المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 15-10-2011, 07:23 PM   #511
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 75

(ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون "75")
الحق سبحانه وتعالى يضرب لنا مثلاً له طرفان:
الطرف الأول: عبد: أي مولى، وصفه بأنه مملوك التصرف، وأنه لا يقدر على شيء من العمل؛ ذلك لأن العبد قد يكون عبداً ولكنه يعمل، كمن تسمح له بالعمل في التجارة مثلاً وهو عبد، وهناك العبد المكاتب الذي يتفق مع سيده على مال يؤديه إليه لينال حريته، فيتركه سيده يعمل بحريته حتى يجمع المال المتفق عليه .. فهذا عبد، ومملوك، ولا يقدر على شيء من السعي والعمل.
والطرف الثاني: سيد حر، رزقه الله وأعطاه رزقاً حسناً أي: حلالاً طيباً .. ثم وفقه الله للإنفاق منه بشتى أنواع الإنفاق: سراً وجهراً .. وهذه منزلة عالية: رزق من الله وصفه بأنه حلال طيب لا شبهة فيه، بعد ذلك وفقه الله للإنفاق منه .. كل حسب ما يناسبه، فمن الإنفاق ما يناسبه السر، ومنه ما يناسبه الجهر:

{إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم .. "271"}
(سورة البقرة)


هذان هما طرفا المثل المضروب لنا .. ويترك لنا السياق القرآني الحكم بينهما .. وكأن الحق سبحانه يقول: أنا أرتضي حكمكم أنتم: هل يستوون؟
والحق سبحانه لا يترك لنا الجواب، إلا إذا كان الجواب سيأتي على وفق ما يريد .. ولا جواب يعقل لهذا السؤال إلا أن نقول: لا يستوون .. وكأن الحق سبحانه جعلنا ننطق نحن بهذا الحكم.
وقد ضرب الله هذا المثل لعبدة الأصنام، الذين أكلوا رزق الله وعبدوا غيره، فمثل الحق سبحانه الأصنام بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء. وضرب المثل الآخر للسيد الذي رزقه الله رزقاً حسناً، فهو ينفق منه سراً وجهراً، ألم تر إلى قوله تعالى في آية أخرى:

{وأسبع عليكم نعمه ظاهرةً وباطنةً "20"}
(سورة لقمان)


ليبين لهم خطأهم في الانصراف عن عبادة الله مع ما أعطاهم من رزق إلى عبادة الأصنام التي لا تعطيهم شيئاً.
ومن هنا تتضح الحكمة في أن الله تعالى ترك الحكم بنفسه في هذا المثل، وأتى به على صورة سؤال ليأخذ الحكم من أفواههم ويشهدوا هم على أنفسهم؛ ليقطع عليهم سبيل الإنكار والجدال. ولنا هنا وقفة مع قوله تعالى:

{هل يستوون .. "75"}
(سورة النحل)


فالحديث عن مثنى، وكان القياس أن يقول: هل يستويان فلماذا عدل عن المثنى إلى الجمع؟
نقول: لأن المثل وإن ضرب بمفرد مقابل مفرد إلا أنه ينطبق على عديدين .. مفرد شائع في عديد مملوكين، وفي عديد من السادة أصحاب الرزق الحسن، ذلك ليعمم ضرب المثل.
إذن: ليس في اختلاف الضمير هنا ما يتعارض وبلاغة القرآن الكريم، بل هي دقة أداء؛ لأن المتكلم هو الحق سبحانه وتعالى. وكذلك في قوله تعالى:

{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما .. "9"}
(سورة الحجرات)


بعضهم يرى في الآية مأخذاً، حيث تتحدث عن المثنى، ثم بضير الجمع في (اقتتلوا)، ثم تعود للمثنى في (بينهما).
نقول لهؤلاء: لو تدبرتم المعنى لعرفتم أن ما تتخذونه مأخذاً، وتعتبرونه اختلافاً في الأسلوب هو منتهى الدقة في التعبير القرآني .. ذلك أن الحديث عن طائفتين: مثنى .. نعم .. فلو تقاتلا، هل ستمسك كل طائفة سيفاً لتقاتل الأخرى؟
لا .. بل سيمسك كل جندي منها سيفاً .. فالقتال هناك بالمجموع .. مجموع كل طائفة لمجموع الطائفة الأخرى، فناسب أن يقول: اقتتلوا؛ لأن القتال حركة ذاتية من كل فرد في الطائفتين. فإذا ما جاء وقت الصلح، هل نصالح كل جندي من هذه على كل جندي من هذه؟ لا .. بل الصلح شأن السادة والزعماء والقادة لكل طائفة، ففي الصلح نعود للمثنى، حيث ينوب هؤلاء عن طائفة، وهؤلاء عن طائفة، ويتم الصلح بينهما.
إذن: اختلاف الضمير هنا آية من آيات الإعجاز البياني؛ لأن المتكلم هو الحق سبحانه وتعالى وقوله:

{الحمد لله .. "75"}
(سورة النحل)


كأن الحق سبحانه يقول: الحمد لله أن وافق حكمكم ما أريد، فقد نطقتم أنتم وحكمتم.

{بل أكثرهم لا يعلمون "75"}
(سورة النحل)


قوله: أكثرهم لا يعلمون يدل على أن الأقلية تعلم، وهذا ما يسمونه "صيانة الاحتمال"؛ لأنه لما نزل القرآن الكريم كان هناك جماعة من الكفار ومن أهل الكتاب يفكرون في الإيمان واعتناق هذا الدين، فلو نفى القرآن العلم عن الجميع فسوف يصدم هؤلاء، وربما صرفهم عما يفكرون فيه من أمر الإيمان، فالقرآن يصون الاحتمال في أن أناساً منهم عندهم علم، ويرغبون في الإيمان


 

قديم 15-10-2011, 07:23 PM   #512
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 76

(وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أين ما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم "76")
وهذا مثل آخر لرجلين أحدهما أبكم، والأبكم هو الذي لا يتكلم .. ولابد أن يسبق البكم صمم؛ لأن الكلام وليد السمع، فإذا أخذنا طفلاً عربياً وربيناه في بيئة إنجليزية نجده يتكلم الإنجليزية، والعكس صحيح؛ ذلك لأن الكلام ليس جنساً أو دماً أو لحماً، بل هو وليد البيئة، وما تسمعه الأذن ينطق به اللسان .. فإذا لم يسمع شيئاً فكيف يتكلم؟
لذلك، فربنا سبحانه تعالى يقول عن الكفار:

{صم بكم .. "18"}
(سورة البقرة)


هذا الأبكم لا يقدر على شيء من العمل والنفع لك، يقول تعالى:

{وهو كل على مولاه .. "76"}
(سورة النحل)


أي: عالة على سيده، لا ينفع حتى نفسه، ومع ذلك قد يكون عنده حكمة يقضي بها شيئاً لسيده، حتى هذه ليست عنده.

