المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 15-10-2011, 09:35 AM   #466
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 29

(فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين "29")
سبق أن قلنا في شرح قوله تعالى في وصف جهنم:

{لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم "44"}
(سورة الحجر)


أي: أن لكل جماعة من أهل المعصية باباً معلوماً .. فباب لأهل الربا .. وباب لأهل الرشوة .. وباب لأهل النفاق وهكذا .. ولك أن تتصور ما يلاقيه من يجمع بين هذه المعاصي!! إنه يدخل هذا الباب ثم يخرج منه ليدخل باباً آخر .. حقاً ما أتعس هؤلاء!
وهنا يقول تعالى:

{فادخلوا أبواب جهنم .. "29"}
(سورة النحل)


فجاءت أيضاً بصورة الجمع. إذن: كل واحد منكم يدخل من بابه الذي خصص له. ثم يقول سبحانه:

{فلبس مثوى المتكبرين "29"}
(سورة النحل)


والمثوى هو مكان الإقامة، وقال تعالى في موضع آخر:

{لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين "23"}
(سورة النحل)


فتكبر واستكبر وكل ما جاء على وزن (تفعًل) يدل على أن كبرهم هذا غير ذاتي؛ لأن الذي يتكبر حقاً يتكبر بما فيه ذاتياً لا يسلبه منه أحد، إنما من يتكبر بشيء لا يملكه فتكبره غير حقيقي، وسرعان ما يزول ويتصاغر هؤلاء بما تكبروا به في الدنيا، وبذلك لا يكون لأحد أن يتكبر لأن الكبرياء الحقيقي لله عز وجل.


 

قديم 15-10-2011, 09:36 AM   #467
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 30

(وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين "30")
وقد سبق أن تحدثنا عن قوله تعالى:

{وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين "24"}
(سورة النحل)


فهذه مشاهدة ولقطات تبين الموقف الذي انتهى بأن أقروا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين. وهذه الآيات نزلت في جماعة كانوا داخلين مكة .. وعلى أبوابها التي يأتي منها أهل البوادي، وقد قسم الكافرون أنفسهم على مداخل مكة ليصدوا الداخلين إليها عن سماع خبر أهل الإيمان بالنبي الجديد.
وكان أهل الإيمان من المسلمين يتحينون الفرصة ويخرجون على مشارف مكة بحجة رعي الغنم مثلاً ليقابلوا هؤلاء السائلين ليخبروهم خبر النبي صلى الله عليه وسلم وخبر دعوته. مما يدل على أن الذي يسأل عن شيء لا يكتفي بأول عابر يسأله، بل يجدد السؤال ليقف على المتناقضات .. فحين سألوا الكافرين قالوا:

{قالوا أساطير الأولين "24"}
(سورة النحل)


فلم يكتفوا بذلك، بل سألوا أهل الإيمان فكان جوابهم:

{قالوا خيراً .. "30"}
(سورة النحل)


هذا لنفهم أن الإنسان إذا صادف شيئاً له وجهتان متضادتان فلا يكتفي بوجهة واحدة، بل يجب أن يستمع للثانية، ثم بعد ذلك للعقل أن يختار بين البدائل.
إذن: حينما سأل الداخلون مكة أهل الكفر:

{ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين "24"}
(سورة النحل)


وحينما سألوا أهل الإيمان والتقوى:

{ماذا أنزل ربكم قالوا خيراً .. "30"}
(سورة النحل)


ونلاحظ هنا في:

{وقيل للذين اتقوا "30"}
(سورة النحل)


أن الحق سبحانه لم يوضح لنا من هم، ولم يبين هويتهم، وهذا يدلنا على أنهم كانوا غير قادرين على المواجهة، ويدارون أنفسهم لأنهم ما زالوا ضعافاً لا يقدرون على المواجهة. وقد تكرر هذا الموقف ـ موقف السؤال إلى أن تصل إلى الوجهة الصواب ـ حينما عتب الحق تبارك وتعالى على نبي من أنبيائه هو سيدنا داود ـ عليه السلام ـ في قوله تعالى:

{وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب "21" إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط "22" إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب "23"}
(سورة ص)


فماذا قال داود عليه السلام؟

{قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه .. "24"}
(سورة ص)


وواضح في حكم داود عليه السلام تأثره بقوله (له تسع وتسعون) ولنفرض أنه لم يكن عنده شيء، ألم يظلم أخاه بأخذ نعجته؟! إذن: تأثر داود بدعوى الخصم، وأدخل فيه حيثية أخرى، وهذا خطأ إجرائي في عرض القضية؛ لأن (تسع وتسعون) هذه لا دخل لها في القضية .. بل هي لاستمالة القاضي وللتأثير على عواطفه ومنافذه، ولبيان أن الخصم غني ومع ذلك فهو طماع ظالم.


 

قديم 15-10-2011, 09:36 AM   #468
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 31

(جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك يجزي الله المتقين"31")
والجنات: تعني البساتين التي بها الأشجار والأزهار والثمار والخضرة، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر .. ليس هذا وفقط .. هذه الجنة العمومية التي يراها كل من يدخلها .. بل هناك لكل واحد قصر خاص به، بدليل قوله تعالى:

{ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم "12"}
(سورة الصف)


إذن: هنا قدر مشترك للجميع:

{جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار .. "31"}
(سورة النحل)


ومعنى قوله تعالى:

{جنات عدن .. "31"}
(سورة النحل)


أي: جنات إقامة دائمة؛ لأن فيها كل ما يحتاجه الإنسان، فلا حاجه له إلى غيرها .. هب أنك دخلت أعظم حدائق وبساتين العالم ـ هايد بارك مثلاً ـ فقصارى الأمر أن تتنزه به بعض الوقت، ثم يعتريك التعب ويصيبك الملل والإرهاق فتطلب الراحة من هذه النزهة .. أما الجنة فهي جنة عدن، تحب أن تقيم فيها إقامة دائمة.
ويصف الحق سبحانه هذه الجنات فيقول:

{تجري من تحتها الأنهار .. "31"}
(سورة النحل)


وفي آية أخرى يقول سبحانه:

{تجري تحتها الأنهار .. "100"}
(سورة التوبة)


ومعنى "تجري تحتها" أي: أنها تجري تحتها، وربما تأتي من مكان آخر .. وقد يقول هنا قائل: يمكن أن يمنع عنك جريان هذه الأنهار؛ لذلك جاءت الآية:

{تجري من تحتها الأنهار .. "31"}
(سورة النحل)


أي: ذاتية في الجنة لا يمنعها عنك مانع. ثم يقول تعالى:

{لهم فيها ما يشاءون .. "31"}
(سورة النحل)


والمشيئة هنا ليست بإرادة الدنيا ومشيئتها، وإنما مشيئة بالمزاج الخصب الذي يتناسب مع الآخرة ونعيمها .. مثلاً: إذا دخلت على إنسان رقيق الحال فلك مشيئة على قدر حالته، وإذا دخلت على أحد العظماء أو الأثرياء كانت لك مشيئة أعلى .. وهكذا.
إذن: المشيئات النفسية تختلف باختلاف المشاء منه، فإذا كان المشاء منه هو الله الذي لا يعجزه شيء تكون مشيئتك مطلقة، فالمشيئة في الآية ليست كمشيئة الدنيا؛ لأن مشيئة الدنيا تتحدد ببيئة الدنيا .. أما مشيئة الآخرة فهي المشيئة المتفتحة المتصاعدة المرتقية كما تترقى المشيئات عند البشر في البشر حسب مراتبهم ومراكزهم.
ويروي أنه لما أسرت بنت أحد ملوك فارس عند رجل، وأرادوا شراءها منه وعرضوا عليه ما يريد، فقال: أريد فيها ألف دينار، فأعطوه الألف دينار وأخذوها منه .. فقال له أحدهم: إنها ابنة الملك، ولو كنت طلبت منه كذا وكذا لم يبخل عليك فقال: والله لو علمت أن وراء الألف عدداً لطلبته .. فقد طلب قصارى ما وصل إليه علمه.
لذلك لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرح لنا هذا النص القرآني:

{لهم فيها ما يشاءون .. "31"}
(سورة النحل)


وكذلك قوله تعالى:

{وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون "71"}
(سورة الزخرف)


قال: "فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر". إذن: تحديد الإطار للآية بقدر ما هم فيه عند ربهم.

{كذلك يجزي الله المتقين "31"}
(سورة النحل)


أي: هكذا الجزاء الذي يستحقونه بما قدموا في الدنيا، وبما حرموا منه أنفسهم من متع حرام .. وقد جاء الآن وقت الجزاء، وهو جزاء أطول وأدوم؛ لذلك قال الحق تبارك وتعالى في آية أخرى:

{كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية "24"}
(سورة الحاقة)


ثم يقول الحق تبارك وتعالى:


 

قديم 15-10-2011, 09:36 AM   #469
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 32

(الذين تتوافهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون"32")
أي: المتقون هم الذين تتوفاهم الملائكة طيبين. ومعنى:

{تتوفاهم .. "32"}
(سورة النحل)


أي: تأتي لقبض أرواحهم، وهنا نسب التوفي إلى جملة الملائكة، كأنهم جنود ملك الموت الأصيل عزرائيل، وقد سبق أن قلنا: إن الحق تبارك وتعالى مرة ينسب التوفي إلى الملائكة، ومرة ينسبه إلى ملك الموت:

{قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم .. "11"}
(سورة السجدة)


ومرة ينسبه إلى نفسه سبحانه:

{الله يتوفى .. "42"}
(سورة الزمر)


ذلك لأن الله سبحانه هو الآمر الأعلى، وعزرائيل ملك الموت الأصيل، والملائكة هم جنوده الذين ينفذون أوامره. وقوله:

{طيبين .. "32"}
(سورة النحل)


تقابل الآية السابقة:

{الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم .. "28"}
(سورة النحل)


والطيب هو الشيء الذي يوجد له خير دائم لا ينقطع ولا ينقلب خيره هذا شراً، وهو الشيء الذي تستريح له النفس راحة تنسجم منها كل ملكاتها، بشرط أن يكون مستمراً إلى خير منه، ولا يستمر إلى خير منه واحسن إلا طيب القيم وطيب الدين، أما غير ذلك فهو طيب موقوت سرعان ما يهجر.
ولذلك حينما يدعي اثنان المحبة في الله نقول: هذه كلمة تقال، ومصداقها أن ينمو الود بينكما كل يوم عن اليوم الذي قبله؛ لأن الحب للدنيا تشوبه الأطماع والأهواء، فترى الحب ينقص يوماً بعد يوم، حسب ما يأخذ أحدهما من الآخر، أما المتحابان في الله فيأخذان من عطاء لا ينفذ، هو عطاء الحق تبارك وتعالى، فإن رأيت اثنين يزداد ودهما فاعلم أنه ود الله وفي الله، على خلاف الود لأغراض الدنيا فهو ود سرعان ما ينقطع.
هل هناك أطيب من أنهم طهروا أنفسهم من دنس الشرك؟ وهل هناك أطيب من أنهم اخلصوا عملهم لله، وهل هناك أطيب من أنهم لم يسرفوا على أنفسهم في شيء؟
وحسب هؤلاء من الطيب أنهم ساعة يأتي ملك الموت يمر عليهم شريط أعمالهم، وملخص ما قدموه في الدنيا، فيرون خيراً، فتراهم مستبشرين فرحين، يبدو ذلك على وجوههم ساعة الاحتضار، فتراه أبيض الوجه مشرقاً مبتسماً، عليه خاتمة الخير والطيب والسعادة؛ ذلك لما عاينه من طيب عمله، ولما يستبشر به من الجزاء عند الله تبارك وتعالى.
وعلى عكس هذه الحالة تماماً نرى أهل الشقاوة، وما هم عليه ساعة الغرغرة من سواد الوجه، وسوء الخاتمة، والعياذ بالله.

{يقولون سلام عليكم .. "32"}
(سورة النحل)


أي: حينما تتوفاهم الملائكة يقولون لهم سلام؛ لأنكم خرجتم من الدنيا بسلام، وستقبلون على الآخرة بسلام، إذن: سلام الطيبين سلام موصول من الدنيا إلى الآخرة، سلام مترتب على سلامة دينكم في الدنيا، وسلامة إقبالكم على الله، دون خوف في الآخرة.
وهنا سلام آخر جاء في قول الحق تبارك وتعالى:

{وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين "73"}
(سورة الزمر)


 

قديم 15-10-2011, 09:37 AM   #470
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 33

(هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون "33")
بعد أن عرضت الآيات جزاء المتقين الذين قالوا خيراً، عادت لهؤلاء الذين قالوا (أساطير الأولين) الذين يصادمون الدعوة إلى الله، ويقفون منها موقف العداء والكيد والتربص والإيذاء. وهذا استفهام من الحق تبارك وتعالى لهؤلاء: ماذا تنتظرون؟! بعدما فعلتم بأمر الدعوة وما صددتم الناس عنها، ماذا تنتظرون؟ أتنتظرون أن تروا بأعينكم، ليس أمامكم إلا أمران: سيحلان بكم لا محالة:
إما أن تأتيكم الملائكة فتتوفاكم، أو يأتي أمر ربك، وهو يوم القيامة ولا ينجيكم منها إلا أن تؤمنوا، أم أنكم تنتظرون خيراً؟! فلن يأتيكم خير أبداً .. كما قال تعالى في آيات أخرى:

{أتى أمر الله فلا تستعجلون .. "1"}
(سورة النحل)


وقال:

{اقتربت الساعة .. "1"}
(سورة القمر)


وقال:

{اقترب للناس حسابهم .. "1"}
(سورة الأنبياء)


إذن: إنما ينتظرون أحداثاً تأتي لهم بشر: تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم في حالة هم بها ظالمون لأنفسهم، ثم يلقون السلام رغماً عنهم، أو: تأتيهم الطامة الكبرى وهي القيامة. ثم يقول الحق سبحانه:

{كذلك فعل الذين من قبلهم .. "33"}
(سورة النحل)


أي: ممن كذب الرسل قبلهم .. يعني هذه مسألة معروفة عنهم من قبل:

{وما ظلمهم الله .. "33"}
(سورة النحل)


أي: وما ظلمهم الله حين قدر أن يجازيهم بكذا وكذا، وليس المراد هنا ظلمهم بالعذاب؛ لأن العذاب لم يحل بهم بعد.

{ولكن كانوا أنفسهم يظلمون "33"}
(سورة النحل)


وهذا ما نسميه بالظلم الأحمق؛ لأن ظلم الغير قد يعود على الظالم بنوع من النفع، أما ظلم النفس فلا يعود عليها بشيء؛ وذلك لأنهم أسرفوا على أنفسهم في الدنيا فيما يخالف منهج الله، وبذلك فوتوا على أنفسهم نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، وهذا هو ظلمهم لأنفسهم.


 

قديم 15-10-2011, 09:37 AM   #471
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 34

(فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون "34")
أي: أنهم لما ظلموا أنفسهم أصابهم جزاء ذلك، وسمي ما يفعل بهم سيئة؛ لأن الحق تبارك وتعالى يسمي جزاء السيئة سيئة في قوله:

{كذلك فعل الذين من قبلهم .. "40"}
(سورة الشورى)


ويقول تعالى:

{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به .. "126"}
(سورة النحل)


وهذه تسمى المشاكلة، أي: أن هذه من جنس هذه.
وقوله تعالى: (ما عملوا) العمل هو مزاولة أي جارحة من الإنسان لمهمتها، فكل جارحة لها مهمة. الرجل واليد والعين والأذن .. الخ. فاللسان مهمته أن يقول، وبقية الجوارح مهمتها أن تفعل. إذن: فاللسان وحده أخذ النصف، وباقي الجوارح أخذت النصف الآخر؛ ذلك لأن حصائد الألسنة عليها المعلول الأساسي.
فكلمة الشهادة: لا إله إلا الله لابد من النطق بها لنعرف أنه مؤمن، ثم يأتي دور الفعل ليساند هذا القول؛ لذا قال تعالى:

{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون "2" كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "3"}
(سورة الصف)


وبالقول تبلغ المناهج للآذان .. فكيف تعمل الجوارح دون منهج؟ ولذلك فقد جعل الحق تبارك وتعالى للأذن وضعاً خاصاً بين باقي الحواس، فهي أول جارحة في الإنسان تؤدي عملها، وهي الجارحة التي لا تنقضي مهمتها أبداً .. كل الجوارح لا تعمل مثلاً أثناء النوم إلا الأذن، وبها يتم الاستدعاء والاستيقاظ من النوم.
وإذا استقرأت آيات القرآن الكريم، ونظرت في آيات الخلق ترى الحق تبارك وتعالى يقول:

{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون "78"}
(سورة النحل)


ثم هي آلة الشهادة يوم القيامة:

{حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم .. "20"}
(سورة فصلت)


ولذلك يقول الحق سبحانه:

{فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً "11"}
(سورة الكهف)


ومعنى: ضربنا على آذانهم، أي: عطلنا الأذن التي لا تعطل حتى يطمئن نومهم ويستطيعوا الاستقرار في كهفهم، فلو لم يجعل الله تعالى في تكوينهم الجارحي شيئاً معيناً لما استقر لهم نوم طوال 309 أعوام.
ويقول الحق تعالى:

{وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون "34"}
(سورة النحل)


بماذا استهزأ الكافرون؟ استهزأوا بالبعث والحساب وما ينتظرهم من العذاب، فقالوا كما حكى القرآن:

{أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون "16" أو آباؤنا الأولون "17"}
(سورة الصافات)


وقالوا:

{أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلقٍ جديدٍ .. "10"}
(سورة السجدة)


ثم بلغ بهم الاستهزاء أن تعجلوا العذاب فقالوا:

{فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين "70"}
(سورة الأعراف)


وقالوا:

{أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً .. "92"}
(سورة الإسراء)


وهل يطلب أحد من عدوه أن ينزل به العذاب إلا إذا كان مستهزئاً؟
فقال لهم الحق تبارك وتعالى: إنكم لن تقدروا على هذا العذاب الذي تستهزئون به. فقال:

{وحاق بهم .. "34"}
(سورة النحل)


أي: أحاط ونزل بهم، فلا يستطيعون منه فراراً، ولا يجدون معه منفذاً للفكاك، كما في قوله تعالى:

{والله من ورائهم محيط "20"}
(سورة البروج)



 

قديم 15-10-2011, 09:37 AM   #472
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 35

(وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين"35")
نلاحظ أنه ساعة أن يأتي الفعل نصاً في مطلوبه لا يذكر المتعلق به .. فلم يقل: أشركوا بالله .. لأن ذلك معلوم، والإشراك معناه الإشراك بالله، لذلك قال تعالى هنا:

{وقال الذين أشركوا .. "35"}
(سورة النحل)


ثم يورد الحق سبحانه قولهم:

{لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيءٍ .. "35"}
(سورة النحل)


إنهم هنا يدافعون عن أنفسهم، وهذه هي الشفاعة التي يعلق عليها الكفار خطاياهم ـ شماعة أن الله كتب علينا وقضى بكذا وكذا. فيقول المسرف على نفسه: ربنا هو الذي أراد لي كذا، وهو الذي يهدي، وهو الذي يضل، وهو الذي جعلني ارتكب الذنوب، إلى آخر هذه المقولات الفارغة من الحق ـ والنهاية؛ فلماذا يعذبني إذن؟
وتعالوا نناقش صاحب هذه المقولات، لأن عنده تناقضاً عقلياً، والقضية غير واضحة أمامه .. ولكي نزيل عنه هذا الغموض نقول له: ولماذا لم تقل: إذا كان الله قد أراد لي الطاعة وكتبها علي، فلماذا يثيبني عليها .. هكذا المقابل .. فلماذا قلت بالأولى ولم تقل بالثانية؟‍‍‍‍‍!
واضح أن الأولى تجر عليك الشر والعذاب، فوقفت في عقلك .. أما الثانية فتجر عليك الخير، لذلك تغاضيت عن ذكرها.
ونقول له: هل أنت حينما تعمل أعمالك .. هل كلها خير؟ أم هل كلها شر؟ أما منها ما هو خير، ومنها ما هو شر؟
والإجابة هنا واضحة. إذن: لا أنت مطبوع على الخير دائماً، ولا أنت مطبوع على الشر دائماً، لذلك فأنت صالح للخير، كما أنت صالح للشر.
إذن: هناك فرق بين أن يخلقك صالحاً للفعل وضده، وبين أن يخلقك مقصوراً على الفعل لا ضده، ولما خلقك صالحاً للخير وصالحاً للشر أوضح لك منهجه وبين لك الجزاء، فقال: اعمل الخير .. والجزاء كذا، واعمل الشر .. والجزاء كذا .. وهذا هو المنهج.
ويحلو للمسرف على نفسه أن يقول: إن الله كتبه علي .. وهذا عجيب، وكأني به قد اطلع على اللوح المحفوظ ونظر فيه ، فوجد أن الله كتب عليه أن يشرب الخمر مثلاً فراح فشربها؛ لأن الله كتبها عليه.
ولو أن الأمر هكذا لكنت طائعاً بشربك هذا، لكن الأمر خلاف ما تتصور، فأنت لا تعرف أنها كتب عليك إلا بعد أن فعلت، والفعل منك مسبوق بالعزم على أن تفعل، فهل اطلعت على اللوح المحفوظ كي تعرف ما كتبه الله عليك؟
انتبه هنا واعلم أن الله تعالى كتب أزلاً؛ لأنه علم أنك تفعل أجلاً، وعلم الله مطلق لا حدود له. ونضرب مثلاً ـ ولله المثل الأعلى ـ الوالد الذي يلاحظ ولده في دراسته، فيجده مهملاً غير مجد فيتوقع فشله في الامتحان .. هل دخل الوالد مع ولده وجعله يكتب خطأ؟ لا .. بل توقع له الفشل لعلمه بحال ولده، وعدم استحقاقه للنجاح.
إذن: كتب الله مسبقاً وأزلاً؛ لأنه يعلم ما يفعله العبد أصلاً .. وقد أعطانا الحق تبارك وتعالى صورة أخرى لهذا المنهج حينما وجه المؤمنين إلى الكعبة بعد أن كانت وجهتهم إلى بيت المقدس، فقال تعالى:

{قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره .. "144"}
(سورة البقرة)


ثم أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله:

{سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها .. "142" }
(سورة البقرة)


جاء الفعل هكذا في المستقبل: سيقول .. إنهم لم يقولوا بعد هذا القول، وهذا قرآن يتلى على مسامع الجميع غير خافٍ على أحد من هؤلاء السفهاء، فلو كان عند هؤلاء عقل لسكتوا ولم يبادروا بهذه المقولة، ويفوتوا الفرصة بذلك على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى صدق القرآن الكريم.


 

قديم 15-10-2011, 09:38 AM   #473
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 36

(ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين"36")
فالحق سبحانه يقول هنا:

{ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً .. "36"}
(سورة النحل)


وفي آية أخرى يقول سبحانه:

{من كل أمةٍ .. "84"}
(سورة النحل)


فهذه لها معنى، وهذه لها معنى .. فقوله:

{من كل أمةٍ .. "84"}
(سورة النحل)


أي: من أنفسهم، منهم خرج، وبينهم تربى ودرج، يعرفون خصاله وصدقه ومكانته في قومه. أما قوله تعالى:

{في كل أمةٍ .. "36"}
(سورة النحل)


فـ"في هنا تفيد الظرفية. أي: في الأمة كلها، وهذه تفيد التغلغل في جميع الأمة .. فلا يصل البلاغ منه إلى جماعة دون أخرى، بل لابد من عموم البلاغ لجميع الأمة.
وكذلك يقول تعالى مرة:

{أرسلنا .. "26"}
(سورة الحديد)


ومرة أخرى يقول:

{بعثنا .. "36"}
(سورة النحل)


وهناك فرق بين المعنيين فـ(أرسلنا) تفيد الإرسال، وهو: أن يتوسط مرسل إلى مرسل إليه. أما (بعثنا) فتفيد وجود شيء سابق اندثر، ونريد بعثه من جديد.
ولتوضيح هذه القضية نرجح إلى قصة آدم ـ عليه السلام ـ حيث علمه الله الأسماء كلها، ثم أهبطه من الجنة إلى الأرض. وقال:

{فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون "38"}
(سورة البقرة)


وقال في آية أخرى:

{فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى "123"}
(سورة طه)


إذن: هذا منهج من الله تعالى لآدم ـ عليه السلام ـ والمفروض أن يبلغ آدم هذا المنهج لأبنائه، والمفروض في أبنائه أن يبلغوا هذا المنهج لأبنائهم، وهكذا، إلا أن الغفلة قد تستحوذ على المبلغ للمنهج، أو عدم رعاية المبلغ للمنهج فتنطمس المناهج، ومن هنا يبعثها الله من جديد، فمسألة الرسالات لا تأتي هكذا فجأة فجماعة من الجماعات، بل هي موجودة منذ أول الخلق.
فالرسالات إذن بعث لمنهج إلهي، كان يجب أن يظل على ذكر من الناس، يتناقله الأبناء عن الآباء، إلا أن الغفلة قد تصيب المبلغ فلا يبلغ، وقد تصيب المبلغ فلا يلتزم بالبلاغ؛ لذلك يجدد الله الرسل.
وقد وردت آيات كثيرة في هذا المعنى، مثل قوله تعالى:

{وإن من أمةٍ إلا خلا فيها نذير "24"}
(سورة فاطر)


وقوله:

{ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون "131"}
(سورة الأنعام)


 

قديم 15-10-2011, 09:38 AM   #474
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 37

(إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين "37")
يسلي الحق تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، ويثبت له حرصه على أمته، وأنه يحمل نفسه في سبيل هدايتهم فوق ما حمله الله، كما قال له في آية أخرى:

{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين "3"}
(سورة الشعراء)


ويقول تعالى:

{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم "128"}
(سورة التوبة)


ثم بعد ذلك يقطع الحق سبحانه الأمل أمام المكذبين المعاندين فيقول تعالى:

{فإن الله لا يهدي من يضل .. "37"}
(سورة النحل)


أي: لا يضل إلا من لم يقبل الإيمان به فيدعه إلى كفره، بل ويطمس على قلبه غير مأسوف عليه، فهذه إرادته، وقد أجابه الله إلى ما يريد.

{وما لهم من ناصرين "37"}
(سورة النحل)


إذن: المسألة ليست مجرد عدم الهداية، بل هناك معركة لا يجدون لهم فيها ناصراً أو معيناً يخلصهم منها، كما قال تعالى:

{فما لنا من شافعين "100" ولا صديق حميمٍ "101"}
(سورة الشعراء)


إذن: لا يهدي الله من اختار لنفسه الضلال، بل سيعذبه عذاباً لا يجد من ينصره فيه. ثم يقول الحق سبحانه عنهم.


 

قديم 15-10-2011, 09:38 AM   #475
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 38

(وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون"38")
{وأقسموا بالله .. "38"}
(سورة النحل)


سبحان الله!! كيف تقسمون بالله وأنتم لا تؤمنون به؟! وما مدلول كلمة الله عندكم؟ .. هذه علامة غباء عند الكفار ودليل على أن موضوع الإيمان غير واضح في عقولهم؛ لأن كلمة الله نفسها دليل على الإيمان به سبحانه، ولا توجد الكلمة في اللغة إلا بعد وجود ما تدل عليه أولاً .. فالتلفزيون مثلاً قبل أن يوجد لم يكن له اسم، ثم بعد أن وجد أوجدوا له اسماً.
أذن: توجد المعاني أولاً، ثم توضع للمعاني أسماء، فإذا رأيت اسماً يكون معناه قبله أم بعده؟ يكون قبله .. فإذا قالوا: الله غير موجود نقول لهم: كذبتم؛ لأن كلمة الله لفظ موجود في اللغة ولابد أن لها معنى سبق وجودها.
إذن: فالإيمان سابق للكفر .. وجاء الكفر منطقياً؛ لأن معنى الكفر: الستر .. والسؤال إذن: ماذا ستر؟ ستر الإيمان، ولا يستر إلا موجوداً، وبذلك نقول: إن الكفر دليل على الإيمان.

{وأقسموا بالله جهد أيمانهم .. "38"}
(سورة النحل)


أي: مبالغين في اليمين مؤكدينه، وما أقرب غباءهم هنا بما قالوه في آية أخرى:

{اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم "32"}
(سورة الأنفال)


فليس هذا بكلام العقلاء. وكان ما أقسموا عليه بالله أنه:

{لا يبعث الله من يموت .. "38"}
(سورة النحل)


وهذا إنكار للبعث، كما سبق وأن قالوا:

{قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون "82"}
(سورة المؤمنون)


فيرد عليهم الحق سبحانه (بلى).
وهي أداة لنفي السابق عليها، وأهل اللغة يقولون: نفي النفي إثبات، إذاً "بلى" تنفي النفي قبلها وهو قولهم:

{لا يبعث الله من يموت .. "38"}
(سورة النحل)


فيكون المعنى: بل يبعث الله من يموت.

{وعداً عليه حقاً .. "38"}
(سورة النحل)


والوعد هو الإخبار بشيء لم يأت زمنه بعد، فإذا جاء وعد بحدث يأتي بعد ننظر فيمن وعد: أقادر على إيجاد ما وعد به؟ أم غير قادر؟
فإن كان غير قادر على إنفاذ ما وعد به لأنه لا يضمن جميع الأسباب التي تعينه على إنفاذ وعده، قلنا له قل: إن شاء الله .. حتى إذا جاء موعد التنفيذ فلم تف بوعدك التمسنا لك عذراً، وحتى لا توصف ساعتها بالكذب، فقد نسب الأمر إلى مشيئة الله.
والحق ـ تبارك وتعالى ـ لا يمنعنا أن نخطط للمستقبل ونعمل كذا ونبني كذا .. خطط كما تحب، واعدد للمستقبل عدته، لكن أردف هذا بقولك: إن شاء الله؛ لأنك لا تملك جميع الأسباب التي تمكن من عمل ما تريد مستقبلاً، وقد قال الحق تبارك وتعالى:

{ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا "23" إلا أن يشاء الله .. "24"}
(سورة الكهف)


ونضرب لذلك مثلاً: هب أنك أردت أن تذهب غداً إلى فلان لتكلمه في أمر ما .. هل ضمنت لنفسك أن تعيش لغد؟ وهل ضمنت أن هذا الشخص سيكون موجوداً غداً؟ وهل ضمنت ألا يتغير الداعي الذي تريده؟ وربما توفرت لك هذه الظروف كلها، وعند الذهاب ألم بك عائق منعك من الذهاب. إذن: يجب أن نردف العمل في المستقبل بقولنا: إن شاء الله.


 

قديم 15-10-2011, 09:39 AM   #476
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 39

(ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين"39")
فمعنى قوله تعالى:

{ليبين لهم الذي يختلفون فيه .. "39"}
(سورة النحل)


أي: من أمر البعث؛ لأن القضية لا تستقيم بدون البعث والجزاء؛ ولذلك كنت في جدالي للشيوعيين أقول لهم: لقد أدركتم رأسماليين شرسين ومفترين، شربوا دم الناس وعملوا كذا وكذا .. فماذا فعلتم بهم؟ يقولون: فعلنا بهم كيت وكيت، فقلت: ومن قبل وجود الشيوعية سنة 1917، ألم يكن هناك ظلمة مثل هؤلاء؟
قالوا: بلى.
قلت: إذن من مصلحتكم أن يوجد بعث وحساب وعقاب لا يفلت منه هؤلاء الذين سبقوكم، ولم تستطيعوا تعذيبهم. ثم يأتي فصل الخطاب في قوله تعالى:

{وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين "39"}
(سورة النحل)


أي: كاذبين في قولهم:

{لا يبعث الله من يموت .. "38"}
(سورة النحل)


وذلك علم يقين ومعاينة، ولكن بعد فوات الأوان، فالوقت وقت حساب وجزاء لا ينفع فيه الاعتراف ولا يجدي التصديق، فالآن يعترفون بأنهم كانوا كاذبين في قسمهم لا يبعث الله من يموت وبالغوا في الأيمان وأكدوها؛ ولذلك يقول تعالى عنهم في آية أخرى:

{وكانوا يصرون على الحنث العظيم "46"}
(سورة الواقعة)


 

قديم 15-10-2011, 09:39 AM   #477
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 40

(إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون"40")
إذن: أمر البعث ليس علاجاً لجزئيات كل شخص وضم أجزائه وتسويته من آدم حتى قيام الساعة، بل المسألة منضبطة تماماً مع الأمر الإلهي (كن).
وبمجرد صدوره، ودون حاجة لوقت ومزاولة يكون الجميع ماثلاً طائعاً، كل واحد منتظر دوره، منتظر الإشارة؛ ولذلك جاء في الخبر: "أمور يبديها ولا يبتديها".
فالأمر يتوقف على الإذن: اظهر يظهر.
ومثال ذلك ـ ولله المثل الأعلى ـ من يعد القنبلة الزمنية مثلاً، ويضبطها على وقت معين .. تظل القنبلة هذه إلى وقت الانفجار الذي وضع فيها، ثم تنفجر دون تدخل من صناعها .. مجرد الإذن لها بالانفجار تنفجر.
وحتى كلمة (كن) نفسها تحتاج لزمن، ولكن ليس هناك أقرب منها في الإذن .. وإن كان الأمر في حقه تعالى لا يحتاج إلى كن ولا غيره.


 

قديم 15-10-2011, 09:39 AM   #478
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 41

(والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون "41")
المهاجرون قوم آمنوا بالله إيماناً صار إلى مرتبة من مراتب اليقين جعلتهم يتحملون الأذى والظلم والاضطهاد في سبيل إيمانهم فلا يمكن أن يضحي الإنسان بماله وأهله ونفسه إلا إذا كان لأمر يقيني.
وقد جاءت هذه الآية بعد آية إثبات البعث الذي أنكره الكافرون وألحوا في إنكاره وبالغوا فيه، بل وأقسموا على ذلك:

{وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت .. "38"}
(سورة النحل)


وهم يعلمون أن من الخلق من يسئ، ومنهم من يحسن، فهل يعتقدون ـ في عرف العقل ـ أن يترك الله من أساء ليعربد في خلق الله دون أن يجازيه؟
ذلك يعني أنهم خائفون من البعث، فلو أنهم كانوا محسنين لتمنوا البعث، أما وقد أسرفوا على أنفسهم إسرافاً يشفقون معه على أنفسهم من الحساب والجزاء، فمن الطبيعي أن ينكروا البعث، ويلجأوا إلى تمنية أنفسهم بالأماني الكاذبة، ليطمئنوا على أن ما أخذوه من مظالم الناس ودمائهم وكرامتهم وأمنهم أمر لا يحاسبون عليه.
وإذا كانوا قد أنكروا البعث، ويوجد رسول ومعه مؤمنون به يؤمنون بالبعث والجزاء إيماناً يصل إلى درجة اليقين الذي يدفعهم إلى التضحية في سبيل هذا الإيمان .. إذن: لابد من وجود معركة شرسة بين أهل الإيمان وأهل الكفر، معركة بين الحق والباطل.
ومن حكمة الله أن ينشر الإسلام في بدايته بين الضعفاء، حتى لا يظن ظان أن المؤمنين فرضوا إيمانهم بالقوة، لا .. هؤلاء هم الضعفاء الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، والكفار هم السادة .. إذن: جاء الإسلام ليعاند الكبار الصناديد العتاة.
وكان من الممكن أن ينصر الله هؤلاء الضعفاء ويعلي كلمة الدين من البداية، ولكن أراد الحق تبارك وتعالى أن تكون الصيحة الإيمانية في مكة أولاً؛ لأن مكة مركز السيادة في جزيرة العرب، وقريش هم أصحاب المهابة وأصحاب النفوذ والسلطان، ولا تقوى أي قبيلة في الجزيرة أن تعارضها، ومعلوم أنهم أخذوا هذه المكانة من رعايتهم لبيت الله الحرام وخدمتهم للوافدين إليه.
فلو أن الإسلام اختار بقعة غير مكة لقالوا: إن الإسلام استضعف جماعة من الناس، وأغراهم بالقول حتى آمنوا به. لا، فالصيحة الإسلامية جاءت في أذن سادة قريش وسادة الجزيرة الذين أمنهم الله في رحلة الشتاء والصيف، وهم أصحاب القوة وأصحاب المال.
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم ينصر الله دينه في بلد السادة؟ نقول: لا .. الصيحة في أذن الباطل تكون في بلد السادة في مكة، لكن نصرة الدين لا تأتي على يد هؤلاء السادة، وإنما تأتي في المدينة.
وهذا من حكمة الله تعالى حتى لا يقول قائل فيما بعد: إن العصبية لمحمد في مكة فرضت الإيمان بمحمد .. لا بل يريد أن يكون الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي خلق العصبية لمحمد، فجاء له بعصبية بعيدة عن قريش، وبعد ذلك دانت لها قريش نفسها.
ومادامت هناك معركة، فمن المطحون فيها؟ المطحون فيها هو الضعيف الذي لا يستطيع أن يحمي نفسه .. وهؤلاء هم الذين ظلموا .. ظلموا في المكان الذي يعيشون فيه؛ ولذلك كان ولابد أن يرفع الله عنهم هذا الظلم.
وقد جاء رفع الظلم عن هؤلاء الضعفاء على مراحل .. فكانت المرحلة الأولى أن ينتقل المستضعفون من مكة، لا إلى دار إيمان تحميهم وتساعدهم على نشر دينهم، بل إلى دار أمن فقط يأمنون فيها على دينهم .. مجرد أمن يتيح لهم فرصة أداء أوامر الدين.
ولذلك استعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاد كلها لينظر أي الأماكن تصلح دار أمن يهاجر إليها المؤمنون بدعوته فلا يعارضهم أحد، فلم يجد إلا الحبشة؛ ولذلك قال عنها: "إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم عنده أحد، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه".
وتكفي هذه الصفة في ملك الحبشة ليهاجر إليه المؤمنون، ففي هذه المرحلة من نصرة الدين لا نريد أكثر من ذلك، وهكذا تمت الهجرة الأولى إلى الحبشة.
ثم يسر الله لدينه أتباعاً وأنصاراً التقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه على النصرة والتأييد، ذلكم هم الأنصار من أهل المدينة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة ومهدوا للهجرة الثانية إلى المدينة، وهي هجرة ـ هذه المرة ـ إلى دار أمن وإيمان، يأمن فيها المسلمون على دينهم، ويجدون الفرصة لنشره في ربوع المعمورة.
ونقف هنا عند قوله تعالى:

{والذين هاجروا .. "41"}
(سورة النحل)


ومادة هذا الفعل: هجر .. وهناك فرق بين هجر وبين هاجر: هجر: أن يكره الإنسان الإقامة في مكان، فيتركه إلى مكان آخر يرى انه خير منه، إنما المكان نفسه لم يكرهه على الهجرة .. أي المعنى: ترك المكان مختاراً.


 

قديم 15-10-2011, 09:39 AM   #479
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 42

(الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون "42")
الحق تبارك وتعالى يريد أن يعطينا تشريحاً لحال المهاجرين، فقد ظلموا واضطهدوا وأوذوا في سبيل الله، ولم يفتنهم هذا كله عن دينهم، بل صبروا وتحملوا، بل خرجوا من أموالهم وأولادهم، وتركوا بلدهم وأرضهم في سبيل دينهم وعقيدتهم، حدث هذا منهم اتكالاً على أن الله تعالى لن يضيعهم.
ولذلك جاء التعبير القرآني هكذا (صبروا) بصيغة الماضي، فقد حدث منهم الصبر فعلاً، كأن الإيذاء الذي صبروا عليه فترة مضت وانتهت، والباقي لهم عزة ومنعة وقوة لا يستطيع أحد أن يضطهدهم بعد ذلك، وهذه من البشارات في الأداء القرآني.
أما في التوكل، فقال تعالى في حقهم:

{وعلى ربهم يتوكلون "42"}
(سورة النحل)


بصيغة المضارع؛ لأن التوكل على الله حدث منهم في الماضي، ومستمرون فيه في الحاضر والمستقبل، وهكذا يكون حال المؤمن. وبعد ذلك تكلم القرآن الكريم عن قضية وقف منها الكافرون أيضاً موقف العناد والمكابرة والتكذيب،


 

قديم 15-10-2011, 09:40 AM   #480
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 43

(وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "43")
وقد اعترض المعاندون من الكفار على كون الرسول بشراً. وقالوا: إذا أراد الله أن يرسل رسولاً فينبغي أن يكون ملكاً فقالوا:

{ولو شاء الله لأنزل ملائكةً .. "24"}
(سورة المؤمنون)


وكأنهم استقلوا الرسالة عن طريق بشر؛ وهذا أيضاً من غباء الكفر وحماقة الكافرين؛ لأن الرسول حين يبلغ رسالة الله تقع على عاتقه مسئوليتان: مسئولية البلاغ بالعلم، ومسئولية التطبيق بالعمل ونموذجية السلوك .. فيأمر بالصلاة ويصلي، وبالزكاة ويزكي، وبالصبر ويصبر، فليس البلاغ بالقول فقط، لا بل بالسلوك العملي النموذجي.

<ولذلك كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان خلقه القرآن">

وكان قرآناً يمشي على الأرض، والمعنى: كان تطبيقاً كاملاً للمنهج الذي جاء به من الحق تبارك وتعالى. ويقول تعالى في حقه صلى الله عليه وسلم:

{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة .. "21"}
(سورة الأحزاب)


فكيف نتصور أن يكون الرسول ملكاً؟ وكيف يقوم بهذه الرسالة بين البشر؟ قد يؤدي الملك مهمة البلاغ، ولكن كيف يؤدي مهمة القدوة والتطبيق العملي النموذجي؟ كيف ونحن نعلم أن الملائكة خلق جبلوا على طاعة الله:

{لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون "6"}
(سورة التحريم)


ومن أين تأتيه منافذ الشهرة وهو لا يأكل ولا يشرب ولا يتناسل؟ فلو جاء ملك برسالة السماء، وأراد أن ينهي قومه عن إحدى المعاصي، ماذا نتوقع؟ نتوقع أن يقول قائلهم: لا .. لا أستطيع ذلك، فأنت ملك ذو طبيعة علوية تستطيع ترك هذا الفعل، أما أنا فلا أستطيع.
إذن: طبيعة الأسوة تقتضي أن يكون الرسول بشراً، حتى إذا ما أمر كان هو أول المؤتمرين، وإذا ما نهى كان هو أول المنتهين. ومن هنا كان من امتنان الله على العرب، ومن فضله عليهم أن بعث فيهم رسولاً من أنفسهم:

{لقد جاءكم رسول من أنفسكم .. "128"}
(سورة التوبة)


فهو أولاً من أنفسكم، وهذه تعطيه المباشرة، ثم هو بشر، ومن العرب وليس من أمة أعجمية .. بل من بيئتكم، ومن نفس بلدكم مكة ومن قريش؛ ذلك لتكونوا على علم كامل بتاريخه وأخلاقه وسلوكه، تعرفون حركاته وسكناته، وقد كنتم تعترفون له بالصدق والأمانة، وتأتمنونه على كل غال ونفيس لديكم لعلمكم بأمانته، فكيف تكفرون به الآن وتتهمونه بالكذب؟!
لذلك رد عليهم الحق تبارك وتعالى في آية أخرى فقال:

{وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا "94"}
(سورة الإسراء)


فالذي صدكم عن الإيمان به كونه بشراً!! ثم نأخذ على هؤلاء مأخذاً آخر؛ لأنهم تنازلوا عن دعواهم هذه بأن يأتي الرسول من الملائكة وقالوا:

{لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم "31"}
(سورة الزخرف)


فهذا تردد عجيب من الكفار، وعدم ثبات على رأي .. مجرد لجاجة وإنكار، وقديماً قالوا: إن كنت كذوباً فكن ذكوراً. ويرد عليهم القرآن:

{قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا "95"}
(سورة الإسراء)


فلو كان في الأرض ملائكة لنزلنا لهم ملكاً حتى تتحقق الأسوة. إذن: لابد في القدوة من اتحاد الجنس .. ولنضرب لذلك مثلاً هب أنك رأيت أسداً يثور ويجول في الغابة مثلاً يفترس كل ما أمامه، ولا يستطيع أحد أن يتعرض له .. هل تفكر ساعتها أن تصير أسداً؟ لا .. إنما لو رأيت فارساً يمسك بسيفه، ويطيح به رقاب الأعداء .. ألا تحب أن تكون فارساً؟ بلى أحب.
فهذه هي القدوة الحقيقية النافعة، فإذا ما اختلف الجنس فلا تصلح القدوة. وهنا يرد الحق تبارك وتعالى على افتراءات الكفار بقوله تعالى:

{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم .. "43"}
(سورة النحل)


أي: أنك يا محمد لست بدعاً في الرسل، فمن سبقوك كانوا رجالاً طيلة القرون الماضية، وفي موكب الرسالات جميعاً.
وجاءت هنا كلمة (رجالاً) لتفيد البشرية أولاً كجنس، ثم لتفيد النوع المذكور ثانياً؛ ذلك لأن طبيعة الرسول قائمة على المخالطة والمعاشرة لقومه .. يظهر للجميع ويتحدث إلى الجميع .. أما المرأة فمبنية على التستر، ولا تستطيع أن تقوم بدور الأسوة للناس، ولو نظرنا لطبيعة المرأة لوجدنا في طبيعتها أموراً كثيرة لا تناسب دور النبوة، ولا تتمشى مع مهمة النبي، مثل انقطاعها عن الصلاة والتعبد لأنها حائض أو نفساء.
كذلك جاءت كلمة (رجالاً) مقيدة بقوله:

{نوحي إليهم .. "43"}
(سورة النحل)


فالرسول رجل، ولكن إياك أن تقول: هو رجل مثلي وبشر مثلي .. لا هناك ميزة أخرى أنه يوحي إليه، وهذه منزلة عالية يجب أن نحفظها للأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ثم يقول الحق سبحانه:

{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "43"}
(سورة النحل)


أي: إذا غابت عنكم هذه القضية، قضية إرسال الرسل من البشر ـ ولا أظنها تغيب ـ لأنها عامة في الرسالات كلها. وما كانت لتخفى عليكم خصوصاً وعندكم أهل العلم بالأديان السابقة، مثل ورقة بن نوفل وغيره، وعندكم أهل السير والتاريخ، وعندكم اليهود والنصارى .. فاسألوا هؤلاء جميعاً عن بشرية الرسل.
فهذه قضية واضحة لا تنكر، ولا يمكن المخالفة فيها .. وماذا سيقول اليهود والنصارى؟ .. موسى وعيسى .. إذن بشر.
وقوله تعالى:

{إن كنتم لا تعلمون "43"}
(سورة النحل)


يوحي بأنهم يعلمون، وليس لديهم شك في هذه القضية .. مثل لو قلت لمخاطبك: اسأل عن كذا إن كنت لا تعرف .. هذا يعني أنه يعرف، أما إذا كان في القضية شك فنقول: اسأل عن كذا دون أداة الشرط .. إذن: هم يعرفون، ولكنه الجدال والعناد والاستكبار عن قبول الحق.


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:39 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا