المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 23-10-2011, 05:17 PM   #676
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 2

(إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون "2")
وبالنسبة للقرآن نجد الحق ـ سبحانه ـ يقول:

{نزل به الروح الأمين "193"}
(سورة الشعراء)


فنسب النزول مرة لجبريل كحامل للقرآن ليبلغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومرة يقول:

{نزل .. "2"}
(سورة محمد)


، والنزول في هذه الحالة منسوب لله وجبريل والملائكة. أما قول الحق ـ سبحانه:

{أنزل .. "91"}
(سورة البقرة)


فهو القول الذي يعني أن القرآن قد تعدى كونه مكنوناً في اللوح المحفوظ ليباشر مهمته في الوجود ببعث رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم.
هذا هو معنى الإنزال للقرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل من بعد ذلك نجوماً متفرقة؛ ليعالج كل المسائل التي تعرض لها المسلمون. وهكذا يؤول الأمر إلى أن القرآن نزل أو نزل به الروح الأمين. والحق ـ سبحانه ـ يقول:

{وبالحق أنزلناه وبالحق نزل .."105"}
(سورة الإسراء)


أي: أن الحق ـ سبحانه ـ أنزله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم أنزله مفرقا ليعالج الأحداث ويباشر مهمته في الوجود الواقعي. وفي هذه الآية يقول ـ سبحانه:

{إنا أنزلناه قرأناً عربياً .."2"}
(سورة يوسف)


وفي الآية السابقة قال:

{تلك آيات الكتاب .."1"}
(سورة يوسف)


فمرة يصفه بأنه قرآن بمعنى القروء، ومرة يصفه بأنه كتاب؛ لأنه مسطور، وهذه من معجزات التسمية. ونحن نعلم أن القرآن حين جمع ليكتب؛ كان كاتب القرآن لا يكتب إلا ما يجده مكتوباً، ويشهد عليه اثنان من الحافظين. ونحن نعلم أن الصدور قد تختلف بالأهواء، أما السطور فمثبتة لا لبس فيها.
وهو قرآن عربي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيجاهر بالدعوة في أمة عربية، وكان لابد من وجود معجزة تدل على صدق بلاغه عن الله، وأن تكون مما نبغ فيه العرب؛ لأن المعجزة مشروطة بالتحدي، ولا يمكن أن يتحداهم في أمر لا ريادة لهم فيه ولا لهم به صلة؛ حتى لا يقولون أحد: نحن لم نتعلم هذا؛ ولو تعلمناه لجئنا بأفضل منه.
وكان العرب أهل بيان وأدب ونبوغ في الفصاحة والشعر، وكانوا يجتمعون في الأسواق، وتتفاخر كل قبيلة بشعرائها وخطبائها المفوهين، وكانت المباريات الآدائية تقام، وكانت التحديات تجرى في هذا المجال، وينصب لها الحكام. أي: أن الدربة على اللغة كانت صناعة متواترة ومتواردة، محكوم عليها من الناس في الأسواق، فهم أمة بيان وبلاغة وفصاحة. لذلك شاء الحق ـ سبحانه ـ أن يكون القرآن معجزة من جنس ما نبغ فيه العرب، وهم أول قوم نزل فيهم القرآن، وحين يؤمن هؤلاء لن يكون التحدي بفصاحة الألفاظ ونسق الكلام، بل بالمبادئ التي تطغى على مبادئ الفرس والروم.
وهي مبادئ قد نزلت في أمة مبتدية ليس لها قانون يجمعها، ولا وطن يضمهم يكون الولاء له، بل كل قبيلة لها قانون، وكلهم بدو يرحلون من مكان إلى مكان. وحين نزل فيهم القرآن علم أهل فارس والروم أن تلك الأمة المبتدية قد امتلكت ما يبني حضارة ليس لها مثل من قبل، رغم أن النبي أمي وأن الأمة التي نزل فيها القرآن كانت أمية.
وفارس والروم يعلمون أن الرسول الذي نزل في تلك الأمة تحداهم بما نبغوا فيه، وما استطاع واحد منهم أن يقوم أمام التحدي، ومن هنا شعروا أنهم أمام تحد حضاري من نوع آخر لم يعرفوه. ويشاء الحق ـ سبحانه ـ أن ينزل القرآن عربياً؛ لأن الحق لم يكن ليرسل رسولاً إلا بلسان قومه، فهو القائل:

{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم .. "4"}
(سورة إبراهيم)


وأرسل محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن، الذي تميز عن سائر كتب الرسل الذين سبقوه؛ بأنه كتاب ومعجزة في آن واحد، بينما كانت معجزات الرسل السابقين عليه صلى الله عليه وسلم منفصلة من كتب الأحكام التي أنزلت إليهم.
ويظل القرآن معجزة تحمل منهجا إلى أن تقوم الساعة، ومادام قد آمن به الأوائل وانساحوا في العالم، فتحقق بذلك ما وعد به الله أن يكون هذا الكتاب شاملاً، يجذب كل من لم يؤمن به إلى الانبهار بما فيه من أحكام.
ولذلك حين يبحثون عن أسباب انتشار الإسلام في تلك المدة الوجيزة، يجدون أن الإسلام قد انتشر لا بقوة من آمنوا به؛ بل بقوة من انجذبوا إليه مشدوهين بما فيه من نظم تخلصهم من متاعبهم.
ففي القرآن قوانين تسعد الإنسان حقاً، وفيه من الاستنباءات بما سوف يحدث في الكون؛ ما يجعل المؤمنين به يذكرون بالخشوع أن الكتاب الذي أنزله الله على رسولهم لم يفرط في شيء. وإذا قال قائل من المستشرقين: كيف تقولون: إن القرآن قد نزل بلسان عربي مبين؛ رغم وجود ألفاظ أجنبية مثل كلمة "آمين" التي تؤمنون بها على دعاء الإمام؛ كما توجد ألفاظ رومية، وأخرى فارسية؟
وهؤلاء المستشرقون لم يلتفتوا إلى أن العرب استقبل ألفاظ مختلفة من أمم متعددة نتيجة اختلاطه بتلك الأمم، ثم دارت هذه الألفاظ على لسانه، وصارت تلك الألفاظ عربية، ونحن في عصورنا الحديثة نقوم بتعريب الألفاظ، وندخل في لغتنا أي لفظ نستعمله ويدور على ألسنتنا، مادمنا نفهم المقصود به. ويذيل الحق ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله:

{لعلكم تعقلون "2"}
(سورة يوسف)


ليستنهض همة العقل، ليفكر في الأمر، والمنصف بالحق يهمه أن يستقبل الناس ما يعرضه عليهم بالعقل، عكس المدلس الذي يهمه أن يستر العقل جانباً؛ لينفذ من وراء العقل. وفي حياتنا اليومية حين ينبهك التاجر لسلعة ما، ويستعرض معك متانتها ومحاسنها؛ فهو يفعل ذلك كدليل على أنه واثق من جودة بضاعته.
أما لو كانت الصنعة غير جيدة، فهو لن يدعوك للتفكير بعقلك؛ لأنك حين تتدبر بعقلك الأمر تكتشف المدلس وغير المدلس؛ لذلك فهو يدلس عليك، ويعمى عليك، ولا يدع لك فرصة للتفكير.


 

قديم 23-10-2011, 05:18 PM   #677
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 3

(نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين "3")
حين يتحدث الحق ـ سبحانه ـ عن فعل من أفعاله؛ ويأتي بضمير الجمع؛ فسبب ذلك أن كل فعل من أفعاله يتطلب وجود صفات متعددة؛ يتطلب: علماً؛ حكمة؛ قدرة؛ إمكانات. ومن غيره ـ سبحانه ـ له كل الصفات التي تفعل ما تشاء وقت أن تشاء؟
لا أحد سواه قادر على ذلك؛ لأنه ـ سبحانه ـ وحده صاحب الصفات التي تقوم بكل مطلوب في الحياة ومقدر. لكن حين يتكلم ـ سبحانه ـ عن الذات؛ فهو يؤكد التوحيد فلا تأتي بصيغة الجمع، يقول تعالى:

{إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني وأقم الصلاة لذكري "14"}
(سورة طه)


وهنا يتكلم ـ سبحانه ـ بأسلوب يعبر عن أفعال لا يقدر عليها غيره؛ بالدقة التي شاءها هو ـ سبحانه ـ فيقول:

{نحن نقص عليك أحسن القصص.."3"}
(سورة يوسف)


وحدد ـ سبحانه ـ أنه هو الذي يقص، وإذا وجد فعل لله؛ فنحن نأخذ الفعل بذاته وخصوصه؛ ولا نحاول أن نشتق منه اسماً نطلقه على الله؛ إلا إذا كان الفعل له صفة من صفاته التي علمناها في أسمائه الحسنى؛ لأنه الذات الأقدس.
وفي كل ما يتعلق به ذاتاً وصفات وأفعالاً إنما نلتزم الأدب؛ لأننا لا نعرف شيئا عن ذات الله إلا ما أخبرنا الله عن نفسه، لذلك لا يصح أن نقول عن الله أنه قصاص، بل نأخذ الفعل كما أخبرنا به، ولا نشتق منه اسماً لله؛ لأنه لم يصف نفسه في أسمائه الحسنى بذلك. والواجب أن ما أطلقه ـ سبحانه ـ اسماً نأخذه اسماً، وما أطلقه فعلاً نأخذه فعلاً. وهنا يقول ـ سبحانه:

{نحن نقص عليك أحسن القصص.."3"}
(سورة يوسف)


ونعلم أن كلمة "قص" تعني الإتباع، وقال بعض العلماء: إن القصة تسمى كذلك لأن كل كلمة تتبع كلمة، ومأخوذة من قص الأثر، وهو تتبع أثر السائر على الأرض، حتى يعرف الإنسان مصير من يتتبعه ولا ينحرف بعيدا عن الاتجاه الذي سار فيه من يبحث عنه. واقرأ قول الحق ـ سبحانه ـ:

{وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنبٍ وهم لا يشعرون "11"}
(سورة القصص)


و {قصيه .. "11"}
(سورة القصص)



أي: تتبعي أثره. إذن: فالقص ليس هو الكلمة التي تتبع كلمة، إنما القص هو تتبع ما حدث بالفعل. ويعطينا الحق سبحانه مثلاً من قصة موسى عليه السلام مع فتاه:

{قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا "63" قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا "64"}
(سورة الكهف)


أي: تابعا الخطوات. وهكذا نعلم أن القص هو تتبع ما حدث بالفعل، فتكون كل كلمة مصورة لواقع، لا لبس فيه أو خيال؛ ولا تزيد، وليس كما يحدث في القصص الفني الحديث؛ حيث يضيف القصاص لقطات خيالية من أجل الحبكة الفنية والإثارة وجذب الانتباه.
أما قصص القرآن فوضعه مختلف تماماً، فكل قصص القرآن إنما يتتبع ما حدث فعلاً؛ لنأخذ منها العبرة؛ لأن القصة نوع من التاريخ. والقصة في القرآن مرة تكون للحدث، ومرة تكون لتثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم تأت قصة رسول في القرآن كاملة، إلا قصة يوسف ـ عليه السلام.
أما بقية الرسل فقصصهم جاءت لقطات في مناسبات لتثبيت فؤاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فتأتي لقطة من حياة رسول، ولقطة من حياة رسول آخر، وهكذا. ولا يقولن أحد: إن القرآن لم يستطع أن يأتي بقصة كاملة مستوفية؛ فقد شاء الحق ـ سبحانه ـ أن يأتي بقصة يوسف من أولها إلى آخرها، مستوفية، ففيها الحدث الذي دارت حوله أشخاص، وفيها شخص دارت حوله الأحداث.
فقصة يوسف ـ عليه السلام ـ في القرآن لا تتميز بالحبكة فقط؛ بل جمعت نوعي القصة، بالحدث الذي تدور حوله الشخصيات وبالشخص الذي تدور حوله الأحداث. جاءت قصة يوسف بيوسف، وما مر عليه من أحداث؛ بدء من الرؤيا، ومروراً بحقد الأخوة وكيدهم، ثم محاولة الغواية له من امرأة العزيز، ثم السجن، ثم القدرة على تأويل الأحلام، ثم تولي السلطة، ولقاء الأخوة والإحسان إليهم، وأخيراً لقاء الأب من جديد.
إذن: فقول الحق ـ سبحانه:

{نحن نقص عليك أحسن القصص.."3"}
(سورة يوسف)


يبين لنا أن الحسن أتى لها من أن الكتب السابقة تحدثت عن قصة يوسف، لكن أحبار اليهود حين قرأوا القصة كما جاءت بالقرآن ترك بعضهم كتابه، واعتمد على القرآن في روايتها، فالقصة أحداثها واحدة، إلا صياغة الأداء؛ وتلمسات المواجيد النفسية؛ وإبراز المواقف المطوية في النفس البشرية؛ وتحقيق الرؤى الغيبية كل ذلك جاء في حبكة ذات أداء بياني معجز جعلها احسن القصص.
أو: هي احسن القصص بما اشتملت عليه من عبر متعددة، عبر في الطفولة في مواجهة الشيخوخة، والحقد الحاسد بين الأخوة، والتمرد، وإلقائه في الجب والكيد له، ووضعه سجيناً بظلم، وموقف يوسف عليه السلام من الافتراء الكاذب، والاعتزاز بالحق حتى تم له النصر والتمكين. وكيف ألقى الله على يوسف ـ عليه السلام ـ محبة منه؛ ليجعل كل من لتقي به يحب خدمته. وكيف صان يوسف إرث النبوة، بما فيها من سماحة وقدرة على العفو عند المقدرة؛ فعفا عن أخوته بما روته السورة:

{قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين "92"}
(سورة يوسف)


 

قديم 23-10-2011, 05:18 PM   #678
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 4

(إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين "4")
وهكذا تبدأ قصة يوسف، حين يقول لأبيه يعقوب عليهما السلام "يا أبت"، وأصل الكلمة "يا أبي"، ونجد في اللغة العربية كلمات "أبي" و"أبت" و"أبتاه" و"أبة" وكلها تؤدي معنى الأبوة، وإن كان لكل منها ملحظ لغوي. ويستمر يوسف في قوله:

{إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين "4"}
(سورة يوسف)


وكلنا رأينا الشمس والقمر؛ كل في وقت ظهوره؛ لكن حلم يوسف يبين أنه رآهما معاً، وكلنا رأينا الكواكب متناثرة في السماء آلافا لا حصر لها، فكيف يرى يوسف أحد عشر كوكباً فقط؟ لابد أنهم اتصفوا بصفات خاصة ميزتهم عن غيرهم من الكواكب الأخرى؛ وأنه قام بعدهم. ورؤيا يوسف عليه السلام تبين أنه رآهم شمساً وقمرا وأحد عشر كوكباً؛ ثم رآهم بعد ذلك ساجدين.
وهذا يعني أنه رآهم أولاً بصفاتهم التي نرى بها الشمس والقمر والنجوم بدون سجود؛ ثم رآهم وهم ساجدون له؛ بملامح الخضوع لأمر من الله، ولذلك تكررت كلمة "رأيت" وهو ليس تكراراً، بل لإيضاح الأمر.
ونجد أن كلمة:

{ساجدين "4"}
(سورة يوسف)


وهي جمع مذكر سالم؛ ولا يجمع جمع المذكر السالم إلا إذا كان المفرد عاقلا، والعقل يتميز بقدرة الاختيار بين البدائل؛ والعاقل المؤمن هو من يجعل اختياراته في الدنيا في إطار منهج الدين، وأسمى ما في الخضوع للدين هو السجود لله. ومن سجدوا ليوسف إنما سجدوا بأمر من الله، فهم إذن يعقلون أمر الحق سبحانه وتعالى. مثلهم في ذلك مثل ما جاء في قول الحق سبحانه:

{إذا السماء انشقت "1" وأذنت لربها وحقت "2"}
(سورة الانشقاق)


هذه السماء تعقل أمر ربها الذي بناها. وقال عنها أنها بلا فروج:

{أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج "6"}
(سورة ق)


وهي أيضا تسمع أمر ربها، مصداقا لقوله سبحانه:

{وأذنت لربها وحقت "2"}
(سورة الانشقاق)


أي: أنها امتلكت حاسة السمع؛ لأن "أذنت" من الأذن؛ وكأنها بمجرد سماعها لأمر الله؛ تنفعل وتنشق. وهكذا نجد أن كل عالم من عوالم الكون أمم مثل أمة البشر، ويتفاهم الإنسان مع غيره من البشر ممن يشتركون معه في اللغة، وقد يتفاهم مع البشر أمثاله ممن لا يعرف لغتهم بالإشارة، أو من خلال مترجم، أو من خلال تعلم اللغة نفسها. ولكن الإنسان لا يفهم لغة الجماد، أو لغة النبات، أو لغة الحيوان؛ إلا إذا أنعم الله على عبد بأن يفهم عن الجماد، أو أن يفهم الجماد عنه.
والمثل: هو تسبيح الجبال مع داود، ويشكل تسبيحه مع تسبيحها "جوقة" من الانسجام مكون من إنسان مسبح؛ هو أعلى الكائنات والمردد للتسبيح هي الجبال، وهي من الجماد أدنى الكائنات. ونحن نعلم أن كل الكائنات تسبح، لكننا لا نفقه تسبيحها، ولكن الحق سبحانه يختار من عباده من يعلمه منطق الكائنات الأخرى، مثلما قال سبحانه عن سليمان:

{وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير .."16"}
(سورة النمل)


{حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون "18" فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين "19"}
(سورة النمل)


إذن: فكل أمة من الكائنات لغة، وهي تفهم عن خالقها، أو من أراد له الله سبحانه وتعالى أن يفهم عنها، وبهذا نعلم أن الشمس والقمر والنجوم حين سجدت بأمر ربها ليوسف في رؤياه؛ إنما فهمت عن أمر ربها.


 

قديم 23-10-2011, 08:21 PM   #679
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 5

(قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين "5")
وحين يورد القرآن خطاب أب لابن لا نجد قوله (يا بني) وهو خطاب تحنين، ويدل على القرب من القلب، و"بني" تصغير "ابن". أما حين يأتي القرآن بحديث أب عن ابنه فهو يقول "ابني" مثل قول الحق سبحانه عن نوح يتحدث عن ابنه الذي اختار الكفر على الإيمان:

{إن ابني من أهلي .."45"}
(سورة هود)


وكلمة "يا بني" بما فيها من حنان وعطف؛ سيفيدنا كثيرا فيما سوف يأتي من مواقف يوسف؛ ومواقف أبيه منه. وقول يعقوب ليوسف "يا بني" يفهم منه أن يوسف عليه السلام مازال صغيراً، فيعقوب هو الأصل، ويوسف هو الفرع، والأصل دائما يمتلئ بالحنان على الفرع، وفي نفس الوقت نجد أي أب يقول: من يأكل لقمتي عليه أن يسمع كلمتي.
وقول الأب: يا بني، يفهم منه أن الابن مازال صغيراً، ليست له ذاتية منفصلة عن الأب ليقرر بها ما هو المناسب، وما هو غير المناسب، وحين يفزع يوسف مما يزعجه أو يسيء إليه؛ أو أي أمر معضل؛ فهو يلجأ إلى من يحبه؛ وهو الأب؛ لأن الأب هو ـ الأقدر في نظر الابن على مواجهة الأمور الصعبة. وحين روى يوسف عليه السلام الرؤيا لأبيه؛ قال يعقوب عليه السلام:

{قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك .."5"}
(سورة يوسف)


ونفهم من كلمة "رؤيا" أنها رؤيا منامية؛ لأن الشمس والقمر والنجوم لا يسجدون لأحد، وهذا ما يوضح لنا دقة اللغة العربية، فكلمة واحدة هي "رأي" قد يختلف المعنى لها باختلاف ما رؤى؛ فرؤيتك وأنت يقظان يقال عنها "رؤية"؛ ورؤيتك وأنت نائم يقال عنها "رؤيا". والرؤية مصدر متفق عليه من الجميع: فأنت ترى ما يراه غيرك؛ وأما "الرؤيا" فهي تأتي للنائم. وهكذا نجد الالتقاء في "رأي" والاختلاف في الحالة؛ هل هي حالة النوم أو حالة اليقظة. وفي الأعراب كلاهما مؤنث؛ لأن علامة التأنيث إما: "تاء" ، أو "ألف ممدودة"، أو "ألف مقصورة". وأخذت الرؤية الحقيقية التي تحدث في اليقظة "التاء" وهي عمدة التأنيث؛ أما الرؤيا المنامية فقد أخذت ألف التأنيث.
ولا يقدح في كلمة "رؤيا" أنها منامية إلا آية واحدة في القرآن حيث تحدث الحق سبحانه عن لحظة أن عرج به صلى الله عليه وسلم؛ فقال:

{وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس .."60"}
(سورة الإسراء)


ولكن من يقولون: "إنها رؤيا منامية" لم يفقهوا المعنى وراء هذا القول؛ فالمعنى هو: إن ما حدث شيء عجيب لا يحدث إلا في الأحلام، ولكنه حدث في الواقع؛ بدليل أنه قال عنها: أنها "فتنة للناس". فالرسول صلى الله عليه وسلم لو كان قد قال إنها رؤيا منامية لما كذبه أحد فيما قال: لكنه أعلن أنها رؤيا حقيقية؛ لذلك عبر عنها القرآن بأنها فتنة للناس. وهنا يقول يعقوب عليه السلام:

{قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك .."5"}
(سورة يوسف)


لأن يعقوب عليه السلام كأب مأمون على ابنه يوسف؛ أما إخوة يوسف فهم غير مأمونين عليه، وحين يقص يوسف رؤياه على أبيه، فهو سينظر إلى الصالح ليوسف ويدله عليه. أما إن قص الرؤيا على إخوته؛ فقد تجعلهم الأغيار البشرية يحسدون أخاهم، وقد كان. وإن تساءل أحد: ولماذا يحسدونه على رؤيا منامية، رأى فيها الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً يسجدون له؟
نقول: لابد أن يعقوب عليه السلام قد علم تأويل الرؤيا: وأنها نبوءة لأحداث سوف تقع؛ ولابد أن يعقوب عليه السلام قد علم أيضا قدرة إخوة يوسف على تأويل تلك الرؤيا، ولو قالها يوسف لهم لفهموا المقصود منها، ولابد حينئذ أن يكيدوا له كيداً يصيبه بمكروه. فهم قد أصابهم الضيق من يوسف وهو مازال طفلاً، فما باله بضيقهم إن علموا مثل هذه الرؤيا التي سيجد له فيها الأب والأم مع الإخوة.
ولا يعني ذلك أن نعتبر إخوة يوسف من الأشرار؛ فهم الأسباط؛ وما يصيبهم من ضيق بسبب علو عاطفة الأب تجاه يوسف هو من الأغيار التي تصيب البشر، فهم ليسوا أشراراً بالسليقة؛ لأن الشرير بالسليقة تتصاعد لديه حوادث السوء، أما الخير فتتنزل عنده حوادث السوء. والمثال على ذلك: أنك قد تجد الشرير يرغب في أن يصفع إنساناً آخر صفعة على الخد؛ ولكنه بعد قليل يفكر في تصعيد العدوان على ذلك الإنسان، فيفكر أن يصفعه صفعتين بدلاً من صفعة واحدة؛ ثم يرى أن الصفعتين لا تكفيان؛ فيرغب أن يزيد العدوان بأن يصوب عليه مسدساً؛ وهكذا يصعد الشرير تفكيره الإجرامي.
أما الخير فهو قد يفكر في ضرب إنسان أساء إليه "علقة"؛ ولكنه يقلل من التفكير في رد الاعتداء بأن يكتفي بالتفكير في ضربة صفعتين بدلاً من "العلقة"، ثم يهدأ قليلا ويعفو عمن أساء إليه. وإخوة يوسف ـ وهم الأسباط ـ بدءوا في التفكير بانتقام كبير من يوسف، فقالوا لبعضهم:

{اقتلوا يوسف .."9"}
(سورة يوسف)


ثم هبطوا عن هذه الدرجة المؤلمة من تعبيرهم عن الغيرة من زيادة محبة أبيهم ليوسف، فقالوا:

{أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم .."9"}
(سورة يوسف)


 

قديم 23-10-2011, 08:21 PM   #680
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 6

(وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم "6")
أي: كما آنسك الله بهذه الرؤيا المفرحة المنبئة بأنه سيكون شأن كبير بالنسبة لإخوتك وبالنسبة لأبيك، فلسوف يجتبيك ربك؛ لا بأن يحفظك فقط؛ ولكن بأن يجعل كيدهم سبباً لصالحك، ويعلمك من تأويل الأحاديث ما يجعل أصحاب الجاه والنفوذ يلتفون إليك.
ومعنى تأويل الشيء أي معرفة ما يؤول إليه الشيء، ونعلم أن الرؤى تأتي كطلاسم، ولها شفرة رمزية لا يقوم بحلها إلا من وهبه الله قدرة على ذلك؛ فهي ليست علماً له قواعد وأصول؛ لأنها إلهامات من الله سبحانه وتعالى.
وبعد ذلك تصير يا يوسف على خزائن الأرض؛ حين يوجد الجدب، ويعم المنطقة كلها، وتصبح عزيز مصر. ويتابع الحق سبحانه:

{ويتم نعمته عليك .. "6"}
(سورة يوسف)


فكل ما تمتع به يوسف هو من نعم الدنيا، وتاج نعمة الدنيا أن اجتباه رسولاً. أو أن:

{ويتم نعمته عليك .. "6"}
(سورة يوسف)


بمعنى إلا تسلب منك النعمة أبداً؛ ففي حياة يوسف منصب مهم، هو منصب عزيز مصر، والمناصب من الأغيار التي يمكن أن تنزع أو أن:

{ويتم نعمته عليك .. "6"}
(سورة يوسف)


بأن يصل نعيم دنياك بنعيم أخراك. ويتابع الحق سبحانه:

{وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم "6" }
(سورة يوسف)


يذكر الحق سبحانه يوسف عليه السلام بأن كيد إخوته له لا يجب أن يحوله إلى عداوة؛ لأن النعم ستتم أيضاً على هؤلاء فهم آل يعقوب؛ هم وأبناؤهم حفدة يعقوب، وسينالهم بعض من عز يوسف وجاهه وماله، كما أتمها من قبل على إبراهيم الجد الأول ليوسف باتخاذه خليلا لله، وأتم سبحانه نعمته على إسحق بالنبوة.


 

قديم 23-10-2011, 08:21 PM   #681
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 7

(لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين"7")
أي: أن يوسف صار ظرفاً للأحداث، لأن "في" تدل على الظرفية، ومعنى الظرفية أن هناك شيئاً يظرف فيه شيء آخر، فكأن يوسف صار ظرفا ستدور حوله الأحداث بالأشخاص المشاركين فيها.
و"يوسف" اسم أعجمي؛ لذلك فهو "ممنوع من الصرف" أي: ممنوع من التنوين فلا نقول: في يوسفٍ.
و{يوسف وإخوته آيات للسائلين "7"}
(سورة يوسف)



وهذا يعني أن ما حدث إنما يلفت لقدرة الله سبحانه؛ فقد ألقى في الجب وأنقذ ليتربى في أرقى بيوت مصر. ونعلم أن كلمة آية تطلق على الأمر العجيب الملفت للنظر، وهي ترد بالقرآن بثلاثة معان:
آية كونية: مثل الشمس والقمر والليل والنهار، تلك الآيات الكونية رصيد للنظر في الإيمان بواجب الوجود وهو الله سبحانه؛ فساعة ترى الكون منتظماً بتلك الدقة المتناهية؛ لابد أن تفكر في ضرورة وجود خالق لهذا الكون.
والآيات العجيبة الثانية هي المعجزات الخارقة للنواميس التي يأتي بها الرسل؛ لتدل على صدق بلاغهم عن الله، مثل النار التي صارت برداً وسلاماً على إبراهيم، ومثل الماء الذي أنفلق وصار كالطور العظيم أمام عصا موسى.
وهناك المعنى الثالث لكلمة آية، والمقصود بها آيات القرآن الكريم.
وفي قول الحق سبحانه:

{لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين "7"}
(سورة يوسف)


نستشف العبرة من كل ما حدث ليوسف الذي كاد له إخوته ليتخلصوا منه؛ لكن كيدهم انقلب لصالح يوسف. وفي كل ذلك سلوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم لتثبيت فؤاده؛ فلا يعير بالاً لاضطهاد قومه له، وتآمرهم عليه، ورغبتهم في نفيه إلى الشام، ومحاولتهم قتله، ومحاولتهم مقاطعته، وقد صاروا من بعد ذلك يعيشون في ظلال كنفه.
إذن: فلا تيأس يا محمد؛ لأن الله ناصرك بإذنه وقدرته، ولا تستبطئ نصر الله، أنت ومن معك، كما جاء في القرآن.

{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب "214"}
(سورة البقرة)


ويبين لنا الحق سبحانه ما حدث ليوسف بعد القهر الذي أصابه من إخوته، ويمر الوقت إلى أن تتحقق رؤيا الخير التي رآها يوسف عليه السلام. ويقال: إن رؤيا يوسف تحققت في فترة زمنية تتراوح بين أربعين سنة وثمانين عاماً.
ولذلك نجد رؤيا الخير يطول أمد تصديقها؛ ورؤيا الشر تكون سريعة؛ لأن من رحمة الله أن يجعل رؤيا الشر يقع واقعاً وينتهي، لأنها لو ظلت دون وقوع لأمد طويل؛ لوقع الإنسان فريسة تخيل الشر بكل صوره. والشر لا يأتي إلا على صورة واحدة، ولكن الخير له صور متعددة؛ فيجعلك الله متخيلاً لما سوف يأتيك من الخير بألوان وتأويل شتى. والمثل لدعوة الشر هو دعوة موسى على آل فرعون؛ حين قال:

{ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم "88"}
(سورة يونس)


ويقول الحق سبحانه:

{لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين "7"}
(سورة يوسف)


فكل يوم من أيام تلك القصة هناك آية وتجمع آيات. وهناك قراءة أخرى: "لقد كان في يوسف وإخوته آية للسائلين" أي: أن كل القصة بكل تفاصيلها وأحداثها آية عجيبة. والحق سبحانه أعطانا في القرآن مثلاً على جمع الأكثر من آية في آية واحدة، مثلما قال:

{وجعلنا ابن مريم وأمه آية .. "50"}
(سورة المؤمنون)


 

قديم 23-10-2011, 08:21 PM   #682
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 8

(إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين "8")
ولابد لنا هنا أن ننظر إلى الأخوة بنوعياتها؛ فقد تكون الأخوة من ناحية الأبوين معاً؛ وقد تكون من ناحية الأب دون الأم، أو من ناحية الأم دون الأب، وكان عدد أبناء يعقوب عليه السلام اثنا عشر: سبعة من واحدة؛ وأربعة من اثنتين: زلفى وبلهه؛ واثنين من راحيل هما: يوسف، وأخوه بنيامين. وتبدأ الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:

{إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا.."8"}
(سورة يوسف)


وحرف اللام الذي سبق اسم يوسف جاء للتوكيد، وكأنهم قالوا: والله إن أبانا يحب يوسف وأخاه أكثر من حبه لنا. والتوكيد لا يأتي إلا بصدد إنكار. وهذا يدل على أنهم مختلفون في أمر يوسف عليه السلام؛ فأحدهم يريد أن ينتقم من يوسف، وآخر يقترح تخفيف المسألة بإلقائه في الجب؛ ثم انتهوا إلى أن يوسف أحب إلى أبيهم منهم.
وفي قولهم لمحة من إنصاف؛ فقد أثبتوا حب أبيهم لهم؛ ولكن قولهم به بعض من غفلة البشر؛ لأنهم كان يجب أن يلتمسوا سبب زيادة حب أبيهم ليوسف وأخيه. فيوسف وأخوه كانوا صغاراً وماتت أمهما؛ ولم يعد لهم إلا الأب الذي أحس بضرورة أن يجتمع فيه تجاههما حنان الأب وحنان الأم؛ ولأنهما صغار نجد الأب يحنو عليهما بما أودعه الله في قلبه من قدرة على الرعاية.
وهذا أمر لا دخل ليعقوب فيه؛ بل هي مسألة إلهية أودعها الله في القلوب بدون اختيار؛ ويودعها سبحانه حتى في قلوب الحيوانات. وقد شاء سبحانه أن يجعل الحنان على قدر الحاجة؛ فالقطة ـ على سبيل المثال ـ إن اقترب أحد من صغارها المولودين حديثاً؛ تهجم على هذا الذي اقترب من صغارها.
ولذلك نجد العربي القديم قد أجاب على من سأله "أي أبنائك أحب إليك؟" فقال: "الصغير حتى يكبر؛ والغائب حتى يعود، والمريض حتى يشفى". وهذه مسألة نراها في حياتنا اليومية، فنجد امرأة لها ولدان، واحد أكرمه الله بسعة الرزق ويقوم بكل أمورها واحتياجاتها؛ والآخر يعيش على الكفاف أو على مساعدة أخيه له؛ ونجد قلبها دائما مع الضعيف.
ولذلك نقول: إن الحب مسألة عاطفية لا تخضع إلى التقنين؛ ولا تكليف بها؛ وحينما يتعرض القرآن لها فالحق سبحانه يوضح: أن الحب والبغض انفعالات طبيعية؛ فأحبب من شئت وأبغض من شئت؛ ولكن إياك أن تظلم الناس لمن أحببت؛ أو تظلم من أبغضت. اقرأ قول الحق سبحانه:

{ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى "8" }
(سورة المائدة)


فأحبب من شئت، وأبغض من شئت، ولكن لا تظلم بسبب الحب أو البغض. وقد يقول قائل:

<ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه">

نقول: اقرأ ما جاء في نفس رواية الحديث؛ فقد قال عمر رضي الله عنه ـ بوضوحه وصراحته وجراءته؛ دون نفاق ـ: أحبك يا رسول الله عن مالي وعن ولدي أما عن نفسي؛ فلا،

<فكرر النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه">

ففطن عمر رضي الله عنه إلى أن الأمر هو التزام عقدي وتكليفي؛ وفهم أن المطلوب هو حب العقل؛ لا حب العاطفة.
وحب العقل ـ كما نعلم ـ هو أن تبصر الأمر النافع وتفعله؛ مثلما تأخذ الدواء المر؛ وأنت تفعل ذلك بحب عقلي؛ رغبة منك في أن يأذن الحق بالشفاء. والمسلم يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقله؛ لأنه يعلم أنه لولا مجيء رسول الله لما عرف حلاوة الإيمان، وقد يتسامى المسلم في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يصير حب الرسول في قلبه حباً عاطفياً.
وهكذا نرى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أوضح لنا الخطوط الفاصلة بين مبادئ الحب العقلي والحب العاطفي. والمثال الآخر من سيرة عمر رضي الله عنه في نفس المسألة؛ حب العقل وحب العاطفة؛ حين مر عليه قاتل أخيه؛ فقال واحد ممن يجلسون معه: هذا قاتل أخيك. فقال عمر: وماذا افعل به وقد هداه الله للإسلام؟
وصرف عمر وجهه بعيداً عن قاتل أخيه؛ فجاء القاتل إليه قائلاً: لماذا تزوي وجهك عني؟ قال عمر: لأني لا أحبك، فأنت قاتل أخي. فقال الرجل: أو يمنعني عدم حبك لي من أي حق من حقوقي؟ قال عمر: لا. فقال الرجل: "لك أن تحب من تريد، وتكره من تريد، ولا يبكي على الحب إلا النساء".


 

قديم 23-10-2011, 08:22 PM   #683
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 9

(اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين "9")
والقتل هو قمة ما فكروا فيه من شر؛ ولأنهم من الأسباط هبط الشر إلى مرتبة أقل؛ فقالوا:

{أو اطرحوه أرضاً .."9"}
(سورة يوسف)


فكأنهم خافوا من إثم القتل؛ وظنوا بذلك أنهم سينفردون بحب أبيهم؛ لأنهم قالوا:

{يخل لكم وجه أبيكم .."9"}
(سورة يوسف)


والوجه هو الذي تتم به المواجهة والابتسام والحنان، وهو ما تظهر عليه الانفعالات. والمقصود بـ:

{يخل لكم وجه أبيكم .."9"}
(سورة يوسف)


هو ألا يوجد عائق بينكم وبين أبيهم. وقولهم:

{وتكونوا من بعده قوما صالحين "9"}
(سورة يوسف)


أي: أنهم يقدرون الصلاح؛ ويعرفون أن الذي فكروا فيه غير مقبول بموازين الصلاح؛ ولذلك قالوا: إنهم سيتوبون من بعد ذلك. ولكن: ما الذي أدراهم أنهم سوف يعيشون إلى أن يتوبوا؟ وهم بقولهم هذا نسوا أن أمر الموت قد أبهم حتى لا يرتكب أحد المعاصي والكبائر. أو: أن يكون المقصود بـ:

{قوما صالحين "9"}
(سورة يوسف)


هو أن يكونوا صالحين لحركة الحياة، ولعدم تنغيص علاقتهم بأبيهم؛ فحين يخلو لهم وجهه؛ سيرتاحون إلى أن أباهم سيعدل بينهم، ويهبهم كل حبه فيرتاحون. أو أن يكون المقصود بـ:

{قوما صالحين "9"}
(سورة يوسف)


 

قديم 23-10-2011, 08:22 PM   #684
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 10

(قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين "10")
وهكذا نرى التخفيف في الشر حين يرفض واحد منهم مبدأ القتل، واستبدله بالإخفاء بإلقائه في الجب. ولم يحدد الحق سبحانه لنا اسم القائل حتى يعصمهم جميعاً من سوء الظن بهم. والجب هو البئر غير المطوي؛ ونحن نعلم أن الناس حين تحفر بئراً، فمياه البئر تتدفق طوال الوقت؛ وقد يأتي الردم فيسد البئر؛ ولذلك يبنون حول فوهة البئر بعضا من الطوب لحمايته من الردم؛ ويسمون مثل هذا البئر "بئر مطوي"، وهكذا تظل المياه في البئر في حالة استطراق.
وكلمة:

{غيابة الجب "10"}
(سورة يوسف)


أي: المنطقة المخفية في البئر؛ وعادة ما تكون فوق الماء؛ وما فيها يكون غائباً عن العيون. ولسائل أن يقول: وكيف يتأتى إلقاؤه في مكان مخفي مع قول أحد الإخوة:

{يلتقطه بعض السيارة "10"}
(سورة يوسف)


ونقول: إن في مثل هذا القول تنزيلاً لدرجة الشر التي كانت متوقدة في اقتراح بعضهم بقتل يوسف؛ وفي هذا الاقتراح تخفيض لمسألة القتل أو الطرح أرضاً. وبعد ذلك عاد القائل لحالته العادية، وصحت فيه عاطفة الأخوة؛ وقال:

{إن كنتم فاعلين "10"}
(سورة يوسف)


أي: أنه توقع عدم رفضهم لاقتراحه. وهكذا يشرح لنا الحق سبحانه كيف تمت تصفية هذه المسألة؛ فلم يقف صاحب هذا الرأي بالعنف ضد اقتراح إخوته بقتل يوسف أو طرحه في الأرض؛ بل أخذ يستدرجهم ليستل منهم ثورة الغضب؛ فلم يقل لهم "لا تقتلوه"، ولكنه قال: "لا تقتلوا يوسف". وفي نطقه للاسم تحنين لهم. ويضيف:

{وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين "10"}
(سورة يوسف)


 

قديم 23-10-2011, 08:22 PM   #685
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 11

(قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون "11")
وبعد أن وافقوا أخاهم الذي خفف من مسألة القتل، ووصل بها إلى مسألة الإلقاء في الجب؛ بدأوا التنفيذ، فقال واحد منهم موجهاً الكلام لأبيه، وفي حضور الإخوة:

{يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف .."11"}
(سورة يوسف)


وساعة تسمع قول جماعة؛ فاعلم أن واحداً منهم هو الذي قال، وأمن الباقون على كلامه؛ إما سكوتاً أو بالإشارة. ولكي يتضح ذلك اقرأ قول الحق سبحانه عن دعاء موسى عليه السلام على فرعون وكان معه هارون.
قال موسى عليه السلام:

{ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم "88"}
(سورة يونس)


ورد الحق سبحانه على دعاء موسى:

{قد أجيبت دعوتكما "89"}
(سورة يونس)


والذي دعا هو موسى، والذين أمن على الدعوة هو هارون عليه السلام. وهكذا نفهم أن الذي قال:

{يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون "11"}
(سورة يوسف)


تلك الكلمات التي وردت في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها، هو واحد من إخوة يوسف، وأمن بقية الإخوة على كلامه. وقولهم:

{ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون "11"}
(سورة يوسف)


يدل أنه كانت هناك محاولات سابقة منهم في ذلك، ولم يوافقهم وقولهم:

{وإنا له لناصحون "11"}
(سورة يوسف)


يعني أنهم سوف ينتبهون له، ولن يحدث له ضرر أو شر؛ وسيعطونه كل اهتمام فلا داعي أن يخاف عليه الأب. ويستمر عرض ما جاء على لسان إخوة يوسف:


 

قديم 23-10-2011, 08:23 PM   #686
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 12

(ارسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون"12")
ولأنهم كانوا يخرجون للرعي والعمل؛ لذلك كان يجب أن يأتوا بعلة ليأذن لهم أبوهم بخروج يوسف معهم، ويوسف في أوان الطفولة؛ واللعب بالنسبة له أمر محبب ومسوح به؛ لأنه مازال تحت سن التكليف، واللعب هو الشغل المباح لقصد انشراح النفس.
ويفضل الشرع أن يكون اللعب في مجال قد يطلبه الجد مستقبلا كأن يتعلم الطفل السباحة، أو المصارعة، أو إصابة الهدف؛ وهي الرماية وهكذا نفهم معنى اللعب: إنه شغل لا يلهي عن واجب، أما اللهو فهو شغل يلهي عن واجب.
وهناك بعض من الألعاب يمارسها الناس؛ ويجلسون معاً؛ ثم يؤذن المؤذن؛ ويأخذهم الحديث؛ ولا يلتفون إلى إقامة الصلاة في ميعادها؛ وهكذا يأخذهم اللهو عن الضرورة؛ أما لو التفتوا إلى إقامة الصلاة: لصار الأمر مجرد تسلية لا ضرر منها


 

قديم 23-10-2011, 08:23 PM   #687
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 13

(قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون "13")
وكلام الأب هنا لابد أن يغيظهم فهو دليل المحبة الفائقة إلى الدرجة التي يخاف فيها من فراق يوسف لقلة صبره عنه، وشدة رعايته له؛ ثم جاء لهم بالحكاية الأخرى، وهي:

{وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون "13"}
(سورة يوسف)


وقال بعض الناس: لقد علمهم يعقوب الكذبة؛ ولولا ذلك ما عرفوا أن يكذبوها. ونلحظ أن يعقوب جعل للأخوة لحظا؛ فلم يقل: "أخاف أن يأكله الذئب وأنتم قاعدون" بل قال:

{وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون "13"}
(سورة يوسف)


وهذا ليربي فيهم مواجيد الأخوة التي تفترض ألا يتصرفوا مع أخيهم بشر؛ ولا أن يتصرف غيرهم معه بشر إلا إذا غفلوا عن أخيهم. ونلحظ في ردهم عجزهم عن أن يردوا على قوله:

{وإني ليحزنني أن تذهبوا به .. "13"}
(سورة يوسف)


 

قديم 23-10-2011, 08:23 PM   #688
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 14

(قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون "14")
وهنا يكشف لنا الحق سبحانه محاولاتهم لطمأنة أبيهم؛ كي يأذن في خروج يوسف معهم؛ ولهذا استنكروا أن يأكله الذئب وهم محيطون به كعصبة، وأعلنوا أنه إن حدث ذلك فهم سيخسرون كرامتهم أمام أنفسهم وأمام قومهم، وهم لا يقبلون على أنفسهم هذا الهوان


 

قديم 23-10-2011, 08:23 PM   #689
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 15

(فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون "15")
وقوله الحق:

{وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب .. "15"}
(سورة يوسف)


يدلنا على أن تلك المسألة أخذت منهم مناقشة، فيها أخذ ورد، إلى أن استقروا عليها. وألهم الحق سبحانه يوسف عليه السلام بما سوف يفعلونه، والوحي كما نعلم هو إعلام بخفاء. وسوف يأتي في القصة أن يوسف عليه السلام بعد أن تولى الوزارة في مصر ودخلوا عليه أمسك بقدح ونقر عليه بأصابعه، وقال لهم: اسمعوا ما يقوله القدح؛ إنه يقول: إن لكم أخاً وقد فعلتم به كذا وكذا.
وبعض المفسرين قال: إن الحق سبحانه أوحى له، ولم يلحظ إخوته هذا الوحي. ونقول: إن الوحي إعلام بخفاء، ولا يمكن أن يشعر به غير الموحي إليه، وعلى ذلك نرى أنهم لم يعلموا هذا الأمر إلا بعد أن تولى يوسف مقاليد الوزارة في مصر؛ بل إنهم لم يعرفوا أن يوسف أخوهم؛ لأنهم قالوا له لحظتها:

{إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل .. "77"}
(سورة يوسف)


والمقصود بالوحي في هذه الآية ـ التي نحن بصدد خواطرنا عنها ـ هو إيناس الوحشة؛ وهو وارد إلهي لا يرده وارد الشيطان والإلهام وارد بالنسبة لمن هم غير أنبياء؛ مثلما أوضحنا الأمر الذي حدث مع أم موسى حين أوحى لها الله أن تلقيه في اليم.
والوارد الإلهي لا يجد له معارضة في النفس البشرية، وقد أوحى الله ليوسف ما يؤنس وحشته حين ألقاه إخوته في الجب الذي ابتعد فيه عن حنان أبيه وأنسه بأخيه، ومفارقته لبلده التي درج فيها وأنسه بالبيئة التي اعتاد عليها.
فكان لابد أن تعطيه السماء دليلاً على أن ما حدث له ليس جفوة لك يا يوسف؛ ولكنه إعداد لك لتقابل أمراً هم من الذي كنت فيه؛ وأن غرماءك ـ وهم إخوتك ـ سوف يضطرون لدق بابك ذات يوم يطلبون عونك، ويطلبون منك أقواتهم، وستعرفهم أنت دون أن يعرفوك.


 

قديم 23-10-2011, 08:24 PM   #690
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 16

(وجاءوا أباهم عشاء يبكون "16")
وهنا تتجلى لنا قدرة أداء القرآن أداء دقيقاً معبراً عن الانفعالات التي توجد في النفس الإنسانية، فهاهم إخوة خدعوا أباهم ومكروا بأخيهم، وأخذوه وألقوه في الجب مع أنهم يعلمون أن أباه يحبه، وكان ضنيناً أن يأتمنهم عليه، فكيف يواجهون هذا الأب؟
هذا هو الانفعال النفسي الذي لا تستطيع فطرة أن تثبته؛ فقالوا: نؤخر اللقاء لأبينا إلى العشاء: والعشاء محل الظلمة، وهو ستر للانفعالات التي توجد على الوجوه من الاضطراب؛ ومن مناقضة كذب ألسنتهم؛ لأنهم لن يخبروا الأب بالواقع الذي حدث؛ بل بحديث مختلق. وقد تخدعهم حركاتهم، ويفضحهم تلجلجهم، وتنكشف سيماهم الكاذبة أمام أبيهم؛ فقالوا: الليل أخفى للوجه من النهار، وأستر للفضائح؛ وحين ندخل على أبينا عشاء؛ فلن تكشفنا انفعالاتنا. وبذلك اختاروا الظرف الزمني الذي يتوارون فيه من أحداثهم:

{وجاءوا أباهم عشاء يبكون "16"}
(سورة يوسف)


والبكاء انفعال طبيعي غريزي فطري؛ ليس للإنسان فيه مجال اختيار؛ ومن يريد أن يفتعله فهو يتباكى، بأن يفرك عينيه، أو يأتي ببعض ريقه ويقربه من عينيه، ولا يستر ذلك إلا أن يكون الضوء خافتاً؛ لذلك جاءوا أباهم عشاء يمثلون البكاء. والحق سبحانه حينما تكلم عن الخصائص التي أعطاها لذاته، ولم يعطها لأحد من خلقه؛ أعلمنا أنه سبحانه هو الذي يميت ويحي، وهو الذي يضحك ويبكي.
والحق سبحانه هو القائل:

{وأنه هو أضحك وأبكى "43" وأنه هو أمات وأحيا "44"}
(سورة النجم)


ولا يوجد فرق بين ضحك أو بكاء إنسان إنجليزي وآخر عربي؛ ولا يوجد فرق بين موت أو ميلاد إنسان صيني وآخر عربي أو فرنسي؛ فهذه خصائص مشتركة بين كل البشر. وإذا ما افتعل الإنسان الضحك؛ فهو يتضاحك؛ وإذا ما افتعل الإنسان البكاء فهو يتباكى؛ أي: يفتعل الضحك أو البكاء. والذي يفضح كل ذلك هو النهار.
والتاريخ يحمل لنا الكثير من الحكايات عن اتخاذ الليل كستار للمواقف؛ والمثل في سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه؛ حين جاءت موقعة كربلاء، ورأى العدو وقد أحاط به؛ ورأى الناس وقد انفضوا عنه بعد أن دعوه ليبايعوه، ولم يبق معه إلا قلة؛ وعزت عليه نفسه؛ وعز عليه أن يقتل هؤلاء في معركة غير متكافئة صمم هو على دخولها.
فلما أقبل الليل دعا أصحابه وقال لهم:
"إن كنتم قد استحييتم أن تفروا عني نهاراً، فالليل جاء وقد ستركم، فمن شاء فليذهب واتركوني". يقص الحق سبحانه ما بدر منهم فور أن دخلوا على أبيهم:


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:47 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا