المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 15-10-2011, 09:40 AM   #481
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 44

(بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون "44")
استهل الحق سبحانه الآية بقوله:

{بالبينات والزبر .. "44"}
(سورة النحل)


ويقول أهل اللغة: إن الجار والمجرور لابد له من متعلق فبماذا يتعلق الجار والمجرور هنا؟ قالوا: يجوز أن يتعلق بالفعل (نوحي) ويكون السياق: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم بالبينات والزبر.
وقد يتعلق الجار والمجرور بأهل الذكر .. فيكون المعنى: فاسألوا أهل الذكر بالبينات والزبر، فهذان وجهان لعودة الجار والمجرور.
والبينات: هي الأمر البين الواضح الذي لا يشك فيه أحد .. وهو إما أن يكون أمارة ثبوت صدق الرسالة كالمعجزة التي تتحدى المكذبين أن يأتوا بمثلها .. أو: هي الآيات الكونية التي تلفت الخلق إلى وجود الخالق سبحانه وتعالى، مثل آيات الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم.
أما الزبر، فمعناها: الكتب المكتوبة .. ولا يكتب عادة إلا الشيء النفيس مخافة أن يضيع، وليس هنا أنفس مما يأتينا من منهج الله لينظم لنا حركة حياتنا.
ونعرف أن العرب ـ قديماً ـ كانوا يسألون عن كل شيء مهما كان حقيراً، فكان عندهم علم بالسهم ومن أول صانع لها، وعن القوس والرحل، ومثل هذه الأشياء البسيطة .. ألا يسألون عن آيات الله في الكون وما فيها من أسرار وعجائب في خلقها تدل على الخالق سبحانه وتعالى؟
ثم يقول الحق تبارك وتعالى:

{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم .. "44"}
(سورة النحل)


كلمة الذكر وردت كثيراً في القرآن الكريم بمعانٍ متعددة، وأصل الذكر أن يظل الشيء على البال بحيث لا يغيب، وبذلك يكون ضده النسيان .. إذن: عندنا ذكر ونسيان .. فكلمة "ذكر" هنا معناها وجود شيء لا ينبغي لنا نسيانه .. فما هو؟
الحق سبحانه وتعالى حينما خلق آدم ـ عليه السلام ـ أخذ العهد على كل ذرة فيه، فقال تعالى:

{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين "172"}
(سورة الأعراف)


وأخذ العهد على آدم هو عهد على جميع ذريته، ذلك لأن في كل واحد من بني آدم ذرة من أبيه آدم .. وجزءاً حياً منه نتيجة التوالد والتناسل من لدن آدم حتى قيام الساعة، ومادمنا كذلك فقد شهدنا أخذ العهد: (ألست بربكم).
وكأن كلمة (ذكر) جاءت لتذكرنا بالعهد المطمور في تكويننا، والذي ما كان لنا أن ننساه، فلما حدث النسيان اقتضى الأمر إرسال الرسل وإنزال الكتب لتذكرنا بعهد الله لنا.

{ألست بربكم قالوا بلى .. "172"}
(سورة الأعراف)


ومن هنا سمينا الكتب المنزلة ذكراً، لكن الذكر يأتي تدريجياً وعلى مراحل .. كل رسول يأتي ليذكر قومه على حسب ما لديهم من غفلة .. أما الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم الذي جاء للناس كافة إلى قيام الساعة، فقد جاء بالذكر الحقيقي الذي لا ذكر بعده، وهو القرآن الكريم. وقد تأتي كلمة (الذكر) بمعنى الشرف الرفعة كما في قوله تعالى للعرب:

{لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم .. "10"}
(سورة الأنبياء)


وقد أصبح للعرب مكانة بالقرآن، وعاشت لغتهم بالقرآن، وتبوءوا مكان الصدارة بين الأمم بالقرآن. وقد يأتي الذكر من الله للعبد، وقد يأتي من العبد لله تعالى كما في قوله سبحانه:

{فاذكروني أذكركم .. "152"}
(سورة البقرة)


والمعنى: فاذكروني بالطاعة والإيمان أذكركم بالفيوضات والبركة والخير والإمداد وبثوابي. وإذا أطلقت كلمة الذكر انصرفت إلى ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الكتاب الجامع لكل ما نزل على الرسل السابقين، ولكل ما تحتاج إليه البشرية إلى أن تقوم الساعة.
كما أن كلمة كتاب تطلق على أي كتاب، لكنها إذا جاءت بالتعريف (الكتاب) انصرفت إلى القرآن الكريم، وهذا ما نسميه (علم بالغلبة).
والذكر هو القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو معجزته الخالدة في الوقت نفسه، فهو منهج ومعجزة، وقد جاء الرسل السابقون بمعجزات لحالها، وكتب لحالها، فالكتاب منفصل عن المعجزة.
فموسى كتابه التوراة ومعجزته العصا، وعيسى كتابه ومنهجه الإنجيل ومعجزته إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله. أما محمد صلى الله عليه وسلم فمعجزته هي نفس كتاب منهجه، لا ينفصل أحدهما عن الآخر لتظل المعجزة مساندة للمنهج إلى قيام الساعة.
وهذا هو السر في أن الحق تبارك وتعالى تكفل بحفظ القرآن وحمايته، فقال تعالى:

{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9"}
(سورة الحجر)


أما الكتب السابقة فقد عهد إلى التابعين لكل رسول منهم بحفظ كتابه، كما قال تعالى:

{إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله .. "44"}
(سورة المائدة)


 

قديم 15-10-2011, 09:41 AM   #482
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 45

(أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون"45")
قوله تعالى:

{أفأمن .. "45"}
(سورة النحل)


عبارة عن همزة الاستفهام التي تستفهم عن مضمون الجملة بعدها .. أما الفاء بعدها فهي حرف عطف يعطف جملة على جملة .. إذن: هنا جملة قبل الفاء تقديرها: أجهلوا ما وقع لمخالفي الأنبياء السابقين من العذاب، فأمنوا مكر الله؟
أي: أن أمنهم لمكر الله ناشئ عن جهلهم بما وقع المكذبين من الأمم السابقة. ثم يقول تعالى:

{مكروا السيئات .. "45"}
(سورة النحل)


المكر: هو التبييت الخفي للنيل ممن لا يستطيع مجابهته بالحق ومجاهرته به، فأنت لا تبيت لأحد إلا إذا كانت قدرتك عاجزة عن مصارحته مباشرة، فكونك تبيت له وتمكر به دليل على عجزك؛ ولذلك جعلوا المكر أول مراتب الجبن؛ لأن الماكر ما مكر إلا لعجزه عن المواجهة، وعلى قدر ما يكون المكر عظيماً يكون الضعف كذلك. وهذا ما نلحظه من قوله تعالى في حق النساء:

{إن كيدهن عظيم "28"}
(سورة يوسف)


وقال في حق الشيطان:

{إن كيد الشيطان كان ضعيفاً "76"}
(سورة النساء)


فالمكر دليل على الضعف، ومادام كيدهن عظيماً إذن: ضعفهن أيضاً عظيم، وكذلك في كيد الشيطان.
وقديماً قالوا: إياك أن يملكك الضعيف؛ ذلك لأنه إذا تمكن منك وواتته الفرصة فلن يدعك تفلت منه؛ لأنه يعلم ضعفه، ولا يضمن أن تتاح له الفرصة مرة أخرى؛ لذلك لا يضيعها على عكس القوى، فهو لا يحرص على الانتقام إذا أتيحت له الفرصة وربما فوتها لقوته وقدرته على خصمه، وتمكنه منه في أي وقت يريد، وفي نفس المعنى جاء قول الشاعر:
وضعيفة فإذا أصابت فرصة قتلت كذلك قدرة الضعفاء
إذن: قدرة الضعفاء قد تقتل، أما قدرة القوى فليست كذلك.
ثم لنا وقفة أخرى مع المكر، من حيث إن المكر قد ينصرك على مساويك وعلى مثلك من بني الإنسان، فإذا ما تعرضت لمن هو أقوى منك وأكثر منك حيطة، وأحكم منك مكراً، فربما لا يجدي مكرك به، بل ربما غلبك هو بمكره واحتياطه، فكيف الحال إذا كان الماكر بك هو رب العالمين تبارك وتعالى؟
وصدق الله العظيم حيث قال:

{ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين "30"}
(سورة الأنفال)


وقال:

{ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله .. "43"}
(سورة فاطر)


فمكر العباد مكشوف عند الله، أما مكره سبحانه فلا يقدر عليه أحد، ولا يحتاط منه أحد؛ لذلك كان الحق سبحانه خير الماكرين.
والمكر السيئ هو المكر البطال الذي لا يكون إلا في الشر، كما حدث من مكر المكذبين للرسل على مر العصور، وهو أن تكيد للغير كيداً يبطل حقاً.
وكل رسول قابله قومه المنكرون له بالمكر والخديعة، دليل على أنهم لا يستطيعون مواجهته مباشرة، وقد تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لمراحل متعددة من الكيد والمكر والخديعة، وذلك لحكمة أرادها الحق تبارك وتعالى وهي أن يوئس الكفار من الانتصار عليه صلى الله عليه وسلم، فقد بيتوا له ودبروا لقتله، وحاكوا في سبيل ذلك الخطط، وقد باءت خطتهم ليلة الهجرة بالفشل.
وفي مكيدة أخرى حاولوا أن يسحروه صلى الله عليه وسلم، ولكن كشف الله أمرهم وخيب سعيهم .. إذن: فأي وسيلة من وسائل دحض هذه الدعوة لم تنجحوا فيها، ونصره الله عليكم. كما قال تعالى:

{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي .. "21"}
(سورة المجادلة)


وقوله تعالى:

{أن يخسف الله بهم الأرض .. "45"}
(سورة النحل)


الخسف: هو تغييب الأرض ما على ظهرها .. فانخسف الشيء أي: غاب في باطن الأرض، ومنه خسوف القمر أي: غياب ضوئه. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى عن قارون:

{فخسفنا به وبداره الأرض .. "81"}
(سورة القصص)


وهذا نوع من العذاب الذي جاء على صور متعددة كما ذكرها القرآن الكريم:

{فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا .. "40"}
(سورة النحل)


هذه ألوان من العذاب الذي حاق بالمكذبين، وكان يجب على هؤلاء أن يأخذوا من سابقيهم عبرة وعظة، وأن يحتاطوا أن يحدث لهم كما حدث لسابقيهم. ثم يقول الحق تبارك وتعالى:

{أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون "45"}
(سورة النحل)


والمراد أنهم إذا احتاطوا لمكر الله وللعذاب الواقع بهم، أتاهم الله من وجهة لا يشعرون بها، ولم تخطر لهم على بال، وطالما لم تخطر لهم على بال، إذن: فلم يحتاطوا لها، فيكون أخذهم يسيراً، كما قال تعالى:

{فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا .. "2"}
(سورة الحشر)


 

قديم 15-10-2011, 09:41 AM   #483
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 46

(أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين "46")
التقلب: الانتقال من حال إلى حال، أو من مكان إلى مكان، والانتقال من مكان الإقامة إلى مكان آخر دليل القوة والمقدرة، حيث ينتقل الإنسان من مكانه حاملاً متاعه وعتاده وجميع ما يملك؛ لينشئ له حركة حياة جديدة في مكانه الجديد.
إذن: التقلب في الحياة مظهر من مظاهر القوة، بحيث يستطيع أن يقيم حياة جديدة، ويحفظ ماله في رحلة تقلبه .. ولا شك أن هذا مظهر من مظاهر العزة والجاه والثراء لا يقوم به إلا القوي.
ولذلك نرى في قول الحق تبارك وتعالى عن أهل سبأ:

{وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين "18" فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا .. "19"}
(سورة سبأ)


فهؤلاء قوم جمع الله لهم ألواناً شتى من النعيم، وأمن بلادهم وأسفارهم، وجعل لهم محطات للراحة أثناء سفرهم، ولكنهم للعجب طلبوا من الله أن يباعد بين أسفارهم، كأنهم أرادوا أن يتميزوا عن الضعفاء غير القادرين على مشقة السفر والترحال، فقالوا:

{باعد بين أسفارنا .. "19"}
(سورة سبأ)


حتى لا يقدر الضعفاء منهم على خوض هذه المسافات.
إذن: الذي ينقلب في الأرض دليل على أن له من الحال حال إقامة وحال ظعن وقدرة على أن ينقل ما لديه ليقيم به في مكان آخر؛ ولذلك قالوا: المال في الغربة وطن .. ومن كان قادراً يفعل ما يريد.
والحق سبحانه يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم:

{لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد "196"}
(سورة آل عمران)


فلا يخيفنك انتقالهم بين رحلتي الشتاء والصيف، فالله تعالى قادر أن يأخذهم في تقلبهم. وقد يراد تقلبهم في الأفكار والمكر السيئ بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته كما في قوله تعالى:

{لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور .. "48"}
(سورة التوبة)


فقد قعدوا يخططون ويمكرون ويدبرون للقضاء على الدعوة في مهدها. ويقول تعالى:

{فما هم بمعجزين "46"}
(سورة النحل)


المعجز: هو الذي لا يمكنك من أن تغلبه، وهؤلاء لن يعجزوا الله تعالى، ولن يستطيعوا الإفلات من عذابه؛ لأنهم مهما بيتوا فتبييتهم وكيدهم عند الله .. أما كيد الله إذا أراد أن يكيد لهم فلن يشعروا به:

{ويمكرون ويمكر الله .. "30"}
(سورة الأنفال)


وقال:

{إنهم يكيدون كيدا "15" وأكيد كيدا "16" فمهل الكافرين أمهلهم رويدا "17"}
(سورة الطارق)


فمن لا يستطيع أن يغلبك يخضع لك، ومادام يخضع لك يسيطر عليه المنهج الذي جئت به. وقد يكون العجز أمام القوى دليل قوة، كما عجز العرب أمام تحدي القرآن لهم، فكان عجزهم أمام كتاب الله دليل قوتهم في المجال الذي تحداهم القرآن فيه؛ لأن الله تعالى حين يتحدى وحين ينازل لا ينازل الضعيف، لا بل ينازل القوي في مجال هذا التحدي.


 

قديم 15-10-2011, 09:41 AM   #484
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 47

(أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم "47")
التخوف: هو الفزع من شيء لم يحدث بعد، فيذهب فيه الخيال مذاهب شتى، ويتوقع الإنسان ألواناً متعددة من الشر، في حين أن الواقع يحدث على وجه واحد.
هب أنك في انتظار حبيب تأخر عن موعد وصوله، فيذهب بك الخيال والاحتمال إلى أمور كثيرة .. يا ترى حدث كذا أو حدث كذا، وكل خيال من هذه الخيالات له أثر ولذعة في النفس، وبذلك تكثر المخاوف، أما إن انتظرت لتعرف الواقع فإن كان هناك فزع كان مرة واحدة.
ولذلك يقولون في الأمثال: (نزول البلا ولا انتظاره) ذلك لأنه إن نزل سينزل بلون واحد، أما انتظاره فيشيع في النفس ألواناً متعددة من الفزع والخوف .. إذن: التخوف أشد وأعظم من وقوع الحدث نفسه.
وكان هذا الفزع يعتري الكفار إذا ما علموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية من السرايا، فيتوقع كل جماعة منهم أنها تقصدهم، وبذلك يشيع الله الفزع في نفوسهم جميعاً، في حين أنها خرجت لناحية معينة.
وبعض المفسرين قال: التخوف يعني التنقص بأن ينقص الله من رقعة الكفر بدخول القبائل في الإسلام قبيلة بعد أخرى، فكل واحدة منها تنقص من رقعة الكفر .. كما جاء في قوله تعالى:

{ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات .. "155"}
(سورة البقرة)


ثم يقول الحق تبارك وتعالى في تذييل هذه الآية:

{فإن ربكم لرءوف رحيم "47"}
(سورة النحل)


وهل هذا التذييل مناسب للآية وما قبلها من التهديد والوعيد؟ فالعقل يقول: إن التذييل المناسب لها: إن ربكم لشديد العقاب مثلاً.
لكن يجب هنا أن نعلم أن هذا هو عطاء الربوبية الذي يشمل العباد جميعاً مؤمنهم وكافرهم، فالله تعالى استدعى الجميع للدنيا، وتكفل للجميع بما يحفظ حياتهم من شمس وهواء وأرض وسماء، لم تخلق هذه الأشياء لواحد دون الآخر، وقد قال تعالى:

{من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب "20"}
(سورة الشورى)


وكأن في الآية لوناً من ألوان رحمته سبحانه بخلقه وحرصه سبحانه على نجاتهم؛ لأنه ينبههم إلى ما يمكن أن يحدث لهم إذا أصروا على كفرهم، ويبصرهم بعاقبة كفرهم، والتبصرة عظة، والعظة رأفة بهم ورحمة حتى لا ينالهم هذا التهديد وهذا الوعيد.
ومثال هذا التذييل كثير في سورة الرحمن، يقول الحق تبارك وتعالى:

{رب المشرقين ورب المغربين "17" فبأي آلاء ربكما تكذبان "18"}
(سورة الرحمن)


فهذه نعمة ناسبت قوله تعالى:

{فبأي آلاء ربكما تكذبان "18"}
(سورة الرحمن)


وكذلك في قوله تعالى:

{مرج البحرين يلتقيان "19" بينهما برزخ لا يبغيان "20"}
(سورة الرحمن)


فهذه نعمة من نعم الله ناسبت تذييل الآية:

{فبأي آلاء ربكما تكذبان "21"}
(سورة الرحمن)


أما في قوله تعالى:

{كل من عليها فان "26" ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام "27" فبأي آلاء ربكما تكذبان "28"}
(سورة الرحمن)


فما النعمة في (كل من عليها فإن)؟ هل الموت نعمة؟!
نعم، يكون الموت نعمة من نعم الله على عباده؛ لأنه يقول للمحسن: سيأتي الموت لتلقي جزاء إحسانك وثواب عملك، ويقول أيضاً للكافر: انتبه واحذر .. الموت قادم، كأنه سبحانه يوقظ الكفار ويعظهم لينتهوا عما هم فيه .. أليست هذه نعمة من نعم الله ورحمة منه سبحانه بعباده؟ وكذلك انظر إلى قول الحق تبارك وتعالى:

{يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران "35" فبأي آلاء ربكما تكذبان "36"}
(سورة الرحمن)


فأي نعمة في:

{يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس .. "35" }
(سورة الرحمن)


أي نعمة في هذا العذاب؟
نعم المتدبر لهذه الآية يجد فيها نعمة عظيمة؛ لأن فيها تهديداً ووعيداً بالعذاب إذا استمروا على ما هم فيه من الكفر .. ففي طياتها تحذير وحرص على نجاتهم كما تتوعد ولدك: إذا أهملت دروسك ستفشل وأفعل بك كذا وكذا. وأنت ما قلت ذلك إلا لحرصك على نجاحه وفلاحه. إذن: فتذييل الآية بقوله:

{فإن ربكم لرءوف رحيم "47"}
(سورة النحل)



 

قديم 15-10-2011, 09:42 AM   #485
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 48

(أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون"48")
قوله تعالى:

{أو لم يروا .. "48"}
(سورة النحل)


المعنى: أعموا ولم يروا ولم يتدبروا فيها خلق الله؟

{من شيءٍ .. "48"}
(سورة النحل)


كلمة شيء يسمونها جنس الأجناس، و(من) تفيد ابتداء ما يقال له شيء، أي: أتفه شيء موجود، وهذا يسمونه أدنى الأجناس .. وتفيد أيضاً العموم فيكون:

{من شيءٍ .. "48"}
(سورة النحل)


أي: كل شيء. فانظر إلى أي شيء في الوجود مهما كان هذا الشيء تافهاً ستجد له ظلاً:

{يتفيأ ظلاله .. "48"}
(سورة النحل)


يتفيأ: من فاء أي: رجع، والمراد عودة الظل مرة أخرى إلى الشمس، أو عودة الشمس إلى الظل.
فلو نظرنا إلى الظل نجده نوعين: ظل ثابت مستمر، وظل متغير، فالظل الثابت دائماً في الأماكن التي لا تصل إليها أشعة الشمس، كقاع البحار وباطن الأرض، فهذا ظل ثابت لا تأتيه أشعة الشمس في أي وقت من الأوقات.
والظل المتحرك الذي يسمى الفيء لأنه يعود من الظل إلى الشمس، أو من الشمس إلى الظل، إذن: لا يسمى الظل فيئاً إلا إذا كان يرجع إلى ما كان عليه. ولكن .. كيف يتكون الظل؟ يتكون الظل إذا ما استعرض الشمس جسم كثيف يحجب شعاع الشمس، فيكون ظلاً له في الناحية المقابلة للشمس، هذا الظل له طولان وله استواء واحد.
طول عند الشروق إلى أن يبلغ المغرب، ثم يأخذ في التناقص مع ارتفاع الشمس، فإذا ما استوت الشمس في السماء يصبح ظل الشيء في نفسه، وهذه حالة الاستواء، ثم تميل الشمس إلى الغروب، وينعكس طول الظل الأول من ناحية المغرب إلى ناحية المشرق.
ويلفتنا الحق تبارك وتعالى إلى هذه الآية الكونية في قوله تعالى:

{ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا "45" ثم قبضناه إلينا قبضا يسيراً "46"}
(سورة الفرقان)


ذلك لأنك لو نظرت إلى الظل وكيف يمتد، وكيف ينقبض وينحسر لوجدت شيئاً عجيباً حقاً .. ذلك لأنك تلاحظ الظل في الحالتين يسير سيراً انسيابياً.
ما معنى: (انسيابي)؟ هو نوع من أنواع الحركة، فالحركة إما حركة انسيابية، أو حركة عن توالي سكونات بين الحركات.
وهذه الأخيرة نلاحظها في حركة عقارب الساعة، وهي أوضح في عقرب الثواني منها في عقرب الدقائق، ولا تكاد تشعر بها في عقرب الساعات .. فلو لاحظت عقرب الثواني لوجدته يسير عن طريق قفزات منتظمة، تكون حركة فسكوناً فحركة، وهكذا ..
ومعنى ذلك أنه يجمع الحركة في حال سكونه، ثم ينطلق بها، وبذلك تمر عليه لحظة لم يكن متحركاً فيها، وهذا ما نسميه بالحركة القفزية .. هذه الحركة لا تستطيع رصدها في عقرب الساعات؛ لأن القفزة فيه دقيقة لدرجة أن العين المجردة تعجز عن رصدها وملاحظتها، هذه هي الحركة القفزية.


 

قديم 15-10-2011, 09:42 AM   #486
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 49

(ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون "49")
فأجناس الكون التي يعرفها الإنسان أربعة: إما جماد، فإذا وجدت خاصية النمو كان النبات، وإذا وجدت خاصية الحركة والحس كان الحيوان، فإذا وجدت خاصية الفكر كان الإنسان، وإذا وجدت خاصية العلم الذاتي النوراني كان الملك .. هذه هي الأجناس التي نعرفها.
الحق تبارك وتعالى ينقلنا هنا نقلة من الظلال الساجدة، للجمادات الثابتة، إلى الشيء الذي يتحرك، وهو وإن كان متحركاً إلا أن ظله أيضاً على الأرض، فإذا كان الحق سبحانه قد قال:

{ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض .. "49"}
(سورة النحل)


فقد فصل هذا الإجمال بقوله:

{من دابةٍ والملائكة .. "49"}
(سورة النحل)


أي: من أقل الأشياء المتحركة وهي الدابة، إلى أعلى الأشياء وهي الملائكة .. وقد يقول قائل: وهل ما في السماوات وما في الأرض يسجد لله؟
نقول له: نعم .. لأنك فسرت السجود فيك أنت بوضع جبهتك على الأرض، ليدل على أن الذات بعلوها ودنوها ساجدة لله خاضعة تمام الخضوع، حيث جعلت الجبهة مع القدم.
والحق تبارك وتعالى يريد منا أن نعرف استطراق العبودية في الوجود كله؛ لأن الكافر وإن كان متمرداً على الله فيما جعل الله له فيه اختيارا، في أن يؤمن أو يكفر، في أن يطيع أو يعصي، ولكن الله أعطاه الاختيار.
نقول له: إنك قد ألفت التمرد على الله، فطلب منك أن تؤمن لكنك كفرت، وطلب منك يا مؤمن أن تطيع فعصيت، إذن: فلك إلف بالتمرد على الحق .. ولكن لا تعتقد أنك خرجت من السجود والخضوع لله؛ لأن الله يجري عليك أشياء تكرهها، ولكنها تقع عليك رغم أنفك وأنت خاضع. وهذا معنى قوله تعالى في الآية السابقة:

{وهم داخرون "48"}
(سورة النحل)


أي: صاغرون مستذلون منقادون مع أنهم ألفوا التمرد على الحق سبحانه. وإلا فهذا الذي ألف الخروج عن مرادات الله فيما له فيه اختيار، هل يستطيع أن يتأبى على الله إذا أراد أن يمرضه، أو يفقره، أو يميته؟
لا، لا يستطيع، بل هو داخر صاغر في كل ما يجريه عليه من مقادير، وإن كان يأباها، وإن كان قد ألف الخروج عن مرادات الله.
إذن: ليس في كون الله شيء يستطيع الخروج عن مرادات الله؛ لأنه ما خرج عن مرادات الله الشرعية في التكليف إلا بما أعطاه الله من اختيار، وإلا لو لم يعطه الاختيار لما استطاع التمرد، كما في المرادات الكونية التي لا اختيار فيها.
لذلك نقول للكافر الذي تمرد على الحق سبحانه: تمرد إذا أصابك مرض، وقل: لن أمرض، تمرد على الفقر وقل: لن أفتقر .. ومادمت لا تقدر وسوف تخضع راغماً فلتخضع راضياً وتكسب الأمر، وتنتهي مشكلة حياتك، وتستقبل حياة أخرى أنظف من هذه الحياة.
وقوله تعالى:

{من دابة .. "49"}
(سورة النحل)


هو كل ما يدب على الأرض، والدب على الأرض معنا الحركة والمشي .. وقوله:

{والملائكة .. "49"}
(سورة النحل)


أي: أن الملائكة لا يقال لها دابة؛ لأن الله جعل سعيها في الأمور بأجنحة فقال تعالى:

{أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع .. "1"}
(سورة فاطر)
وقال في آية أخرى:

{وما من دابةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم .. "38"}
(سورة الأنعام)


فخلق الله الطائر يطير بجناحيه مقابلاً للدابة التي تدب على الأرض، فاستحوذ على الأمرين: الدابة والملائكة.
و(ما) في الآية تطلق على غير العالمين وغير العاقلين؛ ذلك لأن أغلب الأشياء الموجودة في الكون ليس لها علم أو معرفة؛ ولذلك قال تعالى في آية أخرى:

{إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها .. "72"}
(سورة الأحزاب)


وينهي الحق سبحانه الآية بقوله:

{وهم لا يستكبرون "49"}
(سورة النحل)


أي: أن الملائكة الذين هم أعلى شيء في خلق الله لا يستكبرون؛ لأن علوهم في الخلق من نورانية وكذا وكذا لا يعطيهم إدلالاً على خالقهم سبحانه؛ لأن الذي أعطاهم هذا التكريم هو الله سبحانه وتعالى.
ومادام الله هو الذي أعطاهم هذا التكريم فلا يجوز الإدلال به؛ لأن الذي يدل إنما يدل بالذاتيات غير الموهوبة، أما الشيء الموهوب من الغير فلا يجوز أن تدل به على من وهبه لك. لذلك يقول الحق تبارك وتعالى:

{لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون .. "172"}
(سورة النساء)


 

قديم 15-10-2011, 09:42 AM   #487
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 50

(يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون "50")
ما هو الخوف؟ الخوف هو الفزع والوجل، والخوف والفزع والوجل لا يكون إلا من ترقب شيء من أعلى منك لا تقدر أنت على رفعه، ولو أمكنك رفعه لما كان هناك داعٍ للخوف منه؛ لذلك فالأمور التي تدخل في مقدوراتك لا تخاف منها، تقول: إن حصل كذا افعل كذا .. الخ:
وإذا كان الملائكة الكرام:

{لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون "6"}
(سورة التحريم)


فما داعي الخوف إذن؟ نقول: إن الخوف قد يكون من تقصير حدث منك تخاف عاقبته، وقد يكون الخوف عن مهابة للمخوف وإجلاله وتعظيمه دون ذنب ودون تقصير، ولذلك نجد الشاعر العربي يقول في تبرير هذا الخوف:
أهابك إجلالاً وما بك قدرة على ولن ملء عينٍ حبيبها
إذن: مرة يأتي الخوف لتوقع أذى لتقصير منك، ومرة يأتي لمجرد المهابة والإجلال والتعظيم. وقوله تعالى:

{من فوقهم .. "50"}
(سورة النحل)


ما المراد بالفوقية هنا؟ نحن نعرف أن الجهات ست: فوق، وتحت، ويمين، وشمال، وأمام، وخلف .. جهة الفوقية لتكون هي المسيطرة؛ ولذلك حتى في بناء الحصون يشيدونها على الأماكن العالية لتتحكم بعلوها في متابعة جميع الجهات.
إذن: فالفوقية هي محل العلو، وهذه الفوقية قد تكون فوقية مكان، أو فوقية مكانة.
فالذي يقول: إنها فوقية مكان، يرى أن الله في السماء، بدليل أن الجارية التي سئلت: أين الله؟ أشارت إلى السماء، وقالت: في السماء.
فأشارت إلى جهة العلو؛ لأنه لا يصح أن نقول: إن الله تحت، فالله سبحانه منزه عن المكان، وما نزه عن المكان نزه عن الزمان، فالله عز وجل منزه عن أن تحيزه، لا بمكان ولا بزمان؛ لأن المكان والزمان به خلقاً .. فمن الذي خلق الزمان والمكان؟
إذن: ما داما به خلقاً فهو سبحانه منزه عن الزمان والمكان.
وهم قالوا بأن الفوقية هنا فوقية حقيقة .. فوقية مكان، أي: أنه تعالى أعلى منا .. ونقول لمن يقول بهذه الفوقية: الله أعلى منا .. من أن ناحية؟ من هذه أم من هذه؟
إذن: الفوقية هنا فوقية مكانة، بدليل أننا نرى الحرس الذين يحرسون القصور ويحرسون الحصون يكون الحارس أعلى من المحروس .. فوقه، فهو فوقه مكاناً، إنما هل هو فوقه مكانة؟ بالطبع لا. وقوله تعالى:

{ويفعلون ما يؤمرون "50"}
(سورة النحل)


وهذه هي الطاعة، وهي أن تفعل ما أمرت به، وأن تجتنب ما نهيت عنه، ولكن الآية هنا ذكرت جانباً واحداً من الطاعة، وهو:

{ويفعلون ما يؤمرون "50"}
(سورة النحل)


ولم تقل الآية مثلاً: ويجتنبون ما ينهون عنه، لماذا؟ .. نقول: لأن في الآية ما يسمونه بالتلازم المنطقي، والمراد بالتلازم المنطقي أن كل نهي عن شيء فيه أمر بما يقابله، فكل نهي يؤول إلى أمر بمقابله.
فقوله سبحانه:

{ويفعلون ما يؤمرون "50"}
(سورة النحل)


تستلزم منطقياً "ويجتنبون ما ينهون عنه" وكأن الآية جمعت الجانبين. والحق سبحانه وتعالى خلق الملائكة لا عمل لهم إلا أنهم هيموا في ذات الله، ومنهم ملائكة موكلون بالخلق، وهم:

{فالمدبرات أمراً "5"}
(سورة النازعات)


ويقول تعالى:

{له معقبات من بين يديه ومن خلقه يحفظونه من أمر الله .. "11"}
(سورة الرعد)


ومنهم:

{وإن عليكم لحافظين "10" كراماً كاتبين "11"}
(سورة الانفطار)


إذن: فهناك ملائكة لها علاقة بنا، وهم الذين أمرهم الحق سبحانه أن يسجدوا لآدم حينما خلقه الله، وصوره بيده، ونفخ فيه من روحه .. وكأن الله سبحانه يقول لهم: هذا هو الإنسان الذي ستكونون في خدمته، فالسجود له بأمر الله إعلان بأنهم يحفظونه من أمر الله، ويكتبون له كذا، ويعملون له كذا، ويدبرون له الأمور .. الخ.
أما الملائكة الذين لا علاقة لهم بالإنسان، ولا يدرون به، ولا يعرفون عنه شيئاً، هؤلاء المعنيون في قوله سبحانه لإبليس:

{أستكبرت أم كنت من العالين "75"}
(سورة ص)


أي: أستكبرت أن تسجد؟ أم كنت من الصنف الملكي العالمي؟ .. هذا الصنف من الملائكة ليس لهم علاقة بالإنسان، وكل مهمتهم التسبيح والذكر، وهم المعنيون بقوله تعالى:

{يسبحون الليل والنهار لا يفترون "20"}
(سورة الأنبياء)


 

قديم 15-10-2011, 09:43 AM   #488
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 51

(وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون"51")
وقد جاء النهي في الآية نتيجة خروج الإنسان عن مراد ربه سبحانه، فالعجيب أن البشر والجن أيضاً ـ يعني الثقلين ـ هم المختارون في الكون كله، اختيار في أشياء وقهر في أشياء أخرى .. ومع ذلك لم يشذ من خلق الله غيرهما.
فالسماوات والأرض والجبال كان لها اختيار، وقد اختارت التسخير، وانتهت المسألة في بداية الأمر، ومع ذلك فهي مسخرة وتؤدي مهمتها لخدمة الإنسان، فالشمس لم تعترض يوماً ولم ترفض .. فهي تشرق على المؤمن كما تشرق على الكافر .. وكذلك الهواء والأرض والدابة الحلوب، وكل ما في كون الله مسخر للجميع .. إذن: كل هذه الأشياء لها مهمة، وتؤدي مهمتها على أكمل وجه.
ولذلك يقول تعالى في حق هذه الأشياء:

{ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب .. "18"}
(سورة الحج)


{وكثير من الناس .. "18"}
(سورة الحج)


ولم يقل: والناس. ثم قال:

{وكثير حق عليه العذاب .. "18"}
(سورة الحج)


هذا هو الحال في الإنسان المكرم الذي اختاره الله وترك له الاختيار .. إنما كل الأجناس مؤديه واجبها؛ لأنها أخذت حظها من الاختيار الأول، فاختارت أن تكون مسخرة، وأن تكون مقهورة.
فالإنسان .. واحد يقول: لا إله في الوجود .. العالم خلق هكذا بطبيعته، وآخر يقول: بل هناك آلهة متعددة؛ لأن العالم به مصالح كثيرة وأشياء لا ينهض بها إله واحد .. يعني: إله للسماء، وإله للأرض، وإله للشمس .. الخ.
إذن: هذا رأي في العالم أشياء كثيرة بحيث لا ينهض بها في نظره إله واحد، ونقول له: أنت أخذت قدرة الإله من قدرة الفردية فيك .. لا .. خذها من قدرة من:

{ليس كمثله شيء .. "11"}
(سورة الشورى)


لأن القدرة الإلهية لا تعالج الأشياء كما تفعل أنت، وتحتاج إلى مجهود وعمل .. بل في حقه تعالى يتم هذا كله بكلمة كن .. كن كذا وانتهت المسألة.
ونعجب من تناقض هؤلاء، واحد يقول: الكون خلق هكذا لحاله دون إله. والآخر يقول: بل له آلهة متعددة .. نقول لهم: أنتم متناقضون، فتعالوا إلى دين الله، وإلى الوسطية التي تقول بإله واحد، لا تنفي الألوهية ولا تثبت التعددية.
فإن كنت تظن أن دولاب الكون يقتضي أجهزة كثيرة لإدارته، فاعلم أن الله تعالى لا يباشر تدبير أمر الكون بعلاج .. يفعل هذه ويفعل هذه، كما يزاول البشر أعمالهم، بل يفعلها بـ"كن"؛ ولذلك فالحق سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي:
"يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا في صعيد واحد، فسأل كل إنسان منكم ما بلغت أمنيته، فأعطيت كل سائل منكم ما سأل ما نقص ذلك من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بالبحر فغمس فيه إبرة ثم رفعها إليه، ذلك بأني جواد ماجد، افعل ما أريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري بشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون".
فيا من تشفق على الإله الواحد أن يتعب من إدارته للكون بشتى نواحيه، ارتفع بمستوى الألوهية عن أمثال البشر؛ لأن الله تعالى لا يباشر سلطانه علاجاً في الكون، وإنما يباشره بكلمة "كن". إذن: إله واحد يكفي، ومادمنا سلمنا بإله واحد، فإياك أن تقول بتعدد الآلهة .. وإذا كان الحق تبارك وتعالى نفى إلهين اثنين، فنفى ما هو أكثر من ذلك أولى .. واثنان أقل صور التعدد.
ومعنى (إلهين) أي: معبودين، فيكون لهما أوامر ونواه، والأوامر والنواهي تحتاج إلى طاعة، والكون يحتاج إلى تدبير، فأي الإلهين يقوم بتدبير أمور الكون؟ أم أنه يحتاج إلى مساعد؟ إن كان يحتاج إلى مساعد فهذا نقص فيه، ولا يصلح أن يكون إلهاً.
وكذلك إن تخصص كل منهما في عمل ما، هذا لكذا وهذا لكذا، فقد أصبح أحدهما عاجزاً فيما يقوم به الآخر .. وأي ناحية إذن من نواحي الحياة تكون هي المسيطرة؟ ومعلوم أن نواحي الحياة مشتركة ومتشابكة.
ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:

{وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعضٍ .. "91"}
(سورة المؤمنون)


وقال:

{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا .. "22"}
(سورة الأنبياء)


فكيف الحال إذا أراد الأول شيئاً، وأراد الآخر ألا يكون هذا الشيء؟ فإن كان الشيء كان عجزاً في الثاني، وإن لم يكن كان عجزاً في الأول .. إذن: فقوة أحدهما عجز في الآخر. ونلحظ في قوله تعالى:

{وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين .. "51"}
(سورة النحل)


عظة بليغة، كأنه سبحانه حينما دعانا إلى توحيده يقول لنا: أريحوا أنفسكم بالتوحيد، وقد أوضح الحق سبحانه وتعالى هذه الراحة في قوله:

{ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون "29"}
(سورة الزمر)


 

قديم 15-10-2011, 09:43 AM   #489
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 52

(وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون "52")
عندنا هنا اللام .. وقد تكون (اللام) للملك كما في الآية. وكما في: المال لزيد، وقد تكون للتخصيص إذا دخلت اللام على ما لا يملك، كما نقول: اللجام للفرس، والمفتاح للباب، فالفرس لا يملك اللجام، والباب لا يملك المفتاح. فهذه للتخصيص.
والحق سبحانه يقول هنا:

{وله ما في السماوات والأرض .. "52"}
(سورة النحل)


وفي موضع آخر يقول:

{له ما في السماوات وما في الأرض .. "68"}
(سورة يونس)


وكذلك في:

{يسبح له ما في السماوات والأرض .. "24"}
(سورة الحشر)


ومرة يقول:

{يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض .. "1"}
(سورة الجمعة)


حينما تكون اللام للملكية قد يكون المملوك مختلفاً ففي قوله:

{وله ما في السماوات والأرض .. "52"}
(سورة النحل)


يعني: القدر المشترك الموجود فيهما. أي: الأشياء الموجودة في السماء وفي الأرض. أما في قوله:

{له ما في السماوات وما في الأرض .. "68"}
(سورة يونس)


أي: الأشياء الموجودة في السماء وليست في الأرض، والأشياء الموجودة في الأرض وليست في السماء، أي: المخصص للسماء والمخصص للأرض، وهذا ما يسمونه استيعاب الملكية.
ومادام سبحانه له ما في السماوات وما في الأرض، فليس لأحذ غيره ملكية مستقلة، ومادام ليس لأحد غيره ملكية مستقلة. إذن: فليس له ذاتية وجود؛ لأن وجوده الأول موهوب له، وما به قيام وجوده موهوب له .. ولذلك يقولون: من أراد أن يعاند في الألوهية يجب أن تكون له ذاتية وجود .. وليست هذه إلا لله تعالى.
ونضرب لذلك مثلاً بالولد الصغير الذي يعاند أباه، وهو ما يزال عالة عليه. فيقول له: انتظر إلى أن تكبر وتستقل بأمرك .. فإذا ما شب الولد وبلغ وبدأ في الكسب أمكن له الاعتماد على نفسه، والاستغناء عن أبيه.
لذلك نقول لمن يعاند في الألوهية: أنت لا تقدر؛ لأن وجودك هبة، وقيام وجودك هبة، كل شيء يمكن أن ينزع منك. ولذلك، فالحق سبحانه وتعالى ينبهنا إلى هذه المسألة في قوله تعالى:

{كلا إن الإنسان ليطغى "6" أن رآه استغنى "7"}
(سورة العلق)


فهذا الذي رأى نفسه استغنى عن غيره ـ من وجهة نظره ـ إنما هل استغنى حقاً؟ .. لا. لم يستغن، بدليل أنه لا يستطيع أن يحتفظ بما يملك.


 

قديم 15-10-2011, 09:43 AM   #490
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 54

(ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون "54")
فمن الناس من إذا أصابه الله بضر أو نزل به بأس تضرع وصرخ ولجأ إلى الله ودعاه، وربما سالت دموعه، وأخذ يصلي ويقول: يا فلان ادع لي الله وكذا وكذا .. فإذا ما كشف الله عنه ضره عاود الكرة من جديد؛ لذلك يقول تعالى في آية أخرى:

{وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه .. "12"}
(سورة يونس)


ومن لطف الأداء القرآني هنا أن يقول:

{إذا فريق منكم بربهم يشركون "54"}
(سورة النحل)


أي: جماعة منكم وليس كلكم، أما الباقي فيمكن أن يثبتوا على الحق، ويعتبروا بما نزل بهم فلا يعودون .. فالناس ـ إذن ـ مختلفون في هذه القضية: فواحد يتضرع ويلتفت إلى الله من ضر واحد أصابه، وآخر يلتفت إلى الله من ضرين، وهكذا.
وقد وجدنا في الأحداث التي مرت ببلادنا على أكابر القوم أحداثاً عظاماً تلفتهم إلى الله، فرأينا من لا يعرف طريق المسجد يصلي، ومن لا يفكر في حج بيت الله، ويسرع إليه ويطوف به ويبكى هناك عند الملتزم، وما ألجأهم إلى الله ولفتهم إليه سبحانه إلا ما مرت بهم من أحداث. أليست هذه الأحداث، وهذه الأزمات والمصائب خيراً في حقهم؟ .. بلى إنها خير.
وأيضاً قد يصاب الإنسان بمرض يلم به، وربما يطول عليه، فيذهب إلى الأطباء، ويدعو الله ويلجأ إليه، ويطلب من الناس الدعاء له بالشفاء، ويعمل كذا وكذا .. فإذا ما كشف الله عنه المرض وأذن له بالشفاء قال: أنا اخترت الطبيب الحاذق، الطبيب النافع، وعملت وعملت .. سبحان الله!
لماذا لا تترك الأمر لله، وتعفي نفسك من هذه العملية؟ وفي قوله تعالى:

{ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون "54"}
(سورة النحل)


صمام أمن اجتماعي في الكون، يقول للناس: إياكم أن تأخذوا على غيركم حين تقدمون إليهم جميلاً فينكرونه .. إياكم أن تكفوا عن عمل الجميل على غيركم؛ لأن هذا الإنكار للجميل قد فعلوه مع أعلى منكم، فعلوه مع الله سبحانه، فلا يزهدك إنكارهم للجميل في فعله، بل تمسك به لتكون من أهله.
والحق تبارك وتعالى يضرب لنا مثلاً لإنكار الجميل في قصة سيدنا موسى عليه السلام:

{يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً "69"}
(سورة الأحزاب)


فقد اتهمه قومه وقعدوا يقولون فيه كذباً وبهتاناً، فقال موسى: يا رب أسألك ألا يقال في ما ليس في .. فقال تعالى لموسى: أنا لم افعل ذلك لنفسي، فكيف أفعلها لك؟
ولماذا لم يفعلها الحق سبحانه لنفسه؟ .. لم يفعلها الحق سبحانه لنفسه ليعطينا نحن أسوة في تحمل هذا الإنكار، فقد خلق الله الخلق ورزقهم ووسعهم، ومع ذلك كفروا به، ومع ذلك ما يزال الحق سبحانه خالقاً رازقاً واسعاً لهم.
إذن: في الآية تقنين وأمان للمجتمع أن يتفشى فيه مرض الزهد في عمل الخير. وقول الحق سبحانه:

{بربهم يشركون "54"}
(سورة النحل)



 

قديم 15-10-2011, 09:44 AM   #491
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 55

(ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون "55")
أي: مستعظمين كقارون الذي قال:

{إنما أوتيته على علم عندي .. "78"}
(سورة القصص)


أخذت هذا بجهدي وعملي .. ومثله من تقول له: الحمد لله الذي وفقك في الامتحان، فيقول: أنا كنت مجداً .. ذاكرت وسهرت .. نعم أنت ذاكرت، وأيضاً غيرك ذاكر وجد واجتهد، ولكن أصابه مرض ليلة الامتحان فأقعده، وربما كنت مثله.
فهذه نغمة من أنكر الفضل، وتكبر على صاحب النعمة سبحانه. وقوله:

{ليكفروا .. "55"}
(سورة النحل)


هل فعلوا ذلك ليكفروا، فتكون اللام للتعليل؟ لا بل قالوا: اللام هنا لام العاقبة .. ومعناها أنك قد تفعل شيئاً لا لشيء، ولكن الشيء يحدث هكذا، وليس في بالك أنت .. إنما حصل هكذا. ومثال هذه اللام في قوله تعالى في قصة موسى وفرعون:

{فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً .. "8"}
(سورة القصص)


ففرعون حينما أخذ موسى من البحر وتبناه ورباه، هل كان يتبناه ليكون له عدواً؟ لا .. إنما هكذا كانت النهاية، لكي يثبت الحق سبحانه أنهم كانوا مغفلين، وأن الله حال بين قلوبهم وبين ما يريدون .. إذن: المسألة ليست مرادة .. فقد أخذته وربيته في الوقت الذي تقتل فيه الأطفال .. ألم يخطر ببالك أن أحداً خاف عليه، فألقاه في البحر؟!
لذا يقول تعالى:

{واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه .. "24"}
(سورة الأنفال)


وكذلك أم موسى:

{وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم .. "7"}
(سورة القصص)


كيف يقبل هذا الكلام؟ وأني للأم أن ترمي ولدها في البحر إن خافت عليه؟! كيف يتأتى ذلك؟! ولكن حال الله بين أم موسى وبين قلبها، فذهب الخوف عليه، وذهب الحنان، وذهبت الرأفة، ولم تكذب الأمر الموجه إليها، واعتقدت أن نجاة وليدها في هذا فألقته.
وقوله:

{فتمتعوا فسوف تعلمون "55"}
(سورة النحل)


أي: اكفروا بما آتيناكم من النعم، وبما كشفنا عنكم من الضر، وتمتعوا في الدنيا؛ لأنني لم اجعل الدنيا دار جزاء، إنما الجزاء في الآخرة.
وكلمة (تمتعوا) هنا تدل على أن الله تعالى قد يوالي نعمه حتى على من يكفر بنعمته، وإلا فلو حجب عنهم نعمه فلن يكون هناك تمتع. ويقول تعالى:

{فسوف تعلمون "55"}
(سورة النحل)



 

قديم 15-10-2011, 09:44 AM   #492
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 56

(ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون"56")
أي: الذين يكفرون بالله ويتخذون الأصنام والشركاء، يجعلون لها نصيباً. وقول الحق سبحانه:

{لا يعلمون .. "56"}
(سورة النحل)


ما العلم؟
العلم أن تعرف قضية، هذه القضية صدق أي: مطابقة للواقع وتستطيع أن تدلل عليها، فإذا اختل واحد منها لم تكن علماً .. وهؤلاء حينما جعلوا للأصنام نصيباً، فقد أتوا بأشياء لا وجود لها في الواقع ولا في العلم، وليست حقائق .. وهل للأصنام وجود؟ وهل عليها دليل؟
قال تعالى:

{إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطانٍ .. "23"}
(سورة النجم)


هذه الأصنام ليست لها وجود في الحقيقة، وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه:

{وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون "136"}
(سورة الأنعام)


حتى لما جعلوا للأصنام نصيباً جعلوه مما رزقهم الله، ألا جعلتم نصيب الأصنام مما تعطيكم الأصنام؟ ونصيب الله مما رزقكم الله؟ فهذا اعتراف منكم بعجز أصنامكم، وأنكم أخذتم رزق الله وجعلتموه لأصنامكم.
وهذا دليل على أن الأصنام لا تعطيكم شيئاً، وشهادة منكم عليهم .. وهل درت الأصنام بهذا؟ إذن:

{لما لا يعلمون .. "56"}
(سورة النحل)


أي: للأصنام؛ لأنها لا وجود لها في الحقيقة، وهم يأخذون ما رزقناهم، ويجعلونه لأصنامهم. ثم يقول الحق تبارك وتعالى:

{تالله لتسألن عما كنتم تفترون "56"}
(سورة النحل)


التاء هنا في (تالله) للقسم أي: والله لتسألن عما افتريتم من أمر الأصنام. والافتراء: هو الكذب المتعمد.


 

قديم 15-10-2011, 09:44 AM   #493
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 57

(ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون "57")
ساعة أن تسمع كلمة (سبحانه) فاعلم أنها تنزيه لله تعالى عما لا يليق، فهي هنا تنزيه لله سبحانه وتعالى عما سبق من نسبة البنات له .. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .. أي: تنزيهاً لله عن أن يكون له بنات.
فهل يمكن أن يكون له أولاد ذكور؟
إنهم جعلوا لله البنات، وجعلوا لأنفسهم الذكور، وهذه قسمة قال عنها القرآن الكريم:

{ألكم الذكر وله الأنثى "21" تلك إذا قسمة ضيزى "22"}
(سورة النجم)


أي: جائرة.
لم تجعلوها عادلة، يعني لي ولد ولكم ولد، ولي بنت ولكم بنت، إنما تجعلون لله ما تكرهون وهي البنات لله، وتجعلون لكم ما تحبون .. لذلك كان في جعلهم لله البنات عيبان:
الأول: أنهم نسبوا لله الولد ـ ولو كان ذكراً فهو افتراء باطل يتنزه الله عنه.
الثاني: أنهم اختاروا أخس الأنواع في نظرهم .. ولا يستطيع أحد أن يقول: إن البنات أخس الأنواع .. لماذا؟
لأن بالبنات يكون بقاء النوع؛ ولذلك قال العباس: لو سمع الله ما قال الناس في الناس لما كان الناس .. أي: لو استجاب الله لرغبة الناس في أنهم لا يريدون البنات فاستجاب ولم يعطهم .. ماذا سيحدث؟ سينقطع النسل، فهذا مطلب غبي، فالبنت هي التي تلد الولد، وبها بقاء النوع واستمرار النسل.
وقوله تعالى:

{سبحانه .. "57"}
(سورة النحل)


أي: تنزيهاً له أن يكون له ولد، وتنزيهاً له سبحانه أن يكون له أخس النوعين في نظرهم وعرفهم، وقد قال عنهم القرآن في الآية التالية:

{وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم "58" يتواري من القوم من سوء ما بشر به .. "59"}
(سورة النحل)


ولذلك فالحق ـ تبارك وتعالى ـ حينما يحدثنا عن الإنجاب يقول:

{لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور "49" أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما .. "50"}
(سورة الشورى)


أول ما بدأ الحق سبحانه بدأ بالإناث .. ثم أعطانا هذه الصورة من الخلق: إناث، ذكور، ذكور وإناث، عقيم .. إذن: هبات الله تعالى لها أربعة أنواع، ومن هنا كان العقم أيضاً هبة من الله لحكمة أرادها سبحانه .. لكن الناس لا تأخذ العقم على أنه هبة .. لكن تأخذه على أنه نقمة وغضب.
لماذا؟ لماذا تأخذه على أنه نقمة وبلاء؟ فربما وهبك الولد، وجاء عاقاً، كالولد الذي جاء فتنة لأبويه، يدعوهما إلى الكفر.
ولو أن صاحب العقم رضى بما قسمه الله له من هبة العقم واعتبره هبة ورضى به لرأى كل ولد في المجتمع ولده من غير تعب في حمله وولادته وتربيته. فيرى جميع الأولاد من حوله أولاده ويعطف الله قلوبهم إليه كأنه والدهم .. وكأن الحق تبارك وتعالى يقول له: مادمت رضيت بهبة الله لك في العقم لأجعلن كل ولدٍ ولداً لك.
وينهي الحق سبحانه الآية بقوله:

{ولهم ما يشتهون "57"}
(سورة النحل)


 

قديم 15-10-2011, 09:45 AM   #494
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 58

(وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم"58")
نعرف أن البشارة تكون بخير، فكان يجب عليهم أن يستقبلوها استقبال البشارة، ولكنهم استقبلوها استقبال الناقمين الكارهين لما بشروا به، فتجد وجه الواحد منهم.

{مسوداً .. "58"}
(سورة النحل)


ومعنى اسوداد الوجه انقباضه من الغيظ؛ لذلك يقول تعالى:

{وهو كظيم .. "58"}
(سورة النحل)


الكظم هو كتم الشيء. ولذلك يقول تعالى في آية أخرى:

{والكاظمين الغيظ .. "134"}
(سورة آل عمران)


وهو مأخوذ من كظم القربة حين تمتلئ بالماء، ثم يكظمها أي: يربطها، فتراها ممتلئة كأنها ستنفجر .. هكذا الغضبان تنتفخ عروقه، ويتوارد الدم في وجهه، ويحدث له احتقان، فهو مكظوم ممنوع أن ينفجر.


 

قديم 15-10-2011, 09:45 AM   #495
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 59

(يتواري من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون"59")
قوله تعالى:

{يتواري من القوم .. "59"}
(سورة النحل)


أي: يتخفى منهم مخافة أن يقال: أنجب بنتاً.

{من سوء ما بشر به .. "59"}
(سورة النحل)


نلاحظ إعادة البشارة في هذه الآية أيضاً، وكأنه سبحانه وتعالى يحنن قلبه عليها، ويدعوه إلى الرفق بها.
فهو متردد لا يدري ماذا يفعل؛ لذلك يقول تعالى:

{أيمسكه على هونٍ أم يدسه في التراب .. "59"}
(سورة النحل)


أي: ماذا يفعل فيما ولد له. أيحتفظ به على هونٍ ـ أي: هوان ومذلة ـ أم يدسه في التراب ـ أي: يدفنها فيه حية؟

{ألا ساء ما يحكمون "59"}
(سورة النحل)


أي: ساء ما يحكمون في الحالتين. حالة الإمساك على هون ومذلة، أو حالة دسها في التراب، فكلاهما إساءة. وكان بعض هؤلاء إذا ولدت له بنت كرهها، فإن أمسكها أمسكها على حال كونها ذليلة عنده، محتقرة مهانة، وهي مسكينة لا ذنب لها.
ولذلك، فإن المرأة العربية التي عاصرت هذه الأحداث فطنت على ما لم نعرفه نحن إلا قريباً، حيث اكتشف العالم الحديث أن أمر إنجاب الولد أو البنت راجع إلى الرجل وليس إلى المرأة .. وكان أبو حمزة كثيراً ما يترك زوجته ويغضب منها، لأنها لا تلد إلا البنات .. فماذا قالت هذه المرأة العربية التي هجرها زوجها؟ قالت:
ما لأبي حمزة لا يأتينا غضـبان ألا نل البنـينا
تالله ما ذلك فـي أيدينا فنحن كالأرض لغارسينا
نعطي لهم مثل الذي أعطينا
والحق سبحانه وتعالى حينما يريد توازناً في الكون يصنع هذا التوازن من خلال مقتضيات النفس البشرية، ومن مقتضياتها أن يكون للإنسان جاه، وأن يكون له عز، لكن الإنسان يخطئ في تكوين هذا الجاه والعز، فيظن أنه قادر على صنع ما يريد بأسبابه وحدها.
إنما لو علم أن تكوين الجاه والعز بشيء فوق أسبابه هو، بشيء مخلوق لله تعالى، بقدر مخلوق لله تعالى، لو علم هذه الحقيقة لجاء المسألة من بابها.
ذلك لأن العزة ليست بما تنجب .. العزة هنا لله وللرسول وللمؤمنين، اعتز هنا بعصبة الإيمان، اعتز بأنك في بيئة مؤمنة متكافلة، إذا أصابك فيها ضيم فزع إليك الجميع.
ولا تعتز بالأنسال والأنجال، فقد يأتي الولد عاقاً لا يسعف أبويه في شدة، ولا يعينهما في حاجة؛ ذلك لأنك لجأت إلى عصبية الدم وعصبية الدم قد تتخلف، أما عصبية العقيدة وعصبية الإيمان والدين فلا.
ولنأخذ على ذلك مثالاً .. ما حدث بين الأنصار والمهاجرين من تكافل وتعاون فاق كل ما يتصوره البشر، ولم يكن بينهم سوى رابطة العقيدة وعصبية الإيمان .. ماذا حدث بين هؤلاء الأفذاذ؟
وجدنا أن العصبية الإيمانية جعلت الرجل يضحي بأنفس شيء يضن به على الغير .. نتصور في هذا الموقف أن يعود الأنصار بفضل ما عندهم من نعم على إخوانهم المهاجرين، فمن كانت عنده ركوبة أو منزلة مثلاً يقول لأخيه المهاجر: تفضل اركب هذه الركوبة، أو اجلس في هذا المنزل .. هذا كله أمر طبيعي.
أما نعيم المرأة، فقد طبع في النفس البشرية أن الإنسان لا يحب أن تتعدى نعمته فيها إلى غيره .. لكن انظر إلى الإيمان، ماذا صنع بالنفوس؟ .. فقد كان الأنصاري يقول للمهاجر: انظر لزوجاتي، أيهن أعجبتك أطلقها لتتزوجها أنت، وما حمله على ذلك ليس عصبية الدم أو عصبية الجنس، بل عصبية اليقين والإيمان.
ولذلك تنتفي جميع العصبيات في قصة نوح ـ عليه السلام ـ وولده الكافر، حينما ناداه نوح ـ عليه السلام ـ:

{يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين "42"قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم .. "43"}
(سورة هود)


ويتمسك نوح بولده، ويحرص كل الحرص على نجاته فيقول:

{رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق .. "45"}
(سورة هود)


فيأتي فصل الخطاب في هذه القضية:

{إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين "46"}
(سورة هود)


إذن: هذا الولد ليس من أهلك؛ لأن البنوة هنا بنوة العمل، لا بنوة الدم والنسب. صحيح أن الإنسان يحب العزة ويطلبها لنفسه، ولكن يجب أن تنظر كيف تكون العزة الحقيقية؟ وما أسبابها؟
خذ العزة بالله وبالرسول وبالبيئة الإيمانية، يصبح كل الأولاد أولادك؛ لأنهم معك في يقينك بالله وإيمانك به سبحانه .. أما أن تعتز بطريقتك أنت، فتطلب العزة في الولد الذكر، فمن يدريك أن تجد فيه العزة والعزوة والمكاثرة؟!


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:21 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا