المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 16-10-2011, 03:00 PM   #526
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 90

(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون "90")
للحق تبارك وتعالى في هذه الآية ثلاثة أوامر: العدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى. وثلاثة نواه: عن الفحشاء والمنكر والبغي. ولما نزلت هذه الآية قال ابن مسعود: أجمع آيات القرآن للخير هذه الآية لأنها جمعت كل الفضائل التي يمكن أن تكون في القرآن الكريم.
ولذلك سيدنا عثمان بن مظعون كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب له أن يسلم، وكان يعرض عليه الإسلام دائماً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحب عرض الإسلام على أحد إلا إذا كان يرى فيه مخايل وشيماً تحسن في الإسلام.
وكأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضن بهذه المخايل أن تكون في غير مسلم، لذلك كان حريصاً على إسلامه وكثيراً ما يعرضه عليه، إلا أن سيدنا عثمان بن مظعون تريث في الأمر، إلى أن جلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مجلس، فرآه رفع بصره إلى السماء ثم تنبه، فقال له ابن مظعون: ما حدث يا رسول الله؟ فقال: إن جبريل ـ عليه السلام ـ قد نزل علي الساعة بقول الله تعالى:

{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون "90"}
(سورة النحل)


قال ابن مظعون ـ رضي الله عنه: فاستقر حب الإيمان في قلبي بهذه الآية الجامعة لكل خصال الخير.
ثم ذهب فأخبر أبا طالب، فلما سمع أبو طالب ما قاله ابن مظعون في هذه الآية قال: يا معشر قريش آمنوا بالذي جاء به محمد، فإنه قد جاءكم بأحسن الأخلاق.

<ويروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعرض نفسه على قبائل العرب، وكان معه أبو بكر وعلي، قال علي: فإذا بمجلس عليه وقار ومهابة، فأقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقام إليه مقرون بن عمرو وكان من شيبان ابن ثعلبة فقال: إلى أي شيء تدعونا يا أخا قريش؟ فقال صلى الله عليه وسلم:

{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون "90"}
(سورة النحل)


فقال مقرون: إنك دعوت إلى مكارم الأخلاق وأحسن الأعمال، أفكت قريش إن خاصمتك وظاهرت عليك>

أخذ عثمان بن مظعون هذه الآية ونقلها إلى عكرمة بن أبي جهل، فأخذها عكرمة ونقلها إلى الوليد بن المغيرة، وقال له: إن آية نزلت على محمد تقول كذا وكذا، فأفكر الوليد بن المغيرة ـ أي: فكر فيما سمع ـ وقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وأنه يعلو ولا يعلى عليه، وما هو بقول بشر.
ومع شهادته هذه إلا أنه لم يؤمن، فقالوا: حسبه أنه شهد للقرآن وهو كافر. وهكذا دخلت هذه الآية قلوب هؤلاء القوم، واستقرت في أفئدتهم؛ لأنها آية جامعة مانعة، دعت لكل خير، ونهت عن كل شر. قوله:

{إن الله يأمر بالعدل .. "90"}
(سورة النحل)


ما العدل؟ العدل هو الإنصاف والمساواة وعدم الميل؛ لأنه لا يكون إلا بين شيئين متناقضين، لذلك سمي الحاكم العادل منصفاً؛ لأنه إذا مثل الخصمان أمامه جعل لكل منهما نصف تكوينه، وكأنه قسم نفسه نصفين لا يميل لأحدهما ولا قيد شعرة، هذا هو الإنصاف.
ومن أجل الإنصاف جعل الميزان، والميزان تختلف دقته حسب الموزون، فحساسية ميزان البر غير حساسية ميزان الجواهر مثلاً، وتتناهى دقة الميزان عند أصحاب صناعة العقاقير الطبية، حيث أقل زيادة في الميزان يمكن أن تحول الدواء إلى سم، وقد شاهدنا تطوراً كبيراً في الموازين، حتى أصبحنا نزن أقل ما يمكن تصوره.
والعدل دائر في كل أقضية الحياة من القمة في شهادة ألا إله إلا الله إلى إماطة الأذى عن الطريق، فالعدل مطلوب في أمور التكليف كلها، في الأمور العقدية التي هي عمل القلب، وكذلك مطلوب في الأمور العملية التي هي أعمال الجوارح في حركة الحياة.


 

قديم 16-10-2011, 03:00 PM   #527
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 91

(وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون "91")
الوفاء: أن تفي بما تعاهدت عليه، والعهود لا تكون في المفروض عليك، إنما تكون في المباحات، فأنت حر أن تلقاني غداً وأنا كذلك، لكن إذا اتفقنا وتعاهدنا على اللقاء غداً في الساعة كذا ومكان كذا فقد تحول الأمر من المباح إلى المفروض، وأصبح كل منا ملزماً بأن يفي بعهده؛ لأن كل واحد منا عطل مصالحه ورتب أموره على هذا اللقاء، فلا يصح أن يفي أحدنا ويخلف الآخر، لأن ذلك يتسبب في عدم تكافؤ الفرص، ومعلوم أن مصالح العباد في الدنيا قائمة على الوفاء بالعهد.
وقد ينظر البعض إلى الوفاء بالعهد على أنه ملزم به وحده، أو أنه عبء عليه دون غيره، لكنه في الحقيقة عليك وعلى غيرك، فكما طلب منك الوفاء طلبه كذلك من الآخرين، فكل تكليف لك لا تنظر إليه هذه النظرة، بل تنظر إليه على أنه لصالحك.
فمن أخذ التكليف وأحكام الله من جانبه فقط يتعب، فالحق ـ تبارك وتعالى ـ كما كلفك لصالح الناس فقد كل الناس جميعاً لصالحك، فحين نهاك عن السرقة مثلاً إياك أن تظن أنه قيد حريتك أمام الآخرين؛ لأنه سبحانه نهى جميع الناس أن يسرقوا منك، فمن الفائز إذن؟ أنا قيدت حريتك بالحكم، وأنت فرد واحد، ولكني قيدت جميع الخلق من أجلك.
كذلك حين أمرك الشرع بغض بصرك على محارم الناس، أمر الناس جميعاً بغض أبصارهم عن محارمك. إذن: لا تأخذ التكليف على أنه عليك، بل هو لك، وفي صالحك أنت.
كثيرون من الأغنياء يتبرمون من الإنفاق، ويضيقون بالبذل، ومنهم من يعد ذلك مغرماً لأنه لا يدري الحكمة من تكليف الأغنياء بمساعدة الفقراء، لا يدري أننا نؤمن له حياته. وهانحن نرى الدنيا دولاً وأغياراً، فكم من غني صار فقيراً، وكم من قوي صار ضعيفاً.
إذن: فحينما يأخذ منك وأنت غني نطمئنك: لا تخف إذا ضاقت بك الحال، وإذا تبدل غناك فقراً، فكما أخذنا منك في حال الغنى سنعطيك في حال الفقر، وهذا يجب أن تكون نظرتنا إلى الأمور التكليفية.
وقوله تعالى:

{بعهد الله .. "91"}
(سورة النحل)


عهد الله: هو الشيء الذي تعاهد الله عليه، وأول عهد لك مع الله تعالى هو الإيمان به، ومادمت قد آمنت بالله فانظر إلى ما طلبه منك وما كلفك به، وإياك أن تخل بأمر من أموره؛ لأن الاختلال في أي أمر تكليفي من الله يعد نقصاً في إيمانك؛ لأنك حينما آمنت بالله شهدت بما شهد الله به لنفسه سبحانه في قوله تعالى:

{شهد الله أنه لا إله إلا هو "18"}
(سورة آل عمران)


فأول من شهد الله سبحانه لنفسه، وهذه شهادة الذات للذات (والملائكة أي: شهادة المشاهدة (وأولوا العلم) أي: بالدليل والحجة.
إذن: فأول عهد بينك وبين الله تعالى أنك آمنت به إلهاً حكيماً قادراً خالقاً مربياً، فاستمع إلى ما يطلبه منك، فإن لم تستمع وتنفذ فاعلم أن العهد الإيماني الأول قد اختل. ولذلك، فالحق ـ تبارك وتعالى ـ لم يكلف الكافر، لأنه ليس بينه وبينه عهد، إنما يكلف من آمن، فتجد كل آية من آيات الأحكام تبدأ بهذا النداء الإيماني:

{يا أيها الذين آمنوا .. "183"}
(سورة البقرة)


كما في قوله تعالى:

{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام .. "183"}
(سورة البقرة)


فيا من آمن بي رباً، ورضيتني إلهاً اسمع مني؛ لأني سأعطيك قانون الصيانة لحياتك، هذا القانون الذي يسعدك بالمسبب في الآخرة بعد أن أسعدك بالأسباب في الدنيا. وقوله:

{ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها .. "91"}
(سورة النحل)


الأيمان: جمع يمين، وهو الحلف الذي نحلفه ونؤكد عليه فنقول: والله، وعهد الله .. الخ. إذن: فلا يليق بك أن تنقض ما أكدته من الأيمان، بل يلزمك أن توفي بها؛ لأنك إن وفيت بها وفي لك بها أيضاً، فلا تأخذ الأمر من جانبك وحدك، ولكن انظر إلى المقابل.
وكذلك العهد بين الناس بعضهم البعض مأخوذ من باطن العهد الإيماني بالله تعالى؛ لأننا حينما نتعاهد نشهد الله على هذا العهد، فنقول: بيني وبينك عهد الله، فندخل بيننا الحق سبحانه وتعالى لنوثق ما تعاهدنا عليه، وربنا سبحانه وتعالى يقول:

{وقد جعلتم الله عليكم كفيلا .. "91"}
(سورة النحل)


أي: شاهداً ورقيباً وضامناً. وقوله:

{إن الله يعلم ما تفعلون "91"}
(سورة النحل)


أي: اعلم أن الله مطلع عليك، يعلم خفايا الضمائر وما تكنه الصدور، فأحذر حينما تعطي العهد أن تعطيه وأنت تنوي أن تخالفه، إياك أن تعطي العهد خداعاً، فربك سبحانه وتعالى يعلم ما تفعل


 

قديم 16-10-2011, 03:01 PM   #528
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 92

(ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون "92")
الحق تبارك وتعالى يضرب لنا في هذه الآية مثلاً توضيحياً للذين ينقضون العهد والأيمان، ولا يوفون بها، بهذه المرأة القرشية الحمقاء ريطة بنت عامر، وكانت تأمر جواريها بغزل الصوف من الصبح إلى الظهر، ثم تأمرهن بنقض ما غزلنه من الظهر حتى العصر، والمتأمل في هذا المثل يجد فيه دروساً متعددة.
أولاً: ما الغزل؟
الغزل عملية كان يقوم بها النساء قديماً، فكن يحضرن المادة التي تصلح للغزل مثل الصوف أو الوبر ومثل القطن الآن، وهذه الأشياء عبارة عن شعيرات دقيقة تختلف في طولها من نوع لآخر يسمونها التيلة، فيقولون "هذه تيلة قصيرة" وهذه طويلة".
والغزل هو أن نكون من هذه الشعيرات خيطاً طويلاً ممتداً وانسيابياً دون عقد فيه لكي يصلح للنسج بعد ذلك، وتتم هذه العملية بآلة بدائية تسمى المغزل. تقوم المرأة بخلط هذه الشعيرات الدقيقة ثم برمها بالمغزل، ليخرج في النهاية خيط طويل منساب متناسق لا عقد فيه.
والآية هنا ذكرت المرأة في هذا العمل؛ لأنه عمل خاص بالنساء في هذا الوقت دون الرجال، فكانت المرأة تكن في بيتها وتمارس مثل هذه الصناعات البسيطة التي تكون منها أثاث بيتها من فرش وملابس وغيره.
وإلى الآن نرى المرأة التي تحافظ على كرامتها من زحمة الحياة ومعترك الاختلاط، نراها تقوم بمثل هذا العمل النسائي.
وقد تطور المغزل الآن إلى ماكينة تريكو أو ماكينة خياطة، مما ييسر للنساء هذه الأعمال، ويحفظهن في بيوتهن، وينشر في البيت جواً من التعاون بين الأم وأولادها، وأمامنا مثلاً مشروع الأسر المنتجة حيث تشارك المرأة بجزء كبير في رقي المجتمع، فلا مانع إذن من عمل المرأة إذا كان عملاً شريفاً يحفظ عليها كرامتها ويصون حرمتها.
فالقرآن ضرب لنا مثلاً بعمل المرأة الجاهلية، هذا العمل الذي يحتاج إلى جهد ووقت في الغزل، ويحتاج إلى أكثر منه في نقضه وفكه، فهذه عملية شاقة جداً، وربما أمرت الجواري بفك الغزل والنسيج أيضاً؛ ولذلك أطلقوا عليها حمقاء قريش. وقوله:

{من بعد قوةٍ .. "92"}
(سورة النحل)


كلمة قوة هنا تدلنا على المراحل التي تمر بها عملية الغزل، وكم هي شاقة، بداية من جز الصوف من الغنم أو الوبر من الجمال، ثم خلط أطراف كل تيلة من هذه الشعيرات، بحيث تكون طرف كل تيلة منها في وسط الأخرى لكي يتم التلاحم بينها بهذا المزج، ثم تدير المرأة المغزل بين أصابعها لتخرج لنا في النهاية بضعة سنتيمترات من الخيط، ولو قارنا بين هذه العملية اليدوية، وبين ما توصلت إليه صناعة الغزل الآن لتبين لنا كم كانت شاقة عليهم.
فكأن القرآن الكريم شبه الذي يعطي العهد ويوثقه بالأيمان المؤكدة، ويجعل الله وكيلاً وشاهداً على ما يقول بالتي غزلت هذا الغزل، وتحملت مشقته، ثم راحت فنقضت ما أنجزته، وفكت ما غزلته.
وكذلك كلمة (قوة) تدلنا على أن كل عمل يحتاج إلى قوة، هذه القوة إما أن تحرك الساكن أو تسكن المتحرك؛ لذلك قال تعالى في آية أخرى:

{خذوا ما آتيناكم بقوةٍ .. "63"}
(سورة البقرة)


لأن ساكن الخير نريد أن نحركك إليه، ومتحرك الشر نريد أن نكفك عنه. وهذه يسمونها في عالم الحركة (قانون العطالة) المتحرك يظل متحركاً إلى أن يعرض له شيء يسكنه، والساكن يظل ساكناً إلى أن يعرض له شيء يحركه.
ومن هنا يتعجب الكثيرون من الأقمار الصناعية التي تدور أعواماً عدة في الفضاء: ما الوقود الذي يحرك هذه الأقمار طوال هذه الأعوام؟
والواقع أنه لا يوجد وقود يحركها، الوقود في مرحلة الانطلاق فقط، إلى أن يخرج من منطقة الهواء والجذب، فإذا ما استقر القمر أو السفينة الفضائية في منطقة عدم الجذب تدور وتتحرك بنفسها دون وقود، فهناك الشيء المتحرك يظل متحركاً، والساكن يظل ساكناً.


 

قديم 16-10-2011, 03:02 PM   #529
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 93

(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون "93")
لو حرف امتناع لامتناع. أي: امتناع وجود الجواب لامتناع وجود الشرط، كما في قوله تعالى:

{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا "22"}
(سورة الأنبياء)


فقد امتنع الفساد لامتناع تعدد الآلهة. فلو شاء الله لجعل العالم كله أمة واحدة على الحق، لا على الضلال، أمة واحدة في الإيمان والهداية، كما جعل الأجناس الأخرى أمة واحدة في الانصياع لمرادات الله منها.
ذلك لأن كل أجناس الوجود المخلوقة للإنسان قبل أن يفد إلى الحياة مخلوقة بالحق خلقاً تسخيرياً، فلا يوجد جنس من الأجناس تأبى عما قصد منه، لا الجماد ولا النبات ولا الحيوان. كل هذه الأكوان تسير سيراً سليماً كما أراد الله منها، والعجيب أن يكون الإنسان هو المخلوق الوحيد المختل في الكون، ذلك لما له من حرية الاختيار، يفعل أو لا يفعل. لذلك يقول الحق تبارك وتعالى:

{ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب .. "18"}
(سورة الحج)


هكذا تسجد كل هذه المخلوقات لله دون استثناء، إلا في الإنسان فقال تعالى:

{وكثير حق عليه العذاب .. "18"}
(سورة الحج)


فلماذا حدث هذا الاختلاف عند الناس؟ لأنهم أصحاب الاختيار، فيستطيع الواحد منهم أن يفعل أو لا يفعل، هل هذه المسألة خرجت عن إرادة الله، أم أرادها الله سبحانه وتعالى؟
قالوا بأن الله زاول قدرته المطلقة في خلق الأشياء المسخرة، بحيث لا يخرج شيء عما أريد منه، وكان من الممكن أن يأتي الإنسان على هذه الصورة من التسخير، لكنه في هذه الحالة لن يزيد شيئاً، ولن يضيف جديداً في الكون، أليست الملائكة قائمة على التسخير؟
فالتسخير يثبت القدرة لله تعالى، فلا يخرج عن قدرته ولا عن مراده شيء، لكن الاختيار يثبت المحبوبية لله تعالى، وهذا فرق يجب أن نتدبره.
فمثلاً لو كان عندك عبدان أو خادمان أحدهما سعيد، والآخر مسعود، فأخذت سعيداً وقيدته إليك في حبل، في حين تركت مسعوداً حراً طليقاً، وحين أمرت كلاً منهما لبى وأطاع، فأي طاعة ستكون أحب إليك: طاعة القهر والتسخير، أم الطاعة بالاختيار؟
فكأن الحق تبارك وتعالى خلق الإنسان وكرمه بأن جعله مختاراً في أن يطيع أو أن يعصى، فإذا ما أتى طائعاً مختاراً، وهو قادر على المعصية، فقد أثبت المحبوبية لربه سبحانه وتعالى. ولابد أن تتوافر للاختيار شروط. أولها العقل، فهو آلة الاختيار، كذلك لا يكلف المجنون، فإذا توفر العقل لابد له من النضج والبلوغ، ويتم ذلك حينما يكون الإنسان قادراً على إنجاب مثله، وأصبحت له ذاتية مولده.
وهذه سمة اكتمال الذات؛ فهو قبل هذا الاكتمال ناقص التكوين، وليس أهلاً للتكليف، فإذا كان عاقلاً ناضجاً بالبلوغ واكتمال الذات فلابد له أن يكون مختاراً غير مكره، فإن أكره على الشيء فلن يسأل عنه، فإن اختل شرط من هذه الثلاثة فلا معنى للاختيار، وبذلك يضمن الحق تبارك وتعالى للإنسان السلامة في الاختيار.
والحق تبارك وتعالى وإن كرم الإنسان بالاختيار، فمن رحمته به أن يجعل فيه بعض الأعضاء اضطرارية مسخرة لا دخل له فيها. ولو تأملنا هذه الأعضاء لوجدناها جوهرية، وتتوقف عليها حياة الإنسان، فكان من رحمة الله بنا أن جعل هذه الأعضاء تعمل وتؤدي وظيفتها دون أن نشعر.
فالقلب مثلاً يعمل بانتظام في اليقظة والمنام دون أن نشعر به، وكذلك التنفس والكلى والكبد والأمعاء وغيرها تعمل بقدرته سبحانه مسخرة، كالجماد والنبات والحيوان.
ومن لطف الله بخلقه أن جعل هذه الأعضاء مسخرة، لأنه بالله لو أنت مختار في عمل هذه الأعضاء، كيف تتنفس مثلاً وأنت نائم؟!
إذن: من رحمة الله أن جعلك مختاراً في الأعمال التي تعرض لك، وتحتاج فيها إلى النظر في البدائل؛ ولذلك يقولون: الإنسان أبو البدائل. فالحيوان مثلاً وهو أقرب الأجناس إلى الإنسان ليس لديه هذه البدائل ولا يعرفها، فإذا آذيت حيواناً فإنه يؤذيك، وليس لديه بديل آخر.
ولكن إذا آذيت إنساناً، فيحتمل أن يرد عليك بالمثل، أو بأكثر مما فعلت، أو أقل، أو يعفو ويصفح، والعقل هو الذي يرجح أحد هذه البدائل. إذن: لو شاء الحق سبحانه وتعالى أن يجعل الناس أمة واحدة لجعلها، كما قال تعالى:

{أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً "31"}
(سورة الرعد)


ولكنه سبحانه وتعالى لم يشأ ذلك، بدليل قوله:

{ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء .. "93"}
(سورة النحل)


وهذه الآية يقف عندها المتمحكون، والذين قصرت أنظارهم في فهم كتاب الله، فيقولون: طالما أن الله هو الذي يضل الناس، فلماذا يعذبهم؟ ونتعجب من هذا الفهم لكتاب الله ونقول لهؤلاء: لماذا أخذتم جانب الضلال وتركتم جانب الهدى؟ لماذا لم تقولوا: طالما أن الله بيده الهداية، وهو الذي يهدي، فلماذا يدخلنا الجنة؟
إذن: هذه كلمة يقولها المسرفون؛ لأن معنى:

{يضل من يشاء ويهدي من يشاء .. "93"}
(سورة النحل)


أي: يحكم على هذا من خلال عمله بالضلال، ويحكم على هذا من خلال عمله بالهداية، مثل ما يحدث عندنا في لجان الامتحان، فلا نقول: اللجنة أنجحت فلاناً وأرسبت فلاناً، فليست هذه مهمتها، بل مهمتها أن تنظر أوراق الإجابة، ومن خلالها تحكم اللجنة بنجاح هذا وإخفاق ذاك.
وكذلك الحق ـ تبارك وتعالى ـ لا يجعل العبد ضالاً، بل يحكم على عمله أنه ضلال وأنه ضال؛ فالمعنى إذن: يحكم بضلال من يشاء، ويحكم بهدى من يشاء، وليس لأحد أن ينقل الأمر إلى عكس هذا الفهم، بدليل قوله تعالى بعدها:

{ولتسألن عما كنتم تعملون "93"}
(سورة النحل)


فالعبد لا يسأل إلا عما عملت يداه، والسؤال هنا معناه حرية الاختيار في العمل، وكيف تسأل عن شيء لا دخل لك فيه؟ فلنفهم ـ إذن ـ عن الحق تبارك وتعالى مراده من الآية


 

قديم 16-10-2011, 03:03 PM   #530
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 94

(ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم"94")
وردت كلمة الدخان في الآية قبل السابقة وقلنا: إن معناها: أن تدخل في الشيء شيئاً أدنى منه من جنسه على سبيل الغش والخداع، وإن كان المعنى واحداً في الآيتين فإن الآية السابقة جاءت لتوضيح سبب الدخل وعلته، وهي أن تكون أمة أربى من أمة، ويكسب أحد الأطراف على حساب الآخر. أما في هذه الآية فجاءت لتوضيح النتيجة من وجود الدخل، وهي:

{فتزل قدم بعد ثبوتها .. "94"}
(سورة النحل)


ففي الآية نهي عن اتخاذ الأيمان للغش والخداع والتدليس؛ لأن نتيجة هذا الفعل فساد يأتي على المجتمع من أساسه، وفقد للثقة المتبادلة بين الناس والتي عليها يقوم التعامل، وتبنى حركة الحياة، فالذي يعطي عهداً ويخلفه، ويحلف يميناً ويحنث فيه يشتهر عنه أنه مخلف للعهد ناقض للميثاق.
وبناءً عليه يسحب الناس منه الثقة فيه، ولا يجرؤ أحد على الصفق معه، فيصبح مهيناً ينفض الناس أيديهم منه، بعد أن كان أميناً وأهلاً للثقة ومحلاً للتقدير. هذا معنى قوله تعالى:

{فتزل قدم بعد ثبوتها .. "94"}
(سورة النحل)


وبذلك يسقط حقه مع المجتمع، ويحيق به سوء فعله، ويجني بيده ثمار ما أفسده في المجتمع، وبانتشار هذا الخلق السيئ تتعطل حركة الحياة، وتضيع الثقة والأمانة.
إذن: هذه زلة وكبوة بعد ثبات وقوة، بعد أن كان أهلاً للثقة صاحب وفاء بالعهود والمواثيق يقبل عليه الناس، ويحبون التعامل معه بما لديه من شرف الكلمة وصدق الوعد، فإذا به يتراجع للوراء، ويتقهقر للخلف، ويفقد هذه المكانة.
ولذلك نجد أهل المال والتجارة يقولون: فلان اهتز مركزه في السوق أي: زلت قدمه بما حدث منه من نقضٍ للعهود، وحنث في الأيمان وغير ذلك مما لا يليق بأهل الثقة في السوق، ومثل هذا ينتهي به الأمر إلى أن يعلن إفلاسه في دنيا التعامل مع الناس.
أما الوفاء بالعهود والمواثيق والأيمان فيجعل قدمك في حركة الحياة ثابتة لا تتزحزح ولا تهتز، فترى مال الناس جميعاً ماله، وتجد أصحاب الأموال مقبلين عليك يضعون أموالهم بين يديك، بما تتمتع به من سمعة طيبة ونزاهة وأمانة في التعامل.
ولذلك، فالتشريع الإسلامي حينما شرع لنا الشركة راعي هذا النوع من الناس الذي لا يملك إلا سمعة طيبة وأمانة ونزاهة ووفاء، هذا هو رأس مالهم، فإن دخل شريك بما لديه من رأس المال، فهذا شريك بما لديه من شرف الكلمة وشرف السلوك، ووجاهة بين الناس، وماضٍ مشرف من التعامل.
وهذه يسمونها "شركة الوجوه والأعيان" وهذا الوجيه في دنيا المال والتجارة لم يأخذ هذه الوجاهة إلا بما اكتسبه من احترام الناس وثقتهم، وبما له من سوابق فضائل ومكارم.
وكذلك، قد نرى هذه الثقة لا في شخص من الأشخاص، بل نراها في ماركة من الماركات أو العلامات التجارية، فنراها تباع وتشتري، ولها قيمة غالية في السوق بما نالته من احترام الناس وتقديرهم، وهذا أيضاً نتيجة الصدق والالتزام والأمانة وشرف الكلمة.
وقوله تعالى:

{وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم "94"}
(سورة النحل)


السوء: أي العذاب الذي يسوء صاحبه في الدنيا من مهانة واحتقار بين الناس، وكساد في الحال، بعد أن سقط من نظر المجتمع، وهدم جسر الثقة بينه وبين مجتمعه. وقوله تعالى:

{بما صددتم عن سبيل الله .. "94"}
(سورة النحل)


الحديث هنا عن الذين ينقضون العهود والأيمان ولا يوفون بها، فهل في هذا صد عن سبيل الله؟
نقول: أولاً إن معنى سبيل الله: كل شيء يجعل حركة الحياة منتظمة تدار بشرف وأمانة وصدق ونفاذ عهد.
ومن هنا، فالذي يخلف العهد، ولا يفي بالمواثيق يعطي للمجتمع قدوة سيئة تجعل صاحب المال يضن بماله، وصاحب المعروف يتراجع، فلو أقرضت إنساناً وغدر بك فلا أظنك مقرضاً لآخر.
إذن: لاشك أن في هذا صداً عن سبيل الله، وتزهيداً للناس في فعل الخير. وقوله تعالى:

{ولكم عذاب عظيم "94"}
(سورة النحل)


فبالإضافة إلى ما حاق بهم من خسارة في الدنيا، وبعد أن زلت بهم القدم، ونزل بهم من عذاب الدنيا ألوان مازال ينتظرهم عذاب عظيم أي في الآخرة


 

قديم 16-10-2011, 03:04 PM   #531
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 95

(ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون "95")
الحق تبارك وتعالى في هذه الآية ينهانا ويحذرنا: إياك أن تجعل عهد الله الذي أكدته للناس، وجعلت الله عليه كفيلاً، فبعد أن كنت حراً في أن تعاهد أو لا تعاهد، فبمجرد العهد أصبح نفاذه واجباً ومفروضاً عليك.
أو: عهد الله ـ أي ـ شرعه الذي تعاهدت ـ على العمل به والحفاظ عليه، وهو العهد الإيماني الأعلى، وهو أن تؤمن بالله وبصدق الرسول في البلاغ عن الله، تلتزم بكل ما جاء به الرسول من أحكام، إياك أن تقابله بشيء آخر تجعله أغلى منه؛ لأنك إن نقضت عهد الله لشيء آخر من متاع الدنيا الزائل فقد جعلت هذا الشيء أغلى من عهد الله؛ لأن الثمن مهما كان سيكون قليلاً.
ثم يأتي تعليل ذلك في قوله:

{إنما عند الله هو خير لكم .. "95"}
(سورة النحل)


فالخير في الحقيقة ليس في متاع الدنيا مهما كثر، بل فيما عند الله تعالى، وقد أوضح ذلك في قوله تعالى:

{ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ "96"}
(سورة النحل)


ولنا وقفه مع قوله تعالى:

{هو خير لكم .. "95"}
(سورة النحل)


فهذا أسلوب توكيد بالقصر بإعادة الضمير (هو)، فلم يقل الحق سبحانه إنما عند الله خير لكم، فيحتمل أن ما عند غيره أيضاً خير لكم، أما في تعبير القرآن (هو خير لكم) أي: الخير فيما عند الله على سبيل القصر، كما في قوله تعالى:

{وإذا مرضت فهو يشفين "80"}
(سورة الشعراء)


فجاء بالضمير "هو" ليؤكد أن الشافي هو الله لوجود مظنة أن يكون الشفاء من الطبيب، أما في الأشياء التي لا يظن فيها المشاركة فتأتي دون هذا التوكيد كما في قوله تعالى:

{والذي يميتني ثم يحيين "81"}
(سورة الشعراء)


فلم يقل: هو يميتني هو يحيين؛ لأنه لا يميت ولا يحيي إلا الله، فلا حاجة للتوكيد هنا. ما الذي يخرج الإنسان عن الوفاء بالعهد؟
الذي يخرج الإنسان عن الوفاء بالعهد أن يرى مصلحة سطحية فوق ما تعاقد عليه تجعله يخرج عما تعاهد عليه إلى هذه السطحية، ولكنه لو عقل وتدبر الأمر لعلم أن ما يسعى إليه ثمن بخس، ومكسب قليل زائل إذا ما قارنه بما ادخر له في حالة الوفاء؛ لأن ما أخذه حظاً من دنياه لابد له من زوال.
والعقل يقول: إن الشيء، إذا كان قليلاً باقياً يفضل الكثير الذي لا يبقى، فما بالك إذا كان القليل هو الذي يفنى، والكثير هو الذي يبقى.
ومثال ذلك: لو أعطيتك فاكهة تكفيك أسبوعاً أو شهراً فأكلتها في يوم واحد، فقد تمتعت بها مرة واحدة، وفاتك منها متع وأكلات متعددة لو أكلتها في وقتها.
لذلك؛ فالحق سبحانه وتعالى ينبهك أن ما عند الله هو الخير الحقيقي، فجعل موازينك الإيمانية دقيقة، فمن الحمق أن تبيع الكثير الباقي بالقليل الفاني:

{إن كنتم تعلمون "95"}
(سورة النحل)


في الآية دقة الحساب، ودقة المقارنة، ودقة حل المعادلات الاقتصادية


 

قديم 16-10-2011, 06:49 PM   #532
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 96

(ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"96")
يوضح الحق تبارك وتعالى أن حظ الإنسان من دنياه عرض زائل، فإما أن تفوته بالموت، أو يفوتك هو بما يجري عليك من أحداث، أما ما عند الله فهو باق لا نفاذ له.

{ولنجزين الذين صبروا .. "96"}
(سورة النحل)


كلمة (صبروا) تدل على أن الإنسان سيتعرض لهزات نفسية نتيجة ما يقع فيه من التردد بين الوفاء بالعهد أو نقضه، حينما يلوح له بريق المال وتتحرك بين جنباته شهوات النفس، فيقول له الحق تبارك وتعالى: اصبر .. اصبر لا تكن عجولاً، وقارن المسائل مقارنة هادئة، وتحمل كل مشقة نفسية، وتغلب على شهوة النفس؛ لتصل إلى النتيجة المحمودة.
فالتلميذ الذي يجتهد ويتعب ويتحمل مشقة الدرس والتحصيل يصر على الشهوات العاجلة لما ينتظره من شهوات باقية آجلة، فوراء الدرس والتحصيل غاية اكبر وهدف أسمى. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:

{ولنجزين الذين صبروا .. "96"}
(سورة النحل)


أي: على مشقات الوفاء بالعهود.

{أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "96"}
(سورة النحل)


أي: أجراً بالزيادة في الجزاء على احسن ما يكون؛ فالإنسان حين يعمل مفروضاً أو مندوباً فله الجزاء، أما المباح فالمفروض ألا جزاء له، ولكن فضل الله يجزي عليه أيضاً


 

قديم 16-10-2011, 06:50 PM   #533
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 97

(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "97")
الحق تبارك وتعالى يعطينا قضية عامة، هي قضية المساواة بين الرجل والمرأة، فالعهود كانت عادة تقع بين الرجال، وليس للمرأة تدخل في إعطاء العهود، حتى إنها لما دخلت في عهد مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بيعة العقبة جعل واحداً من الصحابة يبايع النساء نيابة عنه.
إذن: المرأة بعيدة عن هذا المعترك نظراً لأن هذا من خصائص الرجال عادةً، أراد سبحانه أن يقول لنا: نحن لا نمنع أن يكون للأنثى عمل صالح.
ولا تظن أن المسألة منسحبة على الرجال دون النساء، فالعمل الصالح مقبول من الذكر والأنثى على حدً سواء، شريطة أن يتوفر له الإيمان، ولذلك يقول تعالى:

{وهو مؤمن .. "97"}
(سورة النحل)


وبذلك يكون العمل له جدوى ويكون مقبولاً عند الله؛ ولذلك نرى كثيراً من الناس الذين يقدمون أعمالاً صالحة، ويخدمون البشرية بالاختراعات والاكتشافات، ويداوون المرضى، ويبنون المستشفيات والمدارس، ولكن لا يتوفر لهم شرط الإيمان بالله.
فنرى الحق تبارك وتعالى لا يبخس هؤلاء حقهم، ولكن يعجله لهم في الدنيا؛ لأنه لا حظ لهم في أجر الآخرة، يقول تعالى:

{من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب "20"}
(سورة الشورى)


ويقول الحق سبحانه وتعالى:

{فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره "7" ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره "8"}
(سورة الزلزلة)


وهذا كله خاص بأمور الدنيا، فالذي يحسن شيئاً ينال ثمرته، لكن في جزاء الآخرة نقول لهؤلاء: لا حظ لكم اليوم، وخذوا أجركم ممن عملتم له فقد عملتم الخير للإنسانية للشهرة وخلود الذكر، وقد أخذتم ذلك في الدنيا فقد خلدوا ذكراكم، ورفعوا شأنكم، وصنعوا لكم التماثيل، ولم يبخسوكم حقكم في الشهرة والتكريم.
ويوم القيامة يواجههم الحق سبحانه وتعالى: فعلتم ليقال .. وقد قيل، فاذهبوا وخذوا ممن عملتم لهم. هؤلاء الذين قال الله في حقهم:

{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب "39"}
(سورة النور)


يفاجأ يوم القيامة أن له إلهاً كان ينبغي أن يؤمن به ويعمل ابتغاء وجهه ومرضاته. إذن: فالإيمان شرط لقبول العمل الصالح، فإذا ما توفر الإيمان فقد استوى الذكر والأنثى في الثواب والجزاء. يقول تعالى:

{فلنحيينه حياة طيبة .. "97"}
(سورة النحل)


هذه هي النتيجة الطبيعة للعمل الصالح الذي يبتغي صاحبه وجه الله والدار الآخرة، فيجمع الله له حظين من الجزاء، حظاً في الدنيا بالحياة الطيبة الهانئة، وحظاً في الآخرة:

{ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "97"}
(سورة النحل)




 

قديم 16-10-2011, 06:50 PM   #534
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 98

(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "98")
الاستعاذة: اللجوء والاعتصام بالله من شيء تخافه، فأنت لا تلجأ ولا تعتصم، ولا تستجير ولا تستنجد إلا إذا استشعرت في نفسك أنك ضعيف عن مقاومة عدوك.
فإذا كان عدوك الشيطان بما جعل الله له من قوة وسلطان، وما له من مداخل للنفس البشرية فلا حول لك ولا قوة في مقاومته إلا أن تلجأ إلى الله القوي الذي خلقك وخلق هذا الشيطان، وهو القادر وحده على رده عنك؛ لأن الشيطان في معركة مع الإنسان تدور رحاها إلى يوم القيامة.
وقد أقسم الشيطان للحق تبارك وتعالى، فقال:

{فبعزتك لأغوينهم أجمعين "82" إلا عبادك منهم المخلصين "83"}
(سورة ص)


فما عليك إلا أن تكون من هؤلاء، ما عليك إلا أن ترتمي في حضن ربك عز وجل وتعتصم به، فهو سبحانه القوي القادر على أن يدفع عنك ما لم تستطع أنت دفعه عن نفسك، فلا تقاومه بقوتك أنت؛ لأنه لا طاقة لك به، ولا تدعه ينفرد بك؛ لأنه إن انفرد بك وأبعدك عن الله فسوف تكون له الغلبة.
ولذلك نقول دائماً: لا حول ولا قوة إلا بالله، أي: لا حول: لا تحول عن المعصية. ولا قوة. أي: على الطاعة إلا بالله.
ونحن نرى الصبي الصغير الذي يسير في الشارع مثلاً قد يتعرض لمن يعتدي عليه من أمثاله من الصبية، أما إذا كان في صحبة والده فلا يجرؤ أحد منهم أن يتعرض له، فما بالك بمن يسير في صحبة ربه تبارك وتعالى، ويلقي بنفسه في حماية الله سبحانه؟!

<وفي مقام الاستعاذة بالله نذكر قاعدة إيمانية علمنا إياها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: "من استعاذ بالله فأعيذوه">

فيلزم المؤمن أن يعيذ من استعاذ بالله، وإن كان في أحب الأشياء إليه، والرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا القدوة في ذلك، حينما تزوج من فتاة على قدر كبير من الحسن والجمال لدرجة أن نساءه غرن منها، وأخذن في الكيد لها وزحزحتها من أمامهن حتى لا تغلبهن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كيف لهن ذلك؟
حاولن استغلال أن هذه الفتاة ما تزال صغيرة غرة، تتمتع بسلامة النية وصفاء السريرة، ليس لديها من تجارب الحياة ما تتعلم منه لؤماً أو مكراً، وهي أيضاً ما تزال في نشوة فرحتها بأن أصبحت أماً للمؤمنين، وتحرص كل الحرص على إرضاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستغل نساء النبي صلى الله عليه وسلم هذا كله، وقالت لهن إحداهن: إذا دخلت على رسول الله فقولي له: أعوذ بالله منك، فإنه يحب هذه الكلمة.
أخذت الفتاة هذه الكلمة بما لديها من سلامة النية، ومحبة لرسول الله، وحرص على إرضائه، وقالت له: أعوذ بالله منك، وهي لا تدري معنى هذه العبارة فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد عذت بمعاذ الحقي بأهلك".
أي: مادمت استعذت بالله فأنا قبلت هذه الاستعاذة؛ لأنك استعذت بمعاذ أي: بمن يجب علينا أن نتركك من أجله، ثم طلقها النبي صلى الله عليه وسلم امتثالاً لهذه الاستعاذة.
إذن: من استعاذ بالله لابد للمؤمن أن يعيذه، ومن استجار اله لابد للمؤمن أن يكون جندياً من جنود الله، ويجيره حتى يبغ مأمنه. وفي الآية الكريمة أسلوب شرط، اقترن جوابه بالفاء في قوله تعالى:

{فاستعذ .. "98"}
(سورة النحل)


فإذا رأيت الفاء فاعلم أن ما بعدها مترتب على ما قبلها، كما لو قلت: إذا قابلت محمداً فقل له كذا .. فلا يتم القول إلا بعد المقابلة. أما في الآية الكريمة فالمراد: إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ؛ لأن الاستعاذة هنا تكون سابقة على القراءة، كما جاء في قوله الحق تبارك وتعالى:

{يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .. "6"}
(سورة المائدة)


فالمعنى: إذا أردتم إقامة الصلاة فاغسلوا وجوهكم، وكذلك إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن القرآن كلام الله.
ولو آمنا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتكلم لعلمنا أن قراءة القرآن تختلف عن أي قراءة أخرى، فأنت كي تقرأ القرآن تقوم بعمليات متعددة:
أولها: استحضار قداسة المنزل سبحانه الذي آمنت به وأقبلت على كلامه.
ثانيها: استحضار صدق الرسول في بلاغ القرآن المنزل عليه.
ثالثها: استحضار عظمة القرآن الكريم، بما فيه من أوجه الإعجاز، وما يحويه من الآداب والأحكام.
إذن: لديك ثلاث عمليات تستعد بها لقراءة كلام الله في قرآنه الكريم، وكل منها عمل صالح لن يدعك الشيطان تؤديه دون أن يتعرض لك، ويوسوس لك، ويصرفك عما أنت مقبل عليه.
وساعتها لن تستطيع منعه إلا إذا استعنت عليه بالله، واستعذت منه بالله، وبذلك تكون في معية الله منزل القرآن سبحانه وتعالى وفي رحاب عظمة المنزل عليه محمد صدقاً، ومع استقبال ما في القرآن من إعجاز وآداب وأحكام.
ومن هنا وجب علينا الاستعاذة بالله من الشيطان قبل قراءة القرآن.
ومع ذلك لا مانع من حمل المعنى على الاستعاذة أيضاً بعد قراءة القرآن، فيكون المراد: إذا قرأت القرآن فاستعذ بالله .. أي: بعد القراءة؛ لأنك بعد أن قرأت كتاب الله خرجت منه بزاد إيماني وتجليات ربانية، وتعرضت لآداب وأحكام طلبت منك، فعليك ـ إذن ـ أن تستعيذ بالله من الشيطان أن يفسد عليك هذا الزاد وتلك التجليات أو يصرفك عن أداء هذه الآداب والأحكام.
وقوله تعالى:

{من الشيطان الرجيم "98"}
(سورة النحل)


أي: المعلون المطرود من رحمة الله؛ لأن الشيطان ليس مخلوقاً جديداً يحتاج أن نجربه لنعرف طبيعته وكيفية التعامل معه، بل له معنا سوابق عداء منذ أبينا آدم عليه السلام. وقد حذر الله تعالى آدم منه فقال:

{يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك .. "117"}
(سورة طه)


وسبق أن رجم ولعن وأبعد من رحمة الله، فقد هددنا بقوله:

{لأحتنكن ذريته .. "62"}
(سورة الإسراء)


 

قديم 16-10-2011, 06:51 PM   #535
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 99

(إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون"99")
لحكمة أرادها الخالق سبحانه أن جعل للشيطان سلطاناً. أي: تسلطاً. وكلمة (السلطان مأخوذة من السليط، وهو الزيت الذي كانوا يوقدون به السرج والمصابيح قبل اكتشاف الكهرباء، فكانوا يضعون هذا الزيت في إناء مغلق مثل السلطانية يخرج منه فتيلة، وعندما توقد تمتص من هذا الزيت وتضيء؛ ولذلك سميت الحجة سلطاناً؛ لأنها تنير لصاحبها وجه الحق.
والسلطان، إما سلطان حجة تقنعك بالفعل، فتفعل وأنت راضٍ مقتنع به. وإما سلطان قهر وغلبة يجبرك على الفعل ويحملك عليه قهراً دون اقتناع به.
إذن: تنفيذ المطلوب له قوتان: قوة الحجة التي تضيء لك وتوضح أمامك معالم الحق، وقوة القهر التي تجبرك على تنفيذ المطلوب عن غير اقتناع وإن لم ترها.
والحقيقة أن الشيطان لا يملك أياً من هاتين القوتين، لا قوة الحجة والإقناع، ولا قوة القهر. وهذا واضح في قول الحق تبارك وتعالى على لسان الشيطان يوم القيامة:

{وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم "22"}
(سورة إبراهيم)


هذا حوار يدور يوم القيامة بعد أن انتهت المسألة وتكشفت الحقيقة، وجاء وقت المصارحة والمواجهة. يقول الشيطان لأوليائه متنصلاً من المسئولية: ما كان عندي من سلطان عليكم، لا سلطان حجة تقنعكم أن تفعلوا عن رضاً، ولا سلطان قهر أجبركم به أن تفعلوا وأنتم كارهون، أنا فقط أشرت ووسوست فأتيتموني طائعين.

{ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي .. "22"}
(سورة إبراهيم)


أي: نحن في الخيبة سواء، فلا أستطيع نجدتكم، ولا تستطيعون نجدتي؛ لأن الصراخ يكون من شخص وقع في ضائقة أو شدة لا يستطيع الخلاص منها بنفسه، فيصرخ بصوت عالٍ لعله يجد من يغيثه ويخلصه، فإذا ما استجاب له القوم فقد أصرخوه. أي: أزالوا سبب صراخه.
إذن: فالمعنى: لا أنا أستطيع إزالة سبب صراخكم، ولا أنتم تستطيعون إزالة سبب صراخي. وكذلك في حوار آخر دار بين أهل الباطل الذين تكاتفوا عليه في الدنيا، وهاهي المواجهة يوم القيامة:

{وقفوهم إنهم مسئولون "24" ما لكم لا تناصرون "25" بل هم اليوم مستسلمون "26" وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون "27" قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين "28" قالوا بل لم تكونوا مؤمنين "29" وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين "30"}
(سورة الصافات)


والمراد بقوله: (عن اليمين) أن الإنسان يزاول أعماله بكلتا يديه، لكن اليد اليمنى هي العمدة في العمل، فأتيته عن اليمين أي: من ناحية اليد الفاعلة.

{وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين "30"}
(سورة الصافات)


أي: في انتظار إشارة منا، مجرد إشارة، فسارعتم ووقعتم فيما وقعتم فيه. فعلى من يكون تسلط الشيطان وتلك الغلبة والقهر؟
يوضح الحق تبارك وتعالى أن تسلط الشيطان لا يقع على من آمن به رباً، ولجأ إليه واعتصم به، ومادمت آمنت بالله فأنت في معيته وحفظه، ولا يستطيع الشيطان وهو مخلوق لله تعالى أن يتسلط عليك أو يغلبك.
إذن: ????? الذي يقينا كيد الشيطان هو الإيمان بالله والتوكل عليه سبحانه. فعلى من إذن يتسلط الشيطان؟


 

قديم 16-10-2011, 06:51 PM   #536
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 100

(إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون"100")
معنى يتولونه: أي يتخذونه ولياً يطيعون أمره، ويخضعون لوسوسته، ويتبعون خطواته:

{الذين يتولونه والذين هم به مشركون "100"}
(سورة النحل)


أي: مشركون بالله، أو يكون المعنى: وهم به أي بسببه أشركوا؛ لأنه أصبح له أوامر ونواه وهم يطيعونه، وهذه هي العبادة بعينها، فكأنهم عبدوه من دون الله بما قدموه من طاعته في أمره ونهيه.
وقد سمى الله طريقة الشيطان في الإضلال والغواية وسوسة، والوسوسة في الحقيقة هي صوت الحلي حينما يتحرك في أيدي النساء، فيحدث صوتاً رقيقاً فيه جاذبية وإغراء تهيج له النفس، وكذلك الشيطان يدخل إليك عن طريق الإغراء والتزيين، فإذا ما هاجت عليك نفسك وحدثتك بالمعصية تركك لها، فعند هذه النقطة تنتهي مهمته.
ولكن، هل النفس لا تفعل المعصية إلا بوسوسة الشيطان؟
قالوا: لا، فالنفس ـ والمراد هنا النفس الأمارة بالسوء ـ قد تفعل المعصية من نفسها دون وسوسة من الشيطان، وقد يوسوس الشيطان لها، وينزغها نزغاً ويؤلبها، ويزين لها معصية ما كانت على بالها.
فكيف ـ إذن ـ يفرق بين هاتين المعصيتين؟
النفس حينما ترغب في معصية أو شهوة تراها تقف عند معصية بعينها لا تتزحزح عنها، وإذا قاومت نفسك، وحاولت صرفها عن هذه الشهوة ألحت عليك بها، وطلبتها بعينها، فشهوة النفس إذن ثابتة؛ لأنها تشتهي شيئاً واحداً تلح عليه.
ولكن حينما يوسوس الشيطان لك بشهوة فوجد منك مقاومة وقدرة على مجابهته صرف نظرك إلى أخرى؛ لأنه يريدك عاصياً بأي شكل من الأشكال، فتراه يزين لك معصية أخرى وأخرى، إلى أن ينال منك ما يريد.
ومن ذلك ما نراه في الرشوة مثلاً ـ والعياذ بالله ـ فإن رفضت رشوة المال زين لك رشوة الهدية، وإن رفضت رشوة الهدية زين لك الرشوة بقضاء مصلحة مقابلة.
وهكذا يظل هذا اللعين وراءك حتى يصل إلى نقطة ضعف فيك، إذن: فهو ليس كالنفس يقف بك عند شهوة واحدة، ولكنه يريد أن يوقع بك على أي صورة من الصور.
ولكي نقف على مداخل الشيطان ونكون منه على حذر يجب أن نعلم أن الشيطان على علم كبير وصل به إلى صفوف الملائكة، بل سموه "طاووس الملائكة"، ويمكن أن نقف على شيء من علم الشيطان في دقة قسمه، حينما أقسم للحق تبارك وتعالى أن يغوي بني آدم، فقال:

{فبعزتك لأغوينهم أجمعين "82" إلا عبادك منهم المخلصين "83"}
(سورة ص)


هكذا عرف الشيطان أن يقسم القسم المناسب، فلم يقل: بقوتي ولا بحجتي سأغوي الخلق، بل عرف لله تعالى صفة العزة، فهو سبحانه عزيز لا يغلب؛ لذلك ترك لخلقه حرية الإيمان به، فقال:

{فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "29"}
(سورة الكهف)


فالمعنى: فبعزتك عن خلقك: يؤمن من يؤمن، ويكفر من يكفر، سوف أدخل من هذا الباب لإغواء البشر، ولكني لا أجرؤ على الاقتراب ممن اخترتهم واصطفيتهم، لن أتعرض لعبادك المخلصين، ولا دخل لي بهم، ولا سلطان لي عليهم.
كذلك يجب أن نعلم أن الشيطان دقيق في تخطيطه، وهذا من مداخله وتلبيسه الذي يدعونا إلى الحذر من هذا اللعين. فالشيطان لا حاجة له في أن يذهب إلى الخمارات مثلاً، فقد كفاه أهلها مشقة الوسوسة، ووفروا عليه المجهود، هؤلاء هم أولياؤه وأحبابه ومريحوه بما هم عليه من معصية الله، ولكنه في حاجة إلى أن يكون في المساجد ليفسد على أهل الطاعة طاعتهم.
وقد أوضح هذه القضية وفطن إليها الإمام الجليل أبو حنيفة النعمان، وكان مشهوراً بالفطنة، وعلى دراية بمداخل الشيطان وتلبيسه، وكل هذا جعل له باعاً طويلاً في الإفتاء، وقد عرض عليه أحدهم هذه المسألة:
قال: يا إمام كان لدي مال دفنته في مكان كذا، وجعلت عليه علامة، فجاء السيل وطمس هذه العلامة، فلم أهتد إليه، فماذا أفعل؟
فتبسم أبو حنيفة وقال: يا بني ليس في هذا علم، ففي أي باب من أبواب الفقه سيجد هذه القضية؟! ولكني سأحتال لك.
وفعلاً تفتقت قريحة الإمام عن هذه الحيلة التي تدل على علمه وفقهه، قال له: إذا جئت في الليل فتوضأ، وقم بين يدي ربك متهجداً. وفي الصباح أخبرني خبرك.
وفي صلاة الفجر قابله الرجل مبتسماً. يقول: لقد وجدت المال، فقال: كيف؟ قال الرجل: حينما وقفت بين يدي ربي في الصلاة تذكرت المكان وذهبت فوجدت مالي، فضحك الإمام وقال: والله لقد علمت أن الشيطان لن يدعك تتم ليلتك مع ربك.


 

قديم 16-10-2011, 06:52 PM   #537
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 101

(وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون "101")
قوله: (بدلنا) ومنها: أبدلت واستبدلت، أي: رفعت آية وطرحتها. وجئت بأخرى بدلاً منها، وقد تدخل الباء على الشيء المتروك، كما في قوله تعالى:

{أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير .. "61"}
(سورة البقرة)


أي: تتركون ما هو خير، وتستبدلون به ما هو أدنى. وما معنى الآية؟ كلمة آية لها معانٍ متعددة منها:
ـ الشيء العجيب الذي يلفت الأنظار، ويبهر العقول، كما نقول: هذا آية في الجمال، أو في الشجاعة، أو في الذكاء، أي: وصل فيه إلى حد يدعو إلى التعجب والانبهار.
ـ ومنها الآيات الكونية، حينما تتأمل في كون الله من حولك تجد آيات تدل على إبداع الخالق سبحانه وعجيب صنعته، وتجد تناسقاً وانسجاماً بين هذه الآيات الكونية. يقول تعالى عن هذا النوع من الآيات:

{ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر "37"}
(سورة فصلت)


{ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام "32" }
(سورة الشورى)


ونلاحظ أن هذه الآيات الكونية ثابتة دائمة لا تتبدل، كما قال الحق تبارك وتعالى:

{ولن تجد لسنة الله تبديلاً .. "23"}
(سورة الفتح)


ـ ومن معاني الآية: المعجزة، وهي الأمر العجيب الخارق للعادة، وتأتي المعجزة على أيدي الأنبياء لتكون حجة لهم، ودليلاً على صدق ما جاءوا به من عند الله.
ونلاحظ في هذا النوع من الآيات أنه يتبدل ويتغير من نبي لآخر؛ لأن المعجزة لا يكون لها أثرها إلا إذا كان في شيء نبغ فيه القوم؛ لأن هذا هو مجال الإعجاز، فلو أتيناهم بمعجزة في مجال لا علم لهم به لقالوا: لو أن لنا علماً بهذا لأتينا بمثله؛ لذلك تأتي المعجزة فيما نبغوا فيه، وعلموه جيداً حتى اشتهروا به.
فلما نبغ قوم موسى عليه السلام في السحر كانت معجزته من نوع من السحر الذي يتحدى سحرهم، فلما جاء عيسى ـ عليه السلام ـ ونبغ قومه في الطب والحكمة كانت معجزته من نفس النوع، فكان ـ عليه السلام ـ يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله.
فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم، ونبغ قومه في البلاغة والفصاحة والبيان، وكانوا يقيمون لها الأسواق، ويعلقون قصائدهم على أستار الكعبة اعتزازاً بها، فكان لابد أن يتحداهم بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه وهي القرآن الكريم، وهكذا تتبدل المعجزات لتناسب كل منها حال القوم، وتتحداهم بما اشتهروا به، لتكون أدعى للتصديق وأثبت للحجة.
ـ ومن معاني كلمة آية: آيات القرآن الكريم التي نسميها حاملة الأحكام، فإذا كانت الآية هي الأمر العجيب، فما وجه العجب في آيات القرآن؟
وجه العجب في آيات القرآن أن تجد هذه الآيات في أمة أمية، وأنزلت على نبي أمي في قوم من البدو الرحل الذين لا يجيدون شيئاً غير صناعة القول والكلام الفصيح، ثم تجد هذه الآيات تحمل من القوانين والأحكام والآداب ما يرهب أقوى حضارتين معاصرتين، هما حضارة فارس في الشرق، وحضارة الرومان في الغرب، فنراهم يتطلعون للإسلام، ويبتغون في أحكامه ما ينقذهم، أليس هذا عجيباً؟
وهذا النوع الأخير من الآيات التي هي آيات الكتاب الكريم، والتي نسميها حاملة الأحكام، هل تتبدل هي الأخرى كسابقتها؟
نقول: آيات الكتاب لا تتبدل؛ لأن أحكام الله المطلوبة ممن عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم كالأحكام المطلوبة ممن تقوم عليه الساعة.
وقد سبق الإسلام باليهودية والمسيحية، فعندنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة. اعترض على ذلك اليهود وقالوا: ما بال محمد لا يثبت على حال، فيأمر بالشيء اليوم، ويأمر بخلافه غداً، فإن كان البيت الصحيح هو الكعبة فصلاتكم لبيت المقدس باطلة، وإن كان بيت المقدس هو الصحيح فصلاتكم للكعبة باطلة. لذلك قال الحق تبارك وتعالى:

{وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر .. "101"}
(سورة النحل)


 

قديم 16-10-2011, 06:53 PM   #538
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 102

(قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين"102")
الحق تبارك وتعالى في هذه الآية يرد على الكفار افتراءهم على رسول الله، واتهامهم له بالكذب المتعمد، وأنه جاء بهذه الآيات من نفسه، فقال له: يا محمد قل لهؤلاء: بل نزله روح القدس.
والقدس: أي المطهر، من إضافة الموصوف للصفة، كما نقول: حاتم الجود مثلاً. والمراد بـ"روح القدس" سفير الوحي جبريل عليه السلام، وقد قال عنه في آية أخرى:

{نزل به الروح الأمين "193"}
(سورة الشعراء)


وقال عنه:

{إنه لقول رسول كريم "19" ذي قوة عند ذي العرش مكين "20" مطاع ثم أمينٍ "21"}
(سورة التكوير)


وقوله الحق سبحانه:

{من ربك الحق .. "102"}
(سورة النحل)


أي: أن جبريل لم يأت بهذا القرآن من عنده هو، بل من عند الله بالحق، فمحمد صلى الله عليه وسلم لم يأت بالقرآن من عنده، وكذلك جبريل، فالقرآن من عند الله، ليس افتراءً على الله، لا من محمد، ولا من جبريل عليهما السلام. وقوله تعالى:

{ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين "102"}
(سورة النحل)


أي: ليثبت الذين آمنوا على تصديق ما جاء به الرسول من الآيات، أن الله تعالى أعلم بما ينزل من الآيات، وأن كل آية منها مناسبة لزمانها ومكانها وبيئتها، وفي هذا دليل على أن المؤمنين طائعون منصاعون لله تعالى مصدقون للرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما بلغ عن ربه تعالى.


 

قديم 16-10-2011, 06:53 PM   #539
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 103

(ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين"103")
وفي هذه الآية اتهام آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وافتراء جديد عليه، لا يأنف القرآن من إذاعته، فمن سمع الاتهام والافتراء يجب أن يسمع الجواب، فالقرآن يريد أن يفضح أمر هؤلاء، وأن يظهر إفلاس حججهم وما هم فيه من تخبط.
يقول الحق تبارك وتعالى:

{ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر .. "103"}
(سورة النحل)


وقد سبق أن قالوا عن رسول الله "مجنون" وبرأه الله بقوله تعالى:

{وإنك لعلى خلقٍ عظيمٍ "4"}
(سورة القلم)


والخلق العظيم لا يكون في مجنون؛ لأن الخلق الفاضل لا يوضع إلا في مكانه، بدليل قوله تعالى:

{وما أنت بنعمة ربك بمجنونٍ "2"}
(سورة القلم)


وسبق أن قالوا: ساحر وهذا دليل على أنهم مغفلون يتخبطون في ضلالهم، فلو كان محمد ساحراً، فلم لم يسحركم كما سحر المؤمنين به وتنتهي المسألة؟
وسبق أن قالوا "شاعر" مع أنهم أدرى الناس بفنون القول شعراً ونثراً وخطابة، ولم يجربوا على محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً من ذلك لكنه الباطل حينما يلج في عناده، ويتكبر عن قبول الحق.
وهنا جاءوا بشيء جديد يكذبون به رسول الله، فقالوا:

{إنما يعلمه بشر .. "103"}
(سورة النحل)


أي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتردد على أحد أصحاب العلم ليعلمه القرآن فقالوا: إنه غلام لبي عامر بن لؤي اسمه (يعيش)، وكان يعرف القراءة والكتاب، وكان يجلب الكتب من الأسواق، ويقرأ قصص السابقين مثل عنترة وذات الهمة وغيرها من كتب التاريخ.
وقد تضارب أقوالهم في تحديد هذا الشخص الذي يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلم على يديه، فقالوا: اسمه "عداس" وقال آخرون: سلمان الفارسي. وقال آخرون: بلعام وكان حداداً رومياً نصرانياً يعلم كثيراً عن أهل الكتاب .. الخ.
والحق تبارك وتعالى يرد على هؤلاء، ويظهر إفلاسهم الفكري، وإصرارهم على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول:

{لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين "103"}
(سورة النحل)


اللسان هنا: اللغة التي يتحدث بها. ويلحدون إليه: يميلون إليه وينسبون إليه أنه يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم. أعجمي: أي لغته خفية، لا يفصح ولا يبين الكلام، كما نرى الأجانب يتحدثون العربية مثلاً.
ونلاحظ هنا أن القرآن الكريم لم يقل (عجمي)، لأن العجم جنس يقابل العرب، وقد يكون من العجم من يجيد العربية الفصيحة، كما رأينا سيبويه صاحب (الكتاب) أعظم مراجع النحو حتى الآن وهو عجمي.
أما الأعجمي فهو الذي لا يفصح ولا يبين، حتى وإن كان عربياً. وقد كان في قبيلة لؤي رجل اسمه زياد يقال له "زياد الأعجمي" لأنه لا يفصح ولا يبين، مع أنه من أصل عربي.
إذن: كيف يتأتى لهؤلاء الأعاجم الذين لا يفصحون، ولا يكادون ينطقون اللغة العربية، كيف لهؤلاء أن يعلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء بمعجزة في الفصاحة والبلاغة والبيان؟
كيف يتعلم من هؤلاء، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم التقى بأحد منهم إلا (عداس) يقال: إنه قابله مرة واحدة، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم تردد إلى معلم، لا من هؤلاء، ولا من غيرهم؟
كما أن ما يحويه القرآن من آيات وأحكام ومعجزات ومعلومات يحتاج في تعلمه إلى وقت طويل يتتلمذ فيه محمد على يد هؤلاء، وما جربتم على محمد شيئاً من هذا كله.
وهل يعقل أن ما في القرآن يمكن أن يطويه صدر واحد من هؤلاء؟! لو حدث لكان له في المكانة والمنزلة بين قومه ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم من منزلة، ولأشاروا إليه بالبنان ولذاع صيته، واشتهر أمره، وشيء من ذلك لم يحدث.
وقوله تعالى:

{وهذا لسان عربي مبين "103"}
(سورة النحل)


أي: لغته صلى الله عليه وسلم، ولغة القرآن عربية واضحة مبينة، لا لبس فيها ولا غموض


 

قديم 16-10-2011, 06:54 PM   #540
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة النحل - الآية: 104

(إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم"104")
الحق تبارك وتعالى في قوله:

{إن الذين لا يؤمنون بآيات الله .. "104"}
(سورة النحل)


ينفي عن هؤلاء صفة الإيمان، فكيف يقول بعدها:

{لا يهديهم الله .. "104"}
(سورة النحل)


أليسوا غير مؤمنين، وغير مهتدين؟ قلنا: إن الهداية نوعان:
ـ هداية دلالة وإرشاد، وهذه يستوي فيها المؤمن والكافر، فقد دل الله الجميع، وأوضح الطريق للجميع، ومنها قوله تعالى:

{وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى .. "17"}
(سورة فصلت)


أي: أرشدناهم ودللناهم. وهداية المعونة والتوفيق، وهذه لا تكون إلا للمؤمن، ومنها قوله تعالى:

{والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم "17"}
(سورة محمد)


إذن: معنى:

{لا يهديهم الله .. "104"}
(سورة النحل)


أي: هداية معونة وتوفيق. ويصح أن نقول أيضاً: إن الجهة هنا منفكة إلى شيء آخر، فيكون المعنى: لا يهديهم إلى طريق الجنة، بل إلى طريق النار، كما قال تعالى:

{إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا "168" إلا طريق جهنم .. "169"}
(سورة النساء)


بدليل قوله تعالى بعدها:

{ولهم عذاب أليم "104"}
(سورة النحل)


ولأنه سبحانه في المقابل عندما تحدث عن المؤمنين قال:

{ويدخلهم الجنة عرفها لهم "6"}
(سورة محمد)


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:05 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا