المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 17-10-2011, 09:05 PM   #571
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 7

(إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً "7")
ومازال الخطاب موجهاً إلى بني إسرائيل، هاكم سنة من سنين الله الكونية التي يستوي أمامها المؤمن والكافر، وهي أن من احسن فله إحسانه، ومن أساء فعليه إساءته.
فهاهم اليهود لهم الغلبة بما حدث منهم من شبه استقامة على المنهج، أو على الأقل بمقدار ما تراجع المسلمون عن منهج الله؛ لأن هذه سنة كونية، من استحق الغلبة فهي له؛ لأن الحق سبحانه وتعالى منزه عن الظلم، حتى مع أعداء دينه ومنهجه. والدليل على ذلك ما أمسى فيه المسلمون بتخليهم عن منهج الله.
وقوله تعالى:

{إن أحسنتم .. "7" }
(سورة الإسراء)


فيه إشارة إلى أنهم في شك أن يحسنوا، وكأن أحدهم يقول للآخر: دعك من قضية الإحسان هذه. فإذا كانت الكرة الآن لليهود، فهل ستظل لهم على طول الطريق؟ لا .. لن تظل لهم الغلبة، ولن تدوم لهم الكرة على المسلمين، بدليل قول الحق سبحانه وتعالى:

{فإذا جاء وعد الآخرة .. "7" }
(سورة الإسراء)


أي: إذا جاء وقت الإفسادة الثانية لهم، وقد سبق أن قال الحق سبحانه عنهم:

{لتفسدن في الأرض مرتين .. "4" }
(سورة الإسراء)


وبينا الإفساد الأول حينما نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة. وفي الآية بشارة لنا أننا سنعود إلى سالف عهدنا، وستكون لنا يقظة وصحوة نعود بها إلى منهج الله وإلى طريقه المستقيم، وعندها ستكون لنا الغلبة والقوة، وستعود لنا الكرة على اليهود.
وقوله تعالى:

{ليسوءوا وجوهكم .. "7"}
(سورة الإسراء)


أي: نلحق بهم من الأذى ما يظهر أثره على وجوههم؛ لأن الوجه هو السمة المعبرة عن نوازع النفس الإنسانية، وعليه تبدو الانفعالات والمشاعر، وهو أشرف ما في المرء، وإساءته أبلغ أنواع الإساءة. وقوله تعالى:

{وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرةٍ .. "7" }
(سورة الإسراء)


أي: أن المسلمين سيدخلون المسجد الأقصى وسينقذونه من أيدي اليهود.

{دخلوه أول مرةٍ .. "7"}
(سورة الإسراء)


المتأمل في هذه العبارة يجد أن دخول المسلمين للمسجد الأقصى أول مرة كان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يكن الأقصى وقتها في أيدي اليهود، بل كان في أيدي الرومان المسيحيين.
فدخوله الأول لم يكن إساءة لليهود، وإنما كان إساءة للمسيحيين، لكن هذه المرة سيكون دخول الأقصى، وهو في حوزة اليهود، وسيكون من ضمن الإساءة لوجوههم أن ندخل عليهم المسجد الأقصى، ونطهره من رجسهم. ونلحظ كذلك في قوله تعالى:

{كما دخلوه أول مرةٍ .. "7" }
(سورة الإسراء)


أن القرآن لم يقل ذلك إلا إذا كان بين الدخولين خروج. إذن: فخروجنا الآن من المسجد الأقصى تصديق لنبوءة القرآن، وكأن الحق سبحانه يريد أن يلفتنا: إن أردتم أن تدخلوا المسجد الأقصى مرة أخرى، فعودوا إلى منهج ربكم وتصالحوا معه. وقوله تعالى:

{فإذا جاء وعد الآخرة .. "7" }
(سورة الإسراء)


كلمة الآخرة تدل على أنها المرة التي لن تتكرر، ولكن يكون لليهود غلبة بعدها. وقوله تعالى:

{وليتبروا ما علوا تتبيراً "7" }
(سورة الإسراء)


 

قديم 17-10-2011, 09:05 PM   #572
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 8

(عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا"8")
و(عسى) حرف يدل على الرجاء، وكأن في الآية إشارة إلى أنهم سيظلون في مذلة ومسكنة، ولن ترتفع لهم رأس إلا في ظل حبل من الله وعهد منه، وحبل من الناس الذين يعاهدونهم على النصرة والتأييد والحماية. وقوله:

{ربكم .. "8" }
(سورة الإسراء)


انظر فيه إلى العظمة الإلهية، ورحمة الرب سبحانه الذي ما يزال يخاطب الكافرين الملحدين المعاندين لرسوله، وهو آخر رسول يأتي من السماء، ومع ذلك كله يخاطبهم بقوله:

{ربكم .. "8" }
(سورة الإسراء)


لأن الرب هو المتولي للتربية والمتكفل بضمان مقومات الحياة لا يضن بها حتى وإن كان العبد كافراً، فالكل أمام عطاء الربوبية سواء: المؤمن والكافر، والطائع والعاصي. الجميع يتمتع بنعم الله: الشمس والهواء والطعام والشراب، فهو سبحانه لا يزال ربهم مع كل ما حدث منهم. وقوله تعالى:

{أن يرحمكم .. "8" }
(سورة الإسراء)


والرحمة تكون للإنسان إذا كان في موقف يستحق فيه الرحمة واليهود لن تكون لهم دولة، ولن يكون لهم كيان، بل يعيشون في حضن الرحمة الإيمانية الإسلامية التي تعطي لهم فرصة التعايش مع الإسلام معايشة، كالتي كانت لهم في مدينة رسول الله، يوم أن أكرمهم وتعاهد معهم.
وقد وصلت هذه المعايشة لدرجة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يقترض لا يقترض من مسلم، بل كان يقترض من اليهود، وفي هذا حكمة يجب أن نعيها، وهي أن المسلم قد يستحي أن يطالب رسول الله إذا نسى مثلاً، أما اليهودي فسوف يلح في طلب حقه وإذا نسى رسول الله سيذكره.
لذلك كان اليهود كثيراً ما يجادلون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغالطونه مراراً، وقد حدث أن وفى رسول الله لأحدهم دينه، لكنه أنكره وأتى يطالب به من جديد، وأخذ يراجع رسول الله ويغالطه وينكر ويقول: ابغني شاهداً.
ولم يكن لرسول الله شاهد وقت السداد، وهكذا تأزم الموقف في حضور أحد الصحابة، واسمه خزيمة، فهب خزيمة قائلاً: أنا يا رسول الله كنت شاهداً، وقد أخذ هذا اليهودي دينه، فسكت اليهودي ولم يرد ولم يجادل، فدل ذلك على كذبه. ويكاد المريب أن يقول: خذوني.
لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما اختلى بخزيمة بعد أن انصرف الدائن قال: يا خزيمة ما حملك على هذا القول، ولم يكن أحد معنا، وأنا أقضي لليهودي دينه؟ فضحك خزيمة وقال: يا رسول الله أأصدقك في خبر السماء، وأكذبك في عدة دراهم؟
فسر رسول الله من اجتهاد الرجل، وقال: "من شهد له خزيمة فحسبه". ثم يهدد الحق سبحانه بني إسرائيل، فيقول:

{وإن عدتم عدنا .. "8" }
(سورة الإسراء)


إن عدتم للفساد، عدنا، وهذا جزاء الدنيا، وهو لا ينجيكم من جزاء الآخرة، فهذه مسألة وتلك أخرى حتى لا يفهموا أن العقاب على الذنوب في الدنيا يبرئهم من عذاب الآخرة. فالعقوبة على الذنب التي تبرئ المذنب من عذاب الآخرة ما كان في حضن الإسلام، وإلا لاستوى من أقيم عليه الحد مع من لم يقم عليه الحد.
فلو سرق إنسان وقطعت يده، وسرق آخر ولم تقطع يده، فلو استووا في عقوبة الآخرة، فقد زاد أحدهما عن الآخر في العقوبة، وكيف يستوي الذي قطعت يده. وعاش بذلتها طوال عمره مع من أفلت من العقوبة؟
هذا إن كان المذنب مؤمناً.
أما إذا كان المذنب غير مؤمن فالأصل الذي بنينا عليه هذا الحكم ضائع لا وجود له، وعقوبة الدنيا هنا لا تعفي صاحبها من عقوبة الآخرة؛ لذلك يقول تعالى بعدها:

{وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً "8" }
(سورة الإسراء)


 

قديم 17-10-2011, 09:06 PM   #573
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 9

(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيراً "9")
فمن كان يريد الأسوة الطيبة في عبودية الرسول لربه، هذه العبودية التي جعلته يسري به إلى بيت المقدس، ثم يصعد به إلى السماء، ومن كان يريد أن يكون مثل نوح في عبوديته لربه فأكرم ذريته من أجله، فعليه أن يسير على دربهم، وأن يقتدي بهم في عبوديتهم لله تعالى، وليحذر أن يكون مثل اليهود الذين أفسدوا في الأرض مرتين.
والذي يرسم لنا الطريق ويوضح لنا الحق من الباطل هو القرآن الكريم:

{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم .. "9" }
(سورة الإسراء)


قول الحق تبارك وتعالى:

{إن هذا القرآن .. "9"}
(سورة الإسراء)


هل عند نزول هذه الآية كان القرآن كله قد نزل، ليقول: إن هذا القرآن؟ نقول: لم يكن القرآن كله قد نزل، ولكن كل آية في القرآن تسمى قرآناً، كما قال تعالى:

{فإذا قرأناه فاتبع قرآنه "18" }
(سورة القيامة)


فليس المراد القرآن كله، بل الآية من القرآن قرآن. ثم لما اكتمل نزول القرآن، واكتملت كل المسائل التي تضمن لنا استقامة الحياة، قال تعالى:

{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا .. "3" }
(سورة المائدة)


فإن استشرف مستشرف أن يستزيد على كتاب الله، أو يأتي بجديد فليعلم أن منهج الله منزه عن النقص، وفي غنى عن زيادتك، وما عليك إلا أن تبحث في كتاب الله، وسوف تجد فيه ما تصبو إليه من الخير.
قوله:

{يهدي .. "9" }
(سورة الإسراء)


الهداية هي الطريق الموصل للغاية من أقرب وجه، وبأقل تكلفة وهو الطريق المستقيم الذي لا التواء فيه، وقلنا: إن الحق سبحانه يهدي الجميع ويرسم لهم الطريق، فمن اهتدى زاده هدى، كما قال سبحانه:

{والذي اهتدوا زادهم هدىً وآتاهم تقواهم "17"}
(سورة محمد)


ومعنى:

{أقوم .. "9" }
(سورة الإسراء)


أي: أكثر استقامة وسلاماً. هذه الصيغة تسمى افعل التفضيل، إذن: فعندنا (أقوم) وعندنا أقل منه منزلة (قيم) كأن نقول: عالم وأعلم. فقوله سبحانه:

{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم .. "9"}
(سورة الإسراء)


يدل على وجود (القيم) في نظم الناس وقوانينهم الوضعية، فالحق سبحانه لا يحرم البشر من أن يكون لهم قوانين وشرائع حينما تعضهم المظالم ويشقون بها، فيقننون تقنيات تمنع هذا الظلم. ولا مانع من ذلك إذا لم ينزل لهم منهج من السماء، فما وضعوه وإن كان قيماً فما وضعه الله أقوم، وأنت لا تضع القيم إلا بعد أن تعض بشيء معوج غير قيم، وإلا فماذا يلفتك للقيم؟
أما منهج السماء فإنه يضع الوقاية، ويمنع المرض من أساسه، فهناك فرق بين الوقاية من المرض وبين العلاج للمرض، فأصحاب القوانين الوضعية يعدلون نظمهم لعلاج الأمراض التي يشقون بها.
أما الإسلام فيضع لنا الوقاية، فإن حدثت غفلة من المسلمين، وأصابتهم بعض الداءات نتيجة انصرافهم عن منهج ربهم نقول لهم: عودوا إلى المنهج:

{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم .. "9" }
(سورة الإسراء)


ولتوضيح أن منهج الحق سبحانه أقوم نرى ما حدث معنا في مدينة "سان فرانسيسكو" فقد سألنا أحد المستشرقين عن قول الحق تبارك وتعالى:

{يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون "32"}
(سورة التوبة)


وفي آية أخرى يقول:

{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون "33" }
(سورة التوبة)


فكيف يقول القرآن:

{ليظهره على الدين كله .. "33" }
(سورة التوبة)


 

قديم 17-10-2011, 09:06 PM   #574
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 10

(وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما"10")
وهذه الآية امتداد للآية السابقة، ومعطوفة عليها؛ لأن الله تعالى ذكر فعلاً واحداً:

{ويبشر .. "9" }
(سورة الإسراء)


ثم عطف عليه:

{وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة .. "10" }
(سورة الإسراء)


إذن: فالآية داخلة في البشارة السابقة، ولكن كيف ذلك، والبشارة السابقة تبشر المؤمنين بأن لهم أجراً كبيراً، والبشارة إخبار بخير يأتي في المستقبل، فكيف تكون البشارة بالعذاب؟
قالوا: نعم، هذه بشارة على سبيل التهكم والاستهزاء بهم، كما قال تعالى في آية أخرى:

{فبشرهم بعذاب أليمٍ "34" }
(سورة التوبة)


وكما قال الحق سبحانه متهكماً:

{ذق إنك أنت العزيز الكريم "49"}
(سورة الدخان)


وكما تقول للولد الذي أهمل فأخفق في الامتحان: مبروك عليك الفشل، أو تقول: بشر فلاناً بالرسوب. وقد تكون البشارة للمؤمن بالجنة، وللكافر بالعذاب، كلاهما بشارة للمؤمن، فبشارة المؤمن بالجنة تسره وتسعده، وتجعله يستشرف ما ينتظره من نعيم الله في الآخرة.
وبشارة الكافر بالعذاب تسر المؤمن؛ لأنه لم يقع في مصيدة الكفر، وتزجر من لم يقع فيه وتخيفه، وهذا رحمة به وإحسان إليه. وهذا المعنى واضح في قول الحق سبحانه في سورة الرحمن:

{رب المشرقين ورب المغربين "17" فبأي آلاء ربكما تكذبان "18" مرج البحرين يلتقيان "19" بينهما برزخ لا يبغيان "20" فبأي آلاء ربكما تكذبان "21" يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان "22" فبأي آلاء ربكما تكذبان "23" وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام "24" فبأي آلاء ربكما تكذبان "25" }
(سورة الرحمن)


فهذه كلها نعم من نعم الله تعالى علينا، فناسب أن تذيل بقوله تعالى:

{فبأي آلاء ربكما تكذبان "18" }
(سورة الرحمن)


أما قوله تعالى:

{يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران "35" فبأي آلاء ربكما تكذبان "36"}
(سورة الرحمن)


فأي نعمة في أن يرسل الله عليهما شواظ من نار ونحاس فلا ينتصران؟ نعم، المتأمل في هذه الآية يجد فيها نعمة من أعظم نعم الله، ألا وهي زجر العاصي عن المعصية، ومسرة للطائع


 

قديم 18-10-2011, 07:34 PM   #575
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 11

(ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا"11")
(يدع) الدعاء: طلب ما تعجز عنه قادر عليه. وأهل النحو يقولون. إن الفعل: ماضٍ ومضارع وأمر. فالأمر: طلب من الأعلى إلى الأدنى، فكل طلب من الله لخلقه فهو أمر، أو من الأعلى من البشر للأدنى. أما إن كان الطلب من مساوٍ لك فهو التماس أو رجاء. فإن كان الطلب من الأدنى للأعلى، كطلب العبد من ربه فهو دعاء.
لذلك نجد التدقيق في الإعراب يحفظ لله تعالى مكانته ويعظمه، فنقول للطالب: أعرب: رب اغفر لي، فيقول: اغفر، فعل دال على الدعاء، لأنه لا يجوز في حق المولى تبارك وتعالى أن نقول: فعل أمر، فالله لا يأمره أحد.
فأول ما يفهم من الدعاء أنه دل على صفة العجز والضعف في العبد، وأنه قد اندكت فيه ثورة الغرور، فعلم أنه لا يقدر على هذا إلا الله فتوجه إليه بالدعاء.
(بالشر) بالمكروه، والإنسان لا يدعو على نفسه، أو على ولده، أو على ماله بالشر إلا في حالة الحنق والغضب وضيق الأخلاق، الذي يخرج الإنسان عن طبيعته، ويفقده التمييز، فيتسرع في الدعاء بالشر، ويتمنى أن ينفذ الله له ما دعا به.
ومن رحمة الله تعالى بعباده ألا يستجيب لهم هذا الدعاء الذي إن دل فإنما يدل على حمق وغباء من العبد.
وكثيراً ما نسمع أماً تدعو على ولدها بما لو استجاب الله له لكانت قاصمة الظهر لها، أو نسمع أباً يدعو على ولده أو على ماله، إذن: فمن رحمة الله بنا أن يفوت لنا هذا الحمق، ولا ينفذ لنا ما تعجلناه من دعاءٍ بالشر. قال تعالى:

{ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم .. "11" }
(سورة يونس)


أي: لو استجاب الله لهم في دعائهم بالشر لكانت نهايتهم. وإن كنت تسر وتسعد بأن ربك سبحانه وتعالى فوت لك دعوة بالشر فلم يستجب لها، وأن لعدم استجابته سبحانه لحكمة بالغة. فاعلم أن لله حكمة أيضاً حينما لا يستجيب لك في دعوة الخير، فلا تقل: دعوت فلم يستجب لي، واعلم أن لله حكمة في أن يمنعك خيراً تريده، ولعله لو أعطاك هذا الخير لكان وبالاً عليك.
إذن: عليك أن تقيس الأمرين بمقياس واحد، وترضى بأمر الله في دعائك بالخير، كما رضيت بأمره حين صرف عنك دعاء الشر، ولم يستجب لك فيه. فكما أن له سبحانه حكمة في الأولى، فله حكمة في الثانية.
وقد دعا الكفار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنفسهم، فقالوا:

{اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء .. "32" }
(سورة الأنفال)


وقالوا:

{أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا "92" }
(سورة الإسراء)


ولو استجاب الله لهم هذا الدعاء لقضى عليهم، وقطع دابرهم، لكن لله تعالى حكمة في تفويت هذا الدعاء لهؤلاء الحمقى، وهاهم الكفار باقون حتى اليوم، وإلى أن تقوم الساعة.
وكان المنتظر منهم أن يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه، لكن المسألة عندهم ليست مسألة كفر وإيمان، بل مسألة كراهية لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولما جاء به، بدليل أنهم قبلوا الموت في سبيل الكفر وعدم الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. ومن طبيعة الإنسان العجلة والتسرع، كما قال تعالى:

{خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون "37" }
(سورة الأنبياء)


فكثيراً ما يدعو الإنسان بالخير لنفسه أو بما يراه خيراً، فلا يجد وراءه إلا الشر والتعب والشقاء، وفي المقابل قد ينزل الله بك ما تظنه شراً، ويسوق الله الخير من خلاله.
إذن: أنت لا تعلم وجه الخير على حقيقته، فدع الأمر لربك عز وجل، واجعل حظك من دعائك لا أن تجاب إلى ما دعوت، ولكن أن تظهر ضراعة عبوديتك لعزة ربك سبحانه وتعالى.
ومعنى:

{دعاءه بالخير .. "11" }
(سورة الإسراء)


 

قديم 18-10-2011, 07:34 PM   #576
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 12

(وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرةً لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيءٍ فصلناه تفصيلاً "12" )
الحق سبحانه وتعالى جعل الزمن ليلاً ونهاراً ظرفاً للأحداث، وجعل لكل منهما مهمة لا تتأتى مع الآخر، فهما متقابلان لا متضادان، فليس الليل ضد النهار أو النهار ضد الليل؛ لأن لكل منهما مهمة، والتقابل يجعلهما متكاملين.
ولذلك أراد الله تعالى أن ينظر بالليل والنهار في جنس الإنسان من الذكورة والأنوثة، فهما أيضاً متكاملان لا متضادان، حتى لا تقوم عداوة بين ذكورة وأنوثة، كما نرى البعض من الجنسين يتعصب لجنسه تعصباً أعمى خالياً من فهم طبيعة العلاقة بين الذكر والأنثى.
فالليل والنهار كجنس واحد لهما مهمة، أما من حيث النوع فلكل منهما مهمة خاصة به، وإياك أن تخلط بين هذه وهذه. وتأمل قول الحق سبحانه:

{والليل إذا يغشى "1" والنهار إذا تجلى "2" وما خلق الذكر والأنثى "3" إن سعيكم لشتى "4"}
(سورة الليل)


فلا تجعل الليل ضداً للنهار، ولا النهار ضداً لليل، وكذلك لا تجعل الذكورة ضداً للأنوثة، ولا الأنوثة ضداً للذكورة. قوله تعالى:

{وجعلنا الليل والنهار آيتين .. "12" }
(سورة الإسراء)



جعلنا: بمعنى خلقنا، والليل والنهار هما المعروفان لنا بالمعايشة والمشاهدة، ومعرفتنا هذه أوضح من أن نعرفهما، فنقول مثلاً: الليل هو مغيب الشمس عن نصف الكرة الأرضية، والنهار هو شروق الشمس على نصف الكرة الأرضية.
إذن: قد يكون الشي أوضح من تعريفه. والحق سبحانه خلق لنا الليل والنهار، وجعل لكل منهما حكمة ومهمة، وحينما يتحدث عنهما، يقول تعالى:

{والضحى "1" والليل إذا سجى "2" }
(سورة الضحى)


ويقول:

{والليل إذا يغشى "1" والنهار إذا تجلى "2" }
(سورة الليل)


ومرة يتحدث عن اللازم لهما، فيقول:

{وجعل الظلمات والنور "1"}
(سورة الأنعام)


لأن الحكمة من الليل تكمن في ظلمته، والحكمة من النهار تكمن في نوره، فالظلمة سكن واستقرار وراحة. وفي الليل تهدأ الأعصاب من الأشعة والضوء، ويأخذ البدن راحته؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم: "أطفئوا المصابيح إذا رقدتم".
في حين نرى الكثيرين يظنون أن الأضواء المبهرة ـ التي نراها الآن ـ مظهر حضاري، وهم غافلون عن الحكمة من الليل، وهي ظلمته.
والنور للحركة والعمل والسعي، فمن ارتاح في الليل يصبح نشيطاً للعمل، ولا يعمل الإنسان إلا إذا أخذ طاقة جديدة، وارتاحت أعضاؤه، ساعتها تستطيع أن تطلب منه أن يعمل. لذلك قال الحق سبحانه:

{ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار .. "73" }
(سورة القصص)


لماذا؟

{لتسكنوا فيه .. "73" }
(سورة القصص)


أي: في الليل.

{ولتبتغوا من فضله .. "73" }
(سورة القصص)


أي: في النهار.
إذن: لليل مهمة، وللنهار مهمة، وإياك أن تخلط هذه بهذه، وإذا ما وجد عمل لا يؤدي إلا بالليل كالحراسة مثلاً، نجد الحق سبحانه يفتح لنا باباً لنخرج من هذه القاعدة العامة. فيقول تعالى:

{ومن آياته منامكم بالليل والنهار .. "23"}
(سورة الروم)


 

قديم 18-10-2011, 07:35 PM   #577
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 13

(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا "13")
كلمة (طائره) أي: عمله وأصلها أن العرب كانوا في الماضي يزجرون الطير، أي: إذا أراد أحدهم أن يمضي عملاً يأتي بطائر ثم يطلقه، فإن مر من اليسار إلى اليمين يسمونه "السانح" ويتفاءلون به، وإن مر من اليمين إلى اليسار يسمونه "البارح" ويتشاءمون به، ثم يتهمون الطائر وينسبون إليه العمل، ولا ذنب له ولا جريرة.
إذن: كانوا يتفاءلون باليمين، ويتشاءمون باليسار، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن، ولا يحب التشاؤم؛ لأن الفأل الطيب ينشط أجهزة الجسم انبساطاً للحركة، أما التشاؤم فيدعو للتراجع والإحجام، ويقضي على الحركة والتفاعل في الكون.
والحق سبحانه هنا يوضح: لا تقولوا الطائر ولا تتهموه، بل طائرك أي: عملك في عنقك يلازمك ولا ينفك عنك أبداً، ولا يسأل عنه غيره، كما أنه لا يسأل عن عمل الآخرين، كما قال تعالى:

{ولا تزر وازرة أخرى .. "15"}
(سورة الإسراء)


فلا تلقي بتبعية أفعالك على الحيوان الذي لا ذنب له. وقوله تعالى:

{ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا "13" }
(سورة الإسراء)


وهو كتاب أعماله الذي سجلته عليه الحفظة الكاتبون، والذي قال الله عنه:

{ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا "49" }
(سورة الكهف)



 

قديم 18-10-2011, 07:35 PM   #578
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 14

(اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً "14" )
الحق تبارك وتعالى يصور لنا موقفاً من مواقف يوم القيامة، حيث يقف العبد بين يدي ربه عز وجل، فيدعوه إلى أن يقرأ كتابه بنفسه، ليكون هو حجة على نفسه، ويقر بما اقترف، والإقرار سيد الأدلة.
فهذا موقف لا مجال فيه للعناد أو المكابرة، ولا مجال فيه للجدال أو الإنكار، فإن حدث منه إنكار جعل الله عليه شاهداً من جوارحه، فينطقها الحق سبحانه بقدرته:

{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون "24" }
(سورة النور)


ويقول سبحانه:

{وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيءٍ .."21" }
(سورة الإسراء)


وقد جعل الخالق سبحانه للإنسان سيطرة على جوارحه في الدنيا، وجعلها خاضعة لإرادته لا تعصيه في خير أو شر، فبيده يضرب ويعتدي، وبيده ينفق ويقيل عثرة المحتاج، وبرجله يسعى إلى بيت الله أو يسعى إلى مجلس الخمر والفساد.
وجوارحه في كل هذا مسخرة طائعة لا تتأبى عليه، حتى وإن كانت كارهة للفعل؛ لأنها منقادة لمراداتك، ففعلها لك ليس دليلاً على الرضى عنك؛ لأنه قد يكون رضى انقياد.
وقد ضربنا مثلاً لذلك بقائد السرية، فأمره نافذ على جنوده، حتى وإن كان خطئاً، فإذا ما فقد هذا القائد السيطرة وأصبح الجنود أمام القائد الأعلى باحوا له بكل شيء.
كذلك في الدنيا جعل الله للإنسان إرادة على جوارحه، فلا تتخلف عنه أبداً، لكنها قد تفعل وهي كارهة وهي لاعنة له، وهي مبغضة له ولفعله، فإذا كان يوم القيامة وانحلت من إرادته، وخرجت من سجن سيطرته، شهدت عليه بما كان منه.

{كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً "14" }
(سورة الإسراء)


 

قديم 18-10-2011, 07:35 PM   #579
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 15

(من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "15")
قوله تعالى:

{من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه .. "15" }
(سورة الإسراء)


لأن الحق سبحانه لا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية، وهو سبحانه الغني عن عباده، وبصفات كماله وضع منهج الهداية للإنسان الذي جعله خليفة له في أرضه، وقبل أن يخلقه أعد له مقومات الحياة كلها من أرض وسماء، وشمس وقمر، وهواء وجبال ومياه.
فصفات الكمال ثابتة له سبحانه قبل أن يخلق الخلق، إذن: فطاعتهم لن تزيده سبحانه شيئاً، كما أن معصيتهم لن تضره سبحانه في شيء. وهنا قد يسأل سائل: فلماذا التكليفات إذن؟
نقول: إن التكليف من الله لعباده من أجلهم وفي صالحهم، لكي تستمر حركة حياتهم، وتتساند ولا تتعاند؛ لذلك جعل لنا الخالق سبحانه منهجاً نسير عليه، وهو منهج واجب التنفيذ لأنه من الله، من الخالق الذي يعلم من خلق، ويعلم ما يصلحهم وينظم حياتهم، فلو كان منهج بشر لبشر لكان لك أن تتأبى عليه، أما منهج الله فلا ينبغي الخروج عليه.
لذلك نسمع في الأمثال الدارجة عند أهل الريف يقولون: الأصبع الذي يقطعه الشرع لا ينزف، والمعنى أن الشرع هو الذي أمر بذلك، فلا اعتراض عليه، ولو كان هذا بأمر البشر لقامت الدنيا ولم تقعد.
ومن كماله سبحانه وغناه عن الخلق يتحمل عنهم ما يصدر عنهم من أحكام أو تجن أو تقصير؛ ذلك لأن كل شيء عنده بمقدار، ولا يقضي أمر في الأرض حتى يقضي في السماء، فإذا كلفت واحداً بقضاء مصلحة لك، فقصر في قضائها، أو رفض، أو سعى فيها ولم يوفق نجدك غاضباً عليه حانقاً.
وهنا يتحمل الخالق سبحانه عن عباده، ويعفيهم من هذا الحرج، ويعلمهم أن الحاجات بميعاد وبقضاء عنده سبحانه، فلا تلوموا الناس، فلكل شيء ميلاد، ولا داعي لأن نسبق الأحداث، ولننتظر الفرج وقضاء الحوائج من الله تعالى أولاً.
ومن هنا يعلمنا الإسلام قبل أن نعد بعمل شيء لابد أن نسبقه بقولنا: إن شاء الله لنحمي أنفسنا، ونخرج من دائرة الحرج أو الكذب إذا لم نستطع الوفاء، فأنا ـ إذن ـ في حماية المشيئة الإلهية إن وفقت فبها ونعمت، وإن عجزت فإن الحق سبحانه لم يشأ، وأخرج أنا من أوسع الأبواب.
إذن: تشريعات الله تريد أن تحمي الناس من الناس، تريد أن تجتث أسباب الضغن على الآخر، إذا لم تقض حاجتك على يديه، وكأن الحق سبحانه يقول لك: تمهل فكل شيء وقته، ولا تظلم الناس، فإذا ما قضيت حاجتك فاعلم أن الذي كلفته بها ما قضاها لك في الحقيقة، ولكن صادف سعيه ميلاد قضاء هذه الحاجة، فجاءت على يديه، فالخير في الحقيقة من الله، والناس أسباب لا غير.
وتتضح لنا هذه القضية أكثر من مجال الطب وعلاج المرضى، فالطبيب سبب، والشفاء من الله، وإذا أراد الله لأحد الأطباء التوفيق والقبول عند الناس جعل مجيئه على ميعاد الشفاء فيلتقيان.
ومن هنا نجد بعض الأطباء الواعين لحقيقة الأمر يعترفون بهذه الحقيقة، فيقول أحدهم: ليس لنا إلا في (الخضرة). والخضرة معناها: الحالة الناجحة التي حان وقت شفائها. وصدق الشاعر حين قال:
والناس يلحون الطبيب وإنما خطأ الطبيب إصابة الأقدار
فقول الحق تبارك وتعالى:

{من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه .. "15" }
(سورة الإسراء)


أي: لصالح نفسه.
والاهتداء: يعني الالتزام بمنهج الله، والتزامك عائد عليك، وكذلك التزام الناس بمنهج الله عائد عليك أيضاً، وأنت المنتفع في كل الأحوال بهذا المنهج؛ لذلك حينما ترى شخصاً مستقيماً عليك أن تحمد الله، وأن تفرح باستقامته، وإياك أن تهزأ به أو تسخر منه؛ لأن استقامته ستعود بالخير عليك في حركة حياتك.
وفي المقابل يقول الحق سبحانه:

{ومن ضل فإنما يضل عليها .. "15"}
(سورة الإسراء)


أي: تعود عليه عاقبة انصرافه عن منهج الله؛ لأن شر الإنسان في عدم التزامه بمنهج الله يعود عليك ويعود على الناس من حوله، فيشقى هو بشره، ويشقى به المجتمع.
ومن العجب أن نرى بعض الحمقى إذا رأى منحرفاً أو سيئ السلوك ينظر إليه نظرة بغض وكراهية، ويدعو الله عليه، وهو لا يدري أنه بهذا العمل يزيد الطين بلة، ويوسع الخرق على الراقع كما يقولون.
فهذا المنحرف في حاجة لمن يدعو الله له بالهداية، حتى تستريح أولاً من شره، ثم لتتمتع بخير هدايته ثانياً. أما الدعاء عليه فسوف يزيد من شره، ويزيد من شقاء المجتمع به.


 

قديم 18-10-2011, 07:35 PM   #580
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 16

(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "16" )
الحق تبارك وتعالى في هذه الآية يعطينا مثالاً لعاقبة الخروج عن منهج الله تعالى؛ لأنه سبحانه حينما يرسل رسولاً ليبلغ منهجه إلى خلقه، فلا عذر للخارجين عنه؛ لأنه منهج من الخالق الرازق المنعم، الذي يستحق منا الطاعة والانقياد. وكيف يتقلب الإنسان في نعمة ربه ثم يعصاه؟ إنه رد غير لائق للجميل، وإنكار للمعروف الذي يسوقه إليك ليل نهار، بل في كل نفسٍ من أنفاسك.
ولو كان هذا المنهج من عند البشر لكان هناك عذر لمن خرج عنه، ولذلك يقولون: "من يأكل لقمتي يسمع كلمتي".
كما أن هذا المنعم سبحانه لم يفاجئك بالتكليف، بل كلفك في وقت مناسب، في وقت استوت فيه ملكاتك وقدراتك، وأصبحت بالغاً صالحاً لحمل هذا التكليف، فتركك خمسة عشر عاماً تربع في نعمه وتتمتع بخيره، فكان الأولى بك أن تستمع إلى منهج ربك، وتنفذه أمراً ونهياً؛ لأنه سبحانه أوجدك من دم وأمدك من عدم.
والمتأمل في قضية التكليف يرى أن الحق سبحانه بعضنا أن يكلف بعضاً، كما قال تعالى:

{وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها .. "132"}
(سورة طه)


وقد شرح لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه القضية فقال: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر".
وهذا التكليف وإن كان في ظاهره من الأهل لأولادهم، إلا أنه في حقيقته من الله تعالى فهو الآمر للجميع، ولكن أراد الحق سبحانه أن يكون التكليف الأول في هذه السن من القريب المباشر المحس أمام الطفل، فأبوه هو صاحب النعمة المحسة حيث يوفر لولده الطعام والشراب، وكل متطلبات حياته، فإذا ما كلفه أبوه كان أدعى إلى الانصياع والطاعة؛ لأن الولد في هذه السن المبكرة لا تتسع مداركه لمعرفة المنعم الحقيقي، وهو الله تعالى.
لذلك أمر الأب أن يعود ولده على تحمل التكليف وأن يعاقبه إن قصر؛ لأن الآمر بالفعل هو الذي يعاقب على الإهمال فيه. حتى إذا بلغ الولد سن التكليف وتعود عليه، وبذلك يأتي التكليف الإلهي خفيفاً على النفس مألوفاً عندها.
أما إن أخذت نعم الله وانصرفت عن منهجه فطغيت بالنعمة وبغيت فانتظر الانتقام، انتظر أخذه سبحانه وسنته التي لا تتخلف ولا ترد عن القوم الظالمين في الدنيا قبل الآخرة.
واعلم أن هذا الانتقام ضروري لحفظ سلامة الحياة، فالناس إذا رأوا الظالمين والعاصين والمتكبرين يرتعون في نعم الله في أمن وسلامة، فسوف يغريهم هذا بأن يكونوا مثلهم، وأن يتخذوهم قدوة ومثلاً، فيهم الفساد والظلم وينهار المجتمع من أساسه.
أما إن رأوا انتقام الحق سبحانه من هؤلاء، وشاهدوهم أذلاء منكسرين، فسوف يأخذون منهم عبرة وعظة، والعاقل من اعتبر بغيره، واستفاد من تجارب الآخرين.
فالانتقام من الله تعالى لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، وكم رأينا من أشخاص وبلاد حاق بهم سوء أعمالهم حتى أصبحوا عبرة ومثلة ومن لم يعتبر كان عبرة حتى لمن لم يؤمن، وبذلك تعتدل حركة الحياة، حيث يشاهد الجميع ما نزل بالمفسدين من خراب ودمار، وإذا استقرأت البلاد في نواحي العالم المختلفة لتيسر لك الوقوف على هذه السنة الإلهية في بلاد بعينها، ولاستطعت أن تعزو ما حدث لها إلى أسباب واضحة من الخروج عن منهج الحق سبحانه.
وصدق الله حين قال:

{وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "112"}
(سورة النحل)


وإياك أن تظن أن الحق سبحانه يمكن أن يهمل الفسقة والخارجين عن منهجه، فلابد أن يأتي اليوم الذي يأخذهم فيه أخذ عزيز مقتدر، وإلا لكانت أسوة سيئة تدعو إلى الإفساد في حركة الحياة. قال تعالى:

{وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "16" }
(سورة الإسراء)


 

قديم 18-10-2011, 07:36 PM   #581
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 17

(وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا"17" )
فأين عاد وثمود وقوم لوط وقوم صالح؟ إذن: فالآية قضية قولية، لها من الواقع ما يصدقها. وقوله:

{من بعد نوح .. "17"}
(سورة الإسراء)


دل على أن هذا الأخذ وهذا العذاب لم يحدث فيما قبل نوح؛ لأن الناس كانوا قريبي عهد بخلق الله لآدم ـ عليه السلام ـ كما أنه كان يلقنهم معرفة الله وما يضمن لهم سلامة الحياة، أما بعد نوح فقد ظهر الفساد والكفر والجحود، فنزل بهم العذاب. الذي لم يسبق له مثيل. قال تعالى:

{والفجر "1" وليال عشر "2" والشفع والوتر "3" والليل إذا يسر "4" هل في ذلك قسم لذي حجر "5" ألم تر كيف فعل ربك بعاد "6" إرم ذات العماد "7" التي لم يخلق مثلها في البلاد "8" وثمود الذين جابوا الصخر بالواد "9" وفرعون ذي الأوتاد "10" الذين طغوا في البلاد "11" فأكثروا فيها الفساد "12" فصب عليهم ربك سوط عذاب "13" إن ربك لبالمرصاد "14"}
(سورة الفجر)


ولنا وقفة سريعة مع هذه الآيات من سورة الفجر، فقد خاطب الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله:

{ألم تر كيف فعل ربك بعاد "6" }
(سورة الفجر)


و(ألم تر) بمعنى: ألم تعلم؛ لأن النبي لم ير ما فعله الله بعاد، فلماذا عدل السياق القرآني عن: تعلم إلى تر؟
قالوا: لأن إعلام الله لرسوله أصدق من عينه ورؤيته، ومثلها قوله تعالى:

{ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل "1" }
(سورة الفيل)


حيث ولد رسول الله في عام الفيل، ولم يكن رأى شيئاً. وفي آيات سورة (الفجر) ما يدلنا على أن حضارة عاد التي لا نكاد نعرف عنها شيئاً كانت أعظم من حضارة الفراعنة التي لفتت أنظار العالم كله؛ ذلك لأن الحق تبارك وتعالى قال عن عاد:

{التي لم يخلق مثلها في البلاد "8"}
(سورة الفجر)


أي: لا مثيل لها في كل حضارات العالم، في حين قال عن حضارة الفراعنة:

{وفرعون ذي الأوتاد "10" }
(سورة الفجر)


مجرد هذا الوصف فقط. وقوله تعالى:

{وكم أهلكنا من القرون .. "17" }
(سورة الإسراء)


كم: تدل على كثرة العدد.
والقرون: جمع قرن، وهو في الاصطلاح الزمني مائة عام، ويطلق على القوم المقترنين معاً في الحياة، ولو على مبدأ من المبادئ، وتوارثه الناس فيما بينهم.
وقد يطلق القرن على أكثر من مائة عام كما نقول: قرن نوح، قرن هود، قرن فرعون. أي: الفترة التي عاشرها. وقوله:

{وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً "17" }
(سورة الإسراء)



أي: أنه سبحانه غني عن إخبار أحد بذنوب عباده، فهو أعلم بها، لأنه سبحانه لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء:

{يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور "19" }
(سورة غافر)


فلا يحتاج لمن يخبره؛ لأنه خبير وبصير، هكذا بصيغة المبالغة. وهنا قد يقول قائل: طالما أن الله تعالى يعلم كل شيء ولا تخفى عليه خافية، فلماذا يسأل الناس يوم القيامة عن أعمالهم؟
نقول: لأن السؤال يرد لإحدى فائدتين:
الأولى: كأن يسأل الطالب أستاذه عن شيء لا يعلمه، فالهدف أن يعلم ما جهل.
والأخرى: كأن يسأل الأستاذ تلميذه في الامتحان، لا ليعلم منه، ولكن ليقرره بما علم.وهكذا الحق سبحانه ـ ولله المثل الأعلى ـ يسأل عبده يوم القيامة عن أعماله ليقرره بها، وليجعله شاهداً على نفسه، كما قال:

{اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً "14"}
(سورة الإسراء)


وقوله تعالى:

{وكفى بربك .. "17"}
(سورة الإسراء)


كما تقول: كفى بفلان كذا، أي: أنك ترتضيه وتثق به، فالمعنى: يكفيك ربك فلا تحتاج لغيره، وقد سبق أن أوضحنا أن الله تعالى في يده كل السلطات حينما يقضي: السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، وهو سبحانه غني عن الشهود والبينة والدليل.
إذن: كفى به سبحانه حاكماً وقاضياً وشاهداً. ولأن الحق سبحانه خبير بصير بذنوب عباده،


 

قديم 18-10-2011, 07:36 PM   #582
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 18

(من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا "18" )
الحق تبارك وتعالى قبل أن يخلق الإنسان الذي جعله خليفة له في أرضه، خلق له الكون كله بما فيه، وخلق له جميع مقومات حياته، ووالى عليه نعمه إيجاداً من عدم، وإمداداً من عدم، وجعل من مقومات الحياة ما ينفعل له وإن لم يطلب منه، كالشمس والقمر والهواء والمطر .. الخ فهذه من مقومات حياتك التي تعطيك دون أن تتفاعل معها.
ومن مقومات الحياة ما لا ينفعل لك، إلا إذا تفاعلت معه، كالأرض مثلاً لا تعطيك إلا إذا حرثتها، وبذرت فيها البذور فتجدها قد انفعلت لك، وأعطتك الإنتاج الوفير.
والمتأمل في حضارات البشر وارتقاءاتهم في الدنيا يجدها نتيجة لتفاعل الناس مع مقومات الحياة بجوارحهم وطاقاتهم، فتتفاعل معهم مقومات الحياة، ويحدث التقدم والارتقاء.
وقد يرتقي الإنسان ارتقاء آخر، بأن يستفيد من النوع الأول من مقومات الحياة، والذي يعطيه دون أن يتفاعل معه، استفادة جديدة، ومن ذلك ما توصل إليه العلماء من استخدام الطاقة الشمسية استخدامات جديدة لم تكن موجودة من قبل.
إذن: فهذه نواميس في الكون، الذي يحسن استعمالها تعطيه النتيجة المرجوة، وبذلك يثري الإنسان حياته ويرتقي بها، وهذا ما أسميناه سابقاً عطاء الربوبية الذي يستوي فيه المؤمن والكافر، والطائع والعاصي. لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:

{من كان يريد العاجلة .. "18" }
(سورة الإسراء)


أي: عطاء الدنيا ومتعها ورقيها وتقدمها.

{عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد .. "18" }
(سورة الإسراء)


أجبناه لما يريد من متاع الدنيا.
ولابد لنا أن نتنبه إلى أن عطاء الربوبية الذي جعله الله للمؤمن والكافر، قد يغفل عنه المؤمن ويترك مقومات الحياة وأسبابها يستفيد منها الكافر ويتفاعل معها ويرتقي بها، ويتقدم على المؤمن، ويمتلك قوته ورغيف عيشه، بل وجميع متطلبات حياتهم، ثم بالتالي تكون لهم الكلمة العليا والغلبة والقهر، وقد يفتنونك عن دينك بما في أيديهم من أسباب الحياة.
وهذا حال لا يليق بالمؤمن، ومذلة لا يقبلها الخالق سبحانه لعباده، فلا يكفي أن نأخذ عطاء الألوهية من أمر ونهي وتكليف وعبادة، ونغفل أسباب الحياة ومقوماتها المادية التي لا قوام للحياة إلا بها.
في حين أن المؤمن أولى بمقومات الحياة التي جعلها الخالق في الكون من الكافر الذي لا يؤمن بإله.
إذن: فمن الدين ألا تمكن أعداء الله من السيطرة على مقومات حياتك، وألا تجعلهم يتفوقون عليك. وقوله:

{ما نشاء لمن نريد .. "18" }
(سورة الإسراء)


أي: أن تفاعل الأشياء معك ليس مطلقاً، بل للمشيئة تدخل في هذه المسألة، فقد تفعل، ولكن لا تأخذ لحكمة ومراد أعلى، فليس الجميع أمام حكمة الله سواء، وفي هذا دليل على طلاقة القدرة الإلهية.
ومعنى (ما نشاء) للمعجل و(لمن نريد) للمعجل له.
ومادام هذا يريد العاجلة، ويتطلع إلى رقي الحياة الدنيا وزينتها، إذن: فالآخرة ليست في باله، وليست في حسبانه؛ لذلك لم يعمل لها، فإذا ما جاء هذا اليوم وجد رصيده صفراً لا نصيب له فيها؛ لأن الإنسان يأخذ أجره على ما قدم، وهذا قدم للدنيا وأخذ فيها جزاءه من الشهرة والرقي والتقدم والتكريم.
قال تعالى:

{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب "39" }
(سورة النور)


والسراب ظاهرة طبيعية يراها من يسير في الصحراء وقت الظهيرة، فيرى أمامه شيئاً يشبه الماء، حتى إذا وصل إليه لم يجده شيئاً، كذلك إن عمل الكافر خيراً في الدنيا فإذا أتى الآخرة لم يجد له شيئاً من عمله؛ لأنه أخذ جزاءه في الدنيا.
ثم تأتي المفاجأة:

{ووجد الله عنده .. "39"}
(سورة النور)


 

قديم 18-10-2011, 07:36 PM   #583
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 19

(ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً "19" )
المتأمل في أسلوب القرآن الكريم يجده عادة يعطي الصورة ومقابلها؛ لأن الشيء يزداد وضوحاً بمقابله، والضد يظهر حسنه الضد، ونرى هذه المقابلات في مواضع كثيرة من كتاب الله تعالى كما في:

{إن الأبرار لفي نعيم "13" وإن الفجار لفي جحيم "14" }
(سورة الانفطار)


وهنا يقول تعالى:

{ومن أراد الآخرة .. "19"}
(سورة الإسراء)


في مقابل:

{من كان يريد العاجلة .. "18" }
(سورة الإسراء)


قوله تعالى:

{ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها .. "19" }
(سورة الإسراء)


أي: أراد ثوابها وعمل لها:

{وهو مؤمن .. "19" }
(سورة الإسراء)


لأن الإيمان شرط في قبول العمل، وكل سعي للإنسان في حركة الحياة لابد فيه من الإيمان ومراعاة الله تعالى لكي يقبل العمل، ويأخذ صاحبه الأجر يوم القيامة، فالعامل يأخذ أجره ممن عمل له.
فالكفار الذين خدموا البشرية باختراعاتهم واكتشافاتهم، حينما قدموا هذا الإنجازات لم يكن في بالهم أبداً العمل لله، بل للبشرية وتقدمها؛ لذلك أخذوا حقهم من البشرية تكريماً وشهرة، فأقاموا لهم التماثيل، وألفوا فيها الكتب .. الخ.
إذن: انتهت المسألة: عملوا وأخذوا الأجر ممن عملوا لهم.
وكذلك الذي يقوم ببناء مسجد مثلاً، وهذا عمل عظيم يمكن أن يدخل صاحبه الجنة إذا توافر فيه الإيمان والإخلاص لله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من بني لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بني الله له بيتاً في الجنة".
ولكن سرعان ما نقرأ على باب المسجد لافتة عريضة تقول: أنشأه فلان، وافتتحه فلان .. الخ مع أنه قد يكون من أموال الزكاة!! وهكذا يفسد الإنسان على نفسه العمل، ويقدم بنفسه ما يحبطه، إذن: فقد فعل ليقال وقد قيل. وانتهت القضية.
وقوله تعالى:

{فأولئك كان سعيهم مشكوراً "19"}
(سورة الإسراء)


وهذا جزاء أهل الآخرة الذين يعملون لها، ومعلوم أن الشكر يكون لله استدراراً لمزيد نعمه، كما قال تعالى:

{لئن شكرتم لأزيدنكم .. "7" }
(سورة الإسراء)


فما بالك إن كان الشاكر هو الله تعالى، يشكر عبده على طاعته؟
وهذا يدل على أن العمل الإيماني يصادف شكراً حتى من المخالف له، فاللص مثلاً إن كان لديه شيء نفيس يخاف عليه، فهل يضعه أمانة عند لص مثله، أم عند الأمين الذي يحفظه؟ فاللص لا يحترم اللص، ولا يثق فيه، في حين يحترم الأمين مع أنه مخالف له، وكذلك الكذاب يحترم الصادق، والخائن يحترم الأمين.
ومن هنا كان كفار مكة رغم عدائهم للنبي صلى الله عليه وسلم وكفرهم بما جاء به إلا أنهم كانوا يأتمنونه على الغالي والنفيس عندهم؛ لأنهم واثقون من أمانته، ويلقبونه "بالأمين"، رغم ما بينهما من خلاف عقدي جوهري، فهم فعلاً يكذبونه، أما عند حفظ الأمانات فلن يغشوا أنفسهم، لأن الأحفظ لأماناتهم محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد ضربنا لذلك مثلاً بشاهد الزور الذي تستعين بشهادته ليخرجك من ورطة، أو قضية، فرغم أنه قضى لك حاجتك وأخرجك من ورطتك، إلا أنه قد سقط من نظرك، ولم يعد أهلاً لثقتك فيما بعد.
لذلك قالوا: من استعان بك في نقيصة فقد سقطت من نظره، وإن أعنته على أمره كشاهد الزور ترتفع الرأس على الخصم بشهادته وتدوس القدم على كرامته. ثم يقول الحق سبحانه عن كلا الفريقين:


 

قديم 18-10-2011, 07:37 PM   #584
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 20

(كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا "20" )
(كلاً) أي: كلا الفريقين السابقين: من أراد العاجلة، ومن أراد الآخرة:

{نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك .. "20" }
(سورة الإسراء)


أي: أن الله تعالى يمد الجميع بمقومات الحياة، فمنهم من يستخدم هذه المقومات في الطاعة، ومنهم من يستخدمها في المعصية، كما لو أعطيت لرجلين مالاً، فالأول تصدق بماله، والآخر شرب بماله خمراً.
إذن: فعطاء الربوبية مدد ينال المؤمن والكافر، والطائع والعاصي، أما عطاء الألوهية المتمثل في منهج الله: افعل ولا تفعل، فهو عطاء خاص للمؤمنين دون غيرهم.
وقوله تعالى:

{وما كان عطاء ربك محظوراً "20"}
(سورة الإسراء)


أي: ممنوعاً عن أحد؛ لأن الجميع خلقه تعالى، المؤمن والكافر، وهو الذي استدعاهم إلى الحياة، وهو سبحانه المتكفل لهم بمقومات حياتهم، كما تستدعي ضيفاً إلى بيتك فعليك أن تقوم له بواجب الضيافة.
ونلاحظ هنا أن الحق سبحانه اختار التعبير بقوله:

{من عطاء ربك .. "20"}
(سورة الإسراء)


لأن العطاء المراد هنا عطاء ربوبية، وهو سبحانه رب كل شيء


 

قديم 18-10-2011, 07:37 PM   #585
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة الإسراء - الآية: 21

(انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا"21" )
الحق تبارك وتعالى أعطانا قضايا إيمانية نظرية، ويريد منا أن ننظر في الطبيعة والكون، وسوف نجد فيه صدق ما قال. يقول تعالى:

{انظر كيف فضلنا بعضهم على بعضٍ .. "21" }
(سورة الإسراء)


والمتأمل يجد أن الله تعالى جعل التفضيل هنا عاماً، فلم يبين من المفضل ومن المفضل عليه، فلم يقل: فضلت الأغنياء على الفقراء، أو: فضلت الأصحاء على المرضى.
إذن: فمادام في القضية عموم في التفضيل، فكل بعض مفضل في جهة، ومفضل عليه في جهة أخرى، لكن الناس ينظرون إلى جهة واحدة في التفضيل، فيفضلون هذا لأنه غني، وهذا لأنه صاحب منصب .. الخ.
وهذه نظرة خاطئة فيجب أن ننظر للإنسان من كل زوايا الحياة وجوانبها؛ لأن الحق سبحانه لا يريدنا نماذج مكررة، ونسخاً معادة، بل يريدنا أناساً متكاملين في حركة الحياة، ولو أن الواحد منا أصبح مجمعاً للمواهب ما احتاج فينا أحد لأحد، ولتقطعت بيننا العلاقات.
فمن رحمة الله أن جعلك مفضلاً في خصلة، وجعل غيرك مفضلاً في خصال كثيرة، فأنت محتاج لغيرك فيما فضل فيه، وهم محتاجون إليك فيما فضلت فيه، ومن هنا يحدث التكامل في المجتمع، وتسلم للناس حركة الحياة.
ونستطيع أن نخرج من هذه النظرة بقضية فلسفية تقول: إن مجموع مواهب كل إنسان تساوي مجموع مواهب كل إنسان، فإن زدت عني في المال فربما أزيد عنك في الصحة، وهكذا تكون المحصلة النهائية متساوية عند جميع الناس في مواهب الدنيا، ويكون التفاضل الحقيقي بينهم بالتقوى والعمل الصالح، كما قال تعالى:

{إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير "13" }
(سورة الحجرات)


لذلك يجب على المسلم أن يلتزم أدب الإسلام في حفظ مكانة الآخرين، فمهما كنت مفضلاً فلا تحتقر غيرك، واعلم أن لهم أيضاً ما يفضلون به، وسوف يأتي اليوم الذي تحتاج إليهم فيه.
وقد ضربنا لذلك مثلاً بالعظيم الوجيه الذي قد تضطره الظروف وتحوجه لسباك أو عامل بسيط ليؤدي له عملاً لا يستطيع هو القيام به، فالعامل البسيط في هذا الموقف مفضل على هذا العظيم الوجيه. ولك أن تتصور الحال مثلاً إذا أضرب الكناسون عدة أيام عن العمل. إذن: مهما كان الإنسان بسيطاً، ومهما كان مغموراً فإن له مهمة يفضل بها عن غيره من الناس.
خذ الخياط مثلاً، وهو صاحب حرفة متواضعة بين الناس، ولا يكاد يجيد عملاً إلا أن يخيط للناس ثيابهم، فإذا ما كانت ليلة العيد وجدته من أهم الشخصيات، الجميع يقبلون عليه، ويتمنون أن يتكرم عليهم ويقضي حاجتهم من خياطة ثيابهم وثياب أولادهم.
وبهذا نستطيع أن نفهم قول الحق تبارك وتعالى:

{أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون "32" }
(سورة الزخرف)


فكل منا مسخر لخدمة الآخرين فيما فضل فيه، وفيما نبغ فيه. وصدق الشاعر حين قال:
الناس للناس مـن بدوٍ ومن حضــرٍ بعض لبعضٍ وإن لم يشعروا خدم
إذن: في التفاضل يجب أن ننظر إلى زوايا الإنسان المختلفة؛ لأن الجميع أمام الله سواء، ليس منا من هو ابن الله، وليس منا من بينه وبين الله نسب أو قرابة، ولا تجمعنا به سبحانه إلا صلة العبودية له عز وجل، فالجميع أمام عطائه سواء، لا يوجد أحد أولى من أحد.
فالعاقل حين ينظر في الحياة لا ينظر إلى تميزه عن غيره كموهبة، بل يأخذ في اعتباره مواهب الآخرين، وأنه محتاج إليها وبذلك يندك غروره، ويعرف مدى حاجته لغيره. وكما أنه نابغ في مجال من المجالات، فغيره نابغ في مجال آخر؛ لأن النبوغ يأتي إذا صادف العمل الموهبة، فهؤلاء البسطاء الذين تنظر إليهم نظرة احتقار، وترى أنهم دونك يمكن أن يكونوا نابغين لو صادف عملهم الموهبة.
وقوله تعالى:

{وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً "21" }
(سورة الإسراء)


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:46 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا