مساهمة الطب النفسي في علاج الصرع واحتوائه

مساهمة الطب النفسي في علاج الصرع واحتوائه

الصرع والهستيريا:
لقد قال أحد الأطباء: خلال زيارتي لإحدى المدارس الابتدائية وعند زيارة مرشد المدرسة في مكتبه عرض عليا المرشد حالة الطالب تنتابه حالة صرع في المدرسة، فأدركت من خلال ذلك أن المرشد لا يستطيع أن يميز بين حالة الصرع والهستيريا، فرأيت من واجبي من توضيح ذلك ليستفيد من يستفيد لا سيما المرشدين والمرشدات في المدارس، عندما يحدث داخل المؤسسة حالة هستيرية أو حالة الصرع، لان الحالتين تختلفان من حيث الأعراض والأسباب والعلاج، فأعراض الصرع (النوبة الكبرى) أن المريض قبل ما تحدث له النوبة يشم رائحة غريبة أشبه ما تكون برائحة السمك ثم بعدها تأتيه النوبة ومن رحمة الله به أن ترك له فرصة إذا كان واقفا أن يجلس أو يسوق سيارة أن يتوقف عن السير، أما أسباب الصرع فإنه ينتج إما عن سبب حادث سيارة أو ارتطام الرأس بشيء حاد، ما يؤدي إلى تورم في الدماغ آو زيادة في كهرباء المخ، ثم عندما تأتيه النوبة تظهر عليه الأعراض التالية:
1.أن يسقط على الأرض ويتشنج ويغمى عليه ويخرج من فمه الزبد.
2.يتبول على نفسه.
3.يمكث على هذه الحالة قرابة ربع ساعة.
يجب إسعافه مباشرة،يستلقي على الأرض وتفك جميع أزراره ويوضع النشادر في انفه ليستنشقه فيصحو، يجب عدم الضغط عليه، أما مرض الهستيريا وهو أحد الأمراض العصابية (النفسية) فلا تحدث له هذه النوبة إلا بمقدمات، كأن يشاهد منظرا يثيره فيصاب بالعمى المؤقت، أو أن تحدث الهستيريا لدى المريض الموجود في صراع نفسي داخلي بين الذات العليا والذات الدنيا، ودائما حالات الهستيريا تحدث نتيجة لمشـادات كلامية بين شخص وآخر، ويمكنني هنا أن اطرح قصة تتحدث عنها كتب علم النفس عن الفتاة التي أحبت الطبيب المتدرب في قريتها، وعندما انتهت فترة تدريبه سافر وتركها وصارت تراسله ولا يرد عليها، عندها منعها والدها من مراسلته وصارت تعيش بين رغبتين متضادتين (الصراع)، رغبة الوالد وهي تمثل القيم والأخلاق والعادات والتقاليد والخوف من السن الناس، ورغبتها في تحقيق طـموحاتها (الغرائز)، فعاشت في صراع بين عقلها وقلبها حتى اشتد عليها هذا الصراع، فأرادت الفرار والهروب إلى عالم آخر لتتخلص من هذا الموقف المحرج، فانشلت يدها التي تقوم بالكتابة وهو شلل هستيري مؤقت يزول بزوال أسبابه، ولم تستطع الكتابة وكثيرا ما يحصل هذا عند بعض الناس، إذ تتخدر أيديهم وأرجلهم عندما يغضبون أو يواجهون مواقـف صعبة ويعودون إلى طبيعتهم عند زوال الغضب، والشلل من هذا النوع والعمى هو عرض هذا المرض، وعندما تقع مشادة بين امرأة وزوجها يحصل لها إغماء هستيري لاستجداء الزوج واستدرار عطفه، وتحدث هذه الحالة للمرأة عند كل مشكلة تحدث لها مع زوجها، وتعد الهستيريا من ميكانيزمات الدفاع عن النفس، وكثيرا ما تحدث الحالات الهستيرية عند الكثير من الناس، فبعض الفتيات اللواتي يواجهن ضغطا من أسرهن يصبن بنوبات هستيرية كالإغماء، ما يدفع الوالدين إلى تغيير موقفهما من ابنتهما، وفي مثل هذه الحالة يستفيد مريض الهستيريا من هذه المواقف باستدرار العطف والشفقة، فبعدما كانت هذه الفتاة لا تلقى الرعاية والاهتمام من والديها صارا يهتمان بها ويسعيان ما استطاعا لشفائها.
وحالات الهستيريا وأعراضها لا تقتصر على الإغماء والشلل والعمى فقط، بل تتعدى ذلك إلى البكم والمشي أثناء النوم دون أن يعلم المريض بذلك، وهذه الأمور تحدث من غير إرادة المريض، فهو لا يفتعلها وليست مرضا عضويا، وعادة يشفى المريض من هذا المرض عندما تزول أسبابه، فالزوج الذي يقسو على زوجته عندما توقف عن قسوته وصار يهتم بزوجته زال هذا المرض وشفيت الزوجة.
وعلاج الهستيريا علاج نفسي بمساعدة المريض على حل مشكلاته وإعادة الثقة إلى نفسه وتحسين الظروف.
الهستيريا أعراض مرضية قابلة للشفاء:
الهستيريا أعراض جسمية وعقلية تظهر بسبب الصراعات التي يعاني منها الفرد، فتصيب أعضاء جسم الإنسان بالشلل أو بالعمى أو فقدان الإحساس بأخذ أعضاء الجسم أو الخرس أو فقدان حاستي الذوق والشم وغيرها من الأعضاء، وقد يصاب الفرد بأعراض أخرى تتصف بفقدان الذاكرة والتجول أثناء النوم...إلخ، نتيجة الانفصال بين العقل والوجدان الذي يحدثه الألم النفسي.
ويحدث في مثل هذه الحالات تحويل الصراع النفسي إلى أعراض جسمية أي (انقلاب ما هو نفسي إلى ما هو بدني)، فالأفراد الذين لا يستطيعون تحمل القلق والألم ويحولونه إلى أعراض هستيرية بفقدان وظيفة من وظائف الجسم.
إن كلمة هستيريا تدل على مجموعة أعراض جسدية وعقلية:
1.الأعراض الجسدية:وتسمى في علم النفس بالهستيريا التحولية Conversion Hysteria، كالشلل الهستيري أو العمي الهستيري، فلا تظهر بسبب عضوي تقطع في الأعصاب أو تعرض الفرد لحادث، بل أن منشأها الأصلي نفسي، فعندما يواجه الفرد مشكلة ويتعرض فيها لآلام نفسية لا يتحملها، فيبدأ يكبت مشاعره التي تؤدي إلى الصراع الانفعالي الذي يظهر على شكل أعراض جسدية مختلفة.
وكثيرا ما يعتقد الشخص غير المجرب وكذلك المريض أن هذه الأعراض جسمية ولكن هناك أدلة على أن أصلها نفسي، وتتكون هذه الأعراض عادة (موضعية) تصيب جزءا محددا من الجسم كالشلل في الساق أو التنميل في اليد أو الحموضة في المعدة أو الشعور بالتعب الدائم...إلخ، وهذه الأعراض ما هي إلا وسائل الهروب من وقف صعب، إذ أن المريض ليس أهلا لتحمل المسؤولية، من الطريف أيضا أن نذكر ما نشاهده أحيانا في الأفلام المصرية الكلاسيكية التي تظهر فيها الفتاة التي عانت من الشلل في الساقين سنوات عديدة عندما يحدث حريق مفاجئ في البيت الذي تسكن فيه تقف على ساقيها وتهرب مع الهاربين من النار، إن ذلك يحدث لأن شلل تلك الفتاة لم يكن نتيجة مرض عضوي بمعنى جرثومي أو حادث أدى على قطع عصب من الأعصاب، بل هو نتيجة لصراع نفسي، فعندما جاءت صدمة أخرى وهي الحريق في المنزل شفيت الفتاة من شللها، بعد أن كان سبب شللها صدمة نفسية، والمصاب بإحدى أعراض الهستيريا صادق تماما فيما يعانيه وانه لا يتصنع المرض او يتظاهر به، وإنما مرضه حقيقي وإن دل الفحص على سلامة أعضاء جسمه لأن منشأ مرضه نفسي.
2.أما الهستيريا التي تصيب وظائف العقل فتسمى "الهستيريا الانفصالية" Dissociative Hysteria وهي تؤدي إلى فقدان الذاكرة أو التجوال في الشارع وتعدد الشخصية...إلخ، وهذه الأعراض تحدث بسبب أن بعض الأفراد لا يتذكرون خبرات مؤلمة فقط حيث مضى زمن طويل على وقوعها بل يبقون مرتبطين بها وجدانيا وأنهم لا يتحررون من الماضي، بل يتناسون الحاضر والواقع نفسه، لهذا فالصراع النفسي يؤدي إلى عدم قدرة الشخص على تحمل التفكير الذي ينتج الألم، وبالتالي يحدث فصل في العلاقة السوية بين الفكر والوجدان، إنها حيلة دفاعية يلجأ إليها الشخص لا شعوريا للهرب من تذكر المواقف المؤلمة أو الإخفاقات، فتظهر عليه الأعراض الهستيرية.
علاج الهستيريا: إن أفضل طريقة لعلاج أعراض الهستيريا تترك الطبيب المعالج نفسه وتكون حسب كل حالة وظروفها، فهناك مرض هستيري يشفيه الإيحاء وآخر يشفيه التحليل النفسي وثالث يتطلب التبصر والتحليل النفسي معا، فالعلاج يعتمد على نوع الأعراض وطبيعة الفرد نفسه (ثقافته وعمره)، والعلاج النفسي يهدف إلى تخليص المريض من الصراع النفسي الذي يعاني بسببه من تلك الأعراض، والبحث عن العوامل الدقيقة في اللاشعور التي هي السبب الرئيسي في ظهور الأعراض وإقناع المريض بأن ما يحدث له يمكن معالجته وإزالة الخوف من خلاله، ومن أشهر الطرق التي استخدمها علماء النفس في العلاج هـي طـريقة التنفيس العقـلي "Mental Catharsis"، وذلك باستدعاء الذكريات المكبوتة وإخراجها وهذه هي طريقة التحليل النفسي التي تعني إتاحة المجال للمريض للارتخاء والاستسلام لكي يتحدث بحرية عما يجول في نفسه من أفكار وأن يعبر عنها بالكلام، ويقول كل شيء حتى وإن كان ما يقوله غامضا أو تافها أو لا علاقة له بالمشكلة التي يعاني منها كما يبدوا في الظاهر، ولكن مثل هذه الأقوال العابرة أو التافهة لها أهمية كبيرة عند ربطها مع ما يقوله من آراء تتعلق بالمشكلة التي تعاني منها مباشرة، وهذا وأنه في حالة الاستسلام فات البكاء والانفعال لها أثر فعال في إحداث الأثر المطلوب ألا وهو التنفيس المكبوت.
وعن طريق التحليل النفسي يمكن الكشف عن المشكلة الدقيقة التي تؤرق المريض الذي يستحي من الإفصاح عنها والإجراء السليم هو تسهيل الطريق له كي يعبر تعبيرا لا شعوريا عن طريق الاسترخاء حيث تظهر دفاعات المريض للأنا الواعية التي تتداخل مع التعبير وطريقة تبصير المريض بحالته وأسبابها تجعله يقتنع بأن أعراضه الهستيرية غير خطيرة وشفاؤه منها أكيدا، ودلك يتم عن طريق الإيحاء حيث أن المريض الهستيريا يقبل مع الطبيب أية فكرة يعرضها عليه، فقدرته على النقد تضعف وتصبح في حالة مهيأة للاعتقاد بأنه سيحصل على النتائج التي يتنبأ بها الطبيب، فمثلا يقوم الطبيب للمريض بالهستيريا قرص دواء دون أن يعرف المريض شيئا عن محتوياته والإيحاء للمريض بأنه سيشفيه لأن مريض الهستيريا سريع الاستجابة للإيحاء حيث أن يقتنع بسرعة ويتكون لديه تصور بأن القرص يشفيه ما يشكو منه فيشفى بسرعة، ويتطلب شفاء المريض إثبات ذاته وطمأنته على حالته مع الاستعانة بالعقاقير المهدئة كلما تطلب الأمر ذلك.
التشخيص الفارقي
الفرق بين النوبة الصرعية والنوبة الهستيرية:
هناك بعض الحالات النفسية المشابهة للنوبة الصرعية ومنها الهستيري، إلا أن التشخيص الفارقي للصرع أظهر علامات يتميز بها الصرع وبين وجود فرق بين النوبتين وهذا ما يبينه الجدول التالي :
النوبة الصرعية النوبة الهستيرية
- تحدث غالبا دون ارتباط بعوامل من أصل نفسي. - تحدث كقاعدة لعوامل نفسية.
- ذات اعراض تحذيرية أي تسبق النوبة بأعراض إنذار وتحذير Aura. - انعدام الأعراض التحذيرية.
- تبدأ النوبة بتشنجات متوترة خفيفة ثم تتبعها تشنجات ارتعاشية وتمتد مدتها من دقيقة ونصف إلى دقيقتين. - التشنجات تكون غريبة وغير منتظمة ومدة النوبة تمتد من 10 دقائق إلى بضع ساعات.
- تفشل حدقتا العينين في الاستجابة للضوء مع وجود تبول وتبرز وعض للسان اللاإرادي. - هذه الأعراض لا وجود لها في هذه النوبة.
- لا يمكن التدخل لإيقاف النتوبة. - يمكن إيقافها بالعلاج النفسي أو عن طريق بعض التأثيرات الخارجية كحمام بارد.
- فقدان الشعور والسقوط في أي مكان. - يختار مكان السقوط والابتعاد عن الأشياء الصلبة التي تؤذي المصاب.
- فقدان للذاكرة تام طول مدة النوبة. - فقدان جزئي للذاكرة هذا إن وجد.
.....يتبع.....

المصدر: نفساني

في انتظار باقي اجزاء الصرع

\
\

متابعــــــــــــــــــة..

\
\

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجلاء الهاجري

\
\
متابعــــــــــــــــــة..
\
\

شكرا عزيزتي نجلاء على المرور العطر