد بسيده .
فقال له الثعلب :
أيها الأحمق الجاهل المحال بالباطل إني تعجبت من حماقتك وصلابة وجهك فيما تأمرني به من خدمتك والقيام بين يديك حتى كأنني عبدك ولكن سوف ترى ما يحل بك من شرخ رأسك بالحجارة وكسر أنيابك بالغدارة .






 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 01:00 PM   #214
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


ثم وقف الثعلب على تل مشرف على الكروم ولم يزل يصيح لأهل الكرم حتى بصروا به وأقبلوا عليه مسرعين فثبت لهم الثعلب حتى قربوا منه ومن الحفرة التي فيها الذئب ثم ولى الثعلب هارباً فنظر أصحاب الكرم في الحفرة فلما رأوا فيها الذئب وقعوا عليه بالحجارة الثقال ولم يزاوا يضربونه بالحجارة والخشب ويطعنونه بأسنة الرماح حتى قتلوه وانصرفوا فرجع الثعلب إلى تلك الحفرة ووقف على مقتل الذئب ، فرآه ميتاً فحرك رأسه من شدة الفرحات وأنشد هذه الأبيات :
أودى الزمان بنفس الذئب فاختطفت ........ بعداً وسحقاً لها من مهجة تلفـت
فكم سعيت أبا سرحان في تلـفـي ........ فاليوم حلت بك الآفات والتهبـت
وقعت في حفرة ما حلـهـا أحـد ........ إلا وفيها رياح الموت قد عصفت
ثم إن الثعلب أقام بالكرم وحده مطمئناً لا يخاف ضرراً وهذا ما كان من حديث الثعلب .
ومما يحكى أن فأرة وبنت عرس كانتا ينزلان منزلاً لبعض الناس وكان ذلك الرجل فقيراً ، وقد مرض بعد أصدقائه فوصف له الطبيب السمسم المقشور ، فأعطاه لزوجته وأمرها بإصلاحه فقشرته تلك المرأة وأصلحته ، فلما عاينت بنت عرس السمسم أتت إليه ولم تزل تنقل من ذلك السمسم إلى حجرها طول يومه حتى نقلت أكثره وجاءت المرأة فرأت نقصان السمسم واضحاً فجلست ترصد من تأتي إليه حتى تعل سبب نقصانه فنزلت بنت عرس لتنقل منها على عادتها فرأت المرأة جالسة فعلمت أنها ترصدها فقالت في نفسها :
إن لهذا الفعل عواقب ذميمة وإني أخشى من تلك المرأة أن تكون لي بالمرصاد ومن لم ينظر في العواقب ما الدهر له بصاحب ، ولابد لي أن أعمل حسناً أظهر به براءتي من جميع ما عملته من القبيح .
فجعلت تنقل من ذلك السمسم الذي في حجرها فرأتها المرأة وهي تفعل ذلك ، فقالت في نفسها :
ما هذا سبب نقصه لأنها تأتي به من حجر الذي اختلسه وتضعه على بعضه وقد أحسنت إلينا في رد السمسم وما جزاء من أحسن إلا أن يحسن إليه وليست هذه آفة في السمسم ولكن لا أزال أرصدها حتى يقع واعلم من هو .
ففهمت بنت عرس ما خطر ببال تلك المرأة فانطلق إلى الفأرة فقالت لها :
يا أختي إنه لا خير فيمن لا يرعى المجاورة ولا يثبت على المودة .
فقالت الفأرة :
نعم يا خليلتي وأنعم بك وبجوارك فما سبب هذا الكلام ?
فقالت بنت عرس :
إن رب البيت أتى بسمسم فأكل منه هو وعياله وشبعوا واستغنوا عنه وتركوه وقد أخذ منه كل ذي روح ، فلو أخذت أنت الأخرى كنت أحق به ممن يأخذ منه .
فأعجب الفأرة ذلك ورقصت ولعبت ذنبها وغرها الطمع في السمسم فقامت من وقتها وخرجت من بيتها فرأت السمسم مقشوراً يلمع من البياض والمرأة جالسة ترصده فلم تفكر الفأرة في عاقبة الأمر وكانت المرأة قد استعدت بهراوة فلم تتمالك الفأرة حتى دخلت في السمسم وعانت فيه وصارت تأكل منه فضربتها المرأة بتلك الهراوة فشجت رأسها وكان الطمع سبب هلاكها وغفلتها عن عواقب الأمور .
فقال الملك شهريار :
يا شهرزاد والله إن هذه حكاية مليحة فهل عندك حديث في حسن الصداقة والمحافظة عليها عند الشدة والتخلص من الهلكة ؟
قالت شهرزاد :
نعم يا ملك الزمان .
بلغني أن غراباً وسنوراً كانا متآخين فبينما هما تحت الشجرة على تلك الحالة إذ رأيا نمراً مقبلاً على تلك الشجرة التي كانا تحتها ولم يعلما به حتى صار قريباً من الشجرة فطار الغراب إلى أعلى الشجرة وبقي السنور متحيراً فقال للغراب :
يا خليلي هل عندك حيلة في خلاصي كما هو الرجاء فيك ?
فقال الغراب :
إنما تلتمس الأخوان عند الحاجة إليهم في الحيلة عند نزول المكروه بهم ، وما أحسن قول الشاعر :
إن صديق الحق من كان معك ........ ومن يضر نفسه لا ينفعـك
ومن إذا ريب الزمان صدعك ........ شتت فيه شمله ليجمـعـك
وكان قريباً من الشجرة رعاة معهم كلاب فذهب الغراب حتى ضرب بجناحه وجه الأرض ونعق وصاح ، ثم تقدم إليهم وضرب بجناحه وجه بعض الكلاب وارتفع قليلاَ فتبعته الكلاب وسارت في أثره ورفع الراعي رأسه فرأى طائراً يطير قريباً من الأرض ويقع فتبعه وصار الغراب لا يطير إلا بقدر التخلص من الكلاب ويطمعها في أن تفترسه ، ثم ارتفع قليلاً وتبعته الكلاب حتى انتهى إلى الشجرة التي تحتها النمر ، فلما رأت الكلاب النمر وثبت عليه فولى هارباً وكان يظن أنه يأكل السنور فنجا منه ذلك السنور بحيلة الغراب صاحبه وقد أخبرتك بهذا أيها الملك لتعلم أن مودة أخوان الصفا تنجي من الهلكات .
وحكي أن ثعلباً سكن في بيت في الجبل وكان كلما ولد ولداً واشتد ولده أكله من الجوع وإن لم يأكل ولده يضربه الجوع ، وكان يأوي إلى ذروة ذلك الجبل غراب فقال الثعلب في نفسه :
أريد أن أعقد بيني وبين هذا الغراب مودة واجعله لي مؤنساً على الوحدة معاوناً على طلب الرزق لأنه يقدر من ذلك على ما لا أقدر عليه .
فدنا الثعلب من الغراب حتى صار قريباً منه بحيث يسمع كلامه فسلم عليه ثم قال له :
يا جاري إن للجار على الجار حقين :
حق الجيرة وحق الدين واعلم بأنك جاري ولك علي حق يجب قضاؤه وخصوصاً مع طول المجاورة ، على أن في صدري وديعة من محبتك دعتني إلى ملاطفتك وبعثتني على التماس أخوتك فما عندك من الجواب ?
فقال الغراب :
اعلم إن خير القول أصدقه وربما تتحدث بلسانك بما ليس في قلبك وأخشى أن تكون أخوتك باللسان ظاهراً وعداوتك في القلب لأنك آكل وأنا مأكول فوجب علينا التباين في المحبة ولا يمكن مواصلتنا ، فما الذي دعاك إلى طلب ما لا تدرك وإرادة ما لا يكون وأنت من جنس الوحوش وأنا من جنس الطيور وهذه الأخوة لا تصح .
فقال له الثعلب :
إن من موضع الإخلاء فأحسن الاختيار فيما يختاره منهم ربما يصل إلى بعض منافع الأخوان وقد اخترت قربك واخترت الأنس بك ليكون بعضنا عوناً لبعض على أغراضنا وتعقب مودتنا ، وعندي حكايات في حسن الصداقة فإن أردت أن أحكيها حكيتها لك .
فقال الغراب :
أذنت لك أن تبثها فحدثني بها حتى أعرف فالمراد منها .
فقال له الثعلب :
اسمع يا خليلي يحكى عن برغوت وفأرة وما يستدل به على ما ذكرته لك .
فقال الغراب :
وكيف كان ذلك ؟
فقال الثعلب :
زعموا أن فارة في بيت رجل من التجار كثير المال فآوى البرغوت ليلة إلى فراش ذلك التاجر فرأى بدناً ناعماً وكان البرغوت عطشاناً فشرب من دمه ، ووجد التاجر من البرغوت ألماً فاستيقظ من النوم واستوى قاعداً ونادى أتباعه فأسرعوا إليه وشمروا عن أيديهم يطوفون على البرغوت ، فلما أحس البرغوت بالطلب ولى هارباً فصادف حجر الفأرة فدخله ، فلما رأته الفأرة قالت له :
ما الذي أدخلك علي ولست من جوهري ولا من جنسي ولست بآمن من الغلظة عليك ولا مضاررتك ؟
فقال لها البرغوت :
إني هربت إلى منزلك وفزت بنفسي من القتل وأتيت مستجيراً بك ولا طمع لي في بيتك ولا يلحقك مني شر يدعوك إلى الخروج من منزلك وإني أرجو أن أكافئك على إحسانك بكل جميل وسوف تحمدين عاقبة ما أقول لك .
فلما سمعت الفأرة كلام البرغوت .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 01:01 PM   #215
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثانية والثمانين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الفأرة لما سمعت كلام البرغوت قالت :
إذا كان الكلام على ما أخبرت فاطمئن هنا وما عليك بأس ولا تجد إلا ما يسرك ولا يصيبك إلا ما يصيبني وقد بذلت لك مودتي ولا تندم على ما فاتك من دم التاجر ولا تأسف على قوتك منه وارض بما تيسر لك من العيش فإن ذلك أسلم لك وقد سمعت أيها البرغوت بعض الوعاظ ينشد هذه الأبيات :
سلكت طريق القناعة والإنفراد ........ قضيت دهري بماذا اتـفـق
بكسرة خبـز وشـربة مـاء ........ وملح جريش وثوب خـلـق
فإن يسر الله لي عـيشـتـي ........ وإلا قنعت بـمـا قـد رزق
فلما سمع البرغوت كلام الفأرة ، قال :
يا أختي قد سمعت وصيتك وانقدت إلى طاعتك ولا قوة لي على مخالفتك إلى أن ينقضي العمر بتلك النية .
فقالت له الفأرة :
كفى بصدق المودة في صلاح النية .
ثم انعقد الود بينهما وكان البرغوت بعد ذلك يأوي إلى فراش التاجر ولا يتحاور بلغته ويأوي بالليل مع الفأرة في مسكنها فاتفق أن التاجر جاء ليلة إلى منزله بدنانير كثيرة فجعل يقلبها ، فلما سمعت الفأرة صوت الدنانير أطلعت رأسها من جحرها وجعلت تنظر إليها حتى وضعها التاجر تحت الوسادة ونام فقالت الفأرة للبرغوت :
أما ترى الفرصة والحظ العظيم ، فهل عندك حيلة إلى بلوغ الغرض من تلك الدنانير ؟
فقال لها البرغوت :
قد التزمت لك بإخراجه من البيت .
ثم انطلق البرغوت إلى فراش التاجر ولدغه لدغة قوية لم يكن جرى للتاجر مثلها ، ثم تنحى البرغوت إلى موضع يأمن فيه على نفسه من التاجر فانتبه التاجر يفتش على البرغوت فلم يجد شيئاً فرقد على جنبه الآخر فلدغه البرغوت لدغة أشد من الأولى فقلق التاجر وفارق وخرج إلى مصطبة داره فنام هناك ولم ينتبه إلى الصباح ثم إن الفأرة أقبلت على الدنانير حتى لم تترك منها شيئاً .
فلما أصبح الصباح صار التاجر يتهم الناس ويظن الظنون .
ثم قال الثعلب للغراب :
واعلم أني لم أقل لك هذا الكلام أيها الغراب البصير العاقل الخبير إلا ليصل إليك جزاء إحسانك إلي كما وصل للفأرة جزاء إحسانها إلى البرغوت فانظر كيف جازاها أحسن المجازاة وكافأها أحسن المكافأة .
فقال الغراب :
إن شاء المحسن يحسن أو لا يحسن وليس الإحسان واجباً لمن التمس صلة بقطيعة وإن أحسنت إليك مع كونك عدوي أكون أتسبب في قطيعة نفسي ، وأنت أيها الثعلب ذو مكر وخداع ومن شيمتك المكر والخديعة لا تؤمن على عهد ولا أمان لك ، وقد بلغني عن قريب أنك غدرت بصاحبك الذئب ومكرت به حتى أهلكته بغدرك وحيلتك وفعلت به هذه الأمور مع أنه من جنسك وقد صحبته مدة مديدة فما أبقيت عليه فكيف أثق منك بنصيحة وإذا كان هذا فعلك مع صاحبك الذي من جنسك فكيف فعلك مع عدوك الذي من غير جنسك ؟ وما مثالك معي إلا مثال الصقر مع ضواري الطير .
فقال الثعلب :
وما حكاية الصقر مع ضواري الطير ؟
فقال الغراب :
زعموا أن صقراً كان


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 01:02 PM   #216
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثالثة والثمانين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الغراب قال :
زعموا أن صقراً كان جباراً عنيداً أيام شبيبته وكان سباع البر وسباع الطير تفزع منه ولا يسلم من شره أحد وله حكايات كثيرة في ظلمه وتجبره وكان دأب هذا الصقر الأذى لسائر الطيور فلما مرت عليه السنون ضعف وجاع واشتد جهده بعد فقد قوته فأجمع رأيه على أن يأتي مجمع الطير فيأكل ما يفضل منها ، فعند ذلك صار قوته بالحيلة بعد القوة والشدة .
وأنت كذلك أيها الثعلب إن عدمت قوتك ما عدمت خداعك ولست أشك في أن ما تطلبه من صحبتي حيلة على قوتك فلا كنت ممن يضع يده في يدك لأن الله أعطاني قوة في جناحي وحذراً في نفسي وبصراً في عيني وأعلم أن من تشبه بأقوى منه تعب وربما هلك .
هذا ما عندي الكلام واذهب عش بسلام .
فلما يئس الثعلب من مصادقة الغراب رجع من حزنه يئن وقرع للندامة سناً على سن .
فلما سمع الغراب بكاءه وأنينه ورأى كآبته وحزنه قال :
أيها الثعلب ما نابك حتى قرعت نابك ؟
قال له الثعلب :
إنما قرعت سني لأني رأيتك أخدع مني .
ثم ولى هارباً ورجع إلى جحره طالباً .
وهذا ما كان من حديثهما أيها الملك .
فقال الملك شهريار :
يا شهرزاد ما أحسن هذه الحكايات هل عندك شيء مثلها من الخرافات ؟
قالت شهرزاد :
يحكى أن قنفذاً مسكناً بجانب نخلة وكان الورشان هو وزوجته فلما اتخذا عشاً في النخلة وعاشا فوقها عيشاً رغيداً فقال القنفذ في نفسه :
إن الورشان يأكل من ثمر النخل وأنا أجد إلى ذلك سبيلاً ولكن لابد من استعمال الحيلة .
ثم حفر في أسفل النخلة بيتاً واتخذه سكناً له ولزوجته وإلى جانبه مسجداً وانفرد فيه وأظهر النسك والعبادة ، وترك الدنيا وكان الورشان متعبداً مصلياً فرق له من شدة زهده وقال :
كم سنة وأنت هكذا ؟
قال القنفذ :
مدة ثلاثين سنة .
قال الورشان :
ما طعامك ؟
قال القنفذ :
ما يسقط من النخلة .
قال الورشان :
ما لباسك ؟
قال القنفذ :
شوك أنتفع بخشونته .
قال الورشان :
وكيف اخترت مكانك هذا على غيره ؟
قال القنفذ :
اخترته على غير طريق لأجل أن أرشد الضال وأعلم الجاهل .
فقال له الورشان :
كنت أظهر على انك على غير هذه الحالة ولكنني رغبت فيما عندك .
فقال القنفذ :
إني أخشى أن يكون قولك ضد فعلك فتكون كالزراع الذي جاء وقت الزرع قصر في بذره وقال :
إني أخشى أن يكون أوان الزرع قد فات فأكون قد أضعت المال بسرعة البذر .
فلما جاء وقت الحصاد ورأى الناس يحصدون ندم على ما فاته من تقصيره ومن تخلفه ومات أسفاً .
فقال الورشان للقنفذ :
وماذا أصنع حتى أتخلص من علائق الدنيا وأنقطع إلى عبادة ربي ؟
قال له القنفذ :
خذ في الإستعداد للميعاد والقناعة بالكفاية في الزاد .
فقال الورشان :
كيف لي بذلك وأنا طائر لا أستطيع أن أتجاوز النخلة التي فيها قوتي ؟ ولو استطعت ذلك ما عرفت موضعاً أستقر فيه .
فقال القنفذ :
يمكنك أن تنثر من ثمر النخلة ما يكفيك مؤونة عام أنت وزوجتك وتسكن قي وكر تحت النخلة لالتماس حسن إرشادك ، ثم مل إلى ما نثرته من الثمر فانقله جميعاً وادخره قوتاً للعدم وإذا فرغت الثمار وطال عليك المطال سر إلى كفاف العيش .
فقال الورشان :
جزاك الله خيراً حيث ذكرتني بالميعاد وهديتني إلى الرشاد .
ثم تعب الورشان هو وزوجته في طرح الثمر حتى لم يبق في النخلة شيء فوجد القنفذ ما يأكل وفرح به وملأ مسكنه من الثمر وادخره لقوته وقال في نفسه :
إن الورشان هو وزوجته إذا احتاجا إلى مؤونتهما طلباها مني وطمعا فيما عندي وركنا إلى تزهدي وورعي .
فلما رأى الورشان منه الخديعة لائحة قال له :
أين الليلة من البارحة فما تعلم أن للمظلومين ناصراً فإياك والمكر والخديعة ، لئلا يصيبك ما أصاب الخداعين الذين مكروا بالتاجر .
فقال القنفذ :
وكيف ذلك ؟
قال الورشان :
بلغني أن تاجراً من مدينة يقال لها سنده كان ذا مال واسع فشد جمالاً وجهز متاعاً وخرج به إلى بعض المدن ليبيعه فيها فتبعه رجلان من المكرة وحملا شيئاً من مال ومتاع وأظهرا للتاجر أنهما من التجار وساروا معه فلما نزلا أول منزل اتفقا على المكر به وأخذ ما معه .
ثم إن كل واحد منهما أضمر المكر لصاحبه وقال في نفسه :
لو مكرت بصاحبي بعد مكرنا بالتاجر لصفا لي الوقت وأخذت جميع المال .
ثم أضمرا لبعضهما نية فاسدة وأخذ كل منهما طعاماً وجعل فيه سماً وقربه لصاحبه فقتلا بعضهما وكانا يجلسان مع التاجر ويحدثانه فلما أبطأوا عليه فتش عليهما ليعرف خبرهما فوجدهما ميتين فعلم أنهم كانا محتالين وأرادا المكر به فعاد عليهما مكرهما وسلم التاجر والمال معه .
فقال الملك شهريار :
نبهتيني يا شهرزاد على شيء كنت غافلاً عنه أفلا تزيديني من هذه الأمور ؟
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن رجلاً كان عنده قرد وكان ذلك الرجل سارقاً لا يدخل سوقاً من أسواق المدينة التي هو فيها إلا ويرجع بكسب عظيم فاتفق أن رجلاً حمل أثواباً ليبيعها فذهب بها إلى السوق وصار ينادي عليها فلا يسومها أحد وكان لا يعرضها على أحد إلا امتنع من شرائها فاتفق أن السارق الذي معه القرد رأى الشخص الذي معه الثياب المقطعة وكان وضعها في بقجة وجلس يستريح من التعب فلعب القرد أمامه حتى أشغله بالفرجة عليه واختلس منه تلك البقجة ، ثم أخذ القرد وذهب إلى السوق مكان خال وفتح البقجة فرأى تلك الثياب المقطعة فوضعها في بقجة نفيسة وذهب بها إلى سوق آخر وعرض البقجة للبيع بما فيها واشترط أن لا تفتح ورغب الناس فيها لقلة الثمن فرآها رجل وأعجبه نفاستها فاشتراها وذهب بها إلى زوجته ، فلما رأت ذلك امرأته قالت :
ما هذا ؟
قال الرجل :
متاع نفيس اشتريته بدون القيمة لأبيعه واخذ فائدته .
فقالت له زوجته :
أيها المغبون هذا المتاع بأقل من قيمته إلا إذا كان مسروقاً ? أما تعلم أن من اشترى شيئاً ولم يعاينه كان مخطئاً وكان مثله مثل الحائك .
فقال لها :
وكيف كان ذلك ؟
فقالت له :
بلغني أن حائكاً كان في بعض القرى وكان يعمل فلا ينال القوت إلا بجهد ، فاتفق أن رجلاً من الأغنياء كان ساكناً قريباً منه قد أولم وليمة ودعا الناس إليها فحضر الحائك فرأى الناس الذين عليهم الثياب الناعمة يقدم لهم الأطعمة الفاخرة وصاحب المنزل يعظمهم لما يرى من حسن زيهم ، فقال في نفسه :
لو بدلت تلك الصنعة بصنعة أخف مؤونة منها وأكثر أجرة لجمعت مالاً كثيراً واشتريت ثياباً فاخرة وارتفع شأني وعظمت في أعين الناس .
ثم نظر إلى بعض ملاعب الحاضرين في الوليمة وقد صعد سوراً شاهقاً ثم رمى بنفسه إلى الأرض ونهض قائماً فقال في نفسه :
لابد أن أعمل مثل عمل هذا ولا أعجز عنه .
ثم صعد إلى السور ورمى نفسه ، فلما وصل إلى الأرض اندقت رقبته فمات وإنما أخبرتك بذلك لئلا يتمكن منك الشر ، فترغب فيما ليس من شانك .
فقال لها زوجها :
ما كل عالم يسلم بعلمه ولا كل جاهل يعطب بجهله وقد رأيت الحاوي الخبير بالأفاعي العالم بها وربما نهشته الحية فقتلته وقد يظهر بها الذي لا معرفة له بها ولا علم عنده بأحواله .
ثم خالف زوجته واشترى المتاع وأخذ في تلك العادة فصار يشتري من السارقين بدون القيمة إلى أن وقع في تهمة فهلك فيها .
وكان في زمنه عصفور يأتي كل يوم إلى ملك من ملوك الطير ولم يزل غادياً ورائحاً عنده بحيث كان أول داخل عليه وآخر خارج من عنده فاتفق أن جماعة من الطير اجتمعوا في جبل عال من الجبال فقال بعضهم لبعض :
إنا قد كثرنا وكثر الاختلاف بيننا ، ولابد لنا من ملك ينظر في أمورنا فتجتمع كلمتنا ويزول الاختلاف عنا .
فمر بهم ذلك العصفور فأشار عليهم بتمليك الطاووس وهو الملك الذي يتردد إليه فاختاروا الطاووس وجعلوه عليهم ملكاً فأحسن إليهم وجعل ذلك العصفور كاتبه ووزيره فكان تارة يترك الملازمة وينظر في الأمور ، ثم إن العصفور غاب يوماً عن الطاووس فقلق قلقاً عظيماً فبينما هو كذلك إذ دخل عليه العصفور فقال له :
ما الذي أخرك وأنت أقرب أتباعي إلي ؟
فقال العصفور :
رأيت أمراً واشتبه علي فتخوفت منه .
فقال له الطاووس :
ما الذي رأيت ؟
قال العصفور :
رأيت رجلاً معه شبكة قد نصبها عند وكري وثبت أوتادها وبذر في وسطها حباً وقعد بعيداً عنها فجلست انظر ما يفعل فبينما أنا كذلك إذا بكركي هو وزوجته قد ساقهما القضاء والقدر حتى سقطا في وسط الشبكة ، فصارا يصرخان فقام الصياد وأخذهما فأزعجني ذلك وهذا سبب غيابي عنك يا ملك الزمان وما بقيت أسكن هذا الوكر حذراً من الشبكة .
فقال له الطاووس :
لا ترحل من مكانك لأنه لا ينفع الحذر من القدر .
فامتثل لأمره ، وقال :
سأصبر ولا أرحل طاعة للملك .
ولم يزل العصفور محاذراً على نفسه وأخذ الطعام إلى الطاووس فأكل حتى اكتفى وتناول على الطعام ماء ثم ذهب العصفور .
فبينما هو في بعض الأيام شاخصاً إذا بعصفورين يقتتلان في الأرض فقال في نفسه :
كيف أكون وزير الملك وأرى العصافير تقتتل في جواري والله لأصلحن بينهما .
ثم ذهب إليهما ليصلح بينهما فقلب الصياد الشبكة على الجميع فوقع العصفور في وسطها فقام إليه الصياد وأخذه ودفعه إلى صاحبه وقال :
استوثق به فإنه سمين لم أر أحسن منه .
فقال العصفور في نفسه :
قد وقعت فيما كنت أخاف وما كان آمناً إلا الطاووس ولم ينفعني الحذر من القدر فلا مفر من القضاء للمحاذر وما أحسن قول الشاعر :
ما لا يكون فلا يكون بحيلـة ........ أبداً وما هو كائن سيكـون
سيكون ما هو كائن في وقته ........ وأخو الجهالة دائماً مغبون
فقال الملك شهريار :
يا شهرزاد زيديني من هذا الحديث .
فقالت شهرزاد :
الليلة القابلة أن أبقاني الملك أعزه الله .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 01:03 PM   #217
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الرابعة والثمانين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أنه كان في قديم الزمان في خلافة هارون الرشيد رجل تاجر له ولد يسمى أبا الحسن علي بن طاهر وكان كثير المال والنوال حسن الصورة محبوباً عند كل من يراه وكان يدخل دار الخلافة من غير إذن ويحبه جميع سراري الخليفة وجواريه وكان ينادمه وينشد عنده الأشعار ويحدثه بنوادر الأخبار إلا أنه كان يبيع ويشتري في سوق التجار وكان يجلس على دكانه شاب من أولاد ملوك العجم يقال له علي بن بكار وكان ذلك الشاب مليح القامة ظريف الشكل كامل الصورة مورد الخدين مقرون الحاجبين عذب الكلام ضاحك السن يحب البسط والإنشراح فاتفق لهما كانا جالسين يتحدثان ويضحكان وإذا بعشر جوار كأنهن الأقمار وكل منهن ذات حسن وجمال وقد واعتدال وبينهن صبية راكبة على بغلة بسرج مزركش ، له ركاب من الذهب كما قال فيها الشاعر :
لها بشر مثل الحـرير ومنـطـق ........ رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
وعينان قال الله كونا فـكـانـتـا ........ فعولان بالألباب ما تفعل الخمـر
فيا حبها زدني جوى كـل لـيلـة ........ ويا سلوة الأحباب موعدك الحشر
فلما وصلوا إلى دكان أبي الحسن نزلت عن البغلة وجلست على دكانه فسلمت عليه وسلم عليها فلما رآها علي بن كار سلبت عقله وأراد القيام فقالت له :
اجلس مكانك كيف تذهب إذا حضرنا هذا ما هو إنصاف ؟
فقال علي بن بكار :
والله يا سيدتي إني هارب مما رأيت وما أحسن قول الشاعر :
هي الشمس مسكنها في السماء ........ فعز الفؤاد عـزاء جـمـيلا
فلن تستطيع إليهـا صـعـوداً ........ ولن تستطـيع إلـيك نـزولا
فلما سمعت ذلك الكلام تبسمت وقالت لأبي الحسن :
ما اسم هذا الفتى ومن أين هو ؟
فقال لها أبي الحسن :
هذا غريب اسمه علي بن بكار بن ملك العجم والغريب يجب إكرامه .
فقالت له :
إذا جاءتك جاريتي فارسله لعندي .
فقال أبو الحسن :
على الرأس .
ثم قامت وتوجهت إلى حال سبيلها .
هذا ما كان من أمرها .
وأما ما كان من أمر علي بن بكار فإنه صار لا يعرف ما يقول وبعد ساعة جاءت الجارية إلى أبي الحسن وقالت :
إن سيدتي تطلبك أنت ورفيقك .
فنهض أبو الحسن وأخذ معه علي بن بكار وتوجها إلى دار هارون الرشيد فأدخلتهما في مقصورة وأجلستهما وإذا بالموائد وضعت قدامهما فأكلا وغسلا أيديهما ، ثم أحضرت لهما الشراب فشربا ، ثم أمرتهما بالقيام فقاما معها وأدخلتهما مقصورة أخرى مركبة على أربعة أعمدة وهي مفروشة بأنواع الفرش مزينة بأحسن الزينة ، كأنها من قصور الجنان اندهشا مما عاينا من التحف .
فبينما هما يتفرجان على هذه الغرائب وإذا بعشر جوار أقبلن وبينهن جارية اسمها شمس النهار كأنها القمر بين النجوم وهي متوحشة تفاضل شعرها وعليها لباس أزرق أزرار من الحرير بطراز من الذهب وفي وسطها حياصة مرصعة بأنواع الجواهر ولم تزل تتبختر حتى جلست على السرير فلما رآها علي بن بكار أنشد هذه الأشعار :
إن هذي هي ابتداء سقـامـي ........ وتمادي وجدي وطول غرامي
عندها قد رأيت نفسـي ذابـت ........ من ولوعي بها وبري عظامي
فلما فرغ من شعره قال لأبي الحسن :
لو عملت معي خيراً كنت أخبرتني بهذه الأمور قبل الدخول هنا لأجل أن أوطن نفسي وأصبرها على ما أصابها .
ثم بكى وأن واشتكى فقال له أبو الحسن :
يا أخي أنا ما أردت لك إلا الخير ولكن خشيت أن أعلمك بذلك فيلحقك من الوجد ما يصدك عن لقائها ويحيل بينك وبين وصالها فطب نفساً وقر عيناً فهي بسعدك مقبلة وللقائك متوصلة .
فقال علي بن بكار :
ما اسم هذه الصبية ؟
فقال أبو الحسن :
تسمى شمس النهار وهي من محاظي أمير المؤمنين هارون الرشيد وهذا المكان قصر الخلافة .
ثم إن شمس النهار جلست وتأملت محاسن علي بن بكار وتأمل هو حسنها واشتغلا بحب بعضهما وقد أمرت الجواري أن تجلس كل واحدة منهن في مكانها على سرير ، فجلست كل واحدة قبال طاقة وأمرتهن بالغناء فتسلمت واحدة منهن العود وأنشدت تقول :
أعد الرسالة ثـانـية ........ وخذ الجواب علانية
وإليك يا ملك الملاح ........ وقفت أشكو حالـيه
مولاي يا قلبي العزيز ........ ويا حياتي الغـالـية
أنعم علي بـقـبـلة ........ هبة وإلا عــارية
وأردها لك لا عدمت ........ بعينها وكمـا هـي
وإذا أردت زيــادة ........ خذها ونفسي راضية
يا ملبسي ثوب الرضا ........ يهنيك ثوب العافـية
فطرب علي بن بكار وقال :
زيديني من مثل هذا الشعر .
فحركت الأوتار وأنشدت هذه الأشعار :
من كثرة البعد يا حبيبـي ........ علمت طول البكا جفوني
يا حظ عيني ومـنـاهـا ........ ومنتهى غايتـي ودينـي
ارث لمن طرفه غـريـق ........ في عبرة الواله الحزين
فلما فرغت من شعرها قالت شمس النهار لجارية غيرها :
أنشدي .
فأطربت بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات :
سكرت من لحظه لا من مدامته ........ ومال بالنوم عن عيني تمايلـه
فما السلاف سلتني بل سوالفـه ........ والشمول شلتني بل شمـائلـه
لوى بعزمي أصداغاً لوين لـه ........ وغالى عقلي بما تهوى غلائله
فلما سمعت شمس النهار إنشاد الجاري تنهدت وأعجبها الشعر ثم أمرت جارية أخرى أن تغني فأنشدت هذه الأبيات :
وجه لمصباح السمـاء مباهـي ........ يبدو الشباب عليه رشح مـياه
رقم العدار غلاليتـه بـأحـرف ........ معنى الهوى في طيبها متناهي
نادى عليه الحسن حين لقـيتـه ........ هذا المنمنم في طراز الـلـه
فلما فرغت من شعرها قال علي بن بكار لجارية قريب منه :
أنشدي أنت أيتها الجارية .
فأخذت العود وأنشدت هذه الأبيات :
زمن الوصل يضيق عن ........ هذا التمادي والـدلال
كم من صدود متـلـف ........ ما هكذا أهل الجمـال
فاستغنموا وقت السعود ........ بطيب ساعات الوصال
فلما فرغت من شعرها تنهد علي بن بكار وأرسل دموعه الغزار ، فلما رأته شمس النهار قد بكى وأن واشتكى أحرقها الوجد والغرام وأتلفها الوله والهيام فقامت من فوق السرير وجاءت إلى باب القبة فقام علي بن بكار وتلقاها ووقعا مغشياً عليهما في باب القبة فقمن الجواري إليهما وحملنهما وأدخلنهما القبة ورششن عليهما ماء الورد فلما أفاقا لم يجدا أبا الحسن وكان قد اختفى في جانب سرير فقالت الصبية :
أين أبو الحسن ؟
فنظر لها من جانب السرير فسلمت عليه وقالت له :
أسأل الله أن يقدرني على مكافأتك يا صاحب المعروف .
ثم أقبلت على علي بن بكار وقالت له :
يا سيدي ما بلغ بك الهوى إلى غاية إلا وعندي أمثالها وليس لنا إلا الصبر على ما أصابنا .
فقال علي بن بكار :
والله يا سيدتي جمع شملي بك يطيب ولا ينطفئ إليك ما عندي من اللهيب ولا يذهب ما تمكن من حبك في قلبي إلا بذهاب روحي .
ثم بكى فنزلت دموعه على خده كأنها المطر ، فلما رأته شمس النهار يبكي بكت لبكائه فقال أبو الحسن :
والله إني عجبت من أمركما واحترت من شأنكما فإن حالكما عجيب وأمركما غريب في هذا البكاء وأنتما مجتمعان فكيف يكون الحال بعد انفصالكما ؟
ثم قال لهما :
هذا ليس وقت حزن وبكاء بل هذا وقت سرور وفرح .
فأشارت شمس النهار إلى جارية فقامت وعادت ومعها وصائف حاملات مائدة صحافها من الفضة وفيها أنواع الطعام ، ثم وضعت المائدة قدامها وصارت شمس النهار تأكل وتلقم علي بن بكار حتى اكتفوا ، ثم رفعت المائدة وغسلوا أيديهم وجاءتهم المباخر بأنواع العود وجاءت القماقم بماء الورد فتبخروا وتطيبوا وقدمت لهم أطباق من الذهب المنقوش فيها من أنواع الشراب والفواكه والنقل وما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، ثم جاءت لهم بطشت من العقيق ملآن من المدام ، فاختارت شمس النهار عشر وصائف أوقفتهن عندها وعشر جوار من المغنيات وصرفت باقي الجواري إلى أماكنهن وأمرت بعض الحاضرات من الجواري أن يضربن العود ففعلن ما أمرت به ، وأنشدت واحدة منهن :
بنفسي من رد التحـية ضاحـكـاً ........ فجدد بعد اليأس في الوصل مطعمي
لقد أبرزت سر الغـرام سرائـري ........ وأظهرت للعذال ما بين أضلـعـي
وحالت دموع العين بينـي وبـينه ........ كأن دموع العين تعشقـه مـعـي
فلما فرغت من شعرها قامت شمس النهار وملأت الكأس وشربته ثم ملأته وأعطته لعلي بن بكار .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 01:03 PM   #218
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الخامسة والثمانين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن شمس النهار ملأت الكأس لعلي بن بكار ، ثم أمرت جارية أن تغني فأنشدت هذين البيتين :
تشابه دمعي إذ جرى ومدامـتـي ........ فمن مثل الكأس عيني تسـكـب
فوالله لا أدري أبالخمر أسلـبـت ........ جفوني أم من أدمعي كنت أشرب
فلما فرغت من شعرها شرب علي بن بكار كأسه ورده إلى شمس النهار فملأته وناولته لأبي الحسن فشربه ثم أخذت العود وقالت :
لا يغني على قدحي غيري .
ثم شدت الأوتار وأنشدت هذه الأشعار :
غرائب الدمع في خديه تضـطرب ........ وجداً ونار الهوى في صدره تتقد
يبكي من القرب خوفاً من تباعدهم ........ فالدمع إن قربوا جار وإن بعدوا
فلما سمع علي بن بكار وأبو الحسن والحاضرون شعر شمس النهار كادوا يطيروا من الطرب ولعبوا وضحكوا ، فبينما هم على هذا الحال إذا بجارية أقبلت وهي ترتعد من الخوف وقالت :
يا سيدتي وصل أمير المؤمنين وهاهو بالباب ومعه عفيف ومسرور وغيرهما .
فلما سمعوا كلام الجارية كادوا أن يهلكوا من الخوف فضحكت شمس النهار وقالت :
لا تخافوا .
ثم قالت للجارية :
ردي عليهم الجواب بقدر ما نتحول من هذا المكان .
ثم إنها أمرت بغلق باب القبة ثم خرجت إلى البستان وجلست على سريرها وأمرت جارية أن تكبس رجليها وأمرت بقية الجواري أن يمضين إلى أماكنهن وأمرت الجارية أن تدع الباب مفتوحاً ليدخل الخليفة فدخل مسرور ومن معه وكانوا عشرون وبأيديهم السيوف فسلموا على شمس النهار ، فقالت لهم :
لأي شيء جئتم ؟
فقالوا :
إن أمير المؤمنين يسلم عليك وقد استوحش لرؤيتك ويخبرك أنه كان عنده اليوم سرور وحظ زائد وأحب أن يكون ختام السرور بوجودك في هذه الساعة ، فهل تأتين عنده أو يأتي عندك ؟
فقامت وقبلت الأرض وقالت :
سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين .
ثم أمرت بإحضار القهرمانات والجواري فحضرن وأظهرت لهن أنها مقبلة على ما أمر به الخليفة وكان المكان كاملاً في جميع أموره ثم قالت للخدم :
امضوا إلى أمير المؤمنين واخبروه أنني في انتظاره بعد قليل إلى أن أهيئ له مكاناً بالفرش والأمتعة .
فمضى الخدم مسرعين إلى أمير المؤمنين .
ثم إن شمس النهار قامت ودخلت إلى معشوقها علي بن بكار وضمته إلى صدرها وودعته فبكى بكاءً شديداً وقال :
يا سيدتي هذا الوداع فمتعيني به لعله يكون على تلف نفسي وهلاك روحي في هواك ولكن أسأل الله أن يرزقني الصبر على ما بلاني به من محبتي .
فقالت له شمس النهار :
والله ما يصير في التلف إلا أنا فإنك قد تخرج إلى السوق وتجتمع بمن يسليك فتكون مصوناً وغرامك مكنوناً وأما أنا فسوف أقع في البلاء خصوصاً وقد وعدت الخليفة بميعاد فربما يلحقني من ذلك عظيم الخطر بسبب شوقي إليك وحبي لك وتعشقي فيك وتأسفي على مفارقتك ، فبأي لسان أغني ؟ وبأي قلب أحضر عند الخليفة ؟ وبأي نظر أنظر إلى مكان ما أنت فيه ؟ وكيف أكون في حضرة لم تكن بها ؟ وبأي ذوق أشرب مداماً ما أنت حاضره ؟
فقال لها أبو الحسن :
لا تتحيري واصبري ولا تغفلي عن منادمة أمير المؤمنين هذه الليلة ولا تريه تهاوناً .
فبينما هما في الكلام إذا بجارية قدمت وقالت :
يا سيدتي جاء غلمان أمير المؤمنين .
فنهضت قائمة وقالت للجارية :
خذي أبا الحسن ورفيقه واقصدي بهما أعلى الروشن المطل على البستان ودعيهما هناك إلى الظلام ثم تحيلي في خروجهما .
فأخذتهما وأطلعتهما في الروشن وأغلقت الباب عليهما ومضت إلى حال سبيلها وصارا ينظران إلى البستان ، وإذا بالخليفة قدم وقدامه نحو المائة خادم بأيديهم السيوف وحواليه عشرون جارية كأنهن الأقمار عليهن أفخر ما يكون من الملبوس وعلى رأس كل واحدة تاج مكلل بالجواهر واليواقيت وفي يد كل واحدة شمعة موقودة والخليفة يمشي بينهن وهن محيطات به من كل ناحية ومسرور وعفيف ووصيف قدامه وهو يتمايل بينهم ، فقامت شمس النهار وجميع من عندها من الجواري ولاقينه من البستان وقبلن الأرض بين يديه ولم يزلن سائرات أمامه إلى أن جلس على السرير والذين في البستان من الجواري والخدم وقفوا حوله والشموع موقودة والآلات تضرب إلى أن أمرهم بالإنصراف والجلوس على الأسرة فجلست شمس النهار على السرير بجانب سرير الخليفة وصارت تحدثه ، كل ذلك وأبو الحسن وعلي بن بكار ينظران ويسمعان والخليفة لم يرهما .
ثم إن الخليفة صار يلعب مع شمس النهار ، وأمر بفتح القبة ففتحت وشرعوا طيقانها وأوقدوا الشموع حتى صار المكان وقت الظلام كالنهار ، ثم إن الخدم صاروا ينقلون آلت المشروب فقال أبو الحسن :
إن هذه الآلات والمشروب والتحف ما رأيت مثله وهذا شيء من أصناف الجواهر ما سمعت بمثله وقد خيل لي في المنام وقد اندهش عقلي وخفق قلبي .
وأما علي بن بكار فإنه لما فارقته شمس النهار لم يزل مطروحاً على الأرض من شدة العشق فلما أفاق صار ينظر إلى هذه الفعال التي لا يوجد مثلها فقال لأبي الحسن :
يا أخي أخشى أن ينظرنا الخليفة أو يعلم حالنا وأكثر خوفي عليك وأما أنا فإني أعلم نفسي من الهالكين وما سبب موتي إلا العشق والغرام وفرط الوجد والهيام ونرجو من الله الخلاص مما بلينا .
ولم يزل علي بن بكار وأبو الحسن ينظران من الروشين إلى الخليفة وما هو فيه حتى تكاملت الحضرة بين يدي الخليفة ، ثم إن الخليفة التفت إلى جارية من الجواري وقال :
هات ما عندك يا غرام من السماع المطرب .
فأطربت بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات :
وما وجد إعرابية بـان أهلهـا ........ فحنت إلى بان الحجاز ورنده
إذا آنست ركباً تكـفل شوقهـا ........ بنار قراه والدمـوع بـورده
بأعظم من وجدي بحبي وغنما ........ يرى أنني أذنبت ذنبـاً بـوده
فلما سمعت شمس النهار هذا الشعر وقعت مغشياً عليها من فوق الكرسي الذي كانت عليه وغابت عن الوجود فقام الجواري واحتملنها ، فلما نظر علي بن بكار من الروشن وقع مغشياً عليه ، فقال أبو الحسن :
إن القضاء قسم الغرام بينكما بالتسوية .
فبينما هما يتحدثان إذا بالجارية التي أطلعتها الروشن جاءتهما وقالت :
يا أبا الحسن انهض أنت ورفيقك وانزلا فقد ضاقت علينا الدنيا وأنا خائفة أن يظهر أمرنا فقوما في هذه الساعة وإلا متنا .
فقال أبو الحسن :
فكيف ينهض معي هذا الغلام ولا قدرة له على النهوض ؟
فصارت الجارية ترش ماء الورد على وجهه حتى أفاق فحمله أبو الحسن هو والجارية ونزلا به من الروشن ومشيا قليلاً ، ثم فتحت الجارية بيدها فجاء زورق فيه إنسان يقذف فأطلعتهما الجارية في الزورق وقالت للذي في الزورق :
أطلعهما في ذلك البر .
فلما نزلا في الزورق وفارق البستان نظر علي بن بكار إلى القبة والبستان وودعهما بهذين البيتين :
مددت إلى التوديع كفـاً ضـعـيفة ........ وأخرى على الرمضاء تحت فؤادي
فلا كان هذا آخر الـعـهـد بـين ........ ولا كان هـذا الـزاد آخـر زادي
ثم إن الجارية قالت للملاح :
أسرع بهما .
فصار يقذف لأجل السرعة والجارية معهم


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 01:04 PM   #219
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة السادسة والثمانين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملاح صار يقذف والجارية معهم إلى أن قطعوا ذلك الجانب وعدوا إلى البر الثاني ، ثم انصرفت الجارية وودعتهما وطلعا في البر وقالت لهما :
كان قصدي أن لا أفارقكما لكنني لا أقدر أن أسير إلى مكان غير هذا الموضع .
ثم إن الجارية عادت وصار علي بن بكار مطروحاً بين يدي أبي الحسن لا يستطيع النهوض فقال له أبو الحسن :
إن هذا المكان غير أمين ونخشى على أنفسنا من التلف في هذا المكان بسبب اللصوص وأولاد الحرام .
فقام علي بن بكار يتمشى قليلاً وهو لا يستطيع المشي ، وكان أبو الحسن له في ذلك الجانب أصدقاء فقصد من يثق به ويركن إليه منهم فدق بابه فخرج إليه مسرعاً .
فلما رآهما رحب بهما ودخل بهم إلى منزله وأجلسهما وتحدث معهما وسألهما أين كانا فقال أبو الحسن :
قد خرجنا في هذا الوقت وقد أحوجنا إلى هذا الأمر إنسان عاملته في دراهم وبلغني أنه يريد السفر بمالي فخرجت في هذه الليلة وقصدته واستأنست برفيقي هذا علي بن بكار ، وجئنا لعلنا ننظره فتوارى منا ولم نره وعدنا بلا شيء وشق علينا العودة في هذا الليل ولم نر لنا محلاً غير محلك فجئنا إليك على عوائدك الجميلة .
فرحب بهما واجتهد في إكرامهما وأقاما عنده بقية ليلتهما .
فلما أصبح الصباح خرجا من عنده وما زالا يمشيان حتى وصلا إلى المدينة ودخلا وجازا على بيت أبي الحسن فحلف على صاحبه علي بن بكار وأدخله بيته فاضجعا على الفراش قليلاً ، ثم أفاقا فأمر أبو الحسن غلمانه أن يفرشوا البيت فرشاً فاخراً ففعلوا ، ثم إن أبا الحسن قال في نفسه :
لابد أن أؤانس هذا الغلام وأسليه عما هو فيه فإني أدرى بأمره .
ثم إن علي بن بكار لما أفاق استدعى بماء فحضروا له الماء فقام وتوضأ وصلى ما فاته من الفروض في يومه وليلته وصار يسلي نفسه بالكلام .
فلما رأى منه ذلك أبو الحسن تقدم إليه وقال :
على الأليق بما أنت فيه أن تقيم عندي هذه الليلة لينشرح صدرك وينفرج ما بك من كرب الشوق وتتلاهى معنا .
فقال علي بن بكار :
أفعل يا أخي ما بدا لك فإني على كل حال غير ناج مما أصابني فاصنع ما أنت صانع .
فقام أبو الحسن واستدعى غلمانه وأحضر أصحابه وأرسل إلى أرباب المغاني والآلات فحضروا وأقاموا على أكل وشرب وانشراح باقي اليوم إلى المساء ثم أوقدوا الشموع ودارت بينهم كؤوس المنادمة وطاب لهم الوقت فأخذت المغنية العود وجعلت تقول :
رميت من الزمان بسهم لحظ ........ فأضناني وفارقت الحبـائب
وعاندني الزمان وقل صبري ........ وإني قبل هذا كنت حاسب
فلما سمع علي بن بكار كلام المغنية خر مغشياً عليه ولم يزل في غشيته إلى أن طلع الفجر ويئس منه أبو الحسن ولما طلع النهار أفاق وطلب الذهاب إلى بيته فلم يمنعه أبو الحسن خوفاً من عاقبة أمره فاتاه غلمانه ببغلة وأركبوه وصار معه أبو الحسن إلى أن أدخله منزله فلما اطمأن في بيته حمد الله أبو الحسن على خلاصه من هذه الورطة وصار يسليه وهو لا يتمالك نفسه من شدة الغرام ثم إن أبا الحسن ودعه .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 01:13 PM   #220
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة السابعة والثمانين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن أبا الحسن ودعه ، فقال له علي بن بكار :
يا أخي لا تقطع عني الأخبار .
فقال أبي الحسن :
سمعاً وطاعة .
ثم إن أبا الحسن قام من عنده وأتى إلى دكانه وفتحها فما جلس غير قليل حتى أقبلت إليه الجارية وسلمت فرد عليها السلام ونظر إليها فوجدها خافقة القلب يظهر عليها أثر الكآبة ، فقال لها :
أهلاً وسهلاً كيف حال شمس النهار ؟
فقالت الجارية :
سوف أخبرك بحالها ، كيف حال علي بن بكار ؟
فأخبرها أبو الحسن بجميع ما كان من أمره فتأسفت وتأوهت وتعجبت من ذلك الأمر ثم قالت :
إن حال سيدتي أعجب من ذلك ، لما توجهتم رجعت وقلبي يخفق عليكم وما صدقت بنجاتكم فلما رجعت وجدت سيتي مطروحة في القبة ، لا تتكلم ولا ترد على احد وأمير المؤمنين جالس عند رأسها لا يجد من يخبره بخبرها ولم يعلم ما بها ولم تزل في غشيتها إلى نصف الليل ثم أفاقت ، فقال لها أمير المؤمنين :
ما الذي أصابك يا شمس النهار ؟ وما الذي اعتراك في هذه الليلة ؟
فلما سمعت شمس النهار كلام الخليفة قبلت أقدامه وقالت له :
يا أمير المؤمنين جعلني الله فداءك إنه خامرني خلط ، فأضرم النار في جسدي فوقعت مغشياً علي من شدة ما بي ولا اعلم كيف كان حالي .
فقال لها الخليفة :
ما الذي استعملتيه في نهارك ؟
قالت شمس النهار :
أفطرت على شيء لم آكله قط ثم أظهرت القوة واستدعيت بشيء من الشراب فشربته .
وسألت أمير المؤمنين أن يعود إلى انشراحه فعاد إلى الجلوس في القبة فلما جئت إليها سألتني بما فعلت معكما وأخبرتها بما أنشده علي بن بكار فسكتت ، ثم إن أمير المؤمنين جلس وأمر الجارية بالغناء فأنشدت هذين البيتين :
ولم يصف لي شيء من العيش بعدكم ........ فياليت شعري كيف حالكم بعدي
يحق لدمعي أن يكون مـن الـدمـا ........ إذا كنتم تبكون دمعاً على بعدي
فلما سمعت هذا الشعر وقعت مغشياً عليها .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 01:13 PM   #221
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثامنة والثمانين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت لأبي الحسن :
إن سيدتي لما سمعت هذا الشعر وقعت مغشياً عليها فأمسكت يدها ورششت ماء الورد على وجهها فأفاقت ، فقلت لها :
يا سيدتي لا تهتكي نفسك ومن يحويه قصرك بحياة محبوبك أن تصبري .
فقالت لي :
هل في الأمر أكثر من الموت ؟ فأنا أطلبه لأن فيه راحتي .
فبينما نحن في هذا القول إذ غنت جارية بقول الشاعر :
وقالوا لعل الصبر يعقب راحـة ........ فقلت وأين الصبر بعد فراقه
وقد أكيد الميثاق بيني وبـينـه ........ نقطع حبال الصبر عند عناقه
فلما فرغت من الشعر وقعت مغشياً عليها فنظرها الخليفة فأتى مسرعاً إليها وأمر برفع الشراب وأن تعود كل جارية إلى مقصورتها وأقام عندها باقي ليلته إلى أن أصبح الصباح فاستدعى الأطباء وأمرهم بمعالجتها ولم يعلم بما هي فيه من العشق والغرام وأقمت عندها حتى ظننت أنها قد انصلح حالها وهذا الذي عاقبي عن المجيء إليكما وقد خلفت عندها جماعة من خواصها لما أمرتني بالمسير إليكما لآخذ خبر علي بن بكار وأعود إليها .
فلما سمع أبو الحسن كلامها تعجب وقال لها :
والله أخبرتك بجميع ما كان من أمره فعودي إلى سيدتك وسلمي عليها وحثيها على الصبر وقولي لها اكتمي السر وأخبريها أني عرفت أمرها وهو أمر صعب يحتاج إلى التدبير .
فشكرته الجارية ثم ودعته وانصرفت إلى سيدتها .
هذا ما كان من أمرها .
وأما ما كان من أمر أبي الحسن فإنه لم يزل في دكانه إلى آخر النهار فلما مضى النهار قام وقفل دكانه وأتى إلى دار علي بن بكار فدق الباب فخرج له بعض غلمانه وأدخله فلما دخل عليه تبسم واستبشر بقدومه وقال له :
يا أبا الحسن أوحشتني لتخلفك عني في هذا اليوم وروحي متعلقة بك باقي عمري .
فقال له أبو الحسن :
دع هذا الكلام فلو أمكن فداءك كنت أفديك بروحي وفي هذا اليوم جاءت جارية شمس النهار وأخبرتني أنه ما أعاقها عن المجيء إلا جلوس الخليفة عند سيدتها وأخبرتني بما كان من أمر سيدتها .
وحكى له جميع ما سمعه من الجارية فتأسف علي بن بكار غاية الأسف وبكى ثم التفت إلى أبي الحسن وقال له :
بالله أن تساعدني على ما بليت به وأخبرني ماذا تكون الحيلة ؟ وإني أسألك من فضلك المبيت عندي في هذه الليلة لأستانس بك .
فامتثل أبو الحسن لأمره وأجابه إلى المبيت عنده ، وباتا يتحدثان في تلك الليلة ، ثم إن علي بن بكار بكى وأرسل العبرات وأنشد هذه الأبيات :
غفرت بسيف اللحظ ذمة مغفري ........ وفرت برمح القد درع تصبري
وجعلت لنا من تحت مسكة خالها ........ كافور فجر شق ليل العنبـري
فزعت فضرست العقيق بلؤلـؤ ........ سكنت فرائده غدير الـسـكـر
وتنهدت جزعاً فأثـر كـفـهـا ........ في صدرها فنظرت ما لم أنظر
أقلام مرجان كتبين تـعـتـبـر ........ بصحيفة البلور خمسة أسطـر
يا حامل السيف الصقيل إذا رنت ........ إياك ضربة جفنها المتكـسـر
وتوق يا رب القناة الطـعـن إن ........ حملت عليك من القوم بأسمـر
فلما فرغ علي بن بكار من شعره صرخ صرخة عظيمة ووقع مغشياً عليه فظن أبو الحسن أن روحه خرجت من جسده ولم يزل في غشيته حتى طلع النهار فأفاق وتحدث مع أبي الحسن ولم يزل أبو الحسن جالساً عند علي بن بكار إلى صحوة النهار ، ثم انصرف من عنده وجاء إلى دكانه وفتحها وإذا بالجارية جاءته ووقفت عنده ، فلما نظر إليها أومأت إليه بالسلام فرد عليها السلام وبلغته سلام سيدتها وقالت له :
كيف حال علي بن بكار ؟
فقال لها أبي الحسن :
يا جارية لا تسألي عن حاله وما هو فيه من شدة الغرام فإنه لا ينام الليل ولا يستريح النهار وقد أنحله السهر وغلب عليه الضجر وصار في حال لا يسر حبيب .
فقالت له الجارية :
إن سيدتي تسلم عليك وقد كتبت له ورقة وهي في حال أعظم من حاله وقد سلمتني الورقة ، وقالت :
لا تأتيني إلا بجوابها وافعلي ما أمرتك به وها هي الورقة معي فهل لك أن تسير معي إلى علي بن بكار ، وتأخذ منه الجواب ؟
فقال لها أبو الحسن :
سمعاً وطاعة .
ثم قفل الدكان وأخذ معه الجارية وذهب بها إلى مكان غير الذي جاء منه ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى دار علي بن بكار ، ثم أوقف الجارية على الباب ودخل .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 01:14 PM   #222
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة التاسعة والثمانين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن أبا الحسن ذهب بالجارية ودخل البيت فلما رآه علي بن بكار فرح به فقال له أبو الحسن :
سبب مجيئي أن فلاناً أرسل إليك جاريته برقعة تتضمن سلامه وذكر فيها أن سبب تأخره عنك عذر حصل له ، والجارية واقفة بالباب فهل تأذن لها بالدخول ؟
فقال علي بن بكار :
أدخلوها .
وأشار له أبو الحسن إنها جارية شمس النهار ففهم الإشارة ، فلما رآها تحرك وفرح وقال لها بالإشارة :
كيف حال السيدة شفاها الله وعافاها ؟
فقالت الجارية :
بخير .
ثم أخرجت الورقة ودفعتها له فأخذها وقبلها وناولها لأبي الحسن فوجد مكتوباً فيها هذه الأبيات :
ينبئك هذا الرسول عن خبـري ........ فاستغن في ذكره عن النظـر
خلقت صباً بحـبـكـم دنـفـاً ........ وطرفه لا يزال بالـسـهـر
أكابد الصبر في البلاء فـمـا ........ قلبي حلق مواقـع الـقـدر
فقر عيناً فلست تبـعـد عـن ........ قلبي ولا يوم غبت عن بصري
وانظر إلى جسمك النحيل وما ........ قد حله واسـتـدل بـالأثـر
وبعد فقد كتبت لك كتاباً بغير بيان وأطلقت لك بغير لسان وجملت شرح حالي أن لي عيناً لا يفارقها السهر وقلباً لا تبرح عنه الفكر فكأنني قط ما عرفت صحة ولا فرحة ولا رأيت منظراً باهياً ولا قطعت عيشاً هنياً ، وكأنني خلقت من الصبابة ولم ألم الوجد والكآبة فعلى السقام مترادف والغرام متضاعف والشوق متكاسر وصوت كما قال الشاعر :
القلب منقبض والفكر منبسـط ........ والعين ساهرة والجسم متعوب
والصبر منفصل والهجر متصل ........ والعقل مختبل والقلب مسلوب
واعلم أن الشكوى لا تطفئ نار البلوى لكنها تتعلل من أعله الإشتياق وأتفله الفراق وغني اتسلى بذكر نفط الوصال وما أحسن قول من قال :
إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا ........ فأين حلاوات الرسائل والكـتـب
قال أبو الحسن :
فلما قرأناها هيجت ألفاظي بلابلي وأصابت معانيها مقاتلي ثم دفعتها إلى الجارية فلما اخذتها قال لها علي بن بكار :
أبلغي سيدتك سلامي وعرفيها بوجدي وغرامي وامتزاج المحبة بلحمي وعظامي واخبريها أنني محتاج إلى من ينقذني من بحر الهلاك وينجيني من هذا الارتباك .
ثم بكى فبكت الجارية لبكائه وودعته وخرجت من عنده وخرج أبو الحسن معها ، ثم ودعها ومضى إلى دكانه .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 01:15 PM   #223
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة التسعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن أبا الحسن ودع الجارية ورجع إلى دكانه فلما جلس فيه وجد قلبه انقبض وضاق صدره وتحير في أمره ولم يزل في فكر بقية يومه وليلته وفي اليوم الثاني ذهب إلى علي بن بكار وجلس عنده حتى ذهبت الناس وسأله عن حاله فأخذ في شكوى الغرام وما به من الوجد والهيام وأنشد يقول :
شكا ألم الغرام الناس قبلـي ........ وروع بالنوى حي ومـيت
واما مثل ما ضمت ضلوعي ........ فإني لا سمعـت ولا رأيت
فقال أبو الحسن :
أنا ما رأيت ولا سمعت بمثلك في محبتك كيف يكون هذا الوجد وضعف الحركة ، وقد تعلقت بحبيب موافق فكيف إذا تعلقت بحبيب مخالف مخادع فكان أمرك ينكشف ؟
فركن علي بن بكار إلى كلامه وشكره على ذلك .
وكان أبو الحسن له صاحب يطلع على أمره وأمر علي بن بكار ويعلم أنهم متوافقان ولم يعلم أحد ما بينهم غيره وكان يأتيه فيسأله عن حال علي بن بكار وبعد قليل يسأله عن الجارية فقال أبو الحسن له :
قد دعته إليها ، وكان بينه وبينها ما لا مزيد عليه وهذا آخر ما انتهى من أمرهما ولكن دبرت لنفسي أمر أريد عرضه عليك .
فقال له صاحبه :
ما هو ؟
قال أبو الحسن :
اعلم أني رجل معروف بكثرة المعاملات بين الرجال والنساء وأخشى أن ينكشف أمرهما فيكون سبباً لهلاكي وأخذ مالي وهتك عيالي وقد اقتضى رأيي أن أجمع مالي وأجهز حالي وأتوجه إلى مدينة البصرة وأقيم بها حتى أنظر ما يكون من أحوالهما بحيث لا يشعر بي أحد فإن المحبة قد تمكنت منهما ودارت المراسلة بينهما ، والحال أن الرسول بينهما جارية وهي كاتمة لأسرارهما وأخشى أن يغلب عليها الضجر فتبوح بسرهما لأحد فيشيع خبرهما ويؤدي ذلك إلى هلاكي ويكون سبباً لتلفي وليس لي عذر عند الناس .
فقال له صاحبه :
قد أخبرتني بخبر خطير يخاف من مثله العاقل الخبير كفاك الله شر ما تخافه وتخشاه ونجاك مما عقباه وهذا الرأي هو الصواب .
فانصرف أبو الحسن إلى منزله وصار يقضي مصالحه ويتجهز للسفر إلى البصرة ، وقد قضى مصالحه وسافر إلى البصرة فجاء صاحبه بعد ثلاثة أيام ليزوره فلم يجده فسأل عنه جيرانه فقالوا له :
إنه توجه من مدة ثلاثة أيام إلى البصرة لأن له معاملة عند تجارها فذهب ليطالب أرباب الديون وعن قريب يأتي .
فاحتار الرجل في أمره وصار لا يدري أين يذهب وقال :
يا ليتني لم أفارق أبا الحسن .
ثم دبر حيلة يتوصل بها إلى علي بن بكار فقصد داره وقال لبعض غلمانه :
استأذن لي سيدك لأدخل أسلم عليه .
فدخل الغلام واخبر سيده به ثم عاد إليه وأذن له بالدخول فدخل عليه فوجده ملقى على الوسادة فسلم عليه فرد عليه السلام ورحب .
ثم إن الرجل اعتذر إليه في تخلفه عنه تلك المدة ، ثم قال له :
يا سيدي إن بيني وبينك وبين أبي الحسن صداقة وإني كنت أودعه أسراري ولا أنقطع عنه ساعة فغبت في بعض المصالح مع جماعة من أصحابي مدة ثلاثة أيام ثم جئت إليه فوجدت دكانه مقفلة فسألت عنه الجيران فقالوا :
إنه توجه إلى البصرة ولم أعلم له صديقاً أوفى منك، فبالله أن تخبرني بخبره .
فلما سمع علي بن بكار بكلامه تغير لونه واضطرب وقال :
لم أسمع قبل هذا اليوم خبر سفره وإن كان الأمر كما ذكرت فقد حصل لي التعب .
ثم أفاض دمع العين وأنشد هذين البيتين :
قد كنت أبكي على ما فات مني من فرح ........ وأهل ودي جميعاً غـير أشتات
واليوم فـرق مـا بـيني وبـينـهم ........ دهري فأبكي على أهل المودات
ثم إن علي بن بكار أطرق رأسه إلى الأرض يتفكر وبعد ساعة رفع رأسه إلى خادم له وقال له :
امض إلى دار أبي الحسن واسأل عنه هل هو مقيم أم مسافر ؟ فإن قالوا :
سافر فاسأل إلى أي ناحية توجه ؟
فمضى الغلام وغاب ساعة ثم أقبل إلى سيده وقال :
إني لما سألت عن أبي الحسن أخبرني أتباعه أنه مسافر إلى البصرة ولكن وجدت جارية واقفة على الباب فلما رأتني عرفتني ولم أعرفها وقالت لي :
هل أنت غلام علي بن بكار ؟
فقلت لها :
نعم .
فقالت :
إني معي رسالة إليه من عند أعز الناس عليه فجاءت معي وهي واقفة على الباب .
فقال علي بن بكار :
أدخلها .
فطلع الغلام إليها وأدخلها فنظر الرجل الذي عند علي بن بكار إلى الجارية فوجدها ظريفة ثم إن الجارية تقدمت إلى علي بن بكار وسلمت عليه .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 01:16 PM   #224
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الحادية والتسعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما دخلت على علي بن بكار تقدمت إليه وسلمت عليه وتحدثت معه سراً وصار يقسم في أثناء الكلام ويحلف أنه لم يتكلم بذلك ، ثم ودعته وانصرفت وكان الرجل صاحب أبي الحسن جواهرجياً فلما انصرفت الجارية وجد للكلام محلاً فقال لعلي بن بكار :
لا شك ولا ريب لدار الخلافة عليك مطالبة أو بينك وبينها معاملة .
فقال علي بن بكار :
ومن أعلمك بذلك ؟
فقال صاحب أبو الحسن :
معرفتي بهذه الجارية لأنها جارية شمس النهار وكانت جاءتني من مدة برقعة مكتوب فيها أنها تشتهي عقد جواهر فأرسلت لها عقداً ثميناً .
فلما سمع علي بن بكار كلامه اضطرب حتى غشي عليه ثم عاد إلى نفسه وقال :
يا أخي سألتك بالله من أين تعرفها ؟
فقال له الجواهرجي :
دع الإلحاح في السؤال .
فقال له علي بن بكار :
لا أرجع عنك إلا إذا أخبرتني بالصحيح .
فقال له الجواهرجي :
أنا أخبرك بحيث لا يدخلك مني وهم ولا يعتريك من كلامي انقباض ولا أخفي عنك سراً وأبين لك حقيقة الأمر ولكن بشرط أن تخبرني بحقيقة حالك وسبب مرضك .
فأخبره بخبره ثم قال :
والله يا أخي ما حملني على كتمان أمري من غيرك إلا مخافة أن الناس تكشف أستار بعضها .
فقال الجواهرجي لعلي بن بكار :
وأنا ما أردت اجتماعي بك إلا لشدة محبتي لك وغيرتي عليك وشفقتي على قلبك من ألم الفراق عسى أن أكون لك مؤنساً نيابة عن صديقي أبو الحسن مدة غيبته فطب نفساً وقر عيناً .
فشكره علي بن بكار على ذلك وأنشد هذين البيتين :
ولو قلت أني صابر بعـد بـعـده ........ لكذبني دموعي وفرط نـحـيبـي
وكـيف أداري مدمعـاً جـريانـه ........ على صحن خدي من فراق حبيبي
ثم إن علي بن بكار سكت ساعة من الزمان وبعد ذلك قال للجواهرجي :
أتدري ما أمرتني به الجارية ؟
فقال الجواهرجي :
لا والله يا سيدي .
فقال علي بن بكار :
إنها زعمت أني أشرت على أبي الحسن بالمسير إلى مدينة البصرة وإنني دبرت بذلك حيلة لأجل عدم المراسلة والمواصلة فحلفت لها أن ذلك لم يكن فلم تصدقني ومضت إلى سيدتها وهي على ما هي عليه من سوء الظن لأنها كانت تصغي إلى أبي الحسن .
فقال الجواهرجي : يا أخي إني فهمت من حال هذه الجارية هذا الأمر ولكن إن شاء الله تعالى أكون عوناً لك على مرادك .
فقال له علي بن بكار :
وكيف تعمل معها وهي تنفر كوحش الفلاة ؟
فقال له الجواهرجي :
لابد أن أبذل جهدي في مساعدتك واحتيالي في التوصل إليها من غير كشف ستر ولا مضرة .
ثم استأذن في الإنصراف فقال له علي بن بكار :
يا أخي عليك بكتمان السر .
ثم نظر إليه وبكى فودعه وانصرف .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 01:51 PM   #225
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثانية والتسعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الجواهرجي ودعه وانصرف وهو لا يدري كيف يعمل في إسعاف علي بن بكار ومازال ماشياً وهو متفكر في أمره إذ رأى ورقة مطروحة في الطريق فأخذها ونظر عنوانها وقرأها فإذا هي من المحب الأصغر إلى الحبيب الأكبر ففتح الورقة فرأى مكتوباً فيها هذين البيتين :
جاء الرسول بوصل منك يطمعني ........ وكـان أكثر ظني أنـه وهـمـا
فما فرحت ولكن زادني حـزنـاً ........ علمي بأن رسولي لم يمن فهمـا
وبعد فاعلم يا سيدي أنني لم أدر ما سبب قطع المراسلة بيني وبينك فإن يكن صدر منك الجفاء فأنا أقابله بالوفاء وإن يكن ذهب منك الوداد فانا أحفظ الود على البعاد كما يقول الشاعر :
به أحتمل وأستطل أصبر وعزاهن ........ وول أقبل وقل اسمع ومر اطلع
فلما قرآها إذا بالجارية أقبلت تتلفت يميناً وشمالاً فرأت الورقة في يده فقالت :
إن هذه الورقة وقعت مني .
فلم يرد عليها جواباً ومشى ومشت الجارية خلفه إلى أن أقبل على داره ودخل والجارية خلفه فقالت له :
يا سيدي رد لي هذه الورقة فإنها سقطت مني .
فالتفت إليها وقال :
يا جارية لا تخافي ولا تحزني ولكن أخبريني الصدق فإني كتوم للأسرار وأحلفك يميناً أنك لا تخفي عني شيئاً من أمر سيدتك فعسى الله أن يعينني على قضاء أغراضك ويسهل الأمور الصعاب على يدي .
فلما سمعت الجارية كلامه قالت :
يا سيدي ما ضاع سر أنت حافظه ولا خاب أمر أنت تسعى في قضائه ، اعلم أن قلبي مال إليك فانا أخبرك بحقيقة الأمر لتعطيني الورقة .
ثم أخبرته بالخبر كله وقالت :
والله على ما أقول شهيد .
فقال لها الجواهرجي :
صدقت فإن عندي علم بأصل الخبر .
ثم حدثها بحديث علي بن بكار وكيف أخذ ضميره وأخبرها بالخبر من أوله إلى آخره .
فلما سمعت ذلك فرحت واتفقا على أنها تأخذ الورقة وتعطيها لعلي بن بكار وجميع ما يحصل ترجع إليه وتخبره به فأعطاها الورقة فأخذتها وختمتها كما كانت وقالت :
إن سيدتي شمس النهار أعطتها إلي مختومة فإذا قرأها ورد جوابها أتيتك به .
ثم إن الجارية ودعته وتوجهت إلى علي بن بكار فوجدته في انتظار فأعطته الورقة وقرأها ثم كتب لها ورقة رد للجواب وأعطاها لها فأخذتها ورجعت بها إلى الجواهرجي حسب الإتفاق ففض ختمها وقرأها فرأى مكتوباً فيها :
إن الرسول الذي كانت رسائلـنـا ........ مكتومة عنده ضاقت وقد غضبـا
فاستخلصوا لي رسولاً منكم ثـقة ........ يستحسن الصدق لا يستحسن الكذبا
وبعد فإني لم يصدر مني جفاء ولا تركت وفاء ولا نقضت عهداً ولا قطعت وداً ولا فارقت أسفاً ولا لقيت بعد الفراق إلا تلفاً ولا علمت أصلاً بما ذكرتم ولا أحب غير ما أحببتم وحق عالم السر والنجوى وما قصدي غير الإجتماع بمن أهوى وشأني كتمان الغرام وإن أمرضني السقام وهذا شرح حالي والسلام .
فلما قرأ الجواهرجي هذه الورقة وعرف ما فيها بكى بكاءً شديداً ثم إن الجارية قالت له :
لا تخرج من هذا المكان حتى أعود إليك لأنه قد اتهمني بأمر من الأمور وهو معذور وأنا أريد أن أجمع بينك وبين سيدتي شمس النهار بأي حيلة فإني تركتها مطروحة وهي تنتظر مني رد الجواب .
ثم إن الجارية مضت إلى سيدتها ولم تغب إلا قليلاً وعادت إلى الجواهرجي وقالت له :
احذر أن يكون عندك جارية أو غلام ؟
فقال الجواهرجي :
ما عندي غير جارية سوداء كبيرة السن تخدمني .
فقامت الجارية وأغلقت الأبواب بين جارية الجواهرجي وبينه وصرفت غلمانه إلى خارج الدار ثم خرجت الجارية وعادت ومعها جارية خلفها ودخلت دار الجواهرجي فعبقت الدار من الطيب فلما رآها الجواهرجي نهض قائماً ووضع لها مخدة وجلس بين يديها فمكثت ساعة لا تتكلم حتى استراحت ثم كشفت وجهها فخيل للجواهرجي أن الشمس أشرقت في منزله ثم قالت لجارتها :
هذا الرجل الذي قلت لي عليه ؟
فقالت الجارية :
نعم .
فالتفتت إلى الجواهرجي وقالت له :
كيف حالك ؟
قال الجواهرجي :
بخير .
ودعا لها ، فقالت :
إنك حملتنا المسير إليك وإن نطلعك على ما يكون من سرنا .
ثم سألته عن أهله وعياله فأخبرها بجميع أحواله وقال لها :
إن لي داراً غير هذه الدار جعلتها للإجتماع بالأصحاب والأخوان ليس لي فيها إلا ما ذكرته لجاريتك .
ثم سألته عن كيفية اطلاعه على أصل القصة فاخبرها بما سألته عنه من أول الأمر إلى آخره فتأوهت على فراق أبو الحسن وقالت :
يا فلان اعلم أن أرواح الناس متلائمة في الشهوات والناس بالناس ولا يتم عمل إلا بقول ، ولا يتم غرض إلا بمعين ، ولا تحصل راحة إلا بعد تعب .


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:27 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا