أنا أنطوائي ..

أنا أنطوائي ..

عندما سمعتها للمرة الاولى من أحد أبناء عمومتي في أول سنة جامعية أحسست أنني أريد خنقه لانني أحسست باهانة عظيمة تجول في خاطري ..مشكلتي هي أنني لم أكن مدرك أنني مصاب بهذه المشكلة منذ صباي في القصيم ( بريدة ).. فقد كان أبواي يصفانني بالاجتماعي بالنظر لعدد زملاء المدرسة الذين أعرفهم ومن كثرة ترديدهم لتلك العبارة على مسمعي أيام الطفولة فقد صدقتها بل آمنت أنني أجتماعي وأنني القدوة في الاجتماعية بين أخوتي الذكور الثلاثة الذين يلونني على الرغم من منع أبي من مخالطة الناس خارج البيت واو المدرسة من شدة خوفه علي .. فقد كان البيت هو كل عالمي بالاضافة الى المدرسة كان أبي لايهتم لبعض الامور التي كانت تبدو بسيطة مثل أنزالي للسوبر ماركت عندما يذهب اليه بل انه يغلق السيارة باحكام مع اعطائي بعض الاوامر المشدد بعد نزولي من السيارة ..
لم أكن أحس بأنه ربما يفوتني شيء مهم في تنمية شخصيتي فلم أكن عتبر تلك مشكلة بل أنني اعتبرتها أمر طبيعي قد يمر بأي شخص قد يكون في مكاني .. الكذبة الكبرى التي كنت أعيشها لكثرة تردادها على مسمعي ( كذبة أنني انسان اجتماعي ) قد أعمتني عن مناقشة أي عوارض قد تثبت العكس .. فقد كنت ذلك الاجتماعي الخجول جدا , الاجتماعي الذي يخشى محادثة الكبار خصوصا الاغراب لذلك فقد كان الاب والعم والاستاذ بالفعل استثناء .. كنت مميزا في البيت وأيضا في المدرسة فهما المكانان اللذين سمح بهما أبي ..في البيت ولد مؤدب جدا ومحترم جدا جدا وفي المدرسة مميز في الدروس وأيضا في النشاطات وتلك المدرسة كانت جزأ من مجمع متوسط وثانوي درسني تقريبا نفس الاساتذة أي أنهم أصبحوا مثل أخوتي الكبار .. كان أبي يعتبر النشاطات كافية لبناء شخصيتي بشكل كامل .. تميزت بالالقاء فأحبني مدرس النشاط وبدأ بأعطائي المقالات لكي ألقيها بالاذاعة .. في أول تجربة لي في الاذاعة كدت أسقط مغشيا علي من هول الموقف .. فلم أعتد على مقابلة هذا المنظر المهيب وأنا بجسدي الصغير أخطب عليهم تلك الخطبة العصماء بالاسلوب الاخباري فقد كنت في صغري معجب بمقدم الاخبار خالد الشبل وكنت أقلده في الفصل في الاذاعة وحتى عند قرأتي للجرائد ماأكسبني صفة الجدية التي يتميز بها مقدم الاخبار الأمر .. تلك النجاحات أعطتني كثيرا من الثقة وكانت تلك الحياة في نظر والدي كافية جدا لبناء الشخصية القوية الناجحة وبالفعل فقد كنت قويا واثقا في الفصل كلأسد و مثاليا جدا فلم أحس أبدا بشعور النقص الشيء الوحيد الذي كان أبي يمنعني منه هو الخروج مع زملاء المدرسة ولاجتماعاتهم ونشاطاتهم البعيدة عن المدرسة .. استمريت على هذه الحالة الرائعة ووصلت للسنة النهائية الثانوية وتحصلت على نسبة خمس وتسعين بالمائة ونصف وكانت نسبة أغضبت أبي كثيرا لانه كان يريدني أن أصبح طبيبا .. أختار لي الهندسة .. وانتقلت الى الرياض .. جامعة الملك سعود .....بدأت الدراسة وبدأت حياة الجحيم التي لم أكن أتوقع مصادفتها .. أين المدرسين الذين تعودت عليهم .. أين زملائي الذين كنت أمازحهم أين فصلي الذي نعودت عليه فلم أعرف في حياتي غير ثلاث فصول اتدائي متوسط وثانوي في ذلك المجمع .. استلمت الجدول ولكنني لم أجرؤ على سؤال الناس عن ماتعنيه تلك الرموز .. أين أبي ليفسر لي كما تعودت دائما .. جلست اسبوعين أتخبط في الجامعة حتى فهمت .. لكنها لم تكن الا أولى المشاكل التي ستواجهها شخصيتي . ولكي لاأطيل فالمشاكل التي واجهتها في شخصيتي المزيفة هي كالتالي :
1- لم أستطع تكوين أصدقاء جدد .. فقد أصبحت بقدرة قادر الى نعجة بعد أان كنت أسدا .
2- واجهت نشوفا غريبا في لساني عند التحدث للغرباء اضافة للخفقان الرهيب للقلب .
3- الوحدة في شقتي صنعت مني أنسانا أشبه بالشبح لذا تجرأت للمرة الاولى للخروج الى شوارع الرياض وبدأت عادتي السيئة في الدواران في الشوارع بلا هدف فقط هروب من واقعي المخيف خصوصا أن ابي منع من تركيب الستالايت بغية اجتهادي بالدراسة على الرغم من وجوده في بيتنا في القصيم .
4-المباديء التي زرعها أبي من حيث لايدري في شخصيتي وهي عدم التعرف على أي شخص الا بمشورته جعلت مني بعيدا عن الناس .
*** أصبحت أنطوائيا مع مرتبة الشرف ..
5- اضافة للدواران بدأت بأدمان أكل الوجبات السريعة . وبدأت أفقد وزني الطبيعي شيئا فشيئا ختى وصل الى الوزن تسعين خلال ثلاث شهور , فقط نوم , أكل , دوران بالسيارة .
6- مع هذا التخبط كانت مذاكرتي سيئة جدا ونتائجي ضعيفة جدا ولكنني لم أجرؤ على استشارة والدي على هذا الضعف خوفا من ردة فعله فقد كنت في نظره المميز والمثالي والمتفوق خلال ثمانية عشر عاما مضت ..
7- انتهى الترم الاول بالسقوط العظيم .. وتلاه الترم الذي بعده ... وكنت أخفي على والدي الذي كان يتحكم بي كالريموت كنترول حياتي التعيسة فقد تعلمت كل فنون الكذب أثناء اتصالي به .
عرفت بوجود تأجيل الترم أو حذف الترم فبدأت باستعماله لعل وعسى أتكيف مع وافعي الجديد .. ولكن للاسف .. كانت التخبطات تزيد شيئا فشيئا ..
حتى مرت أربع سنوات وأنا لم أتعد المستوى الثالث بعد .. ومعدلي التراكمي في الواطي وحصلت على أنذارين متتاليين ..
طردت نفسي من الجامعة ... قبل أن تطردني هي كاجراء احترازي .. علم أبي بما حصل وأصيب بانهيار عصبي .. كاد أن يموت بسببي .. هذا زاد من مصائبي مصيبة عظمى جديدة هزت كياني المدمر أصلا .. فأنا أحب والدي حتى الثمالة .. صحيح أنه كان يمنعني من مخالطة أقراني في الصغر لكن بيتنا كان جنة في الارض .. كل مايشتهيه الطفل من العاب كانت موجودة وكل مايحتاجه الشاب من تسالي كانت متوفرة لكن .. فقط في البيت .. كان عند أبي خوف من الشارع أن يجعلني منحرفا ..
بعد الفشل الجامعي بدأت بالانطواء الحقيقي عن العالم أجمع .. بدأت بمعاقبة نفسي .. فقد كنت وعلى مدى سنتين متتابعتين أرفض الخروج من غرفتي .. مانعا نفسي كل متع الحياة .. وكان أبي قد وجد لي واسطة للرجوع للجامعة من جديد .. لكنني رفضت الرياض وفضلت القصيم قريبا من أحضان والدتي .. فسجلني أبي بجامعة القصيم قسم الزراعة فوافقت .. حاولت جاهدا اقامة علاقات صداقة ولكن دائما كان يقف أمامي عثرات نفسية عديدة أهمها :
1- أحساسي بكبر السن مقارنة مع الطلاب الجدد فزاد ذلك من انطوائيتي .
2- الحزن الشديد فالقصيم بلاد صغيرة فقد كنت اشاهد اصدقاء الطفولة وقد تقلدوا وظائفه فزاد من احباطي وهبط من عزمي .. حتى أخوتي الذين واصلوا دراستهم في منطقتهم اثنين تخرجوا والصغير على وشك .. كل التجارب التي مررت بها لم تسبب لي الانحراف الاخلاقي .. ولم أدخن قط .. ولم أفكر يوما باقتناء شريط داعر .. أحيانا أحس أن المثالية الزائدة التي ثبتها أبي في شخصيتي هي . .. هي من كبلني وقيدني ..
.
وحتى في تجربتي الجامعية الثانية وعلى الرغم من قربي لحضن أمي الحاني وقربي من أبي الذي اكتشفت شخصيا أحساسه بالمسؤولية في فشلي .. فأنا ضعيف المستوى بعيد جدا عن التميز الدراسي .. أمي دائما تردد أنني مصاب بالعين وأبي كذلك .
أنا الآن عمري يقارب الخامسة والعشرين ولكنني حتى الآن أشبه بالطفل .. لاشخصية ولا منطق .. فكل مهارات أقراني بالكلام تفوقني كثيرا والفرق بيني وبينهم ربما عشر سنوات من الخبرة على التدرب والتقاط الكلمات والامثال و=وغيرها من مهارات الكلام ..
أنا الآن محطم نفسيا .. مدمر .. كلما حاولت اقامة علاقة صداقة مع أي شخص أجده يتثاقلني فأنسحب منه قبل هروبه ...
أكتب هذه الكلمات بكثير من الحسرة والأسى والشفقة على نفسي .. فقد اكتشفت أن حياتي قبل الجامعة كانت ... خدعة كبرى .. مؤدب ومحترم وفاهم للاتيكييت لكن مالفائدة .. فأنا فاشل.
دائما أتأسف للناس بسبب أو بدون سبب .. ولكنني أتأسف هذه المرة لكم على قراءة هذه الاسطر الطويلة .. الغبية ..من حياة انسان مزيف .. انتهى

المصدر: نفساني

كتبت هذا الموضوع على ركاكته وسوء بنائه ليس للبحث عن العلاج .. فقد يأست منه .. بل أنني لاأريد أن أتعالج لانني وبكل بساطة رضيت بنصيبي .. سأحاول أن أتخرج من كلية الزراعة وسيبحث أقربائي لي عن وظيفة أعتاش منها وقرار اتخذته وانتهيت وهو أنني لن أتزوج لأنني لاأريد أشراك أنسانة بريئة مع شخصيتي الانطوائية .. بصراحة أحس ان اللي مثلي مايشرف أحد خصوصا الانطوائي .. لاعزايم ولاجمعات ولا تبريكات فقط من العمل للبيت ومن البيت للعمل ... المسكلة أن ثلاث سنوات من دخولي لمعتقل غرفتي قد روضني كثيرا فأنا الآن لاأرتاح الا عندما أكون وحيدا .. بلا نشاطات بلا قرف .. فقط أذهب أحيانا لزيارة الرحم لآنني أخاف الله فقد وصانا الرسول بصلة الرحم ..اذن مالهدف من مشاركتي ؟؟
الهدف هي رسالة للأباء أن يهتموا بشخصية أبنائهم فالتربية وبناء الشخصية أولا ثم التعليم ....

لاتقل أنا متعلم ووو من الصفات التي تجعلك واثقا بناء شخصية ابنك .. ترى أبي حاصل على درجة اربة ونصف من خمسة في واحدة من ارقى جامعات أمريكا في متشجغن بالعربي دكتور لكنه أجتهد وأجر المجتهد أجر واحد .. ومع ذلك ..أحبك ياوالدي لانك لم تفعل ذلك الا من زود اهتمامك .. والله يخلف عليك .. السلام عليك