15-10-2011, 07:22 PM
|
#507
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة النحل - الآية: 71
| (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون"71") | لو نظرنا إلى الكون من حولنا لوجدنا أننا لا نتساوى إلا في شيء واحد فقط، هو أننا عبيد لله .. نحن سواسية في هذه فقط، وما دون ذلك فنحن مختلفون فيه، تختلف ألواننا، تختلف أجسامنا .. صورنا .. مواهبنا .. أرزاقنا.
والعجيب أن هذا الاختلاف هو عين الاتفاق؛ ذلك لأن الاختلاف قد ينشأ عنه الاتفاق؛ ذلك لأن الاختلاف قد ينشأ عنه الاتفاق، والاتفاق قد ينشأ عنه الاختلاف.
مثلاً: إذا دخلت أنت وصديقك أحد المطاعم وطلبتما دجاجة .. أنت بطبيعتك تحب صدر الدجاجة وصديقك يحب جزاءً آخر منها .. هذا خلاف .. فساعة أن يأتي الطعام تجد هذا الخلاف هو عين الوفاق حيث تأخذ أنت ما تحب، وهو كذلك .. هذا خلاف أدى إلى وفاق .. فلو فرضنا أن كلانا يحب الصدر مثلاً .. هذا وفاق قد يؤدي إلى خلاف إذا ما حضر الطعام وجلسنا: أينا يأخذ الصدر؟!
فالحق سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين في أشياء، وأراد أن يكون هذا الاختلاف تكاملاً فيما بيننا .. فكيف يكون التكامل إذن؟
هل نتصور مثلاً أن يوجد إنسان مجمعاً للمواهب، بحيث إذا أراد بنا بيت مثلاً كان هو المهندس الذي يرسم، والبناء الذي يبني، والعامل الذي يحمل، والنجار والحداد والسباك .. الخ. هل نتصور أن يكون إنسان هكذا؟ .. لا ..
ولكن الخالق سبحانه نثر هذه المواهب بين الناس نثراً لكي يظل كل منهم محتاجاً إلى غيره فيما ليس عنده من مواهب، وبهذا يتم التكامل في الكون.
إذن: الخلاف بيننا هو عين الوفاق، وهو آية من آياته سبحانه وحكمة أرادها الخالق جل وعلا، فقال:
{ولا يزالون مختلفين "118"}
(سورة هود)
فقد خلقنا هكذا.
وإلا فلو اتحدنا واتفقنا في المواهب، فهل يعقل أن نكون جميعاً فلاسفة، أطباء، علماء، فمن يبني؟ ومن يزرع؟ ومن يصنع؟ .. الخ
إذن: من رحمة الله أن جعلنا مختلفين متكاملين. فالحق سبحانه يقول:
{في الرزق .. "71"}
(سورة النحل)
ينظر الناس إلى الرزق من ناحية واحدة، فهو عندهم المال، فهذا غني وهذا فقير .. والحقيقة أن الرزق ليس المال فقط، بل كل شيء تنتفع به فهو رزقك .. فهذا رزقه عقله، وهذا رزقه قوته العضلية .. هذا يفكر وهذا يعمل.
إذن: يجب ألا ننظر إلى الرزق على أنه لون واحد، بل ننظر إلى كل ما خلق الله لخلقه من مواهب مختلفة: صحة، قدرة، ذكاء، حلم، شجاعة .. كل هذا من الرزق الذي يحدث فيه التفاضل بين الناس.
والحق سبحانه وتعالى حينما تعرض لقضية الرزق جعل التفاضل هنا مبهماً، ولم تحدد الآية من الفاضل ومن المفضول، فكلمة ـ بعض ـ مبهمة لنفهم منها أن كل بعض من الأبعاض فاضل في ناحية، ومفضول في ناحية أخرى .. فالقوي فاضل على الضعيف بقوته، وهو أيضاً مفضول، فربما كان الضعيف فاضلاً بما لديه من علم أو حكمة .. وهكذا.
إذن: فكل واحد من خلق الله رزقه الله موهبة، هذه الموهبة لا تتكرر في الناس حتى يتكامل الخلق ولا يتكررون .. وإذا وجدت موهبة في واحد وكانت مفقودة في الآخر فالمصلحة تقتضي أن يرتبط الطرفان، لا ارتباط تفضل، وإنما ارتباط حاجة .. كيف؟
القوي يعمل للضعيف الذي لا قوة له يعمل بها، فهو إذن فاضل في قوته، والضعيف فاضل بما يعطيه للقوي من مال وأجر يحتاجه القوي ليقوت نفسه وعياله، فلم يشأ الحق سبحانه أن يجعل الأمر تفضلاً من أحدهما على الآخر، وإنما جعله تبادلاً مرتبطاً بالحاجة التي يستبقى بها الإنسان حياته.
وهكذا يأتي هذا الأمر ضرورة، وليس تفضيلاً من أحد؛ لأن التفضل غير ملزم به ـ فليس كل واحد قادراً على أن يعطي دون مقابل، أو يعمل دون أجر .. إنما الحاجة هي التي تحكم هذه القضية.
إذن: ما الذي ربط المجتمع؟ هي الحاجة لا التفضل، ومادام العالم سيرتبط بالحاجة، فكل إنسان يرى نفسه فاضلاً في ناحية لا يغتر بفاضليته، بل ينظر إلى فاضلية الآخرين عليه؛ وبذلك تندك سمة الكبرياء في الناس، فكل منهما يكمل الآخر.
وقد ضربنا لذلك مثلاً بالباشا الغني صاحب العظمة والجاه .. والذي قد تلجئه الظروف وتحوجه لعامل بسيط يصلح له عطلاً في مرافق بيته، وربما لم يجده أو وجده مشغولاً، فيظل هذا الباشا العظيم نكداً مؤرقاً حتى يسعفه هذا العامل البسيط، ويقضي له ما يحتاج إليه. هكذا احتاج صاحب الغنى والجاه إلى إنسان ليس له من مواهب الحياة إلا أن يقضي مثل هذه المهام البسيطة في المنزل .. وهو في نفس الوقت فاضل على الباشا في هذا الشيء.
فالجميع ـ إذن ـ في الكون سواسية، ليس فينا من بينه وبين الله سبحانه نسب أو قرابة فيجامله .. كلنا عبيد لله، وقد نثر الله المواهب في الناس جميعاً ليتكاملوا فيما بينهم، وليظل كل منهم محتاجاً إلى الآخر، وبهذا يتم الترابط في المجتمع.
وقد عرضت هذه القضية في آية أخرى في قوله تعالى:
{أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخرياً .. "32"}
(سورة الزخرف) |
|
|
|