{أينما يوجهه لا يأت بخيرٍ .. "76"}
(سورة النحل)


إذن: لا خير فيه، ولا منفعة ألبتة، لا له ولا لغيره، هذه صفات الرجل الأول. فماذا عن مقابله؟

{هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل .. "76"}
(سورة النحل)


وهذه أول صفات الرجل الآخر، أنه يأمر بالعدل، وصفة الأمر بالعدل تقتضي أنه سمح منهجاً، ووعته أذنه، وانطلق به لسانه آمراً بالعدل، وهذه الصفة تقابل: الأبكم الذي لا يقدر على شيء.

{وهو على صراطٍ مستقيمٍ "76"}
(سورة النحل)


أي: أنه يذهب إلى الهدف مباشرة، ومن أقصر الطرق، وهذه تقابل: أينما يوجهه لا يأت بخير. والسؤال هنا أيضاً: هل يستويان؟ والإجابة التي يقول بها العقل: لا.
وهذا مثل آخر للأصنام .. فهي لا تسمع، ولا تتكلم، ولا تفصح، وهي لا تقدر على شيء لا لها ولا لعابديها .. بل هي عالة عليهم، فهم الذين يأتون بها من حجارة الجبال، وينحتونها وينصبونها، ويصلحون كسرها، وهكذا هم الذين يخدمونها ولا ينتفعون منها بشيء.
فإذا كنتم لا تسوون بين الرجل الأول والرجل الآخر الذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، فكيف تسوون بين إله له صفة الكمال المطلق، وأصنام لا تملك لكم نفعاً ولا ضراً؟! أو نقول: إن هذا مثل للمؤمن والكافر، بدليل أن الحق سبحانه في المثل السابق قال:

{ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً .. "75"}
(سورة النحل)


وفي مقابله قال:

{ومن رزقناه منا رزقاً حسناً .. "75"}
(سورة النحل)


ولم يقل عبد أو رجل. إنما هنا قال:

{رجلين .. "76"}
(سورة النحل)


فيمكن أن نفهم منه أنه مثل للرجل الكافر الذي يمثله الأبكم وللرجل المؤمن الذي يمثله من يأمر بالعدل، وهو على صراط مستقيم.


 

قديم 15-10-2011, 07:24 PM   #513
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 77

(ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير "77")
أراد الحق سبحانه أن يعلمنا منه عالم الملك، ومنه عالم الملكوت .. عالم الملك هو العالم منه عالم الملك، ومنه عالم الملكوت .. عالم الملك هو العالم المحس لنا، وعالم الملكوت المخفي عنا فلا نراه.
ولذلك، فربنا سبحانه وتعالى لما تكرم على سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ قال:

{وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين "75"}
(سورة الأنعام)


إذن: لله تعالى في كونه ظاهر وغيب .. الظاهر له نواميس كونية يراها كل الناس، وله أشياء غيبية لا يراها أحد، ولا يطلع عليها .. حتى في ذاتك أنت أشياء غيب لا يعلمها أحد من الناس، وكذلك عند الناس أشياء غيب لا تعرفها أنت .. وهذا الغيب نسميه: غيب الإنسان.
إذن: فأنا غائب عني أشياء، وغيري غائب عنه أشياء .. هذا الغيب الذي لا نعرفه يعده بعض الناس نقصاً فينا، وهو في الحقيقة نوع من الكمال في النفس البشرية؛ لأنك إن أردت أن تعلم غيب الناس فاسمح لهم أن يعلموا غيبك.
ولو خيرت في هذه القضية لاخترت أن يحتفظ كل منكم بغيبه لا يطلع عليه أحد .. لا أعرف غيب الناس، ولا يعرفون غيبي؛ ولذلك يقولون: "المغطى مليح". فستر الغيب كمال في الكون؛ لأنه يربي ويثري الفائدة فيه .. كيف؟
هب أنك تعرف رجلاً مستقيماً كثير الحسنات، ثم اطلعت على سيئة واحدة عندما كانت مستورة، فسو فترى هذه السيئة كفيلة بأن تزهدك في كل حسناته وتكرهك فيه، وتدعوك إلى النفرة منه، فلا تستفيد منه بشيء، في حين لو سترت عنك هذه السيئة لاستطعت الانتفاع بحسناته .. وهكذا ينمي الغيب الفائدة في الكون.
وفي بعض الآثار الواردة يقول الحق سبحانه:
"يا بن آدم سترت عنك وسترت منك، فإن شئت فضحنا لك وفضحناك، وإن شئت أسبلنا عليك سبال الستر إلى يوم القيامة". فاجعل نفسك الآن المخاطب بهذا الحديث، فماذا تختار؟
أعتقد أن الجميع سيختار الستر .. فمادمت تحب الستر وتكره أن يطلع الناس على غيبك فإياك أن تتطاول لتعرف غيب الآخرين.
والغيب: هو ما غاب عن المدركات المحسة من السمع والبصر والشم والذوق، وما غاب عن العقول من الإدراكات المعنوية.
وهناك غيب وضع الله في كونه مقدمات توصل إليه وأسباباً لئلا يكون غيباً .. كالكهرباء والجاذبية وغيرها .. كانت غيباً قبل أن تكتشف .. وهكذا كل الاكتشافات والأسرار التي يكشفها لنا العلم، كانت غيباً عنا في وقت، ثم صارت مشاهدة في وقت آخر.
ذلك، لأن الحق سبحانه لا ينثر لنا كل أسرار كونه مرة واحدة، بل ينزله بقدرٍ ويكشفه لنا بحساب، فيقول سبحانه:

{وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم "21"}
(سورة الحجر)


فالذي كان غيباً في الماضي أصبح ظاهراً مشاهداً اليوم؛ لأن الله سبحانه كشف لنا أسبابه فتوصلنا إليه .. فهذا غيب جعل الله له مقدمات يصل إليها من يبحث في الكون، فإذا ما أذن الله به، وحان وقت ميلاده وفق الله أحد الباحثين إلى اكتشافه، إما عن طريق البحث، أو حتى الخطأ في المحاولة، أو عن طريق المصادفة.
ولذلك إذا بحثت في كل المخترعات والمكتشفات لوجدت 90% منها جاءت مصادفة، لم يكونوا بصدد البحث عنها أو التوصل إليها، وهذا ما نسميه "غيب الأكوان".
ومثال هذا الغيب: إذا كلفت ولدك بحل تمرين هندسي .. ومعنى حل التمرين أن يصل الولد إلى نقطة تريد أنت أن يصل إليها .. ماذا يفعل الولد؟ يأخذ ما تعطيه من معطيات، ثم يستخدم ما لديه من نظريات، وما يملكه من ذكاء ويستخرج منها المطلوب.
فالولد هنا لم يأت بجديد، بل استخدم المعطيات، وهكذا الأشياء الموجودة في الكون هي المعطيات من بحث فيها توصل إلى غيبيات الكون وأسراره. وهذا النوع من الغيب يقول عنه الحق سبحانه:

{الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء .. "255"}
(سورة البقرة)


فإذا أذن الله لهم تكشفت لهم الأسرار: إما بالبحث، وإما بالخطأ، أو حتى بالمصادفة .. فطالما حان وقت ميلاد هذا الغيب واكتشافه؛ فإن صادف بحثاً من البشر التقيا، وإلا أظهره الله لنا دون بحث ودون سعي منا.
وهناك نوع آخر من الغيب، وهو الغيب المطلق، وهو غيب عن كل البشر استأثر الله به، وليس له مقدمات وأسباب توصل إليه، كما في النوع الأول .. هذا الغيب، قال تعالى في شأنه:

{عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا "26" إلا من ارتضى من رسولٍ .. "27"}
(سورة الجن)


فإذا ما أعلمنا الرسول غيباً من الغيبيات فلا نقول: إنه يعلم الغيب .. لأنه لا يعلم إلا ما أعلمه الله من الغيب .. إذن: هذا غيب لا يدركه أحد بذاته أبداً.
ومن هذا الغيب المطلق غيب استأثر الله به، ولا يطلع عليه أحداً حتى الرسل ..

<ولما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الساعة، قال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل">

وفي الإسراء والمعراج يحدثنا صلى الله عليه وسلم أن الله قد أعطاه ثلاثة أوعية: وعاء أمره بتبليغه وهو وعاء الرسالة، ووعاء خيره فيه فلا يعطيه إلا لأهل الاستعداد السلوكي الذين يتقبلون أسرار الله ولا تنكرها عقولهم، ووعاء منعه فهو خصوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك يقول راوي الحديث: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني وعاءين، أما أحدهما فقد بثثته أي رويته وقتلته للناس، وأما الآخر فلو بحت به لقطع حلقومي هذا، فهذا من الأسرار التي يختار الرسول صلى الله عليه وسلم لها من يحفظها.
قوله تعالى:

{ولله غيب السماوات والأرض .. "77"}
(سورة النحل)


هذا يسمونه أسلوب قصر بتقديم الجار والمجرور، أي قصر غيب السماوات والأرض عليه سبحانه، فلو قلنا مثلاً: غيب السماوات والأرض لله، فيحتمل أن يقول قائل: ولغير الله، أما:

{ولله غيب السماوات والأرض .. "77"}
(سورة النحل)


 

قديم 15-10-2011, 07:24 PM   #514
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 78

(والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون "78")
(من بطون أمهاتكم) المراد الأرحام؛ لأنها في البطون، والمظروف في مظروف يعتبر مظروفاً، كما لو قلت: في جيبي كذا من النقود أو في حافظتي كذا من النقود .. العبارتان معناهما واحد.
وأمهاتكم: جمع أم، والقياس يقتضي أن نقول في جمع أم: أمات ولكنه قال:

{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم .. "78"}
(سورة النحل)


بزيادة الهاء. وساعة يكون الجنين في بطن أمه تكون حياته حياة تبعية، فكل أجهزته تابعة لأمه .. فإذا شاء الله أن يولد جعل له حياة ذاتية مستقلة .. وعند الولادة نرى أطباء التوليد يقولون: الجنين في الوضع الطبيعي أو في غير الوضع الطبيعي .. فما معنى الوضع الطبيعي للجنين عند الولادة؟
الوضع الطبيعي أن يكون رأس الجنين عند الولادة إلى أسفل، هذا هو الوضع الطبيعي؛ لأن الحق سبحانه أراد أن يخرجه خلقاً آخر:

{ثم أنشأناه خلقاً آخر .. "14"}
(سورة المؤمنون)


كأنه كان خلقاً لكنه كان تابعاً لأمه فيخرجه الله خلقاً آخر مستقلاً بذاته .. فتكون الرأس إلى أسفل، وهي أول ما ينزل من المولود وبمجرد نزوله تبدأ عملية التنفس.
ومن هذه اللحظة ينفصل الجنين عن أمه، وبالتنفس تكون له ذاتية، فإذا ما تعسر خروج باقي جسمه فتكون له فرصة التنفس وهذا من لطف الله سبحانه؛ لأن الجنين في هذه الحالة لا يختنق أثناء معالجة باقي جسمه.
أما إذا حدث العكس فكان الرأس إلى أعلى، ونزل الجنين بقدميه، فبمجرد نزول الرجلين ينفصل عن أمه، ويحتاج إلى حياة ذاتية ويحتاج إلى تنفس، فإذا ما تعسرت الولادة حدث اختناق، ربما يؤدي إلى موت الجنين.
العلم أخذ قضية من قضايا الكون مجزوم بها وعليها دليل؛ وقوله تعالى:

{لا تعلمون شيئاً .. "78"}
(سورة النحل)


ذلك لأن وسائل العلم والإدراك لم تعمل بعد، فإذا أراد الله له أن يعلم يخلق له وسائل العلم، وهي الحواس الخمس: السمع والبصر والشم واللمس والتذوق، هذه هي الحواس الظاهرة التي بها يكتسب الإنسان العلوم والمعارف، وبها يدرك ما حوله.
وإن كان العلم الحديث قد أظهر لنا بعض الحواس الأخرى، ففي علم وظائف الأعضاء يقولون: إنك إذا حملت قطعتين من الحديد مثلاً فبأي حاسة تميز بينهما من حيث الثقل؟
هذه لا تعرف باللمس أو السمع أو البصر أو التذوق أو الشم .. إذن: هناك حاسة جديدة تميز الثقل هي حاسة العضل.
وكذلك توجد حاسة البين، التي تتمكن بها من معرفة سمك القماش مثلا وأنت في محل الأقمشة، حيث تفرك القماش بين أصابعك، وتستطيع أن تميز بين الرقيق والسميك. فالطفل المولود إذن لا يعلم شيئاً، فهذا أمر طبيعي لأن وسائل العلم والإدراك لديه لم تؤد مهمتها بعد. وقوله تعالى:

{وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة .. "78"}
(سورة النحل)


وقد بين لنا علماء وظائف الأعضاء أن هذا الترتيب القرآني للأعضاء هو الترتيب الطبيعي، فالطفل بعد الولادة يسمع أولاً، ثم بعد حوالي عشرة أيام يبصر .. وتستطيع تجربة ذلك، فترى الطفل يفزع من الصوت العالي بعد أيام من ولادته، ولكن إذا وضعت أصبعك أمام عينيه لا يطرف؛ لأنه لم ير بعد.
ومن السمع والبصر ـ وهما السادة على جميع الحواس ـ تتكون المعلومات التي في الأفئدة، هذا الترتيب القرآني الوجودي، وهو الترتيب الطبيعي الذي وافق العلم الحديث. ونلاحظ في الآية إفراد السمع، وجمع الأبصار والأفئدة:

{وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة .. "78"}
(سورة النحل)


فلماذا لم يأت السمع جمعاً؟
المتحدث هنا هو الحق سبحانه؛ لذلك تأتي الألفاظ دقيقة معجزة .. ولننظر لماذا السمع هنا مفرد؟
فرق بين السمع وغيره من الحواس، فحين يوجد صوت في هذا المكان يسمعه الجميع، فليس في الأذن ما يمنع السمع، وليس عليها قفل نقفله إذا أردنا ألا نسمع، فكأن السمع واحد عند الجميع، أما المرئي فمختلف؛ لأننا لا ننظر جميعاً إلى شيء واحد .. بل المرائي عندنا مختلف فهذا ينظر للسقف، وهذا ينظر للأعمدة .. إلى آخره.
إذن: المرائي لدينا مختلفة .. كما أن للعين قفلاً طبيعياً يمكن إسداله على العين فلا ترى، فكأن الأبصار لدينا مختلفة متعددة.
وكذلك الحال في الأفئدة، جاءت جمعاً؛ لأنها متعددة مختلفة، فواحد يعي ويدرك، وآخر لا يعي ولا يدرك، وقد يعي واحد أكثر من الآخرين.
إذن: إفراد السمع هنا آية من آيات الدقة في التعبير القرآني المعجز؛ لأن المتكلم هو رب العزة سبحانه.
ونلاحظ أيضاً تقديم السمع على باقي الحواس؛ لأنه أول الإدراكات ويصاحب الإنسان منذ أن يولد إلى أن يفارق الحياة، ولا يغيب عنه حتى لو كان نائماً؛ لأن بالسمع يتم الاستدعاء من النوم.
وقد قلنا في قصة أهل الكهف أنهم ما كان لهم أن يناموا في سبات عميق ثلاثمائة وتسع سنين إلا إذا حجب الله عنهم هذه الحاسة، فلا تزعجهم الأصوات. فقال تعالى:

{فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً "11"}
(سورة الكهف)


أي: قلنا للأذن تعطلي هذه المدة حتى لا تزعجهم أصوات الصحراء، وتقلق مضاجعهم، والله تعالى يريد لهم السبات والنوم العميق. وفي قوله تعالى:

{وجعل لكم السمع .. "78"}
(سورة النحل)
هل توجد هذه الإدراكات بعد الإخراج (الميلاد) أم هي موجودة قبله؟ .. يجب أن نفرق بين السمع وآلته، فقبل الإخراج تتكون للجنين آلات البصر والسمع والتذوق وغيرها .. لكنها آلات لا تعمل، فالجنين في بطن أمه تابع لها، وليست له حياة ذاتية، فإذا ما نزل إلى الدنيا واستقل بحياته يجعل الله له هذه الآلات تعمل عملها.
إذن: فمعنى:

{وجعل لكم السمع .. "78"}
(سورة النحل)


أي: جعل لكم الاستماع، لا آلة السمع. وقوله:

{لعلكم تشكرون "78"}
(سورة النحل)


توحي الآية بأن السمع والأبصار والأفئدة ستعطي لنا كثيراً من المعلومات الجديدة والإدراكات التي تنفعنا في حياتنا وفي مقومات وجودنا، وننفع بها غيرنا، وهذه النعم تستحق منا الشكر. فكلما سمعت صوتاً أو حكمة تحمد الله أن جعل لك أذناً تسمع، وكلما أبصرت منظراً بديعاً تحمد الله أن جعل لك عيناً ترى، وكلما شممت رائحة زكية تحمد الله أن جعل لك أنفاً تشم .. وهكذا تستوجب النعم شكر المنعم سبحانه.
ولكي تقف على نعم الله عليك انظر إلى من حرموا منها، وتأمل حالك وحالهم، وما أنت فيه من نعم الحياة ولذاتها، وما هم فيه من حرمان.


 

قديم 15-10-2011, 07:24 PM   #515
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 79

(ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون"79")
فالحق سبحانه ينقلنا هنا إلى صورة أخرى من صور الكون .. بعد أن حدثنا عن الإنسان وما حوله .. فالإنسان قبل أن يخلقه الله في هذا الوجود أعد له مقومات حياته، فالشمس والقمر والنجوم والأرض والسماء والمياه والهواء، كل هذه أشياء وجدت قبل الإنسان، لتهيئ له الوجود في هذا الكون.
والله سبحانه يريد منا بعد أن كفل لنا استبقاء الحياة بالرزق، واستبقاء النوع بالزواج والتكاثر، يريد منا إثراء عقائدنا بالنظر في ملكوت الله وما فيه من العجائب؛ لنستدل على أنه سبحانه هندس كونه هندسة بديعة متداخلة، وأحكمه إحكاماً لا تصادم فيه.

{لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون "40"}
(سورة يس)


فالنظر إلى كون الله الفسيح، كم فيه من كواكب ونجوم وأجرام كم هو ملئ بالحركة والسكون والاستدارة. ومع ذلك لم يحدث فيه تصادم، ولم تحدث منه مضرة أبداً في يوم من الأيام .. الكون كله يسير بنظام دقيق وتناسق عجيب؛ ولكي تتجلى لك هذه الحقيقة انظر إلى صنعة الإنسان، كم فيها من تصادم وحوادث يروح ضحيتها الآلاف.
هذا مثل مشاهد للجميع، الطير في السماء .. ما الذي يمسكه أن تقع على الأرض؟ وكأن الحق سبحانه يجب أن يلفتنا إلى قضية اكبر:

{إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده .. "41"}
(سورة فاطر)


فعلينا أن نصدق هذه القضية .. فنحن لا ندرك بأعيننا جرم الأرض، ولا جرم الشمس والنجوم والكواكب .. نحن لا نقرر على معرفة كل ما في الكون .. إذن: يجب علينا أن نصدق قول ربنا ولا نجادل فيه.
وإليكم هذا المثل الذي تشاهدونه كل يوم:

{ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله .. "79"}
(سورة النحل)


إياك أن تقول إنها رفرفة الأجنحة، فنحن نرى الطائر يثبت أجنحته في الهواء، ومع ذلك لا يقع إلى الأرض، فهناك إذن ما يمسكه من الوقوع؛ لذلك قال تعالى في آية أخرى:

{أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن .. "19"}
(سورة الملك)


أي: أنها في حالة بسط الأجنحة، وفي حالة قبضها تظل معلقة لا تسقط. وكذلك نجد من الطيور ما له أجنحة طويلة، لكنه لا يطير مثل الأوز وغيره من الطيور.
إذن: ليست المسألة مسألة أجنحة، بل هي آية من آيات الله تمسك هذا الطير في جو السماء .. فتراه حراً طليقاً لا يجذبه شيء إلى الأرض، ولا يجذبه شيء إلى السماء، بل هو حر يرتفع إن أراد الارتفاع، وينزل إن أراد النزول.
فهذه آية محسة لنستدل بها على قدرة الله غير المحسة إلا بإخبار الله عنها، فإذا ما قال سبحانه:

{إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده .. "41"}
(سورة فاطر)


آمنا وصدقنا. وقوله تعالى:

{في جو السماء .. "79"}
(سورة النحل)


 

قديم 15-10-2011, 07:25 PM   #516
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 80

(والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين "80")
قوله:

{والله جعل لكم من بيوتكم سكناً .. "80"}
(سورة النحل)


كلمة سكن مأخوذة من السكون، والسكون ضد الحركة، فالبيت نسميه سكناً؛ لأن الإنسان يلجأ إليه ليرتاح فيه من حركة الحياة خارج البيت، إذن: في الخارج حركة، وفي البيت سكن. والسكن قد يكون مادياً كالبيت وهو سكن القالب، وقد يكون معنوياً، كما قال تعالى في حق الأزواج.

{خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها .. "21"}
(سورة الروم)


فالزوجة سكن معنوي لزوجها، وهذا يسمونه سكن القلب. فإن قال قائل:

{من بيوتكم .. "80"}
(سورة النحل)


يعني: نحن الذين صنعناها وأقمناها. فكيف جعلها الله لنا؟.
نقول: وأنت كيف صنعتها؟ ومم بنيتها؟ صنعتها من غاب أو خشب، أو بنيتها من طين أو طوب .. كل هذه المواد من مادة الأرض من عطاء الله لك، وكذلك العقل الذي يفكر ويرسم، والقوة التي تبني وتشيد كلها من الله.
إذن: (جعل لكم) إما أن يكون جعلاً مباشراً، وإما أن يكون غير مباشر .. فالله سبحانه جعل لنا هذه المواد .. هذا جعل مباشر، وأعاننا وقوانا على البناء .. هذا جعل غير مباشر. لكن في أي الأماكن تبني البيوت؟
البيوت لا تبنى إلا في أماكن الاستقرار، التي تتوفر لها مقومات الحياة .. فقبل أن ننظم مدينة سكنية نبحث أولاً عن مقومات الاستقرار فيها من مأكل ومشرب ومرافق وخدمات ومياه وصرف .. إلى آخره.
فإن وجدت هذه المقومات فلا مانع من البناء هنا .. فإذا لم توجد المرافق في الصحراء ومناطق البدو، هنا لا يناسبها البيوت والبناء الدائم، بل يناسبها:

{وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم .. "80"}
(سورة النحل)


فنرى أهل البدو يتخذون من الجلود بيوتاً مثل الخيمة والفسطاط .. حيث نراهم كثيري التنقل يبتغون مواطن الكلأ والعشب، ويرحلون طلباً للمرعى والماء، وهكذا حياتهم دائمة التنقل من مكان لآخر .. فيناسبهم بيت من جلد أو من صوف أو من وبر خفيف الحمل، يضعونه أينما حطوا رحالهم، ويرفعونه أينما ساروا .. والظعن هو التنقل من مكان لآخر.
إذن: كلمة (سكن) تفيد الاستقرار، وتوفر كل مقومات الحياة؛ ولذلك فالحق سبحانه وتعالى يقول لآدم:

{اسكن أنت وزوجك الجنة .. "35"}
(سورة البقرة)


أي: المكان الذي فيه راحتكم، وفي نعيمكم، فحدد له مكان إقامة وسكن .. ومكان الإقامة هذا قد يكون عاماً، وقد يكون خاصاً، مثل لو قلت: اسكن الإسكندرية .. هذا سكن عام، فلو أردت السكن الحقيقي الخاص بك لقلت: اسكن في شارع كذا، وفي عمارة رقم كذا، وفي شقة رقم كذا، وربما كان لك حجرة خاصة من الشقة هذه.
إذن: هذا سكن خاص بك .. سكنك الحقيقي الذي تشعر فيه بالهدوء والراحة والخصوصية، فالسكن يحتاج إلى استقرار ذاتي لا يشاركك فيه أحد؛ ولذلك نرى بعض سكان العمارات يشكون من الإزعاج والضوضاء، ويتمنون أن يعيشوا في بيوت مستقلة تحقق لهم الراحة الكافية التي لا يضايقهم فيها أحد.
إذن: حينما ننظر إلى السكون .. إلى السكن، نحتاج المكان الضيق الذي يحقق لن الخصوصية التامة التي تصل إلى حجرة مجرد حجرة، ولكنها تعني السكن الحقيقي الخاص بي، وقد تصل الخصوصية أن نجعل لكل ولد من الأولاد سريراً خاصاً به في نفس الحجرة.
فإذا ما نظرنا إلى الحركة في الحياة وجدنا الإنسان على العكس يطلب السعة؛ لأن الحركة تقتضي السعة في المكان، فمن كان عنده مزرعة يطلب عزبة، ومن كان عنده عزبة يتمنى ثانية وثالثة وهكذا لأن حركة الحياة تحتاج مجالاً واسعاً فسيحاً.
هذا عن النوع الأول، وهو السكن المادي سكن القالب، وهو من أعظم نعم الله على عباده .. أن يكون لهم سكن يأوون إليه، ويرتاحون فيه من عناء وحركة الحياة.
ولذلك حينما أراد الحق سبحانه أن يعذب بني إسرائيل، أشاع سكنهم في الأرض كلها، وحرمهم من نعمة السكن الحقيقي الخاص، فقال تعالى:

{وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض .. "104"}
(سورة الإسراء)


فالأرض هي المكان العام الذي يسكن فيه كل الناس .. فليس لهم بلد تجمعهم، بل بددهم الله في الأرض ولم يجعل لهم وطناً، كما قال في آية أخرى:

{وقطعناهم في الأرض أمماً .. "168"}
(سورة الأعراف)


 

قديم 16-10-2011, 02:54 PM   #517
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 81

(والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون "81")
بعد أن تكلم الحق سبحانه عن أصحاب البيوت الذين يناسبهم الاستقرار، ويجدون مقومات الحياة، وتكلم عن أهل الترحال والتنقل وما يناسبهم من بيوت خفيفة يحملونها عند ترحالهم. ثم تحدث هنا عن هؤلاء الذين لا يملكون شيئاً، ولا حتى جلود الأنعام .. ماذا يفعل هؤلاء؟
الحق سبحانه جعل لهم الظل يستظلون به من وهج الشمس، وجعل لهم من الكهوف والسراديب في الجبال ما يأوون إليه ويسكنون فيه. وهكذا استوعبت الآيات جميع الحالات التي يمكن أن يكون عليها بشر، فقد نثر الحق سبحانه نعمه على الناس، بحيث يأخذ كل واحد منهم ما يناسبه من نعم الله.
أما من لا يملك بيتاً يأويه، وليس عنده من الأنعام ما يتخذ من جلودها بيتاً، فقد جعل الله له الأشجار يستظل بها من حر الشمس، وجعل له كهوف الجبال تكنه وتأويه.
ونلاحظ هنا أن الآية ذكرت الظل الذي يقينا حر الشمس، ولم تذكر مثلاً البرد؛ ذلك لأن القرآن الكريم نزل بجزيرة العرب وهي بلاد حارة، وحاجتها إلى الظل أكثر من حاجتها إلى الدفء. وقوله:

{ظلالاً .. "81"}
(سورة النحل)


الظلال جمع ظل، وهو الواقي من الشمس ومن إشعاعاتها، وقد يوصف الظل بأنه ظل ظليل .. أي: الظل نفسه مظلل، وهذا ما نراه في صناعة الخيام مثلاً، حيث يجعلونه لها سقفاً من طبقة واحدة تتلقى حرارة الشمس، وإن حجبت أشعة الشمس فلا تحجب الحرارة، وهنا يلجأون إلى جعل السقف من طبقتين بينهما مسافة لتقليل حرارة الشمس.
وهنا نقول: إن الظل نفسه مظلل، وكذلك الحال في ظل الأشجار حيث يظلل الورق بعضه بعضاً، فتشعر تحت ظل الأشجار بجو لطيف بارد حيث يغطيك ظل ظليل يحجب عنك ضوء الشمس، ويسمح بمرور الهواء فلا تشعر بالضيق.
لذلك فالشاعر يقول في وصف روضة:

وقانا لفحة الرمضاء وداٍ يصد الشمس أني واجهتنا سقاه مضاعف الغيث العميم فيحجبها ويأذن للنسيم
وقوله:

{أكناناً .. "81"}
(سورة النحل)


جمع كن، وهو الكهف أو المغارة في الجبل تكون سكناً وساتراً لمن يلجأ إليها ويحتمي بها، والكن من الستر؛ لأنها تستر الناس ونحن نقول مثلاً للولد: انكن يعني: اسكن وانستر.
ويقول تعالى:

{وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم .. "81"}
(سورة النحل)


السرابيل: هي ما يلبس من الثياب أو الدروع:

{تقيكم الحر .. "81"}
(سورة النحل)


أي: تحميكم من الحر .. فقال هنا الحر أيضاً؛ لذلك وجدنا بعض العلماء يحاول أن يجد مخرجاً لهذه الآية فقال: المعنى تقيكم الحر وتقيكم البرد، ففي الآية اكتفاء بالحر عن البرد؛ لأن الشيء إذا جاء يأتي مقابله .. فليس بالضرورة ذكر الحالتين، فإحداهما تعني الأخرى.
هذا دفاع مشكور منهم، ومعنى مقبول حول هذه الآية .. لكن لو فطنا إلى باقي الآيات التي تحدثت في هذا الموضوع لوجدناها: واحدة تتكلم عن الحر، وهي هذه الآية، وأخرى تتكلم عن البرد في قوله تعالى:

{والأنعام خلقها لكم فيها دفء .. "5"}
(سورة النحل)


أي: من جلود الأنعام وأصوافها نتخذ ما يقينا البرد، وما نستدفئ به .. وهكذا تتكامل الآيات وينسجم المعنى.
والمتأمل في تدفئة الإنسان يجد أن ما يرتديه من ملبوسات لا يعطي للإنسان حرارة تدفئه، بل تحفظ للإنسان حرارة جسمه فقط، فحرارة الإنسان ذاتية من داخله، وبهذه الحرارة يحفظ الخالق سبحانه الإنسان.
والأطباء يقولون: إن الجسم السليم حرارته 37 درجة لا تختلف إن عاش عند خط الاستواء أو عاش في بلاد الاسكيمو في القطب الشمالي، فهذه هي الحرارة العامة للجسم.
في حين أن أجهزة الجسم المختلفة ربما اختلفت درجة حرارتها، كل حسب ما يناسبه: فالكبد مثلاً درجة حرارته 40 درجة، وتختل وظيفته إذا نقصت عن هذه الدرجة، في حين أن درجة حرارة جفن العين مثلاً 9 درجة، ولو ارتفعت درجة حرارتها تذوب حبة العين، ويفقد الإنسان البصر .. فسبحان الله الذي حفظ حرارة هذه الأعضاء في الجسم لا يطغى أحدها على الآخر.
لذلك حينما سافرنا إلى أمريكا، وفي إحدى مناطق البرودة الشديدة كانت أول نصائحهم لنا ألا نمسك آذاننا بأيدينا .. لماذا؟ قالوا: لأن درجة حرارة اليد أقل من درجة حرارة الأذن، ووضع اليد الباردة على الأذن قد تسبب كثيراً من الأضرار.
إذن: كل ما نستخدمه من ملابس وأعطية تقينا برد الشتاء لا تعطينا حرارة، بل تحفظ علينا حرارتنا الطبيعية فلا تتسرب، وبذلك تتم التدفئة .. وتستطيع أن تضع يدك على فراشك قبل أن تنام فسوف تجده بارداً، أما في الصباح فتجده دافئاً .. فالفراش اكتسب الحرارة من حرارة جسمك، وليس العكس


 

قديم 16-10-2011, 02:55 PM   #518
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 82

(فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين "82")
أي: لا تحزن يا محمد إذا أعرض قومك، فلست مأموراً إلا بالبلاغ، ويخاطبه الحق سبحانه في آية أخرى:

{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين "3"}
(سورة الشعراء)


أي: مهلكها. وقال تعالى:

{إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين "4"}
(سورة الشعراء)


لكن الدين لا يقوم على السيطرة على القالب، وفرق بين السيطرة على القالب والسيطرة على القلب، فيمكنك بمسدس في يدك أن ترغمني على ما تريد، لكنك لا تستطيع أبداً أن ترغم قلبي على شيء لا يؤمن به، والله يريد منا القلوب لا القوالب، ولو أراد منا القوالب لجعلها راغمة خاضعة لا يشذ منها واحد عن مراده سبحانه.
ولذلك حينما أرسل الله سليمان ـ عليه السلام ـ وجعله ملكاً رسولاً لم يقدر أحد أن يقف في وجهه، أو يعارضه لما له من السلطان والقوة إلى جانب الرسالة .. أما الأمر في دعوته صلى الله عليه وسلم فقائم على البلاغ فقط دون إجبار. وقوله:

{البلاغ المبين "82"}
(سورة النحل)


أي: البلاغ التام الكامل الذي يشمل كل جزئيات الحياة وحركاتها، فقد جاء المنهج الإلهي شاملاً للحياة بداية بقول: لا إله إلا الله حتى إماطة الأذى عن الطريق، فلم يترك شيئاً إلا حدثنا فيه، فهذا بلاغ مبين محيط لمصالح الناس .. فلا يأتي الآن من يتمحك ويقول: ربنا ترك كذا أو كذا .. فمنهج الله كامل، فلو لم تأخذوه ديناً لوجب عليكم أن تأخذوه نظاماً.
ونرى الآن الأمم التي تعادي الإسلام تتعرض لمشاكل في حركة الحياة لا يجدون لها حلاً في قوانينهم، فيضطرون لحلول أخرى تتوافق تماماً أو قريباً من حل القرآن ومنهج الحق سبحانه وتعالى.


 

قديم 16-10-2011, 02:55 PM   #519
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 83

(يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون"83")
وقد حكى القرآن عنهم في آيات أخرى:

{ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون "87"}
(سورة الزخرف)


وقال عنهم:

{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم .. "14"}
(سورة النمل)


ذلك لأنهم يعلمون تماماً أن الله خلقهم، وأنه خلق السماوات والأرض .. يعلمون كل نعم الله عليهم، ومع ذلك ينكرونها ويجحدونها .. لماذا؟
لأن الإيمان بالله والاعتراف بنعمه مسألة شاقة عليهم، ولو كانت مجرد كلمة تقال لقالوها .. ما أسهل أن يقولوا "لا إله إلا الله" لكنهم يعلمون أن: لا إله إلا الله لها مطلوبات، فمادام لا إله إلا الله، فلا يشرع إلا الله، ولا يأمر إلا الله، ولا ينهي إلا الله، ولا يحل إلا الله، ولا يحرم إلا الله.
إذن: مطلوبات لا إله إلا الله جعلتهم في قالب من حديد، منضبطين بمنهج يهدم سيادتهم، ويمنع الطغيان والجبروت، منهج يسوي بين السادة والعبيد.
إذن: الدين الحق يقيد حركتهم، وهم لا يريدون ذلك، فتراهم يعرفون الله ولا يؤمنون به؛ لأنهم يعلمون مطلوبات لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإلا لو كانت مجرد كلمة لقالوها.
وقوله:

{وأكثرهم الكافرون "83"}
(سورة النحل)


بعض العلماء يقولون: أكثرهم يعني كلهم .. لا .. بل هذا أسلوب قرآني لصيانة الاحتمال وللاحتياط للقلة التي تفكر في الإسلام ويراودها أمر هذا الدين الجديد من هؤلاء الكفار، لابد أن نراعي أمر هذه القلة، ونترك لهم الباب مفتوحاً، فالاحتمال هنا قائم ..
فلو قال القرآني: كلهم كافرون لتعارض ذلك مع هؤلاء الذين يفكرون في أن يسلموا .. وكذلك مراعاة لهؤلاء الذين لم يبلغوا حد التكليف من أبناء الكفار. إذن: قوله (وأكثرهم) تعبير دقيق، فيه ما نسميه صيانة الاحتمال


 

قديم 16-10-2011, 02:56 PM   #520
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 84

(ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون "84")
الحق تبارك وتعالى ينبهنا هنا إلى أن المسألة ليست ديناً، وتنتهي القضية آمن من آمن، وكفر من كفر .. إنما ينتظرنا بعث وحساب وثواب وعقاب .. مرجع إلى الله تعالى ووقوف بين يديه، فإن لم تذكر الله بما أنعم عليك سابقاً فاحتط للقائك به لاحقاً.
والشهيد: هو نبي الأمة الذي يشهد عليهم بما بلغهم من منهج الله. وقال تعالى في آية أخرى:

{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا .. "143"}
(سورة البقرة)


فكأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعطاها الله أمانة الشهادة على الخلق لأنها بلغتهم، فكل من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم مطلوب منه أن يبلغ ما بلغه الرسول، ليكون شاهداً على من بلغه أنه بلغه:

{ثم لا يؤذن للذين كفروا .. "84"}
(سورة النحل)


فحينما يشهد عليهم الشهيد لا يؤذن لهم في الاعتذار، كما قال تعالى في آية أخرى:

{ولا يؤذن لهم فيعتذرون "36"}
(سورة المرسلات)


أو حينما يقول أحدهم:

{رب ارجعون "99" لعلي أعمل صالحاً فيما تركت .. "100"}
(سورة المؤمنون)


فلا يجاب لذلك؛ لأنه لو عاد إلى الدنيا لفعل كما كان يفعل من قبل، فيقول تعالى:

{ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه .. "28"}
(سورة الأنعام)


وقوله:

{ولا هم يستعتبون "84"}
(سورة النحل)


يستعتبون: مادة استعتب من العتاب، والعتاب مأخوذ من العتب، وأصله الغضب والموجدة تجدها على شخص آخر صدر منه نحوك ما لم يكن متوقعاً منه .. فتجد في نفسك موجدة وغضباً على من أساء إليك.
فإن استقر العتب الذي هو الغضب والموجدة في النفس، فأنت إما أن تعتب على من أساء إليك وتوضح له ما أغضبك، فربما كان له عذر، أو أساء عن غير قصد منه، فإن أوضح لك المسألة وأرضاك وأذهب غضبك فقد أعتبك .. فنقول: عتب فلان على فلان فأعتبه، أي: أزال عتبه.
والإنسان لا يعاتب إلا عزيزاً عليه يحرص على علاقته به، ويضعه موضعاً لا تتأتى منه الإساءة، ومن حقه عليك أن تعاتبه ولا تدع هذه الإساءة تهدم ما بينكما.
إذن: معنى:

{ولا هم يستعتبون "84"}
(سورة النحل)


أي: لا يطلب أحد منهم أن يرجعوا عما أوجب العتب وهو كفرهم .. فلم يعد هناك وقت لعتاب؛ لأن الآخرة دار حساب، وليست دار عمل أو توبة .. لم تعد دار تكليف.


 

قديم 16-10-2011, 02:56 PM   #521
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 85

(وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون "85")
{رأى الذين ظلموا العذاب .. "85"}
(سورة النحل)


كان العذاب ينصب أمامهم، فيرونه قبل أن يباشروه، وهكذا يجمع الله عليهم ألواناً من العذاب؛ لأن إدراكات النفس تتأذى بالمشاهدة قبل أن تألم الأحاسيس بالعذاب؛ لذلك قال:

{فلا يخفف عنهم .. "85"}
(سورة النحل)


وقوله:

{ولا هم ينظرون .. "85"}
(سورة النحل)


أي: لا يمهلون ولا يؤجلون.


 

قديم 16-10-2011, 02:57 PM   #522
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 86

(وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون "86")
ذلك حينما يجمع الله المشركين وشركاءهم من شياطين الإنس والجن والأصنام، وكل من أشركوه مع الله وجهاً لوجه يوم القيامة، وتكون بينهما هذه الواجهة .. حينما يرى المشركون شركاءهم الذين أضلوهم وزينوا لهم المعصية، وزينوا لهم الشرك والكفر بالله .. يقولون: هؤلاء هم سبب ضلالنا وكفرنا .. كما قال تعالى عنهم في آية أخرى:

{إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب "166"}
(سورة البقرة)


ويقول تعالى:

{يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين "31"}
(سورة سبأ)


وقوله:

{فألقوا إليهم القول .. "86"}
(سورة النحل)


أي: ردوا عليهم بالمثل، وناقشوهم بالحجة، كما قال تعالى في حق الشيطان.

{وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي .. "22"}
(سورة إبراهيم)


إذن: ردوا عليهم القول: ما كان عليكم سلطان. نحن دعوناكم فاستجبتم لنا، ولم يكن لنا قوة ترغمكم على الفعل، ولا حجة تقنعكم بالكفر؛ ولذلك يتهمونهم بالكذب:

{إنكم لكاذبون "86"}
(سورة النحل)




 

قديم 16-10-2011, 02:57 PM   #523
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 87

(وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون"87")
السلم: أي الاستسلام .. فقد انتهى وقت الاختيار ومضى زمن المهلة، تعمل أو لا تعمل. إنما الآن (لمن الملك اليوم)؟ الأمر والملك لله، وماداموا لم يسلموا طواعية واختياراً، فليسلموا له قهراً ورغماً عن أنوفهم.
وهنا تتضح لنا ميزة من ميزات الإيمان، فقد جعلني استسلم لله عز وجل مختاراً، بلد أن استسلم قهراً يوم أن تتكشف الحقيقة على أنه لا إله إلا الله، وسوف يواجهني سبحانه وتعالى في يوم لا اختيار لي فيه.
وقوله:

{وضل عنهم ما كانوا يفترون "87"}
(سورة النحل)


كلمة: الضلال ترد بمعانٍ متعددة، منها: ضل أي غاب عنهم شفعاؤهم، فأخذوا يبحثون عنهم فلم يجدوهم، ومن هذا المعنى قوله تعالى:

{أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلقٍ جديدٍ .. "10"}
(سورة السجدة)


أي: يغيبوا في الأرض، حيث تأكل الأرض ذراتهم، وتغيبهم في بطنها .. وكذلك نقول: الضالة أي الدابة التي ضلت أي: غابت عن صاحبها. ومن معاني الضلال: النسيان، ومنه قوله تعالى:

{أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى .. "282"}
(سورة البقرة)


ومن معانيه: التردد، كما في قوله تعالى:

{ووجدك ضالاً فهدى "7"}
(سورة الضحى)


فلم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهج ثم تركه وانصرف عنه وفارقه، ثم هداه الله .. بل كان صلى الله عليه وسلم متحيراً متردداً فيما عليه سادة القوم وأهل العقول الراجحة من أفعال تتنافى مع العقل السليم والفطرة النيرة، فكانت حيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يراه من أفعال هؤلاء وهو لا يعرف حقيقتها.
فقوله:

{وضل عنهم .. "87"}
(سورة النحل)


أي: غاب عنهم:

{ما كانوا يفترون "87"}
(سورة النحل)


أي: يكذبون من ادعائهم آلهة وشفعاء من دون الله.


 

قديم 16-10-2011, 02:58 PM   #524
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 88

(الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون"88"
هنا فرق بين الكفر والصد عن سبيل الله، فالكفر ذنب ذاتي يتعلق بالإنسان نفسه، لا يتعداه إلى غيره .. فاكفر كما شئت والعياذ بالله ـ أنت حر!!
أما الصد عن سبيل الله فذنب متعد، يتعدى الإنسان إلى غيره، حيث يدعو غيره إلى الكفر، ويحمله عليه ويزينه له .. فالذنب هنا مضاعف، ذنب لكفره في ذاته، وذنب لصده غيره عن الإيمان، لذلك يقول تعالى في آية أخرى:

{وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم .. "13"}
(سورة العنكبوت)


فإن قال قائل: كيف وقد قال تعالى:

{ولا تزر وازرة وزر أخرى .. "164"}
(سورة الأنعام)


نقول: لا تعارض بين الآيتين، فكل واحد سيحمل وزره، فالذي صد عن سبيل الله يحمل وزرين، أما من صده عن سبيل الله فيحمل وزر كفره هو.
وقوله:

{زدناهم عذابا فوق العذاب .. "88"}
(سورة النحل)


العذاب الأول على كفرهم، وزدناهم عذاباً على كفر غيرهم ممن يصدوهم عن سبيل الله.

<ولذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة">

فإياك أن تقع عليك عين المجتمع أو أذنه وأنت في حال مخالفة لمنهج الله؛ لأن هذه المخالفة ستؤثر في الآخرين، وستكون سبباً في مخالفة أخرى بل مخالفات، وسوف تحمل أنت قسطاً من هذا .. فأنت مسكين تحمل سيئاتك وسيئات الآخرين.
وقوله:

{بما كانوا يفسدون "88"}
(سورة النحل)


والإفساد: أن تعمد إلى شيء صالح أو قريب من الصلاح فتفسده، ولو تركته وشأنه لربما يهتدي إلى منهج الله .. إذن: أنت أفسد الصالح ومنعت القابل للصلاح أن يصلح.


 

قديم 16-10-2011, 02:59 PM   #525
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 89

(ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين "89")
قوله:

{من أنفسهم .. "89"}
(سورة النحل)


يعني من جنسهم. والمراد: أهل الدعوة إلى الله من الدعاة والوعاظ والأئمة الذين بلغوا الناس منهج الله، هؤلاء سوف يشهدون أمام الله سبحانه على من قصر في منهج الله. وقد يكون معنى:

{من أنفسهم .. "89"}
(سورة النحل)


أي: جزء من أجزائهم وعضواً من أعضائهم، كما قال تعالى:

{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون "24"}
(سورة النور)


وقوله:

{وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا .. "21"}
(سورة فصلت)


والشهيد إذا كان من ذات الإنسان وبعض من أبعاضه فلا شك أن حجته قوية وبينته واضحة. وقوله:

{وجئنا بك شهيداً على هؤلاء .. "89"}
(سورة النحل)


أي: شهيداً على أمتك كأنه صلى الله عليه وسلم شهيد على الشهداء.

{ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيءٍ .. "89"}
(سورة النحل)


الكتاب: القرآن الكريم .. تبياناً: أي بياناً تاماً لكل ما يحتاجه الإنسان، وكلمة (شيء) تسمى جنس الأجناس. أي: كل ما يسمى "شيء" فبيانه في كتاب الله تعالى.
فإن قال قائل: إن كان الأمر كذلك، فلماذا نطلب من العلماء أن يجتهدوا ليخرجوا لنا حكماً معيناً؟
نقول: القرآن جاء معجزة، وجاء منهجاً في الأصول، وقد أعطى الحق تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم حق التشريع، فقال تعالى:

{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا .. "7"}
(سورة الحشر)


إذن: فسنة الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً ثابتة بالكتاب، وهي شارحة له وموضحة، فصلاة المغرب مثلاً ثلاث ركعات، فأين هذا في كتاب الله؟ نقول في قوله تعالى:

{وما آتاكم الرسول فخذوه .. "7"}
(سورة الحشر)



<وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القضية حينما أرسل معاذ بن جبل رضي الله عنه ـ قاضياً لأهل اليمن، وأراد أن يستوثق من إمكانياته في القضاء. فسأله: "بم تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو ـ أي لا أقصر في الاجتهاد.
فقال صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضى الله ورسوله">

إذن: فالاجتهاد مأخوذ من كتاب الله، وكل ما يستجد أمامنا من قضايا لا نص فيها، لا في الكتاب ولا في السنة، فقد أبيح لنا الاجتهاد فيها.
ونذكر هنا أن الإمام محمد عبده ـ رحمه الله ـ حدث عنه وهو في باريس أن أحد المستشرقين قال له: أليس في آيات القرآن:

{ما فرطنا في الكتاب من شيءٍ .. "38"}
(سورة الأنعام)


قال: بلى، قال له: فهات لي من القرآن: كم رغيفاً يوجد في أردب القمح؟
فقال الشيخ: نسأل الخباز فعنده إجابة هذا السؤال .. فقال المستشرق: أريد الجواب من القرآن الذي ما فرط في شيء، فقال الشيخ: هذا القرآن هو الذي علمنا فيما لا نعلم أن نسأل أهل الذكر فقال:

{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "7"}
(سورة الأنبياء)


إذن: القرآن أعطاني الحجة، وأعطاني ما أستند إليه حينما لا أجد نصاً في كتاب الله، فالقرآن ذكر القواعد والأصول، وأعطاني حق الاجتهاد فيما يعن لي من الفروع، وما يستجد من قضايا، وإذا وجد في القرآن حكم عام وجب أن يؤخذ في طيه ما يؤخذ منه من أحكام صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله وكله.
فقال:

{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا .. "7"}
(سورة الحشر)


وكذلك الإجماع من الأمة؛ لأن الله تعالى قال:

{ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى .. "115"}
سورة النساء


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:00 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا