15-10-2011, 09:40 AM
|
#481
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة النحل - الآية: 44
| (بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون "44") | استهل الحق سبحانه الآية بقوله:
{بالبينات والزبر .. "44"}
(سورة النحل)
ويقول أهل اللغة: إن الجار والمجرور لابد له من متعلق فبماذا يتعلق الجار والمجرور هنا؟ قالوا: يجوز أن يتعلق بالفعل (نوحي) ويكون السياق: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم بالبينات والزبر.
وقد يتعلق الجار والمجرور بأهل الذكر .. فيكون المعنى: فاسألوا أهل الذكر بالبينات والزبر، فهذان وجهان لعودة الجار والمجرور.
والبينات: هي الأمر البين الواضح الذي لا يشك فيه أحد .. وهو إما أن يكون أمارة ثبوت صدق الرسالة كالمعجزة التي تتحدى المكذبين أن يأتوا بمثلها .. أو: هي الآيات الكونية التي تلفت الخلق إلى وجود الخالق سبحانه وتعالى، مثل آيات الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم.
أما الزبر، فمعناها: الكتب المكتوبة .. ولا يكتب عادة إلا الشيء النفيس مخافة أن يضيع، وليس هنا أنفس مما يأتينا من منهج الله لينظم لنا حركة حياتنا.
ونعرف أن العرب ـ قديماً ـ كانوا يسألون عن كل شيء مهما كان حقيراً، فكان عندهم علم بالسهم ومن أول صانع لها، وعن القوس والرحل، ومثل هذه الأشياء البسيطة .. ألا يسألون عن آيات الله في الكون وما فيها من أسرار وعجائب في خلقها تدل على الخالق سبحانه وتعالى؟
ثم يقول الحق تبارك وتعالى:
{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم .. "44"}
(سورة النحل)
كلمة الذكر وردت كثيراً في القرآن الكريم بمعانٍ متعددة، وأصل الذكر أن يظل الشيء على البال بحيث لا يغيب، وبذلك يكون ضده النسيان .. إذن: عندنا ذكر ونسيان .. فكلمة "ذكر" هنا معناها وجود شيء لا ينبغي لنا نسيانه .. فما هو؟
الحق سبحانه وتعالى حينما خلق آدم ـ عليه السلام ـ أخذ العهد على كل ذرة فيه، فقال تعالى:
{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين "172"}
(سورة الأعراف)
وأخذ العهد على آدم هو عهد على جميع ذريته، ذلك لأن في كل واحد من بني آدم ذرة من أبيه آدم .. وجزءاً حياً منه نتيجة التوالد والتناسل من لدن آدم حتى قيام الساعة، ومادمنا كذلك فقد شهدنا أخذ العهد: (ألست بربكم).
وكأن كلمة (ذكر) جاءت لتذكرنا بالعهد المطمور في تكويننا، والذي ما كان لنا أن ننساه، فلما حدث النسيان اقتضى الأمر إرسال الرسل وإنزال الكتب لتذكرنا بعهد الله لنا.
{ألست بربكم قالوا بلى .. "172"}
(سورة الأعراف)
ومن هنا سمينا الكتب المنزلة ذكراً، لكن الذكر يأتي تدريجياً وعلى مراحل .. كل رسول يأتي ليذكر قومه على حسب ما لديهم من غفلة .. أما الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم الذي جاء للناس كافة إلى قيام الساعة، فقد جاء بالذكر الحقيقي الذي لا ذكر بعده، وهو القرآن الكريم. وقد تأتي كلمة (الذكر) بمعنى الشرف الرفعة كما في قوله تعالى للعرب:
{لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم .. "10"}
(سورة الأنبياء)
وقد أصبح للعرب مكانة بالقرآن، وعاشت لغتهم بالقرآن، وتبوءوا مكان الصدارة بين الأمم بالقرآن. وقد يأتي الذكر من الله للعبد، وقد يأتي من العبد لله تعالى كما في قوله سبحانه:
{فاذكروني أذكركم .. "152"}
(سورة البقرة)
والمعنى: فاذكروني بالطاعة والإيمان أذكركم بالفيوضات والبركة والخير والإمداد وبثوابي. وإذا أطلقت كلمة الذكر انصرفت إلى ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الكتاب الجامع لكل ما نزل على الرسل السابقين، ولكل ما تحتاج إليه البشرية إلى أن تقوم الساعة.
كما أن كلمة كتاب تطلق على أي كتاب، لكنها إذا جاءت بالتعريف (الكتاب) انصرفت إلى القرآن الكريم، وهذا ما نسميه (علم بالغلبة).
والذكر هو القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو معجزته الخالدة في الوقت نفسه، فهو منهج ومعجزة، وقد جاء الرسل السابقون بمعجزات لحالها، وكتب لحالها، فالكتاب منفصل عن المعجزة.
فموسى كتابه التوراة ومعجزته العصا، وعيسى كتابه ومنهجه الإنجيل ومعجزته إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله. أما محمد صلى الله عليه وسلم فمعجزته هي نفس كتاب منهجه، لا ينفصل أحدهما عن الآخر لتظل المعجزة مساندة للمنهج إلى قيام الساعة.
وهذا هو السر في أن الحق تبارك وتعالى تكفل بحفظ القرآن وحمايته، فقال تعالى:
{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9"}
(سورة الحجر)
أما الكتب السابقة فقد عهد إلى التابعين لكل رسول منهم بحفظ كتابه، كما قال تعالى:
{إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله .. "44"}
(سورة المائدة) |
|
|
|