المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 23-10-2011, 08:25 PM   #691
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 17

(قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين"17")
كلمة :

{نستبق .. "17"}
(سورة يوسف)


تعبر عن بيان تفوق ذات على ذات في حركة ما؛ لنرى سيسبق الآخر؛ فحين يتسابق اثنان في الجري نرى من فيهما سبق الآخر؛ وهذا هو الاستباق. وقد يكون الاستباق في حركة بآلة؛ كان يمسك إنسان ببندقية ويصوبها إلى الهدف؛ ويأتي آخر ويمسك ببندقية أخرى ويحاول أن يصيب الهدف؛ ومن يسبق منهما في إصابة الهدف يكون هو المتفوق في هذا المجال.
وقد يكون الاستباق في الرمي بالسهام؛ ونحن نعرف شكل السهم؛ فهو عبارة عن غصن مرن، ويلتوي دون أن ينكسر؛ ومثبت عليه وتر، ويوضع السهم في منتصف الوتر، ليشده الرامي فينطلق السهم إلى الهدف. وتقاس دقة إصابة الهدف حسب شدة السهم وقوة الرمي، ويسمى ذلك "تحديد الهدف". أما إذا كان التسابق من ناحية طول المسافة التي يقطعها السهم؛ فهذا لقياس قوة الرامي.
وهكذا نجد الاستباق له مجالات متعددة؛ وكل ذلك حلال؛ فهم أسباط وأولاد يعقوب، ولا مانع أن يلعب الإنسان لعبة لا تلهيه عن واجبه؛ وقد تنفعه فيما يجد من أمور؛ فإذا التقى بعدو نفعه التدريب على استخدام السهم أو الرمح أو أداة قتال؛ واللعب الذي لا ينهي عن طاعة، وينفع وقت الجد هو لعب حلال. وهناك ألعاب قد لا يدرك الناس لها غاية مثل كرة القدم.
وأقول: قد يوجد عدوان؛ وبينهما قنبلة موقوتة؛ ويحاول كل طرف أن يبعدها عن موقعه، والقوة والحكمة تظهر في محاولة كل فريق في إبعاد الكرة عن مرماه. ولكن لابد ألا يلهي لعب الكرة عن واجب؛ فمثلاً حين يؤذن المؤذن للصلاة، والواجب علينا ألا نهمل الصلاة ونواصل اللعب، وعلى اللاعبين أن يراعوا عدم ارتداء ملابس تكشف عن عوراتهم. وأبناء يعقوب قالوا:

{وتركنا يوسف عند متاعنا .. "17"}
(سورة يوسف)


وفي هذا إخلال بشروط التعاقد مع الأب الذي أذن بخروج يوسف بعد أن قالوا:

{أرسله معنا غداً يرتع ويلعب .. "12"}
(سورة يوسف)


وقالوا:

{وإنا له لناصحون "11"}
(سورة يوسف)


وقالوا:

{وإنا له لحافظون "12"}
(سورة يوسف)


فهل أخذتموه معكم ليرتع ويلعب، ويأكل من ثمار الأشجار والفاكهة؛ وتحفظونه، أم ليحفظ لكم متاعكم وأنتم تستبقون. وهذا أول الكذب الذي كذبوه؛ وهذه أول مخالفة لشرط إذن والده له بالخروج معكم؛ ولأن "المريب يكاد يقول خذوني" نجدهم قد قالوا:

{فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين "17"}
(سورة يوسف)


أو: أنهم قالوا ذلك لأنهم يعلمون أن والدهم لن يصدقهم مهما قالوا. ونعلم أن "آمن" إما أن تتعدى إلى المفعول بنفسها مثل "آمنه الله من الجوع"، أو قوله الحق:

{وآمنهم من خوفٍ "4"}
(سورة قريش)


أو: تجئ بالباء، ويقال "آمن به" أي: صدق واعتقد.
أو: يقال "آمن له" أي: صدقه فيما يقول.
وهم هنا يتهمون أبهم أنه متحد لهم، حتى ولو كانوا صادقين، وهم يعلمون أنهم غير صادقين؛ ولكن جاءوا بكلمة الصدق ليداروا كذبهم.


 

قديم 23-10-2011, 08:25 PM   #692
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 18

(وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون "18")
كأن قميص يوسف كان معهم. ويقال: إن يعقوب علق على مجيء القميص وعليه الدم الكذب بأن الذئب كان رحيماً، فأكل لحم يوسف ولم يمزق قميصه؛ وكأنه قد عرف أن هناك مؤامرة سيكشفها الله له. ويصف بعض العلماء قصة يوسف بقصة القميص:
فهنا جاء إخوته بقميصه وعليه دم كذب. وفي أواسط السورة تأتي مسألة قميص يوسف إن كان قد شقي من دبرٍ لحظة أن جذبته امرأة العزيز لتراوده عن نفسه. وفي آخر السورة يرسل إخوته بقميصه إلى والده فيرتد بصره.
ولهذا أخذ العلماء والأدباء كلمة القميص كرمز لبعض الأشياء؛ والمثل هو قول الناس عن الحرب بين علي رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه أن معاوية أمسك بقميص عثمان بن عفان طلباً للثأر من علي، فقيل "قميص عثمان" رمزاً لإخفاء الهدف عن العيون، وكان هدف معاوية أن يحكم بدلاً من علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. وهنا يقول الحق سبحانه:

{وجاءوا على قميصه بدم كذب .. "18"}
(سورة يوسف)


وكأن القميص كان معهم، ووضعوا عليه دماً مكذوباً، لأن الدم لا يكذب، إنما كذب من جاء بدم الشاة ووضعه على القميص. وشاء الحق سبحانه هنا أن يعطي الوصف المصدري للمبالغة؛ وكأن الدم نفسه هو الذي كذب؛ مثلما تقول "فلان عادل" ويمكنك أن تصف إنساناً بقولك"فلان عدل" أي: كأن العدل تجسد فيه، أو قد تقول "فلان ذو شر"، فيرد عليك آخر "بل هو الشر بعينه"، وهذه مبالغة في الحديث.
وهل كان يمكن أن يوصف الدم بأنه صادق؟
نقول: نعم، لو كان الذئب قد أكل يوسف بالفعل؛ وتلوث قميص يوسف بدم يوسف وتمزق. ولكن ذلك لم يحدث، بل إن الكذب يكاد يصرخ في تلك الواقعة ويقول "أنا كذب". فلو كان قد أكله الذئب فعلاً؛ كان الدم قد نشع من داخل القميص لخارجه؛ ولكنهم جاءوا بدم الشاة ولطخوا به القميص من الخارج. وبالله، لو أن الذئب قد أكله فعلاً، ألن تكن أنيابه قد مزقت القميص؟
وحين انكشف أمرهم أمام أبيهم؛ أشار أحدهم خفية للباقين وقال لهم همساً: قولوا لأبيكم: إن اللصوص قد خرجوا عليه وقتلوه؛ فسمع يعقوب الهمس فقال: اللصوص أحوج لقميصه من دمه؛ وهذا ما تقوله كتب السير.
وهذا ما يؤكد فراسة يعقوب، هذه الفراسة التي يتحلى بها أي محقق في قضية قتل؛ حين يقلب أسئلته للمتهم وللشهود؛ لأن المحقق يعلم أن المحقق يعلم أن الكاذب لن يستوحي أقواله من واقع؛ بل يستوحي أقواله من خيال مضطرب. ولذلك يقال: "إن كنت كذوباً فكن ذكوراً". ويأتي هنا الحق سبحانه بما جاء على لسان يعقوب:

{بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون "18"}
(سورة يوسف)


"والسول" :هو الاسترخاء؛ لأن الإنسان حين تكون أعصابه مشدودة؛ ثم يحب أن يسترخي، فيستريح قليلا، وبعد ذلك يجد في نفسه شيئا من اليسر في بدنه ونبضه. ونأخذ

{سولت "18"}
(سورة يوسف)


هنا بمعنى يسرت وسهلت، ومادامت قد سولت لكم أنفسكم هذا الأمر فسوف أستقبله بما يليق بهذا الوضع، وهو الصبر.

{فصبر جميل .. "18"}
(سورة يوسف)


والذين يحاولون اصطياد خطأ في القرآن يقولون "وهل يمكن أن يكون الصبر جميلاً؟". نقول: هم لا يعرفون أن الصبر يقال فيه "اصبر عن كذا" إذا كان الأمر عن شهوة قد تورث إيلاماً؛ كأن يقال "اصبر عن الخمر" أو "اصبر عن الميسر" أو "اصبر عن الربا". ويقال "اصبر عن كذا" إذا كان الصبر فيه إيلام لك. والصبر يكون جميلاً لا تكون فيه شكوى أو جزع.
والحق سبحانه يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم:

{واهجرهم هجراً جميلاً "10"}
(سورة المزمل)


وهؤلاء الذين يبحثون عن تناقض أو تضارب في القرآن إنما هم قوم لا يعرفون كيفية استقباله وفهمه؛ وقد بين لنا يعقوب عليه السلام أن الصبر الجميل هو الصبر الذي لا شكوى فيه، وهو القائل:

{إنما أشكو بثي وحزني إلى الله .. "86"}
(سورة يوسف)


 

قديم 23-10-2011, 08:25 PM   #693
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 19

(وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون "19")
ولم يقل الحق سبحانه من أين جاء السيارة؟ أو إلى أين كانوا ذاهبين؟ والمقصود بالسيارة هم القوم المحترفون للسير، مثل من كانوا يرحلون في رحلة الشتاء والصيف؛ بهدف التجارة وجلب البضائع.
وكانت السيارة لا تنتقل بكامل أفرادها إلى البئر، بل يذهب واحد منهم إلى البئر؛ ليأتي لهم بالمياه ويسمى الوارد، وذهب هذا الوارد إلى البئر ليحضر لبقية السيارة الماء وألقى دلوه في البئر؛ ويسمى حبل الدلو الرشاء. وحين نزل الدلو إلى مستوى يوسف عليه السلام تعلق يوسف في الحبل؛ فأحس الوارد بثقل ما حمله الرشاء؛ ونظر إلى أسفل فوجد غلاماً يتعلق بالدلو فنادى:

{يا بشرى هذا غلام .. "19"}
(سورة يوسف)


أي: أنه يقول يا بشرى هذا أوانك؛ وكأنه يبشر قومه بشيء طيب؛ فلم يحمل الدلو ماء فقط، بل حمل غلاماً أيضاً. ويقول الحق سبحانه:

{وأسروه بضاعة .. "19"}
(سورة يوسف)


أي: أنهم أخفوه وعاملوه كأنه بضاعة، ولم يتركوه يمشي بجانبهم؛ خشية أن يكون عبداً آبقاً ويبحث عنه سيده؛ وهم يريدون بيعه. ويذيل الحق سبحانه الآية بقوله:

{والله عليم بما يعلمون .. "19"}
(سورة يوسف)


 

قديم 23-10-2011, 08:25 PM   #694
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 20

(وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين "20")
ونعلم أنهم لم يشتروه بل عثروا عليه؛ ونعلم أن كلمة شراء تدل على البيع أيضاً، أي: أنهم باعوه بثمن بخس؛ أي: بثمن زهيد، وكانت العبيد أيامها مقومة النقود.
والبخس أي: النقص، وهو إما في الكم أو في الكيف؛ فهو يساوي مثلاً مائة درهم وهم باعوه بعشرين درهماً فقط؛ وكان العبد في عمر يوسف يقوم بالنقد؛ وهم باعوه بالبخس، وبثمن أقل قيمة إما كماً وإما كيفاً.
ثم أراد الحق سبحانه أن يوضح الأمر أكثر فقال:

{دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين "20"}
(سورة يوسف)


والزهد هنا هو حيثية الثمن البخس؛ فهم قد خافوا أن يبحث عنه أبوه أو صاحبه؛ وكأنهم قالوا لأنفسهم: أي شيء يأتي من ورائه فهو فائدة لنا.


 

قديم 24-10-2011, 05:09 PM   #695
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 21

(وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون "21")
وكان للشراء علة؛ فهو قد اشتراه لامرأته ليقوم بخدمتها، وكانت لا تنجب وتكثر في الإلحاح عليه في طلب العلاج، وتقول أغلب السير: إن من اشتراه كان ضعيفا من ناحية رغبته في النساء.
وهذه اللقطة تبين لنا الفساد الذي ينشأ في البيوت التي تتبنى طفلاً، لكنهم لا يحسبون حساب المسألة حين يبلغ هذا الطفل مبلغ الرجال، وقد تعود أن تحمله ربة البيت وتقبله، وتغدق عليه من التدليل ما يصعب عليها أن تمتنع عنه؛ ولأن الطفل يكبر انسيابياً؛ فقد يقع المحظور وندخل في متاهة الخطيئة. ويقول الحق سبحانه:

{وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا .. "21"}
(سورة يوسف)


وهذا يعني أن تعتني بالمكان الذي سيقيم فيه، وبطبيعة الحال فهذا القول يقتضي أن تعتني بالولد نفسه؛ على رجاء أن ينتفع به الرجل وزوجته. ولسائل أن يقول: كيف ينتفع به الرجل: وهو عزيز مصر، والكل في خدمته؟
ونقول: إن النفع المقصود هنا هو النفع الموصول بعاطفة من ينفع؛ وهو غير نفع الموظفين العاملين تحت قيادة وامرأة عزيز مصر، فعندما ينشأ يوسف كابن للرجل وزوجه؛ وكإنسان تربى في بيت الرجل؛ هنا ستختلف المسألة، ويكون النفع محملاً بالعاطفة التي قال عنها الرجل:

{أو نتخذه ولدا .. "21"}
(سورة يوسف)


وقد علمنا من السير أنهما لم يرزقا بأولاد. ويقول الحق سبحانه في نفس الآية:

{وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون "21"}
(سورة يوسف)


وقد بدأ التمكين في الأرض من لحظة دخوله إلى بيت عزيز مصر ليحيا حياة طيبة؛ وليعلمه الله تأويل الحديث؛ بأن يهبه القدرة على تفسير الرؤى والأحلام؛ وليغلب الله على أمره. ولو نظر إخوته إلى ما آل إليه يوسف عليه السلام فسيعرفون أن مرادهم قد خاب؛ وأن مراد الله قد غلب؛ بإكرام يوسف؛ وهم لو علموا ذلك لضنوا عليه بالإلقاء في الجب، وهذا شأن الظالمين جميعاً.
ولذلك نقول: إن الظالم لو علم ما أعده الله للمظلوم لضن عليه بالظلم. وساعة يقول الحق سبحانه:

{والله غالب على أمره .. "21"}
(سورة يوسف)


فهذا قول نافذ؛ لأنه وحده القادر على أن يقول للشيء كن فيكون؛ ولا يوجد إله غيره ليرد على مراده. ولذلك قلنا قديماً: إن الله سبحانه وتعالى قد شهد لنفسه أنه لا إله إلا هو: وهو يملك الرصيد المطلق المؤكد بأنه لا إله غيره؛ فهو وحده الذي له الملك، وهو وحده القادر على كل شيء.
ولكن خيبة بعض من الخلق الذين يتوهمون أنهم قادرون على أن يخططوا ويمكروا؛ متناسين أو ناسين أن فوقهم قيوم؛ لا تأخذه سنة ولا نوم، ولو انتبه هؤلاء لعلموا أن الله يملك بحق من يظلم فوق إلى ظلمه. ورأينا في حياتنا وتاريخنا ظالمين اجتمعوا على ظلم الناس؛ وكان مصيرهم أسوأ من الخيال؛ وأشد هولاً من مصيرهم لو تحكم فيهم من ظلموهم.


 

قديم 24-10-2011, 05:09 PM   #696
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 22

(ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين "22")
والبلوغ هو الوصول إلى الغاية، وقوله تعالى:

{بلغ أشده .. "22"}
(سورة يوسف)


أي: وصل إلى غايته في النضج والاستواء؛ ومن كلمة "بلغ" أخذ مصطلح البلوغ؛ فتكليف الإنسان يبدأ فور أن يبلغ أشده؛ ويصير في قدرة أن ينجب إنساناً مثله. وحين يبلغ إنسان مثل يوسف أشده، وهو قد عاش في بيت ممتلئ بالخيرات؛ فهذا البلوغ إن لم يكن محروساً بالحكمة والعلم؛ ستتولد فيه رعونة؛ ولهذا فقد حرسه الحق بالحكمة والعلم.
والحكم هو الفيصل بين قضيتين متعاندتين متعارضتين؛ حق وباطل؛ ومادام قد أعطاه الله الحكم، فهو قادر على أن يفصل بين الصواب والخطأ. وقد أعطاه الله العلم الذي يستطيع أن ينقله إلى الغير، والذي سيكون منه تأويل الرؤى، وغير ذلك من العلم الذي سوف يظهر حين يولى على خزانة مصر.
إذن: فهنا بلغ يوسف أشده وحرسه الحق بالحكمة والعلم. ويذيل الحق سبحانه هذه الآية بقوله:

{وكذلك نجزي المحسنين "22"}
(سورة يوسف)


وكل إنسان يحس الإقامة لما هو فيه؛ يعطيه الله ثمرة هذا الحسن، والمثل: حين لا يتأبى فقير على قدر الله أن جعله فقيراً ويحاول أن يحسن ويتقن ما يعمل، فيوضح الله بحسن الجزاء: أنت قبلت قدري، وأحسنت عملك؛ فخذ الجزاء الطيب. وهذا حال عظماء الدنيا كلهم. وهكذا نجد قول الحق سبحانه:

{وكذلك نجزي المحسنين "22"}
(سورة يوسف)


لا ينطبق على يوسف وحده؛ بل على كل من يحسن استقبال قدر الله؛ لأنه سبحانه ساعة يأتي بحكم من الأحكام؛ وبعد ذلك يعمم الحكم؛ فهذا يعني أن هذا الحكم ليس خاصاً بل هو عام. وإذا كان الحق سبحانه يورد هذا في مناسبة بعينها، فإنه يقرر بعدها أن كل محسن يعطيه الله الحكم والعلم. وقول الحق سبحانه:

{بلغ أشده .. "22"}
(سورة يوسف)


يوحي لنا أن يوسف عليه السلام كان قد بلغ مرحلة الفتوة، وهنا بدأت متاعبه في القصر، ففي طفولته نظرت إليه امرأة العزيز كطفل جميل؛ فلم يكن يملك ملامح الرجولة التي تهيج أنوثتها.
أما بعد البلوغ فنجد حالها قد تغير، فقد بدأت تدرك مفاتنه؛ وأخذ خيالها يسرح فيما هو أكثر من الإدراك، وهو التهاب الوجدان بالعاطفة المشبوبة، وما بعد الإدراك والوجدان يأتي النزوع. ولو كانت محجوبة عنه؛ لما حدثت الغواية بالإدراك والوجدان.
وهذا يعطينا علة غض البصر عن المثيرات الجنسية؛ لأنك إن لم تغض البصر أدركت، وإن أدركت وجدت، وإن وجدت نزعت إلى الزواج أو التعفف بالكبت في النفس، وتعيش اضطراب القلق والتوتر، وإن لم تتعفف عربدت في أعراض الناس.
وكذلك أمرنا الحق سبحانه ألا تبدي النساء زينتهن إلا لأناس حددهم الحق سبحانه في قوله تعالى:

{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء .. "31"}
(سورة النور)


 

قديم 24-10-2011, 05:10 PM   #697
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 23

(وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون "23")
وساعة تسمع "راود" فافهم أن الأمر فيه منازعة مثل: "فاعل" أو "تفاعل" ومثل: "شارك محمد علياً" أي: أن علياً شارك محمداً؛ ومحمد شارك علياً؛ فكل منهم مفعول مرة، وفاعل مرة أخرى. والمراودة مطالبة برفق ولين بستر ما تريده ممن تريده؛ فإن كان الأمر مسهلاً، فالمراودة تنتهي إلى شيء ما، وإن تأبى الطرف الثاني بعد أن عرف المراد؛ فلن تنتهي المراودة إلى الشيء الذي كنت تصبو إليه. وهكذا راودت امرأة العزيز يوسف عليه السلام، أي: طالبته برفق ولين في أسلوب يخدعه ليخرجه عما هو فيه إلى ما تطلبه.
ومن قبل كان يوسف يخدمها، وكانت تنظر إليه كطفل، أما بعد أن بلغ أشده فقد اختلف الأمر، ولنفرض أنها طالبته أن يحضر لها شيئاً؛ وحين يقدمه لها تقول له "لماذا تقف بعيداً؟" وتدعوه ليجلس إلى جوارها، وهو لن يستطيع الفكاك؛ لأنه في بيتها؛ وهي متمكنة منه؛ فهي سيدة القصر.
وهكذا نجد أن المسألة مجموعة عليه من عدة جهات؛ فهو قد تربى في بيتها؛ وهي التي تتلطف وترق معه، وفهم هو مرادها. وهكذا شرح الحق سبحانه المسألة من أولها إلى آخرها بأدب راقٍ غير مكشوف، فقال تعالى:

{وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب .. "23"}
(سورة يوسف)


وكلمة:

{غلقت الأبواب .. "23"}
(سورة يوسف)


توضح المبالغ في الحدث؛ أو لتكرار الحدث، فهي قد أغلقت أكثر من باب. ونحن حين نحرك المزلاج لنؤكد غلق الباب، ونحرك المفتاح، ونديره لتأكيد غلق الباب. فهذه عملية اكبر من غلق الباب؛ وإذا أضفنا مزلاجاً جديداً نكون قد أكثرنا الإغلاق لباب واحد؛ وهكذا يمكن أن نصف ما فعلنا أننا غلقنا الباب.
وامرأة العزيز قامت بأكثر من إغلاق لأكثر من باب، فقصور العظماء بها أكثر من باب، وأنت لا تدخل على العظيم من هؤلاء في بيته لتجده في استقبالك بعد أول باب، بل يجتاز الإنسان أكثر من باب ليلقى العظيم الذي جاء ليقابله.
ويحمل لنا التاريخ قصة ذلك الرجل الذي رفض أن يبايع معاوية في المدينة، فأمر معاوية باستدعائه إلى قصر الحكم في دمشق. هذا القصر الذي سبق أن زاره عمر بن الخطاب؛ ووجد فيه أبهة زائدة بررها له معاوية بحيلة الأريب أنها أبهة ضرورية لإبراز مكانة العرب أمام الدولة الرومانية المجاورة، فسكت عنها عمر. وحين استدعى معاوية الرجل، دخل بصحبة الحرس من باب وظن أنه سوف يلقى معاوية فور الدخول؛ لكن الحرس اصطحبه عبر أكثر من باب؛ فلم ينخلع قلب الرجل، بل دخل بثبات على معاوية وضن عليه بمناداته كأمير المؤمنين، وقال بصوت عال: "السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم". ففطن معاوية إلى أن الرجل يرفض مبايعته.
ونعود إلى الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها؛ فنجد أن امرأة العزيز قد غلقت الأبواب؛ لأن من يفعل الأمر القبيح يعلم قبح ما يفعل، ويحاول أن يستر فعله، وهي قد حاولت ذلك بعيداً عن من يعملون أو يعيشون في القصر، وحدثت المراودة وأخذت وقتاً، لكنه فيما يبدو لم يستجب لها:

{وقالت هيت لك .. "23"}
(سورة يوسف)


أي: أنها انتقلت من مرحلة المراودة إلى مرحلة الوضوح في طلب الفعل؛ بأن قالت: تهيأت لك؛ وكان رده:

{قال معاذ الله .. "23"}
(سورة يوسف)


والمعاذ هو من تستعيذ به، وأنت لا تستعيذ إلا إذا خارت أسبابك أمام الحدث الذي تمر به علك تجد من ينجدك؛ فكأن المسألة قد عزت عليه؛ فلم يجد معاذا إلا الله. ولا أحد قادر على أن يتصرف هكذا إلا من حرسه الله بما أعطاه له من الحكمة والعلم؛ وجعله قادراً على التمييز بين الحلال والحرام.
ولبيان خطورة وقوة الاستعاذة نذكر ما ترويه كتب السيرة من أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد على ابنه ملك؛ كانت شديدة الجاذبية، وشعرت بعض من نساء النبي بالغيرة منها، وقالت واحدة منهن لعلها عائشة رضي الله عنها: إن تزوجها ودخل بها قد يفضلها عنا. وقالت للعروس: إن النبي يحب كلمة ما، ويحب من يقولها. فسألت الفتاة عن الكلمة، فقالت لها عائشة: إن اقترب منك قولي "أعوذ بالله منك".
فغادرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "قد عذت بمعاذ" وسرحها السراح الجميل. وهناك في قضية السيدة مريم عليها السلام، نجدها قد قالت لحظة أن تمثل لها الملاك بشراً سوياً:

{إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً "18"}
(سورة مريم)


فهي استعاذت بمن يقدر على إنقاذها. وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:

{قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون "23"}
(سورة يوسف)


وأعطانا هذا القول معنيين اثنين:
الأول: أنه لم يوافق على طلبها بعد أن أوضحت ما تريد.
والمعنى الثاني: أنه طلب المعونة من الله، وهو سبحانه من أنجاه من كيد إخوته؛ ونجاه من الجب؛ هيأ له افضل مكان في مصر، ليحيا فيه ومنحه العلم والحكمة مع بلوغه لأشده. وبعد كل هذا أيستقبل كل هذا الكرم بالمعصية؟ طبعاً لا.
أو: أنه قال:

{أحسن مثواي .. "23"}
(سورة يوسف)


ليذكر امرأة العزيز بأن لها زوجاً، وأن هذا الزوج قد أحسن ليوسف حين قال لها:

{أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا .. "21"}
(سورة يوسف)


فالصعوبة لا تأتي فقط من أنها تدعوه لنفسها؛ بل الصعوبة تزداد سوء لأن لها زوجاً فليست خالية، وهذا الزوج قد طلب منها أن تكرم يوسف، وتختار له مكان إقامة يليق بابن، ولا يمكن أن يستقبل ذلك بالجحود والخيانة. وهكذا يصبح قول يوسف:

{إنه ربي .."23"}
(سورة يوسف)


قد يعود على الله سبحانه؛ وقد يعود على عزيز مصر. وتلك ميزة أسلوب القرآن؛ فهو يأتي بعبارة تتسع لكل مناطات الفهم، فما دام الله هو الذي يجازي على الإحسان، وهو من قال في نفس الموقف:

{وكذلك نجزي المحسنين "22"}
(سورة يوسف)


فمعنى ذلك أن من يسيء يأتي الله بالضد؛ فلا يفلح؛ لأن القضيتين متقابلتان.

{وكذلك نجزي المحسنين "22"}
(سورة يوسف)


و {لا يفلح الظالمون "23"}
(سورة يوسف)


 

قديم 24-10-2011, 05:10 PM   #698
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 24

(ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين "24")
والهم هو حديث النفس بالشيء؛ إما أن يأتيه الإنسان أو لا يأتيه. ومن رحمة ربنا بخلقه أن من هم بسيئة وحدثته نفسه أن يفعلها؛ ولم يفعلها كتبت له حسنة. وقد جاءت العبارة هنا في أمر المراودة التي كانت منها، والامتناع الذي كان منه، واقتضى ذلك الأمر مفاعلة بين اثنين يصطرعان في شيء. فأحد الاثنين امرأة العزيز يقول الله في حقها:

{ولقد همت به .. "24"}
(سورة يوسف)


وسبق أن أعلن لنا الحق سبحانه في الآية السابقة موقفها حين قالت: "هيت لك" وكذلك بين موقف يوسف عليه السلام حين قال يوسف "معاذ الله". وهنا يبين لنا أن نفسه قد حدثته أيضاً؛ وتساوى في حديث النفس؛ لكن يوسف حدث له أن رأى برهان ربه.
ويكون فهمنا للعبارة: ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها؛ لأننا نعلم أن "لولا" حرف امتناع لوجود؛ مثلما نقول: لولا زيد عندك لأتيتك. ولقائل أن يقول: كيف غابت قضية الشرط في الإيجاد والامتناع عن الذين يقولون؛ إن الهم قد وجد منه؟ ولماذا لم يقل الحق: لقد همت به ولم يهم بها؛ حتى نخرج من تلك القضية الصعبة؟ ونقول: لو قال الحق ذلك لما أعطانا هذا القول اللقطة المطلوبة؛ لأن امرأة العزيز همت به لأن عندها نوازع العمل؛ وإن لم يقل لنا أنه قد هم بها لظننا أنه عنين أو خصاه موقف أنها سيدة فخارت قواه.
إذن: لو قال الحق سبحانه: إنه لم يهم بها؛ لكان المانع من الهم إما أمر طبيعي فيه، أو أمر طارئ لأنها سيدته فقد يمنعه الحياء عن الهم بها. ولكن الحق سبحانه يريد أن يوضح لنا أن يوسف كان طبيعياً وهو قد بلغ أشده ونضجه؛ ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. وهكذا لم يقم يوسف عليه السلام بما يتطلبه ذلك لنقص فيه؛ ولا لأن الموقف كان مفاجأة ضيعت رجولته بغتة؛ مثل ما يحدث لبعض الشباب في ليلة الزفاف، حين لا يستطيع أن يقرب عروسه؛ وتمر أيام إلى أن يستعيد توازنه. ويقرب عروسه. إذن: لو أن القرآن يريد عدم الهم على الإطلاق؛ ومن غير شيء، لقال: ولقد همت به ولم يهم بها.
ولكن مثل هذا القول هو نفي للحدث بما لا يستلزم العفة والعصمة، لجواز أن يكون عدم الهم راجعاً إلى نقص ما؛ وحتى لا يتطرق إلينا تشبيهه ببعض الخدم؛ حيث يستحي الخادم أن ينظر إلى البنات الجميلات للأسرة التي يعمل عندها؛ ويتجه نظره إلى الخادمة التي تعمل في المنزل المجاور، لأن للعواطف التقاءات.
ومن لطف الله بالخلق أنه يوجد الالتقاءات التفاعلية في المتساويات، فلا تأتي عاطفة الخادم في بعض الأحيان ناحية بنات البيت الذي يعمل عنده؛ وقد يطلب من أهل البيت أن يخرج لشراء أي شيء من خارج المنزل، لعله يحظى بلقاء عابر من خادمة الجيران.
ويجوز أن الخادم قد فكر في أنه لو هم بواحدة من بنات الأسرة التي يعمل لديها؛ فقد تطرده الأسرة من العمل؛ بينما هو يحيا سعيدا مع تلك الأسرة. وهكذا يشاء الحق سبحانه أن يوزع تلك المسائل بنظام وتكافؤات في كثير من الأحيان. وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها قال الحق سبحانه:

{ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه .. "24"}
(سورة يوسف)


إذن: فبرهان ربه سابق على الهم، فواحد هم ولم يرتكب ما يتطلبه الهم؛ لأن برهان ربه في قلبه، وقد عرف يوسف برهان ربه من البداية. وبذلك تنتهي المسألة، ولذلك فلا داعي أن يدخل الناس في متاهات أنه هم وجلس بين شعبتيها، ولم يرتعد إلا عندما تمثل له وجه والده يعقوب ونهاه عن هذا الفعل؛ فأفسق الفساق ولو تمثل له أبوه وهو في مثل هذا الموقف لأصيب بالإغماء.
وحين تناقش من رأى هذا الرأي: أتتكلم عن الله، أم عن الشيطان؟
أنت لو نظرت إلى أبطال القصة تجدهم: امرأة العزيز؛ ويوسف والعزيز نفسه؛ والشاهد على أن يوسف قد حاول الفكاك من ذلك الموقف، ثم النسوة اللاتي دعتهن امرأة العزيز ليشاهدوا جماله؛ والله قد كتب له العصمة.
فكل هؤلاء تضافروا على أن يوسف لم يحدث منه شيء. وقال يوسف نفسه:

{هي راودتني عن نفسي .. "26"}
(سورة يوسف)


وامرأة العزيز نفسها قالت مصدقة لما قال:

{ولقد راودته عن نفسه فاستعصم .. "32"}
(سورة يوسف)


وقالت:

{الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين "51" ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب .. "52"}
(سورة يوسف)


وعن النسوة قال يوسف:

{ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم "50"}
(سورة يوسف)


وقال يوسف لحظتها:

{وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين "33"}
(سورة يوسف)


 

قديم 24-10-2011, 05:10 PM   #699
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 25

(واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوء إلا أن يسجن أو عذاب أليم "25")
وعرفنا أن كلاهما حاول الوصول إلى الباب قبل الآخر؛ وتسابقا في هذا الاستباق، ونلحظ أن الحق سبحانه يذكر هنا باباً واحداً؛ وكانت امرأة العزيز قد غلقت من قبل أكثر من باب. لكن قول الحق سبحانه:

{وألفيا سيدها لدا الباب .. "25"}
(سورة يوسف)


يدلنا على أنها لحقت بيوسف عند الباب الأخير؛ وهي قد استبقت مع يوسف إلى الأبواب كلها حتى الباب الأخير؛ لأنها تريد أن تغلق الباب لتسد أمامه المنفذ الأخير، وهذا الاستباق يختلف باختلاف الفاعل فهي تريده عن نفسه، وهو يريد الفرار من الموقف، ثم قدت قميصه من دبر.
هذا دليل على أنه قد سبقها إلى الباب؛ فشدته من قميصه من الخلف، وتمزق القميص في يدها، وقد محص الشاهد ـ الذي هو من أهلها ـ تلك المسألة ليستنبط من الأحداث حقيقة ما حدث. وقوله تعالى:

{وألفيا سيدها لدا الباب .. "25"}
(سورة يوسف)


أي: حدثت لهما المفاجأة، وهي ظهور عزيز مصر أمامهما؛ وصار المشهد ثلاثياً: امرأة العزيز؛ ويوسف؛ وزوجها.
وهنا ألقت المرأة الاتهام على يوسف عليه السلام في شكل سؤال تبريري للهروب من تبعية الطلب، وإلقاء التهم على يوسف.

{قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً .. "25"}
(سورة يوسف)


ثم حددت العقاب:

{إلا أن يسجن أو عذاب أليم "25"}
(سورة يوسف)


ويأتي الحق سبحانه بقول يوسف عليه السلام:

{قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين "26"}
(سورة يوسف)



 

قديم 24-10-2011, 05:11 PM   #700
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 26

(قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين "26")
وتأتي كلمة "شاهد" في القرآن بمعان متعددة. فهي مرة تكون بمعنى "حضر"، مثل قول الحق سبحانه:

{وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "2"}
(سورة النور)


وتأتي مرة بمعنى "علم"، مثل قوله سبحانه:

{وما شهدنا إلا بما علمنا .. "81"}
(سورة يوسف)


وتأتي "شهد" بمعنى "حكم وقضى" أي: رجح كلاماً على كلام لاستنباط حق في أحد الاتجاهين. والشاهد في هذه الحالة وثق القرآن أن قرابته من ناحية المحكوم عليه، وهو امرأة العزيز، فلو كان من طرف المحكوم له لردت شهادته. وهكذا صار الموقف رباعياً: امرأة العزيز، ويوسف، وعزيز مصر، والشاهد، وحملت الآية نصف قول الشاهد:

{إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين "26"}
(سورة يوسف)



 

قديم 24-10-2011, 05:11 PM   #701
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 27

(وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين "27")
أي: أن قميص يوسف عليه السلام إن كان قد من الخلف؛ فيوسف صادق، وامرأة العزيز كاذبة. ونلحظ أن الشاهد هنا قال هذا الرأي قبل أن يشاهد القميص؛ بل وضع في كلماته الأساس الذي سينظر به إلى الأمر، وهو إطار دليل الإثبات.


 

قديم 24-10-2011, 05:11 PM   #702
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 28

(فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم "28")
والكيد كما نعلم هو الاحتيال على إيقاع السوء بخفاء، ويقوم به من لا يملك القدرة على المواجهة، وكيد المرأة عظيم؛ لأن ضعفها أعظم. وتعود آيات السورة بعد ذلك إلى موقف عزيز مصر، فيقول الحق سبحانه ما جاء على لسان الزوج:


 

قديم 24-10-2011, 05:11 PM   #703
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 29

(يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين "29")
وبهذا القول من الزوج أنهى الحق سبحانه هذا الموقف الرباعي عند هذا الحد، الذي جعل عزيز مصر يقر أن امرأته قد أخطأت، ويطلب من يوسف أن يعرض عن هذا الأمر ليكتمه.
وهذا يبين لنا سياسة بعض أهل الجاه مع بيوتهم، وهو أمر نشاهده في عصرنا أيضاً؛ فنجد الرجل ذا الجاه وهو يتأبى أن يرى أهله في خطيئة، ويتأبى أكثر من ذلك فيرفض أن يرى الغير أهله في مثل هذه القضية، ويحاول كتمان الأمر في نفسه؛ فيكفيه ما حدث له من مهانة الموقف، ولا يريد أن يشمت به خصومه أو أعداؤه.
وهنا ملحظ يجب أن نتوقف عنده، وهو قضية الإيمان، وهي لا تزال متغلغلة حتى في المنحرفين والمتسترين على المنحرفين، فعزيز مصر يقول ليوسف:

{أعرض عن هذا .. "29"}
(سورة يوسف)


ويقول لزوجته:

{واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين "29"}
(سورة يوسف)


وهو في قوله هذا يقر بأن ذنباً قد وقع؛ وهو لن يقر بذلك إلا إذا كان قد عرف عن الله منهجاً سماوياً، وهو في موقف لا يسعه فيه إلا أن يطلب منها أن تستغفر الله.
وبعد أن كان المشهد رباعياً: فيه يوسف، وامرأة العزيز، والعزيز نفسه، ثم الشاهد الذي فحص القضية وحكم فيها، ينتقل بنا الحق سبحانه إلى موقف أوسع؛ وهو دائرة المجتمع الذي وقعت فيه القضية.
وهذا يدل على أن القصور لا أسرار لها؛ لأن لأسرار القصور عيوناً تتعسس عليها، وألسنة تتكلم بها؛ حتى لا يظن ظان أنه يستطيع أن يحمي نفسه من الجريمة؛ لأن هناك من سوف يكشفها مهما بلغت قدرة صاحبها على التستر والكتمان.


 

قديم 24-10-2011, 05:12 PM   #704
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 30

(وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين"30")
وكلمة "النسوة"، وكلمة "نساء" تدل على الجماعة، لكن مفرد كل منهما ساقط في اللغة، فمفرد "نسوة" امرأة؛ ومفرد "نساء" أيضاً هو "امرأة".
ومن العجيب أن المفرد، وهو كلمة "امرأة" له مثنى هو "امرأتان"، لكن في صيغة الجمع لا توجد "امراءات"، وتوجد كلمة نسوة اسم لجماعة الإناث، واحدتها امرأة، وجمعها نساء. وقد قالت النسوة:

{امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه .. "30"}
(سورة يوسف)


وما قلنه هو الحق؛ لكنهن لم يقلن ذلك تعصباً للحق، أو تعصباً للفضيلة.وشاء سبحانه أن يدفع هذه المقالة عنهن، ففضح الهدف المختفي وراء هذا القول في الآية التالية حين قال:

{فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم "31" قالت فذلكن الذي لمتنني فيه .. "32"}
(سورة يوسف)


والمكر هو ستر شيء خلف شيء، كأن الحق ينبهنا إلى أن قول النسوة لم يكن غضبة للحق؛ ولا تعصباً للفضيلة، ولكنه الرغبة للنكاية بامرأة العزيز، وفضحا للضلال الذي أقامت فيه امرأة العزيز. وأردن ـ أيضاً ـ شيئاً آخر؛ أن ينزلن امرأة العزيز عن كبريائها، وينشرن فضيحتها، فأتين بنقيضين؛ لا يمكن أن يتعدى الموقف فيهما إلا خسيس المنهج. فهي امرأة العزيز، أي: أرفع شخصية نسائية في المجتمع، قد نزلت عن كبريائها كزوجة لرجل يوصف بأنه الغالب الذي لا يغلب؛ لأن كلمة "العزيز" مأخوذة من المعاني الحسية.
فيقال: "الأرض العزاز" أي: الأرض الصخرية التي يصعب المشي عليها، ولا يقدر أحد أن يطأها؛ ومن هذا المعنى جاءت كلمة "العزيز". فكيف بامرأة العزيز حين تصير مضغة في الأفواه؛ لأنها راودت فتاها وخادمها عن نفسه؛ وهو بالنسبة لها في أدنى منزلة، وتلك فضيحة مزرية مشينة. وقالت النسوة أيضاً:

{قد شغفها حباً .. "30"}
(سورة يوسف)


والحب منازل؛ وأول هذه المنازل "الهوى" مثل: شقشقة النبات، ويقال: "رأى شيئاً فهواه". وقد ينتهي هذا الهوى بلحظة الرؤية، فإذا تعلق الإنسان بما رأى؛ انتقل من الهوى إلى العلاقة.
وبعد ذلك يأتي الكلف؛ أي: تكلف أن يصل إلى ما يطلبه من هذه العلاقة. ثم ينتقل بعد ذلك إلى مرتبة فيها التقاء وهي العشق، ويحدث فيها تبادل للمشاعر، ويعلن كل طرف كلفه؛ ولذلك يسمونه "عاشق ومعشوق".
ثم ينتقل إلى مرحلة اسمها "التدليه"؛ أي: يكاد أن يفقد عقله. ثم يصير الجسم إلى هزال ويقال "تبلت الفؤاد" أي: تاه الإنسان في الأمر. ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الهيام، أي: يهيم الإنسان على وجهه؛ فلا يعرف له هدفاً، فإن تبع ذلك جرم صار اسمه "جوى".
تلك هي مراحل الحب التي تمر بالقلب، والقلب ـ كما نعلم ـ هو الجهاز الصنوبري، ويسمونه مقر العقائد المنتهية، والتي بحثها الإنسان واعتقدها بالفعل.
فالإنسان منا يدرك الأشياء بحواسه الظاهرة، يرى ويشم ويسمع ويذوق ويلمس، فإذا أدرك بعضاً من الأمور؛ فهو يعرضها على العقل ليوازن بينها؛ ويختار الأكثر قبولاً منه، وبعد ذلك تذهب تلك الأمور المقبولة إلى القلب؛ لتستقر عقيدة فيه لا يحيد عنها.
أما المسائل العقلية؛ فقد تأتي مسائل أخرى تزحزحها؛ ولذلك يقال للأمور التي استقرت في القلب "عقائد"، أي: شيء معقود لا ينحل أبداً. وما يصل إلى هذه المرتبة يظهر أثره في إخضاع سلوك حركة الحياة عليه، وإذا ما استقر المبدأ في نفس الإنسان؛ فهو يجعل كل حركته في ظل هذا المبدأ الذي اعتقده.
وهكذا نعرف: كيف تمر العقيدة بعدة مراحل قبل أن تستقر في النفس، فالإدراك يحدث أولاً؛ ثم التعقل ثانياً؛ وبعد ذلك يعتقد الإنسان الأمر، ويصبح كل سلوك من بعد ذلك وفقاً لما اعتقده الإنسان.
وكلمة:

{شغفها حباً .. "30"}
(سورة يوسف)


تعني أن المشاعر انتقلت من إدراكها إلى عقلها إلى قلبها، والشغاف هو الغشاء الرقيق الذي يستر القلب؛ أي: أن الحق تمكن تماماً من قبلها. وقولهن:

{إنا لنراها في ضلال مبين "30"}
(سورة يوسف)


هو قول الحق أريد به باطل. ولذلك يقول الحق سبحانه بعد ذلك ما يفضح مقصدهن:


 

قديم 24-10-2011, 05:12 PM   #705
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 31

(فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم "31")
ولسائل أن يقول: وكيف انتقل لهن الكلام عن الذي حدث بينها وبين يوسف؟
لابد أن هناك مرحلة بين ما حدث في القصر؛ وكان أبطاله أربعة هم: العزيز، وامرأته، ويوسف، والشاهد، ولابد أن يكون من نقل الكلام إلى خارج القصر؛ إنسان له علاقتان؛ علاقة بالقصر فسمع ورأى وأدرك؛ ونقل ما علم إلى من له به علاقة خارج القصر.
وبحث العلماء عن علاقة النسوة اللاتي ثرثرن بالأمر، وقال العلماء: هن خمسة نساء: امرأة الساقي، وامرأة الخباز، وامرأة الحاجب، وامرأة صاحب الدواب (أي: سايس الخيل)، وامرأة السجان.
وهؤلاء النسوة يعشن داخل بيوتهن؛ فمن الذي نقل لهن أسرار القصر؟ لابد أن أحداً من أزواجهن قد أراد أن يسلي أهله، فنقل خبر امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام؛ ثم نقلت زوجته الخبر إلى غيرها من النسوة. وحين وصل إلى امرأة العزيز الخبر؛ وكيف يمكرن بها؛ أرسلت إليهن:

{وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا .. "31"}
(سورة يوسف)


والمتكأ هو الشيء الذي يستند إليه الإنسان حتى لا يطول به ملل من كيفية جلسته، والمقصود بالقول هو أن الجلسة سيطول وقتها، وقد خططت لتكشف وقع رؤية يوسف عليهن، فقدمت لكل منهن سكيناً؛ وهو ما يوحي بأن هناك طعاماً سوف يؤكل. ويتابع الحق سبحانه:

{وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه .. "31"}
(سورة يوسف)


ويقال: أكبرت الشيء، كأنك قد تخيلته قبل أن تراه على حقيقته؛ وقد يكون خيالك قد رسم له صورة جميلة، إلا أنك حين ترى الشيء واقعاً؛ تكبر المرائي عن التخيل. والمثل أن إنساناً قد يحدثك بخير عن آخر؛ ولكنك حين ترى هذا الآخر تفاجأ بأنه افضل مما سمعت عنه.
والشاعر يقول:
كادت مساءلة الركبان تخبرني عن جعفر بن حبيب أصدق القيم
حتى التقينا فلا والله ما سمعت أذني بأطيب مما قد رأى بصري
ويقولون في المقابل: سماعك بالمعيدي خير من أن تراه. أي: يا ليتك قد ظللت تسمع عنه دون أن تراه؛ لأن رؤيتك له ستنقص من قدر ما سمعت.
وهن حين آذين امرأة العزيز بتداول خبر مراودتها له عن نفسه، تخيلن له صورة ما من الحسن، لكنهن حين رأينه فاقت حقيقة المرئية كل صورة تخيلنها عنه؛ فحدث لهن انبهار. وأول مراحل الانبهار هي الذهول الذي يجعل الشيء الذي طرأ عليك يذهلك عما تكون بصدده؛ فإن كان في يدك شيء قد يقع منك.
وقد قطعت كل منهن يدها بالسكين التي أعطتها لها امرأة العزيز لتقطيع الفاكهة، أو الطعام المقدم لهن. وقال الحق سبحانه في ذلك:

{فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن .. "31"}
(سورة يوسف)


وهل هناك تصوير يوضح ما حدث لهن من ذهول أدق من هذا القول؟ ويتابع سبحانه:

{وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم "31"}
(سورة يوسف)


وكلمة:

{حاش .. "31"}
(سورة يوسف)


هي تنزيه لله سبحانه عن العجز عن خلق هذا الجمال المثالي، أو: أنهن قد نزهن صاحب تلك الصورة عن حدوث منكر أو فاحشة بينه وبين امرأة العزيز، أو: أن يوسف عليه السلام لابد أن يكون قد خرج عن صورة أرقى من صورة الإنس التي يعرفنها؛ فقلن: لابد أنه ملك كريم.
وصورة الملك كما نعلم هي صورة متخيلة؛ والإنسان يحكم على الأشياء المتخيلة بما يناسب صورتها في خياله، مثلما نتخيل الشيطان كأبشع ما تكون الصورة. والبشاعة نفسها تختلف من واحد إلى آخر؛ فما تراه بشعاً قد لا يراه غيرك كذلك؛ لأن مقاييس القبح أو الجمال تختلف من أمة إلى أخرى.
فالمرأة الجميلة في أواسط أفريقيا في نظر الرجل هي ذات الشفاه الغليظة جداً؛ أو صاحبة الشعر المجعد والمتموج.
وأكدت الحضارة الحديثة أن هذا لون من الجمال ينجذب إليه الرجل في بعض الحالات؛ بدليل أن بعضاً من السيدات ذوات الشعر الناعم للغاية يذهبن إلى مصففة الشعر، ويطلبن منها تجعيد شعورهن.
إذن: فالجمال يقاس بالأذواق؛ هذا يرى جمالاً قد يراه غيره غير هذا؛ وذاك يرى جمالاً لا يراه غيره كذلك. والحق سبحانه يقذف معايير الجمال في النفس الإنسانية على قدر مقومات الالتقاء في الانسجام.
ولذلك يقال في الريف المصري هذا المثل "كل فولة ولها كيال".
ونجد شاباً يتقدم لفتاة يرغب في الزواج منها؛ وما أن يراها حتى ينفر منها، ويتقدم لها شاب آخر فيقع في هواها، ويتعجل الزواج منها، وهذا يعني أن مقاييس الأول تختلف عن مقاييس الثاني.
وحين يشاء الحق سبحانه أن يجمع بين اثنين فلا أحد بقادر على أن يمنع القبول من كل طرف للطرف الآخر؛ وهذه مسألة لها من الأسرار ما لا نعرفه نحن؛ لأنه سبحانه الذي يكتب القبول؛ ويظهر في المرأة جمالاً قد يجذب رجلاً ولا يجذب رجلاً آخر، ونفس المسألة تحدث في نفسية المرأة.
إذن: فحين رأت النسوة يوسف عليه السلام؛ قلن:

{ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم "31"}
(سورة يوسف)


وهذا يعني أن يوسف هو الصورة العليا في الجمال التي لا يوجد لها مثيل في البشر. وبعد ذلك يقول الحق سبحانه ما جاء على لسان امرأة العزيز رداً عليهن:


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:52 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا