20-10-2011, 10:44 AM
|
#600
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة الإسراء - الآية: 36
| (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً "36" ) | ينتقل الحق سبحانه وتعالى إلى قضية أخرى تنظم حركة الحياة والإنسان الذي استخلفه الله في الأرض ووهبه الحياة وأمده بالطاقات وبمقومات الحياة وضرورياتها.
وبعد أن تكفل له بالضروريات، دله على الترقي في الحياة بالبحث والفكر، واستخدام العقل المخلوق لله، والمادة المخلوقة لله بالطاقات المخلوقة لله، فيرقي ويثري حياته ومجتمعه.
وحركة الترقي والإثراء هذه لا تتم إلا على قضية ثابتة واضحة، فإذا تحركت في الحياة بناءً على هذه القضية فسوف تصل إلى النتيجة المرجوة.
فمثلاً، الطالب الذي يرغب في دخول كلية الحقوق مثلاً، لديه قضية واضحة مجزوم بها، فعندما يلتحق بالحقوق يجتهد، ويصل من خلالها إلى طموحاته؛ لأنه سار على ضوء قضية اقتنع بها.
إذن: لابد أن تبني حركة الحياة على قضايا ثابتة، هذه القضايا الثابتة تجعل المتحرك في أي حركة واثقاً من أن حركته ستؤدي إلى النتيجة المطلوبة، فلو أردت مثلاً الذهاب إلى الإسكندرية أو إلى أسوان، فلن تتحرك إلا إذا تأكدت أن هذا الطريق هو الموصل إلى غايتك، وكذلك حركة الحياة لا يمكن أن تتم إلا بناءً على قضايا حقيقية مضبوطة في الكون، وهذا ما نسميه (العلم).
وقد سبق أن أوضحنا معنى القضية، وأنها المقولة التي يحكم على قائلها بالصدق أو الكذب، كأن نقول: الأرض كروية، أو الشمس مضيئة، أو القمر منير، وهذه القضايا تعطيني قضية علمية مجزوماً بها وواقعة، ويمكن أن ندلل عليها. وهذا هو العلم.
أما الجهل فأن تجزم بقضية ليست واقعية فهي قضية كاذبة، وليس الجهل عدم العلم كما يعتقد البعض؛ لأن عدم العلم أمية، والأمي ليس عنده قضية لا صادقة ولا كاذبة.
لذلك تجد الأمي أطوع في التعلم من الجاهل؛ لأن الأمي بمجرد أن تعلمه قضية ما يأخذها ويتعلمها، أما الجاهل فيلزمك أولاً أن تخرج من ذهنه القضية المخالفة، ثم تعلمه القضية الصادقة. وقضايا الحياة يمكن أن تقسم إلى قسمين:
قضايا تختلف فيها الأهواء.
وقضايا تتفق فيها الأهواء.
فالقضايا التي تختلف فيها الأهواء: هي القضية التي يخدم بها كل قائل لها فكرة عنده فقط، وإن كانت ضارة بغيره، فمادام الأمر قائماً على الأهواء فلابد أن تختلف، فكل له هواه الخاص، فلو أن لكل واحد قضية ما التقينا على شيء أبداً. وصدق الحق تبارك وتعالى حين قال:
{ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض .. "71"}
(سورة المؤمنون)
إذن: فما المخرج من هذا الاختلاف والتباين؟ المخرج أن يخرج كل واحد منا من هوى نفسه أولاً، ثم نرد القضية التي اختلفت فيها أهواؤنا إلى من لا هوى له.
وربك سبحانه وتعالى هو وحده الذي لا هوى له، ونحن جميعاً خلقه، وكلنا عنده سواء، ليس منا من بينه وبين الله نسب أو قرابة، فشرع الله واحد للجميع، ولا غضاضة فالكل خاضع لهذا الشرع متبع له؛ لأنه شرع الخالق سبحانه لا شرع أحد من الناس.
لذلك اشتهر قولهم: "اللي الشرع يقطع صباعه ميخرش دم". فأنا لم أخضع لك، وأنت لم تخضع لي، بل الجميع خاضع لله تعالى منصاع لأمره. إذن: اتركوا قضايا الأهواء لله تعالى يشرعها لكم لكي ترتاحوا من تسلط بعضكم على بعض.
أما القضايا التي تتفق فيها الأهواء فهي القضايا المادية القائمة على المادة الصماء التي لا تجامل أحداً على حساب أحد، ولا مانع أن تتبعوا الآخرين فيها؛ لأنكم سوف تلتقون عليها قهراً ورغماً عنكم، فالمعمل الذي تدخله لتجري التجارب التي توصلك لقضية ما مادية أو كيماوية معمل محايد لا يجامل أحداً.
وقد سبق أن قلنا: إن الكهرباء أو الكيمياء ليس فيها روسي وأمريكي؛ لأن هذه أشياء مادية لا خلاف عليها، أما الذي جعل المعسكر الشرقي يختلف والمعسكر الغربي هي القضايا الأهوائية، فهذا شيوعي، وهذا رأسمالي.
لذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم وضع بنفسه هذا المبدأ في الوجود الإيماني حينما رأى الناس يؤبرون النخل، فأشار عليهم بعدم تأبيره، فأطاعوه ولم يؤبروا النخل في هذا العام، وكانت النتيجة أن شاص النخل ولم يثمر، وأثبتت التجربة الطبيعية أن ما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس صواباً.
يأتي هذا ممن؟ من محمد بن عبد الله نبي الله ورسول، الذي يحرص على أن تأتي كل قضاياه صادقة صائبة، وما كان منه إلا أن قال: "أنتم أعلم بشئون دنياكم". ليضع بذلك أسوة لعلماء الدين ألا يضعوا أنوفهم في قضايا الماديات، وقد قال الحق تبارك وتعالى:
{قد علم كل أناس مشربهم "60"}
(سورة البقرة)
ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به". فإن أردت أن تتحرك في الحياة حركة سليمة مجدية، وحركة متساندة مع إخوانك غير متناقضة؛ فالحق سبحانه يقول:
{لا تقف ما ليس لك به علم .. "36" }
(سورة الإسراء)
لكي تسير في حركة الحياة على هدىً وبصيرة. (لا تقف) أي: لا تتبع ولا تتدخل فيما لا علم لك به، كمن يدعي مثلاً العلم بإصلاح التليفزيون وهو لا يعلم، فربما أفسد أكثر مما يصلح. ومن هنا قال أهل الفقه: من قال لا أدري فقد أفتى؛ لأنه بإعلان عدم معرفته صرف السائل إلى من يعلم، أما لو أجاب خطأ، فسوف يترتب على إجابته ما لا تحمد عقباه، والذي يسلك هذا المسلك في حياته تكون حركته في الحياة حركة فاشلة.
والفعل (يقفو) مأخوذ من القفا وهو المؤخرة، وقد قال تعالى في آية أخرى:
{ثم قفينا على آثارهم برسلنا .. "27"}
(سورة الحديد)
أي: أتبعناهم. ويقفو أثره أي: يسير خلفه. وحينما نصح أحدهم رجلاً يريد أن يتزوج قال له: لا تتخذها حنانة، ولا منانة، ولا عشبة الدار، ولا كبة القفا.
فالحنانة التي لها ولد من غيرك يذكرها دائماً بأبيه فتحن إليه، والمنانة التي لديها مال تمن به عليك، وعشبة الدار هي المرأة الحسناء في المنبت السوء والمستنقع القذر، وكبة القفا هي التي لا تعيب الإنسان في حضوره، وتعيبه وتذمه في غيبته. |
|
|
|