|
|
||||||||||
ملتقى الحوارات الهادفة والنقاش حوارات تهم جميع افراد الاسره والمجتمع للقضايا والموضوعات الإجتماعية والنفسية |
|
أدوات الموضوع |
20-05-2004, 06:51 AM | #1 | |||
عضو نشط
|
تعقيبا لورقة الأخت بحر الغموض في لغة الحوار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين يعبر الحوار في أي مجتمع من المجتمعات، بالضرورة عن وجود خلل واضطراب في بنيته العامة، في آليات عمله ومفاصله المختلفة... لذلك يكون الحوار المسؤول الحل الأمثل والشامل للخروج من الواقع المأزوم والعقد التي يرزح تحتها أبناء المجتمع، بهدف بناء حالة مجتمعية إنسانية تؤسس لقيم العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة والمبادىء الإنسانية الأخرى... إن قضية الحوار والحرية الفكرية والاستقلال المعرفي هي التي يمكن أن تعطي الوعد الحقيقي، والأمل المشرق في الخروج من الأزمة العامة، والتحديات المصيرية التي شهدتها ولا تزال تشهدها وتمر بها أمتنا العربية الإسلامية، بعد سنين من غلبة الطابع الاستبدادي الفرعوني، في الممارسة السياسية والفكرية والاجتماعية، وعدم فتح المجال أمام الجميع (من مفكرين ونخب واعية وجماهير شعبية) في المشاركة الفعلية المنتجة في اتخاذ خطوات فاعلة في عملية النهوض وصنع القرارات المصيرية وتحمل عواقبها ونتائجها... لذلك نجد من الضروري أن تتشارك القوى والتيارات الفكرية والسياسية، العاملة على أرض الوطن العربي والإسلامي، في عملية صنع جدية ومسؤولة للحوار الذي يشكل البديل العقلاني والطبيعي لمنطق التفرقة وعلاقات التشرذم والتنابذ والنفي بينها... هذا المنطق الذي أفرز، على صعيد الممارسة العملية، مزيداً من الانهيارات والتراجعات والقبول بالهزيمة النفسية والسياسية والانسحاق تحت وطأة الآخر (الغربي الصهيوني) ... الأمر الذي قاد إلى التحكم المباشر وغير المباشر بمقدراتنا، وضياع العنفوان السياسي، والدخول في إطار وآلية التفاوض السلمي المزعوم مع الكيان الصهيوني على حساب القضية والشعب... إن اعتماد الحوار وسيلة لمواجهة أزمات التراجع والتفكك والانهيار في دوائر هذه الأمة، هو الوسيلة الوحيدة لاستحضار العقل الذي جرى ويجري تغييبه من مجال الفعل والخلق والإبداع والتنظيم الذي يتطلبه مشروع النهوض(1)... ... هنا مساهمة فكرية تحاول أن تلقي بعض الضوء على طبيعة الحوار في الوعي الثقافي الإسلامي المبني على قاعدة الاعتراف بالآخر والإيمان بوجوده... والدخول معه في حوار علمي وموضوعي يهدف إلى تعميق نقاط اللقاء، ومحاولة البحث الجدي عن أفضل الوسائل لإيضاح ومناقشة نقاط الخلاف من أجل الوصول إلى مناخ تحاوري فعال بين كل قوى وتيارات الأمة في سبيل إنجاز النهوض المجتمعي العربي والإسلامي... لأن مشروع النهوض والتحرر السياسي والاجتماعي والثقافي من التبعية الكاملة للآخر، لا بد أن يتحرك في الأجواء الإيجابية للحوار الذي تلتقي على ضرورته كل تلك الفئات والقوى... لذلك إننا نعتقد بوجوب أن تبدأ كل هذه التيارات بالتأسيس الجدي للحوار وسياقاته المختلفة، وتقدم تصوراتها في هذا المجال... أولاً: الحوار الموضوعي في القرآن الكريم يشكل القرآن الكريم منبعاً أساسياً للمعرفة الثقافية والفكرية الإسلامية، ويعتبر منطلقاً داعماً لحركية الفعل الاجتهادي الذي يمارسه المفكرون والعلماء فيما يتصل باستمرارية الهوية الثقافية، والانتماء العقيدي ببعديه الروحي والمفاهيمي، على أساس ارتباط أي تحرك إنساني في الحياة بنوعية الهدف الأسمى والمثل الأعلى الذي يسعى إليه في حركية متصاعدة وكدح مستمر ومتواصل، ووجوب توكيد أصالة هذا النمط السلوكي المتحرك سياسياً واجتماعياً وفكرياً... كونه يرتبط بالعمل والتغيرات والبناء والعلم المثمر في حركة الحياة والمجتمع... على هذا الأساس جاءت الدعوة الحوارية في القرآن الكريم بهدف تعميق مساحات الحركة الفكرية الفاعلة في خط اللقاء المثمر، كوسيلة عملية تحشد طاقات الأمة، وترص صفوفها في عملية المواجهة والانطلاق... لذلك عمد القرآن الكريم إلى وضع منهجية )وآلية( متطورة للحوار العلمي الموضوعي نلحظها من خلال تبصرنا ببعض الآيات: 1- (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين...) (سبأ: 24). تتأسس كل مناهج الحوار العلمية الموجودة في العالم على اعتبار: أن رأيي صواب قد يحتمل الخطأ ورأي محاوري الآخر خطأ لكنه يحتمل الصواب... أما القرآن الكريم، كما يتضح من خلال الآية السابقة، فقد أشار إلى أن الحوار يقوم على أساس وجود (الفكر) أو "القيمة المبدأ" فهي التي تحكم صوابية أو خطأ الأطراف المتحاورة... من هنا نبه القرآن إلى أهمية الابتعاد عن الجانب الذاتي في عملية الحوار وتغليب الجانب الموضوعي المبني على ركيزة فكرية هادفة على الجانب الشخصي العاطفي، فليست المسألة هنا رأياً شخصياً لهذا الطرف أو ذلك، بل المسألة أن هناك فكرة واعية ومنفتحة قد أكون على هدى ورشد فكري شامل ومنظم، إذا ما اقتنعت بها وجعلتها محوراً لحركتي في الحياة... إن القضية هي الموضوعية التي يخرج فيها الإنسان عن ذاتيته وتبقى الفكرة ويبقى الإنسان مجرد شخص يلاحق الفكرة ليصل بها إلى نهاياتها السعيدة. 2- (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون) (آل عمران: 66) فإنه يؤكد على الدعوة إلى المنهج الإسلامي الحواري الذي ينفتح على الحياة كلها والإنسان كله، وعلى سلوك طريق البحث الدقيق والحوار الموصل إلى الحقيقة... فنحن نريد أن نلتقي بالحقيقة بشرط أن نمتلك الوسائل والآليات الفاعلة التي تجعلنا على علم بها، وتواصل مع أفقها المتحرك... ولا سبيل إلى ذلك إلا بالحوار الهادىء والصادق الذي ينفتح على الآخر من موقع التجرد عن معطياته الشخصانية، وتقديم براهينه الواضحة، تماماً كما يقدم محاوره الثاني براهينه ودلالاته وينفتح عليه من نفس الموقع... إن الإسلام الذي اعتبر في كل تشريعاته وتنظيماته ومواقفه الفكرية، الإنسانية أساساً لدراسة كل مشاكله ونزعاته ومواقفه، هو إنساني في طروحاته في الوسيلة والغاية، لذلك كان من الطبيعي أن يهيىء هذا الدين الأجواء الحوارية بما يتناسب مع أساس وجود هذا الإنسان وعمق فطرته، من خلال وضع شروط ومناخات حركة الحوار في بعده النفسي والسلوكي من أجل تحقيق الهدف الإنساني العادل الذي يلتقي (مع مصلحة الإنسان) بعيداً عن كل حالات الاستضعاف والعبودية... فيما يعقّد عملية الحوار ويجمّد حركة الموضوعية والعلمية في داخله... لذلك كان لا بد من توافر الحجج الداعمة لعملية الحوار في مستوياته المختلفة، لأنه إذا كان هدف الجميع كما ذكرنا هو الوصول إلى الحقيقة والاقتناع بها، فيجب أن ترتكز هذه القناعة في العمق الفكري والنفسي على الحجة القوية والبرهان الساطع في إطار ممارسة سلوكية الحوار العميق والمنفتح في كل ما يتعلق بحركة الإنسان في الحياة والعقيدة والتشريعات، وقضايا الحساب والمسؤولية... هذا وقد وردت كلمة الحوار في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع: 1- (... فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً) (الكهف: 34). 2- (... قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً...) (الكهف: 37). 3- (قد سمع اللَّه قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللَّه واللَّه يسمع تحاوركما إن اللَّه سميع بصير) (المجادلة: 1). أما كلمة الجدل والجدال فقد وردت الإشارة إليها في آيات كثيرة، وصلت إلى سبع وعشرين آية تتصل بقضايا الإنسان الخاصة والعامة، انطلاقاً من شؤونه الحياتية الداخلية الفردية إلى مختلف مواقعه الاجتماعية الأخرى في خط العقيدة والحياة... كما في قوله تعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) (الأنفال: 6 5). حيث نجد كيف سلك بعض المؤمنين طريق الجدل السلبي كوسيلة للهروب من مواجهة الواقع بكل معطياته وأبعاده الحقيقية، ومحاولتهم التنصل من مسؤولياتهم في الخروج للحرب، والدعوة مع النبي (ص) مقدمين الحجج والذرائع المختلفة، ودخولهم مع الرسول في عملية جدل مغلقة، بحيث أنهم لم ينفتحوا من خلال عملية الحوار على عمق المسؤولية العملية تجاه قضايا الإيمان والحق والدعوة. المصدر: نفساني
|
|||
|
20-05-2004, 06:56 AM | #2 |
عضو نشط
|
ولو تمعنا جيداً في فهم سبب وجود هذا الفارق الكمي بين عدد الآيات التي ذكرت كلمة الحوار والأخرى التي أوردت كلمة الجدل أو الجدال... لرأينا أنه يكمن في نفسية الإنسان وطبيعة كينونة فطرته الداخلية، باعتبار أن صفة الجدل من الصفات الملازمة للسلوكية النفسية لأي إنسان، ومن طبائع خلقه، وحركة تكوينه...
(وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً) (الكهف: 54). حيث توحي هذه الآية الكريمة بأن الإنسان قد فطر على الجدل، وعلى ممارسة الأوضاع والأحداث بنوع من القلق الفكري، والعقلية الباحثة عن كل ما هو موجود، حقاً كان أم باطلاً... خيراً كان أم شراً... وإننا نعتقد أن الجدل الإنساني، كصفة ملازمة لطبعه، هي حالة فضولية واستثارة عقلية، وحاجة فكرية ومعرفية من أجل تصاعد وتضخم المواقع الحياتية المختلفة، على أساس ارتباطها بأكثر المفاصل والأدوار العملية التي يمارسها الإنسان في الحياة... أما كلمة الحوار فهي ذات مضامين معرفية ومدلولات واسعة... صحيح أن كلمة الجدل تنطوي على مفاهيم الأخذ والرد الذي يتحول بموجبه الحوار إلى مجرد جدل عقيم سلبي تكمن الغاية منه في ممارسة ذات الجدل فحسب، دون وجود أهداف حقيقية، لأن المسألة المتحركة في هذا الاتجاه، قد تتحول عند بعض المتجادلين إلى لقلقة فكرية دون محاولة الدخول إلى صلب القناعة الراسخة أو الحقيقة الهادئة... لكن يبقى الجدل متصلاً بأصل وجودنا كأناس نحاول أن نترقب حركة الأحداث، ونفسرها وفق مجريات وقائعنا وتصوراتنا عن أمور الحياة والوجود بما يتصل مع حركتنا اليومية... إلى ذلك يجب أن نلفت النظر إلى ضرورة استبعاد فكرة الجدال السلبي كونها تقترب في الوعي الإسلامي من العبثية والعناد. حيث يصبح الإنسان من خلال ذلك مجرد لاعب أو متلاعب بألفاظ معينة تدخله في اعتبار الجدل فناً بحد ذاته، الأمر الذي يؤدي به إلى الانحراف عن المسيرة التي تقوده إلى الحقيقة، حيث تتشوه كياناته ومعالمه الفكرية ويضيع الوقت هدراً، وينتهي الهدف بزوال طرقه ومسالكه... علماً أنهما (الجدل والحوار) يتحركان في الأرضية الإسلامية، معرفياً وفكرياً، كأسلوب إنساني يصنع طاقات فكرية حياتية، تؤصل في الإنسان حركيته المنفتحة في خط الإبداع والتطور من خلال لقائه بالآخر وانفتاحه عليه... وقد يطرح البعض علامات استفهام حول مدى استعداد الإسلام والمسلمين للدخول في حوار ونقاش علمي حتى في المقدسات الفكرية والشعائرية؟!. إننا نحب أن نقول للجميع إن الإسلام عندما فتح باب الحوار العميق في جميع مشاكل الحياة وتحديات الواقع، كان ينطلق من معرفة شاملة ودقيقة بطبيعة القوة الفكرية التي جاء بها في مستوى التشريع والتنظيم، لذلك سمح في كل أدبياته بالحوار المنفتح حتى في المقدسات، وفي وجود اللَّه تعالى وفي توحيده، في شخصية الرسول (ص)، حتى في طبيعة القرآن الكريم وبنيته اللغوية والمعرفية... وهذا ما نلاحظه في جملة الآيات والبراهين القرآنية التي نعتقد أنها تتجه نحو تأصيل حركة الحوار العقلاني الهادف والمنتج حيث... يحدثنا القرآن في كثير من آياته عن (التشكيكات) والإثارات المعقدة والإهانات والشتائم التي كانت توجه للرسول والرسالة، حتى وصف الرسول بأنه مجنون وساحر وشاعر وكاهن... وفي هذا المجال كما نتصور إفساح للمجال لمواجهة وتحدي هذه الأفكار والدعوة إلى مناقشتها والرد عليها على الرغم من سقوطها علمياً... لأن الإسلام، عموماً، لا يريد للإنسان أن يعيش حالات الخوف على عقائده وأفكاره، أو أن توجد نقاط فراغ (سوداء) في فكره ووعيه... بل يريده أن يفكر بكل حرية، برحابة الحياة والآفاق الواسعة، في نور الشمس وضياء الحياة بعيداً عن الزوايا المظلمة، والضيقة، (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين...) (سبأ: 24). إن هذه الطريقة الإسلامية في التعامل مع حركة الحوار تمثل عملياً، أعلى درجات الوعي الحضاري، الذي لم تستطع أن ترتقي إليه أية مدرسة من مدارس الفكر الإنساني، فضلاً عن أن توازيه أو تسبقه... لذلك لا مقدسات في الحوار، وليس هناك شخص ممنوع أن تحاوره... إلا إذا كانت المسألة تتصل بمرحلة سياسية تجعل من الحوار أداة من أدوات الصراع السياسي، ولكن في المسألة الفكرية عليك أن تحاور كل الناس وفي كل شيء... وتكون الحجة والبرهان هي الأساس... ونحن نعتبر أن التاريخ الإسلامي في كل تجاربه هو تاريخ في التنوع الثقافي وقد جعل هذا التنوع من الإسلام حضارة ومن المسلم شخصية إنسانية غنية... إن الإسلام عندما يدعو جميع المفكرين والمثقفين إلى دراسة ومناقشة النظم والقوانين والمعايير الإسلامية في القضايا المفاهيمية التشريعية العامة، بطريقة علمية ويقينية، بعيداً عن الحساسيات السياسية والانفعالات الطارئة وحالة الاستهلاك والترف الفكري... إن معنى ذلك أنه يؤسس للحوار كمنهج شامل ومتكامل، وكبنية فكرية رئيسية في الإسلام... ... ومن هنا نجد أن مسألة أن يكون الإنسان مسلماً منفتحاً على كل مفردات الحياة ويملك وعياً حضارياً في مستوى الوعي الحضاري الإسلامي في دراسة للفكر الإسلامي، هو أن يفهم القانون الناظم، من خلال قدرته على الوصول إلى دائرة العدالة الإنسانية ودراسة قضية الحكم والحاكم وقضية القانون في هذا المجال، فلا يظلم أحد حتى لو كان كافراً، إنها الحرية الإنسانية وعدم استعباد الإنسان للإنسان، لأن العبودية للَّه وحده، لتكون الحرية للإنسان أمام العالم كله... إن اللَّه تعالى عندما قال في كتابه الكريم: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا...) (الحجرات: 13). أراد أن يؤكد على الحوار كخيار وبعد إستراتيجي إسلامي إذا صح التعبير فقال: لتعارفوا، أي لتتحاوروا، وليفهم بعضكم بعضاً في الفكر والعمل من خلال التزام الحوار، من أصغر الدوائر الفكرية والحياتية إلى أكبرها وأعلاها، في مستوى التعارف وبناء أواصر العلائق السياسية والاجتماعية الراسخة بين الشعوب المختلفة الأديان، ومستوى التعارف بين شعوب الأمة الإسلامية الواحدة بمرجعية توحيدية إسلامية واحدة... على أساس أن هذا التعارف هو فعل معرفة وسلوك فكري حضاري متنوع، يقوم على أساس معيار الحقيقة ومقياسها العام كهدف كامل يغني مسيرة الإنسان التاريخية والثقافية والحضارية من خلال عمق انفتاحها على النتاجات والتجارب الحضارية الأخرى. ثانياً: عناصر وشروط الحوار في الإسلام تنبع أهمية وجود عناصر وشروط خاصة بالمنهج المتبع في الحوار، وطريقة أدائه من خلال التمهيد للجو الملائم لنمو وإثمار الحوار الناجح، والوصول به إلى مستوى القناعات المنفتحة على بعضها البعض، التي تعمق إيمان الناس، وترسخ معاني الحياة الحرة الكريمة في نفوسهم، وتحدد لهم أطر مسيرتهم وحركتهم ومجالها المسؤول، وتبعدهم عن كل حالات التقوقع والعقم في المسلك العملي في حركة الشكل والمضمون... ويمكننا في هذا الإطار تصنيف الشروط والعناصر الناظمة لحركة الحوار في الوعي الإسلامي المنطلق، من خلال القرآن الكريم، وفق ما يلي: أولاً: العناصر الذاتية: تتعلق بالصفات الذاتية الخاصة بالأشخاص المشاركين في عملية الحوار: أ: شخصية المحاور: يحد الإسلام عمل الشخصية المحاورة ومناخها الطبيعي في آلية الحوار، من خلال توافر شروط حرية الحركة الفكرية والاستقلالية المعرفية، من أجل ضمان وسلامة حركة الحوار، وربط المقدمات بنتائجها التي تبرز وتنطلق من خلال إيمان الجميع بضرورة الوصول إلى نتائج حاسمة في هذا المجال لذلك يجب على هذا الطرف الأساسي، في عملية الحوار، أن يكون بعيداً عن كل أساليب القمع والإرهاب الفكري والنفسي التي ستؤثر سلباً على عدالة الحوار والنتائج الإيجابية والحقيقية المطلوب تحقيقها في هذا السياق، وربما نجد أن قضية الثقة بالنفس في الفكر والمعرفة وقابلية المحاور العادل تشكل أيضاً قاعدة متينة لاستنهاض العمل الحواري، وتحقيق نتائج ملموسة فاعلة... لذلك إن اتصاف الشخصية المحاورة بالواقعية الفكرية تلزم الأطراف كافة، بضرورة ملاحقة الفكرة والحقيقة وتجعلهم بمنأى عن الارتهان الشخصي والسقوط النفسي تحت وطأة وجود الأفكار الجاهزة والمصنوعة... ب: شخصية الطرف الآخر للحوار: طالما أن الحوار هو منهج الاعتراف بوجود الآخر، والقبول به في واقع الفكر والممارسة، إذن لا بد من تهيئة التربة والمرتع الخصب الملائم لنمو الحوار الهادف، لجهة بناء الثقة المتبادلة بين طرفي الحوار، ومحاولة إيجاد قواعد نفسية قوية للمتحاورين... ويجب على الإنسان الذي يدخل في حوار مع الآخر، أن يعد جوه النفسي الداخلي للاقتناع بالنتائج الحاسمة التي يقود إليها الحوار، وإلا انقلب (الحوار) إلى جدل عقيم لا يراد منه إلا تسجيل المزيد من مواقف عرض العضلات الكلامية، والمزايدات الجدلية التي لا تقدم ولا تؤخر في الموضوع... بل قد تقود الحوار إلى طروحات ضبابية فارغة، وتضع حواجز نفسية ومادية في مسيرة الحوار... لأنني عندما أدخل معك في حوار ما، وأنا أؤمن مسبقاً بصحة فكرتي وعدم مقاربتها للخطأ، إن معنى ذلك أن قدسية الفكرة في نفسي ستلغي الحوار من أساسه، وبالتالي ستعمد أنت إلى معاملتي بنفس الأسلوب، وهذا ما سينتج تضخماً غير سليم في الواقع الخلافي، وتفاقماً في المشكلات، وتبايناً واسعاً في وجهات النظر... وبدلاً من أن نتحاور على خمسين بالمئة أو أقل من خلافاتنا سنضطر هذا إن قبلنا للدخول في حوار حول تسعين بالمئة منها... لأن الجو النفسي المعقد الذي خلقته سلوكيتنا المنغلقة وتقديسنا لأفكارنا، هو الذي سيلقي بظلاله السلبية على أجواء ومناخات الحوار كلها... وقد تحدث القرآن الكريم عن هؤلاء في قوله: (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم اللَّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم) (البقرة: 6-7). لذلك، إن مسألة أن تحاور بعمق وبوعي منفتح على الحياة كلها والإنسان كله تعني أن تفتح عقلك وقلبك لنور الحقائق والأهداف العالية والطموحة، فلا يكفي أن أحاورك لذات الحوار، بل يجب أن أستمع إليك وأنصت لطروحاتك ومشكلاتك، بكل رحابة صدر وروح مسؤولية واعية... إنني عندما أغلق قلبي وعقلي عن تقبل دعوتك وفكرك للحوار معك، هذا يعني أنني ضعيف الثقة بفكرتي، ومؤمن بعجزها عن الحوار مع فكرتك للوصول إلى الحقيقة والهدف البناء الذي نلتقي فيه على العناصر الإيجابية المشتركة فيما بيننا، ونتحاور في قضايانا التي نختلف فيها... إن المسؤولية الفكرية والإيمانية تقتضي منا أن نعالج مشكلاتنا وأزماتنا بالحوار، وقبول دعوة الآخر في ظروف مناسبة للخروج من الواقع المأزوم إلى واقع آخر إيجابي ومثمر المنطلقات والأهداف ومما لا شك فيه أن هناك مفكرين في واقعنا المعاصر يعتبرون نماذج حية لأولئك الذين تحدث عنهم القرآن من حيث عدم قدرتهم على مواجهة وقبول الفكر الآخر كطرف أساسي في عملية الحوار، ورجمهم إياه بالصفات السلبية في حركة المفاهيم العامة في العقيدة والحياة... وهذا ما ينطبق تماماً على معظم التيارات الفكرية العامة على امتداد ساحة الوطن العربي والإسلامي... مما يجعل هذه القضية في تصورنا تعبّر عن حجم المأساة الفكرية العامة، وأزمة الانقسام السياسي والثقافي والمعرفي الحادة التي وصل إليها هذا الواقع نتيجة عدم تحكم الحوار الجاد والفاعل في الحركة الفكرية والثقافية العامة. ج: وعي المتحاورين وثقافتهم العالية: يجب أن تمتلك كل أطراف الحوار ثقافة فكرية وسياسية عامة، منفتحة على كل قضايا وشؤون الإنسان في الحياة، وأن يتزود كل طرف بالمعارف الفكرية متعددة المشارب، كي يكون على صلة بواقع الحوار وبطبيعة اتجاهاته وسياقاته المختلفة، ويتمكن من خلال ذلك من مواصلة واستكمال العمل الحواري بحجة قوية دافعة أمام الأطراف الأخرى، الأمر الذي يعني، بشكل آخر، ضرورة وعي كل سلبيات الحوار التي يمكن أن تظهر أثناء الممارسة، وملاحقتها بالفكرة الإيجابية الصحيحة، التي تعطي الحوار اتزانه الطبيعي، وترجعه إلى مساره الصحيح وخطه العملي الحقيقي في تحقيق الغاية المرجوة منه... وللحديث بقية إن شاء الله |
|
25-05-2004, 08:31 AM | #3 |
( عضو دائم ولديه حصانه )
|
أخي الأستاذ الكريم ... عاصف الحربي ...
أعجز عن شكرك ... لقد كان تعقيبك بمنتهى الروعة والجمال وأن دل ... فهو يدل على رجاحة عقلك ورقى فكرك والمستوى الرائع والعلمي المتمكن للغة الحوار لديك.... ناقشت إبعاد ( لغة الحوار ) من جميع الجوانب ... وطرحت أفكار للقارئ عن كيفية بناء الحوار الجاد والهادف ... ودار في ذهني أمرين... الأنسان إحياناً يصل الى مراحل تعليمية عالية ... فنجده ليس لديه خلفية عن كيفية الحوار الهادف ... لغة الحوار لديه باليد ... ونحن نعلم عندما يغيب حوار العقل تتحاور الأيادي ... الحوار له فنون كثيرة مثال ... فن العتاب فن النصيحة وغيرها ... كيف نستطيع أن نجمع كل فنون لغة الحوار في قالب واحد ونتقن أدواتها ؟ سيدي الفاضل إنتظر بقية حديثك .... تحياتي وإحترامي وشكري وتقديري لك ... |
|
25-05-2004, 08:17 PM | #4 |
عضو نشط
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بحر الغموض الموقرة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لم ينطلق لسان عقلي ولم تتحرك اناملي الا بعدما برهن العقل للفكر ان موضوعك قد غاب وأححبت ان أغرسه بعد ما اجتث في العقول .... وياليت قومي يعلمون. شكرأ لك اختي الكريمه لتذكرينا بما نحاول ان ننساه وجزاك الله خيرا تكملة ماسبق ثانياً: العناصر الموضوعية: يقصد بها مجموعة أو جملة المسائل الفكرية والسلوكية المتعلقة بموضوع الحوار، وطبيعة الجو العام الذي يجب أن يسوده معرفياً ونفسياً... أ: مضامين الحوار وموضوعاته: من الطبيعي أن تكون جميع الأطراف المتحاورة على علم بماهية الأفكار والمعارف مدار الحوار والبحث، مع وجوب تحديد سياق وإطار الفكرة ومحدداتها العامة... التي يراد إثباتها أو نفيها... كي لا يتحول الأمر في حال الجهل بطبيعة الفكرة إلى ممارسة أساليب التهريج والمهاترات الفكرية إذا جاز التعبير التي قد تصل حد توجيه السباب والشتائم، الأمر الذي يعقد مناخ الحوار، ويسقط الأطراف المتحاورة في فخ الضعف والهزيمة الفكرية والعجز عن الدفاع عن الفكرة المطروحة، لذلك يجب أن نعرف جيداً، كيف نبدأ الحوار، وكيف نخوض غماره، وعلى أي أساس ننهيه، وما هي سبل حماية جوه العام؟ وذلك من أجل إجراء هذا الحوار بأداء نوعي فعال، فيما يتعلق بوضوح الرؤية، وهدوء الفكر، وقوة الحجة ووداعة الكلمة... وقد أعطانا القرآن الكريم بعض النماذج البشرية التي وقفت ضد الرسول والرسالة، من دون أن يكون لها إحاطة ومعرفة فيما تأخذ، وفيما تدع، كما في قوله تعالى: (ها أنتم حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون) (آل عمران: 66). إننا نجد أن خوض عملية الحوار تتطلب جهداً فكرياً والتزاماً واعياً، يجب أن تبذله الأطراف كافة في ملاحقة المبادىء، والانتقال المرحلي لآليات الحوار، على أساس الإحاطة بالفكرة، وضبطها في مسارها الطبيعي... وقد نرى، في واقعنا المعاصر، الكثير من الأمثلة (نخب ومفكرين)، التي تمارس دوراً عكسياً في هذا المجال، حيث تراهم يتحدثون باسم التيار الذي يمثلونه، وهم ليسوا على معرفة أو يقين بطبيعة المبادىء التي يقوم عليها، بل قد يحركون بعض المفاهيم الفكرية القلقة والغاية التي تعبر عن ضعف عام في بنيتهم المعرفية، وجهل فاضح في وعي الفكرة الأساسية للحوار، الأمر الذي يسيء كثيراً إلى بقية المعارف والأفكار والطروحات، ويفتت الوحدة الفكرية المتكاملة التي هي إحدى القواعد الأساسية للعمل الفكري... (إن الذين يجادلون في آيات اللَّه بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ باللَّه إنه هو السميع البصير...) (غافر: 56)... ب: معرفة الأسلوب العام للحوار: يبدي الإسلام اهتماماً بالغاً بأسلوب الحوار، أي بالطريقة المنهجية التي يجب أن تدار من خلالها دفة الحوار، بحيث تعطي نتائج إيجابية على صعيد الهدفية العامة للحوار... تخدم جميع أطرافه، وتربطهم بالنتائج المثمرة والصحيحة للمقدمات الصحيحة... لذلك اعتمد الإسلام في ممارسة أسلوب الحوار على الطريقة السليمة (الخالية من العنف والانفعال) التي تقدم الفكرة، وتوضح القضايا والمسائل المختلفة بطريقة هادئة ومنفتحة، فيها كل المحبة واللين والشعور النفسي الخلاق في الوصول إلى الحقائق المؤثرة... وقد ركز القرآن الكريم على هذه الطريقة بأسلوب "التي هي أحسن": (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (النحل: 125). إن هذه الدعوة والحركة المنفتحة المنطلقة نحو أهدافها العالية والطموحة هي التزامات واعية وسلوك هادف يدعو إلى نبذ العنف في الحوار... وبالمقابل نجد أن الإسلام عندما دعا إلى ضرورة اتباع الأسلوب الهادىء والسلمي في عملية الحوار فإنه يؤسس لذلك من موقع القوة الفكرية والرصيد الجماهيري العام كما تحدثنا سابقاً وعدم قبول دعوة الحوار إلا بتوفر شروط التوازن والاعتدال، ضمن ظروف سياسية معينة لا يستغلها هذا الطرف ضد الطرف الآخر. أي ضرورة عدم وجود قوى رئيسية تمتلك من الناحية السياسية والأمنية ما لا تمتلكه الأطراف الأخرى الأمر الذي يؤدي إلى انحراف الحوار عن طريقه الحقيقية لجهة تحقيق الهدف الذي يفيد كل الأطراف... كما ويؤكد الإسلام على أن الحوار العام في خطه "السلمي" الذي قد يقود إلى إلغاء الآخر ونفي وجوده وحشره في القمقم، ليس مقبولاً على الإطلاق بل لا بد من تضافر وتعاون جهود المعنيين بالحوار، فيما يتعلق بأهمية سلوك الواقع المتزن سياسياً وفكرياً، لتحقيق وإنجاز شروط الحوار العقلاني الهادىء والمتوازن والسلمي... ثالثاً: العناصر النفسية والسلوكية: تتجلى في وجوب التمهيد النفسي والروحي لعملية الحوار... أ: نقاء وهدوء الأجواء واستقلالية التفكير: وذلك من خلال تدعيم السلوكية العقلانية، والانفتاح الروحي، والتجدد المفاهيمي بحيث يمكن لكل فريق أن يكون مستعداً للدخول في حوار مع الآخر، يسمعه ويتعاون معه، بكل حرية ومسؤولية، بعيداً عن الأجواء الحماسية السلبية التي تثير الفوضى واللامبالاة والاضطراب النفسي في وجه الوصول إلى قناعات فكرية مشتركة... لأن العصبية والانفعالية، في أثناء الحوار، تؤثر سلباً على الأداء العام للمتحاورين، فقد يبتعد الإنسان عن الوقوف مع نفسه، وقفة تأمل وتفكير، وقد يخضع في قناعاته وأفكاره للجو الاجتماعي الذي تنطلق فيه الجماعة في أجواء انفعالية حماسية لتأييد فكرة معينة أو رفض فكرة خاصة فيستسلم الإنسان لها استسلاماً لا شعورياً، كنتيجة طبيعية لانصهاره نفسياً وعملياً بالجو العام وذوبانه فيه... الأمر الذي يفقده توازنه النفسي واستقلاله الفكري، وشخصيته المميزة، فيعود ظلاً باهتاً للجماعة... إن رفض الفكرة أو تبنيها، أو انسجامها وتلاقيها مع الهدف الحقيقي للحوار، أو عدم ذلك فيما يضمن للجميع إرادة التفكير الذاتي المستقل، إن ذلك لا ينمو في الأجواء المشحونة بالحماس والعاطفة الغرائزية، التي تفرض استهلاكاً للكلام في إطار من التقاذف بين كل الأطراف، وخاصة عندما نجد لديهم إحساساً عميقاً بقداسة الفكرة التي يؤمنون بها ويتحاورون فيها، الأمر الذي يخلق لديهم ارتباطاً نفسياً بين الذات المحاورة والفكرة (موضوع البحث والحوار)، فتصبح الذات هي الفكر، وهذا ما سيؤدي حتماً إلى تعكير جو الحوار، ونسف هدوئه واستقراره النفسي عموماً وتأخير الوصول أو عدم الوصول أصلاً إلى نتائج حاسمة في هذا المجال... إن الحقيقة هي المقدسة، والجو العام الهادىء للحوار هو أيضاً مقدس، والمسلمات المشتركة البديهية التي تتفق عليها أطراف الحوار هي مقدسة كذلك، فلا قدسية للآباء ولا للأجداد، ولا لأي إنسان آخر مهما علا شأنه وارتفع رصيده الفكري والسلوكي والأخلاقي... لأنني لست مستعداً أن أدخل في حرب كلامية تقاذفيه إذا صح التعبير قد تؤدي إلى حرب دموية وإشكالات كثيرة تعطل هدف ومعنى وجودي في الحياة من أجل إنسان ما، عاش في الزمن الماضي الغابر، وكانت له ممارساته وأفكاره وقيمه التي قد تتناسب مع طبيعة حركته في ذلك العهد... فاللَّه تعالى قد أكرمني بالعقل المستنير والتفكير المستقل الحر الذي يلاحق الفكرة الصحيحة والهادفة، وبقدر ما يلتزم ويمارس هذا الإنسان الفكرة المبدأ، بقدر ما ألتزم بممارستي سلوكية ذلك الإنسان المتوازن في حركة الواقع... إنني أحترم الشخص وأقدر سلوكيته عندما يعبر حركياً عن صدقية الفكرة أصدق تعبير وأعتبره قدوة لي في الحياة، مع وجود ضمانات عملية حتى لهذه القدوة الشخصية... لذلك إن مسألة دخول الحوار مع وجود أفكار مقدسة جاهزة مسبقاً، وصاغها شخص ما له قدسيته "السلبية" في نفس الطرف الآخر للحوار، هي مسألة معقدة تخنق الحوار وتهز توازنه وتلغي علميته وموضوعيته، من هنا أكد القرآن على وجوب قدسية الفكرة الحقيقة فقط، وعلى ضرورة ألا يمارس الإنسان سلوكية ونفسية الحاضر من موقع الآخر (الماضي) إلا بقدر انسجام فكره وقيمه مع الحقيقة المتكاملة الموازنة لهدفية أصل الوجود والحياة، لذلك علينا أن ندرس التراث دراسة واعية في مستوى المسؤولية والموضوعية والعلمية... لأن التراث كان فكرة أناس جربوا، وقد تكون تجربتهم خاضعة للظروف الموضوعية التي كان يمثلها زمنهم، لذلك هم كسبوا فكراً آخر: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) (البقرة: 134)... (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل اللَّه قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) (البقرة: 170)... إن الأجواء الصافية الهادئة، كمقدمة للعمل الحواري، لا بد وأن تنتج، مع توافر شروط أخرى، حواراً أخلاقياً ومبدعاً وهادفاً، ينسجم إيجاباً مع تطلعات وطموحات جميع الأطراف المتحاورة، هذا يقودنا إلى مسألة تعدد هذه الأطراف في الحوار العام، وضرورة بناء مفاصله المتحركة على أساس أن يخدم الفكرة المراد تحقيقها من خلاله، وهذه التعددية هي في الأساس أن نعترف ببعضنا البعض، أنا أعترف بالآخر وأتقبله ككائن ثقافي انتمائي يحمل أفكاراً معينة قد نتفق في بعضها، وقد نختلف معه في بعضها الآخر، لتكون مسألة الحوار هي اعتراف بإنسانية هذا الإنسان في أن تكون له استقلاليته وحريته وإدارته الخاصة في طريقة التفكير والوعي... إلى ذلك فقد رسخ القرآن الكريم قضية التفكير المستقل في الجو المعتدل والهادىء، ودعا الجميع إلى ممارسة ذلك والانفصال عن الفعل الحماسي الانفعالي، الذي يخضع الفكرة لقدسية معينة (نصية أو روحية...) وربط ذلك بهدوء العقل وسلامة الفكرة الحقيقية من خلال ضرورة عقلنة العاطفة، وإلباسها رداء العقل والتفكير الواعي.. |
|
25-05-2004, 08:17 PM | #5 |
عضو نشط
|
. لأن الدين لا يتابع حركته في الإنسان من موقع اللاعقل، بل يؤكد العقل كعنوان لكل حركة المصير في الإنسان في الدنيا والآخرة والانفصال بل وعدم الانخراط في الهستيريا الجماعية والجو العام المحموم للمجتمع الذي يجعل اللاوعي يتحكم في قراره وتفكيره... حيث دعا القرآن إلى ممارسة هذا الانفصال النفسي والسلوكي عندما اتُهم النبي(ص) بالجنون في بداية الدعوة، وأمرهم القرآن (أمر الناس) بالهدوء والموضوعية، لذلك دعاهم إلى التفرق بشكل إفرادي أو ثنائي.
(قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا للَّه مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة...) (سبأ: 46) فالإسلام دين العقل في حركة العقيدة والواقع، في علاقة الإنسان باللَّه والحياة والإنسان، أما الحوار القرآني فهو الأسلوب الحركي لتوجيه الإنسان نحو العقلانية التي تحكم التزاماته الفكرية في نفسه ومع الآخر... (إنما يتذكر أولو الألباب...) (الزمر: 9). ب: الشك النفسي والاعتقاد اليقيني: جبل الإنسان فطرياً على حب البحث والمعرفة والاستطلاع واستكشاف حقائق الأمور فهو لا يتورع عن ممارسة شكه في أي شيء، يشاهده ويتعامل معه بشكل أو بآخر ولعل هذا الاهتمام الفطري والشك النفسي، يولد فيه إحساساً بضرورة العمل في الحياة من موقع الفهم الدقيق، والوعي العميق لمجرياتها المختلفة... لذلك إن الحوار الذي هو طريقة "روحية فكرية" في فهم بعضنا البعض، لا بد وأن يبنى على نوع من حالة الشك وعدم الاستقرار ولو نسبياً للأفكار والطروحات التي يدار فيها الحوار ومن قبل جميع الأطراف... إن الشك، في هذه الحالة، إيجابي مثمر، لأن اليقين المطلق لا يأتي إلا بعد الشك المطلق، فأنا أشك حتى أصل إلى اعتقاد يقيني جازم، ولا أمارس هواية الشك لغاية الشك... لذلك إن مسألة أن أشك بقابلية فكرتي، التي أؤمن بها، للصواب أو للخطأ، (إنا أو إياكم لعلى هدى أو ضلال مبين) (سبأ: 24). هي مسألة تعني أن أفكر وأثير دفائن عقلي باتجاه الهدى والحقيقة، فالمشكلة كل المشكلة هي أننا نتعامل مع أفكارنا كما ذكرنا سابقاً من موقف ذاتي مسبق، تمتزج فيه الذاتية بالموضوعية وتذوب فيه العلمية بالشخصانية المقدسة... انطلاقاً مما تقدم يمكننا القول بأن الأسلوب العلمي الناجح في هذا المضمار، هو الأسلوب الذي نواجه فيه بعضنا البعض بالقناعات المرتكزة على البراهين والأدلة العلمية واليقينية من خلال التحدي القرآني العقلي الصارخ... (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) لا على أساس أن تكون هذه القناعات سداً منيعاً أمام الانفتاح على أفكار وسلوكيات الآخرين، بل من أجل أن تتشارك الأفكار والمبادىء في وعي طبيعة امتداد وحركية الفكرة... بحيث يترك الباب مفتوحاً أمام الآخر كي يدلي بدلوه في هذا المجال، من خلال براهينه المتحركة في هذا الإطار أيضاً... وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين تسليما كثيرا الى يوم الدين والحمد لله رب العالمين |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|