المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 15-10-2011, 09:45 AM   #496
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 60

(للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم "60")
قوله تعالى:

{مثل السوء .. "60"}
(سورة النحل)


صفة السوء أي: الصفات السيئة الخسيسة من الكفر والجحود والنكران، ومن عمي البصيرة، وغيرها من صفات السوء.
لماذا كان للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء؟ لأن المعادلة التي أجروها معادلة خاطئة؛ لأن الذي لا يؤمن بالآخرة قصر عمره .. فعمر الدنيا بالنسبة له قصير، وقد قلنا: إياك أن تقيس الدنيا بعمرها .. ولكن قس الدنيا بعمرك أنت، فعمر الدنيا مدة بقائك أنت فيها .. إنما هي باقية من بعدك لغيرك، وليس لك أنت فيها نصيب بعد انقضاء عمرك.
إذن: عمر الدنيا عمرك أنت فيها .. عمرك: شهر، سنة، عشر سنوات، مائة .. هذا هو عمر الدنيا الحقيقي بالنسبة لك أنت.
ومع ذلك، فعمر الدنيا مهما طال منته إلى زوال، فمن لا يؤمن بالله ولا يؤمن بالآخرة قد اختار الخاسرة؛ لأنه لا يضمن أن يعيش في الدنيا حتى متوسط الأعمار .. وهب أنك عشت في الدنيا إلى متوسط الأعمار، بل إلى أرذل العمر .. وهب أنك استمتعت في دنياك بكل أنواع المعاصي، ماذا ستكون النهاية؟ أن تفوت هذا كله إلى الموت.
قارون ـ إذن ـ حال هذا بمن آمن بالله وآمن بالآخرة .. نقول لمن لا يؤمن بالآخرة: دنياك مظنونة، يمكن أن تعيش فيها، أو يعاجلك الموت .. حتى من عاش إلى متوسط الأعمار، فالنهاية إلى زوال.
وما نلت من متع في دنياك أخذتها على قدر إمكاناتك أنت. إذن: أنت أخذت صفقة محدودة غير متيقنة، وتركت صفقة غير محدودة ومتيقنة .. أليست هذه الصفقة خاصرة؟
أما من آمن بالآخرة فقد ربحت صفقته، حيث اختار حياة ممتدة يجد المتعة فيها على قدر إمكانات المنعم سبحانه وتعالى:

{مثل السوء .. "60"}
(سورة النحل)


أي: الصفة شديدة السوء، ذلك لأنهم خاسرون لا محالة. وقوله تعالى:

{ولله المثل الأعلى .. "60"}
(سورة النحل)


لله الصفة العليا، وكأن الآية تقول لك: اترك صفة السوء، وخذ الصفة الأعلى التي تجد المتعة فيها على قدر إمكانات الحق سبحانه وتعالى.
وينهي الحق سبحانه الآية بقوله:

{وهو العزيز الحكيم "60"}
(سورة النحل)


العزيز أي: الذي لا يغلب على أمره، فإذا قيل: قد يوجد من لا يغلب على أمره .. نعم؛ لكنه سبحانه عزيز حكيم يستعمل القهر والغلبة بحكمة.


 

قديم 15-10-2011, 07:18 PM   #497
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 61

(ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "61")
قول الحق تبارك وتعالى:

{ولو يؤاخذ الله الناس .. "61"}
(سورة النحل)


عندنا هنا: الأخذ والمؤاخذة .. الأخذ: هو تحصيل الشيء واحتواؤه، ويدل هذا على أن الآخذ له قدرة على المستمسك بنفسه أو بغيره، فمثلاً تستطيع حمل حصاة، لكن لا تستطيع حمل حجر كبير، وقد يكون شيئاً بسيطاً إلا أنه مربوط بغيره ومستمسك به فيؤخذ منه قوة.
فمعنى الأخذ: أن تحتوي الشيء، واحتواؤك له معناه أنك أقوى من تماسكه في ذاته، أو استمساك غيره به، وقد يكون الأخذ بلا ذنب.
أما المؤاخذة فتعني: هو أخذ منك فأنت تأخذ منه .. ومنه قول أحدنا لأخيه "لا مؤاخذة" في موقف من المواقف .. والمعنى: أنني فعلت شيئاً استحق عليه الجزاء والمؤاخذة، فأقول: لا تؤاخذني .. لم أقصد.
لذلك؛ فالحق تبارك وتعالى يقول هنا:

{ولو يؤاخذ الله الناس .. "61"}
(سورة النحل)


ولم يقل: يأخذ الناس. وفي آية أخرى قال تعالى:

{وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد "102"}
(سورة هود)


لماذا أخذها الله؟ أخذها لأنها أخذت منه حقوقه في أن يكون إلهاً واحداً فأنكرتها، وحقوقه في تشريع الصالح فأنكرنها. ويبين الحق سبحانه أن هذه المؤاخذة لو حدثت ستكون بسبب من الناس أنفسهم، فيقول سبحانه:

{بظلمهم .. "61"}
(سورة النحل)


أول الظلم أنهم أنكروا الوحدانية، يقول تعالى:

{إن الشرك لظلم عظيم "13"}
(سورة لقمان)


فكأنهم أخذوا من الله تعالى حقه في الوحدانية، وأخذوا من الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا كذاب، وأخذوا من الكتاب فقالوا "سحر مبين". كل هذا ظلم ..
فالحق تبارك وتعالى لو آخذهم بما أخذوا، أخذوا شيئاً فأخذ الله شيئاً، لو عاملهم هذه المعاملة ما ترك على ظهرها من دابة. لذلك نجد في آيات الدعاء:

{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا .. "286"}
(سورة البقرة)


أي: أننا أخذنا منك يا رب الكثير بما حدث منا من إسراف وتقصير وعمل على غير مقتضى أمرك، فلا تؤاخذنا بما بدر منا. فلو آخذ الله الناس بما اقترفوا من ظلم ..

{ما ترك عليها من دابةٍ .. "61"}
(سورة النحل)


قد يقول قائل: الله عز وجل سيؤاخذ الناس بظلمهم، فما ذنب الدابة؟ ماذا فعلت؟ نقول: لأن الدابة خلقت من أجلهم، وسخرت لهم، وهي من نعم الله عليهم، فليست المسألة إذن نكاية في الدابة، بل فيمن ينتفع بها، وقد يراد العموم لكل الخلق.
فإذا لم يؤاخذ الله الناس بظلمهم في الدنيا فهل يتركهم هكذا لا بل:

{ولكن يؤخرهم إلى أجلٍ مسمى .. "61"}
(سورة النحل)


هذا الأجل انقضاء دنيا، وقيام آخرة، حتى لو لم يؤمنوا بالآخرة، فإن الله تعالى يمهلهم في الدنيا، كما قال تعالى في آية أخرى:

{وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك .. "47"}
(سورة الطور)


 

قديم 15-10-2011, 07:19 PM   #498
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 62

(ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون "62")
قوله تعالى:

{ويجعلون لله ما يكرهون .. "62"}
(سورة النحل)


الأليق أن الذي يخرج لله يجب أن يكون من أطيب ما أعطاه الله، فإذا أردت أن تتصدق تصدق بأحسن ما عندك، أو على الأقل من أوسط ما عندك .. لكن أن تتصدق بأخس الأشياء وأرذلها .. أن تتصدق مما تكرهه، كالذي يتصدق بخبز غير جيد أو لحم تغير، أو ملابس مهلهلة، فهذا يجعل لله ما يكره.
والحقيقة أن الناس إذا وثقوا بجزاء الله على ما يعطيه العبد لأعطوا ربهم افضل ما يحبون .. لماذا؟ لأن ذلك دليل على حبك للآخرة، وأنك من أهلها، فأنت تعمرها بما تحب، أما صاحب الدنيا المحب لها فيعطي أقل ما عنده؛ لأن الدنيا في نظره أهم من الآخرة.
وبهذا يستطيع الإنسان أن يقيس نفسه: أهو من أهل الآخرة، أم من أهل الدنيا بما يعطي لله عزة وجل؟
قوله تعالى:

{ويجعلون لله ما يكرهون .. "62"}
(سورة النحل)


أي: مما ذكر في الآيات السابقة من قولهم:

{لله البنات .. "57"}
(سورة النحل)


وأن الملائكة بنات الله، وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً، إلى غير ذلك من أقوالهم، وجعلوا لله البنات وهم يكرهون البنات؛ لذلك:

{وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم "58"}
(سورة النحل)


والمسألة هنا ليست مسألة جعل البنات لله، بل مطلق الجعل منهم مردود عليهم، فلو جعلوا لله ما يحبون من الذكران ما تقبل منهم أيضاً؛ لأنهم جعلوا لله ما لم يجعل لنفسه.
فالذين قالوا: عزيز ابن الله. والذين قالوا: المسيح ابن الله. لا يقبل منهم؛ لأنهم جعلوا لله سبحانه ما لم يجعله لنفسه، فهذا مرفوض، وذلك مرفوض؛ لأننا لا نجعل لله إلا ما جعله الله لنفسه سبحانه.
فنحن نجعل لله ما نحب مما أباح الله، كما جاء في قوله تعالى:

{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون .. "92"}
(سورة آل عمران)


وقوله:

{ويطعمون الطعام على حبه .. "8"}
(سورة الإنسان)


ولذلك قال الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم:

{قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين "81"}
(سورة الزخرف)


فلو كان له ولد لآمنت بذلك، لكن الحقيقة أنه ليس له ولد .. إذن: ليست المسألة في جعل ما يكرهون لله بل في مطلق الجعل، ذلك لأننا عبيد نتقرب إلى الله بالعبادة، والعابد يتقرب إلى المعبود بما يحب المعبود أن يتقرب به إليه، فلو جعل الله لنفسه شيئاً فهو على العين والرأس، كما في أمره أن ننفق مما نحب، ومن أجود ما نملك.


 

قديم 15-10-2011, 07:19 PM   #499
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 63

(تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم "63")
نعلم أن الحق سبحانه وتعالى يقسم بما يشاء على ما يشاء، أما نحن فلا نقسم إلا بالله، وفي الحديث الشريف: "من كان حالفاً، فليحلف بالله أو ليصمت".
والحق تبارك وتعالى هنا يحلف بذاته سبحانه (تالله)، مثل: والله وبالله. وقد جاء القسم لتأكيد المعنى؛ ولذلك يقول أحد الصالحين: من أغضب الكريم حتى ألجأه أن يقسم؟!
وقد يؤكد الحق سبحانه القسم بذاته، أو القسم ببعض خلقه، وقد ينفي القسم وهو يقسم، كما في قوله تعالى:

{لا أقسم بهذا البلد "1"}
(سورة البلد)


وقوله:

{فلا أقسم بمواقع النجوم "75" وإنه لقسم لو تعلمون عظيم "76"}
(سورة الواقعة)


ومعنى: لا أقسم أن هذا الأمر واضح جلي وضوحاً لا يحتاج إلى القسم، ولو كنت مقسماً لأقسمت به، بدليل قوله:

{وإنه لقسم لو تعلمون عظيم "76"}
(سورة الواقعة)


إذن: الحق سبحانه يقسم بذاته ليؤكد لنا الأمر تأكيداً، وتأكيد الأمر عند الحكم في القضاء مثلاً: إما بالإقرار، وإما باليمين .. فإذا ما أقسمت له وحلفت فقد سددت عليه منافذ التكذيب. والحق سبحانه يقول:

{لقد أرسلنا إلى أممٍ من قبلك .. "63"}
(سورة النحل)


أي: لست بدعاً في أن تكذب من قومك، فهذه طبيعة الذين يستقبلون الدعوة من الله على ألسنة الرسل؛ لأن الرسل لا يرسلهم الله إلا حينما يطم الفساد ويعم.
ومعنى إرسال الرسل ـ إذن ـ أنه لا حل إلا أن تتدخل السماء؛ ذلك لأن الإنسان فيه مناعات يقينية في ذاته، وهي نفسه اللوامة التي تلومه إذا أخطأ وتعدل من سلوكه، فهي رادع له من نفسه.
فإذا ما تبلدت هذه النفس، وتعودت على الخطأ قام المجتمع من حولها بهذه المهمة، فمن لا تردعه نفسه اللوامة يردعه المجتمع من حوله .. فإذا ما فسد المجتمع أيضاً، فماذا يكون الحل؟ الحل أن تتدخل السماء لإنقاذ هؤلاء.
إذن: تتدخل السماء بإرسال الرسل حينما يعم الفساد المجتمع كله؛ ولذلك فأمة محمد صلى الله عليه وسلم من شرفها عند ربها أن قال لهم: أنتم مأمونون على رعاية منهجي في ذواتكم، لوامون لأنفسكم، آمرون بالمعروف، ناهون عن المنكر في غيركم؛ لذلك لن أرسل فيكم رسولاً آخر، فأنتم سوف تقومون بهذه المهمة.
لذلك قال الحق سبحانه:

{كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر .. "110"}
(سورة آل عمران)


فقد آمن أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أن تكون حارسة لمنهجه، إما بالنفس اللوامة، وإما بالمجتمع الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، وهذا شرف عظيم لهذه الأمة.
إذن: يأتي الرسول حينما يعم الفساد .. فما معنى الفساد؟ .. الفساد: أن توجد مصالح طائفة على حساب طائفة أخرى، فأهل الفساد والمنتفعون به إذا جاءهم رسول ليخلص الناس من فسادهم، كيف يقابلونه؟ أيقابلونه بالترحاب؟ بالطبع لا .. لابد وأن يقابلوه بالكراهية والإنكار، ويعلنوا عليه الحرب دفاعاً عن مصالحهم.
ويتبع الحق سبحانه هذا بقوله:

{فزين لهم الشيطان أعمالهم .. "63"}
(سورة النحل)


هنا يتدخل الشيطان، ويزين لأهل الفساد أعمالهم، ويحثهم على محاربة الرسل؛ فهؤلاء الذين سيقضون على نفوذكم، سوف يأخذون ما في أيديكم من متع الدنيا، سوف يهزون مراكزكم، ويحطون من مكانتكم بين الناس .. هؤلاء سوف يرفعون عليكم السفلة والعبيد ..
وهكذا يتمسك أهل الفساد والظلم بظلمهم، ويعضون عليه بالنواجذ، ويقفون من الرسل موقف العداء، فوطن نفسك على هذا، فلن تقابل من السادة إلا بالجحود وبالإنكار وبالمحاربة. ثم يقول تعالى:

{فهو وليهم اليوم .. "63"}
(سورة النحل)


 

قديم 15-10-2011, 07:19 PM   #500
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 64

(وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون"64")
فالكتاب هو القرآن الكريم. وقول الحق سبحانه:

{لتبين لهم الذين اختلفوا فيه .. "64"}
(سورة النحل)


دليل على أن أتباع الرسل السابقين نشأ بينهم خلاف، فأي خلاف هذا طالما أنهم تابعون لنبي واحد؟ ما سببه؟
قالوا: سبب هذا الخلاف ما يسمونه بالسلطة الزمنية .. ولتوضيح معنى السلطة الزمنية نضرب مثلاً بواحد كان شيخاً لطريقة مثلاً، بواحد كان شيخاً لطريقة مثلاً، فلما مات تنازع الخلافة أبناؤه من بعده .. كل يريدها له، وأخذ يجمع حوله مجموعة من أتباع أبيه .. فلو كانت الخلافة هذه واضحة في أذهانهم ما حدث هذا الخلاف.
وكذلك السلطة الزمنية حدثت في أتباع الرسل الذين أخذوا يكتبون الصكوك، ويذكرون ما يحبون وما يرونه صواباً من وجهة نظرهم، كل هؤلاء كان لهم نفوذ بما نسميه السلطة الزمنية.
فكيف ـ إذن ـ يتركون محمداً صلى الله عليه وسلم يأخذ منهم هذه السلطة، ويضيع عليهم ما هم فيه من سيادة، فقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليبين لهم. أي: يردهم إلى جادة الحق، وإلى الطريق المستقيم.
وقوله تعالى:

{وهدى ورحمة .. "64"}
(سورة النحل)


الهدى: معناه بيان الطريق الواضح للغاية النافعة، والطريق لا يكون واضحاً إلا إذا خلا من الصعاب والعقبات، وخلا أيضاً من المخاوف، فهو طريق واضح مأمون سهل، وأيضاً يكون قصيراً يوصلك إلى غايتك من أقصر الطرق.
وضد الهدى: الضلال. وهو أن يضلك، فإن أردت طريقاً وجهك إلى غيره، ودلك على سواه، أو دلك على طريق به مخاوف وعقبات. أما الرحمة، فقد وصف الحق تبارك وتعالى القرآن بأنه رحمة فقال:

{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين .. "82"}
(سورة الإسراء)


فكيف يكون القرآن شفاءً؟ وكيف يكون رحمة؟
الشفاء: إذا أصابنا داء ربنا سبحانه وتعالى يقول: طيبوا داءكم ودووا أمراضكم بكذا وكذا، وردوا الحكم إلى الله .. هذا شفاء.
أما الرحمة: فهي أن يمنع أن يأتي الداء مرة أخرى، فتكون وقاية تقتلع الداء من أصله فلا يعود.
ومثل هذا يحدث في عالم الطب، فقد تذهب إلى طبيب ليعالجك من داء معين .. بثور في الجلد مثلاً، فلا يهتم إلا بما يراه ظاهراً، ويصف لك ما يداوي هذه البثور .. ثم بعد ذلك تعاودك مرة أخرى.
أما الطبيب الحاذق الماهر فلا ينظر إلى الظاهر فقط، بل يبحث عن سببه في الباطن، ويحاول أن يقتلع أسباب المرض من جذورها، فلا تعاودك مرة أخرى.
ولذلك، لو نظرنا إلى قصة أيوب ـ عليه السلام ـ وما ابتلاه الله به نرى فيها مثالاً رائعاً لعلاج الظاهر والباطن معاً، فقد ابتلاه ربه ببلاء ظهر أثره على جسمه واضحاً، ولما أذن له سبحانه بالشفاء قال له:

{اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب "42"}
(سورة ص)


(مغتسل): أي. يغسل ويزيل ما عندك من آثار هذا البلاء.
(وشراب): أي. شراب يشفيك من أسباب هذا البلاء فلا يعود.
وكذلك الحال في علاج المجتمع، فقد جاء القرآن الكريم وفي العالم فساد كبير، وداءات متعددة، لابد لها من منهج لشفاء هذه الداءات، ثم نعطيها مناعاتٍ تمنع عودة هذه الداءات مرة أخرى.
وقوله تعالى:

{لقومٍ يؤمنون "64"}
(سورة النحل)


أي: أن هذا القرآن فيه هدى ورحمة لمن آمن بك وبرسالتك؛ لأن الطبيب الذي ضربناه مثلاً هنا لا يعالج كل مريض، بل يعالج من وثق به، وذهب إليه وعرض عليه نفسه ففحصه الطبيب وعرف علته.
وهكذا القرآن الكريم يسمعه المؤمن به، فيكون له هدىً ورحمة، ويترك في نفسه إشراقات نورانية تتسامى به وترتفع إلى أعلى الدرجات، في حين يسمعه آخر فلا يعي منه شيئاً، ويقول كما حكى القرآن الكريم:

{ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا "16"}
(سورة محمد)


وقال:

{قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء .. "44"}
(سورة فصلت)
{والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى .. "44"}
(سورة فصلت)


 

قديم 15-10-2011, 07:20 PM   #501
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 65

(والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون"65")
الحق تبارك وتعالى في هذه الآية ينقلنا إلى آية مادية محسة لا ينكرها أحد، وهي إنزال المطر من السماء، وإحياء الأرض الميتة بهذا المطر؛ ليكون ذلك دليلاً محسوساً على قدرته تعالى، وأنه مأمون على خلقه.
وكأنه سبحانه يقول لهم: إذا كنت أنا أعطيكم كذا وكذا، وأوفر لكم الأمر المادي الذي يفيد عنايتي بكم، فإذا أنزلت لكم منهجاً ينفعكم ويصلح أحوالكم فصدقوه.
فهذا دليل مادي محس يوصلهم إلى تصديق المنهج المعنوي الذي جاء على يد الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:

{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين .. "82"}
(سورة الإسراء)


وقوله:

{والله أنزل من السماء ماءً .. "65"}
(سورة النحل)


هذه آية كونية محسة لا ينكرها أحد. ثم يقول:

{فأحيا به الأرض بعد موتها "65"}
(سورة النحل)


موت الأرض، أي حالة كونها جدباء مقفرة لا زرع فيها ولا نبات، وهذا هو الهلاك بعينه بالنسبة لهم، فإذا ما أجدبت الأرض استشرفوا لسحابة، لغمامة، وانتظروا منها المطر الذي يحيي هذه الأرض الميتة .. يحييها بالنبات والعشب بعد أن كانت هامدة ميتة.
فلو قبض ماء السماء عن الأرض لمتم جوعاً، فخذوا من هذه الآية المحسة دليلاً على صدق الآية المعنوية التي هي منهج الله إليكم على يد رسوله صلى الله عليه وسلم، فكما أمنتني على الأولى فأمني على الثانية. وقوله:

{إن في ذلك لآية لقوم يسمعون "65"}
(سورة النحل)


مع أن هذه الآية ترى بالعين ولا تسمع، قال القرآن:

{لقوم يسمعون "65"}
(سورة النحل)


.. لماذا؟
قالوا: لأن الله سبحانه أتى بهذه الآية ليلفتهم إلى المنهج الذي سيأتيهم على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا المنهج يسمع من الرسول المبلغ لمنهج الله.
مثال ذلك أيضاً في قوله تعالى:

{قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياءٍ أفلا تسمعون "71"}
(سورة القصص)


فالضياء يرى لا يسمع .. لكنه قال: (أفلا تسمعون) لأنه يتكلم عن الليل، ووسيلة الإدراك في الليل هي السمع. ثم يقول الحق تبارك وتعالى:


 

قديم 15-10-2011, 07:20 PM   #502
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 66

(وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين "66")
الكون الذي خلقه الله تعالى فيه أجناس متعددة، أدناها الجماد المتمثل في الأرض والجبال والمياه وغيرها، ثم النبات، ثم الحيوان، ثم الإنسان.
وفي الآية السابقة أعطانا الحق ـ تبارك وتعالى ـ نموذجاً للجماد الذي اهتز بالمطر وأعطانا النبات، وهنا تنقلنا هذه الآية إلى جنس أعلى وهو الحيوان.

{وإن لكم في الأنعام لعبرة .. "66"}
(سورة النحل)


والمقصود بالأنعام: الإبل والبقر والغنم والماعز، وقد ذكرت في سورة الأنعام في قوله تعالى:

{ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين "143" ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين .. "144"}
(سورة الأنعام)


هذه هي الأنعام.
وقوله سبحانه: (لعبرة) العبرة: الشيء الذي تعتبرون به، وتستنجون منه ما يدلكم على قدرة الصانع الحكيم سبحانه وتعالى تأخذون من هذه الأشياء دليلاً على صدق منهجه سبحانه فتصدقونه.
ومن معاني العبرة: العبور والانتقال من شيء لآخر .. أي: أن تأخذ من شيء عبرة تفيد في شيء آخر. ومنها العبرة (الدمعة)، وهي: شيء دفين نبهت عنه وأظهرته. والمراد بالعبرة في خلق الأنعام:

{نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين "66"}
(سورة النحل)


مادة: سقى جاءت في القرآن مرة "سقى". ومرة "أسقى"، وبعضهم قال: إن معناهما واحد، ولكن التحقيق أن لكل منهما معنى، وإن اتفقا في المعنى العام. سقى: كما في قوله تعالى:

{وسقاهم ربهم شراباً طهوراً "21"}
(سورة الإنسان)


أي: أعطاهم ما يشربونه .. ومضارعه يسقي. ومنها قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام:

{فسقى لهما .. "24"}
(سورة القصص)


أما أسقى: كما في قوله تعالى:

{فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين "22"}
(سورة الحجر)


فمعناه أنه سبحانه أنزل الماء من السماء لا يشربه الناس في حال نزوله، ولكن ليكون في الأرض لمن أراد أن يشرب .. فالحق تبارك وتعالى لم يفتح أفواه الناس أثناء نزول المطر ليشربوا منه .. لا .. بل هو مخزون في الأرض لمن أراده. والمضارع من أسقى: يسقي.
إذن: هناك فرق بين الكلمتين، وإن اتفقنا في المعنى العام .. وفرق بين أن تعطي ما يستفاد منه في ساعته، مثل قوله:

{وسقاهم .. "21"}
(سورة الإنسان)


وبين أن تعطي ما يمكن الاستفادة منه فيما بعد كما في قوله:

{فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه .. "22"}
(سورة الحجر)


 

قديم 15-10-2011, 07:20 PM   #503
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 67

(ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون "67")
ثمرات النخيل هي: البلح. والأعناب هو: العنب الذي نسميه الكرم. والتعبير القرآني هنا وإن امتن على عباده بالرزق الحسن، فإنه لا يمتن عليهم بأن يتخذوا من الأعناب سكراً: أي مسكراً، ولكن يعطينا الحق سبحانه هنا عبرة فقد نزلت هذه الآيات قبل تحريم الخمر.
وكأن الآية تحمل مقدمة لتحريم الخمر الذي يستحسنونه الآن ويمتدحونه؛ ولذلك يقول العلماء: إن الذي يقرأ هذه الآية بفطنة المستقبل عن الله يعلم أن لله حكماً في السكر سيأتي.
كيف توصلوا إلى أن الله تعالى حكماً سيأتي في السكر.
قالوا: لأنه قال في وصف الرزق بأنه حسن، في حين لم يصف السكر بأنه حسن، فمعنى ذلك أنه ليس حسناً؛ ذلك لأننا نأكل ثمرات النخيل (البلح) كما هو، وكذلك نأكل العنب مباشرة دون تدخل منا فيما خلق الله لنا.
أما أن نغير من طبيعته حتى يصير خمراً مسكراً، فهذا إفساد في الطبيعة التي اختارها الله لنا لتكون رزقاً حسناً.
وكأنه سبحانه ينبه عباده، أنا لا أمتن عليكم بما حرمت، فأنا لم أحرمه بعد، فاجعلوا هذا السكر ـ كما ترونه ـ متعة لكم، ولكن خذوا منه عبرة أني لم أصفه بالحسن؛ لأنه إن لم يكن حسناً فهو قبيح، فإذا ما جاء التحريم فقد نبهتكم من بداية الأمر.
ثم يقول تعالى:

{إن في ذلك لآية لقومٍ يعقلون "67"}
(سورة النحل)


لأن العقل يقتضي أن نوازن بين الشيئين، وأن نسأل: لماذا لم يوصف السكر بأنه حسن؟ .. أليس معناه أن الله تعالى لا يحب هذا الأمر ولا يرضاه لكم؟
إذن: كأن في الآية نية التحريم، فإذا ما أنزل الله تحريم الخمر كان هذا تمهيداً له.
والآية هي: الأمر العجيب الذي ينبئكم الله الذي خلق لكم هذه الأشياء لسلامة مبانيكم وقوالبكم المادية، قادر ومأمون على أن يشرع لكم ما يضمن سلامة معانيكم وقلوبكم القيمية الروحية


 

قديم 15-10-2011, 07:21 PM   #504
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 68

(وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون "68")
النحل خلق من خلق الله، وكل خلق لله أودع الله فيه وفي غرائزه ما يقيم مصالحه، يشرح ذلك قوله تعالى:

{الذي خلق فسوى "2" والذي قدر فهدى "3"}
(سورة الأعلى)


أي: خلق هذه كذا، وهذه كذا حسب ما يتناسب مع طبيعته؛ ولذلك تجد ما دون الإنسان يسير على منهج لا يختلف .. فالإنسان مثلاً قد يأكل فوق طاقته، وقد يصل إلى حد التخمة، ثم بعد ذلك يشتكي مرضاً ويطلب له الدواء.
أما الحيوان فإذا ما أكل وجبته، وأخذ ما يكفيه فلا يزيد عليه أبداً، وإن أجبرته على الأكل؛ ذلك لأنه محكوم بالغريزة الميكانيكية، وليس له عقل يختار به.
وضربنا مثلاً للغريزة في الحيوان بالحمار الذي يتهمونه دائماً ويأخذونه مثلاً للغباء، إذا سقته ليتخطى قناة ماء مثلاً وجدته ينظر إليها وكأنه يقيس المسافة بدقة .. فإذا ما وجدها في مقدوره قفزها دون تردد، وإذا وجدها فوق طاقته، وأكبر من قدرته تراجع ولم يقدم عليها، وإن ضربته وصحت به .. فلا تستطيع أبداً إجباره على شيء فوق قدرته.
ذلك لأنه محكوم بالغريزة الآلية التي جعلها الله سبحانه فيه، على خلاف الإنسان الذي يفكر في مثل هذه الأمور ليختار منها ما يناسبه، فهذه تكون كذا، وهذه تكون كذا، فنستطيع أن نشبه هذه الغريزة في الحيوان بالعقل الإلكتروني الذي لا يعطيك إلا ما غذيته به من معلومات .. أما العقل البشري الرباني فهو قادر على التفكير والاختيار والمفاضلة بين البدائل.
يقول الحق سبحانه:

{وأوحى ربك إلى النحل .. "68"}
(سورة النحل)


الحق تبارك وتعالى قد يمتن على بعض عبادة ويعلمهم لغة الطير والحيوان، فيستطيعون التفاهم معه ومخاطبته كما في قصة سليمان عليه السلام .. والله سبحانه الذي خلقها وأبدعها يوحي إليها ما يشاء .. فما هو الوحي؟
الوحي: إعلام من معلم أعلى لمعلم أدنى بطريق خفي لا نعلمه نحن، فلو أعلمه بطريق صريح فلا يكون وحياً.
فالوحي إذن يقتضي: موحياً وهو الأعلى، وموحى إليه وهو الأدنى، وموحى به وهو المعنى المراد من الوحي.
والحق ـ تبارك وتعالى ـ له طلاقة القدرة في أن يوحي ما يشاء لما يشاء من خلقه .. وقد أوحى الحق سبحانه وتعالى إلى الجماد في قوله تعالى:

{إذا زلزلت الأرض زلزالها "1" وأخرجت الأرض أثقالها "2" وقال الإنسان ما لها "3" يومئذ تحدث أخبارها "4" بأن ربك أوحى لها "5"}
(سورة الزلزلة)


أعلمها بطريق خفي خاص بقدرة الخالق في مخلوقه. وهنا أوحى الله إلى الملائكة:

{إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا .. "12"}
(سورة الأنفال)


وأوحى إلى الرسل:

{إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان .. "163"}
(سورة النساء)


وأوحى إلى المقربين من عباده:

{وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي .. "111"}
(سورة المائدة)


وقد أوحى إليهم بخواطر نورانية تمر بقلوبهم وأوحى سبحانه إلى أم موسى:

{وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعه .. "7"}
(سورة القصص)


هذا هو وحي الله إلى ما يشاء من خلقه: إلى الملائكة، إلى الأرض، إلى الرسل، إلى عباده المقربين، إلى أم موسى، إلى النحل .. الخ.
وقد يكون الوحي من غيره سبحانه، ويسمى وحياً أيضاً، كما في قوله تعالى:

{وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم .. "121"}
(سورة الأنعام)


وقوله:

{يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا .. "112"}
(سورة الأنعام)


لكن إذا أطلقت كلمة (الوحي) مطلقاً بدون تقييد انصرفت إلى الوحي من الله إلى الرسل؛ لذلك يقول علماء الفقه: الوحي هو إعلام الله نبيه بمنهجه، ويتركون الأنواع الأخرى: وحي الغرائز، وحي التكوين، وحي الفطرة .. الخ.
وقوله:

{أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون "68"}
(سورة النحل)


كثير من الباحثين شغوفون بدراسة النحل ومراحل حياته منذ القدم، ومن هؤلاء باحث تتبع المراحل التاريخية للنحل، فتوصل إلى أن النحل أول ما وجد عاش في الجبال، ثم اتخذ الشجر، وجعل فيها أعشاشه، ثم اتخذ العرائش التي صنعها له البشر، وهي ما نعرفه الآن باسم الخلية الصناعية أو المنحل، ووجه العجب هنا أن هذا الباحث لا يعرف القرآن الكريم، ومع ذلك فقد تطابق ما ذهب إليه مع القرآن تمام التطابق.
وكذلك توصل إلى أن أقدم أنواع العسل ما وجد في كهوف الجبال، وقد توصلوا إلى هذه الحقيقة عن طريق حرق العسل وتحويله إلى كربون، ثم عن طريق قياس إشعاع الكربون يتم التوصل إلى عمره .. وهكذا وجدوا أن عسل الكهوف أقدم أنواع العسل، ثم عسل الشجر، ثم عسل الخلايا والمناحل.
إذن: أوحى الله تعالى إلى النحل بطريق خفي لا نعلمه نحن وعملية الوحي تختلف باختلاف الموحي والموحي إليه، ويمكن أن نمثل هذه العملية بالخادم الفطن الذي ينظر إليه سيده مجرد نظرة فيفهم منها كل شيء: أهو يريد الشراب؟ أم يريد الطعام؟ أم يريد كذا؟


 

قديم 15-10-2011, 07:21 PM   #505
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 69

(ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون "69")
علة كون العسل فيه شفاء للناس أن يأكل النحل من كل الثمرات ذلك لأن تنوع الثمرات يجعل العسل غنياً بالعناصر النافعة، فإذا ما تناوله الإنسان ينصرف كل عنصر منه إلى شيء في الجسم، فيكون فيه الشفاء بإذن الله.
ولكن الآن ماذا حدث؟ نرى بعض الناس يقول: أكلت كثيراً من العسل، ولم أشعر له بفائدة .. نقول: لأننا تدخلنا في هذه العملية، وأفسدنا الطبيعة التي خلقها الله لنا .. فالأصل أن نترك النحل يأكل من كل الثمرات .. ولكن الحاصل أننا نضع له السكر مثلاً بدلاً من الزهر والنوار الطبيعي، ولذلك تغير طعم العسل، ولم تعد له ميزته التي ذكرها القرآن الكريم.
لذلك؛ فالمتتبع لأسعار عسل النحل يجد تفاوتاً واضحاً في سعره بين نوع وآخر، ذلك حسب جودته ومدى مطابقته للطبيعة التي حكاها القرآن الكريم. والحق سبحانه يقول:

{فاسلكي سبل ربك ذللا .. "69"}
(سورة النحل)


أي: تنقلي حرة بين الأزهار هنا وهناك؛ ولذلك لا نستطيع أن نبني للنحل بيوتاً يقيم فيها، لابد له من التنقل من بستان لآخر، فإذا ما جفت الزراعات يتغذى النحل من عسله، ولكن الناس الآن يأخذون العسل كله لا يتركون له شيئاً، ويضعون مكانه السكر ليتغذى منه طوال هذه الفترة.
وقوله تعالى:

{ذللا .. "69"}
(سورة النحل)


أي: مذللة ممهدة طيعة، فتخرج النحل تسعى في هذه السبل، فلا يردها شيء، ولا يمنعها مانع، تطير هنا وهناك من زهرة لأخرى، وهل رأيت شجرة مثلاً ردت نحلة؟! .. لا .. قد ذلل الله لها حياتها ويسرها.
ومن حكمته تعالى ورحمته بنا أن ذلل لنا سبل الحياة .. وذلل لنا ما ننتفع به، ولولا تذليله هذه الأشياء ما انتفعنا بها .. فنرى الجمل الضخم يسوقه الصبي الصغير، ويتحكم فيه ينيخه، ويحمله الأثقال، ويسير به كما أراد، في حين أنه إذا ثار الجمل أو غضب لا يستطيع أحد التحكم فيه .. وما تحكم فيه الصبي الصغير بقوته ولكن بتذليل الله له.
أما الثعبان مثلاً فهو على صغر حجمه يمثل خطراً يفزع منه الجميع ويهابون الاقتراب منه، ذلك لأن الله سبحانه لم يذلله لنا، فأفزعنا على صغر حجمه .. كذلك لو تأمنا البرغوث مثلاً .. كم هو صغير حقير، ومع ذلك يقض مضاجعنا، ويحرمنا لذة النوم في هدوء .. فهل يستطيع أحد أن يذلل له البرغوث؟!
وفي ذلك حكمة بالغة وكأن الحق سبحانه يقول لنا: إذا ذللت لكم شيئاً، ولو كان اكبر المخلوقات كالجمل والفيل تستطيعون الانتفاع به، وإن لم أذلله لكم فلا قدرة لكم على تذليله مهما كان حقيراً صغيراً .. إذن: الأمور ليست بقدرتك، ولكن خذها كما خلقها الله لك.

{يخرج من بطونها .. "69"}
(سورة النحل)


ذلك أن النحلة تمتص الرحيق من هنا ومن هنا، ثم تتم في بطنها عملية طهي ربانية تجعل من هذا الرحيق شهداً مصفى؛ لأنه قد يظن أحدهم أنها تأخذ الرحيق، ثم تتقيؤه كما هو .. فلم يقل القرآن: من أفواهها، بل قال: من بطونها .. هذا المعمل الإلهي الذي يعطينا عسلاً فيه شفاء للناس.

{شراب مختلف ألوانه .. "69"}
(سورة النحل)


مادام النحل يأكل من كل الثمرات، والثمرات لها عطاءات مختلفة باختلاف مادتها، واختلاف ألوانها، واختلاف طعومها وروائحها .. إذن: لابد أن يكون شراباً مختلفاً ألوانه.

{فيه شفاء للناس .. "69"}
(سورة النحل)


لذلك وجدنا كثيراً من الأطباء، جزاهم الله خيراً يهتمون بعسل النحل، ويجرون عليه كثيراً من التجارب لمعرفة قيمته الطبية، لكن يعوق هذه الجهود أنهم لا يجدون العسل الطبيعي كما خلقه الله.
ومع ذلك ومع تدخل الإنسان في غذاء النحل بقيت فيه فائدة، وبقيت فيه صفة الشفاء، وأهمها امتصاص المائية من الجسم، وأي ميكروب تريد أن تقضي عليه قم بامتصاص المائية منه يموت فوراً.
فإذا ما توفر لنا العسل الطبيعي الذي خلقه الله تجلت حكمة خالقه فيه بالشفاء، ولكنه إذا تدخل الإنسان في هذه العملية أفسدها .. فالكون كله الذي لا دخل للإنسان فيه يسير سيراً مستقيماً لا يتخلف، كالشمس والقمر والكواكب .. الخ إلا الإنسان فهو المخلوق الوحيد الذي يخرج عن منهج الله.
فالشيء الذي لك دخل فيه، إما أن تتدخل فيه بمنهج خالقه أو تتركه؛ لأنك إذا تدخلت فيه بمنهج خالقه يعطيك السلامة والخير وإن تدخلت فيه بمنهجك أنت أفسدته. والحق سبحانه وتعالى يقول:

{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون "11"}
(سورة البقرة)


إنهم لا يعرفون .. لا يفرقون بين الفساد والصلاح. وفي القرآن أمثلة للناس الذين يفسدون في الأرض ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، يقول تعالى:

{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا "103" الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا "104"}
(سورة الكهف)


 

قديم 15-10-2011, 07:21 PM   #506
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 70

(والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير"70")
قوله:

{والله خلقكم .. "70"}
(سورة النحل)


هذه حقيقة لا ينكرها أحد، ولم يدعها أحد لنفسه، وقد أمدكم بمقومات حياتكم في الأرض والنبات والحيوان، والأنعام التي تعطينا اللبن صافيا سائغاً للشاربين، ثم النحل الذي فيه شفاء للناس.
فالحق سبحانه أعطانا الحياة، وأعطانا مقومات الحياة، وأعطانا ما يزيل معاطب الحياة .. ومادمتم صدقتم بهذه المحسات فاسمعوا:

{والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر .. "70"}
(سورة النحل)


وساعة أن نسمع (خلقكم)، فنحن نعترف أن الله خلقنا، ولكن كيف خلقنا؟ هذه لا نعرفها نحن؛ لأنها ليست عملية معملية .. فالذين خلق هو الحق سبحانه وحده، وهو الذي يخبرنا كيف خلق .. أما أن يتدخل الإنسان ويقحم نفسه في مسألة لا يعرفها، فنرى من يقول إن الإنسان أصله قرد .. إلى آخر هذا الهراء الذي لا أصل له في الحقيقة.
ولذلك، فالحق سبحانه يقول لنا: إذا أردتم أن تعرفوا كيف خلقتم فاسمعوا ممن خلقكم .. إياكم أن تسمعوا من غيره؛ ذلك لأنني:

{ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم .. "51"}
(سورة الكهف)


هذه عملية لم يطلع الله عليها أحداً:

{وما كنت متخذ المضلين عضدا "51"}
(سورة الكهف)


أي: ما اتخذت مساعداً يعاونني في مسألة الخلق.
وما هو المضل؟ المضل هو الذي يقول لك الكلام على أنه حقيقة، وهو يضلك.
إذن: ربنا سبحانه وتعالى هنا يعطينا فكرة مقدماً: احذروا، فسوف يأتي أناس يضلونكم في موضوع الخلق، وسوف يغيرون الحقيقة، فإياكم أن تصدقوهم؛ لأنهم ما كانوا معي وقت أن خلقتكم فيدعون العلم بهذه المسألة.
ونفس هذه القضية في مسألة خلق السماوات والأرض، فالله سبحانه هو الذي خلقهما، وهو سبحانه الذي يخبرنا كيف خلق.
فحين يقول سبحانه:

{والله خلقكم .. "70"}
(سورة النحل)


فعلينا أن نقول: سمعاً وطاعة، وعلى العين والرأس .. يا رب أنت خلقتنا، وأنت تعلم كيف خلقتنا، ولا نسأل في هذا غيرك، ولا نصدق في هذا غير قولك سبحانك.
ثم يقول تعالى:

{ثم يتوفاكم .. "70"}
(سورة النحل)


أي: منه سبحانه كان المبدأ، وإليه سبحانه يعود المرجع .. ومادام المبدأ من عنده والمرجع إليه، وحياتك بين هذين القوسين؛ فلا تتمرد على الله فيما بين القوسين؛ لأنه لا يليق بك ذلك، فأنت منه وإليه .. فلماذا التمرد؟
ربنا سبحانه وتعالى هنا يعطينا دليلاً على طلاقة قدرته سبحانه في أمر الموت، فالموت ليس له قاعدة، بل قد يموت الجنين في بطن أمه، وقد يموت وهو طفل، وقد يموت شاباً أو شيخاً، وقد يرد إلى أرذل العمر، أي: يعيش عمراً طويلاً .. وماذا في أرذل العمر؟!
يرد الإنسان بعد القوة والشباب، بعد المهابة والمكان، بعد أن كان يأمر وينهي ويسير على الأرض مختالاً، يرد إلى الضعف في كل شيء، حتى في أميز شيء في تكوينه، في فكره، فبعد العلم والحفظ وقوة الذاكرة يعود كالطفل الصغير، لا يذكر شيئاً ولا يقد على شيء.
ذلك لتعلم أن المسألة ليست ذاتية فيك، بل موهوبة لك من خالقك سبحانه، ولتعلم أنه سبحانه حينما يقضي علينا بالموت فهذا رحمة بنا وستر لنا من الضعف والشيخوخة، قبل أن نحتاج لمن يساعدنا ويعيننا على أبسط أمور الحياة ويأمر فينا من كنا نأمره.
ومن هنا كان التوفي نعمة من نعم الله علينا، ولكي تتأكد من هذه الحقيقة انظر إلى من أمد الله في أعمارهم حتى بلغوا ما سماه القرآن "أرذل العمر" وما يعانونه من ضعف وما يعانيه ذووهم في خدمتهم حتى يتمنى له الوفاة أقرب الناس إليه.


 

قديم 15-10-2011, 07:22 PM   #507
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 71

(والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون"71")
لو نظرنا إلى الكون من حولنا لوجدنا أننا لا نتساوى إلا في شيء واحد فقط، هو أننا عبيد لله .. نحن سواسية في هذه فقط، وما دون ذلك فنحن مختلفون فيه، تختلف ألواننا، تختلف أجسامنا .. صورنا .. مواهبنا .. أرزاقنا.
والعجيب أن هذا الاختلاف هو عين الاتفاق؛ ذلك لأن الاختلاف قد ينشأ عنه الاتفاق؛ ذلك لأن الاختلاف قد ينشأ عنه الاتفاق، والاتفاق قد ينشأ عنه الاختلاف.
مثلاً: إذا دخلت أنت وصديقك أحد المطاعم وطلبتما دجاجة .. أنت بطبيعتك تحب صدر الدجاجة وصديقك يحب جزاءً آخر منها .. هذا خلاف .. فساعة أن يأتي الطعام تجد هذا الخلاف هو عين الوفاق حيث تأخذ أنت ما تحب، وهو كذلك .. هذا خلاف أدى إلى وفاق .. فلو فرضنا أن كلانا يحب الصدر مثلاً .. هذا وفاق قد يؤدي إلى خلاف إذا ما حضر الطعام وجلسنا: أينا يأخذ الصدر؟!
فالحق سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين في أشياء، وأراد أن يكون هذا الاختلاف تكاملاً فيما بيننا .. فكيف يكون التكامل إذن؟
هل نتصور مثلاً أن يوجد إنسان مجمعاً للمواهب، بحيث إذا أراد بنا بيت مثلاً كان هو المهندس الذي يرسم، والبناء الذي يبني، والعامل الذي يحمل، والنجار والحداد والسباك .. الخ. هل نتصور أن يكون إنسان هكذا؟ .. لا ..
ولكن الخالق سبحانه نثر هذه المواهب بين الناس نثراً لكي يظل كل منهم محتاجاً إلى غيره فيما ليس عنده من مواهب، وبهذا يتم التكامل في الكون.
إذن: الخلاف بيننا هو عين الوفاق، وهو آية من آياته سبحانه وحكمة أرادها الخالق جل وعلا، فقال:

{ولا يزالون مختلفين "118"}
(سورة هود)


فقد خلقنا هكذا.
وإلا فلو اتحدنا واتفقنا في المواهب، فهل يعقل أن نكون جميعاً فلاسفة، أطباء، علماء، فمن يبني؟ ومن يزرع؟ ومن يصنع؟ .. الخ
إذن: من رحمة الله أن جعلنا مختلفين متكاملين. فالحق سبحانه يقول:

{في الرزق .. "71"}
(سورة النحل)


ينظر الناس إلى الرزق من ناحية واحدة، فهو عندهم المال، فهذا غني وهذا فقير .. والحقيقة أن الرزق ليس المال فقط، بل كل شيء تنتفع به فهو رزقك .. فهذا رزقه عقله، وهذا رزقه قوته العضلية .. هذا يفكر وهذا يعمل.
إذن: يجب ألا ننظر إلى الرزق على أنه لون واحد، بل ننظر إلى كل ما خلق الله لخلقه من مواهب مختلفة: صحة، قدرة، ذكاء، حلم، شجاعة .. كل هذا من الرزق الذي يحدث فيه التفاضل بين الناس.
والحق سبحانه وتعالى حينما تعرض لقضية الرزق جعل التفاضل هنا مبهماً، ولم تحدد الآية من الفاضل ومن المفضول، فكلمة ـ بعض ـ مبهمة لنفهم منها أن كل بعض من الأبعاض فاضل في ناحية، ومفضول في ناحية أخرى .. فالقوي فاضل على الضعيف بقوته، وهو أيضاً مفضول، فربما كان الضعيف فاضلاً بما لديه من علم أو حكمة .. وهكذا.
إذن: فكل واحد من خلق الله رزقه الله موهبة، هذه الموهبة لا تتكرر في الناس حتى يتكامل الخلق ولا يتكررون .. وإذا وجدت موهبة في واحد وكانت مفقودة في الآخر فالمصلحة تقتضي أن يرتبط الطرفان، لا ارتباط تفضل، وإنما ارتباط حاجة .. كيف؟
القوي يعمل للضعيف الذي لا قوة له يعمل بها، فهو إذن فاضل في قوته، والضعيف فاضل بما يعطيه للقوي من مال وأجر يحتاجه القوي ليقوت نفسه وعياله، فلم يشأ الحق سبحانه أن يجعل الأمر تفضلاً من أحدهما على الآخر، وإنما جعله تبادلاً مرتبطاً بالحاجة التي يستبقى بها الإنسان حياته.
وهكذا يأتي هذا الأمر ضرورة، وليس تفضيلاً من أحد؛ لأن التفضل غير ملزم به ـ فليس كل واحد قادراً على أن يعطي دون مقابل، أو يعمل دون أجر .. إنما الحاجة هي التي تحكم هذه القضية.
إذن: ما الذي ربط المجتمع؟ هي الحاجة لا التفضل، ومادام العالم سيرتبط بالحاجة، فكل إنسان يرى نفسه فاضلاً في ناحية لا يغتر بفاضليته، بل ينظر إلى فاضلية الآخرين عليه؛ وبذلك تندك سمة الكبرياء في الناس، فكل منهما يكمل الآخر.
وقد ضربنا لذلك مثلاً بالباشا الغني صاحب العظمة والجاه .. والذي قد تلجئه الظروف وتحوجه لعامل بسيط يصلح له عطلاً في مرافق بيته، وربما لم يجده أو وجده مشغولاً، فيظل هذا الباشا العظيم نكداً مؤرقاً حتى يسعفه هذا العامل البسيط، ويقضي له ما يحتاج إليه. هكذا احتاج صاحب الغنى والجاه إلى إنسان ليس له من مواهب الحياة إلا أن يقضي مثل هذه المهام البسيطة في المنزل .. وهو في نفس الوقت فاضل على الباشا في هذا الشيء.
فالجميع ـ إذن ـ في الكون سواسية، ليس فينا من بينه وبين الله سبحانه نسب أو قرابة فيجامله .. كلنا عبيد لله، وقد نثر الله المواهب في الناس جميعاً ليتكاملوا فيما بينهم، وليظل كل منهم محتاجاً إلى الآخر، وبهذا يتم الترابط في المجتمع.
وقد عرضت هذه القضية في آية أخرى في قوله تعالى:

{أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخرياً .. "32"}
(سورة الزخرف)


 

قديم 15-10-2011, 07:22 PM   #508
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 72

(والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون "72")
الحق سبحانه في الآية السابقة قنن لنا قضية القمة ـ قضية العقيدة ـ في أننا لا نعطي شيئاً جعله الله لنفسه سبحانه من العبودية والألوهية والطاعة وغيرها، لا نعطيها لغيره سبحانه .. وإذا صحت هذه القضية العقدية صحت كل قضايا الكون.
ثم بين سبحانه أنه خلقنا من واحد، ثم خلق من الواحد زوجة له، ليتم التناسل والتكاثر .. إذ إن استمرار بقائكم خاضع لأمرين:
الأمر الأول: استبقاء الحياة، وقد ضمنه سبحانه بما أنعم به علينا من الأرزاق، فنأكل ونشرب فنستبقي الحياة، فبعد أن تحدث عن استبقاء الحياة بالرزق في الآية السابقة ذكر:
الأمر الثاني: وهو استبقاء الحياة ببقاء النوع، فقال سبحانه:

{والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً .. "72"}
(سورة النحل)


والأزواج: جمع زوج، والزوج لا يعني الرجل فقط، بل يعني الرجل والمرأة؛ لأن كلمة (زوج) تطلق على واحد له نظير من مثله، فكل واحد منهما زوج .. الرجل زوج، والمرأة زوج، فتطلق إذن ـ على مفرد، لكن له نظير من مثل. و

{من أنفسكم .. "72"}
(سورة النحل)


أي: من نفس واحدة، كما قال في آية أخرى:

{خلقكم من نفسٍ واحدةٍ ثم جعل منها زوجها .. "6"}
(سورة الزمر)


يعني: أخذ قطعة من الزوج، وخلق منها الزوجة، كما خلق سبحانه حواء من آدم ـ عليهما السلام. أو:

{وخلق منها .. "1"}
(سورة النساء)


أي: من جنسها، كما قال تعالى:

{لقد جاءكم رسول من أنفسكم .. "128"}
(سورة التوبة)


أي: من جنسكم.
فالمسألة تحتمل المعنيين .. من اتسع ظنه إلى أن الله خلق حواء من ضلع آدم أي: منه، من بعضه فلا مانع، ومن قال: خلق الله حواء كما خلق آدم خلقاً مستقلاً، ثم زاوج بينهما بالزواج فلا مانع .. فالأول على معنى البعضية، والثاني على معنى من جنسكم.
قلنا: إن الجمع إذا قابل الجمع اقتضت القسمة آحاداً .. كما لو قال المعلم لتلاميذه: أخرجوا كتبكم، فهو يخاطب التلاميذ وهم جمع. وكتبهم جمع، فهل سيخرج كل تلميذ كتب الآخرين؟! .. لا .. بل كل منهم سيخرج كتابه هو فقط .. إذن: القسمة هنا تقتضي آحاداً .. وكذلك المعنى في قوله تعالى:

{خلق لكم من أنفسكم أزواجاً .. "21"}
(سورة الروم)


أي: خلق لكل منكم زوجاً.
ولكي نتأكد من هذه الحقيقة، وأن الخلق بدأ بآدم عليه السلام ـ نرد الأشياء إلى الماضي، وسوف نجد أن كل متكاثر في المستقبل يتناقص في الماضي .. فمثلاً سكان العالم اليوم أكثر من العام الماضي .. وهكذا تتناقص الأعداد كلما أوغلنا في الماضي، إلى أن نصل إلى إنسان واحد هو آدم عليه السلام ـ ومعه زوجه حواء، لأن أقل التكاثر من اثنين.
إذن: قوله سبحانه:

{خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها .. "1"}
(سورة النساء)


كلام صحيح يؤيده الاستقراء والإحصاء.
لذلك يمتن ربنا سبحانه علينا أن خلق لنا أزواجاً، ويمتن علينا أن جعل هذا الزوج من أنفسنا، وليس من جنس آخر، لأن إلف الإنسان وأنسه لا يتم إلا بجنسه، وهذه من أعظم نعم الله علينا، ولك أن تتصور الحال إذا جعل الله لنا أزواجاً من غير جنسنا!! كيف يكون؟!
هذا الزوج اشترك معنا في أشياء، واختلف عنا في شيء واحد، اتفقنا في أشياء: فالشكل واحد، والقالب واحد، والعقل واحد، والأجزاء واحدة: عينان وأذنان .. يدان ورجلان .. الخ، وهذا الاشتراك يعين على الارتقاء والمودة والأنس والألفة.
واختلفنا في شيء واحد هو النوع: فهذا ذكر، وهذه أنثى. إذن: جمعنا جنس، وفرقنا النوع ليتم بذلك التكامل الذي أراده سبحانه لعمارة الأرض.
وهناك احتمال أن يتحول الذكر إلى أنثى أو الأنثى إلى ذكر، لذلك خلق الله الاحتياط لهذه الظاهرة، كأن يكون للرجل ثدي صغير، أو غيره من الأعضاء القابلة للتحويل، إذا ما دعت الحاجة لتغيير النوع .. فهذا تركيب حكيم وقدرة عالية. إذن:

{من أنفسكم .. "72"}
(سورة النحل)


 

قديم 15-10-2011, 07:22 PM   #509
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 73

(ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون"73")
والعبادة أن يطيع العابد معبوده، وهذه الطاعة تقتضي تنفيذ الأمر واجتناب النهي .. فهل العبادة تنفيذ الأمر واجتناب النهي فقط؟ نقول: لا بل كل حركة في الحياة تعين على عبادة فهي عبادة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولتوضيح هذه القضية نضرب هذا المثل:
إذا أردت أن تؤدي فرض الله في الصلاة مثلاً، فأنت تحتاج إلى قوة لتؤدي هذه الفريضة، ولن تجد هذه القوة إلا بالطعام والشراب، ولنأخذ أبسط ما يمكن تصوره من الطعام .. رغيف العيش .. فانظر كم يدي شاركت فيه منذ كان حبة قمح تلقى في الأرض إلى أن أصبح رغيفاً شهياً.
إن هؤلاء جمعياً الذين أداروا دولاب هذه العملية يؤدون حركة إيجابية في الحياة هي في حد ذاتها عبادة لأنها أعانتك على عبادة.
أيضاً إذا أردت أن تصلي، فواجب عليك أن تستر عورتك .. انظر إلى هذا القماش الذي لا تتم الصلاة إلا به .. كل من أسهم في زراعته وصناعته حتى وصل إليك .. جميعهم يؤدون عبادة بحركتهم في صناعة هذا القماش.
إذن: كل شيء يعينك على عبادة الله فهو عبادة، وكل حركة في الكون تؤدي إلى شيء من هذا فهي عبادة. والحق سبحانه وتعالى حينما استدعى المؤمنين لصلاة الجمعة، قال سبحانه:

{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع "9"}
(سورة الجمعة)


لم يأخذهم من فراغ، بل من عمل، ولكن لماذا قال سبحانه: (وذروا البيع) .. لماذا البيع بالذات؟
قالوا: لأن البيع هو غاية كل حركات الحياة، فهو واسطة بين منتج ومستهلك .. ولم يقل القرآن: اتركوا المصانع أو الحقول، لأن هناك أشياء لا تأتي ثمرتها في ساعتها .. فمن يزرع ينتظر شهوراً ليحصد ما زرع، والصانع ينتظر إلى أن يبيع صناعته .. لكن البيع صفقة حاضرة، فهي محل الاهتمام .. وكذلك لم يقل: ذروا الشراء، قالوا: لأن البائع يحب أن يبيع، ولكن المشتري قد يشتري وهو كاره .. فأتى القرآن بأدق شيء يمكن أن يربطك بالزمن، وهو البيع.
فإذا ما انقضت الصلاة أمرنا بالعودة إلى العمل والسعي في مناكب الأرض:

{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله .. "10"}
(سورة الجمعة)


فقوله تعالى:

{ويعبدون من دون الله .. "73"}
(سورة النحل)


أراد الحق سبحانه أن يتكلم عن الجهة التي يؤثرونها على الله .. وهي الأصنام .. فالله سبحانه الذي خلقهم ورزقهم من الطيبات، وجعل لهم من أنفسهم أزواجاً، وجعل لهم بنين وحفدة .. كان يجب أن يعبدوه لنعمته وفضله .. فالذي لا يعبد الله لذاته سبحانه يعبده لنعمه وحاجته إليه .. فعندنا عبادة للذات لأنه سبحانه يستحق العبادة لذاته، وعبادة لصفات الذات في معطياتها، فمن لم يعبده لذاته عبده لنعمته.
وطالما أن العبادة تقتضي تنفيذ الأوامر واجتناب النواهي .. فكيف تكون العبادة إذن في حق هذه الأصنام التي اتخذوها؟! كيف تعبدونها وهي لم تأمركم بشيء ولم تنهكم عن شيء؟!. وهذا أول نقد لعبادة غير الله من شمس أو قمر أو صنم أو شجر.
وكذلك .. ماذا تعطي الأصنام ـ أو غيرها من معبوداتكم ـ لمن عبدها، وماذا أعدت لهم من ثواب؟! وبماذا تعاقب من كفر بها؟ .. إذن: فهو إله بلا منهج.
والتدين غريزة في النفس يلجأ إليها الإنسان في وقت ضعفه وحاجته .. والله سبحانه هو الذي يحب أن نلجأ إليه وندعو ونطلب منه قضاء الحاجات .. وله منهج يقتضي مطلوبات تدك السيادة والطغيان في النفوس ويقتضي تكليفات شاقة على النفس.
إذن: لجأ الكفار إلى عبادة الأصنام والأوثان لأنها آلهة بلا تكليف، ومعبودات بلا مطلوبات. ما أسهل أن يتمحك إنسان في إله ويقول: أنا أعبده دون أن يأمر بشيء أو ينهي عن شيء! ما أسهل أن يرضى في نفسه غريزة التدين بعبادة مثل هذا الإله.
لكن يجب ألا تنسوا أن هذا الإله الذي ليس له تكليف لن تستطيعوا أن تطلبوا منه شيئاً، أو تلجأوا إليه في شدة .. فهذا غير معقول فكما أنهم لا يطلبوا منكم شيئاً، كذلك لا يملكون لكم نفعاً ولا ضراً.
لذلك وجدنا الذين يدعون النبوة .. هؤلاء الكذابون ييسرون على الناس سبل العبادة، ويبيحون لهم ما حرمه الدين مثل اختلاط الرجال والنساء وغيره؛ ذلك لاستقطاب اكبر عدد ممكن من الأتباع.
فجاء مسيلمة الكذاب وأراد أن يسهل على الناس التكليف فقال بإسقاط الصلاة، وجاء الآخر فقال بإسقاط الزكاة .. وقد جذب هذا التسهيل كثيراً من المغفلين الذين يضيقون بالتكليف، ويميلون لدين سهل يناسب هممهم الدنية.
وهكذا وجدنا لهؤلاء الكذابين أنصاراً يؤيدونهم ويناصرونهم .. ولكن سرعان ما تتكشف الحقائق، ويقف هؤلاء المخدوعون على حقيقة أنبيائهم. وقوله تعالى:

{ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً .. "73"}
(سورة النحل)


 

قديم 15-10-2011, 07:23 PM   #510
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 74

(فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون"74")
الأمثال: جمع مثل، وهو الند والنظير. وفي الآية نهي عن أن نشبه الله سبحانه بشيء آخر؛ لأن الحق تبارك وتعالى واحد في ذاته، واحد في صفاته، واحد في أفعاله .. إياك أن تقول عن ذات: إنها تشبه ذاته سبحانه، أو صفات تشبه صفاته سبحانه، فإن وجدت صفة لله تعالى يوجد مثلها في البشر فاعلم أنها على مقياس.

{ليس كمثله شيء "11"}
(سورة الشورى)


فالحق سبحانه ينهانا أن نضرب له الأمثال، إنما هو سبحانه يضرب الأمثال؛ لأنه حكيم يضرب المثل في محله ليوضح القضية الغامضة بالقضية المشاهدة؛ ولذلك يقول تعالى:

{ولله المثل الأعلى .. "60"}
(سورة النحل)


أي: الصفة العليا في كل شيء، فإذا وجدت صفات مشتركة بينكم وبين الحق سبحانه فنزه الله عن الشبيه والنظير والند والمثيل وقل: (ليس كمثله شيء). فأنت موجود والله موجود، ولكن وجودك مسبوق بعدم ويلحقه العدم، ووجوده سبحانه لا يسبقه عدم ولا يلحقه العدم.
وقد ضرب الله لنا مثلاً لنفسه سبحانه ليوضح لنا تنويره سبحانه للكون، وليس مثلاً لنوره كما نظن .. بل هو مثل تنويره لا لنوره. يقول تعالى في سورة النور:

{الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم "35"}
(سورة النور)


نور السماوات والأرض؛ لأنه بالنور تكون الهداية حسية أو معنوية .. فالنور الحسي مثل نور الشمس والقمر وغيرهما من مصادر الضوء .. هذا النور الحسي هو الذي يبين لنا الأشياء لتسير في الكون على بصيرة وهدى .. فلو حاولت السير ليلاً دون ضوء يهديك فسوف تصطدم بالأشياء من حولك: إما أقوى منك يحطمك ويؤذيك، وإما تكون أنت أقوى منه فتحطمه أنت .. فالذي يهدي خطاك هو النور الحسي.
وقد يكون النور معنوياً، وهو نور القيم والأخلاق، وهذا النور يجعلك أيضاً تسير في الحياة على بصيرة وهدى، ويحميك من التخبط في مجاهل الأفكار والنظريات، هذا هو النور القيمي الذي أنزله الله لنا في كتابه الكريم، وقال عنه:

{قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين "15" يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم "16"}
(سورة المائدة)


فهو نور لكن معنوي .. بالقيم والأخلاق والفضائل .. ولا تقل في هذا المثل: إنه مثل لنور الله .. بل مثل لسلطان تنويره للكون، ولو تأملنا بقية الآية لأدركنا ذلك.

{مثل نوره كمشكاةٍ .. "35"}
(سورة النور)


البعض يقولون: المشكاة هي المصباح .. لا .. المشكاة هي الكوة أو الطاقة المسدودة في الجدار يعرفها أهل الريف في بناياتهم القديمة، وهي تجويف غير نافذ في الجدار يوضع فيه المصباح.

{المصباح في زجاجةٍ .. "35"}
(سورة النور)


أي: ليس مصباحاً عادياً بل في زجاجة، وهي تحمي ضوء المصباحان يبعثره الهواء من كل ناحية، وفي نفس الوقت تسمح له بالقدر الكافي من الهواء لاستمرار الاشتعال، وبذلك يكون الضوء ثابتاً صافياً لا يصدر عنه دخان يعكر صفو الزجاجة.
وأهل الريف يعرفون شعلة الجاز التي ليس لها زجاجة، وما يصدر عنها من دخان أسود ضار .. إذن: المصباح هنا في غاية الصفاء والقوة؛ لأن الزجاجة أيضاً ليست زجاجة عادية، بل زجاجة كأنها كوكب دري، وكونها كالكوكب الدري يعني أنها تضيء بنفسها.

{الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركةٍ .. "35"}
(سورة النور)


هذا المصباح يوقد بزيت ليس عادياً، بل هو زيت من زيتونه .. شجرة زيتون معتدلة المناخ.

{لا شرقية ولا غربية .. "35"}
(سورة النور)


هذا الزيت وصل من الصفاء والنقاء أنه يضيء، ولو لم تمسسه نار؛ ولذلك أعطانا منتهى القوة:

{يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار .. "35"}
(سورة النور)


ولذلك قال تعالى في وصف هذا المصباح:

{نور على نور .. "35"}
(سورة النور)


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:29 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا