المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 14-10-2011, 09:30 AM   #436
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الحجر - الآية: 98

(فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين "98")
وهكذا يمكن أن تذهب عنك أي ضيق، أن تسبح الله. وإذا ما جافاك البشر أو ضايقك الخلق؛ فاعلم أنك قادر على الأنس بالله عن طريق التسبيح؛ ولن تجد أرحم منه سبحانه، وأنت حين تسبح ربك فأنت تنزهه عن كل شيء وتحمده، لتعيش في كنف رحمته. ولذلك نجده سبحانه يقول في موقع آخر:

{فلولا أنه كان من المسبحين "143" للبث في بطنه إلى يوم يبعثون "144"}
(سورة الصافات)


ولذلك إذا ضاق صدرك في الأسباب فاذهب إلي المسبب. ونحن دائماً نقرن التسبيح بالحمد، فالتنزيه يكون عن النقائص في الذات أو في الصفات أو في الأفعال، وسبحانه كامل في ذاته وصفاته وأفعاله، فذاته لا تشبه أي ذات، وصفاته أزلية مطلقة، أما صفات الخلق فهي موهبة منه وحادثة. وأفعال الحق لا حاكم لها إلا مشيئته سبحانه، ولذلك نجده جل وعلا يقول في مسألة التسبيح:

{سبحان الذي خلق الأزواج كلها .. "36"}
(سورة يس)


وهو القائل:

{فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون "17"}
(سورة الروم)


وكل من المساء والصباح آية منه سبحانه؛ فحين تغيب الشمس، فهذا إذن بالراحة، وحين تصبح الشمس فهذا إذن بالانطلاق إلي العمل، وتسبيح المخلوق للخالق هو الأمر الذي لا يشارك الله فيه أحد من خلقه أبداً. فكأن سلوى المؤمن حين تضيق به أسباب الحياة أن يفزع إلي ربه من قسوة الخلق؛ ليجد الراحة النفسية؛ لأنه يأوي إلي ركن شديد. ونجد بعضاً من العارفين بالله وهم يشرحون هذه القضية ليوجدوا عند النفس الإيمانية عزاءً عن جفوة الخلق لهم؛ فيقولون: "إذا أوحشك من خلقه فاعلم أنه يريد أن يؤنسك به".
وأنت حين تسبح الله فأنت تقر بأن ذاته ليست كذاتك، وصفاته ليست كصفاتك، وأفعاله ليست كأفعالك؛ وكل ذلك لصالحك أنت؛ فقدرتك وقدرة غيرك من البشر هي قدرة عجز وأغيار؛ أما قدرته سبحانه فهي ذاتية فيه ومطلقة وأزلية، وهو الذي يأتيك بكل النعم. ولهذا فعليك أن تصحب التنزيه بالحمد، فأنت تحمد ربك لأنه منزه عن أن يكون مثلك، والحمد لله واجب في كل وقت؛ فسبحانه الذي خلق المواهب كلها لتخدمك، وحين ترى صاحب موهبة وتغبطه عليها، وتحمد الله أنه سبحانه قد وهبه تلك الموهبة؛ فخير تلك النعمة يصل إليك. وحين تسبح بحمد الله؛ فسبحانه لا يخلف وعده لك بكل الخير؛ فكلنا قد نخلف الوعد رغماً عناً، لأننا أغيار؛ أما سبحانه فلا يخلف وعده أبداً؛ ولذلك تغمرك النعمة كلما سبحت الله وحمدته. وزد خضوعاً للمنعم، فاسجد امتثالاً لأمره تعالى:

{وكن من الساجدين "98"}
(سورة الحجر)


فالسجود هو المظهر الواسع للخضوع، ووجه الإنسان ـ كما نعلم ـ هو ما تظهر به الوجاهة؛ وبه تلقى الناس؛ وهو أول ما تدفع عنه أي شيء يلوثه أو ينال من رضاك عنه. ومن يسجد بأرقي ما فيه؛ فهذا خضوع يعطي عزة، ومن يخضع لله شكراً له على نعمه فسبحانه يعطيه من العزة ما يكفيه كل أوجه السجود، وكلنا نذكر قول الشاعر:
والسجـود الذي تـجتـويه فـيه مـن ألـوف السـجـود نـجـاة
والسجود هو قمة الخضوع للحق سبحانه. والإنسان يكره لفظ العبودية؛ لأن تاريخ البشرية حمل كثيراً من المظالم نتيجة عبودية البشر للبشر. وهذا النوع من العبودية يعطي ـ كما نعلم ـ خير العبد للسيد؛ ولكن العبودية لله تعطي خيره سبحانه للعباد، وفي ذلك قمة التكريم للإنسان.


 

قديم 14-10-2011, 09:30 AM   #437
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الحجر - الآية: 99

(واعبد ربك حتى يأتيك اليقين "99")
ونعرف أن العبادة هي إطاعة العابد لأوامر المعبود إيجاباً أو سلباً، وتطبيق "افعل" و"لا تفعل"، وكثير من الناس يظنون أن العبادة هي الأمور الظاهرية في الأركان الخمسة من شهادة أن لا إله إلا الله، وإقامة الصلاة؛ وإيتاء الزكاة؛ وصوم رمضان؛ وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً. ونقول: لا، فهذه هي الأسس التي تقوم عليها العبادة. أي: أنها البنية التي تقوم عليها بقية العبادة، وهكذا تصبح العبادة هي، كل ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب، أي: أن حركة الحياة كلها ـ حتى كنس الشوارع، وإماطة الأذى عن الطريق ـ هي عبادة، كل ما يقصد به نفع الناس عبادة، كي لا يصبح المسلمون عالة على غيرهم.
وفي إقامة الأركان إظهار لقوة المسلمين، حين يظهرون كامل الولاء لله بإقامة الصلاة خمس مرات في اليوم الواحد، فيترك المسلم عمله فور أن يسمع النداء بـ"الله أكبر" فيخرج المسلم من صراعات الحياة، ويعلن الولاء للخالق المنعم. وحين يصوم المسلم شهراً في السنة؛ فهو يعلن الولاء للخالق الأكرم، ويصوم عن أشياء كثيرة كانت مباحة؛ وأول ما يأتي موعد الإمساك من قبل صلاة الفجر بقليل؛ فهو يمتنع فوراً. وهذا الامتثال لأوامر الحق سبحانه يذكرك بنعمه عليك؛ فأنت في يومك العادي لا تقرب المحرمات التي أخذت وقتاً أثناء بدايات الدين إلي أن امتنع عنها المسلمون، فلا أحد من المسلمين يفكر في شرب الخمر؛ ولا أحد منهم يفكر في لعب الميسر، وانطبعت تلك الأمور؛ وصارت عادة سلوكية في إلف ورتابة عند غالبية المسلمين ممن ينفذون شريعة الله ويطبقون "افعل" و"لا تفعل".
وعندما يأتي الصوم فأنت تمتنع عن أشياء هي حلال لك طوال العالم، وتقضي أي نهار في رمضان ونفسك تستشرف سماع أذان المغرب لتفطر. وهكذا تمتثل للأمر بالامتناع والإمساك والأمر بالإفطار، وذلك ليعودك على الكثير من الطاعات التي تصير عند المؤمنين عادة؛ وسبحانه يريد أن يديك عليك لذة التكليف العبادي. وبعض من الناس يذهبون مذاهب الخطأ عندما يفسرون بأهوائهم قوله الحق:

{واعبد ربك حتى يأتيك اليقين "99"}
(سورة الحجر)


ويقول الواحد من هؤلاء مخادعاً الغير "لقد وصلت إلي مرتبة اليقين"، ويمتنع عن أداء الفروض من صلاة وصوم وزكاة وحج إلي بيت الله الحرام رغم استطاعته، ويدعي أن التكليف قد سقط عنه؛ لأن اليقين قد وصله. ونقول لمن يدعي ذلك: أتخادع الله ورسوله؟ كلنا يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يؤدي الفرائض حتى آخر يوم في حياته. وكلنا يعلم أن اليقين المتفق عليه والمتيقن من كل البشر، ولا خلاف عليه أبداً هو الموت. أما اليقين بالغيبيات فهو من خصوصيات المؤمن؛ فما أن بلغه أمرها من القرآن فقد صدقها، ولم يسأل كيف يتأتى أمرها. والمثل الواضح هو أبو بكر الصديق حينما كانوا يحدثونه بالأمر الغريب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقول "مادام قد قال فقد صدق".
أما الكافر ـ والعياذ بالله ـ فهو يشك في كل شيء غيبي أو حتى مادي ما لم يكن محسوساً لديه، ولكن ما أن يأتيه الموت حتى يعلم أنه اليقين الوحيد. ولذلك نجد عمر بن عبد العزيز يقول: "ما رأيت يقيناً أشبه بالشك من يقين الناس بالموت". وكلنا نتيقن أننا سوف نموت؛ لكنا نزحزح مسألة اليقين هذه بعيداً عنا رغم أنها واقعة لا محالة. فإذا ما جاء الموت، نقول: هاهي اللحظة التي لا ينفع فيها شيء إلا عمل الإنسان إن كان مؤمناً مؤدياً لحقوق الله. ولذلك أقول دائماً: إن اليقين هو تصديق الأمر تصديقاً مؤكداً، بحيث لا يطفو إلي الذهن ليناقش من جديد، بعد أن تكون قد علمته من مصادر تثق بصدق ما تبلغك به.
أما عين اليقين؛ فهي التي ترى الحدث فتتيقنه، أو هو أمر حقيقي يدخل إلي قلبك فتصدقه، وهكذا يكون لليقين مراحل: أمر تصدقه تصديقاً جازماً فلا يطفو إلي الذهن ليناقش من جديد، وله مصادر علم ممن تثق بصدقه، أو: إجماع من أناس لا يجتمعون على الكذب أبداً؛ وهذا هو "علم اليقين"؛ فإن رأيت الأمر بعينيك فهذا هو حق اليقين. والمؤمن يرتب تصديقه وتيقنه على ما بلغه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهاهو الإمام علي ـ كرم الله وجهه وأرضاه ـ يقول: "ولو أن الحجاب قد انكشف عن الأمور التي حدثنا بها رسول الله غيباً ما ازددت يقيناً". وهاهو سيدنا حارثة ـ رضي الله عنه ـ يقول: "كأني انظر إلي أهل الجنة في الجنة ينعمون، وإلي أهل النار يعذبون فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرفت فالزم". وذلك هو اليقين كما آمن به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


 

قديم 15-10-2011, 09:27 AM   #438
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 1

(أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون"1")
هكذا تبدأ السورة الجليلة؛ موضحة أن قضاء الله وحكمه بنصر الرسول والمؤمنين لاشك فيه ولا محالة؛ وأن هزيمة أهل الكفر قادمة، ولا مفر منها إن هم استمروا على الكفر. وقد سبق أن أنذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بما نزل عليه من آيات الكتاب؛ أنذرهم في السورة السابقة ببعض العذاب الدنيوي، كنصر الإيمان على الكفر، وأنذرهم من قبل أيضاً ببعض العذاب في الآخرة، كقول الحق سبحانه:

{فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون "77"}
(سورة غافر)


وكذلك قوله الحق:

{سيهزم الجمع ويولون الدبر "45"}
(سورة القمر)


وهكذا وعد الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يهزم معسكر الكفر، وأن ينصر معسكر الإيمان؛ وإما أن يرى ذلك بعينيه أو إن قبض الحق أجله فسيراها في الآخرة. وعن حال الرسول صلى الله عليه وسلم قال سبحانه:

{إنا كفيناك المستهزئين "95"}
(سورة الحجر)


وأنذر الحق سبحانه أهل الشرك بأنهم في جهنم في اليوم الآخر، وهنا يقول سبحانه:

{أتى أمر الله .. "1" }
(سورة النحل)


وهذا إيضاح بمرحلة من مراحل الإخبار بما ينذرون به، كما قال مرة:

{اقتربت الساعة وانشق القمر "1"}
(سورة القمر)


أي: اقتربت ساعة القيامة التي يكون من بعدها حساب الآخرة والعذاب لمن كفر، والجنة لمن آمن وعمل صالحاً، فاقتراب الساعة غير مخيف في ذاته، بل مخيف لما فيه من الحساب والعقاب. وقيل: إن أهل الكفر لحظة أن سمعوا قول الحق سبحانه:

{اقتربت الساعة .. "1"}
(سورة القمر)


قالوا: "فلننتظر قليلاً؛ فقد يكون ما يبلغ به محمد صحيحاً" وبعد أن انتظروا بعضاً من الوقت، ولم تأت الساعة كما بشر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قالوا: انتظرنا ولم تأت الساعة، فنزل قول الحق سبحانه:

{اقترب للناس حسابهم .. "1"}
(سورة الأنبياء)


وهذا حديث عن الأمر الذي سيحدث فور قيام الساعة، فهادنوا وانتظروا قليلاً، ثم قالوا: أين الحساب إذن؟ فنزل قوله تعالى:

{أتى أمر الله .. "1"}
(سورة النحل)


وساعة سمع الكل ذلك فزعوا؛ بمن فيهم من المسلمين؛ وجاء الإسعاف في قوله من بعد ذلك:

{فلا تستعجلوه .. "1"}
(سورة النحل)


أي: أن الأمر الذي يعلنه محمد صلى الله عليه وسلم لا يعلم ميعاده إلا الله سبحانه؛ واطمأن المسلمون. وكل حدث من الأحداث ـ كما نعلم ـ يحتاج كل منها لظرفين؛ ظرف زمان؛ وظرف مكان. والأفعال التي تدل على هذه الظروف إما فعل ماضي؛ فظرفه كان قبل أن نتكلم، وفعل مضارع. أي: أنه حل، إلا إن كان مقروناً بـ"س" أو بـ"سوف". أي: أن الفعل سيقع في مستقبل قريب إن كان مقروناً بـ"س" أو في المستقبل غير المحدد والبعيد إن كان مسبوقاً بـ"سوف"، وهكذا تكون الأفعال ماضياً، وحاضراً، ومستقبلاً.
وكلمة "أتى" تدل على أن الذي يخبرك به ـ وهو الله سبحانه ـ إنما يخبرك بشيء قد حدث قبل الكلام، وهو يخبر به، والبشر قد يتكلمون عن أشياء وقعت؛ ويخبرون بها بعضهم البعض. ولكن المتكلم هنا هو الحق سبحانه؛ وهو حين يتكلم بالقرآن فهو سبحانه لا ينقص علمه أبداً، وهو علم أزلي، وهو قادر على أن يأتي المستقبل وفق ما قال، وقد أعد توقيت ومكان كل شيء من قبل أن يخلق؛ وهو سبحانه خالق من قبل أن يخلق أي شيء؛ فالخلق صفة ذاتية فيه؛ وهو منزه في كل شيء؛ ولذلك قال:

{أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه .. "1"}
(سورة النحل)


 

قديم 15-10-2011, 09:27 AM   #439
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 2

(ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون "2")
وساعة نقرأ قوله (ينزل) فالكلمة توحي وتوضح أن هناك علواً يمكن أن ينزل منه شيء على أسفل. والمثل الذي احب أن أضربه هنا لأوضح هذا الأمر هو قول الحق سبحانه:

{قل تعالوا أتل ما حرم ربكم .. "151"}
(سورة الأنعام)


أي: أقبلوا لتسمعوا مني التكليف الذي نزل لكم ممن هو أعلى منكم، ولا تظلوا في حضيض الأرض وتشريعاتها، بل تساموا وخذوا الأمر ممن لا هوى له في أموركم، وهو الحق الأعلى. أما من ينزلون فهم الملائكة، ونعلم أن الملائكة خلق غيبي آمنا به؛ لأن الله سبحانه قد أخبرنا بوجودهم. وكل ما غاب عن الذهن ودليله السماع ممن تثق بصدقه، وقد أبلغنا صلى الله عليه وسلم ما نزل به القرآن وأنبأنا بوجود الملائكة، وأن الحق سبحانه قد خلقهم؛ ورغم أننا لا نراهم إلا أننا نصدق ما جاء به البلاغ عن الحق من الصادق الصدوق محمد صلى الله عليه وسلم. وحين يقول الحق سبحانه:

{ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده .. "2"}
(سورة النحل)


فنحن نعلم أنه لا يمكن أن ينزل شيء من أعلى إلي الأدنى إلا بواسطة المقربات. وقد اختار الحق سبحانه ملكا من الملائكة ليبلغ رسله بالوحي من الله، والملائكة كما أخبرنا الحق سبحانه:

{عباد مكرمون "26" لا يسبقونه القول وهم بأمره يعملون "27"}
(سورة الأنبياء)


ويقول في آية أخرى:

{لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون "6" }
(سورة التحريم)


وهم من نور، ولا تصيبهم الأغيار، ولا شهوة لهم فلا يتناكحون ولا يتناسلون؛ وهم أقرب إلي الصفاء. وهم من يمكنهم التلقي من الأعلى ويبلغون الأدنى. ولذلك نجد الحق سبحانه يقول عن القرآن:

{نزل به الروح الأمين "193"}
(سورة الشعراء)


وهنا يقول الحق سبحانه:

{ينزل الملائكة .. "2"}
(سورة النحل)


والآية الإجمالية التي تشرح ذلك هو قول الحق سبحانه:

{الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس إن الله سميع بصير "75"}
(سورة الحج)


أي: أنه سبحانه يختار ملائكة قادرين على التلقي منه ليعطوا المصطفين من الناس؛ ليبلغ هؤلاء المصطفين عن الله لبقية الناس. ذلك أن العلويات العالية لا يملك الكائن الأدنى طاقة ليتحمل ما تتنزل به الأمور العلوية مباشرة من الحق سبحانه. وسبق أن شبهت ذلك بالمحول الذي نستخدمه في الكهرباء لينقل من الطاقة العالية إلي الأدنى من المصابيح، وكلنا يعلم ما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم حين تلقى الوحي عبر جبريل عليه السلام "فضمني حتى بلغ مني الجهد" وتفصد جبينه الطاهر عرقاً، وعاد إلي بيته ليقول "زملوني زملوني" و"دثروني دثروني".
ذلك أن طاقة علوية نزلت على طاقة بشرية، على الرغم من أن طاقة رسول الله هي طاقة مصطفاة. ثم يألف الرسول الوحي وتخف عنه مثل تلك الأعباء، وينزل عليه قوله الحق:

{ألم نشرح لك صدرك "1" ووضعنا عنك وزرك "2" الذي أنقض ظهرك "3" ورفعنا لك ذكرك "4" فإن مع العسر يسرا "5" إن مع العسر يسرا "6"}
(سورة الشرح)


ثم يفتر الوحي لبعض من الوقت لدرجة أن النبي صلى الله عليه وسلم يشتاق إليه، فلماذا اشتاق للوحي وهو من قال "دثروني دثروني"؟ لقد كان فتور الوحي بسبب أن يتعود محمد صلى الله عليه وسلم على متاعب نزول الملك؛ فتزول متاعب الالتقاء وتبقى حلاوة ما يبلغ به. وقال بعض من الأغبياء: "إن رب محمد قد قلاه". فينزل قوله سبحانه:

{ما ودعك ربك وما قلى"3" وللآخرة خير لك من الأولى"4"ولسوف يعطيك ربك فترضى"5"}
(سورة الضحى)


وكلمة الروح وردت في القرآن بمعانٍ متعددة، فهي مرة الروح التي بها الحياة في المادة ليحدث بها الحس والحركة:

{فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "29"}
(سورة الحجر)


 

قديم 15-10-2011, 09:27 AM   #440
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 3

(خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون "3")
أي: تنزه سبحانه عما يشركون معه من آلهة، فلا أحد قد ساعده في خلق الكون وإعداده؛ فكيف تجعلون أنتم معه آلهة غيره؟ وسبحان منزه عن أن يكون معه آلهة أخرى، وسبحانه قد خلق لنا من قبل أن يخلقنا؛ خلق السماوات والأرض وقدر الأرزاق، ولو نظرت إلي خلقك أنت لوجدت العالم الكبير قد انطوى فيك؛ وهو القائل:

{وفي أنفسكم أفلا تبصرون "21"}
(سورة الذاريات)


وأنت مخلوق من ماذا؟


 

قديم 15-10-2011, 09:28 AM   #441
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 4

(خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين "4")
والنطفة التي نجئ منها، وهي الحيوان المنوي الذي يتزاوج مع البويضة الموجودة في رحم المرأة فتنتج العلقة، وسبحانه القائل:

{أيحسب الإنسان أن يترك سدى "36" ألم يك نطفة من مني يمنى "37" ثم كان علقة فخلق فسوى "38" فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى "39"}
(سورة القيامة)


بل إن القذفة الواحدة من الرجل قد يوجد فيها من الأنسال ما يكفي خلق الملايين؛ ولا يمكن للعين المجردة أن ترى الحيوان المنوي الواحد نظراً لدقته المتناهية. وهذه الدقة المتناهية لا يمكن أن ترى إلا بالمجاهر المكبرة، ومطمور في هذا الحيوان المنوي كل الخصائص التي تتحد مع الخصائص المطمورة في بويضة المرأة ليتكون الإنسان. وقد صدق العقاد ـ يرحمه الله ـ حين قال: "إن نصف كستبان الخياطة لو ملئ بالحيوانات المنوية لولد منه أنسال تتساوى مع تعداد البشر كلهم".
وقد شاء الحق سبحانه ألا ينفذ إلي البويضة إلا الحيوان المنوي القوي؛ ليؤكد لنا أن لا بقاء إلا للأصلح، فإن كان الحيوان المنوي يحمل الصفات الوراثية لميلاد أنثى جاء المولد أنثى؛ وإن كان يحمل الصفات الوراثية لميلاد الذكر جاء المولود ذكراً. وأنت ترى مثل ذلك في النبات؛ فأول حبة قمح كانت مثل آدم كأول إنسان بالطريقة التي نعرفها؛ وفي تلك الحبة الأولى أوجد الحق سبحانه مضمون كل حبوب القمح من بعد ذلك، وإلي أن تقوم الساعة، وتلك عظمة الحق سبحانه في الخلق. وقد أوضح لنا الحق سبحانه في اكثر من موضع بالقرآن الكريم مراحل خلق الإنسان؛ فهو:

{من ماء مهينٍ "8"}
(سورة السجدة)


وهو من نطفة، ومن علقة، ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة. والحيوان المنوي المسمى "نطفة" هو الذي يحمل خصائص الأنوثة أو الذكورة كما أثبت العلم الحديث، وليس للمرأة شأن بهذا التحديد، وكأن في ذلك إشارة إلي مهمة المرأة كسكن؛ لأن البويضة تتلقى الحيوان المنوي وتحتضنه؛ ليكتمل النمو إلي أن يصير كائناً بشرياً:

{فتبارك الله أحسن الخالقين "14" }
(سورة المؤمنون)


وهو الحق سبحانه القائل:

{أيحسب الإنسان أن يترك سدىً "36" ألم يك نطفة من منىٍ يمنى"37"ثم كان علقةً.."38"}
(سورة القيامة)


والعلقة جاء اسمها من مهمتها، حيث تتعلق بجدار الرحم كما أثبت العلم المعاصر، يقول سبحانه:

{فخلقنا العلقة مضغةً .. "14"}
(سورة المؤمنون)


والمضغة هي الشيء الممضوغ؛ ثم يصف سبحانه المضغة بأنها:

{مخلقةٍ وغير مخلقةٍ .. "5"}
(سورة الحج)


ولقائل أن يتساءل: نحن نفهم أن المضغة المخلقة فيها ما يمكن أن يصير عيناً أو ذراعاً؛ ولكن ماذا عن غير المخلقة؟ ونقول: إنها رصيد احتياطي لصيانة الجسم، فإذا كنت أيها المخلوق حين تقوم ببناء بيت فأنت تشتري بعضاً من الأشياء الزائدة من الأدوات الصحية ـ على سبيل المثال ـ تحسباً لما قد يطرأ من أحداث تحتاج فيها إلي قطع غيار؛ فما بالنا بالحق الذي خلق الإنسان؟ لقد جعل الله تلك المضغة غير المخلقة رصيداً لصيانة، أو تجديداً لما قد يطرأ على الإنسان من ظروف؛ وتكون زائدة في الجسم وكأنها مخزن لقطع الغيار.
والمثل هو الجروح التي تصيب الإنسان، ثم يتركها ليعالجها الجسم بنفسه، نجدها تلتئم دون أن تترك ندبة أو علامة، ذلك أنه قد تم علاجها من الصيدلية الداخلية التي أودعها الحق سبحانه في الجسم نفسه. والمفاجأة هي أن هذا الإنسان المخلوق لله:

{فإذا هو خصيم مبين "4"}
(سورة النحل)


ويتمرد على خالقه، بل وينكر بعض من الخلق أن هناك إلهاً؛ متجاهلين أنهم بقوة الله فيهم يتجادلون. والخصيم هو الذي يجادل وينكر الحقائق؛ فإذا حدث بشيء غيبي، يحاول أن يدحض معقوليته. ويقول سبحانه في سورة يس:

{أو لم ير الإنسان إنا خلقناه من نطفةٍ فإذا هو خصيم مبين "77"}
(سورة يس)


وقد يكون من المقبول أن تكون خصماً لمساويك؛ ولكن من غير المقبول أن تكون خصيماً لمن خلقك فسواك فعدلك، وفي أي صورة ما شاء ركبك.


 

قديم 15-10-2011, 09:28 AM   #442
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 5

(والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون"5")
والدفء هو الحرارة للمبرود، تماماً مثلما نعطي المحرور برودة، وهذا ما يفعله تكييف الهواء في المنازل الحديثة. نجد الحق سبحانه هنا قد تكلم عن الدفء ولم يتكلم عن البرد، ذلك أن المقابل معلوم، وهو في آية أخرى يقول:

{وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر .. "81"}
(سورة النحل)


وهذا ما يحدث عندما نسير في الشمس الحارة؛ فنضع مظلة فوق رؤوسنا لتقينا حرارة الشمس الزاعقة الشديدة. ونحن في الشتاء نلبس قلنسوة أي: نلف شيئاً حول رؤوسنا، وهكذا نعلم أن اللباس يفعل الشيء ومقابله، بشرط أن يختار الإنسان اللباس المناسب للجو المناسب. وفي الأنعام منافع كثيرة؛ فنحن نشرب لبنها، ونصنع منه الجبن والسمن؛ ونجز الصوف لنغزل وننسج منه ملابس صوفية، وتحمل الأثقال، ونستفيد من ذريتها؛ وكذلك نأكل لحومها. ونحن نعلم أن الأنعام قد جاء تفصيلها في موقع آخر حين قال الحق سبحانه:

{ثمانية أزواجٍ .. "143"}
(سورة الأنعام)


وهي الضأن والمعز والإبل والبقر. ونعلم أن الدفء يأتي من الصوف والوبر والشعر، ومن يلاحظ شعر المعز يجد كل شعرة بمفردها؛ لكن الوبر الذي نجزه من الجمل يكون ملبداً؛ وهذا دليل على دقة فتلته، أما الصوف فكل شعرة منه أنبوبة أسطوانية قلبها فارغ.


 

قديم 15-10-2011, 09:28 AM   #443
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 6

(ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون "6")
وهنا نجد أن الحق سبحانه قد أعطانا الترف أيضاً بجانب الضروريات، فالدفء والمنافع والأكل ضروريات للحياة، أما الجمال فهو من ترف الحياة، والجمال هو ما تراه العين، فيتحقق السرور في النفس. والدفء والمنافع والأكل هي أمور خاصة لمن يملك الأنعام؛ أما الجمال فمشاع عام للناس، فحين ترى حصاناً جميلاً؛ أو البقرة المزهوة بالصحة؛ فأنت ترى نعمة الله التي خلقها لتسر الناظر إليها. ونلحظ هذا الجمال في لحظات سروح البهائم ولحظات رواحها.
ونقول في الريف "سرحت البهائم" أي: خرجت من الحظائر لترعى وتأكل. ونلحظ أن الحق سبحانه قد قدم الرواح أي العودة إلي الحظائر عن السروح؛ لأن البهائم حين تعود إلي حظائرها بعد أن ترعى تكون بطونها ممتلئة وضروعها رابية حافلة باللبن؛ فيسعد من يراها حتى قبل أن يطعم من ألبانها. ومن يخرج ببهائمه في الصباح من بيته، ويصحبها من زرائبها إلي الحقل، يجد جمالاً مع هيبة ومنعة مع أصوات تحقق للرجل المالك الهيبة، ومن لا يملك يمكن أن يشاهد جمال تلك الأنعام.


 

قديم 15-10-2011, 09:29 AM   #444
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 7

(وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم "7")
ونعلم أن الإنسان في حياته بين أمرين؛ إما ظاعن أي: مسافر. وإما مقيم. وفي حالة المقيم، فالأنعام تحقق له الدفء والطعام والملبس. وعادة ما يكتفي متوسط الحال بأن يستقر في مكان إقامته وكذلك الفقير. أما المقتدر الغني؛ فأنت تجده يوماً في القاهرة، وآخر في الإسكندرية، أو طنطا، وقد يسافر إلي الخارج، وكل ذلك ميسور في زمن المواصلات الحديثة. وقديماً كانت وسائل المواصلات شاقة، ولا يقدر على السفر إلا من كانت لديه إبل صحيحة أو خيول قوية، أما من لم يكن يملك إلا حماراً أعجف فهو لا يفكر إلا في المسافات القصيرة. ولذلك نجد القرآن حين تكلم عن أهل سبأ يقول:

{فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم .. "19"}
(سورة سبأ)


وهم قد قالوا ذلك اعتزازاً بما يملكونه من خيل ووسائل سفر من دواب سليمة وقوية، تهيئ السفر المريح الذي ينم عن العز والقوة والثراء. وقوله الحق:

{وتحمل أثقالكم .. "7"}
(سورة النحل)


يعني وضع ما يثقل على ما يثقل؛ ولذلك فنحن لا نجد إنساناً يحمل دابته؛ بل نجد من يحمل أثقاله على الدابة ليخفف عن نفسه حمل أوزان لا يقدر عليها. ونعلم أن الوزن يتبع الكثافة؛ كما أن الحجم يتبع المساحة؛ فحين تنظر إلي كيلو جرام القطن، فأنت تجد حجم كيلو جرام القطن اكبر من حجم الحديد؛ لأن كثافة الحديد مطمورة فيه، أما نفاشات القطن فهي التي تجعله يحتاج حيزاً اكبر من المساحة. ويتابع الحق سبحانه قوله في الآية الكريمة:

{وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس .. "7" }
(سورة النحل)


ومن يفتش في أساليب القرآن من المستشرقين قد يقول: "إن عجز الآية غير متفق مع صدرها". ونقول لمثل صاحب هذا القول: أنت لم تفطن إلي المنة التي يمتن بها الله على خلقه، فهم لم يكونوا بالغين لهذا البلد دون أثقال إلا بمشقة؛ فما بالنا بثقل المشقة حين تكون معهم أثقال من بضائع ومتاع؟ إنها نعمة كبيرة أن يجدوا ما يحملون عليه أثقالهم وأنفسهم ليصلوا إلي حيث يريدون. وكلمة (بشق) النحل مصدرها شق وهو الصدع بين شيئين؛ ويعني عزل متصلين؛ وسبحانه هو القائل:

{فاصدع بما تؤمر .. "94"}
(سورة الحجر)


وهناك "شق" وهو الجهد، و"شقة". والإنسان كما نعلم هو بين ثلاث حالات: إما نائم؛ لذلك لا يحتاج إلي طاقة كبيرة تحفظ له حياته؛ وأيضاً وهو متيقظ فأجهزته لا تحتاج إلي طاقة كبيرة؛ بل تحتاج إلي طاقة متوسطة لتعمل؛ أما إن كان يحمل أشياء ثقيلة فالإنسان يحتاج إلي طاقة اكبر لتعمل أجهزته. وكذلك نجد الحق سبحانه يقول:

{لو كان عرضاً قريبا وسفراً قاصداً لا تبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة .. "42"}
(سورة التوبة)


والمعنى هنا بالشقة هي المسافة التي يشق قطعها، وينهي الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله:

{إن ربكم لرؤوف رحيم "7"}
(سورة النحل)


والصفتان هنا هما الرأفة والرحمة، وكل منهما مناسب لما جاء بالآية؛ فالرب هو المتولي التربية والمدد، وأي رحلة لها مقصد وأي رحلة هي للاستثمار، أو الاعتبار، أو للاثنين معاً. فإذا كانت رحلة استثمار فدابتك يجب أن تكون قوية لتحمل ما معك من أثقال، وتحمل عليها ما سوف تعود به من بضائع. وإن كانت الرحلة للاعتبار فأنت تزيل بهذا السفر ألم عدم المعرفة والرغبة في الوصول إلي المكان الذي قصدته.
وهكذا تجد الرأفة مناسبة لقضاء النفع وتحقيق الحاجة وإزالة الألم. وكلمة رحيم مناسبة لمنع الألم بتحقيق الوصول إلي الغاية. وتوقف بعض من العلماء عند مقصد الرحلة؛ كأن تكون مسافراً للاتجار أو أن تكون مسافراً للاعتبار. ولكن هذا سفر بالاختيار؛ وهناك سفر اضطراري؛ كالسفر الضروري إلي الحج مرة في العمرة. والحق سبحانه يزيل ألم الحمل الثقيل، وبذلك تتحقق رأفته؛ وهو رحيم لأنه حقق لكم أمنية السفر.


 

قديم 15-10-2011, 09:29 AM   #445
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 8

(والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون "8")
وبعد أن ذكر لنا الحق سبحانه الأنعام التي نأخذ منها المأكولات، يذكر لنا في هذه الآية الأنعام التي نستخدمها للتنقل أو للزينة؛ ولا نأكل لحومها وهي الخيل والبغال والحمير؛ ويذكرنا بأنها للركوب والمنفعة مع الزينة؛ ذلك أن الناس تتزين بما تركب؛ تماماً كما يفخر أبناء عصرنا بالتزين بالسيارات الفارهة. ونسق الآية يدل على تفاوت الناس في المراتب؛ فكل مرتبة من الناس لها ما يناسبها لتركبه؛ فالخيل للسادة والفرسان والأغنياء؛ ومن هم أقل يركبون البغال، ومن لا يملك ما يكفي لشراء الحصان أو البغل؛ فيمكنه أن يشتري لنفسه حماراً.
وقد يملك إنسان الثلاثة ركائب، وقد يملك آخر اثنتين منها؛ وقد يملك ثالث ركوبة واحدة، وهناك من لا يملك من المال ما يمكنه أن يستأجر ولو ركوبة من أي نوع. وشاء الحق سبحانه أن يقسم للناس أرزاق كل واحد منهم قلة أو كثرة، وإلا لو تساوى الناس في الرزق، فمن الذي يقوم بالأعمال التي نسميها نحن ـ بالخطأ ـ أعمالاً دونية، من يكنس الشوارع، ومن يحمل الطوب للبناء، ومن يقف بالشحم وسط ورش إصلاح السيارات؟
وكما نرى فكل تلك الأعمال ضرورية، ولولا رغبة الناس في الرزق لما حلت مثل تلك الأعمال، وراقت في عيون من يمارسونها، ذلك أنها تقيهم شر السؤال. ولولا أن من يعمل في تلك الأعمال له بطن تريد أن تمتلئ بالطعام، وأولاد يريدون أن يأكلوا؛ لما ذهب إلي مشقات تلك الأعمال. ولو نظرت إلي أفقر إنسان في الكون لوجدت في حياته فترة حقق فيها بعضاً من أحلامه. وقد نجد إنساناً يكد عشرة سنين؛ ويرتاح بقية عمره؛ ونجد من يكد عشرين عاماً فيريح نفسه وأولاده من بعده، وهناك من يتعب ثلاثين عاماً، فيريح أولاده وأحفاده من بعده. والمهم هو قيمة ما يتقنه، وأن يرضى بقدر الله فيه، فيعطيه الله مادام قد قبل قدره فيه.
وأنت إن نظرت إلي من فاء الله عليهم بالغنى والترف ستجدهم في بداية حياتهم قد كدوا وتعبوا ورضوا بقدر الله فيهم، ولم يحقدوا على أحد، نجده سبحانه يهديهم طمأنينة وراحة بالٍ. وشاء سبحانه أن ينوع في مستويات حياة البشر كيلا يستنكف أحد من خدمة أحد مادام يحتاج خدماته. ونجد النص التعبيري في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها هو خيل وبغال وحمير؛ وقد جعل الحق سبحانه البغال في الوسط؛ لأنها ليست جنساً بل تأتي من جنسين مختلفين. وينبهنا الحق سبحانه في آخر الآية إلي أن ذلك ليس نهاية المطاف؛ بل هناك ما هو اكثر، فقال:

{ويخلق ما لا تعلمون "8"}
(سورة النحل)


وجعل الحق سبحانه البراق خادماً لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل بساط الريح خادماً لسليمان عليه السلام، وإذا كانت مثل تلك المعجزات قد حدثت لأنبياء؛ فقد هدى البشر إلي أن يبتكروا من وسائل المواصلات الكثير من عربات تجرها الجياد إلي سيارات وقطارات وطائرات. ومازال العلم يطور من تلك الوسائل، ورغم ذلك فهناك من يقتني الخيل ويربيها ويروضها ويجريها لجمال منظرها. وإذا كانت تلك الوسائل من المواصلات التي كانت تحمل عنا الأثقال؛ وتلك المخترعات التي هدانا الله إياها؛ فما بالنا بالمواصلات في الآخرة؟ لابد أن هناك وسائل تناسب في رفاهيتها ما في الآخرة من متاع غير موجود في الدنيا.


 

قديم 15-10-2011, 09:29 AM   #446
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 9

(وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين "9")
والسبيل هو الطريق؛ والقصد هو الغاية، وهو مصدر يأخذون منه القول (طريق قاصد) أي: طريق لا دوران فيه ولا التفاف. والحق سبحانه يريد لنا أن نصل إلي الغاية بأقل مجهود. ونحن في لغتنا العامية نسأل جندي المرور "هل هذا الطريق ماشي؟" رغم أن الطريق لا يمشي، بل أنت الذي تسير فيه، ولكنك تقصد أن يكون الطريق موصلاً إلي الغاية. وأنت حين تعجزك الأسباب تقول "خليها على الله" أي: أنك ترجع بما تعجزك أسبابه إلي المسبب الأعلى. وهكذا يريد المؤمن الوصول إلي قصدهن وهو عبادة الله وصولاً إلي الغاية، وهي الجنة، وجزاءً على الإيمان وحسن العمل في الدنيا.
وأنت حين تقارن مجرى نهر النيل تجد فيه التفافات وتعرجات؛ لأن الماء هو الذي حفر طريقه؛ بينما تنظر إلي الرياح التوفيقي مثلاً فتجده مستقيماً؛ ذلك أن البشر هم الذين حفروه إلي مقصد معين. وحين يكون قصد السبيل على الله؛ فالله لا هوى له ولا صاحب، ولا ولد له، ولا يحابي أحداً، وكل الخلق بالنسبة له سواء؛ ولذلك فهو حين يضع طريقاً فهو يضعه مستقيماً لا عوج فيه؛ وهو الحق سبحانه القائل:

{اهدنا الصراط المستقيم "6"}
(سورة الفاتحة)


أي: الطريق الذي لا التواء فيه لأي غرض، بل الغرض منه هو الغاية بأيسر طريق. وقول الحق سبحانه هنا:

{وعلى الله قصد السبيل .. "9"}
(سورة النحل)


يجعلنا نعود بالذاكرة إلي ما قاله الشيطان في حواره مع الله قال:

{فبعزتك لأغوينهم أجمعين "82" إلا عبادك منهم المخلصين "83"}
(سورة ص)


ورد الحق سبحانه:

{قال هذا صراط على مستقيم "41"}
(سورة الحجر)


والحق أيضاً هو القائل:

{إن علينا للهدى "12"}
(سورة الليل)


أي: أنه حين خلق الإنسان أوضح له طريق الهداية، وكذلك يقول سبحانه:

{وهديناه النجدين "10"}
(سورة البلد)


أي: أن الحق سبحانه أوضح للإنسان طرق الحق من الباطل، وهكذا يكون قوله هنا:

{وعلى الله قصد السبيل .. "9"}
(سورة النحل)


يدل على أن الطريق المرسوم غايته موضوعة من الله سبحانه، والطريق إلي تلك الغاية موزون من الحق الذي لا هوى له، والخلق كلهم سواء أمامه. وهكذا .. فعلى المفكرين ألا يرهقوا أنفسهم بمحاولة وضع تقنين من عندهم لحركة الحياة، لأن واجد الحياة قد وضع لها قانون صيانتها، وليس أدل على عجز المفكرين عن وضع قوانين تنظيم حياة البشر إلا أنهم يغيرون من القوانين كل فترة، أما قانون الله فخالد باقٍ أبداً، ولا استدراك عليه. ولذلك فمن المريح للبشر أن يسيروا على منهج الله والذي قال فيه الحق سبحانه حكماً عليهم أن يطبقوه؛ وما تركه الله لنا نجتهد فيه نحن. وقوله الحق:

{وعلى الله قصد السبيل .. "9"}
(سورة النحل)


أي: أنه هو الذي جعل سبيل الإيمان قاصداً للغاية التي وضعها سبحانه، ذلك أن من السبل ما هو جائر؛ ولذلك قال:

{ومنها جائر .. "9"}
(سورة النحل)


ولكي يمنع الجور جعل سبيل الإيمان قاصداً، فهو القائل:

{ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض .. "71"}
(سورة المؤمنون)


بينما السبيل العادلة المستقيمة هي السبيل المتكفل بها سبحانه، وهي سبيل الإيمان، ذلك أن من السبل ما هو جائر أي: يطيل المسافة عليك، أو يعرضك للمخاطر، أو توجد بها منحنيات تضل الإنسان، فلا يسير إلي الطريق المستقيم. ونعلم أن السبيل توصل بين طرفين (من وإلي) وكل نقطة تصل إليها لها أيضاً (من وإلي) وقد شاء الحق سبحانه ألا يقهر الإنسان على سبيل واحد، بل أراد له أن يختار، ذلك أن التسخير قد أراده الله لغير الإنسان مما يخدم الإنسان. أما الإنسان فقد خلق له قدرة الاختيار، ليعلم من يأتيه طائعاً ومن يعصى أوامره، وكل البشر مجموعون إلي حساب، ومن اختار طريق الطاعة فهو من يذهب إلي الله محباً، ويثبت له المحبوبية التي هي مراد الحق من خلق الاختيار، لكن لو شاء أن يثبت لنفسه طلاقة القهر لخلق البشر مقهورين على الطاعة كما سخر الكائنات الأخرى. والحق سبحانه يريد قلوباً لا قوالب؛ ولذلك يقول في آخر الآية:

{ولو شاء لهداكم أجمعين "9"}
(سورة النحل)
وكل أجناس الوجود كما نعلم تسجد لله:

{وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم .. "44"}
(سورة الإسراء)


وفي آية أخرى يقول:

{ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه .. "41"}
(سورة النور)


إذن: لو شاء الحق سبحانه لهدى الثقلين أي: الإنس والجن، كما هدى كل الكائنات الأخرى، ولكنه يريد قلوباً لا قوالب.


 

قديم 15-10-2011, 09:30 AM   #447
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 10

(هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون "10")
وقوله:

{أنزل من السماء .. "10"}
(سورة النحل)


يبدو قولاً بسيطاً؛ ولكن إن نظرنا إلي المعامل التي تقطر المياه وتخلصها من الشوائب لعلمنا قدر العمل المبذول لنزول الماء الصافي من المطر. والسماء ـ كما نعلم ـ هي كل ما يعلونا، ونحن نرى السحاب الذي يجئ نتيجة تبخير الشمس للمياه من المحيطات والبحار، فيتكون البخار الذي يتصاعد، ثم يتكثف ليصير مطراً من بعد ذلك؛ وينزل المطر على الأرض.
ونعلم أن الكرة الأرضية مكونة من محيطات وبحار تغطي ثلاثة أرباع مساحتها، بينما تبلغ مساحة اليابسة ربع الكرة الأرضية؛ فكأنه جعل ثلاثة أرباع مساحة الكرة الأرضية لخدمة ربع الكرة الأرضية. ومن العجيب أن المطر يسقط في مواقع قد لا تنتفع به، مثل هضاب الحبشة التي تسقط عليها الأمطار وتصحب من تلك الهضاب مادة الطمي لتكون نهر النيل لنستفيد نحن منه. ونجد الحق سبحانه يقول

{ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء.."43"}
(سورة النور)


وهنا يقول الحق سبحانه:

{هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون "10"}
(سورة النحل)


ولولا عملية البخر وإعادة تكثيف البخار بعد أن يصير سحاباً؛ لما استطاع الإنسان أن يشرب الماء المالح الموجود في البحار، ومن حكمة الحق سبحانه أن جعل مياه البحار والمحيطات مالحة؛ فالملح يحفظ المياه من الفساد. وبعد أن تبخر الشمس المياه لتصير سحاباً، ويسقط المطر يشرب الإنسان هذا الماء الذي يغذي الأنهار والآبار، وكذلك ينبت الماء الزرع الذي نأكل منه. وكلمة (شجر) تدل على النبات الذي يلتف مع بعضه ومنها كلمة "مشاجرة" والتي تعني التداخل من الذين يتشاجرون معاً. والشجر أنواع؛ فيه مغروس بمالك وهو ملك لمن يغرسه ويشرف على إنباته، وفي ما يخرج من الأرض دون أن يزرعه أحد وهو ملكية مشاعة، وعادة ما نترك فيه الدواب لترعى، فتأكل منه دون أن يردها أحد. وهنا يقول الحق سبحانه:

{فيه تسيمون "10"}
(سورة النحل)


من سام الدابة التي ترعى في الملك العام، وساعة ترعى الدابة في الملك العام فهي تترك آثارها من مسارب وعلامات. ويسمون الأرض التي يوجد بها نبات ولا يقربها حيوان بأنها "روضة أنف" بمعنى أن أحداً لم يأت إليها أو يقربها؛ كأنها أنفت أن يقطف منها شيء.


 

قديم 15-10-2011, 09:30 AM   #448
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 11

(ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون "11")
وهكذا يعلمنا الله أن النبات لا ينبت وحده، بل يحتاج إلي من ينبته، وهنا يخص الحق سبحانه ألواناً من الزراعة التي لها أثر فيها الحياة، ويذكر الزيتون والنخيل والأعناب وغيرها من كل الثمرات. والزيتون ـ كما نعلم ـ يحتوي على مواد دهنية؛ والعنب يحتوي على مواد سكرية، وكذلك النخيل الذي يعطي البلح وهو يحتوي على مواد سكرية، وغذاء الإنسان يأتي من النشويات والبروتينات. وما ذكره الحق سبحانه أولاً عن الأنعام، وما ذكره عن النباتات يوضح أنه قد أعطى الإنسان مكونات الغذاء؛ فهو القائل:

{والتين والزيتون "1" وطور سينين "2" وهذا البلد الأمين "3" لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم "4"}
(سورة التين)


أي: أنه جعل للإنسان في قوته البروتينات والدهنيات والنشويات والفيتامينات التي تصون حياته. وحين يرغب الأطباء في تغذية إنسان أثناء المرض؛ فهم يذيبون العناصر التي يحتاجها للغذاء في السوائل التي يقطرونها في أوردته بالحقن، ولكنهم يخافون من طول التغذية بهذه الطريقة؛ لأن الأمعاء قد تنكمش. ومن يقومون بتغذية البهائم يعلمون أن التغذية تتكون من نوعين؛ غذاء يملأ البطن؛ وغذاء يمد بالعناصر اللازمة، فالتبن مثلا يملأ البطن، ويمدها بالألياف التي تساعد على حركة الأمعاء، ولكن الكسب يغذي ويضمن السمنة والوفرة في اللحم. وحين يقول الحق سبحانه:

{ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات .. "11"}
(سورة النحل)


فعليك أن تستقبل هذا القول في ضوء قول الحق سبحانه:

{أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون "64"}
(سورة الواقعة)


ذلك أنك تحرث الأرض فقط، أما الذي يزرع فهو الحق سبحانه؛ وأنت قد حرثت بالحديد الذي أودعه الله في الأرض فاستخرجته أنت؛ وبالخشب الذي أنبته الله؛ وصنعت أنت منهما المحراث الذي تحرث به في الأرض المخلوقة لله، والطاقة التي حرثت بها ممنوحة لك من الله. ثم يذكرك الله بأن كل الثمرات هي من عطائه، فيعطف العام على الخاص؛ ويقول:

{ومن كل الثمرات .. "11"}
(سورة النحل)


أي: أن ما تأخذه هو جزء من كل الثمرات؛ ذلك أن الثمرات كثيرة، وهي أكثر من أن تعد. ويذيل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله:

{إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون "11"}
(سورة النحل)


أي: على الإنسان أن يعمل فكره في معطيات الكون، ثم يبحث عن موقفه من تلك المعطيات، ويحدد وضعه ليجد نفسه غير فاعل؛ وهو قابل لأن يفعل. وشاء الحق سبحانه أن يذكرنا أن التفكير ليس مهمة إنسان واحد بل مهمة الجميع، وكأن الحق سبحانه يريد لنا أن تتساند أفكارنا؛ فمن عنده لقطة فكرية تؤدي إلي الله لابد أن يقولها لغيره. ونجد في القرآن آيات تنتهي بالتذكر والتفكر وبالتدبر وبالتفقه، وكل منها تؤدي إلي العلم اليقيني؛ فحين يقول "يتذكرون" فالمعنى أنه سبق الإلمام بها؛ ولكن النسيان محاها؛ فكأن من مهمتك أن تتذكر. أما كلمة "يتفكرون" فهي أم كل تلك المعاني؛ لأنك حين تشغل فكرك تحتاج إلي أمرين، أن تنظر إلي معطيات ظواهرها ومعطيات أدبارها. ولذلك يقول الحق سبحانه:

{أفلا يتدبرون القرآن .. "82"}
(سورة النساء)


وهذا يعني ألا تأخذ الواجهة فقط، بل عليك أن تنظر إلي المعطيات الخلفية كي تفهم، وحين تفهم تكون قد عرفت، فالمهمة مكونة من أربع مراحل؛ تفكر، فتدبر، فتفقه؛ فمعرفة وعلم.


 

قديم 15-10-2011, 09:30 AM   #449
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 12

(وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون "12")
ونعلم أن الليل والنهار آيتان واضحتان؛ والليل يناسبه القمر، والنهار تناسبه الشمس، وهم جميعاً متعلقون بفعل واحد، وهم نسق واحد، والتسخير يعني قهر مخلوق لمخلوق؛ ليؤدي كل مهمته. وتسخير الليل والنهار والشمس والقمر؛ كل له مهمة، فالليل مهمته الراحة. قال الحق سبحانه:

{ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون"10"}
(سورة القصص)


والنهار له مهمة أن تكد في الأرض لتبتغي رزقاً من الله وفضلاً، والشمس جعلها مصدراً للطاقة والدفء، وهي تعطيك دون أن تسأل، ولا تستطيع هي أيضاً أن تمتنع عن عطاء قدرة الله. وهي ليست ملكاً لأحد غير الله؛ بل هي من نظام الكون الذي لم يجعل الحق سبحانه لأحد قدرة عليه، حتى لا يتحكم أحد في أحد، وكذلك القمر جعل له الحق مهمة أخرى. وإياك أن تتوهم أن هناك مهمة تعارض مهمة أخرى، بل هي مهام متكاملة. والحق سبحانه هو القائل:

{والليل إذا يغشى"1" والنهار إذا تجلى"2" وما خلق الذكر والأنثى "3" إن سعيكم لشتى "4"}
(سورة الليل)


أي: أن الليل والنهار وإن تقابلا فليسا متعارضين؛ كما أن الذكر والأنثى يتقابلان لا لتتعارض مهمة كل منهما بل لتتكامل. ويضرب الحق سبحانه المثل ليوضح لنا هذا التكامل فيقول:

{قال أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليلٍ تسكنون فيه أفلا تبصرون "72"}
(سورة القصص)


وأي إنسان إن سهر يومين متتابعين لا يستطيع أن يقاوم النوم؛ وإن أدى مهمة في هذين اليومين؛ فقد يحتاج لراحة من بعد ذلك تمتد أسبوعاً؛ ولذلك قال الله:

{وجعلنا الليل لباسا "10" وجعلنا النهار معاشا "11"}
(سورة النبأ)


والإنسان إذا ما صلى العشاء وذهب إلي فراشه سيستيقظ حتماً قبل الفجر وهو في قمة النشاط؛ بعد أن قضى ليلاً مريحاً في سبات عميق؛ ولا قلق فيه. ولكن الإنسان في بلادنا استورد حثالة الحضارة من أجهزة تجعله يقضي الليل ساهراً، ليتابع التليفزيون أو أفلام الفيديو أو القنوات الفضائية، فيقوم في الصباح منهكاً، رغم أن أهل تلك البلاد التي قدمت تلك المخترعات؛ نجدهم وهم يستخدمون تلك المخترعات يضعونها في موضعها الصحيح، وفي وقتها المناسب؛ لذلك نجدهم ينامون مبكرين، ليستيقظوا في الفجر بهمة ونشاط. ويبدأ الحق سبحانه جملة جديدة تقول:

{والنجوم مسخرات بأمره .. "12"}
(سورة النحل)


نلحظ أنه لم يأت بالنجوم معطوفة على ما قبلها، بل خصها الحق سبحانه بجملة جديدة على الرغم من أنها أقل الأجرام، وقد لا نتبينها لكثرتها وتعدد مواقعها ولكنا نجد الحق يقسم بها فهو القائل:

{فلا أقسم بمواقع النجوم "75" وإنه لقسم لو تعلمون عظيم "76"}
(سورة الواقعة)


فكل نجم من تلك النجوم البعيدة له مهمة، وإذا كنت أنت في حياتك اليومية حين ينطفئ النور تذهب لترى: ماذا حدث في صندوق الأكباس الذي في منزلك؛ ولكنك لا تعرف كيف تأتيك الكهرباء إلي منزلك، وكيف تقدم العلم ليصنع لك المصباح الكهربائي. وكيف مدت الدولة الكهرباء من مواقع توليدها إلي بيتك. وإذا كنت تجهل ما خلف الأثر الواحد الذي يصلك في منزلك، فما بالك بقول الحق سبحانه:

{فلا أقسم بمواقع النجوم "75" }
(سورة الواقعة)


وهو القائل:

{وعلامات وبالنجم هم يهتدون "16"}
(سورة النحل)


وقد خصها الحق سبحانه هنا بجملة جديدة مستقلة أعاد فيها خبر التسخير، ذلك أن لكل منها منازل، وهي كثيرة على العد والإحصاء، وبعضها بعيد لا يصلنا ضوؤه إلا بعد ملايين السنين. وقد خصها الحق سبحانه بهذا الخبر من التسخير حتى نتبين أن لله سراً في كل ما خلق بين السماء والأرض. ويريد لنا أن نلتفت إلي أن تركيبات الأشياء التي تنفعنا مواجهة وراءها أشياء أخرى تخدمها. ونجد الحق سبحانه وهو يذيل الآية الكريمة بقوله:

{إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون "12"}
(سورة النحل)


ونعلم أن الآيات هي الأمور العجيبة التي يجب ألا يمر عليها الإنسان مراً معرضاً؛ بل عليه أن يتأملها، ففي هذا التأمل فائدة له ويمكنه أن يستنبط منها المجاهيل التي تنعم البشر وتسعدهم. وكلمة (يعقلون) تعني إعمال العقل، ونعلم أن للعقل تركيبة خاصة؛ وهو يستنبط من المحسات الأمور المعنوية، وبهذا يأخذ من الملوم نتيجة كانت مجهولة بالنسبة له؛ فيسعد بها ويسعد بها من حوله، ثم يجعل من هذا المجهول مقدمة يصل بها إلي نتيجة جديدة. وهكذا يستنبط الإنسان من أسرار الكون ما شاء له الله أن يستنبط ويكتشف من أسرار الكون.


 

قديم 15-10-2011, 09:31 AM   #450
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 13

(وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون "13")
وكلمة (ذرأ) تعني أنه خلق خلقاً يتكاثر بذاته؛ إما بالحمل للأنثى من الذكر؛ في الإنسان أو الحيوان والنبات؛ وإما بواسطة تفريخ البيض كما في الطيور. وهكذا نفهم الذرء بمعنى أنه ليس مطلق خلق؛ بل خلق بذاته في التكاثر بذاته، والحق سبحانه قد خلق آدم أولاً، ثم أخرج منه النسل ليتكاثر النسل بذاته حين يجتمع زوجان ونتجا مثيلاً لهما، ولذلك قال الحق سبحانه:

{فتبارك الله أحسن الخالقين "14"}
(سورة المؤمنون)


وهكذا شاء الحق سبحانه أن يفيض على عباده بأن يعطيهم صفة أنهم يخلقون، ولكنهم لا يخلقون كخلقه؛ فهو قد خلق آدم ثم أوجدهم من نسله. والبشر قد يخلقون بعضاً من معدات وأدوات حياتهم، لكنهم لا يخلقون كخلق الله؛ فهم لا يخلقون من معدوم؛ بل من موجود، والحق سبحانه يخلق من المعدوم من لا وجود له؛ وهو بذلك احسن الخالقين. والمثل الذي أضربه دائماً هو الحبة التي تنبت سبع سنابل وفي كل سنبلة مائة حبة؛ وقد أوردها الحق سبحانه ليشوق للإنسان عملية الإنفاق في سبيل الله، وهذا هو الخلق المادي الملموس؛ فمن حبة واحدة أنبت سبحانه كل ذلك. وهنا يقول الحق سبحانه:

{وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه .. "13"}
(سورة النحل)


أي: ما خلق لنا من خلق متكاثر بذاته تختلف ألوانه. واختلاف الألوان وتعددها دليل على طلاقة قدرة الله في أن الكائنات لا تخلق على نمط واحد. ويعطينا الحق سبحانه الصورة على هذا الأمر في قوله سبحانه:

{مختلف ألوانها وغرابيب سود "27" ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور "28"}
(سورة فاطر)


وإذا ما قال الحق سبحانه:

{إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور .."28"}
(سورة فاطر)


فلنا أن نعرف أن العلماء هنا مقصود بهم كل عالم يقف على قضية كونية مركوزة في الكون أو نزلت من المكون مباشرة. ولم يقصد الحق سبحانه بهذا القول علماء الدين فقط، فالمقصود هو كل عالم يبحث بحثاً ليستنبط به معلوماً من مجهول، ويجلي أسرار الله في خلقه. وقد أراد صلى الله عليه وسلم أن يفرق فرقاً واضحاً في هذا الأمر، كي لا يتدخل علماء الدين في البحث العلمي التجريبي الذي يفيد الناس، ووجد صلى الله عليه وسلم الناس تؤبر النخيل؛ بمعنى أنهم يأتون بطلع الذكورة؛ ويلقحون النخيل التي تتصف بالأنوثة، وقال: لو لم تفعلوا لأثمرت. ولما لم تثمر النخيل، قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر؛ وأمر بإصلاحه

<وقال القولة الفصل "أنتم أعلم بشئون دنياكم">

أي: أنتم أعلم بالأمور التجريبية المعملية، ونلحظ أن الذي حجز الحضارة والتطوير عن أوربا لقرون طويلة؛ هو محاولة رجال الدين أن يحجروا على البحث العلمي؛ ويتهموا كل عالم تجريبي بالكفر. ويتميز الإسلام بأنه الدين الذي لم يحل دون بحث أي آية من آيات الله في الكون، ومن حنان الله أن يوضح لخلقه أهمية البحث في أسرار الكون، فهو القائل:

{وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون "105"}
(سورة يوسف)


أي: عليك أيها المؤمن ألا تعرض عن أي آية من آيات الله التي في الكون؛ بل على المؤمن أن يعمل عقله وفكره بالتأمل ليستفيد منها في اعتقاده وحياته. يقول الحق:

{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق .. "53"}
(سورة فصلت)


أما الأمور التي يتعلق بها حساب الآخرة؛ فهي من اختصاص العلماء الفقهاء. ويذيل الحق سبحانه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:

{إن في ذلك لآية لقوم يذكرون "13"}
(سورة النحل)


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:33 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا