المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 15-10-2011, 09:31 AM   #451
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 14

(وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون "14")
والتسخير كما علمنا من قبل هو إيجاد الكائن لمهمة لا يستطيع الكائن أن يتخلف عنها، ولا اختيار له في أن يؤديها أو لا يؤديها ونعلم أن الكون كله مسخر للإنسان قبل أن يوجد؛ ثم خلق الله الإنسان مختاراً. وقد يظن البعض أن الكائنات المسخرة ليس لها اختيار، وهذا خطأ؛ لأن تلك الكائنات لها اختيار حسمته في بداية وجودها، ولنقرأ قوله الحق:

{إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها .. "72"}
(سورة الأحزاب)


وهكذا نفهم أن الحق سبحانه خير خلقه بين التسخير وبين الاختيار، إلا أن الكائنات التي هي ما دون الإنسان أخذت اختيارها مرة واحدة؛ لذلك لا يجب أن يقال: إن الحق سبحانه هو الذي قهرها، بل هي التي اختارت من أول الأمر؛ لأنها قدرت وقت الأداء، ولم تقدر فقط وقت التحمل كما فعل الإنسان، وكأنها قالت لنفسها: فلأخرج من باب الجمال؛ قبل أن ينفتح أمامي باب ظلم النفس. ونجد الحق سبحانه يصف الإنسان:

{إنه كان ظلوماً جهولاً "72"}
(سورة الأحزاب)


فقد ظلم الإنسان نفسه حين اختار أن يحمل الأمانة؛ لأنه قدر وقت التحمل ولم يقدر وقت الأداء. وهو جهول لأنه لم يعرف كيف يفرق بين الأداء والتحمل، بينما منعت الكائنات الأخرى نفسها من أن تتحمل مسئولية الأمانة، فلم تظلم نفسها بذلك. وهكذا نصل إلي تأكيد معنى التسخير وتوضيحه بشكل دقيق، ونعرف أنه إيجاد الكائن لمهمة لا يملك أن يتخلف عنها؛ أما الاختيار فهو إيجاد الكائن لمهمة له أن يؤديها أو يتخلف عنها. وأوضحنا أن المسخرات كان لها أن تختار من البداية، فاختارت أن تسخر وألا تتحمل الأمانة، بينما أخذ الإنسان مهمة، واعتمد على عقله وفكره، وقبل أن يرتب أمور حياته على ضوء ذلك.
ومع ذلك أعطاه الله بعضاً من التسخير كي يجعل الكون كله فيه بعض من التسخير وبعض من الاختيار؛ ولذلك نجد بعضاً من الأحداث تجري على الإنسان ولا اختيار له فيها؛ كان يمرض أو تقع له حادثة أو يفلس. ولذلك أقول: إن الكافر مغفل لاختياره؛ لأنه ينكر وجود الله ويتمرد على الإيمان، رغم أنه لا يقدر أن يصد عن نفسه المرض أو الموت. وفي الآية التي نحن بصددها الآن يقول الحق سبحانه:

{وهو الذي سخر البحر .. "14" }
(سورة النحل)


فهذا يعني أنه هو الذي خلق البحر، لأنه هو الذي خلق السماوات والأرض؛ وجعل اليابسة ربع مساحة الأرض؛ بينما البحار والمحيطات تحتل ثلاثة أرباع مساحة الأرض. أي: أنه يحدثنا هنا عن ثلاثة أرباع الأرض، وأوجد البحار والمحيطات على هيئة نستطيع أن نأخذ منها بعضاً من الطعام فيقول:

{لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها .. "14"}
(سورة النحل)


ومن بعض عطاءات الحق سبحانه أن يأتي المد أحياناً ثم يعقبه الجزر؛ فيبقى بعض من السمك على الشاطئ، أو قد تحمل موجة عفية بعضاً من السمك وتلقيه على الشاطئ. وهكذا يكون العطاء بلا جهد من الإنسان، بل إن وجود بعض من الأسماك على الشاطئ هو الذي نبه الإنسان إلي أهمية أن يحتال ويصنع السنارة؛ ويغزل الشبكة؛ ثم ينتقل من تلك الوسائل البدائية إلي التقنيات الحديثة في صيد الأسماك. لكن الحلية التي يتم استخراجها من البحر فهي اللؤلؤ، وهي تقتضي أن تغوص الإنسان في القاع ليلتقطها. ويلفتنا الحق سبحانه إلي أسرار كنوزه فيقول:

{له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى "6"}
(سورة طه)


وكل كنوز الأمم توجد تحت الثرى. ونحن إن قسمنا الكرة الأرضية كما نقسم البطيخة إلي قطع كالتي نسميها "شقة البطيخ" سنجد أن كنوز كل قطعة تتساوى مع كنوز القطعة الأخرى في القيمة النفعية؛ ولكن كل عطاء يوجد بجزء من الأرض له ميعاد ميلاد يحدده الحق سبحانه. فهناك مكان في الأرض جعل الله العطاء فيه من الزراعة؛ وهناك مكان آخر صحراوي يخاله الناس بلا أي نفع؛ ثم تتفجر فيه آبار البترول، وهكذا. وتسخير الحق سبحانه للبحر ليس بإيجاده فقط على الهيئة التي هو عليها؛ بل قد تجد له أشياء ومهام أخرى مثل انشقاق البحر بعصا موسى عليه السلام؛ وصار كل فرق كالطود العظيم. ومن قبل ذلك حين حمل اليم موسى عليه السلام بعد أن ألقته أمه فيه بإلهام من الله:

{فليلقه اليم بالساحل .. "39"}
(سورة طه)


 

قديم 15-10-2011, 09:31 AM   #452
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 15

(وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون "15")
وهكذا يدلنا الحق سبحانه على أن الأرض قد خلقت على مراحل، ويشرح ذلك قوله سبحانه:

{قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين "9" وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين "10"}
(سورة فصلت)


وهكذا علمنا أن جرم الأرض العام قد خلق أولاً؛ وهو مخلوق على هيئة الحركة؛ ولأن الحركة هي التي تأتي بالميدان ـ التأرجح يميناً وشمالاً ـ وعدم استقرار الجرام على وضع، لذلك شاء سبحانه أن يخلق في الأرض الرواسي لتجعلها تبدو ثابتة غير مقلقة والراسي هو الذي يثبت. ولو كانت الأرض مخلوقة على هيئة الاستقرار لما خلق الله الجبال، ولكنه خلق الأرض على هيئة الحركة، ومنع أن تميد بخلق الجبال ليجعل الجبال رواسي للأرض. وفي آية أخرى يقول سبحانه:

{وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب .. "88"}
(سورة النمل)


وكلمة (ألقى) تدل على أن الجبال شيء متماسك وضع ليستقر. ثم يعطف سبحانه على الجبال:

{وأنهاراً وسبلاً .. "15"}
(سورة النحل)


ولم يأت الحق سبحانه فعل يناسب الأنهار، ومن العجيب أن الأسلوب يجمع جماداً في الجبال، وسيولة في الأنهار، وسبلاً أي طرقاً، وكل ذلك:

{لعلكم تهتدون "15"}
(سورة النحل)


أي: أن الجعل كله لعلنا نهتدي. ونعلم أن العرب كانوا يهتدوا بالجبال، ويجعلون منها علامات، والمثل هو جبل "هرشا" الذي يقول فيه الشاعر:
خذوا بطن هرشا أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشا لهن طريق
وأيضاً جبل التوباد كان يعتبر علامة. وكذلك قول الحق سبحانه:

{وناديناه من جانب الطور الأيمن .. "52"}
(سورة مريم)


وهكذا نجد من ضمن فوائد الجبال أنها علامات نهتدي بها إلي الطرق وإلي الأماكن، وتلك من المهام الجانبية للجبال. أو:

{لعلكم تهتدون "15"}
(سورة النحل)


باتعاظكم بالأشياء المخلوقة لكم، كي تهتدوا لمن أوجدها لكم.


 

قديم 15-10-2011, 09:32 AM   #453
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 16

(وعلامات وبالنجم هم يهتدون "16")
أي: أن ما تقدم من خلق الله هو علامات تدل على ضرورة أن تروا المنافع التي أودعها الله فيما خلق لكم؛ وتهتدوا إلي الإيمان بإله موجد لهذه الأشياء لصالحكم. وما سبق من علامات مقره الأرض، سواء الجبال أو الأنهار أو السبل؛ وأضاف الحق سبحانه لها في هذه الآية علامة توجد في السماء، وهي النجوم. ونعلم أن كل من يسير في البحر إنما يهتدي بالنجم. وتكلم عنها الحق سبحانه هنا كتسخير مختص؛ ولم يدخلها في التسخيرات المتعددة؛ ولأن نجماً يقود لنجم آخر، وهناك نجوم لم يصلنا ضوؤها بعد، وننتفع بآثارها من خلال غيرها. ونعلم أن قريشاً كانت تسلك سبلاً متعددة، فتهتدي بالنجوم في طريقها، ولذلك لابد أن يكون عندها خبرة بمواقع النجوم. ويقول الحق سبحانه:

{وبالنجم هم يهتدون "16"}
(سورة النحل)


قد فضل الحق هذا الأسلوب من بين ثلاثة أساليب يمكن أن تؤدي المعنى؛ هي: "يهتدون بالنجم" و"بالنجم يهتدون" والثالث: هو الذي استخدمه الحق فقال:

{وبالنجم هم يهتدون "16"}
(سورة النحل)


وذلك تأكيد على خبرة قريش بمواقع النجوم؛ لأنها تسافر كل عام رحلتين، ولم يكن هناك آخرون يملكون تلك الخبرة. والضمير "هم" جاء ليعطي خصوصيتين؛ الأولى: أنهم يهتدون بالنجم لا بغيره؛ والثانية: أن قريشاً تهتدي بالنجم، بينما غيرها من القبائل لا تستطيع أن تهتدي به.


 

قديم 15-10-2011, 09:32 AM   #454
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 17

(أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون "17")
ونعلم أن الكلام الذي يلقيه المتكلم للسامع يأخذ صوراً متعددة؛ فمرة يأخذ صورة الخبر، كأن يقول: من لا يخلق ليس كمن يخلق. وهذا كلام خبري، يصح أن تصدقه، ويصح ألا تصدقه. أما إذا أراد المتكلم أن يأتي منك أن التصديق، ويجعلك تنطق به؛ فهو يأتي لك بصيغة سؤال، لا تستطيع إلا أن تجيب عليه بالتأكيد لما يرغبه المتكلم. ونعلم أن قريشاً كانت تعبد الأصنام؛ وجعلوها آلهة؛ وهي لم تكلمهم، ولم تنزل منهجاً، وقالوا ما أورده الحق سبحانه على ألسنتهم:

{ما نعبدهم إلا ليقربونا إلي الله زلفى .. "3"}
(سورة الزمر)


فلماذا إذن لا يعبدون الله مباشرة دون وساطة؟ ولماذا لا يرفعون عن أنفسهم مشقة العبادة، ويتجهون إلي الله مباشرة؟ ثم لنسأل: ما هي العبادة؟ نعلم أن العبادة تعني الطاعة في "افعل" و"لا تفعل" التي تصدر من المعبود. وبطبيعة الحال لا توجد أوامر أو تكاليف من الأصنام لمن يعبدونها، فهي معبودات بلا منهج، وبلا جزاء لمن خالف، وبلا ثواب لمن أطاع، وبالتالي لا تصلح تلك الأصنام للعبادة. ولنناقش المسألة من زاوية أخرى، لقد أوضح الحق سبحانه أنه هو الذي خلق السماوات والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر، وسخر كل الكائنات لخدمة الإنسان الذي أوكل إليه مهمة خلافته في الأرض. وكل تلك الأمور لا يدعيها أحد غير الله، بل إنك إن سألت الكفار والمشركين عمن خلقهم ليقولن الله. قال الحق سبحانه:

{ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله .. "87"}
(سورة الزخرف)


ذلك أن عملية الإيجاد والخلق لا يجرؤ أحد أن يدعيها إن لم يكن هو الذي أبدعها، وحين تسألهم: من خلق السماوات والأرض لقالوا: إنه الله. وقد أبلغهم محمد صلى الله عليه وسلم أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض، وأن منهجه لإدارة الكون يبدأ من عبادته سبحانه. ومادام قد أدعى الحق سبحانه ذلكن ولم يوجد من ينازعه فالدعوة تثبت له إلي أن يوجد معارض، ولم يوجد هذا المعارض أبداً. وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها؛ لم يقل الحق سبحانه "أتجعلون من لا يخلق مثل من يخلق". بل قال:

{أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون "17"}
(سورة النحل)


ووراء ذلك حكمة؛ فهؤلاء الذين نزل إليهم الحديث تعاملوا مع الأصنام وكأنها الله؛ وتوهموا أن الله مخلوق مثل تلك الأصنام؛ ولذلك جاء القول الذي يناسب هذا التصور. والحق سبحانه يريد أن يبطل هذا التصور من الأساس؛ فأوضح أن من تعبدونهم هم أصنام من الحجارة وهي مادة ولها صورة، وأنتم صنعتموها على حسب تصوركم وقدراتكم. وفي هذه الحالة يكون المعبود أقل درجة من العابد وأدنى منه؛ فضلاً عن أن تلك الأصنام لا تملك لمن يعبدها ضراً ولا نفعاً. ثم: لماذا تدعون الله إن مسكم ضر؟ إن الإنسان يدعو الله في موقف الضر؛ لأنه لحظتها لا يجرؤ على خداع نفسه، أما الآلهة التي صنعوها وعبدوها فهي لا تسمع الدعاء:

{إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبيرٍ "14"}
(سورة فاطر)


فكيف إذن تساوون بين من لا يخلق، ومن يخلق؟ إن عليك أن تتذكروا، وأن تتفكروا، وأن تعملوا عقولكم فيما ينفعكم.


 

قديم 15-10-2011, 09:32 AM   #455
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 18

(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم "18")
وهذه الآية سبقت في سورة إبراهيم؛ فقال الحق سبحانه هناك:

{وآتاكم من كل ما سألتموه وأن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار"34"}
(سورة إبراهيم)


وكان الحديث في مجال من لم يعطوا الألوهية الخالقة، والربوبية الموجدة، والممدة حقها، وجحدوا كل ذلك. ونفس الموقف هنا حديث عن نفس القوم، فيوضح الحق سبحانه: أنتم لو استعرضتم نعم الله فلن تحصوها، ذلك أن المعدود دائماً يكون مكرر الأفراد؛ ولكن النعمة الواحدة في نظرك تشتمل على نعم لا تحصى ولا تعد؛ فما بالك بالنعم مجتمعة؟ أو: أن الحق سبحانه لا يمتن إلا بشيء واحد، هو أنه قد جاء لكم بنعمة، وتلك النعمة أفرادها كثير جداً. وينهي الحق سبحانه الآية بقوله:

{إن الله لغفور رحيم "18"}
(سورة النحل)


أي: أنكم رغم كفركم سيزيدكم من النعم، ويعطيكم من مناط الرحمة، فمنكم الظلم، ومن الله الغفران، ومنكم الكفر ومن الله الرحمة. وكأن تذييل الآية هنا يرتبط بتذييل الآية التي في سورة إبراهيم حيث قال هناك:

{إن الإنسان لظلوم كفار "34"}
(سورة إبراهيم)


فهو سبحانه غفور لجحدكم ونكرانكم لجميل الله، وهو رحيم، فيوالي عليكم النعم رغم أنكم ظالمون وكافرون.


 

قديم 15-10-2011, 09:32 AM   #456
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 19

(والله يعلم ما تسرون وما تعلنون"19")
والسر ـ كما نعلم ـ هو ما حبسته في نفسك، أو ما أسررت به لغيرك، وطلب منه ألا يعلمه لأحد. والحق سبحانه يعلم السر، بل يعلم ما هو أخفى فهو القائل:

{يعلم السر وأخفى "7"}
(سورة طه)


أي: أنه يعلم ما نسره في أنفسنا، ويعلم أيضاً ما يمكن أن يكون سراً قبل أن نسره في أنفسنا، وهو سبحانه لا يعلم السر فقط؛ بل يعلم العلن أيضاً.


 

قديم 15-10-2011, 09:33 AM   #457
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 20

(والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون"20")
أي: أنهم لا يستطيعون أن يخلقوا شيئاً؛ بل هم يخلقون، والأصنام كما قلنا هي أدنى ممن يخلقونها، فكيف يستوي أن يكون المعبود أدنى من العابد؟ وذلك تسفيه لعبادتهم. ولذلك يقول الحق سبحانه على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام لحظة أن حطم الأصنام، وسأله أهله: من فعل ذلك بآلهتنا؟ وأجاب:

{قال بل فعله كبيرهم هذا .. "63"}
(سورة الأنبياء)


فقالوا له: إن الكبير مجرد صنم، وأنت تعلم أنه لا يقدر على شيء. ونجد القرآن يقول لأمثال هؤلاء:

{أتعبدون ما تنحتون "95"}
(سورة الصافات)


فهذه الآلهة ـ إذن ـ لا تخلق بل تُخلق، ولكن الله هو خالق كل شيء، وسبحانه القائل:

{يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب "73"}
(سورة الحج)


 

قديم 15-10-2011, 09:33 AM   #458
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 21

(أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون "21")
وهم بالفعل أموات؛ لأنهم بلا حس ولا حركة، وقوله:

{غير أحياءٍ .. "21"}
(سورة النحل)


تفيد أنه لم تكن لهم حياة من قبل، ولم تثبت لهم الحياة في دورة من دورات الماضي أو الحاضر أو المستقبل. وهكذا تكتمل أوصاف تلك الأصنام، فهم لا يخلقون شيئاً، بل هم مخلوقون بواسطة من نحتوهم، وتلك الأصنام والأوثان لن تكون لها حياة في الآخرة، بل ستكون وقوداً للنار. والحق سبحانه هو القائل:

{احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون "22"}
(سورة الصافات)


وبطبيعة الحال لن تشعر تلك الحجارة ببعث من عبدوها.


 

قديم 15-10-2011, 09:33 AM   #459
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 22

(إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون "22")
وقوله الحق:

{إلهكم إله واحد .. "22"}
(سورة النحل)


تمنع أن يكون هناك أفراد غيره مثله، وقد يتصور البعض أنها تساوي كلمة "أحد". وأقول: إن كلمة "أحد" هي منع أن يكون له أجزاء؛ فهو منزه عن التكرار أو التجزيء. وفي هذا القول طمأنه للمؤمنين بأنهم قد وصلوا إلي قمة الفهم والاعتقاد بأن الله واحد. أو: هو يوضح للكافرين أن الله واحد رغم أنوفكم، وستعودون إليه غصباً، وبهذا القول يكشف الحق سبحانه عن الفطرة الموجودة في النفس البشرية التي شهدت في عالم الذر أن الله واحد لا شريك له، وأن القيامة والبعث حق.
ولكن الذين لا يؤمنون بالله وبالآخرة هم من ستروا عن أنفسهم فطرتهم، فكلمة الكفر كما سبق أن قلنا هي ستر يقتضي مستوراً، والكفر يستر إيمان الفطرة الأولى. والذين ينكرون الآخرة إنما يحرمون أنفسهم من تصور ما سوف يحدث حتماً؛ وهو الحساب الذي سيجازي بالثواب والحسنات على الأفعال الطيبة، ولعل سيئاتهم تكون قليلة؛ فيجبرها الحق سبحانه لهم وينالون الجنة. والمسرفون على أنفسهم؛ يأملون أن تكون قضية الدين كاذبة، لأنهم يريدون أن يبتعدوا عن تصور الحساب، ويتمنون ألا يوجد حساب. ويصفهم الحق سبحانه:

{قلوبهم منكرة وهم مستكبرون "22"}
(سورة النحل)


أي: أنهم لا يكتفون بإنكار الآخرة فقط؛ بل يتعاظمون بدون وجه للعظمة. و"استكبر" أي: نصب من نفسه كبيراً دون أن يملك مقومات الكبر، ذلك أن "الكبير" يجب أن يستند لمقومات الكبر؛ ويضمن لنفسه أن تظل تلك المقومات ذاتية فيه. ولكنا نحن البشر أبناء أغيارٍ؛ لذلك لا يصح لنا أن نتكبر؛ فالواحد منا قد يمرض، أو تزول عنه أعراض الثروة أو الجاه، فصفات وكمالات الكبر ليست ذاتية في أي منا؛ وقد تسلب ممن فاء الله عليه بها؛ ولذلك يصبح من اللائق أن يتواضع كل منا، وأن يستحضر ربه، وأن يتضاءل أمام خالقه. فالحق سبحانه وحده هو صاحب الحق في التكبر؛ وهو سبحانه الذي تبلغ صفاته ومقوماته منتهى الكمال، وهي لا تزول عنه أبداً.


 

قديم 15-10-2011, 09:34 AM   #460
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 23

(لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين "23")
وساعة نرى (لا جرم) فمعناها أن ما يأتي بعدها هو حق ثابت، فـ"لا" نافية، و"جرم" مأخوذة من "الجريمة"، وهي كسر شيء مؤمن به لسلامة المجموع. وحين نقول "لا جرم" أي: أن ما بعدها حق ثابت. وما بعد (لا جرم) هنا هو: أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون. وكل آيات القرآن التي ورد فيها قوله الحق (لا جرم) تؤدي هذا المعنى، مثل قوله الحق:

{لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون "62"}
(سورة النحل)


وكذلك قوله الحق:

{لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون "109"}
(سورة النحل)


وقد قال بعض العلماء: إن قوله الحق (لا جرم) يحمل معنى "لابد"، وهذا يعني أن قوله الحق:

{لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون .. "23"}
(سورة النحل)


لابد أن يعلم الله ما يسرون وما يعلنون، ولا مناص من أن الذين كفروا هم الخاسرون. وقد حلل العلماء اللفظ ليصلوا إلي أدق أسراره. وعلم الله لا ينطبق على الجهر فقط، بل على السر أيضاً؛ ذلك أنه سيحاسبهم على كل الأعمال. وينهي الحق سبحانه الآية بقوله:

{إنه لا يحب المستكبرين "23"}
(سورة النحل)


وإذا سألنا: وما علاقة علم الله بالعقوبة؟ ونقول: ألم يقولوا في أنفسهم:

{لولا يعذبنا الله بما تقول .. "8"}
(سورة المجادلة)


وإذا ما نزل قول الحق سبحانه ليخبرهم بما قالوه في أنفسهم؛ فهذا دليل على أن من يبلغهم صادق في البلاغ عن الله، ورغم ذلك فقد استكبروا؛ وتابوا وعاندوا، وأخذتهم العزة بالإثم، وأرادوا بالاستكبار الهرب من الالتزام بالمنهج الذي جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم.


 

قديم 15-10-2011, 09:34 AM   #461
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 24

(وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين"24")
وقوله الحق:

{ماذا أنزل ربكم .. "24"}
(سورة النحل)


يوضح الاستدراك الذي أجراه الله على لسان المتكلم؛ ليعرفوا أن لهم رباً. ولو لم يكونوا مؤمنين برب، لأعلنوا ذلك، ولكنهم من غفلتهم اعترضوا على الإنزال، ولم يعترضوا على أن لهم رباً. وهذا دليل على إيمانهم برب خالق؛ ولكنهم يعترضون على محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل إليه من الله. و:

{قالوا أساطير الأولين "24"}
(سورة النحل)


والأساطير: هي الأكاذيب، ولو كانوا صادقين مع أنفسهم لما أقروا بالألوهية، ورفضوا أيضاً القول المنزل إليهم. ومنهم من قال:

{قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً "5"}
(سورة الفرقان)


ولكن هناك جانب آخر كان له موقف مختلف سيأتي تبيانه من بعد ذلك، وهم الجانب المضاد لهؤلاء؛ حيث يقول الحق سبحانه:

{وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير .. "30"}
(سورة النحل)


ووراء ذلك قصة توضح جوانب الخلاف بين فريق مؤمن وفريق كافر. فحين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وعشيرته إلي الإيمان بالله الواحد الذي أنزل عليه منهجاً في كتاب معجز، بدأت أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم تنتشر بين قبائل الجزيرة العربية كلها، وأرسلت كل قبيلة وفداً منها لتتعرف وتستطلع مسألة هذا الرسول. ولكن كفار قريش أرادوا أن يصدوا عن سبيل الله؛ فقسموا أنفسهم على مداخل مكة الأربعة، فإذا سألهم سائل من وفود القبائل "ماذا قال ربكم الذي أرسل لكم رسولاً؟".
هنا يرد عليهم قسم الكفار الذي يستقبلهم: "إنه رسول كاذب، يحرف ويجدف". والهدف طبعاً أن يصد الكفار وفود القبائل. ويخبر الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بما حدث، وإذا قيل للواقفين على أبواب مكة من الوفود التي جاءت تستطلع أخبار للرسول: ماذا أنزل ربكم؟ يردون "إنه يردد أساطير الأولين". وهذا الجواب الواحد من الواقفين على أبواب مكة الأربعة يدل على أنها إجابة متفق عليها، وسبق الإعداد لها، وقد أرادوا بذلك أن يصرفوا وفود القبائل عن الاستماع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فشبهوا الذكر المنزل من الله بمثل ما كان يرويه لهم ـ على سبيل المثال ـ النضر ابن الحارث من قصص القدماء التي تتشابه مع قصص عنترة، وأبي زيد الهلالي التي تروي في قرانا. وهذه هي الموقعة الأولى في الأخذ والرد.
ويعقب الحق سبحانه على قولهم هذا:


 

قديم 15-10-2011, 09:34 AM   #462
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 25

(ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون "25")
وانظر إلي قوله سبحانه:

{ليحملوا أوزارهم كاملة .. "25"}
(سورة النحل)


لترى كيف يوضح الحق سبحانه أن النفس البشرة لها أحوال متعددة؛ وإذا أسرفت على نفسها في تلك الجوانب؛ فهي قد تسرف في الجانب الأخلاقي؛ والجانب الاجتماعي؛ وغير ذلك، فتأخذ وزر كل ما تفعل. ويوضح هنا الحق سبحانه أيضاً أن تلك النفس التي ترتكب الأوزار حين تضل نفساً غيرها فهي لا تتحمل من أوزار النفس التي أضلتها إلا ما نتج عن الإضلال؛ فيقول:

{ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم .. "25"}
(سورة النحل)


ذلك أن النفس التي تم إضلالها قد ترتكب من الأوزار في مجالات أخرى ما لا يرتبط بعملية الإضلال. والحق سبحانه أعدل من أن يحمل حتى المضل أوزاراً لم يكن هو السبب فيها؛ ولذلك قال الحق سبحانه هنا:

{ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم .. "25"}
(سورة النحل)


أي: أن المضل يحمل أوزار نفسه، وكذلك يحمل بعضاً من أوزار الذين أضلهم؛ تلك الأوزار الناتجة عن الإضلال. وفي هذا مطلق العدالة من الحق سبحانه وتعالى، فالذين تم إضلالهم يرتكبون نوعين من الأوزار والسيئات؛ أوزار وسيئات نتيجة الإضلال؛ وتلك يحملها معهم من أضلوهم. أما الأوزار والسيئات التي ارتكبوها بأنفسهم دون أن يدفعهم لذلك من أضلوهم؛ فهم يتحملون تبعاتها وحدهم، وبذلك يحمل كل إنسان أحمال الذنوب التي ارتكبها.

<وقد حسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حين قال: "والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر">

وقس على ذلك من سرق في الطوب والأسمنت والحديد وخدع الناس. وحين يقول الحق سبحانه:

{الذين يضلونهم بغير علم .. "25"}
(سورة النحل)


إنما يلفتنا إلي ضرورة ألا تلهينا الدنيا عن أهم قضية تشغل بال الخليقة، وهي البحث عن الخالق الذي أكرم الخلق، وأعد الكون لاستقبالهم. وكان يجب على هؤلاء الذين سمعوا من كفار قريش أن يبحثوا عن الرسول، وأن يسمعوا منه؛ فهم أميون لم يسبق أن جاءهم رسول؛ وقد قال فيهم الحق سبحانه:

{ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون "78"}
(سورة البقرة)


فإذا ما جاءهم الرسول كان عليهم أن يبحثوا، وأن يسمعوا منه لا نقلاً عن الكفار؛ ولذلك سيعاقبهم الله؛ لأنهم أهملوا قضية الدين، ولكن العقوبة الشديدة ستكون لمن كان عندهم علم بالكتاب. والحق سبحانه هو القائل:

{فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا .. "79"}
(سورة البقرة)


ويصف الحق سبحانه من يحملون أوزارهم وبعضاً من أوزار من أضلوهم:

{ألا ساء ما يزرون "25"}
(سورة النحل)


أي: ساء ما يحملون من آثام؛ فهم لم يكتفوا بأوزارهم، بل صدوا عن سبيل الله، ومنعوا الغير أن يستمع إلي قضية الإيمان. ومن نتيجة ذلك أن يبيح من لم يسمع لنفسه بعضاً مما حرم الله؛ فيتحمل من صدهم عن السبيل وزر هذا الإضلال.

<ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "شركم من باع دينه بدنياه، وشر منه من باع دينه بدنيا غيره">

فمن باع الدين ليتمتع قليلاً؛ يستحق العقاب؛ أما من باع دينه ليتمتع غيره فهو الذي سيجد العقاب الأشد من الله.


 

قديم 15-10-2011, 09:34 AM   #463
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 26

(قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون "26")
ويأتي الحق سبحانه هنا بسيرة الأولين والسنن التي أجراها سبحانه عليهم، ليسلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ويوضح له أن ما حدث معه ليس بدعاً؛ بل سبق أن حدث مع من سبق من الرسل. ويبلغه أنه لم يبعث أي رسول إلا بعد تعم البلوى ويطم الفساد، ويفقد البشر المناعة الإيمانية، نتيجة افتقاد من يؤمنون ويعملون الصالحات، ويتواصون بالحق وبالصبر. والمثل الواضح على ذلك ما حدث لبني إسرائيل؛ الذين قال فيهم الحق سبحانه:

{كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه .. "79"}
(سورة المائدة)


فانصب عليهم العذاب من الله، وهذا مصير كل أمة لا تتناهى عن المنكر الظاهر أمامها. ويقول سبحانه هنا:

{قد مكر الذين من قبلهم .. "26"}
(سورة النحل)


والمكر تبييت خفي يبيته الماكر بما يستر عن الممكور به. ولكن حين يمكر أحد بالرسل؛ فهو يمكر بمن يؤيده الله العالم العليم. وإذا ما أعلم الله رسوله بالمكر؛ فهو يلغي كل أثر لهذا التبييت؛ فقد علمه من يقدر على إبطاله. والحق سبحانه هو القائل:

{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي .. "21"}
(سورة المجادلة)


وهو القائل:

{ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين "171" إنهم لهم المنصورون "172"}
(سورة الصافات)


وطبق الحق سبحانه ذلك على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ حين مكر به كفار قريش وجمعوا شباب القبائل ليقتلوه؛ فأغشاهم الله ولم يبصروا خروجه للهجرة ولم ينتصر عليه معسكر الكفر بأي وسيلة؛ لا باعتداءات اللسان، ولا باعتداءات الجوارح. وهؤلاء الذين يمكرون بالرسل لم يتركهم الحق سبحانه دون عقاب:

{فأتى الله بنيانهم من القواعد .. "26"}
(سورة النحل)


أي: أنهم إن جعلوا مكرهم كالبناية العالية؛ فالحق سبحانه يتركهم لإحساس الأمن المزيف، ويحفر لهم من تحتهم، فيخر عليهم السقف الذي من فوقهم. وهكذا يضرب الله المثل المعنوي بأمرٍ محسن. وقوله الحق:

{فخر عليهم السقف من فوقهم .. "26"}
(سورة النحل)


يوضح أنهم موجودون داخل هذا البيت، وأن الفوقية هنا للسقف، وهي فوقية شاءها الله ليأتيهم:

{العذاب من حيث لا يشعرون "26"}
(سورة النحل)


وهكذا يأتي عذاب الله بغتة؛ ذلك أنهم قد بيتوا، وظنوا أن هذا التبييت بخفاء يخفي عن الحي القيوم.
وليت الأمر يقتصر على ذلك؛ لا بل يعذبهم الله في الآخرة أيضاً:


 

قديم 15-10-2011, 09:35 AM   #464
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 27

(ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين "27")
وهكذا يكون العذاب في الدنيا وفي الآخرة، ويلقون الخزي يوم القيامة. والخزي هو الهوان والمذلة، وهو أقوى من الضرب والإيذاء؛ ولا يتجلد أمامه أحد؛ فالخزي قشعريرة تغشى البدن؛ فلا يفلت منها من تصيبه. وإن كان الإنسان قادراً على أن يكتم الإيلام؛ فالخزي معنى نفسي، والمعاني النفسية تنضح على البشرة؛ ولا يقدر أحد أن يكتم أثرها؛ لأنه يقتل خميرة الاستكبار التي عاش بها الذي بيت ومكر. ويوضح الحق سبحانه هذا المعنى في قوله عن القرية التي كان يأتيها الرزق من عند الله ثم كفرت بأنعم الله؛ فيقول:

{وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "112"}
(سورة النحل)


أي: كأن الجسد كله قد سار ممتلكاً لحاسة التذوق، وكأن الجوع قد أصبح لباساً؛ يعاني منه صاحبه؛ فيجوع بقفاه، ويجوع بوجهه، ويجوع بذراعه وجلده وخطواته، وبكل ما فيه.
وساعة يحدث هذا الخزي فكل خلايا الاستكبار تنتهي، خصوصاً أمام من كان يدعي عليهم الإنسان أن عظمته وتجبره وغروره باقٍ، وله ما يسنده. ويتابع سبحانه متحدياً:

{أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم .. "27"}
(سورة النحل)


أي: أين الشركاء الذين كنتم تعبدونهم؛ فجعلتم من أنفسكم شقة، وجعلتم من المؤمنين شقة أخرى، وكلمة (تشاقون) مأخوذة من "الشق" ويقال: "شق الجدار أو شق الخشب" والمقصود هنا أن جعلتم المؤمنين، ومن مع الرسول في شقة تعادونها، وأخذتم جانب الباطل، وتركتم جانب الحق. وهنا يقول من آتاهم الله العلم:

{قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين "27"}
(سورة النحل)


وكأن هذا الأمر سيصير مشهداً بمحضر الحق سبحانه بين من مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيحضره الذين أتاهم الله العلم. والعلم ـ كما نعلم ـ يأتي من الله مباشرة؛ ثم ينقل إلى الملائكة؛ ثم ينقل من الملائكة إلى الرسل، ثم ينقل من الرسل إلى الأمم التي كلف الحق سبحانه رسله أن يبلغوهم منهجه.
وكما شهدت الدنيا سقوط المناهج التي اتبعوها من أهوائهم، وسقوط من عبدوهم من دون الله سيشهد اليوم الآخر الخزي والسوء وهو يحيط بهم، وقد يكون الخزي من هول الموقف العظيم، ويحمي الله من آمنوا به بالاطمئنان.

<ونعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: "ألا هل بلغت، اللهم فأشهد">

وكما بلغ رسول الله أمته واستجابت له؛ فقد طلب منهم أيضاً أن يكونوا امتداداً لرسالته، وأن يبلغوها للناس، ذلك أن الحق سبحانه قد منع الرسالات من بعد رسالة محمد عليه الصلاة والسلام. وصار عن مسئولية الأمة المحمدية أن تبلغ كل من لم تبلغه رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وأداها إلى من لم يسمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع">

والحق سبحانه هو القائل:

{فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا "41" يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض "42"}
(سورة النساء)


أي: يتمنون أن يصيروا تراباً، كما قال تعالى في موقع آخر:

{إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا "40"}
(سورة النحل)


 

قديم 15-10-2011, 09:35 AM   #465
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 28

(الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون"28")
يقول تعالى:

{الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم .. "28"}
(سورة النحل)


أي: تتوفاهم في حالة كونهم ظالمين لأنفسهم، وفي آية أخرى قال الحق تبارك وتعالى:

{وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون "118"}
(سورة النحل)


ومعلوم أن الإنسان قد يظلم غيره لحظ نفسه ولصالحها .. فكيف يظلم هو نفسه، وهذا يسمونه الظلم الأحمق حين تظلم نفسك التي بين جنبيك .. ولكن كيف ذلك؟
نعرف أن العدو إذا كان من الخارج فسهل التصدي له، بخلاف إذا جاءك من نفسك التي بين جنبيك، فهذا عدو خطير صعب التصدي له، والتخلص منه.
وهنا نطرح سؤالاً: ما الظلم؟ الظلم أن تمنع صاحب حق حقه، إذن: ماذا كان لنفسك عليك حتى يقال: إنك ظلمتها بمنعها حقها؟. نقول: حين تجوع، ألا تأكل؟ وحين تعطش ألا تشرب؟ وحين ترهق من العمل ألا تنام؟
إذن: أنت تعطي نفسك مطلوباتها التي تريحها وتسارع إليها، وكذلك إذا نمت وحاولوا إيقاظك للعمل فلم تستيقظ، أو حاولوا إيقاظك للصلاة فتكاسلت، وفي النهاية كانت النتيجة فشلاً في العمل أو خسارة في التجارة .. الخ.
إذن: هذه خسارة مجمعة، والخاسر هو النفس، وبهذا فقد ظلم الإنسان نفسه بما فاتها من منافع في الدنيا، وقس على ذلك أمور الآخرة.
وانظر هنا إلى جزئيات الدنيا حينما تكتمل لك، هل هي نهاية كل شيء، أم بنهايتها يبتدئ شيء؟ بنهايتها يبتدئ شيء، ونسأل: الشيء الذي سوف يبدأ، هل هو صورة مكررة لما انتهى في الدنيا؟
ليس كذلك، لأن المنتهى في الدنيا منقطع، وقد أخذت حظي منه على قدر قدراتي، وقدراتي لها إمكانات محدودة .. أما الذي سيبدأ ـ أي في الآخرة ـ ليس بمنتهٍ بل خالد لا انقطاع له، وما فيه من نعيم يأتي على قدر إمكانات المنعم ربك سبحانه وتعالى.
إذن: أنت حينما تعطي نفسك متعة في الدنيا الزائلة المنقطعة تفوت عليها المتعة الباقية في الآخرة .. وهذا منتهى الظلم للنفس. ونعود إلى قوله تعالى:

{الذين تتوفاهم الملائكة .. "28"}
(سورة النحل)


أثبتت هذه الآية التوفي للملائكة .. والتوفي حقيقة لله تعالى، كما جاء في قوله:

{الله يتوفى الأنفس .. "42"}
(سورة الزمر)


لكن لما كان الملائكة مأمورين، فكأن الله تعالى هو الذي يتوفى الأنفس رغم أنه سبحانه وتعالى قال:

{الله يتوفى الأنفس .. "42"}
(سورة الزمر)


وقال:

{قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون "11"}
(سورة السجدة)


وقال:

{توفته رسلنا .. "61"}
(سورة الأنعام)


إذن: جاء الحديث من الله تعالى مرة، ومن رئيس الملائكة عزرائيل مرة، ومن مساعديه من الملائكة مرة أخرى، إذن: الأمر إما للمزاولة مباشرة، وإما للواسطة، وإما للأصل الآمر. وقوله تعالى:

{تتوفاهم .. "28"}
(سورة النحل)


معنى التوفي من وفاه حقه أي: وفاه أجله، ولم ينقص منه شيئاً، كما تقول للرجل وفيتك دينك .. أي: أخذت ما لك عندي.

{ظالمي أنفسهم .. "28"}
(سورة النحل)


نلاحظ أنها جاءت بصيغة الجمع، و(ظالمي) يعني ظالمين و(أنفسهم) جمع، وحين يقابل الجمع تقتضي القسمة آحاداً أي: أن كلاً منهم يظلم نفسه. ثم يقول الحق سبحانه:

{فألقوا السلم .. "28"}
(سورة النحل)


أي: خضعوا واستسلموا ولم يعد ينفعهم تكبرهم وعجرفتهم في الدنيا .. ذهب عنهم كل هذا بذهاب الدنيا التي راحت من بين أيديهم. وماداموا ألقوا السلم الآن، إذن: فقد كانوا في حرب قبل ذلك كانوا في حرب مع أنفسهم وهم أصحاب الشقاق في قوله تعالى:

{تشاقون .. "27"}
(سورة النحل)


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:46 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا