25-10-2011, 12:48 PM
|
#783
|
مراقب عام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 29965
|
تاريخ التسجيل : 03 2010
|
أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
|
المشاركات :
34,379 [
+
] |
التقييم : 253
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Royalblue
|
|
تفسير سورة يوسف - الآية: 109
| (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون "109") | وينتقل الحق سبحانه هنا إلى الرسل الذين سبقوا محمداً صلى الله عليه وسلم؛ فالحق سبحانه يقول:
{وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا "94"}
(سورة الإسراء)
أي: أنهم كانوا يطلبون رسولاً من غير البشر، وتلك مسألة لم تحدث من قبل، ولو كانت قد حدثت من قبل؛ لقالوا: "ولماذا فعلها الله مع غيرنا؟". ولذلك أراد سبحانه أن يرد لهم عقولهم؛ فقال تعالى:
{قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا "95"}
(سورة الإسراء)
والملائكة بطبيعتها لا تستطيع أن تحيا على الأرض، كما أنها لا تصلح لأن تكون قدوة أو أسوة سلوكية للبشر. فالحق سبحانه يقول عن الملائكة:
{لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون "6"}
(سورة التحريم)
والملاك لا يصلح أن يكون أسوة للإنسان؛ لأن الملك مخلوق غيبي غير محس من البشر؛ ولو أراده الله رسولاً لجسده بشراً؛ ولو جعله بشراً لبقيت الشبهة قائمة كما هي.
أو: أن الآية جاءت لتسد على الناس ذرائع انفتحت بعد ذلك على الناس في حروب الردة حين ادعت سجاح أنها نبية مرسلة. لذلك جاء الحق سبحانه من البداية بالقول:
{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى .. "109"}
(سورة يوسف)
ليوضح لنا أن المرأة لا تكون رسولاً منه سبحانه؛ لأن مهمة الرسول أن يلتحم بالعالم التحام بلاغٍ، والمرأة مطلوب منها أن تكون سكناً.
كما أن الرسول يفترض فيه ألا يسقط عنه تكليف تعبدي في أي وقت من الأوقات؛ والمرأة يسقط عنها التكليف التعبدي أثناء الطمث، ومهمة الرسول تقتضي أن يكون مستوفي الأداء التكليفي في أي وقت.
ثم كيف يطلبون ذلك ولم تأت في مهام الرسل من قبل ذلك إلا رجالاً، ولم يسأل الحق أياً منهم، ولم يستأذن من أي واحد من الرسل السابقين ليتولى مهمته؛ بل تلقي التكليف من الله دون اختيار منه، ويتلقى ما يؤمر أن يبلغه للناس، ويكون الأمر بواسطة الوحي.
والوحي كما نعلم إعلام بخفاء، ولا ينصرف على إطلاقه إلا للبلاغ عن الله. ولم يوجد رسول مفوض ليبلغ ما يحب أو يشرع؛ لكن كل رسول مكلف بأن ينقل ما يبلغ به، إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد فوضه الحق سبحانه في أن يشرع، ونزل في القرآن:
{ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا .. "7"}
(سورة الحشر)
ويقول الحق سبحانه عن هؤلاء الرسل السابقين أنهم:
{من أهل القرى .. "109"}
(سورة يوسف)
والقرية كانت تأخذ نفس مكانة المدينة في عالمنا المعاصر. وأنت حين تزور أهل المدينة تجد عندهم الخير عكس أهل البادية، فالبدوي من هؤلاء قد لا يجد ما يقدمه لك، فقد يكون ضرع الماشية قد جف؛ أو لا يجد ما يذبحه لك من الأغنام. والفارق بين أهل القرية وأهل البادية أن أهل القرية لهم توطن؛ ويملكون قدرة التعايش مع الغير، وترتبط مصالحهم ببعضهم البعض، وترق حاشية كل منهم للآخر، وتتسع مداركهم بمعارف متعددة، وليس فيهم غلظة أهل البادية.
فالبدوي من هؤلاء لا يملك إلا الرحل على ظهر جمله؛ ويطلب مساقط المياه، وأماكن الكلأ لما يرعاه من أغنام.
وهكذا تكون في أهل القرى رقة وعلم وأدب تناول وتعامل؛ ولذلك لم يأت رسول من البدو كي لا تكون معلوماته قاصرة، ويكون جافاً، به غلظة قول وسلوك.
والرسول يفترض فيه أن يستقبل كل من يلتقي به بالرفق واللين وحسن المعاشرة؛ لذلك يكون من أهل القرى غالباً؛ لأنهم ليسوا قساة؛ وليسوا على جهل بأمور التعايش الاجتماعي. ويتابع الحق سبحانه:
{أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم .. "109"}
(سورة يوسف)
أي: أنهم إن كانوا غير مؤمنين بآخرة يعودون إليها؛ ولا يعلمون متى يعودون؛ فليأخذوا الدنيا مقياساً؛ ولينظروا في رقعة الأرض؛ وينظروا ماذا حدث للمكذبين بالرسل، إنهم سيجدون أن الهلاك والعذاب قد حاقا بكل مكذب.
ولو أنهم ساروا في الأرض ونظروا نظرة اعتبار، لرأوا قرى من نحتوا بيوتهم في الجبال وقد عصف بها الحق سبحانه، ولرأوا أن الحق قد صب سوط العذاب على قوم عاد وآل فرعون، فإن لم تخف من الآخرة؛ فعليك بالخوف من عذاب الدنيا.
وقول الحق سبحانه:
{أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم .. "109"}
(سورة يوسف)
وهذا القول هو من لفتات الكونيات في القرآن، فقديماً كنا لا نعرف أن هناك غلافاً جوياً يحيط بالأرض، ولم نكن نعرف أن هذا الغلاف الجوي به الأكسوجين الذي نحتاجه للتنفس. ولم نكن نعرف أن هذا الغلاف الجوي من ضمن تمام الأرض، وأنك حين تسير على اليابسة، فالغلاف الجوي يكون فوقك؛ وبذلك فأنت تسير في الأرض؛ لأن ما فوقك من غلاف جوي هو من ملحقات الأرض.
والسير في الأرض هو للسياحة فيها، والسياحة في الأرض نوعان: سياحة اعتبار، وسياحة استثمار. ويعبر الحق سبحانه عن سياحة الاعتبار بقوله:
{أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم .. "9"}
(سورة الروم) |
|
|
|