المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > الملتقيات العامة > الملتقى العام
 

الملتقى العام لكل القضايا المتفرقة وسائر الموضوعات التي لا تندرج تحت أي من التصنيفات الموجودة

نقطة من البحر المحيط .. للدكتور مصطفى محمود

((نقطة من البحر المحيط)) الدكتور مصطفى محمود في ساعات الصفاء حينما تنقشع الغواشي عن القلب و تنجلي البصيرة، و أرى كل شيء أمامي بوضوح،

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 17-01-2012, 02:21 AM   #1
صلاح سليم
نائب المشرف العام سابقا
عضو مجلس إداره دائم


الصورة الرمزية صلاح سليم
صلاح سليم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28619
 تاريخ التسجيل :  08 2009
 أخر زيارة : 04-12-2022 (09:58 PM)
 المشاركات : 6,209 [ + ]
 التقييم :  239
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Navy
نقطة من البحر المحيط .. للدكتور مصطفى محمود



((نقطة من البحر المحيط))
الدكتور مصطفى محمود


في ساعات الصفاء حينما تنقشع الغواشي عن القلب و تنجلي البصيرة، و أرى كل شيء أمامي بوضوح، تبدو لي الدنيا بحجمها الحقيقي و بقيمتها الحقيقية، فإذا هي مجرد رسم كروكي أو ديكور مؤقت من ورق الكرتون، أو بروفة توزع فيها الأدوار لاختيار قدرات الممثلين، أو مجرد ضرب مثال لتقريب معنى بعيد و مجرد و هي في جميع الأحوال مجرد عبور و مزار و منظر من شباك في قطار.
و هي الغربة و ليست الوطن.
و هي السفر و ليست المقر.
أعجب تماما و أدهش من ناس يجمعون و يكنزون و يبنون و يرفعون البناء و ينفقون على أبهة السكن و رفاهية المقام.. و كأنما هو مقام أبدي.. و أقول لنفسي أنسوا أنهم في مرور؟. ألم يذكر أحدهم أنه حمل نعش أبيه و غدا يحمل ابنه نعشه إلى حفرة يستوي فيها الكل؟.. و هل يحتاج المسافر لأكثر من سرير سفري و هل يحتاج الجوال لأكثر من خيمة متنقلة؟.
و لم هذه الأبهة الفارغة و لمن؟.
و لم الترف و نحن عنه راحلون؟.
هل نحن أغبياء إلى هذه الدرجة؟. أم هي غواشي الغرور و الغفلة و الطمع و عمى الشهوات و سعار الرغبات و سباق الأوهام؟. و كل ما نفوز به في هذه الدنيا وهمي، و كل ما نمسك به ينفلت مع الريح.
و الذين يتقاتلون ليسبق الواحد منهم الآخر أكثر عمى، فالشارع سد عند نهايته و كل العربات تتحطم و يستوي فيها السابق باللاحق، و لا يكسب أحد منهم إلا وزر قتل أخيه..
بل إن أكثر الناس أحمالا و أوزارا في هذه الدنيا هم الأكثر كنوزا و الأكثر ثراء، فكم ظلموا أنفسهم ليجمعوا، و كم ظلموا غيرهم ليرتفعوا على أكتافهم.
و لعلنا سمعنا مثل هذا الكلام و نحن نلهث متسابقين على الطريق.. فهو كلام قديم قدم التاريخ رددته جميع الأسفار و قاله جميع الحكماء و لكنا لم نلق له بالا و لم يتجاوز شحمة الأذن.
و مازلنا نسمع و لا نسمع برغم تطور أدوات الاستماع و كثرة الميكروفونات و مكبرات الصوت، و لاقطات الهمس الإلكترونية من فوق الفضاء و من تحت الثرى.
و مازلنا نزداد صمما عن إدراك هذه الحقيقة البسيطة الواضحة و كأنها طلسم مطلسم و لغز عصي على الأفهام.
هل نحن مخدرون؟.
أم هناك ما هو أقوى أثرا و أكثر شراسة من الخمور و المخدرات، هي مادية العصر التي طبعت الناس بذلك الشعار المسكر؟ غامر و اكسب.. و انهب و اهرب.. و سارع إلى اللذة قبل أن تفوتك.. و عش لحظتك بملئها طولا و عرضا و لا تفكر ماذا بعد فقد لا يكون هناك بعد.

نعم تلك هي الخدعة التي يستدرج إليها الكل.. إنه لا شيء سوى ما نرى و نسمع و نذوق و نلمس من ماديات، و أنه ليس وراء هذه الدنيا شيء و نفوسنا الأمارة استراحت إلى هذه الفلسفة لأنها تشبع لها رغائبها و تحقق لها مشتهياتها، و الحيوان في داخلنا اختارها لأنها تشبع غرائزه.
و تلك النفس هي الفتنة و الحجاب و هي التي أفرزت هذه الحضارة المادية و روجتها.
ألم يسأل داوود ربه: يارب كيف أصل إليك. فقال له ربه.. اترك نفسك و تعال.. أن يترك هذه النفس لأنها العقبة.. (( فلا اقتحم العقبة. و ما أدراك ما العقبة. فك رقبة)) (11 - 13 البلد)

لا انفكاك من هذه العقبة إلا بالانفكاك من طمعك.. فتفك الرقبة و تطعم المسكين و تؤثر غيرك على نفسك. و لذلك لم يطلب الإسلام من المسلم نبذ الدنيا و إنما طلب منه قمع النفس و كبحها و شكمها.. لأن النفس هي الأصل.. و الدنيا مجرد أداة لتلك النفس لتختال و تزهو و تتلذذ و تستمتع.
إن النفس هي الموضوع و هي ميدان المعركة و محل الابتلاء، و الدنيا ورقة امتحانها، و مطلوب الدين هو الإرتقاء بهذه النفس و الارتفاع بها من شهوات البطن و الفرج و من شهوات الجمع و الاكتناز، و من حمى الاستعراض و الكبر و التفاخر ليكون لها معشوق أرقى هو القيم و الكمالات، و معبود واحد هو جامع هذه الكمالات كلها..
و إنما تدور المعركة في داخل النفس و في شارع الدنيا حيث يتفاضل الناس بمواقفهم من الغوايات و المغريات و ما تعرض عليهم شياطينهم من خواطر السوء و من فرص اللذة كل لحظة.
و لم يطلب الإسلام من المسلم أن ينبذ الدنيا، بل طلب منه أن يخوضها مسلحا بهذه المعرفة، فالدنيا هي مزرعته و هي مجلى أفعاله و صحيفة أعماله.
و قدم له فلسفة أخرى في مواجهة الفلسفة المادية.. قدم له فلسفة استمرار و بقاء فهو لن يموت و يمضي إلى عدم.. بل إلى حياة أخرى سوف تتعدد فصولا و تمضي به كدحا و جهادا حتى يلقى ربه: (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)) (6 - الانشقاق)
الحضارة المادية لم تقدم للإنسان إلا الموت و حياة تمضي سدا و تنتهي عبثا.. أما الإسلام فقدم للإنسان الخلود و حياة تمضي لحكمة و تنتقل من طور إلى طور وفقا لنواميس ثابتة من العدل الإلهي، حيث لا يذهب أي عمل سدى و لو كان مثقال ذرة من خير أو شر.. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره.

و اليوم تصل الحضارة المادية إلى ذروة من القوة و العلم و تكتمل لها أدوات الفعل و التأثير من إذاعة و تليفزيون و سينما و مسرح و كتب و مجلات، و هي سواء كانت أمريكية أو سوفييتية، فهي لا تفتأ تغتال العقل و الروح و تتحالف على الإنسان بخيلها و رجلها، و لكنها برغم كل شيء ضعيفة متهافتة واهية لأنها تغتال نفسها ضمن ما تغتال و تأكل كيانها، وسوف تقتتل مع بعضها البعض و تتحارب بالمخلب و الناب و بالقنابل الذرية و القذائف النووية فالطمع و الجشع حياتها و موتها.

و على رقعة صغيرة من الأرض يقف الإسلام كمنارة في بحر لجي مظلم متلاطم الموج يعج بالبوارج و الغواصات و حاملات الصواريخ و حاملات الرءوس النووية.
و ما أكثر المسلمين ممن هم في البطاقة مسلمون، و لكنهم في الحقيقة ماديون اغتالتهم الحضارة المادية بأفكارها و سكنتهم حتى الأحشاء و النخاع، فهم يقتل بعضهم البعض و يعيشون لليوم و اللحظة و يجمعون و يكنزون و يتفاخرون و لا يرون من الغد أبعد من لذة ساعة، و يتكلمون بلغة سوفييتية أو لغة أمريكية و لا يعرفون لهم هوية..
و قد نجد من يصلي منهم إلى القبلة خمس مرات في اليوم و لكن حقيقة قبلته هي فاترينة البضائع الاستهلاكية.
و لا يبقى بعد ذلك إلا قليل أو أقل القليل ممن عرف ربه.
و لو بقي مؤمن واحد مرابط على الحق في الأربعة آلاف مليون فهو وحده أمة ترجحهم جميعا عند الله يوم تنكشف الحقائق و ينهدم مسرح العرائس و يتمزق ديكور الخيش و الخرق الملونة، و تنهار علب الكرتون التي ظنناها ناطحات سحاب و تنتهي الدنيا.
و حينئذ و عندما تهتك الأستار و تقام الموازين، سوف نعرف ما الدنيا و ماذا تساوي.. و ماذا يساوي كل الزمن حينما نضع أقدامنا في الأبد.
و حينئذ سوف نتذكر الدنيا كما نتذكر رسما كروكيا، أو مسرح خيال الظل، أو نموذج مثال مصنوع من الصلصال لتقريب معنى بعيد بعيد و مجرد..

و سوف نعلم أنها ما كانت سوى النقطة التي فيها كل أملاح البحر المحيط، و لكنها لم تكن أبدا البحر المحيط

المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس
قديم 18-01-2012, 02:42 AM   #2
(نوفا)
V I P


الصورة الرمزية (نوفا)
(نوفا) غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 30369
 تاريخ التسجيل :  05 2010
 أخر زيارة : 23-12-2014 (04:22 AM)
 المشاركات : 8,356 [ + ]
 التقييم :  84
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Darkred


موضوع ..رائع .أ. صلاح ،،،

صحيح ..إن النفس هي الموضوع و هي ميدان المعركةو محل الابتلاء،

لذا كان جهاد النفس ..من أعظم أنواع الجهاد ،،



 

رد مع اقتباس
قديم 18-03-2012, 08:51 PM   #3
صلاح سليم
نائب المشرف العام سابقا
عضو مجلس إداره دائم


الصورة الرمزية صلاح سليم
صلاح سليم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28619
 تاريخ التسجيل :  08 2009
 أخر زيارة : 04-12-2022 (09:58 PM)
 المشاركات : 6,209 [ + ]
 التقييم :  239
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Navy


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة (نوفا) مشاهدة المشاركة
موضوع ..رائع .أ. صلاح ،،،

صحيح ..إن النفس هي الموضوع و هي ميدان المعركةو محل الابتلاء،

لذا كان جهاد النفس ..من أعظم أنواع الجهاد ،،

لا شك فى ان البداية لا بد ان تكون من الداخل ..
يقول رسولنا صلى الله عليه و سلم :
إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب ..

فالهوى قد يقود الانسان الى صلاح الامور ..
او يطيح به الى اسفل السافلين ..

اشكرك اختى الكريمة على مرورك واضافتك ..


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:12 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا