المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 25-10-2011, 06:18 AM   #766
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 92

(قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين "92")
والتثريب هو اللوم العنيف، وهو مأخوذ من الثرب؛ فحين يذبحون ذبيحة، ويخرجون أمعاءها يجدون حول الأمعاء دهناً كثيفاً؛ هذا الدهن يسمى ثرب. أما إن كانت هزيلة، ولم تتغذ جيداً، فأمعاؤها تخرج وقد ذاب من عليه هذا الثرب.
والتثريب يعني: أن اللوم العنيف قد أذاب الشحم من لحمه، وجعل دمه ينز، ويكاد أن يصل بالإنسان إلى أن ينزل به ويسله.

<وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجدلها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها، ولو بحبل من شعر">

أي: لا يقولن لها: يا من فعلت كذا وكذا، بل فليعاقبها بالعقاب الذي أنزله الله لمثل هذه الجريمة؛ فإن لم ترتدع عن الفعل فليبعها، وهكذا نفهم أن التثريب أو اللوم العنيف قد يولد العناد. وقال يوسف عليه السلام:

{اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين "92"}
(سورة يوسف)


ولقائل أن يتساءل: ولماذا قال يوسف ذلك؛ وقد يكونون قد استغفروا الله من قبل؟ ونقول: إن دعوة يوسف بالمغفرة لهم جاءت في حدود معرفته ولتصفية النفوس مما شابها بهذا اللقاء. وقوله:

{وهو أرحم الراحمين "92"}
(سورة يوسف)


هو فهم لحقيقة أن أي رحمة في العالم، أو من أي أحد إنما هي مستمدة من رحمته سبحانه. وقد قال يوسف ذلك وهو واثق من إجابة دعوته، لأنه قد غفر لهم خطأهم القديم وعفا عنهم؛ والله أولى منه بالعفو عنهم.
ثم يعود الحديث بينه وبينهم إلى والدهم، فيقول الحق سبحانه ما جاء على لسان يوسف لأخوته، وهو الذي علم ما حدث لأبيه بعد فراقه له:


 

قديم 25-10-2011, 06:18 AM   #767
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 93

(اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين "93")
وكان يوسف عليه السلام، قد علم أن أباه يربط عينيه من الحزن، وكاد أن يفقد بصره، فأمر أخوته أن يذهبوا بقميصه الذي كان يلبسه إلى أبيه. وتقول كتب السير أن أخاه الأكبر الذي رفض أن يبرح مصر، وقال:

{فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين "80"}
(سورة يوسف)


قد قال ليوسف:
"يا أيها العزيز إنني أنا الذي حملت القميص بدم كذب إلى أبي، فدعني احمل هذا القميص لأبي، كي تمحو هذه تلك".
وقال يوسف عن فعل القميص مع الأب:

{فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً .. "93"}
(سورة يوسف)


ونلحظ أنه لم يقل: "وجه أبيكم". وفي قوله:

{وجه أبي .. "93"}
(سورة يوسف)


إشارة إلى الحنان الأبوي الذي فقدوه منذ أن غاب يوسف، فغرق والده في الحزن. و:

{يأت بصيراً .. "93"}
(سورة يوسف)


أي: يرتد إليه بصره، أو يراه أمامه سليماً. ويضيف يوسف:

{وأتوني بأهلكم أجمعين "93"}
(سورة يوسف)


هذا تعبير قرآني دقيق، أن يحضروا معهم كل من يمت بصلة قرابة لهم أو يعمل معهم، ولم يقل يوسف "بآلكم" حتى لا يأتوا بالأعيان فقط. ونلحظ أنه لم يذكر والده في أمر يوسف لأخوته أن يأتوه بكل من يمت لهم بصلة قربى؛ لأن في مثل هذا الأمر ـ من موقع عزيز مصر ـ إجباراً للأب على المجيء، وهو يجل أباه عن ذلك.


 

قديم 25-10-2011, 06:18 AM   #768
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 94

(ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون "94")
و"فصلت" تدل على شيء كان ملتصقاً بشيء آخر وانفصل عنه، وفصلت العير. أي: خرجت من المدينة وتجاوزتها؛ لتسير في رحلتها، والمقصود خروج القافلة من حدود مصر قاصدة مكان يعقوب عليه السلام.
وهنا قال يعقوب لمن كانوا حاضرين معه من الأحفاد وأبناء الأبناء:

{إني لأجد ريح يوسف .. "94"}
(سورة يوسف)


والمعروف أن القميص الذي أرسله مع أخيه الأكبر يحمل رائحة يوسف، لكن الذين حول يعقوب من أقربائه لم يصدقوا قوله، فأضاف:

{لولا أن تفندون "94"}
(سورة يوسف)


أي: لولا اتهامكم لي بالخرف، لأن التفنيد هو الخرف. ومن العجيب أننا في أيامنا هذه نجد العلم وقد أثبت أن صور المرائي والأصوات، توجد لها آثار في الجو، رغم ما يخيل للإنسان أنها تلاشت.
ويحاول العلم بوسائل من الأشعة أن يكشف صورة أي جماعة كانت تجلس في مكان ما، ثم رحلت عنه منذ ساعة أو ساعتين، مما يدل على أن الصور لها نضح من شعاع وظلال يظل بالمكان لفترة قبل أن يضيع.
وكذلك الأصوات؛ فالعلماء يحاولون استرداد أصوات من رحلوا؛ ويقولون: لا شيء يضيع في الكون، بل كل ما وجد فيه محفوظ بشكل أو بآخر. والرائحة أيضاً لا تضيع، بدليل أن الكلب يشم الريح من على مسافات بعيدة، ويميز الآن المخدرات من رائحتها؛ ولذلك تنتشر الكلاب المدربة في المطارات وعلى الحدود؛ لتكشف أي محاولة لتهريب المخدرات.
وإذا كان الحيوان المخلوق بقدرة الله قادراً على التقاط الرائحة من بين آلاف الروائح، وإذا كان العلم الموهوب من الله للبشر؛ يبحث الآن في كيفية استحضار الصورة واسترداد الصوت من الفضاء المحيط بالإنسان؛ فعلينا أن ندرك أن العير عندما خرجت من أسوار المدينة؛ وأخذت طريقها إلى الموقع الذي يعيش فيه يعقوب عليه السلام؛ استطاع يعقوب بقدرة الله أن يشم رائحة يوسف؛ تلك التي يحملها قميصه القادم مع القافلة.
ولسائل أن يقول: ولماذا ارتبط تنسم يعقوب لرائحة يوسف بخروج العير من مصر، وتواجدها على الطريق إلى موطن يعقوب؟
نقول: لأن العير لحظة تواجدها في المدينة تكون رائحة قميص يوسف مختلطة بغيرها من الروائح؛ فهناك الكثير من الروائح الأخرى داخل أي مدينة، ويصعب نفاذ رائحة بعينها لتغلب على كل الروائح؛ ويختلف الأمر في الخلاء؛ حيث يمكن أن تمشي هبة الرائحة دون أن يعترضها شيء.
وبذلك نؤمن أن كل شيء في الكون محفوظ ولا يضيع؛ مصداقاً لقوله تعالى:

{وإن عليكم لحافظين "10" كراماً كاتبين "11"}
(سورة الانفطار)


وكل ما يصدر منك مسجل عليك؛ ولذلك يأتيك كتابك يوم القيامة لتقرأه، وتكون على نفسك حسيباً. ويرد من بقى من أهل يعقوب معه على قوله بأنه يجد ريح يوسف:


 

قديم 25-10-2011, 06:18 AM   #769
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 95

(قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم "95")
وكأنهم قد ملوا حديثه عن يوسف؛ وأعرضوا عن كلامه قائلين له: إلى متى ستظل على ضلالك، وهم لا يعنون الضلال بمعنى الخروج عن المنهج، ولكنهم يعنون الضلال بمعنى الجزئيات التي لا علاقة لها بالتدين من محبة شديدة ليوسف، وتعلق به، والتمني لعودته، وكثرة الحديث عنه، وتوقع لقائه، وهم الذين ظنوا أن يوسف قد مات.


 

قديم 25-10-2011, 06:19 AM   #770
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 96

(فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون "96")
وحين حضر البشير، وهو كما تقول الروايات كبير الأخوة؛ ويقال أيضاً: إنه يهوذا؛ وهو من رفض أن يغادر مصر إلا بعد أن يأذن له والده، أو يأتي حل من السماء لمشكلة بقاء بنيامين في مصر، بعد اتهام أعوان العزيز له بالسرقة، طبقاً لما أراده يوسف ليستبقي شقيقه معه.
ولما جاء هذا البشير ومعه قميص يوسف؛ فألقاه على وجه الأب تنفيذاً لأمر يوسف عليه السلام.
وبذلك زال سبب بكاء يعقوب، وفرح يعقوب فرحاً شديداً؛ لأنه في أيام حزنه على يوسف، وابيضاض عينيه من كثرة البكاء حدثه قلبه بالإلهام من الله أن يوسف مازال حياً؛ وكان البكاء عليه من بعد ذلك هو بكاء من فرط الشوق لرؤية ابنه.


 

قديم 25-10-2011, 06:19 AM   #771
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 97

(قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين "97")
وهم هنا يقرون بالذنب، ويحدثون والدهم بنداء الأبوة كي يستغفر لهم ما ارتكبوه من ذنوب كثيرة، فقد آذوا أباهم وجعلوه حزيناً، ولا يسقط مثل هذا الذنب إلا بأن يقر به من فعله، ونلحظ أنهم قالوا:

{إنا كنا خاطئين "97"}
(سورة يوسف)


أي: أنهم كانوا يعلمون الصواب، ولم يفعلوه. ويأتي الحق سبحانه بما قاله يعقوب:


 

قديم 25-10-2011, 06:19 AM   #772
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 98

(قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم"98")
ونلحظ أن يوسف قد قال لهم من قبل:

{لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين "92"}
(سورة يوسف)


لكن والدهم هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول:

{سوف أستغفر لكم ربي .. "98"}
(سورة يوسف)


ولم يقل: "سأستغفر لكم ربي"، وهذا يدل على أن الكبار يحتاجون لوقت اكبر من وقت الشباب؛ لذلك أجل يعقوب الاستغفار لما بعد. والشيخ الألوسي في تفسيره يقول: "إنما كان ذلك لأن مطلوبات البر من الأخ لأخوته غير مطلوبات البر من ابن لأبيه؛ لأن الأخ ليس له نفس حق الأب؛ لذلك يكون غضب الأب أشد من غضب الأخ".


 

قديم 25-10-2011, 06:19 AM   #773
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 99

(فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين "99")
ونعلم أن الجد إسحق لم يكن موجوداً، وكانوا يغلبون جهة الأبوة على جهة الأمومة، ودخلت معهم الخالة؛ لأن الأم كانت غير موجودة. ويبدو أن يوسف قد استقبلهم عند دخولهم إلى مصر استقبال العظماء، فاستقبلهم خارج البلد مرة ليريحهم من عناء السفر ويستقبلهم وجهاء البلد وأعيانهم؛ وهذا هو الدخول الأول الذي آوى فيه أبويه. ثم دخل بهم الدخول الثاني إلى البلد بدليل أنه قال:

{ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين "99"}
(سورة يوسف)


ففي الآية دخولان. وقول الحق سبحانه:

{آوى إليه أبويه .. "99"}
(سورة يوسف)


يدل على حرارة اللقاء لمغتربين يجمعهم حنان، فالأب كان يشتاق لرؤية ابنه، ولابد أنه قد سمع من أخوته عن مكانته ومنزلته، والابن كان متشوقا للقاء أبيه. وانفعالات اللقاء عادة تترك لعواطف البشر، ولا تقنين لها، فهي انفعالات خاصة تكون مزيجاً من الود، ومن المحبة، ومن الاحترام، ومن غير ذلك. فهناك من تلقاه وتكتفي بأن تسلم عليه مصافحة، وآخر تلتقي به ويغلبك شوقك فتحتضنه، وتقول ما شئت من ألفاظ الترحيب. كل تلك الانفعالات بلا تقنين عبادي، بدليل أن يوسف عليه السلام آوى إليه أبويه، وأخذهما في حضنه.

<والمثل من حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم في سياق غزوة بدر حيث كان يستعرض المقاتلين، وكان في يده صلى الله عليه وسلم قدح يعدل به الصفوف، فمر بسواد بن غزية من بني عدي بن النجار، وهو مستنصل عن الصف ـ أي خارج عنه، مما جعل الصف على غير استواء ـ فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقدح وقال له: "استو يا سواد". فقال سواد: أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني.
فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال صلى الله عليه وسلم: "استقد". فاعتنقه سواد وقبل بطنه.
فقال صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على هذا يا سواد؟". قال: يا رسول الله، قد حضر ما ترى ـ يقصد الحرب ـ فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير>


 

قديم 25-10-2011, 12:45 PM   #774
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 100

(ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم "100")
وقد رفع يوسف أبويه على العرش لأنه لم يحب التميز عنهم؛ وهذا سلوك يدل على المحبة والتقدير والإكرام. والعرش هو سرير الملك الذي يدير منه الحاكم أمور الحكم. وهم قد خروا سجداً لله من أجل جمع شمل العائلة، ولم يخروا سجداً ليوسف، بل خروا سجداً لمن يخر سجوداً إليه، وهو الله. وللذين حاولوا نقاش أمر سجود آل يعقوب ليوسف أقول: هل أنتم أكثر غيرة على الله منه سبحانه؟
إنه هو سبحانه الذي قال ذلك، وهو سبحانه الذي أمر الملائكة من قبل بالسجود لآدم فلماذا تأخذوا هذا القول على أنه سجود لآدم؟
والمؤمن الحق يأخذ مسألة سجود الملائكة لآدم؛ على أنه تنفيذ لأمر الحق سبحانه للهم بالسجود لآدم، فآدم خلقه الله من طين، ونفخ فيه من روحه؛ وأمر الملائكة أن تسجد لآدم شكراً لله الذي خلق هذا الخلق.
وكذلك سجود آل يعقوب ليوسف هو شكر لله الذي جمع شملهم، وهو سبحانه الذي قال هذا القول، ولم يجرم سبحانه هذا الفعل منهم، بدليل أنهم قدموا تحية ليوسف هو قادر أن يردها بمثلها.
ولم يكن سجودهم له بغرض العبادة؛ لأن العبادة هي الأمور التي تفعل من الأدنى تقرباً للأعلى، ولا يقابلها المعبود بمثلها؛ فإن كانت عبادة لغير الله فالله سبحانه يعاقب عليها؛ وتلك هي الأمور المحرمة.
أما العبادة لله فهي اتباع أوامره وتجنب نواهيه؛ إذن: فالسجود هنا استجابة لنداء الشكر من الكل أمام الإفراج عن الهم والحزن وسبحانه يثيب عليها. أما التحية يقدمها العبد، ويستطيع العبد الآخر أن يرد بمثلها أو خير منها، فهذا أمر لا يحرمه الله، ولا دخل للعبادة به.
لذلك يجب أن نفطن إلى أن هذه المسألة يجب أن تحرر تحريراً منطقياً يتفق مع معطيات اللغة ومقتضى الحال، ولو نظرنا إلى وضع يعقوب عليه السلام، وما كان فيه من أحزان وموقف أخوته بين عذاب الضمير على ما فعلوا وما لاقوه من متاعب لأيقنا أن السجود المراد به شكر من بيده مقاليد الأمور بدلاً من خلق فجوات بلا مبرر وهم حين سجدوا ليوسف؛ هل فعلوا ذلك بدون علم الله؟ طبعاً لا.
ومن بعد ذلك نجد قول يوسف لأبيه:

{وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً .. "100"}
(سورة يوسف)


وقد كانت الرؤيا هي أول لقطة في قصة يوسف عليه السلام حيث قال الحق ما جاء على لسان يوسف لأبيه:

{إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين "4"}
(سورة يوسف)


وقوله في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:

{قد جعلها ربي حقاً .. "100"}
(سورة يوسف)


أي: أمراً واقعاً، وقد رآه والد يوسف وأخوته لحظة أن سجدوا ليوسف سجود الشكر والتحية لا سجود عبادة، وقد سجد الأخوة الأحد عشر والأب والخالة التي تقوم مقام الأم، ورؤيا الأنبياء كما نعلم لابد أن تصير واقعاً.
ولقائل أن يقول: وماذا عن رؤيا إبراهيم عليه السلام التي أمره فيها الحق سبحانه أن يذبح ابنه؛ فقام إلى تنفيذها؛ واستسلم إسماعيل لأمر الرؤيا.
نقول: إن الأنبياء وحدهم هم الملتزمون شرعاً بتنفيذ رؤاهم؛ لأن الشيطان لا يخايلهم؛ فهم معصومون من مخايلة الشيطان.
أما إن جاء إنسان وقال: لقد جاءتني رؤيا تقول لي نفذ كذا. نقول له: أنت غير ملزم بتنفيذ ما تراه في منامك من رؤى؛ فليس عليك حكم شرعي يلزمك بذلك؛ فضلاً عن أن الشيطان يستطيع أن يخايلك.
أما تنفيذ إبراهيم عليه السلام لما رآه في المنام بأن عليه أن يذبح ابنه، وقيام إبراهيم بمحاولة تنفيذ ذلك؛ فسببه أنه يعلم بالتزامه الشرعي بتنفيذ الرؤيا.
وقد جاء لنا الحق سبحانه بهذا الذي حدث ليبين لنا عظم الابتلاءات التي مرت على إبراهيم، وكيف حاول أن يتم كل ما توجهه له السماء من أوامر، وأن ينفذ ذلك بدقة. وقال الحق سبحانه مصوراً ذلك:

{وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً .. "124"}
(سورة البقرة)


وكانت قمة الابتلاءات هي أن ينفذ بيديه عملية ذبح الابن؛ ولذلك أؤكد دائماً على أن الأنبياء وحدهم هم الملزمون بتنفيذ رؤاهم، أما أي إنسان آخر إن جاءته رؤيا تخالف المنهج؛ فعليه أن يعتبرها من نزغ الشيطان.
ويتابع الحق سبحانه ما جاء على لسان يوسف:

{وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن .. "100"}
(سورة يوسف)


ولقائل أن يسأل:ولماذا لم يذكر يوسف الأحداث الجسام التي مرت به في تسلسلها؛ مثل إلقاء أخوته له في الجب؟
نقول: لم يرد يوسف أن يذكر ما يكدر صفو اللقاء بين العائلة من بعد طول فراق. ولكنه جاء بما مر به من بعد ذلك، من أنه صار عبداً، وكيف دخل السجن؛ لأنه لم يستسلم لغواية امرأة العزيز، وكيف من الله عليه بإخراجه من السجن، وما أن خرج من السجن حتى ظهرت النعمة، ويكفي أنه صار حاكماً.


 

قديم 25-10-2011, 12:45 PM   #775
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 101

(رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين "101")
ونعلم أن الربوبية تعني الخلق من عدم، والإمداد من عدم؛ والإقاتة لاستبقاء الحياة، والتزاوج لاستباق النسل، وتسير كل هذه العمليات في تناسق كبير. فالحق سبحانه أوجد من عدم، واستبقى الحياة الذاتية بالقوات، واستبقى الحياة النوعية بما أباح من تزاوج وتكاثر.
وكل مخلوق له حظ في عطاء الربوبية، مؤمناً كان أم كافراً، وكل مخلوقات الكون مسخرة لكل الخلق، فسبحانه هو الذي استدعى الخلق إلى الوجود؛ ولذلك تكفل بما يحقق لهم الحياة. ويختص الحق سبحانه عباده المؤمنين بعطاء آخر بالإضافة لعطاء الربوبية؛ وهو عطاء الألوهية المتمثل في المنهج. يقول يوسف عليه السلام مناجياً ربه:

{رب قد آتيتني من الملك .. "101"}
(سورة يوسف)


أي: أنه سبحانه هو الذي أعطاه تلك السيادة، وهذا النفوذ والسلطان؛ فلا أحد يملك قهراً عن الله، وحتى الظالم لا يملك قهراً عن الله؛ ولذلك يقول الحق سبحانه في آية أخرى من القرآن:

{قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير "26"}
(سورة آل عمران)


وإتيان الملك لا توجد فيه مقاومة ممن يملك؛ ولكن نزع الملك هو الذي يقاومه المنزوع منه. والحق سبحانه هو أيضاً الذي يعز من يشاء، وهو الذي يذل من يشاء.
وحين تتغلغل هذه الآية في نفس المؤمن؛ فهو يوقن أنه لا مفر من القدر، وأن إيتاء الملك خير، وأن نزع الملك خير، وأن الإعزاز خير والإذلال خير؛ كي لا يطغي الإنسان، ولا يتكبر، ولا يعدل في إيمان غيره.
وكان بعض الناس يقولون: لابد أن تقدر محذوفاً في الآية. وهم قد قالوا ذلك بدعوى الظن أن هناك خيرين في الآية وشرين محذوفين.
وأقول: لا، إن ما تظنه أيها الإنسان أنه شر إنما هو خير يريده الله؛ فكل ما يجريه الله خير. وقول يوسف عليه السلام:

{آتيتني من الملك .. "101"}
(سورة يوسف)


يقتضي أن نفهم معنى "الملك"؛ ومعنى "الملك"، ولنا أن نعرف أن كل إنسان له شيء يملكه؛ مثل ملابسه أو قلمه أو أثاث بيته، ومثل ذلك من أشياء، وهذا ما يسمى: "الملك". أما "الملك" فهو أن تملك من يملك.
وقد ملك الله بعضاً من خلقه لخلقه، ملكهم أولاً ما في حوزتهم، وملكهم غيرهم، وسبحانه ينزع الملك من واحد ويهبه لآخر، كي لا تصبح المسألة رتابة ذات.
ومثال هذا: هو ما حدث لشاه إيران، وكان له الملك، وعنده كل أسباب الحضارة، وفي طوعه جيش قوي، ثم شاء الحق سبحانه أن ينزع منه الملك، فقام غيره بتفكيك المسامير غير المرئية التي كان الشاه يثبت بها عرشه؛ فزال عنه الملك.
وأنت في هذه الدنيا تملك السيطرة على جوارحك؛ تقول لليد "اضربي فلان" فتضرب يدك فلاناً، إلى أن يأتي اليوم الآخر فلا يملك الإنسان السيطرة على جوارحه؛ لأن الملك يومها يكون لله وحده، فسبحانه القائل:

{لمن الملك اليوم لله الواحد القهار "16"}
(سورة غافر)


ففي اليوم الآخر تنتفي كل الولايات، وتكون الولاية لله وحده. وبجانب "الملك" و"الملك"؛ هناك الملكوت، وهو ما لا تراه بأجهزة الحواس. وسبحانه يقول:

{وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض .. "75"}
(سورة الأنعام)


أي: أن الحق سبحانه قد كشف لإبراهيم أسرار العالم الخفية من المخلوقات، وأنت ترى العلماء وهم يتتبعون أسرار ممالك النباتات والحيوانات؛ فتتعجب من دقة خلق الله. ومن وهبه الله دقة العلم وبصيرة العلماء، يرى بإشعاعات البصر والعلم عالم الملكوت، ويستخرج الأسرار، ويستنبط الحقائق.
ويضيف يوسف عليه السلام في مناجاته لربه:

{وعلمتني من تأويل الأحاديث .. "101"}
(سورة يوسف)


وهو يعترف بفضل الله عليه حين اختصه بالقدرة على تأويل الأحاديث؛ تلك التي أول بها رؤيا الفتيين الذين كانا معه في السجن؛ وأول رؤيا الملك؛ هذا التأويل الذي قاده إلى الحكم، وليس هذا غريباً أو عجيباً بالنسبة لقدرة الله سبحانه. ويقول يوسف شاكراً لله:

{فاطر السماوات والأرض .. "101"}
(سورة يوسف)


 

قديم 25-10-2011, 12:46 PM   #776
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 102

(ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون "102")
و"ذلك" إشارة إلى هذه القصة، والخطاب موجه إلى محمد صلى الله عليه وسلم أي: أنك يا محمد لم تكن معهم حين قالوا:

{ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا .. "8"}
(سورة يوسف)


فالحق سبحانه أخبرك بأنباء لم تكن حاضراً لأحداثها، والغيب ـ كما علمنا من قبل ـ هو ما غاب عنك، ولم يغب عن غيرك، وهو غيب نسبي؛ وهناك الغيب المطلق، وهو الذي يغيب عنك وعن أمثالك من البشر. والغيب كما نعلم له ثلاثة حواجز:
الأول: هو حاجز الزمن الماضي الذي لم تشهده؛ أو حاجز الزمن المستقبل الذي لم يأت بعد.
والثاني: هو حاجز المكان.
والثالث: هو حاجز الحاضر، بمعنى أن هناك أشياء تحدث في مكان أنت لا توجد فيه، فلا تعرف من أحداثه شيئاً. و:

{نوحيه إليك .. "102"}
(سورة يوسف)


أي نعلمك به بطرف خفي، حين اجتمعوا ليتفقوا، إما أن يقتلوا يوسف، أو يلقوه في غيابة الجب. وكشف لك الحق سبحانه حجاب الماضي في أمر لم يعلمه لرسول الله؛ ولم يشهد صلى الله عليه وسلم ما دار بين الأخوة مباشرة، أو سماعاً من معلم، ولم يقرأ عنه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمي لم يتعلم القراءة أو الكتابة. وسبحانه يقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم:

{وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لأرتاب المبطلون "48"}
(سورة العنكبوت)


وهم بشهادتهم يعملون كل حركة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث؛ إقامة وترحالاً والتقاءً بأي أحد. فلو علموا أنه قرأ كتاباً لكانت لهم حجة، وحتى الأمر الذي غابت عنهم فطنتهم فيه؛ وقالوا:

{إنما يعلمه بشر .. "103"}
(سورة النحل)


فرد عليهم الحق سبحانه:

{لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين "103"}
(سورة النحل)


وأبطل الحق سبحانه هذه الحجة، وقد قص الحق سبحانه على رسوله الكثير من أنباء الغيب، وسبق أن قلنا الكثير عن: "ما كنات القرآن"، مثل قوله تعالى:

{وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون "44"}
(سورة آل عمران)


{وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين "44"}
(سورة القصص)


فكأن مصدر علم الرسول بكل ذلك هو من إخبار الله له.
وقد استقبل أهل الكهف ما طلبوا أن يعرفوه من قصة يوسف باللدد والجحود ـ وهم قد طلبوا مطلبهم هذا بتأسيس من اليهود ـ وهو صلى الله عليه وسلم جاء لهم بقصة يوسف في مكان واحد، ودفعة واحدة، وفي سورة واحدة، لا في لقطات متعددة منثورة كأغلب قصص القرآن.
وقد جاء لهم بها كاملة؛ لأنهم لم يطلبوا جزئية منها؛ وإنما سألوه عن القصة بتمامها، وتوقعوا أن يعزف عن ذلك، لكنه لم يعزف، بل جاء لهم بما طلبوه.
وكان يجب أن يلتفتوا إلى أن الله هو الذي أرسله، وهو الذي علمه؛ وهو الذي أنبأه، لكنهم لم يؤمنوا، وعز ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوضح له سبحانه: لا تبتئس ولا تيأس:

{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين "3"}
(سورة الشعراء)


ويقول له سبحانه:

{فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً "6"}
(سورة الكهف)


فأنت يا رسول الله عليك البلاغ فقط، ويذكر الحق ذلك ليسلي رسوله صلى الله عليه وسلم حين رأى لدد الكافرين؛ بعد أن جاء لهم بما طلبوه، ثم جحدوه:

{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً .. "14"}
(سورة النمل)



 

قديم 25-10-2011, 12:46 PM   #777
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 103

(وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين "103")
فأنت يا محمد لن تجعل كل الناس مؤمنين؛ ولو حرصت على ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على أن يؤمن قومه، فهو منهم. ويقول فيه الحق سبحانه:

{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم "128"}
(سورة التوبة)


لكنهم جحدوا ما جاءهم به؛ وقد أحزنه ذلك الأمر. وفي الحرص نجد آية خاصة باليهود؛ هؤلاء الذين دفعوا أهل مكة أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف؛ يقول الحق سبحانه:

{ولتجدنهم أحرص الناس على حياةٍ .. "96"}
(سورة البقرة)


وكان على أهل مكة أن يؤمنوا مادام قد ثبت لهم بالبينات أنه رسول من الله. وجاء قول الحق:

{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين "103"}
(سورة يوسف)


جاء ذلك القول تسلية من الحق سبحانه لرسوله، وليؤكد له أن ذلك ليس حال أهل مكة فقط، ولكن هذه هي طبيعة معظم الناس. لماذا؟
لأن أغلبهم لا يحسن قياس ما يعطيه له منهج الله في الدنيا والآخرة، والإنسان حين يقبل على منهج الله، يقيس الإقبال على هذا المنهج بما يعطيه له في الآخرة؛ فلسوف يعلم أنه مهما أعطى لنفسه من متع الدنيا فعمره فيها موقوت بالقدر الذي قدره له الله، والحياة يمكن أن تنتهي عند أية لحظة.
والحق سبحانه حين خبأ عن الناس أعمارهم في الدنيا، لم يكن هذا الإخفاء إبهاماً كما يظن البعض، وهذا الإبهام هو في حقيقته عين البيان، فإشاعة حدوث الموت في أي زمن يجعل الإنسان في حالة ترقب.
ولذلك فميتات الفجاءة لها حكمة أن يعرف كل إنسان أن الموت لا سبب له، بل هو سبب في حد ذاته؛ سواء كان الموت في حادثة أو بسبب مرض أو فجأة، فالإنسان يتمتع في الدنيا على حسب عمره المحدد الموقوت عند الله، أما في الآخرة فإنه يتمتع على قدر إمدادات الخالق سبحانه. والإنسان المؤمن يقيس استمتاعه في الآخرة بقدرة الله على العطاء، وبإمكانات الحق لا إمكانات الخلق.
وهب أن إنساناً معزولاً عن أمر الآخرة، أي: أنه كافر بالآخرة وأخذها على أساس الدنيا فقط، نقول له: انظر إلى ما يطلب منك نهياً؛ وما يطلب منك أمراً، ولا تجعله لذاتك فقط، بل اجعله للمقابل لك من الملايين غيرك. سوف تجد أن نواهي المنهج إن منعتك عن شر تفعله بغيرك؛ فقد منعت الغير أن يفعل بك الشر، في هذا مصلحة لك بالمقاييس المادية التي لا دخل للدين بها.
ويجب أن نأخذ هذه المسألة في إطار قضية هي "درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة". وهب أن إنساناً محباً لك أمسك بتفاحة وأراد أن يقذفها لك، بينما يوجد آخر كاره لك، ويحاول أن يقذفك في نفس اللحظة بحجر، وأطلق الاثنان ما في أيديهما تجاهك، هنا يجب أن ترد الحجر قبل أن تلتقط التفاحة، وهكذا يكون درء المفسدة مقدماً على جلب المصلحة.
وعلى الإنسان أن يقيس ذلك في كل أمر من الأمور؛ لأن كثيراً من أدوات الحضارات أو ابتكارات المدنية أو المخترعات العلمية قد تعطينا بعضاً من النفع، ولكن يثبت أن لها ـ من بعد ذلك ـ الكثير من الضرر.
مثال هذا: هو اختراع مادة "د. د. ت" التي قتلت بعض الحشرات، وقتلت معها الكثير من الطيور المفيدة. ولذلك يقول الحق سبحانه:

{ولا تقف ما ليس لك به علم .. "36"}
(سورة الإسراء)


وعليك أن تدرس أي مخترع قبل استعماله؛ لترى نفعه وضرره قبل أن تستعمله. وقد رأينا من يدخلون الكهرباء إلى بيوتهم، يحاولون أن يرفعوا موقع "فيش" الكهرباء عن مستوى تناول الأطفال؛ كي لا يضيع طفل أصابعه في تلك الفتحات فتصعقهم الكهرباء، ووجدنا بعضاً من المهندسين قد صمموا أجهزة تفصل الكهرباء آلياً إن لمستها يد بشر.
وهذا هو درء المفسدة المقدم على جلب المنفعة، وعلينا أن نحتاط لمثل هذه الأمور. وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نجد الحق سبحانه يقول:

{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين "103"}
(سورة يوسف)


وهل قوله:

{أكثر الناس .. "103"}
(سورة يوسف)


نسبة للذين لا يؤمنون، يعني أن المؤمنين قلة؟
نقول: لا؛ لأن "أكثر" قد يقابله "أقل"، وقد يقابله "الكثير". ويقول الحق سبحانه:

{ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب .. "18"}
(سورة الحج)


 

قديم 25-10-2011, 12:46 PM   #778
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 104

(وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين "104")
وفي هذا القول الكريم ما يوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل قومه أجراً على هدايته لهم؛ لأن أجره على الله وحده. والحق سبحانه هو القائل:

{أم تسألهم أجراً فهم من مغرمٍ مثقلون .. "40"}
(سورة الطور)


والحق سبحانه يقول على لسان رسوله في موقع آخر:

{ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله .. "47"}
(سورة سبأ)


وهو هنا يعلي الأجر، فبدلاً من أن يأخذ الأجر من محدود القدرة على الدفع، فهو يطلبها من الذي لا تحد قدرته في إعطاء الأجر؛ فكأن العمل الذي يقوم به لا يمكن أن يجازى عليه إلا من الله؛ لأن العمل الذي يؤديه بمنهج الله ومن الله، فلا يمكن إلا أن يكون الأجر عليه من أحد غير الله. ولذلك يقول سبحانه:

{إن هو إلا ذكر للعالمين "104"}
(سورة يوسف)


والذكر يطلق إطلاقات متعددة، ومادة "ذال" و"كاف" و"راء" مأخوذة من الذاكرة. وعرفنا من قبل أن الإنسان له آلات استقبال هي الحواس الإنسانية، وتنتقل المعلومات أو الخبرات منها إلى العمليات العقلية، وتمر تلك المعلومات ببؤرة الشعور، لتحفظ لفترة في هذه البؤرة، ثم تنتقل إلى حاشية الشعور، إلى أن تستدعيها الأحداث، فتعود مرة أخرى إلى بؤرة الشعور.
ولذلك أنت تقول حين تتذكر معلومة قديمة "لقد تذكرتها"؛ كأن المعلومة كانت موجودة في مكان ما في نفسك؛ لكنها لم تكن في بؤرة الشعور. وحين جاءت عملية الاستدعاء، فهي تنتقل من حاشية الشعور إلى بؤرة الشعور. والتذكر هو: استدعاء المعلومة من حاشية الشعور إلى بؤرة الشعور. والحق سبحانه يقول:

{وذكرهم بأيام الله .. "5"}
(سورة إبراهيم)


أي: ذكرهم بما مر عليهم من أحداث أجراها الله؛ وهي غير موجودة الآن في بؤرة شعورهم. وسمى القرآن ذكراً؛ لأنه يذكر كل مؤمن به بالله ا لذي تفضل علينا بالمنهج الذي تسير به حياتنا إلى خير الدنيا والآخرة.
فالذكر ـ إذن ـ يكون للعاقل معونة له، وهو من ضمن رحمة الله بالخلق، فلم يترك الخلق منشغلين بالنعمة عن من أنعمها عليهم، فهذا الكون منظم بدقة بديعة، وفي كل مقومات حياة البشر.


 

قديم 25-10-2011, 12:47 PM   #779
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 105

(وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون "105")
وإذا سمعت "كأين" افهم أن معناها كثير كثير كثير؛ بما يفوق الحصر، ومثل "كأين" كلمة "كم"، والعد هو مظنة الحصر، والشيء الذي فوق الحصر؛ تنصرف عن عده، ولا أحد يحصر رمال الصحراء مثلاً، لكن كلاً منا يعد النقود التي يردها لنا البائع، بعد أن يأخذ ثمن ما اشتريناه. إذن: فالانصراف عن العد معناه أن الأمر الذي نريد أن نتوجه لعده فوق الحصر، ولا أحد يعد النجوم أو يحصيها.
ولذلك نجد الحق سبحانه ينبهنا إلى هذه القضية، لإسباغ نعمه على خلقه، ويقول:

{وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها .. "34"}
(سورة إبراهيم)


و "إن" هي للأمر المكوك فيه، وأنت لن تعدوا نعمة الله؛ لأنها فوق الحصر، والمعدود دائماً يكون مكرراً، وذكر الحق هنا نعمة واحدة، ولم يحددها؛ لأن أي نعمة تستقبلها من الله لو استقصيتها لوجدت فيها نعماً لا تحصر ولا تعد. إذن: فكلمة "كأين" تعني "كم"، وأنت تقول للولد الذي لم يستذكر دروسه: كم نصحتك؟ وأنت لا تقولها إلا بعد أن يفيض بك الكيل.
وتأتي "كم" ويراد بها تضخيم العدد، لا منك أنت المتكلم، ولكن ممن توجه إليه الكلام، وكأنك تستأمنه على أنه لن ينطق إلا صدقاً، أو كأنك استحضرت النصائح، فوجدتها كثيرة جداً. والسؤال عن الكمية إما أن يلقى من المتكلم، وإما أن يطلب من المخاطب؛ وطلبه من المخاطب دليل على أنه سيقر على نفسه والإقرار سيد الأدلة. وحين يقول سبحانه:

{وكأين "105"}
(سورة يوسف)


فمعناها أن ما يأتي بعدها كثير. وسبحان القائل:

{وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين "146"}
(سورة آل عمران)


وهكذا نفهم أن (كأين) تعني الكثير جداً؛ الذي بلغ من الكثرة مبلغاً يبرر لنا العذر أمام الغير إن لم نحصه.
والآيات هي جمع "آية"؛ وهي الشيء العجيب، الملفت للنظر ويقال: فلان آية في الذكاء. أي: أن ذكاءه مضرب المثل، كأمر عجيب يفوق ذكاء الآخرين. ويقال: فلان آية في الشجاعة؛ وهكذا.
ومعنى الشيء العجيب أنه هو الخارج عن المألوف، ولا ينسى. وقد نثر الحق سبحانه في الكون آيات عجيبة، ولكل منثور في الكون حكمة. وتنقسم معنى الآيات إلى ثلاث:
الأول: هو الآيات الكونية التي تحدثنا عنها، وهي عجائب؛ وهي حجة للمتأمل أن يؤمن بالله الذي أوجدها؛ وهي تلفتك إلى أن من خلقها لابد أن تكون له منتهى الحكمة ومنتهى الدقة، وهذه الآيات تلفتنا إلى صدق توحيد الله والعقيدة فيه.
وقد نثر الحق سبحانه هذه الآيات في الكون. وحينما أعلن الله بواسطة رسله أنه سبحانه الذي خلقها، ولم يقل أحد غيره: "أنا الذي خلقت" فهذه المسألة ـ مسألة الخلق ـ تثبت له سبحانه، فهو الخالق وما سواه مخلوق، وهذه الآيات قد خلقت من أجل هدف وغاية. وفي سورة الروم نجد آيات تجمع أغلب آيات الكون؛ فيقول الحق سبحانه:

{فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون "17" وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون "18" يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون "19" ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون "20" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون "21" ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين "22" ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون "23" ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون "24" ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون "25"}
(سورة الروم)


كل هذه آيات تنبه الإنسان الموجود في الكون أنه يتمتع فيه طبقاً لنواميس عليا؛ فيها سر بقاء حياته؛ فيجب أن ينتبه إلى من أوجدها. وبعد أن ينتبه إلى وجود واحد أعلى؛ كان عليه أن يسأل: ماذا يريد منه هذا الخالق الأعلى؟
هذه الآيات تفرض علينا عقلياً أن يوجد من يبلغنا مطلوب الواجد الأعلى، وحينما يأتي رسول يقول لنا: إن من تبحثون عنه اسمه الله؛ وهو قد بعثني لأبلغكم بمطلوبه منكم أن تعبدوه؛ فتتبعوا أوامره وتتجنبوا نواهيه.
والنوع الثاني من الآيات هي آيات إعجازية، والمراد منها تثبيت دعوة الرسل، فكان ولابد أن يأتي كل رسول ومعه آية؛ لتثبت صدق بلاغه عن الله؛ لأن كل رسول هو من البشر، ولابد له من آية تخرق النواميس، وهي المعجزات التي جاءت مع الرسل.
وهناك آيات حكمية، وهي النوع الثالث، وهي الفواصل التي تحمل جملاً، فيها أحكام القرآن الكريم؛ وهو المنهج الخاتم.
وهي آيات عجيبة أيضاً؛ لأنك لا تجد حكماً من أحكام الدين إلا ويمس منطقياً حاجة من حاجات النفس الإنسانية، والبشر وإن كفروا سيضطرون إلى كثير من القضايا التي كانوا ينكرونها، ولكن لا حل للمشكلات التي يواجهونها، ولا تحل إلا بها.
والمثل الواضح هو الطلاق، وهم قد عابوا مجيء الإسلام به؛ وقالوا: إن مثل هذا الحل للعلاقة بين الرجل والمرأة قد يحمل الكثير من القسوة على الأسرة، لكنهم لجأوا إليه بعد أن عضتهم أحداث الحياة، وهكذا اهتدى العقل البشري إلى حكم كان يناقضه.
وكذلك أمر الربا الذي يحاولون الآن وضع نظام ليتحللوا من الربا كله، ويقولون: لا شيء يمنع العقل البشري من التوصل إلى ما يفيد.
وهكذا نجد الآيات الكونية هي عجائب بكل المقاييس، والآيات المصاحبة للرسل هي معجزات خرقت النواميس، وآيات القرآن بما فيها من أحكام تقي الإنسان من الداء قبل أن يقع، وتجبرهم معضلات الحياة أن يعودوا إلى أحكام القرآن ليأخذوا بها.
وهم يعرضون عن كل الآيات، يعرضون عن آيات الكون التي إن دققوا فيها لثبت لهم وجود إله خالق؛ ولأخذوا عطاء من عطاءات الله ليسري تربية وتنمية، وكل الاكتشافات الحديثة إنما جاءت نتيجة لملاحظات ظاهرة ما في الكون.
وسبق أن ضربت المثل بالرجل الذي جلس ليطهو في قدر؛ ثم رأى غطاء القدر يعلو؛ ففكر وتساءل: لماذا يعلو غطاء القدر؟ ولم يعرض الرجل عن تأمل ذلك، واستنباط حقيقة تحول الماء إلى بخار؛ واستطاع عن طريق ذلك أن يكتشف أن الماء حين يتبخر يتمدد؛ ويحتاج إلى حيز اكبر من الحيز الذي كان فيه قبل التمدد.
وكان هذا التأمل وراء اكتشاف طاقة البخار التي عملت بها البواخر والقطارات، وبدأ عصر سمى "عصر البخار". وهذا الذي رأى طفو طبق على سطح الماء وتأمل تلك الظاهرة، ووضع قاعدة باسمه، وهي "قاعدة أرشميدس".
وهكذا نجد أن أي إنسان يتأمل الكون بدقة سيجد في ظواهره ما يفيد في الدنيا؛ كما استفاد العالم من تأملات أرشميدس وغيره؛ ممن قدموا تأملاتهم كملاحظات، تتبعها العلماء ليصلوا إلى اختراعات تفيد البشرية.
وهكذا نرى أن الحق سبحانه لا يضن على الكافر بما يفيد العالم مادام يتأمل ظواهر الكون، ويستنبط منها ما يفيد البشرية. إذن فقوله تعالى:

{وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها .. "105"}
(سورة يوسف)


 

قديم 25-10-2011, 12:47 PM   #780
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 106

(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون "106")
وهكذا نرى المصافي التي يمر بها البشر ليصلوا إلى الإيمان.
المصفى الأول: قوله تعالى:

{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين "103"}
(سورة يوسف)


أي: أن الكثير من الناس لن يصلوا إلى الإيمان، حتى ولو حرص الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكونوا مؤمنين. وقلنا: إن مقابل "كثير" قد يكون "قليل"، وقد يكون "كثير"، وبعض المؤمنين قد يشوب إيمانهم شبهة من الشرك، صحيح أنهم مؤمنون بالإله الواحد، ولكن إيمانهم ليس يقينياً، بل إيمان متذبذب، ويشركون به غيره.
والمصفى الثاني: قوله تعالى:

{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون "106"}
(سورة يوسف)


ومثال هذا: كفار قريش الذين قال فيهم الحق سبحانه:

{ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله .. "87"}
(سورة الزخرف)


ويقول فيهم أيضاً:

{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله .. "25"}
(سورة لقمان)


ورغم قولهم هذا إلا أنهم جعلوا شفعاء لهم عند الله، وقالوا: إن الملائكة بنات الله، وهكذا جعلوا لله شركاء. ومعهم كل من ادعى أن لله ابناً من أهل الكتاب.
وأيضاً مع هؤلاء يوجد بعض من المسلمين الذي يخصون قوماً أقوياء بالخضوع لهم خضوعاً لا يمكن أن يسمى في العرف مودة؛ لأنه تقرب ممتلئ بالذلة؛ لأنهم يعتقدون أن لهم تأثيراً في النفع والضر؛ وفي هذا لون من الشرك.
ويأتي الواحد من هؤلاء ليقول لمن يتقرب منه: أرجو أن تقضي لي الأمر الفلاني. ويرد صاحب النفوذ: اعتمد على الله، وإن شاء الله سيقضي الله لك حاجتك. لكن صاحب الطلب يتمادى في الذلة، ليقول: وأنا اعتمد عليك أيضاً، لتقضي لي هذه الحاجة.
أو يرد صاحب النفوذ ويقول: أنا سوف افعل لك الشيء الفلاني؛ والباقي على الله. وحين أسمع ذلك فأنا أتساءل: وماذا عن الذي ليس باقياً، أليس على الله أيضاً؟
وينثر الله حكماً في أشياء تمناها أصحابها؛ فقضيت؛ ثم تبين أن فيها شراً، وهناك أشياء تمناها أصحابها؛ فلم تقض؛ ثم تبين أن عدم قضائها كان فيه الخير كل الخير.
نجد الأثر يقول:
واطلبوا الأشياء بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بمقادير
وربما منعك هذا فكرهته، وكان المنع لك خيراً من قضائه لك، فإن المنع عين العطاء، ولذلك فعلى الإنسان أن يعرف دائماً أن الله هو الفاعل، وهو المسبب، وأن السبب شيء آخر. ودائماً أذكر بأننا حين نحج أو نعتمر نسعى بين الصفا والمروة لنتذكر ما فعلته سيدتنا هاجر التي سعت بين الصفا والمروة؛ لتطلب الماء لوليدها بعد استنفذت أسبابها؛ ثم وجدت الماء تحت رجل وليدها إسماعيل.
فقد أخذت هي بالأسباب، فجاء لها رب الأسباب بما سألت عنه. ولم يأت لها الحق سبحانه بالماء في جهة الصفا أو المروة؛ ليثبت لها القضية الأولى التي سألت عنها إبراهيم عليه السلام حين أنزلها في هذا المكان.
فقد قالت له: "ءأنزلتنا هنا برأيك؟ أم أن الله أمرك بهذا؟ قال: نعم أمرني ربي. قالت: إذن لا يضيعنا.
وقد سعت هي بحثاً عن الماء أخذاً بالأسباب، وعثرت على الماء بقدرة المسبب الأعلى. وقول الحق سبحانه:

{وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون "106"}
(سورة يوسف)


يتطلب منا أن نعرف كيف يتسرب الشرك إلى الإيمان، ولنا أن نتساءل: مادام يوجد الإيمان؛ فمن أين تأتي لحظة الشرك؟
ويشرح الحق سبحانه لنا ذلك حين يقول:

{فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون "65" ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون "66"}
(سورة العنكبوت)


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:19 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا