المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 13-10-2011, 05:58 AM   #331
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 34

(لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واقٍ "34")
ولهؤلاء المشركين الذين لا يؤمنون بالآخرة عذاب في الدنيا بالقتل والأسر والمصائب والكوارث التي لا يقدرون عليها، وفوق ذلك لهم عذاب في الآخرة أكثر شدة من عذاب الدنيا؛ فليس لهم من يحميهم، أو يقيم بينهم وبين عذاب الله وقاية أو عصمة


 

قديم 13-10-2011, 05:58 AM   #332
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 35

(مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار "35")
والمصدر الأساسي الذي وعد المتقين بالجنة هنا هو الله، وقد بلغ عنه الرسل ـ عليهم السلام ـ هذا الوعد، وتلاهم العلماء المبلغون عن الرسل. وأنت حين تنظر إلى فعل يشيع بين عدد من المصادر، تستطيع أن تبحث عن المصدر الأساسي، والمثل هو قول الحق سبحانه:

{الله يتوفى الأنفس حين موتها .. "42"}
(سورة الزمر)


ويقول في موقع آخر من القرآن:

{قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم .. "11"}
(سورة السجدة)


وهكذا تكون التوفية قد آلت إلى الله؛ وآلت إلى ملك الموت، وقد أخذ ملك الموت مسئولية التوفية من إسناد الحق له تلك المهمة؛ ويكون نسبتها لملك الموت هو نوع من إيضاح الطرف الذي يوكل له الحق سبحانه تنفيذ المهمة. ومرة يأتي الحق سبحانه بالمصدر الأصلي الذي يصدر الأمر لملك الموت بمباشرة مهمته. وهنا في الآية الكريمة نجد قول الحق سبحانه:

{وعد المتقون .. "35"}
(سورة الرعد)


وهي مبنية لما لم يسم فاعله؛ فالوعد منه سبحانه. ونعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعد أيضاً، فهانحن قد جاء إلينا خبر بيعة العقبة؛ حين أخذ البيعة من الأنصار، وقالوا له: خذ لنفسك، فأخذ لنفسه ما أراد، ثم قالوا له: وماذا نأخذ نحن إن أدينا هذا؟ فقال لهم: "لكم الجنة".
وقال صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأن العمل الذي فعلوه؛ لا يكفيه أجراً إلا الجنة، ومن المعقول أن أي واحد من الذين حضروا العقبة قد يتعرض للموت من بعد معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو أنه وعدهم بما في الدنيا من متاع قد يأخذه البعض فيما بعد؛ فالذي يموت قبل هذا لابد أن يدرك شيئاً مما وعد الرسول من عاهدوه؛ ولذلك أعطاهم ما لا ينفذ، وهو الوعد بالجنة.
والحق سبحانه هنا ـ في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها ـ يقول:

{مثل الجنة .. "35"}
(سورة الرعد)


أي: أنه يضرب لنا المثل فقط؛ لأن الألفاظ التي نتخاطب بها نحن قد وضعت لمعان نعرفها؛ وإذا كانت في الجنة أشياء لم ترها عين ولم تسمعها أذن، ولم تخطر على بال بشر؛ فمن الممكن أن نقول إنه لا توجد ألفاظ عندنا تؤدي معنى ما هناك، فيضرب الله الأمثال لنا بما نراه من الملذات؛ ولكن يأخذ منها المكدرات والمعكرات.
وهكذا نعرف أن هناك فارقاً بين "مثل الجنة" وبين "الجنة"، فالمثل يعطيني صورة أسمعها عن واقع لا أعلمه؛ لأن معنى التمثيل أن تلحق مجهولاً بمعلوم لتأخذ منه الحكم. مثلما تقول لصديق: أتعرف فلاناً؛ فيقول لك: "لا". فتقول له: "إنه يشبه فلاناً الذي تعرفه".
وأنت تفعل ذلك كي تشبه مجهولاً بمعلوم؛ لتأتي الصورة في ذهن سامعك. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم شرحاً لما أجمله القرآن:

{وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين .. "71"}
(سورة الزخرف)


<ويضيف صلى الله عليه وسلم: "فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ">

وحين تدقق في هذا القول النبوي الكريم تجد الترقي كاملاً؛ فقوله: "ما لا أذن سمعت" جاء لأنه يعلم أن مدركات العين محدودة بالنسبة لما تعلم الأذن؛ لأن الأذن تسمع ما لا تدركه العين؛ فهي تسمع ما يراه غيرك بالإضافة إلى ما تراه أنت.
فالأذن تسمع القريب وتسمع البعيد وتنقل صوته وتستحضره ثم تميزه، بخلاف العين فهي محدودة المسافة حسب قوة الإبصار، ومع كل فنعيم الجنة فوق كل هذا الفوق. ثم يأتي الترقي الأكبر في قوله: "ولا خطر على قلب بشر". والخواطر أوسع من قدرة الأذن وقدرة العين؛ فالخواطر تتخيل أشياء قد تكون غير موجودة.
وهكذا نرى عجز اللغة عن أن توجد بها ألفاظ تعبر عن معنى ما هو موجود بالجنة، ولا أحد فينا يعلم ما هي الأشياء الموجودة بالجنة، ومادام أحد منا لم ير الجنة؛

<ومادام الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر">

فلابد أن نعلم قدر عجز اللغة عن التعبير عما في الجنة، فإذا أراد الله أن يعبر عما فيها؛ فهو يوضح لنا بالمثل؛ لا بالوصف، لأنه يعلم أن لغتنا تضع الألفاظ لما هو موجود في حياتنا؛ ولا توجد ألفاظ في لغتنا تؤدي معاني ما في الجنة. ولذلك قال لنا الحق سبحانه:

{مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى .. "15"}
(سورة محمد)


ومع أن الحق سبحانه يضرب مثلاً، إلا أنه خلص المثل من شوائبه التي نعرفها في الدنيا، فالمياه عندما تجري؛ تكون حلوة ورائقة وصافية؛ وإن ركدت فهي تأسن وتكون عطنة. ولذلك يوضح لنا الحق سبحانه أن المياه في الجنة غير آسنة؛ وأنها تكون أنهاراً منزوعاً من مياهها ما يكدرها.
وكذلك المثل بأنهار من لبن لم يتغير طعمه. واللبن كما نعرف هو غذاء البدو؛ فهم يحلبون الماشية، ويحتفظون بألبانها في قرب لمدة طويلة؛ فيتغير طعم اللبن؛ ولذلك يضرب لهم المثل بوجود أنهار من لبن لم يتغير طعمه.
وأيضاً يضرب المثل بوجود أنهار من عسل مصفى، والعسل ـ كما نعرف ـ كان في الأصل يأتي من النحل الذي كان يسكن الجبال قبل استئناسه؛ ووضعه في مناحل في الحدائق. والحق ـ سبحانه وتعالى ـ هو القائل:

{وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون "68"}
(سورة النحل)


 

قديم 13-10-2011, 05:59 AM   #333
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 36

(والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب "36")
ونعلم أن الإسلام قد سبق بدينين؛ دين النصارى قوم عيسى عليه السلام؛ ومن قبله دين اليهود قوم موسى عليه السلام؛ وكلا الدينين له كتاب؛ الإنجيل كتاب المسيحية؛ والتوراة كتاب اليهودية؛ والقرآن هو كتاب الله المهيمن الخاتم؛ كتاب الإسلام، وهناك كتب سماوية أخرى مثل: صحف إبراهيم؛ وزبور داود، وغير ذلك.
وكان على من نزل عليهم التوراة والإنجيل أن يواصلوا الإيمان بمدد السماء، والخير القادم منها إلى الأرض، وقد سبق أن أخذ الله من أنبيائهم الميثاق على ذلك، وقال تعالى:

{وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين "81" }
(سورة آل عمران)


وهكذا نعلم أن الحق سبحانه قد شاء أن يستقبل كل دين سابق الدين الذي يليه بالإيمان به؛ وفي كل دين سابق لآخر كانت النصوص تؤكد ضرورة الإيمان بالرسول القادر، كي لا يحدث اقتراع بين الأديان الناسخة والأديان المنسوخة.
فمن صميم مواد أي دين سابق أن ينتظر الدين الذي يليه، وإذا ما جاء الدين الجديد فهو يستقبله فرعاً وتكملة، ولا يستقبله كدين يضاد الدين السابق.
وإذا كان الإسلام هو الدين الذي تختم به مواكب الرسل؛ فلابد أن الأديان السابقة عليه قد بشرت به، وكل مؤمن بالأديان السابقة موصى بضرورة الإيمان به. ويقول الحق سبحانه:

{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه "13"}
(سورة الشورى)


ويقول الحق سبحانه:

{والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك .. "36"}
(سورة الرعد)


أي: أن أهل التوراة والإنجيل يفرحون بما جاء يا محمد من القرآن، والإنسان لا يفرح بشيء إلا إذا حقق له غاية تسعده، ولابد أن تكون هذه الغاية منشورة ومعروفة. وهم قد فرحوا بما نزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حقق لهم ما جاء في كتبهم من نبوءة به.
ومعنى ذلك أن كتبهم قد صدقت، ومن جاء بالرسالة الخاتم صادق، وكان عليهم أن يكونوا أول المبادرين إلى الإيمان به. ذلك أن الفرحة هي العملية التعبيرية أو النزوعية من مواجيد الحب، والإنسان إنما يفرح بتحقيق أمر طيب كان ينتظره. ولذلك كان يجب أن يهرولوا للإيمان بالدين الجديد، وأن يعلنوا الإيمان به مثلما فعل كعب الأحبار، وعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي الذي جاب أغلب البلاد باحثاً عن الدين الحق.
وهؤلاء هم مجرد أمثلة لمن أرادوا أن يعبروا بالفرحة واستقبال مدد السماء عبر مجيء النبي الخاتم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وأعلنوا البيعة للرسول الجديد كما بشرت به الكتب السماوية السابقة على بعثته، ثم وقفوا موقف العداء من الذين لم يفرحوا بمقدم الرسول، ثم غيروا ما جاء في كتبهم السماوية طمعاً في السلطة الزمنية.
وعرف من آمنوا برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذين أنكروا نبوة محمد بن عبد الله قد دلسوا على أنفسهم وعلى غيرهم، وأتوا بأشياء لم تكن موجودة في كتبهم المنزلة على رسلهم كادعائهم أن لله أبناء، وسبحانه منزه عن ذلك:

{والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب "36"}
(سورة الرعد)


 

قديم 13-10-2011, 06:00 AM   #334
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 37

(وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واقٍ "37")
والمقصود بـ"كذلك" إشارة إلى إرسال الرسل المتقدمين بمعجزات شاءها الحق سبحانه، ولم يقترحها أحد. وقوله:

{أنزلناه .. "37"}
(سورة الرعد)


ساعة نسمعه نرى أن هناك مكانة علية ينزل منها شيئاً لمكانة أدنى، ومثل ذلك أمر معروف في الحسيات، وهو معروف أيضاً في المعنويات.
بل وقد يكون هذا الشيء لم يصل إلى السماء؛ ولكنه في الأرض، ومع ذلك يقول فيه الحق سبحانه:

{وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس .. "25"}
(سورة الحديد)


وهو إنزال، لأنه أمر من تدبير السماء، حتى وإن كان في الأرض:

{وكذلك أنزلناه حكماً عربياً .. "37"}
(سورة الرعد)


والحكم هو المعنى، والمقصود بالإنزال هنا هو القرآن، وهو كتاب؛ والكتاب بمني ومعنى، وشاء الحق سبحانه هنا أن يأتي بوصف المبالغة ليأتي الوصف وكأنه الذات، أي: أنه أنزل القرآن حكماً؛ وهذا يعني أن القرآن في حد ذاته حكم.
وأنت حين تصف قاضياً يحكم تمام العدل؛ لا تقول "قاض عادل" بل تقول "قاض عدل" أي: كأن العدل قد تجسم في القاضي؛ وكأن كل تكوينه عدل. والحق سبحانه هنا يوضح أن القرآن هو الحكم العدل، ويصفه بأنه:

{حكماً عربياً .. "37"}
(سورة الرعد)


لأن اللسان الذي يخاطب به الرسول القوم الذين يستقبلون بآذانهم ما يقوله لهم لابد أن يكون عربياً. ولذلك يقول في آية أخرى.

{وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون "44"}
(سورة الزخرف)


أي: أنه شرف كبير لك ولقومك، أن نزل القرآن بلغة العرب.
وقد حفظ القرآن لنا اللغة العربية سليمة صافية؛ بينما نجد كل لغات العالم قد تشعبت إلى لهجات أولاً، ثم استقلت كل لهجة فصارت لغة، مثل اللغة اللاتينية التي خرجت منها أغلب لغات أوربا المعاصر من: إنجليزية وفرنسية وإيطالية، ووجدنا تلك اللغات تتفرق إلى لغات استقلالية، وصار لكل منها قواعد مختلفة.
بل إن اللغة الإنجليزية على سبيل المثال صارت "إنجليزية ـ إنجليزية" يتكلم بها أهل بريطانيا؛ و"إنجليزية ـ أمريكية" يتكلم بها أهل الولايات المتحدة.
ول تركنا ـ نحن ـ لغة التخاطب بيننا كمسلمين وعرب إلى لغة التخاطب الدارجة في مختلف بلادنا؛ فلن يفهم بعضنا البعض، ومرجع تفاهمنا مع بعضنا البعض ـ حين نتكلم ـ هو اللغة الفصحى. ودليلنا ما رأينا في مغربنا العربي، فنجد إنساناً تربى على اللغة الفرنسية، أو تكون لغة جمعاً بين لهجات متعددة من البربرية والفرنسية وبقايا لغة عربية، فإذا حدثته باللغة العامية لا يفهم منك شيئاً، وإن تحدثت معه باللغة العربية استجاب وأجاب؛ لأن فطرته تستقبل الفصحى فهماً وإدراكاً.
وهكذا رأينا كيف صان القرآن الكريم اللغة العربية واللسان العربي. ومن ضمن معاني قول الحق سبحانه:

{حكماً عربياً .. "37"}
(سورة الرعد)


أي: أن الذي يصون ويعصم هذا اللسان العربي هو القرآن الكريم. ويتابع سبحانه بقوله:

{ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واقٍ "37"}
(سورة الرعد)
وهذا خطاب موجه منه سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم يكشف فيه الحق سبحانه أمام رسوله صلى الله عليه وسلم مضار وخطورة اتباع الهوى؛ وهو خطاب يدل على أن الدين الذي نزل على موسى ثم عيسى، وهما السابقان لرسول الله؛ لم يعد كما كان على عهد الرسولين السابقين؛ بل تدخل فيه الهوى؛ ولم يعد الدين متماسكاً كما نزل من السماء. ولذلك يقول سبحانه في آية أخرى:

{لو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض .. "71"}
(سورة المؤمنون)


ذلك أنه سبحانه لو اتبع أهواءهم لضاع نظام الكون؛ ألم يقولوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

{أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً .. "92"}
(سورة الإسراء)


ولو استجاب الحق مثلاً لهذه الدعوة، ألم تكن السماء لتفسد؟
إذن: فبعد أن نزل القرآن من السماء حكماً وعلماً ومنهجاً يسهل عليهم فهمه، لأنه بلغتهم، وهم يحمل كامل المنهج إلى أن تقوم الساعة، وفيه دليل السعادة في الدنيا والآخرة.
لذلك فليس لأحد أن يتبع هواه؛ فالهوى ـ كما نعلم ـ يختلف من إنسان لآخر، والخطاب الموجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتضمن في طياته الخطاب لأمته صلى الله عليه وسلم.
ومن يفعل ذلك فليس له من دون الله ولي يؤازره أو ينصره، أو يقيه عذاب الحق: شقاءً في الدنيا، وإلقاءً في الجحيم في الآخرة.


 

قديم 13-10-2011, 06:00 AM   #335
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 38

(ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب "38")
وأنت يا محمد لست بدعاً من الرسل في مسألة الزواج والإنجاب. وهي تحمل الرد على من قالوا:

{ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق .. "7"}
(سورة الفرقان)


ومنهم من قال: ما لهذا الرسول يتزوج النساء؟ ألم يكن من اللائق أن يتفرغ لدعوته؟ وهؤلاء الذين قالوا ذلك لم يستقرئوا الموكب الرسالي، لأنهم لو فعلوا لوجدا أن أغلب الرسل قد تزوجوا وأنجبوا.
وحين تكون حياة الرسول قريبة ـ كمثال واضح ـ من حياة الناس الذين أرسل إليهم؛ ليكون أسوة لهم؛ فالأسوة تتأتى بالجنس القابل للمقارنة؛ وحين تكون حياة الرسول كحياة غيره من البشر في إطارها العام؛ كأب وزوج، فالأسوة تكون واضحة للناس. ونعلم أن هناك من جاء إلى رسول الله؛ ليطلب الإذن بالتفرغ التام للعبادة من: صوم وصلاة وزهد عن النساء،

<فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال في حديث شريف: "إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني">

ويتابع الحق سبحانه:

{وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب "38"}
(سورة الرعد)


أي: ما كان لأحد أن يقترح على الله الآية التي تأتي مع أي رسول من الرسل، ولم يكن لأي رسول حق في اختيار الآية المصاحبة له.
وبهذا القول حسم الحق سبحانه قضية طلب المشركين لآيات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل رسول جاء لزمنه ولقومه؛ وكل معجزة كانت من اختيار الله، وكل رسول يؤدي ما يكلفه به الله؛ وليس للرسول أن يقترح على الله آية ما؛ لأن الخالق الأعلى هو الأعلم بما يصلح في هذه البيئة على لسان هذا الرسول. ونأخذ من قوله الحق:

{لكل أجل كتاب "38"}
(سورة الرعد)


أن لكل رسالة رسولها، ولكل رسالة مكانها، ولكل رسالة معجزتها، فإذا كان الأمر كذلك فدعوا محمد صلى الله عليه وسلم وما اختاره الله له؛ في المكان الذي شاءه سبحانه، وفي الزمان؛ وفي المعجزة المصاحبة له صلى الله عليه وسلم.
ولكن، أهناك تغيير بعد أن يقول الحق سبحانه:

{لكل أجل كتاب "38"}
(سورة الرعد)


 

قديم 13-10-2011, 06:00 AM   #336
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 39

(يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب "39")
والمحو كما نعلم هو الإزالة، والتثبيت أي: أن يبقى الحق ما يراه ثابتاً. وقد فهم بعض الناس ـ خطأ ـ أن كل حكم في القرآن قد جاء ليثبت وسيظل هكذا أبد الدهر؛ ولكن عند التطبيق ظهر أن بعض الأحكام يقتضي تغييرها يغيرها الله لحكمة فيها خير البشرية.
ونقول: لا، لم يحدث ذلك، ولكن كانت هناك أحكام مرحلية؛ ولها مدة محددة؛ ولذلك جاء قول الحق سبحانه:

{وعنده أم الكتاب "39"}
(سورة الرعد)


أي: عنده اللوح المحفوظ الذي تحددت فيه الأحكام التي لها مدة محددة؛ وما أن تنتهي إلا وينزل حكم آخر مكانها، وعلى هذا المعنى يمكن أن نقول: إنه لم يوجد نسخ للأحكام، لأن معنى يمكن أن نقول: إنه لم يوجد نسخ للأحكام يتزحزح عن زمانه؛ لأن كل حكم موقوت بوقت محدود؛ وما أن ينتهي الوقت حتى يبدأ حكم جديد.
أقول ذلك كي أنبه العلماء إلى ضرورة أن يجلسوا معاً لدراسة ذلك، حتى لا يختلف العلماء: أهناك نسخ أم لا، وأقول: فلنحدد النسخ أولاً، لأن البعض يظن أن هناك حكماً كان يجب أن ينسحب على كل الأزمنة، ثم جاء حكم آخر ليحل محله لحكمة تقتضيها مصلحة البشرية والمراد لله منها.
ولا يوجد حكم أنهى حكماً وطرأ عليه ساعة الإنهاء؛ بل كل الأحكام كانت مقدرة أزلاً؛ وعلى ذلك فلا يوجد نسخ لأي حكم، ولكن هناك أحكام ينتهي وقتها الذي قدره الله لها؛ ويأتي حكم سبق تقديره أزلاً ليواصل الناس الأخذ به؛ ومادام الأمر كذلك فلا يوجد نسخ. ولننظر إلى قول الحق سبحانه:

{ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها .. "106"}
(سورة البقرة)


ويتضح من منطوق الآية ومفهومها أن عند نسخ حكم يأتي الله بمثله أو خير منه. إذن: ليس هناك نسخ وإنما هناك أحكام تؤدي مهمتها في زمن ثم يأتي زمن يحتاج إلى حكم خير منه أو مثله في الحكم، ولكنه يوافق المصالح المرسلة مع مراد الله.
ولقائل أن يقول: مادام سيأتي بخير من الآية المنسوخة أو المنسأة فذلك افضل، ولكن لماذا يأتي بالمثل؟
وأقول: لأنك إن جاءك ما هو خير منها قد تستسيغه، ولكن حين ننتقل إلى مثل ما جاءت به الآية؛ فهذا محك الإيمان.
والمثل هو التوجه في الصلاة إلى بيت المقدس في أول الدعوة؛ ثم مجيء الأمر بتحويل القبلة إلى الكعبة؛ فلا مشقة في ذلك.
ولكن هنا يتم اختبار الالتزام الإيماني بالتكليف، وهنا الانصياع للحكم الذي ينزله الله، وهو حكم مقدر أزلاً؛ وفي هذا اختبار لليقين الإيماني في إدارة توجيه المدبر لهذا السير.
وكذلك في الحج يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ليقبل الحجر الأسود؛ ثم يرجم الحجر الذي يرمز لإبليس، ونحن نفعل ذلك أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلاهما حجر، ولكننا نمتثل لأمره صلى الله عليه وسلم. فتقبيل الحجر الأسود ورجم الحجر الذي يشير إلى رمزية إبليس، كل هذا استجابة لأمر الآمر.
وحين يقول الحق سبحانه:

{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب "39"}
(سورة الرعد)


فهو يعني أنه سبحانه ينهي زمن الحكم السابق الذي ينتهي زمنه في أم الكتاب أي اللوح المحفوظ؛ ثم يأتي الحكم الجديد.
والمثال: هو حكم الخمر؛ وقد عالجها الحق سبحانه أولاً بما يتفق مع قدرة المجتمع؛ وكان المطلوب الأول هو تثبيت العقيدة؛ ثم تجيء الأحكام من بعد ذلك.
وهناك فرق بين العقيدة ـ وهي الأصل ـ وبين الأحكام، وهي تحمل أسلوب الالتزام العقدي، وكان الحكم في أمر العقيدة ملزماً ومستمراً.
أما الأحكام مثل حكم الخمر فقد تدرج في تحريمها بما يتناسب مع إلف الناس؛ واعتيادهم؛ فقلل الحق سبحانه زمن صحبة الخمر؛ ثم جاء التحريم والأمر بالاجتناب، وعدم القرب منها. والمثل في حياتنا؛ حيث نجد من يريد أن يمتنع عن التدخين وهو يوسع من الفجوة الزمنية بين سيجارة وأخرى، إلى أن يقلع عنها بلطف، وينفيها من حياته تماماً.
ونجد القرآن يقول في الخمر:

{ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً .. "67"}
(سورة النحل)


وهنا يمتن الله عليهم بما رزقهم به؛ ولكن أهل الذوق يلتفتون إلى أنه لم يصف الخمر بأنها من الرزق الحسن؛ ووصف البلح والعنب بأنه رزق حسن؛ لأن الإنسان يتناوله دون أن يفسده. وهكذا يلتفت أهل الذوق إلى أن الخمر قد يأتي لها حكم من بعد ذلك، ثم ينزل الحق سبحانه عظة تقول:

{يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما اكبر من نفعهما .. "219"}
(سورة البقرة)


 

قديم 13-10-2011, 06:01 AM   #337
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 40

(وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب "40")
هذه الآية تحدد مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم في أن يبلغ منهج الله، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، إلا أن قول الحق سبحانه في رسوله صلى الله عليه وسلم:

{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم "128"}
(سورة التوبة)


جعله هذا القول متعلقاً بهداية قومه جميعاً، وكان يرجو أن يكون الكل مهتدياً؛ ولذلك يقول الحق سبحانه لرسوله في موقع آخر:

{فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا "6"}
(سورة الكهف)


أي: أنك لست مسئولاً عن إيمانهم، وعليك ألا تحزن إن لم ينضموا إلى الموكب الإيماني، وكل ما عليك أن تدعوهم وتبلغهم ضرورة الإيمان؛ والحق سبحانه هو الذي سوف يحاسبهم إما في الدنيا بالمحو والإهاب، أو في الآخرة بأن يلقوا عذاب النار.
وحين يقول الحق سبحانه:

{وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب "40"}
(سورة الرعد)


فنحن نعلم أن كل دعوة من دعوات الخير تكبر يوماً بعد يوم؛ ودعوات الشر تبهت يوماً بعد يوم. ومن يدعو إلى الخير يحب ويتشوق أن يرى ثمار دعوته وقد أينعت، ولكن الأمر في بعض دعوات الخير قد يحتاج وقتاً يفوق عمر الداعي.
ولذلك يقول الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم:

{وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك .. "40"}
(سورة الرعد)


أي: اغرس الدعوة، ودع من يقطف الثمرة إلى ما بعد ذلك، وأنت حين تتفرغ للغرس فقط؛ ستجد الخير والثمار تأتي حين يشاء الله؛ سواء شاء ذلك إبان حياتك أو من بعد موتك.
وأنت إذا نظرت إلى الدعوات التي تستقبلها الحياة تجد أن لكل دعوة أنصاراً أو مؤيدين، وأن القائمين على تلك الدعوات قد تعجلوا الثمرة؛ مع أنهم لو تمهلوا ليقطفها من يأتي بعدهم لنجحت تلك الدعوات.
ونحن في الريف نرى الفلاح يغرس؛ ومن خلال غرسه نعرف مراداته، هل يعمل لنفسه، أو يعمل من أجل من يأتي بعده؟
فمن يغرس قمحاً يحصد بسرعة تفوق سرعة من يغرس نخلة أو شجرة من المانجو، حيث لا تثمر النخلة أو شجرة المانجو إلا بعد سنين طويلة، تبلغ سبع سنوات في بعض الأحيان، وهذا يزرع ليؤدي لمن يجئ ما أداه له من ذهب.
ونحن نأكل من تمر زرعه لنا غيرنا ممن ذهبوا، ولكنهم فكروا فيمن سيأتي من بعدهم، ومن يفعل ذلك لابد وأن يكون عنده سعة في الأرض التي يزرعها؛ لأن من لا يملك سعة من الأرض فهو يفكر فقط فيمن يعول وفي نفسه فقط؛ لذلك يزرع على قدر ما يمكن أن تعطيه الأرض الآن.
أما من يملك سعة من الأرض وسعة في النفس؛ فهو من وضع في قلبه مسئولية الاهتمام بمن سيأتون بعده. وأن يرد الجميل الذي أسداه له من سبقوه، بأن يزرع لغيره ممن سيأتون من بعده.
ودعوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ شهدت له بأنه لم يبحث لنفسه عن ثمرة عاجلة؛ بل نجد الدعوة وهي تقابل الصعاب تلو الصعاب، ويلقي صلى الله عليه وسلم ما تلقى من العنت والإرهاق والجهد؛ بعد أن جهر بالدعوة في عشيرته الأقربين.
ثم ظلت الدعوة تتسع في بعض العشائر والبطون إلى أن دالت عاصمة الكفر؛ وصارت مكة بيت الله الحرام كما شاء الله، وأسلمت الجزيرة كلها لمنهج الله، وأرسل صلى الله عليه وسلم الكتب إلى الملوك والقياصرة،

<وكلها تتضمن قوله صلى الله عليه وسلم "أسلم تسلم">

ودلت هذه الكتب على أن الدعوة الإسلامية هي دعوة ممتدة لكل الناس؛ تطبيقاً لما قاله الحق لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه: "رسول للناس كافة".
قال تعالى:

{وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً .. "28"}
(سورة سبأ)


وفهم الناس الفارق بين رسالته صلى الله عليه وسلم وبين كافة الرسالات السابقة، فإلى قوم عاد أرسل هوداً عليه السلام. يقول الحق سبحانه:

{وإلى عادٍ أخاهم هوداً .. "65"}
(سورة الأعراف)


 

قديم 13-10-2011, 06:01 AM   #338
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 41

(أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب "41")
و"يروا" هنا بمعنى "يعلموا"، ولم يقل ذلك؛ لأن العلم قد يكون علماً بغيب، ولكن "يروا تعني أنهم قد علموا ما جاء بالآية علم مشهد ورؤية واضحة، وليس مع العين أين.
وإذا جاء قول الحق سبحانه ليخبرنا بأمر حدث في الماضي أو سيحدث في المستقبل؛ ووجدنا فيه فعل الرؤية؛ فهذا يعني أننا يجب أن نؤمن به إيمان مشهدٍ، لأن قوله سبحانه أوثق من الرؤية، وعلمه أوثق من عينيك. وسبق أن قال الحق سبحانه لرسوله:

{ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل "1"}
(سورة الفيل)


ونعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ولد في عام الفيل، ولا يمكن أن يكون قد رأى ما حدث لأصحاب الفيل، ولكنه صدق ما جاء به القول الحق وكأنه رؤيا مشهدية. وقال الحق سبحانه:

{ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً .. "45"}
(سورة الفرقان)


وحين يعبر القرآن عن أمر غيبي يأتي بفعل "يرى" مثل قوله الحق:

{ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم .. "12"}
(سورة السجدة)


وحين يتكلم القرآن عن أمر معاصر يقول:

{أفلا يرون .. "44"}
(سورة الأنبياء)


وهنا يقول الحق سبحانه:

{أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها .. "41"}
(سورة الرعد)


وهذا قول للحاضر المعاصر لهم.
وتعريف الأرض هنا يجعلها مجهولة، لأننا حين نرغب في أن نعرف الأرض؛ قد يتجه الفكر إلى الأرض التي نقف عليها؛ وبالمعنى الأوسع يتجه الفكر إلى الكرة الأرضية التي يعيش عليها كل البشر.
وقد تنسب الأرض إلى بقعة خاصة وقع فيها حدث ما؛ مثل قول الحق سبحانه عن قارون:

{فخسفنا به وبداره الأرض .. "81"}
(سورة القصص)


ويقول الحق سبحانه عن الأرض كلها:

{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض .. "55"}
(سورة النور)


وبطبيعة الحال هم لن يأخذوا كل الأرض، ولكن ستكون لهم السيطرة عليها. وسبحانه يقول أيضاً:

{فذروها تأكل في أرض الله .. "73"}
(سورة الأعراف)


وهكذا نفهم أن كلمة "الأرض" تطلق على بقعة لها حدث خاص، أما إذا أطلقت؛ فهي تعني كل الأرض، مثل قول الحق سبحانه:

{والأرض وضعها للأنام "10"}
(سورة الرحمن)


ومثل قوله تعالى لبني إسرائيل:

{وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض .. "104"}
(سورة الإسراء)


مع أنه قد قال لهم في آية أخرى:

{ادخلوا الأرض المقدسة .. "21" }
(سورة المائدة)


 

قديم 13-10-2011, 06:02 AM   #339
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 42

(وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار "42")
وهنا يخبر الحق سبحانه رسوله، وأي سامع لهذا البلاغ يستقرئ موكب الرسالات السابقة؛ وسيجد أن كل أمة أرسل لها رسول مكرت به وكادت له كي تبطل دعواه، ولم ينفع أي أمة أي مكر مكرته أو أي كيد كادته، فكل الرسالات قد انتصرت.
فسبحانه القائل:

{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي .. "21"}
(سورة المجادلة)


وهو القائل:

{ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين "171" إنهم لهم المنصورون "172" وإن جندنا لهم الغالبون "173"}
(سورة الصافات)


والحق سبحانه حين يورد حكماً فبالقرآن؛ وهو الذي حفظ هذا القرآن؛ فلن تأتي أي قضية كونية لتنسخ الحكم القرآني.
وأنت إذا استقرأت مواكب الرسل كلها تجد هذه القضية واضحة تماماً؛ كما أثبتها الحق سبحانه في القرآن المحفوظ؛ وما حفظه سبحانه إلا لوثوقه بأن الكونيات لا يمكن أن تتجاوزه.
وبالفعل فقد مكرت كل أمة برسولها؛ ولكن الحق سبحانه له المكر جميعاً؛ ومكر الله خير للبشرية من مكر كل تلك الأمم؛ ومكره سبحانه هو الغالب، وإذا كان ذلك قد حدث مع الرسل السابقين عليك يا رسول الله؛ فالأمر معك لابد أن يختلف لأنك مرسل إلى الناس جميعاً، ولا تعقيب يأتي من بعدك.
وكل تلك الأمور كانت تطمئنه صلى الله عليه وسلم؛ فلابد من انتصاره وانتصار دعوته؛ فسبحانه محيط بأي مكر يمكره أي كائن؛ وهو جل وعلا قادر على أن يحبط كل ذلك. ويتابع سبحانه في نفس الآية:

{يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار "42"}
(سورة الرعد)


والحق سبحانه يعلم ما يخفي عن الأعين في أعماق الكائنات؛ خير هو أو شر، ويحمي من شاء من عباده من مكر الماكرين، وينزل العقاب على أصحاب المكر السيء بالرسل والمؤمنين.
ولسوف يعلم الكافرين أن مصيرهم جهنم، وبئس الدار التي يدخلونها في اليوم الآخر؛ فضلاً عن نصرة رسوله صلى الله عليه وسلم في الدنيا وخزيهم فيها. وهكذا يكونوا قد أخذوا الخزي كجزاء لهم في الدنيا؛ ويزدادون علماً بواقع العذاب الذي سيلقونه في الدار الآخرة.


 

قديم 13-10-2011, 06:02 AM   #340
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الرعد - الآية: 43

(ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب "43")
ونفهم من كلمة:

{لست مرسلاً .. "43"}
(سورة الرعد)


أن الكافرين يتوقفون عند رفض الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وكأن كل أمانيهم أن ينفوا عنه أنه رسول اصطفاه الحق سبحانه بالرسالة الخاتمة؛ بدليل أنهم قالوا:

{لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيمٍ "31"}
(سورة الزخرف)


ومن بعد ذلك قالوا:

{اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليمٍ "32"}
(سورة الأنفال)


أي: أن فكرة الإرسال لرسول مقبولة عندهم، وغير المقبول عندهم هو شخص الرسول صلى الله عليه وسلم. ولذلك يأمر الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم:

{قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب "43"}
(سورة الرعد)


والشهيد كما نعلم هو الذي يرجح حكم الحق، فإذا ما ظهر أمر من الأمور في حياتنا الدنيا الذي نحتاج إلى حكم فيها؛ فنحن نرفع الأمر الذي فيه خلاف إلى القاضي، فيقول: "هاتوا الشهود".
ويستجوب القاضي الشهود ليحكم على ضوء الشهادة؛ فما بالنا والشاهد هنا هو الحق سبحانه؟ ولكن، هل الله سيشهد، ولمن سيقول شهادته؛ وهم غير مصدقين لكلام الله الذي نزل على رسوله صلى الله عليه وسلم؟
ونقول: لقد أرسله الحق سبحانه بالمعجزة الدالة على صدق رسالته في البلاغ عن الله، والمعجزة خرق لنواميس الكون. وقد جعلها الحق سبحانه رسالة بين يدي رسوله وعلى لسانه؛ فهذا يعني أنه سبحانه قد شهد له بأنه صادق.
والمعجزة أمر خارق للعادة يظهرها الله على من بلغ أنه مرسل منه سبحانه، وتقوم مقام القول "صدق عبدي فيما بلغ عني".
وإرادة المعجزة ليست في المعنى الجزئي؛ بل في المعنى الكلي لها. والمثل في المعجزات البارزة واضح؛ فهاهي النار التي ألقوا فيها إبراهيم عليه السلام، ولو كان القصد هو نجاته من النار؛ لكانت هناك ألف طريقة ووسيلة لذلك؛ كأن تمطر الدنيا؛ أو لا يستطيعون إلقاء القبض عليه. ولكن الحق سبحانه يوضح لهم من بعد أن أمسكوا به، ومن بعد أن كبلوه بالقيود، ومن بعد أن ألقوه في النار؛ ويأتي أمره بأن تكون النار برداً وسلاماً عليه فلا تحرقه:

{قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم "69"}
(سورة الأنبياء)


وهكذا غير الحق سبحانه الناموس وخرقه؛ وذلك كي يتضح لهم صدق إبراهيم فيما يبلغ عن الله؛ فقد خرق له الحق سبحانه النواميس دليل صحة بلاغه. وإذا كان الحق سبحانه قد قال هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:

{ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم "43"}
(سورة الرعد)


 

قديم 13-10-2011, 06:03 AM   #341
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الحجر - الآية: 1

(الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين "1")
والسورة كما نرى قد افتتحت بالحروف التوفيقية؛ والتي قلنا: إن جبريل عليه السلام نزل وقرأها هكذا؛ وحفظها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبلغها لنا صلى الله عليه وسلم هكذا؛ وهي قد نزلت أول ما نزلت على قوم برعوا في اللغة؛ وهم أهل فصاحة وبيان، ولم نجد منهم من يستنكرها.
وهي حروف مقطعة تنطق بأسماء الحروف لا مسمياتها، ونعلم أن كل حرف اسماً، وله مسمى؛ فحين نقول أو نكتب كلمة "كتب"؛ فنحن نضع حروفاً هي الكاف والباء والتاء بجانب بعضها البعض، لتكون الكلمة كما ننطقها أو نقرؤها.
ويقال عن ذلك إنها مسميات الحروف، أما أسماء الحروف؛ فهي "كاف" و"باء" و"تاء". ولا يعرف أسماء الحروف إلا المتعلم؛ ولذلك حين تريد أن تختبر واحداً في القراءة والكتابة تقول له: تهج حروف الكلمة التي تكتبها، فإن نطق أسماء الحروف؛ عرفنا أنه يجيد القراءة والكتابة.
وهذا القرآن ـ كما نعلم ـ نزل معجزاً للعرب الذين نبغوا في اللغة، وكانوا يقيمون لها أسواقاً؛ مثل المعارض التي نقيمها نحن لصناعاتنا المتقدمة.
ولذلك شاء الحق سبحانه أن تأتي معجزة الرسول الخاتم من جنس ما نبغوا فيه؛ فلو كانت المعجزة من جنس غير ما نبغوا فيه ولم يألفوه لقالوا: لو تعلمنا هذا الأمر لصنعنا ما يفوقه.
وجاءتهم معجزة القرآن من نفس الجنس الذي نبغوا فيه، وباللغة العربية وبنفس المفردات المكونة من الحروف التي تكونون منها كلماتكم، والذي جعل القرآن معجزاً أن المتكلم به خالق وليس مخلوقاً. وفي "الر" نفس الخامات التي تصنعون منها لغتكم.
وهذا بعض ما أمكن أن يلتقطه العلماء من فواتح السور. علينا أن نعلم أن لله في كلماته أسراراً؛ فهو سبحانه:

{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب .. "7"}
(سورة آل عمران)


أي: أن القرآن به آيات محكمات، هي آيات الأحكام التي يترتب عليها الثواب والعقاب، أما الآيات المتشابهات فهي مثل تلك الآيات التي تبدأ بها فواتح بعض السور؛ ومن في قلوبهم زيغ يتساءلون: ما معناها؟
وهم يقولون ذلك لا بحثاً عن معنى؛ ولكن رغبة للفتنة.
ولهؤلاء نقول: أتريدون أن تفهموا كل شيء بعقولكم؟ إن العقل ليس إلا وسيلة إدراك؛ مثله مثل العين، ومثل الأذن.
فهل ترى عيناك كل ما يمكن أن يرى؟ طبعاً لا؛ لأن للرؤية بالعين قوانين وحدوداً، فإن كنت بعيداً بمسافة كبيرة عن الشيء فلن تراه؛ ذلك أن العين لا ترى أبعد من حدود الأفق.
وكل إنسان يختلف أفقه حسب قوة بصره؛ فهناك من أنعم الله عليه ببصر قوي وحاد؛ وهناك من هو ضعيف البصر؛ ويحتاج إلى نظارة طبية تساعده على دقة الإبصار.
فإذا كانت للعين ـ وهي وسيلة إدراك المرائي ـ حدود، وإذا كانت للأذن، وهي وسيلة إدراك الأصوات بحد المسافة الموجية للصوت؛ فلابد أن تكون هناك حدود للعقل، فهمه ما يمكن أن تفهمه؛ وهناك ما لا يمكن أن تفهمه.
والرسول صلى الله عليه وسلم قال عن آيات القرآن: "ما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه منه فآمنوا به".
وذلك حفاظاً على مواقيت ومواعيد ميلاد أي سر من الأسرار المكنونة في القرآن الكريم، فلو أن القرآن قد أعطى كل أسراره في أول قرن نزل فيه؛ فكيف يستقبل القرون الأخرى بدون سر جديد؟
إذن: فكلما ارتقى العقل البشري؛ كلما أذن الله بكشف سر من أسرار القرآن. ولا أحد بقادر على أن يجادل في آيات الأحكام. ويقول الحق سبحانه عن الآيات المتشابهة:

{وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا .. "7"}
(سورة آل عمران)


وهناك من يقرأ هذه الآية كالآتي: "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم مـ" وتناسى من يقرأ تلك القراءة أن منتهى الرسوخ في العلم أن تؤمن بتلك الآيات كما هي.
والحق سبحانه يقول:

{آلر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين "1"}
(سورة الحجر)


و(تلك) إشارة لما سبق ولما هو قادم من الكتاب، و(آيات) جمع "آية". وهي: الشيء العجيب الذي يلتفت إليه. والآيات إما أن تكون كونية كالليل والنهار والشمس والقمر لتثبت الوجود الأعلى، وإما أن تكون الآيات المعجزة الدالة على صدق البلاغ عن الله وهي معجزات الرسل، وإما أن تكون آيات القرآن التي تحمل المنهج للناس كافة.
ويضيف الحق سبحانه:

{وقرآن مبين "1"}
(سورة الحجر)


فهل الكتاب هو شيء غير القرآن؟ ونقول: إن الكتاب إذا أطلق؛ فهو ينصرف إلى كل ما نزل من الله على الرسل؛ كصحف إبراهيم، وزبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى؛ وكل تلك كتب، ولذلك يسمونهم "أهل الكتاب".
أما إذا جاءت كلمة "الكتاب" معرفة بالألف واللام؛ فلا ينصرف إلا للقرآن، لأنه نزل كتاباً خاتماً، ومهيمناً على الكتب الأخرى. وبعد ذلك جاء بالوصف الخاص وهو (قرآن)، وبذلك يكون قد عطف خاصاً على عام، فالكتاب هو القرآن، ودل بهذا على أنه سيكتب كتاباً، وكان مكتوباً من قبل في اللوح المحفوظ.
وإن قيل: إن الكتب السابقة قد كتبت أيضاً؛ فالرد هو أن تلك الكتب قد كتبت بعد أن نزلت بفترة طويلة، ولم تكتب مثل القرآن ساعة التلقي من جبريل عليه السلام، فالقرآن يتميز بأنه قد كتب في نفس زمن نزوله، ولم يترك لقرون كبقية الكتب ثم بدئ في كتابته.
والقرآن يوصف بأنه مبين في ذاته وبين لغيره؛ وهو أيضاً محيط بكل شيء. وسبحانه القائل:

{ما فرطنا في الكتاب من شيء .. "38"}
(سورة الأنعام)


وأي أمر يحتاج لحكم؛ فإما أن تجده مفصلاً في القرآن، أو نسأل فيه أهل الذكر، مصداقاً لقول الحق سبحانه:

{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "7"}
(سورة الأنبياء)


 

قديم 13-10-2011, 06:04 AM   #342
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الحجر - الآية: 2

(ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "2")
و"رب" حرف يستعمل للتقليل، ويستعمل أيضاً للتكثير على حسب ما يأتي من بعده، وهو حرف الأصل فيه أن يدخل على المفرد. ونحن نقول "رب أخ لك لم تلده أمك" وذلك للتقليل، مثلما نقول "ربما ينجح الكسول".
ولكن لو قلنا "ربما ينجح الذكي" فهذا للتكثير، وفي هذا استعمال للشيء في نقيضه، إيقاظاً للعقل كي ينتبه. وهنا جاء الحق سبحانه:
بـ"رب" ومعها حرف "ما" ومن بعدهما فعل. ومن العيب أن تقول: إن "ما" هنا زائدة؛ ذلك أن المتكلم هو رب كل العباد. وهنا يقول الحق سبحانه:

{ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "2"}
(سورة الحجر)


فهل سيأتي وقت يتمنى فيه أهل الكفر أن يسلموا؟ إن "يود" تعني"يحب" و"يميل" و"يتمنى"، وكل شيء تميل إليه وتتمناه يسمى "طلب".
ويقال في اللغة: إن طلبت أمراً يمكن أن يتحقق، ويمكن ألا يتحقق؛ فإن قلت: "يا ليت الشباب يعود يوماً" فهذا طلب لا يمكن أن يتحقق؛ لذلك يقال إنه "تمنى". وإن قلت "لعلي أزور فلاناً" فهذا يسمى رجاء؛ لأنه من الممكن أن تزور فلاناً. وقد تقول: "كم عندك؟" بهدف أن تعرف الصورة الذهنية لمن يجلس إليه من تسأله هذا السؤال، وهذا يسمى استفهاماً.
وهكذا إن كنت قد طلبت عزيزاً لا ينال فهو تمن؛ وإن كنت قد طلبت ما يمكن أن ينال فهو الترجي، وإن كنت قد طلبت صورته لا حقيقته فهو استفهام، ولكن إن طلبت حقيقة الشيء؛ فأنت تطلبه كي لا تفعل الفعل.
والطلب هنا في هذه الآية؛ يقول:

{ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "2"}
(سورة الحجر)


فهل يتأتى هذا الطلب؟
ولنر متى يودون ذلك. إن ذلك التمني سوف يحدث إن وقعت لهم أحداث تنزع منهم العناد؛ فيأخذون المسائل بالمقاييس الحقيقية.
والحق سبحانه هو القائل:

{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً .."14"}
(سورة النمل)


وقد حدث لهم حين وقعت غزوة بدر، ونال منهم المسلمون الغنائم أن قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين، وأخذنا تلك الغنائم.
أي: أن هذا التمني قد حدث في الدنيا، ولسوف يحدث هذا عند موت أحدهم. يقول الحق سبحانه:

{حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون "99" لعلي أعمل صالحاً فيما تركت .. "100"}
(سورة المؤمنون)


ويعلق الحق سبحانه على هذا القول:

{كلا إنها كلمة هو قائلها .. "100"}
(سورة المؤمنون)


وسيتمنون أيضاً أن يكونوا مسلمين، مصداقاً لقول الحق سبحانه:

{ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون "12"}
(سورة السجدة)


إذن: فسيأتي وقت يتمنى فيه الكفار أن يكونوا مسلمين، إذا ما عاينوا شيئاً ينزع منهم جحودهم وعنادهم، ويقول لهم: إن الحياة التي كنتم تتمسكون بها فانية؛ ولكنكم تطلبون أن تكونوا مسلمين وقت أن زال التكليف، وقد فات الأوان.
ويكفي المسلمين فخراً أن كانوا على دين الله، واستمسكوا بالتكليف، ويكفيكم عاراً أن خسرتم هذا الخسران المبين، وتتحسروا على أنكم لم تكونوا مسلمين.
وفي اليوم الآخر يعذب الحق سبحانه العصاة من المسلمين الذين لم يتوبوا من ذنوبهم، ولم يستغفروا الحق سبحانه، أو ممن لم يغفر لهم سبحانه وتعالى ذنوبهم؛ لعدم إخلاص النية وحسن الطوية عند الاستغفار، ويدخل في ذلك أهل النفاق مصداقاً لقوله تعالى:

{استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم .. "80"}
(سورة التوبة)


فيدخلون النار ليأخذوا قدراً من العذاب على قدر ما عصوا وينظر لهم الكفار قائلين: ما أغنت عنكم لا إله إلا الله شيئاً، فأنتم معنا في النار. ويطلع الحق سبحانه على ذلك فيغار على كل من قال لا إله إلا الله؛ فيقول: أخرجوهم وطهروهم وعودوا بهم إلى الجنة، وحينئذ يقول الكافرون: يا ليتنا كنا مسلمين، لنخرج من النار، ونلحق بأهل الجنة.


 

قديم 13-10-2011, 06:04 AM   #343
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الحجر - الآية: 3

(ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "3")
و(ذرهم) أمر بأن يدعهم ويتركهم. وسبحانه قال مرة (ذرهم)، ومرة قال:

{وذرني والمكذبين أولى النعمة .. "11"}
(سورة المزمل)


أي: اتركهم لي، فأنا الذي أعاقبهم، وأنا الذي أعلم أجل الإمهال، وأجل العقوبة. ويستعمل من "ذرهم" فعل مضارع هو "يذر"، وقد قال الحق سبحانه:

{ويذرك وآلهتك .. "127"}
(سورة الأعراف)


ولم يستعمل منها في اللغة فعل ماضٍ، إلا فيما روى من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذروا اليمن ما ذروكم"، أي: اتركوهم ما تركوكم.
ويشارك في هذا الفعل فعل آخر هو "دع" بمعنى "اترك". وقيل: أهملت العرب ماضي "يدع" و"يذر" إلا في قراءة في قول الحق سبحانه:

{ما ودعك ربك وما قلى "3"}
(سورة الضحى)


وهنا يقول الحق سبحانه:

{ذرهم يأكلوا ويتمتعوا .. "3"}
(سورة الحجر)


ونحن أيضاً نأكل، وهناك فرق بين الأكل كوقود للحركة وبين الأكل كلذة وتمتع، والحيوانات تأكل لتأخذ الطاقة بدليل أنها حين تشبع؛ لا يستطيع أحد أن يجبرها على أكل عود برسيم زائد.
أما الإنسان فبعد أن يأكل ويغسل يديه؛ ثم يرى صنفاً جديداً من الطعام فهو يمد يده ليأكل منه؛ ذلك أن الإنسان يأكل شهوة ومتعة، بجانب أنه يأكل كوقود للحركة.
والفرق بيننا وبينهم أننا نأكل لتتكون عندنا الطاقة، فإن جاءت اللذة مع الطعام فأهلاً بها؛ ذلك أننا في بعض الأحيان نأكل ونتلذذ، لكن الطعام لا يمري علينا؛ بل يتعبنا؛ فنطلب المهضمات من مياه غازية وأدوية.
ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه".
أي: أنه صلى الله عليه وسلم ينهانا عن أن نأكل بالشهوة واللذة فقط.
ولنحظ الفارق بين طعام الدنيا وطعام الجنة في الآخرة؛ فهناك سوف نأكل الطعام الذي نستلذ به ويمري علينا؛ بينما نحن نضطر في الدنيا ـ في بعض الأحيان ـ أن نأكل الطعام بدون ملح ومسلوقاً كي يحفظ لنا الصحة؛ ولا يتعبنا؛ وهو أكل مريء وليس طعاماً هنيئاً، ولكن طعام الآخرة هنيء ومريء.
وعلى ذلك نفهم قول الحق سبحانه:

{ذرهم يأكلوا ويتمتعوا .. "3"}
(سورة الحجر)


أي: أن يأكلوا أكلاً مقصوداً لذات اللذة فقط.
ويقول الحق سبحانه متابعاً:

{ويلههم الأمل "3"}
(سورة الحجر)


أي: أن ينصبوا لأنفسهم غايات سعيدة؛ تلهيهم عن وسيلة ينتفعون بها؛ ولذلك يقول المثل العربي: "الأمل بدون عمل تلصص" فمادمت تأمل أملاً؛ فلابد أن تخدمه بالعمل لتحققه. ولكن المثل على الأمل الخادع هو ما جاء به الحق سبحانه على لسان من غرته النعمة، فقال:

{ما أظن أن تبيد هذه أبداً "35" وما أظن الساعة قائمة .. "36"}
(سورة الكهف)


ولكن الساعة ستقوم رغماً عن أنف الآمال الكاذبة، والسراب المخادع. ويقول الحق سبحانه:

{ويلههم الأمل فسوف يعلمون "3"}
(سورة الحجر)


وكلمة (سوف) تدل على أن الزمن متراخٍ قليلاً؛ فالأفعال مثل "يعلم" تعني أن الإنسان قد يعلم الآن؛ ويعلم من بعد الآن بوقت قصير، أما حين نقول "سوف يعلم" فتشمل كل الأزمنة. فالنصر يتحقق للمؤمنين بإذن من الله دائماً؛ أما غير المؤمنين فلسوف يتمنون الإيمان؛ كما قلنا وأوضحنا من قبل.
وهكذا نرى أن قوله:

{فسوف يعلمون "3"}
(سورة الحجر)


يشمل كل الأزمنة. وقد صنع الحق سبحانه في الدنيا أشياء تؤذن بصدق وعده، والذين يظنون أنهم يسيطرون على كل الحياة يفاجئهم زلزال؛ فيهدم كل شيء، على الرغم من التقدم فيما يسمى "الاستشعار عن بعد" وغير ذلك من فروع العلم التطبيقي.
وفي نفس الوقت نرى الحمير التي نتهمها بأنها لا تفهم شيئاً تهب ـ وهي الماشية ـ من قبل الزلزال لتخرج إلى الخلاء بعيداً عن الحظائر التي قد تتهدم عليها، وفي مثل هذا التصرف الغريزي عند الحيوانات تحطيم وأدب للغرور الإنساني، فمهما قاده الغرور، وادعى أنه مالك لناصية العلم، فهو مازال جاهلاً وجهولاً.
وكذلك نجد من يقول عن البلاد الممطرة: إنها بلاد لا ينقطع ماؤها، لذلك لا تنقطع خضرتها. ثم يصيب تلك البلاد جفاف لا تعرف له سبباً، وفي كل ذلك تنبيه للبشر كي لا يقعوا أسرى للغرور.
ويقول سبحانه من بعد ذلك ضارباً لهم المثل:


 

قديم 13-10-2011, 06:04 AM   #344
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الحجر - الآية: 4

(وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم "4")
أي: أنه سبحانه لا يأمر بهلاك أي قرية إلا في الأجل المكتوب لها. ويجعلها من المثل التي يراها من يأتي بعدها لعله يتعظ ويتعرف على حقيقة الإيمان.
وقد قال الحق سبحانه:

{وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "112"}
(سورة الحجر)


والمثل القريب من الذاكرة "لبنان" التي عاشت إلى ما قبل الخمسينات كبلد لا تجد فيه فندقاً لائقاً، ثم ازدهرت وانتعشت في الستينات والسبعينات؛ واستشرى فيها الفساد؛ فقال أهل المعرفة بالله: "لابد أن يصيبها ما يصيب القرى الكافرة بأنعم الله".
وقد حدث ذلك وقامت فيها الحرب الأهلية، وانطبق عليها قول الحق سبحانه:

{ويذيق بعضكم بأس بعضٍ .. "65"}
(سورة الأنعام)


وهذا ما يحدث في الدنيا، وهي مقدمات تؤكد صدق ما سوف يحدث في الآخرة. وسبحان القائل:

{وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب مسطوراً "58"}
(سورة الإسراء)


وبطبيعة الحال؛ فهذا ما يحدث لأي قرية ظالم أهلها؛ لأن الحق سبحانه لا يظلم مثقال ذرة. وأذكر أن تفسير النسفي قد صودر في عصر سابق؛ لأن صاحب التفسير قال عند تفسيره لهذه الآية: "حدثني فلان عن فلان أن البلد الفلاني سيحصل فيه كذا؛ والبلد الآخر سوف يحدث فيه كذا إلى أن جاء إلى مصر وقال بالنص: ويدخل مصر رجل من جهينة، فويل لأهلها، وويل لأهل سوريا، وويل لأهل الرملة، وويل لأهل فلسطين، ولا يدخل بيت المقدس".
ومادام الحق سبحانه قد قال:

{كان ذلك في الكتاب مسطوراً "58"}
(سورة الإسراء)


فهو يعلم بعضاً من خلقه بعضاً من أسراره، فلا مانع من أن نرى بعضاً من تلك الأسرار على ألسنتهم. وحين ذاعت تلك الحكاية، وقالوها للرئيس الذي كان موجوداً، وقالوا له: أنت من جهينة وهم يقصدونك. صودر تفسير النسفي.
إذن: فقد ترك الحق سبحانه لنا في الدنيا مثلاً يؤكد صدقه فيما يحكيه عن الوعيد لبعض القرى حتى نصدق ما يمكن أن يكون بعد يوم القيامة. وحين يقول الحق سبحانه:

{وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم "4"}
(سورة الحجر)


فليس لأحد أن يقول: "إن ذلك لم يحدث للبلد الفلاني" لأن كل أمر له أجل.


 

قديم 13-10-2011, 06:05 AM   #345
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الحجر - الآية: 5

(ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون "5")
أي: أنه سبحانه قد جعل لكل أمة أجلاً، وغاية، فإذا ما انتهى الأجل المعلوم جاءت نهايتها؛ فلا كائن يتقدم على أجله، ولا أحد يتأخر عن موعد نهايته.


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:41 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا