المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > الملتقيات العامة > ملتقى الأدب
 

ملتقى الأدب للقصة القصيرة والقصيدة باللغتين الفصحى والنبطي .

حلمُ رجل مضحك

أنا رجلٌ مضحك، وهم ينعتونني الآن بالمجنون، وقد كانَ من شأن هذا النعت أن يكونَ رفعاً من قَدْري لو أنّهم تراجعوا عن اعتباري مضحكاً، كما فعلوا في السابق. لكنني بعد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 07-12-2009, 01:44 AM   #1
الساكن
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية الساكن
الساكن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27629
 تاريخ التسجيل :  04 2009
 أخر زيارة : 12-05-2024 (12:54 AM)
 المشاركات : 1,599 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
حلمُ رجل مضحك



أنا رجلٌ مضحك، وهم ينعتونني الآن بالمجنون، وقد كانَ من شأن هذا النعت أن يكونَ رفعاً من قَدْري لو أنّهم تراجعوا عن اعتباري مضحكاً، كما فعلوا في السابق. لكنني بعد اليوم لن أغضبَ عليهم، فجميعُهم لطفاء بالنسبة لي حتى وهم يهزؤون بي، بل لعلهم يصبحونَ أكثر لطفاً حين يفعلونَ ذلك، ولو لم أكن شديد الحزنِ وأنا أنظر إليهم لضحكت معهم ـ ليسَ على نفسي بالطبع ـ ولكن لكي أُسرّي عنهم، شديد الحزن لأني أراهم يجهلونَ الحقيقة؛ بينما أعرفُها أنا، ما أصعَبَ الأمرَ على من يعرف الحقيقةَ وحده، إنهم لن يفهموا ذلك.‏

لا، لن يفهموا.‏

فيما مضى تألمتُ كثيراً حين بدوتُ مُضحكاً، لماذا أقولُ بدَوت، لقد كنت مُضحكاً، دائماً كنتُ مضحكاً، وأعلمُ ذلك، رُبّما منذُ ولادتي كنتُ كذلك، ولعلّي عرفت هذا في السابعة من عُمري، بعد ذلك درستُ في الثانويّة، ثُمّ في الجامعة وكنت كُلّما تعلّمت أكثر، أيقنتُ أنني مُضحك، حتى لكأن دراستي الجامعيّة كُلها ما وُجدت إلا لتبرهنَ لي وتقنعني ـ على قدرِ تعمّقي في العلومِ ـ بأنني مُضحك، سواءٌ في العلم أو الحياة، وعاماً بعد عام كنت أزدادُ يقيناً بأن لي شكلاً مضحكاً في شتّى المجالات، لقد ضحكَ عليّ الجميع وفي كل مكان، وما عرفَ هؤلاء أبداً أنّه إن كان ثَمّةَ من يدرك أكثر من الجميع على الأرض كم أنا مضحك فهذا الشخص هو أنا بالذات، وقد أغضبني كثيراً أن أحداً منهم لا يعرف ذلك، ولعلّي كنتُ مُذنباً في هذا الشأن: فقد كنت دائماً عزيز النفس، ممّا منعني دائماً أن أعترفَ لأحدهم بذلك، وقد نمت عِزّة نفسي هذهِ مع السنوات، ولو حدثَ في يومٍ من الأيام أن اضطررتُ للاعترافِ بأنني مضحك أمام شخصٍ ما لهشّمت جمجمتي بطلقةِ مُسدّس في مساء اليوم ذاته، كم تعذّبتُ في مُراهقتي من أنني قد لا أستطيع التحمّل وأعترف أمام رفاقي بأنني مضحك، ولكن ومنذ أصبحتُ شاباً ـ ورغم ازدياد معرفتي عاماً بعد عام بنوعيّتي الغريبة ـ بدأت أصبحُ لسبب ما أكثر هدوءاً واطمئناناً.‏

وما كل ذلك إلا لجهلي التام بحقيقة حالتي هذه، رُبّما يعودُ الأمرُ إلى تلك التعاسة الغامرة التي سيطرت علي إثر حالةٍ أقوى منّي؛ حالةٍ اقتنعْتُ فيها بشكلٍ راسخٍ وثابت أن لا شيء في هذهِ الحياة "يستحقُ الاهتمام"، كان الأمرُ فيما مضى مُجرّد شكٍ، لكنني اقتنعتُ بعد ذلك قناعةً كاملة، وأيقنتُ فجأةً بذلك يقيناً لا مَحيد عنه. بغتةً شعرتُ أنني لستُ معنياً سواءَ وجدَ هذا العالَمُ أم لم يوجد. وبدأتُ أشعرُ وأحسُ بكل جوارحي (أن لا شيء قد وجِدَ أثناء وجودي أنا)، في البداية كان قد تراءى لي أن أشياءَ جَمّة قد وجدت من قبلُ، ثُمَّ أدركتُ أن لا شيءَ من قَبلُ قد وجد أيضاً، ولكن لسبب ما تراءى لي ذلكَ الوجود، وشيئاً فشيئاً أيقنتُ أن لا شيءَ أبداً سيكون.‏

وعند ذلك أصبحتُ فجأةً لا أغضبُ من الناس، بل ما عدتُ ألاحظُ وجودَهم.‏

وقد تجلّى هذا في بعض التفاصيل الصغيرة جداً: مثلاً أنني كنت أسيرُ في الطريق فأصطدمُ بالناس، والأمرُ ليسَ بسبب استغراقي في التفكير: فبماذا سأفكر، يومها كنتُ قد توّقفت عن التفكير في أي شيء: لقد استوت الأمور كلها في عينيّ، وما عدتُ أهتمُ لأمرٍ ولا فكّرت في حلِ سؤال واحد؟ ثُمَّ هل كان ثمّة أسئلة شغلتني؟ (لم أكن معنياً بشيء) ولهذا تناثرت الأسئلة مبتعدة.‏

وهكذا بعد كل ما سبق عرفتُ الحقيقة، عَرفتُها في تشرين الثاني الماضي، وبالتحديد في الثالثِ منه، ومنذ ذلك الحين لم أنسَ لحظةً من تلك اللحظات، كان ذلكَ في ليلةٍ حالكة، ليلةٍ ما عرفتُ أكثر مِنها ظُلْمَةً، كنتُ عائداً في الحادية عشرة إلى منزلي وأذكرُ تحديداً أنني فكرّتُ أن من المستحيل وجود ظلامٍ دامسٍ كهذا، حتى من وجهةِ النظر الفيزيائيّة، كان المطَرُ قد تساقط طوال النهار، وكان من أكثر الأمطار برودةً وكآبةً، بل تهديداً، وعدائيةً للناس؛ أذكرُ ذلك، ثُمّ ها هو ذا يتوقف فجأةً قرابة الحادية عشرة ليلاً، وترتفَعُ من الأرضِ رطوبةٌ أشدُ برودةً مما كان المطرُ قد صنعه، ويتعالى بخارٌ ما؛ من كل بلاطة في الشارع، ومن كلِ زقاقٍ يفضي إليه وتراهُ حين تُرسِلُ نظرك إلى البعيد، عندها تهيأ لي أن انطفاءَ مصابيح الغاز كلها سيبعثُ الفرح، لأنها على هذهِ الصورة تضيءُ وتظهر كل هذا الحزن، لم أكن قد تناولتُ طعام الغداء ذلكَ اليوم، ومنذ بداية المساء جلستُ عند مهندسٍ وبصحبتِهِ رفيقيه.‏

وبقيت طوال السهرةِ صامتاً، مما بعثَ في نفوسهم المللَ مني، تحدّثوا في أمور مثيرة ثُمّ استولت عليهم الحماسة، لكنّهم كانوا في حقيقة الأمر يتصنّعون لم يكن يهمّهم ما يتجادلون حوله، وقد انتبهتُ إلى ذلك، فقلتُ لهم فجأةً: "أيّها السادة، إنكم في حقيقة الأمر لا تكترثون".‏

لم يغضبوا مني، لكنّهم جميعاً ضحكوا ساخرين، رُبّما لأنني قلتُ ما قلته دون أي لوم، ولأنني ببساطة لم أكن معنيّاً بشيء، رأوا ذلك فغلبَ عليهم المرح.‏

حين فكّرت في مصابيح الغاز وأنا في الطريق رفعتُ عينيَ إلى السماء؛ كانت شديدة الحُلكة، وبصعوبة يمكن تميزُ مِزق الغيوم، وبينهما بقعٌ سوداء عميقة، في إحدى تلك البقع استطعتُ أن أرى نجماً صغيراً فرحتُ أحدّقُ به متأمّلاً؛ لقد أيقظَ النجمُ فيّ فكرةً: في تلك الليلة قرّرتُ الانتحار، قبل شهرين منها كنتُ قد صمّمتُ على قتل نفسي، ورغم فقري الشديد اشتريتُ مسدّساً رائعاً، وحشوتُهُ في ذلك اليوم نفسه، ثُمّ مَرّ شهرانِ والمسدّسُ مرميٌ في الدُرج، وقد بلغتُ من شدّة عدم اكتراثي أن تمنيتُ في النهاية أن أقبضَ على دقيقة واحدة أحسُ فيها أن شيئاً ما يستحقُ الاهتمام، لماذا؟ لا أدري، وهكذا وخلال ذينك الشهرين كنتُ أعودُ إلى البيت كل يوم وأفكر بالانتحار، وأنتظر اللحظة المناسبة.‏

والآن يمنحني هذهِ النجم فكرةَ؛ أن أنفّذ ما عقدتُ عليه العزم في هذهِ الليلة "بالذات". أما لماذا قَدّم لي النجم هذهِ الفكرة ـ فلا أعلم!‏

وفي اللحظةِ نفسها التي كنت أنظرُ فيها إلى السماء، أمسكت طفلةٌ كُمّي، كان الطريقُ قد أقفَرَ، وما من أحدٍ فيهِ تقريباً، بعيداً عني غفا حوذيٌ على مقعده، الطفلةُ كانت في الثامنة، تغطي رأسها بمنديل، وتَسْتَتِرُ بثوبها فقط، وهي مبللة تماماً، وقد لفتَ انتباهي حذاؤها المثقوبُ المبلل ولا زلتُ أذكُرُ منظرهُ حتى الآن، ولقَد تسمّرت عينايَ على منظر قدميها في الحذاء، راحت البنتُ تشدّني من كُمّي وتستنجدُ بي، لم تكن تبكي، ولكنَّها لشدّة عصبيتها غرغرت ببعض الكلمات التي لم تستطع نطقها جيداً، بسبب البردِ وارتجافِها بقوّة، بدت مذعورةً لأمرٍ ما، ثم صَرخت يائسةً: "أُمّي، أُمِّي الحبيبة" التفتُ نحوها ولم أقل شيئاً بل تابعتُ مَسيري، ركضتْ خلفي، وهَزّتني، وتعالى صوتها كما يمكن أن تسمع من الأطفال المرعوبين اليائسين؛ أعرفُ أنا مثل هذا الصوت، ورغم أنها لم تقل ذلك فقد توقعت أن أمها تحتضرُ في مكان ما، أو أن شيئاً خطيراً حصَلَ لهما فانطلقت تستنجدُ بشخصٍ ما، تجدُ أحداً ما يساعدها، لكنني لم أذهب معها، بل راودتني فكرةُ نَهْرِها، قلتُ لها في البداية أن تبحثَ عن شرطي، ولكنّها أسرعت تضمّ يديها الصغيرتين وتتضرَعُ مبتهلةً وتركضُ إلى جواري رافضةً تركي، عندها قرعتُ الأرضَ بقدمي ونهرتُها، فما زادت عن أن تصرخ بي: "سيّدي!.. أيّها السيّد"، وغادرتني فجأةً قاطعةً الطريق مسرعةً كالسهم، باتجاهِ شخصٍ آخر على الرصيف المقابل.‏

صعدتُ إلى الطابق الخامس حيث أقيمُ؛ في شقةٍ مفروشة عند صاحب المسكن، غرفتي صغيرةٌ فقيرة، لا نافذةَ فيها إلا نصف كوّة صغيرة، عندي ديوان، طاولة تحملُ الكتب، كُرسيّان مقعد يتيم مُهلهل، لكن من طراز فولتير، جلستُ، أشعلتُ شمعة ورحتُ أفكّر.‏

في الغرفة المجاورة كانَ الصخبُ مستمراً، لقد بدأ منذُ ثلاثةِ أيام، هناك يعيشُ كابتن متقاعد، وقد زارَهُ هذه المَرّة ستّة أشخاص أوغاد، شربوا الفودكا، ولَعِبوا لُعبةَ "الفرعون" بأوراقِ لعبٍ قديمة، في الليلةِ الماضية نشب بينهم عراك، وأنا أعلم أن اثنين منهما ظّلا لفترةٍ طويلة يجرُّ كل منهما الآخر من شَعْرِه. وقد أرادت صَاحبةُ المنزل أن تشكوهم لكنّها كانت تخشى الكابتن كثيراً، لم يكن في الشقة ـ بالإضافة لنا ـ إلا سيّدة نحيفة قصيرة، هي أرملة أحد الضبّاط، وقد جاءت إلى هذا المسكن مع أبنائِها الصغار الثلاثة، الذين سرعان ما مَرِضوا، لقد كانوا يخشون الكابتن ويخافونه، مما يجعلهم يرتجفون ويرسمون إشارة الصليب طوال الليل، حتى أن الطفل الأصغر كان يُعاني من نوبةٍ عصبيّة جَرّاء الرعب.‏

كنتُ أعلمُ أن هذا الكابتن يستوقفُ العابرين في شارع نيفسكي طلباً للصَدَقة.‏

وما كان أحد يَدعوه للخدمةِ أو العمل، ولكن الغريب (وهذا ما دعاني لأتحدّث عنه) أن هذا الكابتن وقد مَرّ على سُكْناهُ مَعنا شهر كامل لم يُثرِ فيّ نفسي أي شعور بالنفور منه، لقد تجنّبتُ أي تعارفٍ بيننا منذُ البداية، مع أن مثل هذا الأمر لو حَدث لشعَرَ الرجلُ بالمللِ والضجرِ منّي منذ اللقاء الأوّل. لم أهتّمَ لأمرهم مهما صَرخوا خلفَ جدارهم ومهما كان عددهم، كان الأمرُ بالنسبة لي سيّان.‏

كنت أجلسُ طوال الليل وفي الحقيقة لم أكن أنصت إليهم أو أسمعهم ـ بل لقد نسيتُ وجودَهم. لقد اعتدتُ أن أجلس على المقعد إلى الطاولة طوال الليل دون أن أفعل شيئاً، أما فيما يتعلّق بالقراءة فقد كنت لا أقرأُ إلا نهاراً، أجلسُ فحسب ولا أفكّر، بينما تَمّرُ بخاطري بعض الأفكار، التي سرعان ما أحرّرها لتذهب وفق إرادتها.‏

احترقتْ الشمعة كُلّها تلك الليلة، وأنا أجلسُ صامتاً إلى الطاولة، أخرجتُ المُسدّس وضعتُهُ على الطاولة أمامي، وتذكرتُ حين فعلتُ ذلك أنني سألتُ نفسي:‏

"هكذا إذاً؟"، ثُمّ أجبتُ حاسماً: "نعم" أي سأنتحر، وكنت أَعْلَمُ أنني على الأرجح سأنتحر في تلك الليلة، لكن إلى متى سأجلسُ على مقعدي قرب الطاولةِ قبل أن أفعل ذلك، لم أكن أعلم. ولا شك عندي أنني كنتُ انتحرت لو لم ألقَ تلك الطفلة في الليلة نفسها في الشارع.‏


للروائي دستويفسكي
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس
قديم 07-12-2009, 07:09 PM   #2
اسامه السيد
عضومجلس إدارة في نفساني


الصورة الرمزية اسامه السيد
اسامه السيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19648
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 10-11-2020 (02:43 AM)
 المشاركات : 12,794 [ + ]
 التقييم :  94
لوني المفضل : Cadetblue


حياك الله ياأخى الساكن ...

ويسلم زوقك ..

فديستويفسكى من كُتَّابى المفضلين ....


 

رد مع اقتباس
قديم 17-12-2009, 06:14 PM   #3
سمو الغامض
V I P


الصورة الرمزية سمو الغامض
سمو الغامض غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 23056
 تاريخ التسجيل :  02 2008
 أخر زيارة : 09-04-2012 (07:12 PM)
 المشاركات : 5,013 [ + ]
 التقييم :  121
لوني المفضل : Cadetblue


سلمتْ يدآكـَ، أخيـ، ..

أسلوب رآئع جدًآ ..

و سرد أروع ..


أشكركـَ، بعنف و قسوة على هذآ الإختيـآر !!


 

رد مع اقتباس
قديم 18-12-2009, 02:49 PM   #4
آه ياسنيني
المركز الاول (أميرة الأبجديّــات)


الصورة الرمزية آه ياسنيني
آه ياسنيني غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27270
 تاريخ التسجيل :  03 2009
 أخر زيارة : 29-12-2011 (06:32 AM)
 المشاركات : 817 [ + ]
 التقييم :  54
لوني المفضل : Cadetblue


أجل رائعة وأجد فيها نفسي..

مبدعٌ بأنتقاءك..

&%&نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


 

رد مع اقتباس
قديم 20-12-2009, 03:06 AM   #5
الساكن
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية الساكن
الساكن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27629
 تاريخ التسجيل :  04 2009
 أخر زيارة : 12-05-2024 (12:54 AM)
 المشاركات : 1,599 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


الشكر موصول لمن شارك برايه

ولكن هناك تكمله ...للقصه ..

لاترحوا بعيد

والقصه هذة لها ابعاد ودوستفسكي ..روائي عظيم ..


 

رد مع اقتباس
قديم 20-12-2009, 04:57 AM   #6
آه ياسنيني
المركز الاول (أميرة الأبجديّــات)


الصورة الرمزية آه ياسنيني
آه ياسنيني غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27270
 تاريخ التسجيل :  03 2009
 أخر زيارة : 29-12-2011 (06:32 AM)
 المشاركات : 817 [ + ]
 التقييم :  54
لوني المفضل : Cadetblue


حسناً مازلنا نتابع..بالأنتظار نحن..


 

رد مع اقتباس
قديم 21-12-2009, 08:17 AM   #7
اينار
المركز الثالث (عقد من ضياء)


الصورة الرمزية اينار
اينار غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 18469
 تاريخ التسجيل :  09 2006
 أخر زيارة : 04-04-2024 (04:42 AM)
 المشاركات : 2,518 [ + ]
 التقييم :  71
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Hotpink


متاااااابعه


 

رد مع اقتباس
قديم 01-09-2010, 02:35 AM   #8
الساكن
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية الساكن
الساكن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27629
 تاريخ التسجيل :  04 2009
 أخر زيارة : 12-05-2024 (12:54 AM)
 المشاركات : 1,599 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


رغم أن الأشياء من حولي ما كانت تعنيني، إلا أنني كنتُ أُحسُّ ـ على سبيلالمثال ـ بالألم.‏

فلو ضربني شخصٌ ما لشعرتُ بالألم. والأمرُ مُماثِلٌ فيمايتعلّقُ بالمسائِلِ الأخلاقيّة أو الوجدانيّة: فحين يحدُثُ شيءٌ محزنٌ جداً، أشعُرُبحزنٍ عميق كما كان شَأني عندما كنتُ أكترثُ بالدنيا من حولي. لقد شعرتُ بالشفقةِمنذُ قليل: كان بإمكاني أن أساعِدَ تلك الطفلة دونَ تردد، فلماذا لم أفعل؟ لعلّهاتلك الفكرة التي انبجست عندما كانت البنت تشدّني من كُمّي وتدعوني لنجدتها، متمثّلةبسؤالٍ برزَ فجأةً نصب عيني وما استطعتُ حَلّه؛ لقد كان سؤالاً نافِلاً لكنَّهأغضبني، أغضبني بسبب نتيجتِهِ التي تقول: ما دمتُ سأنهي حياتي الليلة، فالأولى أنأُصْبِحَ أقلَ اهتماماً بالدنيا في هذهِ اللحظات أكثر مما كنتُ في أي وقتٍ مضى،فلماذا شعرتُ فجأةً وبعدما سبق بأنني أشفِقُ على الطفلة وأكترثُ لحالها؟ أتذكر أننيحزنت لأجلها وأشفقتُ عليها كثيراً، ممّا لا ينسجِمُ مَع وضعي وما أنا مقدمٌ عليه. حقيقةً... لا أتمكَنُ من رسم المشاعِر التي سيطرت عليّ لحظتها، لكنّها مشاعرُ لمتغادرني أبداً، وحين جلستُ إلى طاولتي في الغرفة، كانَ الغضبُ في نفسي يضطرمُ كمالم يحدث لي منذُ سنواتٍ طويلة، وبدأتِ المحاكماتُ العقليّة تترى الواحدة تلوالأخرى، وكنت أقلّبُ الأمور: إنني ما دمتُ إنساناً، ولستُ صفراً، وَلم أصبح صِفراًبعدُ، فهذا يعني أنني أحيا، وبالتالي يُمكنني أن أتألّمِ، وأغضبَ وأشعر بالخزي مماأقترِفُهُ، طيّب! فإن انتحرتُ؛ ما الذي يعنيني بَعد سَاعتين مثلاً من شأن الفتاة،ومن الخزي، ومن كلِ ما هو فوقَ سطح الأرض؟ عندها سأتحوّلُ إلى صِفر، إلى عَدَمٍمُطلق.‏

وهل من المعقول أن مسألةَ إدراكي أنني بعد قليل لن أبقى موجوداً (على الإطلاق)، وبالتالي فالعالم كُلّهُ لن يكونَ موجوداً، هل من المعقولِ إذاً أنهذا الإدراك لم يكن يؤثّر ولو قليلاً جداً على شعوري بالشفقة إزاء الطفلة، وشعوريبالعارِ من قِلّة الضمير التي ارتكبتُها؟!‏

لقد قمتُ بإهانةِ الطفلةالبائسة حين قرعتُ الأرضَ بقدمي، وصرختُ بها، ومَا هذهِ الحقارة التي قمتُ بهاوالخالية من مشاعِر التعاطف الإنساني "بهدفِ البرهان على أنني لم أعد أشعُرُبالشفقة فحسب، بل لأثبِتَ أيضاً أنني أستطيعُ أن أرتكبَ أي حقارة لأنني وبعد ساعتينسأغادرُ هذا العالم"، هل تُصدّقون أن صُراخي كان لهذا السبب؟ أنا الآن واثقٌتقريباً من ذلك، لقد تصوّرتُ بوضوحٍ تام أن الحياة والعالم الآن إنّما يتعلّقانِبي، ويمكنني حتى أن أقول: لكأنَ العالمَ قد وجدَ لأجلي وحدي، فيكفي أن أطلقَ النارَعليّ حتى يختفي العالم ولا يعودُ موجوداً، على الأقل بالنسبةِ لي؛ ولا أقول الآن أنلا شيءَ سيبقى في حقيقة الأمر للجميع من بعدي أنا، وما أن ينطفئُ وَعيي حتى يتلاشىالعالَمُ كلّهُ في اللحظةِ نفسها كما يتلاشى شبح، لأن كل هذا ينتمي إلى وعيي أناوحدي، رُبّما لأن هذا العالم كُلّه، والناسُ كُلّهم ليسوا سوى (أنا) وحدي، أذكُرُأَنني استعرضّت وقلّبتُ كل هذهِ الأسئلة الجديدة جَالساً إلى طاولتي؛ فأذهب فيهامذاهب شتّى واختَلِقُ غيرها.‏


 

رد مع اقتباس
قديم 01-09-2010, 02:36 AM   #9
الساكن
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية الساكن
الساكن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27629
 تاريخ التسجيل :  04 2009
 أخر زيارة : 12-05-2024 (12:54 AM)
 المشاركات : 1,599 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


فقد تصوّرتُ ـ على سبيل المثال ـ أمراً غريباً جداً؛ كما لو أنني كنتُ قد عشتُ فيالماضي على سطح القمر أو المرّيخ، وارتكبتُ هناكَ عملاً شديد البشاعةِ والوضاعة،مما لا يمكن تصوّره، فصرتُ مخزيّاً مكللاً بالعار، بطريقةٍ لا يمكن تخيّل مثلهاإلاَّ في الكوابيس، ثُمّ وجدتُ نفسي فجأةً على سطح الأرض مع كلِّ تلك المشاعِرِوالصور عَمّا ارتكبتُهُ على سطح ذلك الكوكب، لكنني لن أعودَ إلى هناك لأيِ سبب كان؛فأنا أنظر إلى القمر من الأرض ـ هل سأشعُرُ عندها بعدم الاكتراثِ لكل ما حدث هناك؟هل سأحسُّ بالعار مما فعلتُهُ هناك؟ أسئلة نافلة لا جدوى منها، فالمسدّسُ يضطجعُأمامي على الطاولة، ولا بُدّ أنني سأنتحرُ؛ لكن تلك الأسئلة تثيرُ في أعماقي الناروتمنعني من الموتِ قبل أن أحلّها، وبكلمة واحدة: لقد أنقذتني تلك الطفلة فالأسئلةُتلك أبعدت المسدّس، وكان الوضَعُ في غرفة الكابتن يجنَحُ إلى الهدوء والسكون. لقدتوقفوا عن اللعب، واستعدّوا للنوم، وما عادت تصلني إلا بضعُ دمدماتٍ متقطّعة، أوشتائم متفرّقة، ثُمّ أخذني النوم فجأة على غير عادتي مَعه من قبل، نمتُ دون أن أحسّبذلك، الأحلام؛ كما هو معروف أشياءُ غريبة(1) بعضُها يعرضُ لك رهيباً حاداً وجلياًبكل تفاصيله، كقطعةٍ نقديّةٍ تخرجُ من بين يدي الصائغ وفي بعضها الآخر تسبَحُ عَبرَالزمانِ والمكان ولا تلتقطُ شيئاً من الجليِ تماماً أن ما يحرّك الأحلام فينا هوالرغبة وليس العقل، هو القلب وليس الرأس، ورغم هذا فإن عقلي في أحيان كثيرة يلعبدوراً كبيراً في أحلامي، ويطرحُ أشياء عجيبة صعبة التفسير!. من ذلك أن لي أخاً توفيمنذ خمس سنوات، وهو يظهر في أحلامي أحياناً: فيشاركُ في أعمالي، ونشعرُ بمتعةكبيرة، وخلال كل ذلك لا يغيب عن بالي أن أخي هذا ميتٌ ومدفون.‏

فكيفَ لاأشعرُ بالدهشة أنه رغم موتِهِ يجلسُ إلى جواري ويشاركني أموري؟‏

لماذايسمَحُ عقلي لهذا الأمر أن يحدث ويمّر؟ وعلى كل حال يكفي هذا.‏

وسأنتقلُإلى حُلمي الذي رأيتُهُ، نعم الحلم الذي شاهدتُهُ في تلك الليلة، حُلمي ليلة الثالثمن تشرين الثاني.‏

إنهم يسخرونَ مني ويرونَ أنه مجرّد حُلم، ولكن سواءَ كانما رأيتُهُ حُلماً أم لا فالأهمُ أنه أظهر لي "الحقيقة"، وما دمتُ قد عاينتُالحقيقة الأزليّة وعرفتُها وعرفتُ أن لا حقيقة سواها فما أهميّة أن أكون قد فعلتُذلك في الحلم أم اليقظة وليكن حُلماً، إن تلك الحياة التي تعلونَ من شأنها كنتُسأنهيها بطلقة مُسدّس، لكن حُلمي، حُلمي أنا ـ فقد حَمَل إليّ حياةً جديدة، عظيمة،متجدّدة، وقويّة!‏

اسمعوا:‏


 

رد مع اقتباس
قديم 01-09-2010, 02:40 AM   #10
الساكن
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية الساكن
الساكن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27629
 تاريخ التسجيل :  04 2009
 أخر زيارة : 12-05-2024 (12:54 AM)
 المشاركات : 1,599 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


لقد قلتُ إنني نمتُ وماأحسستُ كيف حدث ذلك، لكأنني كنت لا أزال أقلّبُ تلك الأمور.‏

ورأيتُ نفسيأمسك المسدّس وأنا في وضعيتي نفسها وأسددُهُ إلى قلبي مُباشرةً ـ إلى قلبي وليسَإلى رأسي، وكنتُ من قبل قد خططتُ أن أسدِدَ إلى صدغي الأيسر، وضعتُ المسدسَ إذاً فيصدري وانتظرتُ ثانية أو اثنتين، فإذا بالشمعة والطاولة والجدار أمامي تهتزُوتترنّح، فأسرعتُ أطلقُ النار.‏

في الحُلمِ تسقطُ أحياناً من مكانٍ شاهقٍ،أو تُطعن أو تُضرب، لكنك لا تحسُّ على الأغلب بالألم، إلا أن تكون قد آذيتَ نفسكَبالسرير، وتستيقظُ تحت الشعور بالألم، وهذا ما حَدَثَ في حُلمي: فأنا لم أشعربالألم جَرّاء إطلاق النار ولكن خُيّل لي أنني تلقيتُ صدمة هَزّتني كُلّي ثم شعرتُبالسكينة، وأحاطتني ظلمةٌ شديدة، لكأنني أصبحتُ أعمى وأخرس، ثُمَّ ها آنذا أضطجِعُفوق شيء ما صلب ممّدداً ومقلوباً، لا أرى شيئاً ولا أستطيع أن أتحرّك، البشر منحولي يصرخون ويعبرون، والكابتن يزمجر، وصاحبة البيت تعول ـ ثُمَّ يَعمّ الهدوءُ منجديد، وها هم يحملونني في تابوتٍ مُغلق، وأحسُّ التابوت يتأرجح، فأفكر في الأمر،وتصعقُني لأوّل مرّةٍ فكرة مفادها أنني ميّت ميت تماماً، أعلمُ ذلك ولا أشكُ فيه،لا أتحرّك، لا أرى شيئاً، لكنني أحسُّ وأفكّر. وسرعان ما ألفتُ هذا الوضعَ وفقاًلمنطق الحلم نفسه، وقبلتُ الأمر دون اعتراض.‏

وها هم يدفنونني في الأرض،ثُمَ يغادرون، أظّلُ وحيداً، وحيداً تماماً، لا أستطيع الحركة.‏

كنتُ فيمامضى حين أتخيّلُ كيف سأُدفَن في القبر، أجدُني دائماً أربطُ بين القبر ومشاعرالوحدةِ والإحساس بالبرد، ولهذا فأنا أشعرُ الآن بالبرد الشديد، ولا سيّما فينهاياتِ أصابعِ قدميَّ، وسوى ذلك لا أشعرُ بشيء.‏

كنتُ ممدّداً ومن الغريبأنني لم أكن أنتظرُ شيئاً، وكنتُ على يقين لا اعتراضَ فيه أن على الميّت ألا ينتظرشيئاً. لا أعلم كم مَرّ من الوقت ـ ساعة أم عدّة أيام، أم أيام كثيرة.‏

ثُمّ إذا بقطرةٍ ماءٍ كبيرة تسقطُ فجأةً من غطاء التابوت في عيني اليُسرىالمغمضة، وتتلوها بعد دقيقة قطرة أخرى، وهكذا يستمرُ تساقط القطرات كل دقيقة،فأشعرُ بغيظ شديدٍ في قلبي، ثُمّ أحسُّ بألمٍ فيزيائيٍ فيه: "إنّه جُرحي ـ فكرتُ ـهذا موضِعُ الرصاصة" ويستمرُ تساقطُ القطرات كل دقيقة واحدة ومباشرةً على عينيالمغلقة.‏

وفجأةً وجدتُني أصرُخُ بكل ما فيّ من مشاعر ـ ولكن دون صوت فقدكنت جامداً لا حراكَ فيّ ـ وجدتُني أصرخُ منادياً ذاك الذي يتحكّم بي.‏

ـأياً كنتَ؛ إن كنتَ موجوداً، وإن كان من الممكن وجود ما يحدث الآن، ولو على سبيلالانتقام مني بسبب انتحاري الغبي فلا تسمح بحدوث ذلك لأنكَ لن تلقى مني إلاالسخرية، فالتعذيب الذي يقعُ عليّ الآن، مهما كان لا يَعْدِلُ شعوري بالاحتقار الذيسأحسّهُ صامتاً ولو لملايين السنين القادمة!‏

ناديتُ بكلامي ذاك ثُمّ سكتُ،مَرّت دقيقةٌ من صمتٍ عميق، وسقطت قطرةُ ماءٍ واحدة لكنني كنت أعلم علمَ اليقين أنكل هذا الأمر سيتغيّر فجأةً، وها هو ذا القبرُ ينفتحُ فجأةً، أو لنقل أنني لم أكنأعرف هل انفتَحَ القبرُ أو كان كذلك أو ذابَ الغطاء، لكنني أحسستُ أن كائناً غامضاًومجهولاً أمسكني وطار بي في الفضاء، ثُمَ أعادَ لي بصري بغتةً، لكن الظلام كانحالكاً كما لم أرهُ من قبل، لم أسأل الكائن الذي حملني وبقيت صامتاً محتفظاًبكبريائي، لا أشعر بالخوف؛ وسعيداً بذلك، لا أستطيع أن أتذكر كم طرنا، وليس بإمكانيتصوّر ذلك: فقد حدث ما حدث كما هو الأمرُ في الأحلام تجتازُ الأماكن والأزمنة،وتخترقُ كُلّ قوانين العقل والدنيا ولا تلتقطُ شيئاً محَدّداً.‏

أذكُرُأنني لمحتُ في ذلك الظلام الشديد نجماً، فسألتُ رغماً عني: "أهذا نجم سيروس؟" ذلكأنني ما أحببتُ أن أتوجَهَ إلى من يحملني بأي سؤال، فأجابني قائلاً:‏

"لا،إنهُ النجمُ نفسه الذي رأيتَهُ بين السحاب حين كنتَ عائداً إلى منزلك، كنتُ أعلم أنلهذا الكائن هيئة إنسان، ومن غريب الأمر أنني ما أحببتُ هذا الكائن، بل شعرتُتجاهَهُ بكرهٍ شديد. لقد انتظرتُ العدمَ المطلق ولأجل ذلك أطلقتُ رصاصةً في قلبي،فإذا بي بين يدي كائنٍ؛ هو بالتأكيد لا إنساني ولكنهُ "موجود".‏

فكّرتُبخفّة الحلمِ العجيبة: "إذاً هناكَ وراء القبر حياةٌ أخرى!"، لكنَ ميزتي الأساسيّةظَلّت في أعماقي: "إذا كان لا بُدَّ أن (أوجدَ) ثانيةً ـ فكّرتُ ـ بإرادةِ أحدٍ مافإنني لن أكونَ مَغلوباً ومُذلاًّ".‏

"أنتَ تعلم أنني أخافك، ولهذا أنتَتحتقرُني"، قلتُ لرفيقي، دون أن أستطيع كبح هذا السؤال المُذل، الذي ينطوي علىاعتراف وينغرس في قلبي كإبرةٍ سببها الجبن.‏

لم يجبني عن سؤالي، ولكننيشعرتُ فجأةً أنه لا يحتقرني، ولا يضحَكُ من فعلي، ولا يرثي لي في الوقت نفسه، وأنلدربنا هذا غاية ينتهي إليها، سريّة غير معروفة ولا تعني أحداً سواي، ازدادَ الرعبُفي قلبي، ونفذَ صمتُ صاحبي إلي عميقاً ومؤلماً.‏

واجتزنا فضاءاتٍ مظلمةٍ مارأتها عين، وما عدتُ أرى نجوماً مألوفة من قبل.‏



 

رد مع اقتباس
قديم 01-09-2010, 02:41 AM   #11
الساكن
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية الساكن
الساكن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27629
 تاريخ التسجيل :  04 2009
 أخر زيارة : 12-05-2024 (12:54 AM)
 المشاركات : 1,599 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وكنتُ من قبلُ أعلم أن في أعماق الفضاء توجدُ نجومٌ لا تصلُ إلينا أنوارها إلا بعدَآلافِ وملايين السنين، لعلّنا قد قطعنا تلك الفضاءات، كنتُ أنتظرُ شيئاً ما في وحدةقلبي العميقةِ والمخيفة، وفجأةً وبينما أنا كذلك إذا بعاطفةٍ معروفةٍ تهزّ كيانيوتوقظ ماضيّ بقوةٍ: لقد رأيتُ فجأةً شمسنا! كنت أعلمُ أنها لا يمكن أن تكون (شمسنا)، شمسنا التي ولدت أرضنا، وأعلم أننا نبعدُ عن شمسنا مسافاتٍ لا نهائية،لكنني كنت أحسُّ بكل جوارحي أنها تشبُهُ شمسنا تمام الشبه، وهي نسخة عنها، ونظيرلها. إحساسٌ لذيذٌ حلوٌ غَمَر روحي: وقوّة الضياء الخلاقة التي ولدتني، ترجّعت فيقلبي وبعثتهُ من جديد، فأحسستُ بالحياة تعودُ إلى عروقي، لأوّل مَرّةٍ بعدَ أنقُبِرت.‏

ـ ولكن إذا كانت هذهِ هي الشمس، إذا كانت شمساً كشمسِنا تماماً ـهتفتُ به، فأين هي الأرض إذاً؟‏

فأشار مُرافقي إلى نجمةٍ تُشّعُ في الظلمةِبضياءٍ زُمردّي اللون، وكنا في الآن نفسه نتجهُ نحوها.‏

ـ هل من الممكن أنيحدثَ مثلُ هذا التكرارِ في الكون؟ وهل هو قانون الطبيعة؟ وإن كانت تلك هي الأرضُ،فهل هي أرضٌ كأرضنا تماماً، مثلها تعيسة، وفقيرة، ومثلها غالية ومحبوبة أبد الدهر،وقادرة على استدرار حُبِ أبنائها وحتى أكثرهم جحوداً؟ ـ قلت ذلك هاتفاً وأنا أرتعشُجراءَ حُبٍ طاغٍ وشديد تجاه تلك الأرض التي ولدتُ عليها وهجرتُها، وكانت طيف تلكالطفلة البائسة التي أهنتُها يخفقُ أمام عيني.‏

ـ سترى كل شيء ـ أجابَمُرافقي وكانت كلماتُهُ تشي بحزنٍ ما.‏

ولكننا كنا نقتربُ بسرعةٍ منالكوكب، فيكبُرُ حجمُهُ في عينيّ، ثمّ مَيّزتُ المحيط وحدود أوروّبا، فاشتعلت غيرةٌغريبةٌ ومقدّسةٌ في قلبي: "كيف يمكن أن يحدث مثل هذا التكرار؟ ولأية غاية؟ أناأحبُ... أنا أستطيع أن أحب تلك الأرض التي تركتُها ورائي، تلك الأرض التي تناثَرَدَمي فوقها، عندما أطلقتُ الرصاص في قلبي جاحِداً كل شيء، ومنهياً حياتي، ولكننيلمْ أتوقّفْ عن حبّها أبداً، وحتى في تلك الليلة التي فارقتها فيها فقد شعرتُبحبّها أشدُ تعذيباً لي من أي وقتٍ مضى، هل ثمّة عذاب على هذه الأرض الجديدة؟ علىأرضنا لا نستطيع أن نحب إلا مع الألم والعذاب، وفقط من خلالهما، وإلا فإننا لانستطيع أن نحب، بل لا نعرفُ حُبّاً آخر، لهذا أنا أطلبُ العذابَ كي أتمكّن أن أحب،كم أتعطّشُ في هذهِ اللحظة أن أقبلَ الأرضَ وأغسلها بدموعي، تلكَ الأرض التي هجرتهاوالتي لا أريدُ، بل لا أستطيع العيش إلاَّ عليها فقط!".‏

لكن مُرافقي كانقد تركني وحيداً. وأصبحت فجأةً ـ وكما لو أنني لم أنتبه لذلك ـ أقفُ على تلك الأرضالأخرى غارقاً في نور شمسٍ ساطع، في يومٍ نعيميٍ رائع. لقد وقفت على ما أظنُ علىأرضِ جزيرةٍ من تلكَ الجزر التي تشكّل أرخبيل(2) اليونان، أو على شاطئ أرضٍ تشرِفُعلى ذاك الأرخبيل. كل شيء كان يشبُهُ ما ألفناهُ على أرضنا تماماً.‏

وتراءىلي أن حبوراً وعيداً يشعُّ في كل مكان حتى يبلغُ الأمرُ مرحلةَ النشوة والروعة.‏

والبحرُ الزمرديُ اللطيف يُداعبُ الشاطئ بحبٍ واضحٍ عن وعيٍ تقريباً.‏

وأشجارٌ باسقةٌ عاليةٌ رائعة انتصبت في المكان غزيرة الأوراق وكثيفتهاوبَدَتْ لي وكأنها تحييني بمودّة بحفيفها الصامت الرقيق، وتخاطبني بكلمات الحب. واشتعَلَ المرجُ أزهاراً عَطِرةً مضيئة، أما العصافيرُ فكانت تطيرُ نحوي أسراباًمطمئنةً آمنة وتحطُ على كتفيَّ ويديَ مصفّقةً بأجنحتها الصغيرة مغنيةً لي. وأخيراًرأيتُ وعَرَفت بشَرَ تلك الأرض. لقد جاءوا إلي بأنفسهم، أحاطوا بي، وقبّلوني.‏

أبناءُ الشمس، أبناءُ شمسهم ـ كم كانوا رائعين! ما رأيتُ في حياتي جمالاًكجمالهم على أرضنا، وهل بالإمكانِ أن تجدَ صورةً ولو باهتةً من جمال هؤلاء الأطفالفي أطفالِنا حديثي الولادة! عيون هؤلاء البشر السعداء كانت تشعُّ ضياءً ونوراً.‏

ووجوههم تشرقُ حكمةً ووعيّاً، يبلغُ أقصى حدود الهدوء والرزانة، في أصواتهموكلماتهم كانت ترنُّ نغمةُ سعادةٍ طِفْليّة. وقد فهمتُ كل شيءٍ من النظرة الأولىإلى وجوههِم. إنّها الأرضُ؛ قبل أن تلطّخها الخطيئة، وعليها يعيشُ البشرُ دونخطيئةٍ، يعيشونَ في هذهِ الجنّة؛ التي تناقَلَ البَشَر أن أجدادنا عاشوا فيها قبلأن يرتكبوا آثامَهم، مع فرقٍ واحدٍ، هو أن هذهِ الأرض هُنا، إنّما هي جنّة في كلجنباتِها وجهاتِها. كان هؤلاء الناس يضحكونَ من حولي بجذلٍ ومَرَحٍ، يقتربونَ منيويمازحونني، ثُمَّ مضوا بي إلى منازلهم وكُلّ منهم يحاولُ أن يرفّه عني ويسلّيني،وما سألوني عن أي شيء، وكأنهم كانوا يعرفونَ الأشياء جميعها؛ هذا ما بدا لي. لقدكان همّهم أن يطردوا تعابير العذاب عن ملامح وجهي.‏




 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:31 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا